خصائص الائمة عليهم السلام ( خصائص امير المؤمنين عليه السلام )

أبي الحسن محمّد بن الحسين بن موسى الموسوي البغدادي

خصائص الائمة عليهم السلام ( خصائص امير المؤمنين عليه السلام )

المؤلف:

أبي الحسن محمّد بن الحسين بن موسى الموسوي البغدادي


المحقق: الدكتور الشيخ محمّد هادي الأميني
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٤٣

المنتخب من قضاياه عليه‌السلام ، وجوابات المسائل التي سئل عنها

بإسناد مرفوع إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام ، أن ثورا قتل حمارا ، على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرفع ذلك إليه وهو في اناس من أصحابه فيهم أبو بكر ، وعمر ، فقال يا أبا بكر ، إقض بينهم. فقال : يا رسول الله بهيمة قتلت بهيمة ، ما عليها شئ. فقال : يا عمر ، إقض بينهم. فقال : مثل قول أبي بكر. فقال : يا علي إقض بينهم. فقال : نعم يارسول الله ، إن كان الثور دخل على الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثور ، وإن كان الحمار دخل على الثور في مستراحه فلا ضمان عليهم (١).

قال : فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يده إلى السماء وقال : الحمد لله الذي جعل مني من يقضي بقضاء النبيينى (٢).

وعنه عليه‌السلام قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام بقضية ما قضى بها أحد كان قبله ، وكانت أول قضية قضى بها بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك أنه لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأفضى الامر إلى أبي بكر ، أتى برجل قد شرب الخمر ، فقال له أبو بكر : أشربت الخمر؟ قال : نعم قال ولم شربتها؟ وهي محرمة ، قال : اني أسلمت ، ومنزلي بين ظهراني قوم

ـــــــــــــــ

١ ـ مناقب إبن شهرآشوب ٢ / ١٦٩.

٢ ـ مناقب إبن شهراشوب ٢ / ٣٥٤ بسنده إلى مصعب بن سلام بلفظ آخر. نور الابصار / ٧١. الصواعق المحرقة / ٧٣. فضائل الخمسة ٢ / ٣٠٣.

٨١

يشربون الخمر ويستحلونها ، ولم أعلم أنها حرام ، فأجتنبها. قال : فالتفت أبو بكر إلى عمر فقال : ما تقول يا أبا حفص في أمر هذا الرجل؟ فقال : معضلة وأبو حسن لها. فقال أبو بكر : يا غلام ادع عليا ، فقال عمر : بل يؤتى الحكم في بيته ، فأتوه وعنده سلمان ، فأخبروه بقصة الرجل واقتص عليه الرجل قصته ، فقال علي عليه‌السلام : لابي بكر : ابعث معه من يدور به على مجالس المهاجرين والانصار ، فمن كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه ، وإن لم يكن أحد تلا عليه آية التحريم فلا شئ عليه.

قال : ففعل أبو بكر بالرجل ما قاله عليه‌السلام ، فلم يشهد عليه أحد فخلى سبيله ، فقال سلمان لعلي عليه‌السلام : لقد أرشدتهم ، فقال عليه‌السلام : إنما أردت أن أجدد تأكيد هذه الآية في وفيهم : ( افمن يهدى إلى الحق احق أن يتبع ام من لا يهدي إلا ان يهدى فمالكم كيف تحكمون ) (١).

أبو أيوب المدني ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي المعلى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : أتى عمر بإمراة قد تعلقت برجل من الانصار ، وكانت تهواه ولم تقدر له على حيلة ، فذهبت فأخذت بيضة فأخرجت منها الصفرة وصبت البياض على ثيابها وبين فخذيها ، ثم جاءت إلى عمر فقالت يا أمير المؤمنين : إن هذا الرجل أخذني في موضع كذا ففضحني ، قال : فهم عمر أن يعاقب الانصاري ، وعلي عليه‌السلام ـ جالس ، فجعل الانصاري يحلف ويقول : يا أمير المؤمنين تثبت في أمري. فلما أكثر من هذا القول ، قال عمر : يا أبا الحسن ما ترى فنظر علي عليه‌السلام إلى بياض على ثوب المرأة وبين فخذيها فاتهمها أن تكون إحتالت لذلك.

فقال : آتوني بماء حار قد اغلي غليا شديدا ، ففعلوا فلما أتي بالماء أمرهم فصبوه على موضع البياض فاشتوى ذلك البياض فأخذه عليه‌السلام ، فألقاه إلى

ـــــــــــــــ

١ ـ سورة يونس / ٣٥.

إبن شهراشوب ٢ / ٣٥٦. الارشاد ١ / ١٩٠.

٨٢

فيه فلما عرف الطعم ألقاه من فيه ، ثم أقبل على المرأة فسألها حتى أقرت بذلك ، ودفع الله عن الانصاري عقوبة عمر بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام (١).

وبإسناد مرفوع إلى عاصم بن ضمرة السلولي ، قال : سمعت غلاما بالمدينة على عهد عمر بن الخطاب ، وهو يقول : يا أحكم الحاكمين أحكم بيني ، وبين امي ، فقال له عمر : يا غلام لم تدعو على أمك؟ فقال : يا أمير المؤمنين إنها حملتني في بطنها تسعا ، وأرضعتني حولين فلما ترعرعت ، وعرفت الخير من الشر ويميني من شمالي طردتني وانتفت مني وزعمت أنها لا تعرفني.

فقال عمر أين تكون المرأة؟ قال : في سقيفة بني فلان. فقال عمر علي بأم الغلام ، قال : فأتوا بها مع أربعة إخوة لها في قسامة يشهدون لها انها لا تعرف الصبي ، وان هذا الغلام غلام مدع ظلوم غشوم ، يريد أن يفضحها في عشيرتها وأن هذه الجارية من قريش ، لم تتزوج قط ، وأنها بخاتم ربها ، فقال عمر : يا غلام ما تقول؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، هذه والله امي ، حملتني تسعا ، وأرضعتني حولين ، فلما ترعرعت ، وعرفت الخير والشر ويميني من شمالي ، طردتني وانتفت مني وزعمت أنها لا تعرفني. فقال عمر : يا هذه ما يقول الغلام؟ قالت يا أمير المؤمنين والذي احتجب بالنور ولا عين تراه وحق محمد وما ولد ، ما أعرفه ولا أدري اي الناس هو ، وإنه غلام مدع يريد أن يفضحني في عشيرتي ، وأنا جارية من قريش لم أتزوج قط ، واني بخاتم ربي.

فقال عمر : ألك شهود؟ فقالت : نعم هؤلاء ، فتقدم القسامة فشهدوا أن هذا الغلام مدع يريد أن يفضحها في عشيرتها ، وأن هذه جارية من قريش لم تتزوج قط ، وأنها بخاتم ربها ، فقال عمر : خذوا بيد الغلام فانطلقوا به إلى السجن حتى نسأل عن الشهود ، فإن عدلت شهادتهم جلدته حد المفتري ، فأخذ بيد الغلام لينطلق به الي السجن ، فتلقاهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، في

____________

١ ـ الغدير ٦ / ١٢٦. ابن شهراشوب ٢ / ٣٦٧. الارشاد ١ / ٢١٠.

٨٣

بعض الطريق ، فنادى الغلام : يا ابن عم رسول الله اني غلام مظلوم ، وأعاد عليه الكلام الذي كلم به عمر ، ثم قال : وهذا عمر قد أمر بي إلى الحبس.

فقال علي عليه‌السلام : ردوه فلما ردوه قال لهم عمر : أمرت به إلى السجن فرددتموه إلي ، فقالوا يا أمير المؤمنين : أمرنا علي بن أبي طالب برده إليك ، وسمعناك تقول لا تعصوا لعلي أمرا ، فبيناهم كذلك إذ أقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : علي بام الغلام فأتوا بها ، فقال عليه‌السلام : يا غلام ما تقول؟ فأعاد عليه الكلام ، فقال عليه‌السلام لعمر : أتأذن لي في أن اقضي بينهما؟ فقال عمر : يا سبحان الله وكيف لا ، وقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أعلمكم علي بن أبي طالب عليه‌السلام (١).

فقال عليه‌السلام للمرأة : يا هذه ألك شهود؟ قالت : نعم فتقدم القسامة فشهدوا بالشهادة الاولى ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : والله لاقضين بينكم اليوم بقضية هي مرضاة الرب من فوق عرشه ، علمنيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم قال لها : ألك ولي؟ فقالت : نعم هؤلاء إخوتي ، فقال لاخوتها : أمري فيكم وفيها جائز؟ قالوا : نعم يا ابن عم رسول الله ، أمركم فينا وفى اختنا جائز ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : اشهد الله واشهد أمير المؤمنين ( يعني عمر ) وأشهد من حضر من المسلمين أني قد زوجت هذه المرأة من هذا الغلام على أربع مائة درهم ، والمهر من مالي.

يا قنبر علي بالدارهم ، فأتاه قنبر بها ، فصبها في يد الغلام ، ثم قال : خذها فصبها في حجر إمرأتك ، ولا تأتنا الا وبك أثر العرس ( يعنى الغسل ) ، فقام الغلام فصب الدراهم في حجر المرأة ثم تلببها فقال لها : قومي فنادت المرأة ، النار النار ، يا ابن عم رسول الله ، تريد أن تزوجني من ولدي هذا ، والله ولدي زوجني إخوتي هجينا فولدت منه هذا الغلام ، فلما ترعرع وشب أمروني أن أنتفي منه ، وأطرده و

____________

١ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب.

الغدير ٣ / ٩٦. كنز العمال ٦ / ١٥٣. مناقب الخوارزمي / ٤٩. مقتل الخوارزمي ١ / ٤٣.

٨٤

هذا والله إبني ، وفؤادي يتحرق أسفا على ولدي ، قال : ثم أخذت بيد الغلام وانطلقت ونادى عمر : واعمراه لولا علي لهلك عمر (١).

* * *

وبإسناد مرفوع قال : بينا رجلان جالسان في دهر عمر بن الخطاب إذ مر بهما رجل مقيد ، وكان عبدا ، فقال أحدهما : إن لم يكن في قيده كذا وكذا فامرأته طالق ثلاثا ، فقال الآخر إن كان فيه كما قلت فامرأته طالق ثلاثا ، قال : فذهبا إلى مولى العبد فقالا : إنا قد حلفنا على كذا وكذا فحل قيد غلامك حتى نزنه ، فقال مولى الغلام : إمرأته طالق إن حللت قيد غلامي ، قال فارتفعوا إلى عمر فقصوا عليه القصة ، فقال مولاه أحق به إذهبوا فاعتزلوا نساءكم ، فقالوا إذهبوا بنا إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، لعله أن يكون عنده في هذا شئ فأتوه عليه‌السلام فقصوا عليه القصة ، فقال ما أهون هذا ثم دعا بجفنة وأمر بقيد الغلام فشد فيه خيط وأدخل رجليه والقيد في الجفنة ، ثم صب الماء عليه حتى إمتلات ثم قال : ارفعوا القيد فرفع القيد حتى أخرج من الماء ثم دعا بزبر الحديد فأرسلها في الماء حتى تراجع الماء إلى موضعه حين كان القيد فيه ثم قال : زنوا هذا الحديد فإنه وزنه (٢).

وروي ان أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كان إذا قطع اليد قطع أربع أصابع وترك الكف ، والراحة ، والابهام ، وإذا أراد قطع الرجل قطعها من الكعب وترك العقب ، فقيل له : لم هذا يا أمير المؤمنين؟ قال : اني لاكره أن تدركه التوبة فيحتج علي عند الله إني لم أدع له من كرائم بدنه ما يركع به ويسجد (٣).

____________

١ ـ هذا الحديث واضرابه من القضايا التي اجمعت العامة والخاصة على صحته ، وجاء في كتب الفريقين مما يثبت جهل عمر وقصوره في العلم إلى جانب اعترافه وتصريحه بفضل سيدنا امير المؤمنين عليه‌السلام. الغدير ٦ / ١٠٤. مناقب ابن شهراشوب ٢ / ٣٦١. البحار ٩ / ٤٨٧ الطبعة القديمة.

٢ ـ الغدير ٦ / ٣٨ ـ ٣٢٣. قضاوتهاى امير المؤمنين (ع) / ٥٩.

٣ ـ المصدر السابق.

٨٥

وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : ادعى على عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام رجلان كل واحد على صاحبه أنه مملوكه ، ولم يكن لهما بينة ، فبنى لهما بيتا وجعل كوتين قريبة إحداهما من الاخرى ، وأدخلهما البيت وأخرج رأسيهما من الكوتين ، وقال لقنبر : قم عليهما بالسيف فإذا قلت لك إضرب عنق المملوك فافزعهما ولا تضربن أحدا منهما ، ثم قال له : إضرب عنق المملوك فهز قنبر السيف فأدخل أحدهما رأسه وبقى رأس الآخر خارجا من الكوة فدفع الذي أدخل رأسه إلى صاحبه ، وقال له : إذهب فانه مملوكك (١).

وعنه عليه‌السلام قال : كان صبيان في زمن علي عليه‌السلام يلعبون بأحجار لهم ، فرمى أحدهم بحجره فأصاب رباعية صاحبه ، فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فأقام الرامي البينة أنه قال : حذار حذار ، فدرأ عنه القصاص ثم قال عليه‌السلام : قد أعذر من حذر (٢).

وفي خبر مرفوع قال ، لما رفع أمير المؤمنين عليه‌السلام يده من غسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتته أنباء السقيفة ، فقال : ما قالت الانصار؟ قالوا قالت : منا أمير ومنكم أمير ، قال عليه‌السلام : فهلا احتججتم عليهم بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصى بأن يحسن إلى محسنهم ، ويتجاوز عن مسيئهم ، قالوا : وما في هذا من حجة عليهم؟ فقال عليه‌السلام : لو كانت الامارة فيهم لم تكن الوصية بهم ، ثم قال عليه‌السلام : فماذا قالت قريش؟ قالوا : احتجت بأنها شجرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال عليه‌السلام : إحتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة (٣).

ـــــــــــــــ

١ ـ نفس المصدر.

٢ ـ شرح محمد عبده ٣ / ١٦٤.

٣ ـ شرح ابن ميثم البحراني ٢ / ١٨٤. شرح ابن ابي الحديد ٦ / ٣.

٨٦

من جوابات المسائل التي سئل عليه‌السلام عنها

بإسناد مرفوع إلى الاصبغ بن نباته قال : أتى إبن الكواء أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان معنتا في المسائل فقال له : يا أمير المؤمنين خبرني عن الله عزوجل ، هل كلم أحدا من ولد آدم قبل موسى؟ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام قد كلم الله جميع خلقه برهم وفاجرهم ، وردوا عليه الجواب ، قال : فثقل ذلك على إبن الكواء ولم يعرفه فقال : وكيف كان ذلك؟ فقال : أوما تقرأ كتاب الله تعالى إذ يقول لنبيه عليه‌السلام : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ) (١) فقد أسمعهم كلامه وردوا عليه الجواب كما تسمع في قول الله يا ابن الكواء ، قالوا بلى ، وقال لهم : ( إني أنا الله لا إله الا أنا وأنا الرحمن الرحيم ) فأقروا له بالطاعة والربوبية ، وميز الرسل والانبياء والاوصياء ، وأمر الخلق بطاعتهم فأقروا بذلك في الميثاق واشهدهم على أنفسهم ، وأشهد الملائكة عليهم أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذه غافلين (٢).

قال السيد الرضي أبو الحسن : ولهذه الآية تأويل ليس هذا الموضع كشف جليته وبيان حقيقته.

وسأله عليه‌السلام رجل من اليهود ، فقال : أين كان الله تعالى من قبل أن

ـــــــــــــــ

١ ـ سورة الاعراف / ١٧٢.

٢ ـ مجمع البيان ١ / ٤٩٧. تفسير الدر المنثور ٣ / ١٤٢. تفسير الطبري ٩ / ١١٤.

٨٧

يخلق السماوات والارض؟ فقال عليه‌السلام : أين سؤال عن مكان ، وكان الله ولا مكان.

فقطعه في أوجز كلمة (١).

ـــــــــــــــ

١ ـ شرح محمد عبده ١ / ١٦٠.

٨٨

ومن مسائل سأله عنها إبن الكواء

فقال : كم بين المشرق والمغرب؟ قال عليه‌السلام : مسيره يوم مطرد للشمس. وهذا أخصر كلام يكون وأبلغه.

وبإسناد مرفوع قال : إجتمع نفر من الصحابة على باب عثمان بن عفان فقال كعب الاحبار : والله لوددت أن أعلم أصحاب محمد عندي الساعة فأسأله عن أشياء ما أعلم أحد على وجه الارض يعرفها ما خلا رجلا أو رجلين إن كانا ، قال : فبينا نحن كذلك إذ طلع علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : فتبسم القوم. قال : فكأن عليا عليه‌السلام دخله من ذلك بعض الغضاضة ، فقال لهم : لشئ ما تبسمتم؟ فقالوا : لغير ريبة ولا بأس يا أبا الحسن إلا أن كعبا تمنى امنية فعجبنا من سرعة إجابة الله له في أمنيته ، فقال عليه‌السلام لهم : وما ذاك؟ قالوا : تمنى أن يكون عنده أعلم أصحاب محمد عليه‌السلام ليسأله عن أشياء زعم أنه لا يعرف أحدا على وجه الارض يعرفها ، قال فجلس عليه‌السلام ، ثم قال : هات يا كعب مسائلك.

فقال : يا أبا الحسن أخبرني عن أول شجرة اهتزت على وجه الارض؟ فقال عليه‌السلام : في قولنا أو في قولكم؟ فقال : بل أخبرنا عن قولنا وقولكم ، فقال عليه‌السلام : تزعم يا كعب أنت وأصحابك إنها الشجرة التي شق منها السفينة قال كعب : كذلك نقول فقال عليه‌السلام : كذبتم يا كعب ولكنها النخلة التي أهبطها الله تعالى مع آدم عليه‌السلام من الجنة ، فاستظل بظلها وأكل من ثمرها.

٨٩

هات يا كعب : فقال يا أبا الحسن أخبرني عن أول عين جرت على وجه الارض ، فقال عليه‌السلام : في قولنا أو في قولكم؟ فقال كعب : أخبرني عن الامرين جميعا ، فقال عليه‌السلام : تزعم أنت وأصحابك أنها العين التي عليه صخرة بيت المقدس ، قال كعب : كذلك نقول ، قال : كذبتم يا كعب ولكنها عين الحيوان وهي التي شرب منها الخضر فبقى في الدنيا.

قال عليه‌السلام هات يا كعب : قال أخبرني يا أبا الحسن عن شئ من الجنة في الارض فقال عليه‌السلام : في قولنا أو في قولكم ، فقال : عن الامرين جميعا ، فقال عليه‌السلام : تزعم أنت وأصحابك انه حجر أنزله الله من الجنة أبيض فاسود من ذنوب العباد ، قال كذلك نقول ، قال : كذبتم يا كعب ولكن الله أهبط البيت من لؤلؤة بيضاء ، جوفاء من السماء إلى الارض فلما كان الطوفان رفع الله البيت وبقى أساسه.

هات يا كعب ، قال : أخبرني يا أبا الحسن عمن لا أب له ، وعمن لا عشيرة له ، وعمن لا قبلة له ، قال : اما من لا أب له فعيسى عليه‌السلام ، وأما لا عشيرة له فآدم عليه‌السلام ، واما من لا قبلة له فهو البيت الحرام ، هو قبلة ولا قبلة لها.

هات يا كعب فقال : أخبرني يا أبا الحسن عن ثلاثة أشياء لم ترتكض في رحم ولم تخرج من بدن ، فقال عليه‌السلام له : هي عصا موسى عليه‌السلام ، وناقة ثمود وكبش إبراهيم.

ثم قال هات يا كعب ، فقال : يا أبا الحسن بقيت خصلة فإن أنت أخبرتني بها فأنت أنت ، قال هلمها يا كعب قال : قبر سار بصاحبه ، قال : ذلك يونس بن متى إذ سجنه الله في بطن الحوت (١).

وبإسناد مرفوع إلى أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما‌السلام ، قال : قدم أسقف نجران على عمر بن الخطاب فقال يا أمير المؤمنين : إن أرضنا باردة

ـــــــــــــــ

١ ـ سفينة البحار ٢ / ٤٨٢ نقلا عن تفسير علي بن ابراهيم القمي. فضا وتهاى أمير المؤمنين / ٢٥٠.

٩٠

سديدة المؤونة لا تحمل الجيش ، وأنا ضامن لخراج أرضي أحمله إليك في كل عام كملا ، فكان يقدم هو بالمال بنفسه ، ومعه أعوان له حتى يوفيه بيت المال ، ويكتب له عمر البرائة. قال : فقدم الاسقف ذات عام ، وكان شيخا جميلا فدعاه عمر إلى الله ، وإلى دين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنشأ يذكر فضل الاسلام وما يصير إليه المسلمون من النعيم والكرامة ، فقال له الاسقف : يا عمر أنتم تقرؤن في كتابكم أن لله جنة عرضها كعرض السماء والارض ، فأين تكون النار؟ قال : فسكت عمر ، ونكس رأسه ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان حاضرا : أجب هذا النصراني. فقال له عمر : بل أجبه أنت ، فقال عليه‌السلام ، له : يا أسقف نجران أنا أجيبك أرأيت إذا جاء النهار أين يكون الليل ، وإذا جاء الليل أين يكون النهار؟ فقال الاسقف : ما كنت أرى أن أحدا يجيبني عن هذه المسألة.

ثم قال : من هذا الفتى يا عمر؟ قال عمر : هذا علي بن أبي طالب ختن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإبن عمه ، وأول مؤمن معه ، هذا أبو الحسن والحسين عليهما‌السلام.

قال الاسقف : أخبرني يا عمر عن بقعة في الارض طلعت فيها الشمس ساعة ، ولم تطلع فيها قبلها ولا بعدها؟ قال له عمر : سل الفتى فقال أمير المؤمنين : أنا اجيبك ، هو البحر حيث انفلق لبني اسرائيل فوقعت الشمس فيه ولم تقع فيه قبله ولا بعده ، قال الاسقف : صدقت يافتى.

ثم قال الاسقف : يا عمر أخبرني عن شئ في أيدي أهل الدنيا شبيه بثمار أهل الجنة؟ فقال : سل الفتى. فقال عليه‌السلام أنا أجيبك : هو القرآن يجتمع أهل الدنيا عليه فيأخذون منه حاجتهم ، ولا ينتقص منه شئ وكذلك ثمار الجنة. قال الاسقف : صدقت يافتى.

ثم قال الاسقف يا عمر : أخبرني هل للسماوات من أبواب؟ فقال له عمر : سل الفتى. فقال عليه‌السلام : نعم يا أسقف ، لها أبواب فقال : يافتى ، هل

٩١

لتلك الابواب من أقفال؟ فقال عليه‌السلام : نعم يا أسقف ، أقفالها الشرك بالله قال الاسقف : صدقت يافتى.

فما مفتاح تلك الاقفال؟ فقال عليه‌السلام : شهادة ان لا إله إلا الله ، لا يحجبها شيء دون العرش فقال : صدقت يافتى.

ثم قال الاسقف يا عمر : أخبرني عن أول دم وقع على وجه الارض اي دم كان؟ فقال : سل الفتى : فقال عليه‌السلام : أنا أجيبك ، يا أسقف نجران ، أما نحن فلا نقول كما تقولون أنه دم ابن آدم الذى قتله اخوه ليس هو كما قلتم ، ولكن أول دم وقع على وجه الارض مشيمة حواء حين ولدت قابيل بن آدم ، قال الاسقف صدقت يافتى.

ثم قال الاسقف : بقيت مسألة واحدة أخبرني أنت يا عمر أين الله تعالى؟ قال : فغضب عمر ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنا اجيبك وسل عما شئت ، كنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم ، أتاه ملك فسلم فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أين ارسلت؟ قال : من سبع سموات من عند ربي ، ثم أتاه ملك آخر فسلم فقال له رسول الله : من أين ارسلت؟ فقال : من سبع أرضين من عند ربي ، ثم أتاه ملك آخر فسلم فقال له رسول الله : من أين ارسلت؟ قال : من مشرق الشمس من عند ربي ، ثم أتاه ملك آخر فقال له رسول الله : من أين ارسلت؟ فقال : من مغرب الشمس من عند ربي ، فالله هاهنا ، وهاهنا ، وهاهنا ، في السماء إله ، وفي الارض إله ، وهو الحكيم العليم.

قال أبو جعفر : معناه من ملكوت ربي في كل مكان ، ولا يعزب عن علمه شيء تبارك وتعالى (١).

ـــــــــــــــ

١ ـ الغدير ٦ / ٢٤٢. زين الفتى في شرح سورة هل أتى ( خ ). قضاوتهاى امير المؤمنين (ع) / ٢٨٢.

٩٢

ومن جملة كلامه عليه‌السلام للشامي

لما سأله أكان مسيره إلى الشام بقضاء من الله وقدره ، بعد كلام طويل هذا مختاره :

إن الله سبحانه أمر عباده تخييرا ، ونهاهم تحذيرا ، فكلف يسيرا ، ولم يكلف عسيرا ، وأعطى على القليل كثيرا ولم يعص مغلوبا ، ولم يطع مكرها ، ولم يرسل الانبياء لعبا ، ولم ينزل الكتاب للعباد عبثا ، ولا خلق السموات والارض وما بينهما باطلا ( ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ) (١).

ـــــــــــــــ

١ ـ الارشاد / ١٢٠. شرح إبن ميثم البحراني ٥ / ٢٧٨.

٩٣

ومن كلامه عليه‌السلام القصير في فنون البلاغة ، والمواعظ والزهد ، والامثال

ولو لم يكن في هذا الكتاب سوى ما أوردناه من هذا الفصل لكفى به فائدة.

قال عليه‌السلام : خذ الحكمه أنى أتتك فإن الحكمة تكون في صدر المنافق ، فتلجلج في صدره حتى تخرج فتسكن إلى صواحبها في صدر المؤمن (١).

وقال عليه‌السلام : الهيبة خيبة ، والفرصة تمر مر السحاب ، والحكمة ضالة المؤمن فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق (٢).

وقال عليه‌السلام : اوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الابل كانت لذلك أهلا ، لا يرجون أحد منكم الا ربه. ولا يخافن إلا ذنبه. ولا يستحيين أحد إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم. ولا يستحيين أحد إذا لم يعلم الشئ أن يتعلمه. وعليكم بالصبر فإن الصبر من الايمان كالرأس من الجسد ، ولا خير في جسد لا رأس معه ، ولا في إيمان لا صبر معه (٣).

وقال الاصمعي : أتى رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فأفرط في الثناء عليه ، فقال عليه‌السلام وكان له متهما : أنا دون ما تقول ، وفوق ما في نفسك (٣).

ـــــــــــــــ

١ ـ شرح إبن ميثم ٥ / ٢٨١. ابن أبي الحديد ١٨ / ٢٢٩.

٢ ـ المصدر السابق.

٣ ـ الارشاد / ١٥٧. شرح ، إبن ميثم ٥ / ٢٨٢. إبن أبي الحديد ١٨ / ٢٣٢.

٩٤

وقال عليه‌السلام : قيمة كل امرئ ما يحسنه.

قال السيد الرضي أبو الحسن رضي الله عنه : وهذه الكلمة لا قيمة لها ولا كلام يوزن بها (١).

وقال عليه‌السلام : السيف أبقى عددا وأكثر ولدا (٢).

وقال عليه‌السلام : من ترك قول « لا أدري » اصيبت مقالته (٣).

وقال عليه‌السلام : رأي الشيخ أحب إلي من جلد الغلام. ويروى من مشهد الغلام (٤).

وقال عليه‌السلام : وقد سمع رجلا من الحرورية يتهجد بصوت حزين. نوم على يقين خير من صلاة في شك (٥).

وقال عليه‌السلام : إعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية ، لا عقل رواية ، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل (٦)

وقال عليه‌السلام ، وقد سمع رجلا يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون : يا هذا إن قولنا : إنا لله إقرار منا بالملك. وقولنا إليه راجعون إقرار منا بالهلك (٧).

وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول : ما انتفعت بكلام أحد بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كانتفاعي بكلام كتبه إلي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهو :

اما بعد ، فإن المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته ، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه ، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك ، وليكن أسفك على ما

ـــــــــــــــ

١ ـ نفس المصدر.

٢ ـ شرح إبن أبي الحديد ١٨ / ٢٣٥. إبن ميثم البحراني ٥ / ٢٨٣.

٣ ـ المصدر السابق.

٤ ـ إبن ابي الحديد ١٨ / ٢٣٧. إبن ميثم البحراني ٥ / ٢٨٤.

٥ ـ شرح إبن ميثم ٥ / ٢٨٩. مجمع الامثال ٢ / ٤٥٥.

٦ ـ إبن ميثم البحراني ٥ / ٢٩٠.

٧ ـ نفس المصدر.

٩٥

فاتك منها وما نلت من دنياك ، فلا تكثر به فرحا ، وما فاتك منها فلا تأس عليه جزعا ، وليكن همك فيما بعد الموت (١).

وكان عليه‌السلام يقول إذا اطري في وجهه : أللهم اجعلنا خيرا مما يظنون ، واغفر لنا ما لا يعلمون (٢).

وقال عليه‌السلام : لا يستقيم قضاء الحوائج إلا بثلاث ، باستصغارها لتعظم ، وباستكتامها لتنسى ، وبتعجيلها لتهنأ (٣).

وقال عليه‌السلام : يأتي على الناس زمان لا يقرب فيه إلا الماحل ، ولا يظرف فيه إلا الفاجر ، ولا يضعف فيه إلا المنصف ، يعدون الصدقة غرما ، وصلة الرحم منا ، والعبادة إستطالة على الناس ، فعند ذلك يكون السلطان بمشورة الاماء ، وإمارة الصبيان (٤).

وقال عليه‌السلام ، وقد شوهد عليه ازار مرقوع فقيل له في ذلك فقال : يخشع له القلب ، وتذل به النفس ، ويقتدي به المؤمنون (٥).

وكان عليه‌السلام يقول : إنما أخشى عليكم من بعدي إتباع الهوى ، وطول الامل ، فان طول الامل ينسي الآخرة ، واتباع الهوى يصد عن الحق ، ألا وان الدنيا قد إرتحلت مدبرة ، والآخرة قد جاءت مقبلة ، ولكل واحدة منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل ، واليوم المضمار ، وغدا السباق ، والسبقة الجنة ، والغاية النار (٦). وقال عليه‌السلام : ان الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان ، وسبيلان مختلفان ،

ـــــــــــــــ

١ ـ شرح إبن ميثم ٥ / ٢١٥. دستور معالم الحكم / ٩٦.

٢ ـ المصدر السابق ٥ / ٢٩٠.

٣ ـ نفس المصدر.

٤ ـ إبن ميثم البحراني ٥ / ٢٩١.

٥ ـ إبن مثيم ٥ / ٢٩٢.

٦ ـ شرح إبن ميثم ٢ / ٤٠. إبن أبي الحديد ٢ / ٩١.

٩٦

فمن أحب الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها ، وهما بمنزلة المشرق والمغرب ، وماش بينهما كلما قرب من واحد بعد عن الآخر ، وهما بعد ضرتان (١).

وعن نوف البكالى ، قال : رأيت أمير المؤمنين عليه‌السلام ذات ليلة وقد خرج من فراشه فنظر إلى النجوم ، ثم قال : يا نوف ، أراقد أنت أم رامق؟ قلت : بل رامق يا أمير المؤمنين ، قال يا نوف : طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة ، اولئك قوم اتخذوا الارض بساطا ، وترابها فراشا ، وماءها طيبا ، والقرآن شعارا ، والدعاء دثارا ثم قرضوا الدنيا قرضا على منهاج المسيح عليه‌السلام.

يا نوف إن داود عليه‌السلام ، قام في مثل هذه الساعة من الليل ، فقال إنها ساعة لا يدعو فيها عبد الا استجيب له الا ان يكون عشارا ، أو عريفا ، أو شرطيا ، أو صاحب عرطبة ( وهى الطنبور ) أو صاحب كوبة ( وهي الطبل ) (٢).

وقال عليه‌السلام : إن الله فرض عليكم فرائض فلا تضيعوها ، وحد لكم حدودا قلا تعتدوها ، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت لكم عن أشياء ولم يدعها نسيانا فلا تتكلفوها ، رحمة من ربكم رحمكم بها فاقبلوها (٣).

وقال عليه‌السلام : لا يترك الناس شيئا من دينهم ، لاستصلاح دنياهم إلا فتح الله عليهم ما هو اضر منه (٤).

وقال عليه‌السلام : رب عالم قد قتله جهله ، ومعه علمه لا ينفعه (٥).

وقال عليه‌السلام : أعجب ما في هذا الانسان قلبه ، وله مواد من الحكمة وأضداد من خلافها ، فإن سنح له الرجاء أذله الطمع ، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص ، وإن ملكه اليأس قتله الاسف ، وإن عرض له الغضب إشتد به الغيظ ،

ـــــــــــــــ

١ ـ إبن ميثم البحراني ٥ / ٢٩٢.

٢ ـ شرح إبن ميثم ٥ / ٢٩٣. إبن أبي الحديد ١٨ / ٢٦٥.

٣ ـ إبن ميثم البحراني ٥ / ٢٩٤. إبن أبي الحديد ١٨ / ٢٦٧.

٤ ـ المصدر السابق ٥ / ٢٩٥.

٥ ـ نفس المصدر. إبن أبي الحديد ١٨ / ٢٦٩.

٩٧

وإن أسعده الرضا نسي التحفظ ، وإن غاله الخوف شغله الحذر ، وإن اتسع له ، الامر استلبته الغرة ، وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع ، وإن أفاد مالا أطغاه الغنى ، وإن عضته الفاقة شغله البلاء ، وإن جهده الجوع قعد به الضعف ، وإن أفرط به الشبع كظته البطنة ، فكل تقصير به مضر ، وكل إفراط له مفسد (١).

وقال عليه‌السلام : نحن النمرقة الوسطى بها يلحق التالي ، وإليها يرجع الغالي (٢).

ومن كلام له عليه‌السلام : تجهزوا رحمكم الله فقد نودي فيكم بالرحيل ، واقلوا العرجة على الدنيا ، وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد ، فإن أمامكم عقبة كؤدا ، ومنازل هائلة مخوفة ، لا بد من الممر عليها ، والوقوف عندها ، فإما برحمة من الله نجوتم من فظاظتها (٣) وشدة مختبرها ، وكراهة منظرها ، وإما بهلكة ليس بعدها نجاة ، فيالها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة.

وكان عليه‌السلام يقول : الوفاء توأم الصدق ، ولا نعلم نجاة ولا جنة أوقى منه ، وما يغدر من يعلم كيف المرجع في الذهاب عنه ، ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهله الشر كيسا ، ونسبهم أهل الجهل إلى حس الحيلة ، ما لهم ـ قاتلهم الله ـ قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونها مانع من الله ونهيه ، فيدعها من بعد قدرة وينتهز فرصتها من لا جريحة في الدين (٤).

وقال عليه‌السلام : الناس في الدنيا عاملان ، عامل في الدنيا للدنيا قد شغلته دنياه عن آخرته ، يخشى على من يخلف الفقر ، ويأمنه على نفسه فيفني عمره في منفعة غيره ، وآخر عمل في الدنيا لما بعدها ، فجاءه ، الذى له من الدنيا بغير عمل ، فأصبح ملكا عند الله لا يسأل شيئا يمنعه (٥).

ـــــــــــــــ

١ ـ شرح إبن ميثم ٥ / ٢٩٥. الارشاد / ١٥٩. دستور معالم الحكم / ١٢٩.

٢ ـ شرح إبن أبي الحديد ١٨ / ٢٧٣. إبن ميثم ٥ / ٢٩٧.

٣ ـ في اكثر الشروح هكذا : وطئتها.

٤ ـ شرح إبن ميثم البحراني ٢ / ١٠٤.

٥ ـ المصدر السابق ٥ / ٣٨٠.

٩٨

وقال عليه‌السلام : شتان بين عملين ، عمل تذهب لذته وتبقى تبعته ، وعمل تذهب مؤنته ويبقى أجره (١).

وتحدث عليه‌السلام يوما بحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فنظر القوم بعضهم إلى بعض ، فقال عليه‌السلام : ما زلت مذ قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مظلوما ، وقد بلغني مع ذلك أنكم تقولون إني أكذب عليه ، ويلكم أتروني اكذب؟ فعلى من أكذب؟ أعلى الله؟ فأنا أول من آمن به ، أم على رسول الله؟ وأنا أول من صدقه. ولكن لهجة غبتم عنها ، ولم تكونوا من أهلها ، وعلم عجزتم عن حمله ولم تكونوا من أهله ، إذ كيل بغير ثمن لو كان له وعاء ( ولتعلمن نبأه بعد حين ) (٢).

أراد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يخيله ويسر إليه.

وشيع علي عليه‌السلام جنازة ، فسمع رجلا يضحك ، فقال عليه‌السلام : كأن الموت فيها على غيرنا كتب ، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب ، وكأن الذي نرى من الاموات سفر ، عما قليل إلينا راجعون ، نبؤهم أجداثهم ، ونأكل تراثهم قد نسينا كل واعظة ، ورمينا بكل جائحة (٣).

وقال عليه‌السلام : طوبى لمن ذل في نفسه ، وطاب كسبه ، وصلحت سريرته ، وحسنت خليقته ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من لسانه ، وعزل عن الناس شره ، ووسعته السنة ، ولم ينسب إلى بدعة.

قال السيد الرضي أبو الحسن رضي الله عنه ، وهذا الكلام من الناس من يرويه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذلك الذي قبله (٤).

وقال عليه‌السلام : من أراد عزا بلا عشيرة ، وهيبة من غير سلطان ، وغنى

ـــــــــــــــ

١ ـ شرح إبن ميثم ٥ / ٣٠٦.

٢ ـ سورة ص / ٨٨. شرح إبن ميثم ٢ / ١٩٢.

٣ ـ إبن ميثم البحراني ٥ / ٣٠٦. إبن أبي الحديد ١٨ / ٣١١.

٤ ـ المصدر السابق.

٩٩

من غير مال ، وطاعة من غير بذل ، فليتحول من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله فإنه يجد ذلك كله (١).

وقال عليه‌السلام : ، وقد فرغ من حرب الجمل : معاشر الناس إن النساء نواقص الايمان ، نواقص العقول ، نواقص الحظوظ ، فأما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن. وأما نقصان عقولهن فلا شهادة لهن إلا في الدين ، وشهادة إمرأتين برجل. وأما نقصان حظوظهن فمواريثهن على الانصاف من مواريث الرجال (٢).

وقال عليه‌السلام : إتقو شرار النساء ، وكونوا من خيارهن على حذر ، ولا تطيعوهن في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر (٣).

وقال عليه‌السلام : غيرة المرأة كفر ، وغيرة الرجل إيمان (٤).

وقال عليه‌السلام : لانسبن الاسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي ، الاسلام هو التسليم ، والتسليم هو اليقين ، واليقين هو التصديق ، والتصديق هو الاقرار ، والاقرار هو الاداء ، والاداء هو العمل (٥).

وقال عليه‌السلام : قد يكون الرجل مسلما ولا يكون مؤمنا ، ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما ، والايمان إقرار باللسان ، وعقد بالقلب ، وعمل بالجوارح ، ولا يتم المعروف إلا بثلاث ، تعجيله ، وتصغيره ، وتستيره ، فإذا عجلته هنأته ، وإذا صغرته عظمته ، وإذا سترته تممته (٦).

وقال عليه‌السلام : عجبت للبخيل الذي استعجل الفقر الذي منه هرب ، وفاته الغنى الذي إياه طلب ، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء ، ويحاسب

ـــــــــــــــ

١ ـ شرح إبن ميثم ٥ / ٣٠٤.

٢ ـ إبن ميثم البحراني ٢ / ٢٢٣.

٣ ـ المصدر السابق.

٤ ـ شرح إبن ميثم ٥ / ٣٠٨.

٥ ـ نفس المجلد والصفحة.

٦ ـ شرح إبن أبي الحديد ١٩ / ٥١. شرح محمد عبده ٣ / ٢٠٣.

١٠٠