خصائص الائمة عليهم السلام ( خصائص امير المؤمنين عليه السلام )

أبي الحسن محمّد بن الحسين بن موسى الموسوي البغدادي

خصائص الائمة عليهم السلام ( خصائص امير المؤمنين عليه السلام )

المؤلف:

أبي الحسن محمّد بن الحسين بن موسى الموسوي البغدادي


المحقق: الدكتور الشيخ محمّد هادي الأميني
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٤٣

جندبا يومئذ إثنتا عشرة ضربة مما ضربه الخوارج (١).

وفي حديث آخر قال :

لما قتل أمير المؤمنين عليه‌السلام أهل النهروان قال لاصحابه : اطلبوا إلي رجلا مخدج اليد ، وعلى جانب يده الصحيحة ثدي كثدي المرأة إذا مد إمتد ، وإذا ترك تقلص ، عليه شعرات صهب ، وهو صاحب رايتهم يوم القيامة ، يوردهم النار وبئس الورد المورود ، فطلبوه فلم يجدوه فقالوا : لم نجده. فقال : والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، ونصب الكعبة ، ما كذبت ولا كذبت ، وأني لعلى بينة من ربي ، قال : فلما لم يجدوه. قام والعرق ينحدر عن جبهته ، حتى أتى وهدة من الارض فيها نحو من ثلاثين قتيلا ، فقال : ارفعوا إلي هؤلاء فجعلنا نرفعهم حتى رأينا الرجل الذي هذه صفته تحتهم ، فاستخرجناه ، فوضع أمير المؤمنين رجله على ثديه الذي هو كثدي المرأة ثم عركه بالارض ثم أخذه بيده وأخذ بيده الاخرى يد الرجل الصحيحة ، ومدها حتى استويا ، ثم التفت إلى رجل جاء إليه وهو شاك فقال : وهذه لك آية. ثم قال : إن الجانب الآخر الذي ليس فيه يد ليس فيه ثدي فشقوا عنه جانب قميصه ، فإذا له مكان اليد شئ مثل غلظ الابهام وإذا ليس في ذلك الجانب ثدي ، فقال للرجل الشاك : وهذه لك آية اخرى (٢).

وبإسناده عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما‌السلام ، قال : لما قدم عبد الله بن عامر بن كريز (٣) المدينة لقى طلحة والزبير ، فقال لهما بايعتما علي بن أبي طالب عليه‌السلام؟ فقال : أما والله لا يزال ينتظر بها الحبالى من بني هاشم ، ومتى تصير اليكما ، أما والله على ذلك ما جئت حتى ضربت على

ـــــــــــــــ

١ ـ الارشاد / ٣١٨ ، بصورة مفصلة. سفينة البحار ١ / ١٨٢. مجمع الزوائد ٦ / ٢٤١ بسنده عن جندب وقال : رواه الطبراني.

٢ ـ أعلام الورى / ١٧١. كفاية الطالب / ١٧٧. خصائص النسائي / ١٣٨. تاريخ بغداد ١ / ١٥٩. مجمع الزوائد ٦ / ٢٣٤.

٣ ـ عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف .. أسلم يوم الفتح وكان من الموالين إلى بني أمية وبقى إلى خلافة عثمان.

٦١

أيدي أربعة آلاف من أهل البصرة كلهم يطلبون بدم عثمان فدونكما فاستقيلا أمركما.

فأتيا عليا عليه‌السلام فقالا له إئذن لنا في العمرة ، فقال : والله إنكما تريدان العمرة وما تريدان نكثا ولا فراقا لامتكما وعليكما بذلك أشد ما أخذ الله على النبيين من ميثاق؟ قالا : نعم. قال : انطلقا فقد أذنت لكما ، قال : فمشيا ساعة ، ثم قال : ردوهما فأخذ عليهما مثل ذلك ، ثم قال : إنطلقا فاني قد أذنت لكما ، فانطلقا حتى أتيا الباب ، فقال : ردوهما الثالثة ، ثم قال : والله إنكما تريدان العمرة وما تريدان نكث بيعتكما ، ولا فراق امتكما ، وعليكما بذلك أشد ما أخذ الله على النبيين من ميثاق ، والله عليكما لذلك راع كفيل ، قالا : اللهم نعم قال : أللهم اشهد ، اذهبا وانطلقا ، والله لا أراكما إلا في فئة تقاتلني (١).

وعنه عليه‌السلام ، قال خطب أمير المومنين عليه‌السلام : فقال : سلوني قبل أن تفقدوني فو الله لا تسألونني عن فتنة يضل فيها مائة ويهتدي فيها مائة إلا أخبرتكم بسائقها وناعقها إلى يوم القيامة حتى فرغ من خطبته (٢).

قال : فوثب إليه بعض الحاضرين فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني كم شعرة في لحيتي؟ فقال : أما أنه قد أعلمني خليلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنك تسألني عن هذا ، فوالله ما في رأسك شعرة إلا وتحتها ملك يلعنك ولا في جسدك شعرة إلا وفيها شيطان يهزك ، وإن في بيتك لسخلا يقتل الحسين ابن رسول الله ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : وعمر بن سعد لعنه الله يومئذ يحبو (٣).

ـــــــــــــــ

١ ـ أعيان الشيعة ١ / ٤٤٨ الطبعة الكبيرة. غزوات أمير المؤمنين / ٥٤. أعلام الورى / ١٦٩.

٢ ـ الغدير ٦ / ١٩٣ و ١٩٤ وج ٧ / ١٠٧ و ١٠٨.

٣ ـ الارشاد ١ / ٣٣١ بسنده عن زكريا بن يحيى القطان ، عن فضل بن الزبير عن أبي الحكم قال : سمعت مشيختنا وعلماءنا يقولون ـ الحديث ـ أعلام الورى / ١٨٦. البحار ٤٤ / ٢٥٦. شرح ابن أبي الحديد ١ / ٢٥٣ نقلا عن كتاب الغارات لابي هلال الثقفي. كامل الزيارات / ٧٤.

٦٢

ومن دلائله عليه‌السلام عند موته

وبإسناد مرفوع إلى الحسن بن أبي الحسن البصري قال : سهر علي عليه‌السلام في الليلة التي ضرب في صبيحتها ، فقال : أني مقتول لو قد أصبحت فجاء مؤذنه بالصلاة فمشى قليلا فقالت إبنته زينب يا أمير المؤمنين مر جعدة (١) يصلي بالناس فقال : لا مفر من الاجل ثم خرج (٢).

وفي حديث آخر قال :

جعل عليه‌السلام يعاود مضجعه فلا ينام ، ثم يعاود النظر في السماء ، ويقول : والله ما كذبت ولا كذبت ، وإنها لليلة التي وعدت. فلما طلع الفجر شد إزاره وهو يقول :

اشدد حيازيمك للموت

فإن الموت لاقيكا

ولا تجزع من الموت

وإن حل بواديكا

وخرج عليه‌السلام. فلما ضربه ابن ملجم ـ لعنه الله ـ قال : فزت ورب الكعبة ... وكان من أمره ما كان صلوات الله عليه (٣).

ـــــــــــــــ

١ ـ جعدة بن هبيرة إبن اخت أمير المؤمنين وامه ام هاني بنت أبي طالب وكان فقيها فارسا شجاعا ذا لسان وعارضة قوية.

٢ ـ سفينة البحار ١ / ١٥٧ وفيه : قالت ام كلثوم يا أمير المؤمنين مر جعدة يصلي بالناس قال : نعم مروا جعدة فليصل. روضة الواعظين / ١٣٥.

٣ ـ الصواعق المحرقة / ٨٠. روضة الواعظين / ١٣٦. نظم درر السمطين / ١٣٧. فضائل الخمسة ٣ / ٦٦.

٦٣

وروى عن جعفر بن محمد عليه‌السلام ، انه لما غسل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، نودوا من جانب البيت إن أخذتم مقدم السرير كفيتم مؤخره ، وإن أخذتم مؤخره كفيتم مقدمه. وأشار عليه‌السلام إلى أن الملائكة قالت ذلك (١).

وأنا الآن مورد بمشية الله ، بعد ذكر الدلائل والاعلام ، خواص أخباره عليه‌السلام ، وفصولا من كلامه ، ومواعظه ، وحكمه ، ويسيرا من قضاياه العجيبة ، وأجوبته عن المسائل الغريبة على الشرط في الاختصار والاقتصار غير ذاكر شيئا من خطبه الطوال ، وكتبه إلى ولاة الاعمال ، ولا شرح سيرته في خلافته ، وذكر الاحداث والحروب في أيامه ، وفضائله التي إشترك الناس في روايتها وهي أظهر من إن يشار إليها ، لان جميع ذلك قائم بذاته ، ومشهور في مواضعه.

حدثني هارون بن موسى ، قال : حدثني محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد بن يحيى ، عن الوليد بن أبان ، عن محمد بن عبد الله بن مسكان عن أبيه ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، إن فاطمة بنت أسد جاءت إلى أبي طالب عليه‌السلام تبشره بمولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لها أبو طالب : إصبري سبتا إنك بمثله إلا النبوة (٢).

قال : والسبت ثلاثون سنة ، وكان بين مولد النبي ، وأمير المؤمنين عليهما‌السلام ثلاثون سنة.

حدثني هارون بن موسى ، قال : حدثني محمد بن يعقوب ، عن علي بن محمد بن عبد الله ، عن السياري عن محمد بن جمهور عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن فاطمة بنت أسد عليها‌السلام ـ ام أمير المؤمنين عليه‌السلام كانت أول إمراة هاجرت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه ـ من مكة

ـــــــــــــــ

١ ـ روضة الواعظين / ١٣٦.

٢ ـ اصول الكافي ١ / ٤٥٢. روضة الواعظين / ٨١. فاطمة بنت أسد ـ خ ـ. البحار ٣٥ / ٦.

٦٤

إلى المدينة على قدميها ، وكانت من أبر الناس عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ان الناس يحشرون يوم القيامة عراة كما ولدوا ، فقالت : واسوأتاه. فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأني أسأل الله أن يبعثك كاسية.

وسمعته يذكر ضغطة القبر ، فقالت : واضعفاه ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه : فإني أسأل الله أن يكفيك ذلك.

وقالت لرسول الله ، صلى الله عليه ، يوما : إني أريد أن أعتق جاريتي هذه فقال لها : إن فعلت أعتق الله بكل عضو منها عضوا منك من النار ، فلما مرضت أوصت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأعتقت الجارية المقدم ذكرها.

واعتقل لسانها فجعلت تومى إلى رسول الله عليه‌السلام إيماء فقبل عليه‌السلام وصيتها. فبينا هو ـ صلى الله عليه ـ ذات يوم قاعدا إذ أتاه أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو يبكي فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما يبكيك؟ قال إن امي فاطمة قد قضت فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمي والله. وقام صلى‌الله‌عليه‌وآله مسرعا ، حتى دخل فنظر إليها ، وبكى ، ثم أمر النساء أن يغسلنها. وقال عليه‌السلام : إذا فرغتن فلا تحدثن شيئا حتى تعلمنني ، فلما فرغن أعلمنه ذلك فأعطاهن أحد قميصيه ، وهو الذي يلى جسده وأمرهن أن يكفنها فيه ، وقال للمسلمين : إذا رأيتموني قد فعلت شيئا لم أفعله قبل ذلك فاسألوني لم فعلته؟ فلما فرغن من تغسيلها ، وتكفينها دخل صلى‌الله‌عليه‌وآله فحمل جنازتها حتى أوردها قبرها ثم وضعها ، ودخل القبر فاضطجع فيه ، ثم قام فأخذها على يديه حتى وضعها في القبر ثم انكب عليها طويلا يناجيها ، ويقول لها إبنك إبنك. ثم خرج وسوى عليها التراب ، ثم انكب على قبرها فسمعوه يقول : لا اله الا الله اللهم اني أستودعها إياك ، ثم إنصرف.

فقال المسلمون يارسول الله إنا رأيناك فعلت أشياء لم تفعلها قبل اليوم ، فقال : اليوم فقدت أبا طالب ، إن كانت ليكون عندها الشيء فتؤثرني به على

٦٥

نفسها ، وولدها ، وإني ذكرت القيامة وأن الناس يحشرون عراة ، فقالت : واسوأتاه فضمنت لها أن يبعثها الله كاسية ، وذكرت ضغطة القبر ، فقالت : واضعفاه فضمنت لها أن يكفيها الله ذلك ، فكفنتها بقميصي ، واضطجعت في قبرها لذلك ، وانكببت عليها فلقنتها ما تسأل عنه ، فانها سئلت عن ربها فقالت : وسئلت عن رسولها فأجابت ، وسئلت عن وليها وإمامها فأرتج عليها فقلت لها : إبنك إبنك (١).

وروي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أجمع على المضي إلى تبوك ناجى أمير المؤمنين عليه‌السلام فأطال فقال أبو بكر لعمر : لقد أطال مناجاته لابن عمه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أنا ناجيته ، ولكن الله ناجاه ، وفي ذلك يقول حسان :

ويوم الثنية عند الوداع

وأجمع نحو تبوك المضيا

تنحى يودعه خاليا

وقد وقف المسلمون المطيا

فقالوا يناجيه دون الانام

بل الله أدناه منه نجيا

علي فم أحمد يوحى إليه

كلاما بليغا ووحيا خفيا (٢)

ـــــــــــــــ

١ ـ تنقيح المقال ٣ / ٨١. اصول الكافي ١ / ٤٥٣. دعائم الاسلام ٢ / ٣٦١. مسند الرسول ١ / ٢٥٠.

٢ ـ حلية الاولياء ٧ / ١٩٥. كفاية الطالب / ٢٨٢. خصائص النسائي / ٨١.

٦٦

في تسميته عليه‌السلام بأمير المؤمنين في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

وبإسناد مرفوع إلى جندب ، عن أمير المؤمنين ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده أناس قبل أن تحتجب النساء فأشار بيده أن اجلس بيني ، وبين عائشة ، فقالت : تنح كذا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ماذا تريدين من أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام (١).

وبإسناد مرفوع إلى بريدة الاسلمي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر أصحابه أن يسلموا على علي عليه الصلاة والسلام بإمرة المؤمنين ، فقال عمر بن الخطاب : يارسول الله أمن الله أم من رسول الله؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل من الله ومن رسوله (٢).

ـــــــــــــــ

١ ـ الغدير ١ / ٢٧٠. سفينة البحار ١ / ٢٩. البحار ٣٧ / ٣٠٢.

٢ ـ البحار ٣٧ / ٣٠٤. المناقب لابن شهراشوب ٣ / ٥٢.

٦٧

في ذكره أسماء آبائه عليه‌السلام التي لا يكاد يعرفها أكثر الناس

روي أن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، خطب الناس ، فقال : أيها الناس من عرف نسبي وإلا فأنا أعرفة نسبي ، فقام إليه إبن الكواء ، فقال : أنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ، حتى بلغ إلى قصي بن كلاب قال : أو تعرف لي نسبا غير هذا؟ فقال : لا ، فقال : إن أبي سماني زيدا باسم قصي فأنا زيد بن عبد مناف بن عامر بن عمرو بن المغيرة بن زيد بن كلاب ، وإسم أبي طالب عبد مناف وإسم عبد المطلب عامر ، قال الشاعر فيه :

قامت تبكيه على قبره

من لي من بعدك يا عامر

تركتني في الدار ذا غربة

قد ذل من ليس له ناصر

وإسم هاشم عمرو ، وفيه يقول الشاعر :

عمرو العلى هشم الثريد لقومه

ورجال مكة مسنتون عجاف (١)

وإسم عبد مناف المغيرة ، قال الشاعر فيه وفي إخوانه :

إن المغيرات وأبناءهم

من غير أحياء وأموات

يعني عبد مناف واخوته وسماهم كلهم المغيرات لان فيهم المغيرة ، ومثل هذا كثير في كلام العرب. وإسم قصى زيد قال الشاعر (٢) :

ـــــــــــــــ

١ ـ البيت لعبد الله بن الزبعرى بن قيس السهمي القرشي شاعر قريش في الجاهلية مات نحو ١٥ هـ‍ كان شديدا على المسلمين. الطبقات الكبرى ١ / ٧٦. الشعر والشعراء / ١٣٢.

٢ ـ البيت من شعر حذافة بن غانم العدوي ... الطبقات الكبرى ١ / ٧١.

٦٨

قصي أبوكم كان يدعى مجمعا

به جمع الله القبائل من فهر

وأنتم بنو زيد وزيد أبوكم

به زيدت البطحاء فخرا على فخر (١)

ـــــــــــــــ

١ ـ الكامل في التاريخ ٢ / ٦. الطبري ٢ / ١٧٩. ثمار القلوب / ٨٩. نهاية الارب ١٦ / ٣٣. تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٠١.

٦٩

قطعة من الاخبار المروية في إيجاب ولاء

أمير المؤمنين عليه‌السلام والصلاة ، وشيء من أخبار زهده في الدنيا وما

يجرى هذا المجرى من خواص أخباره عليه‌السلام

ما يروى بإسناد عن سهل بن كهيل عن أبيه في قول الله عزوجل : ( ووصينا الانسان بوالديه إحسانا ) (١) قال : أحد الوالدين علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٢).

وقال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام ، قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : لتعطفن علينا الدنيا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها ثم قرأ : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض ) الآية (٣).

ذكروا ان ضرار بن ضمرة الضبابي (٤) دخل على معاوية بن أبي سفيان وهو

ـــــــــــــــ

١ ـ سورة الاحقاف / ١٥.

٢ ـ المناقب لابن شهراشوب ٣ / ١٠٥.

في السند سهل كهيل ، وأظنه تصحيف والصحيح سهل بن حنيف وهو من الذين أنكروا على أبي بكر غصبه الخلافة وكان أمير المؤمنين (ع) يحبه شديدا ، وحنيف بن ريال من الصحابة شهد احدا وما بعدها من المشاهد وقتل يوم مؤتة.

٣ ـ سورة القصص / ٥.

شرح ابن أبي الحديد ١٩ / ٢٩. شرح ابن ميثم ٥ / ٣٤٩.

٤ ـ ضرار بن ضمرة الضبابي ... من خلص أصحاب علي عليه‌السلام فصيح المقال طلق اللسان.

٧٠

بالموسم ، فقال له : صف عليا قال : أو تعفني؟ قال : لابد أن تصفه لي ، قال : كان والله أمير المؤمنين عليه‌السلام طويل المدى ، شديد القوى ، كثير الفكرة ، غزير العبرة ، يقول فصلا ، ويحكم عدلا ، يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطلق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويأنس بالليل ووحشته ، وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا دعوناه ويعطينا إذا سألناه ، ونحن والله مع قربه لا نكلمه لهيبته ، ولاندنو منه تعظيما له ، فإن تبسم فعن غير أشر ولا اختيال ، وإن نطق فعن الحكمة وفصل الخطاب ، يعظم أهل الدين ويحب المساكين ، ولا يطمع الغني في باطله ، ولا يوئس الضعيف من حقه ، فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سدوله وهو قائم في محرابه قابض على لحيته ، يتململ تملل السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، ويقول :

يادنيا ، يادنيا ، إليك عني أبي تعرضت؟ أم لي تشوقت؟ لا حان حينك ، هيهات ، غري غيري ، لا حاجة لي فيك ، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها ، فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، وأملك حقير ، آه من قلة الزاد وطول المجاز ، وبعد السفر وعظيم المورد.

قال : فوكفت دموع معاوية ما يملكها ، وهو يقول : هكذا كان علي عليه‌السلام ، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال : حزني عليه والله حزن من ذبح واحدها في حجرها فلا ترقأ دمعتها ولا تسكن حرارتها (١).

وبإسناد مرفوع إلى عبد الله بن العباس رحمه‌الله قال : نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) (٢) قال : محبة في قلوب المؤمنين (٣).

ـــــــــــــــ

١ ـ مناقب ابن شهراشوب ٢ / ١٠٣. حلية الاولياء ١ / ٨٤. الاستيعاب ٢ / ٤٦٣. الرياض النضرة ٢ / ٢١٢.

٢ ـ سورة مريم / ٩٦.

٣ ـ الغدير ٢ / ٥٥. الرياض النضرة ٢ / ٢٠٧. الصواعق المحرقة / ١٠٢. نور الابصار / ١٠١. فضائل الخمسة ١ / ٣٢٣. مجمع الزوائد ٩ / ١٢٥ وقال : رواه الطبراني في الاوسط.

٧١

حدثني هارون بن موسى ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن عمار العجلي الكوفي ، قال : حدثني عيسى الضرير عن أبي الحسن عن أبيه ، قال ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حين دفع الوصية إلى علي ، يا علي أعد لهذا جوابا غدا بين يدي ذي العرش ، فإني محاجك يوم القيامة بكتاب الله ، حلاله وحرامه ومحكمه ومتشابهه على ما أنزل الله ، وعلى تبليغه من أمرتك بتبليغه ، وعلى فرائض الله كما أنزلت وعلى أحكامه كلها من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتحاض عليه وإحيائه مع إقامة حدود الله كلها ، وطاعته في الامور بأسرها ، وإقام الصلاة لاوقاتها ، وإيتاء الزكاة أهلها ، والحج إلى بيت الله ، والجهاد في سبيله ، فما أنت صانع يا علي؟ قال : فقلت بأبي وأمي إني أرجو بكرامة الله تعالى ، ومنزلتك عنده ونعمته عليك ، أن يعينني ربي عزوجل ، ويثبتني فلا ألقاك بين يدي الله مقصرا ولا متوانيا ولا مفرطا ولا أمعر ، وجهك وقاؤه وجهي ووجوه آبائي وأمهاتي.

بل تجدني بأبي وامي مشمرا لوصيتك إن شاء الله ، وعلى طريقك ما دمت حيا حتى أقدم عليك ، ثم الاول فالاول من ولدي غير مقصرين ولا مفرطين ، ثم أغمي عليه صلوات الله عليه وآله ، قال : فانكببت على صدره ووجهه ، وأنا أقول واوحشتاه بعدك بأبي أنت وأمي ووحشة إبنتك وإبنيك ، واطول غماه بعدك يا حبيبي ، إنقطعت عن منزلي أخبار السماء ، وفقدت بعدك جبرئيل فلا أحس به ، ثم أفاق صلى‌الله‌عليه‌وآله .

حدثني هارون بن موسى ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن عمار ، قال : حدثني أبو موسى الضرير البجلي ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سألت أبي فقلت له ما كان بعد إفاقته صلى الله عليه؟ قال : دخل عليه النساء يبكين ، وارتفعت الاصوات وضج الناس بالباب المهاجرون والانصار.

قال علي عليه‌السلام : فبينا أنا كذلك إذ نودي أين علي؟ فأقبلت حتى دخلت إليه ، فانكببت عليه ، فقال لي : يا أخي فهمك الله وسددك ، ووفقك

٧٢

وارشدك ، واعانك وغفر ذنبك ، ورفع ذكرك ، ثم قال : يا أخي إن القوم سيشغلهم عني ما يريدون من عرض الدنيا ، وهم عليه قادرون ، فلا يشغلك عني ما شغلهم ، فإنما مثلك في الامة مثل الكعبة نصبها الله علما ، وإنما تؤتى من كل فج عميق ، وناد سحيق ، وإنما أنت العلم علم الهدى ، ونور الدين ، وهو نور الله ، يا أخي والذي بعثني بالحق لقد قدمت إليهم بالوعيد ، ولقد اخبرت رجلا رجلا بما افترض الله عليهم من حقك ، وألزمهم من طاعتك فكل أجاب إليك وسلم الامر إليك ، وإني لاعرف خلاف قولهم.

فإذا قبضت ، وفرغت من جميع ما وصيتك به ، وغيبتني في قبري فالزم بيتك ، واجمع القرآن على تأليفه ، والفرائض والاحكام على تنزيله ، ثم امض ذلك على عزائمه وعلى ما أمرتك به ، وعليك بالصبر على ما ينزل بك منهم حتى تقدم علي.

قال عيسى : فسألته وقلت : جعلت فداك قد أكثر الناس قولهم في أن النبي عليه‌السلام ، أمر أبا بكر بالصلاة ثم أمر عمر ، فأطرق عني طويلا ، ثم قال : ليس كما ذكر الناس ولكنك يا عيسى كثير البحث عن الامور لا ترضى إلا بكشفها ، فقلت : بأبي أنت وامي ، من أسأل عما أنتفع به في ديني ، وتهتدي به نفسي مخافة أن أضل غيرك؟ وهل أجد أحدا يكشف لي المشكلات مثلك؟ فقال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما ثقل في مرضه دعا عليا عليه‌السلام ، فوضع رأسه في حجره واغمي عليه ، وحضرت الصلاة فأذن بها فخرجت عائشة فقالت : يا عمر اخرج فصل بالناس ، فقال لها : أبوك أولى بها مني ، فقالت : صدقت ، ولكنه رجل لين ، وأكره أن يواثبه القوم ، فصل أنت ، فقال لها : بل يصلي هو ، وأنا أكفيه إن وثب واثب ، أو تحرك متحرك ، مع أن رسول الله مغمى عليه ، ولا أراه يفيق منها ، والرجل مشغول به ، لا يقدر أن يفارقه ـ يعني عليا عليه‌السلام ـ فبادروا بالصلاة قبل أن يفيق فإنه إن أفاق خفت أن يأمر عليا بالصلاة ، وقد سمعت مناجاته له منذ الليلة ، وفي آخر كلامه يقول لعلي عليه‌السلام : الصلاة ، الصلاة.

٧٣

قال : فخرج أبو بكر يصلي بالناس ، فظنوا أنه بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يكبر حتى أفاق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : أدعو لي عمي ـ يعني العباس ، رضي الله عنه ـ فدعى له فحمله وعلي عليه‌السلام ، حتى أخرجاه فصلى بالناس وإنه لقاعد ، ثم حمل فوضع على المنبر بعد ذلك فاجتمع لذلك جميع أهل المدينة من المهاجرين والانصار حتى برزت العواتق من خدورها ، فبين باك وصائح ، ومسترجع ، وواجم ، والنبي عليه‌السلام يخطب ساعة ، ويسكت ساعة ، فكان فيما ذكر من خطبته أن قال :

يا معشر المهاجرين والانصار ، ومن حضر في يومي هذا ، وفي ساعتي هذه من الانس والجن ليبلغ شاهدكم غائبكم ، ألا إني قد خلفت فيكم كتاب الله فيه النور والهدى ، والبيان لما فرض الله تبارك وتعالى من شيء حجة الله عليكم وحجتي وحجة وليي. وخلفت فيكم العلم الاكبر ، علم الدين ، ونور الهدى ، وضياءه وهو علي بن أبي طالب ، ألا وهو حبل الله ( فاعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) (١).

أيها الناس هذا علي من أحبه وتولاه اليوم ، وبعد اليوم ، فقد أوفى بما عاهد عليه الله ، ومن عاداه وأبغضه اليوم ، وبعد اليوم جاء يوم القيامة أصم وأعمى ، لا حجة له عند الله.

أيها الناس لا تأتوني غدا بالدنيا تزفونها زفا ، ويأتي أهل بيتي شعثا غبرا مقهورين مظلومين تسيل دماؤهم ، إياكم واتباع الضلالة والشورى للجهالة ، ألا وإن هذا الامر له أصحاب قد سماهم الله عزوجل لي وعرفنيهم وأبلغتكم ما أرسلت به اليكم ولكني أراكم قوما تجهلون (٢).

____________

١ ـ سورة آل عمران / ١٠٣.

٢ ـ سورة الاحقاف / ٢٣.

٧٤

لا ترجعوا بعدي كفارا مرتدين تتاولون الكتاب على غير معرفة ، وتبتدعون السنة بالاهواء ، وكل سنة وحديث وكلام خالف القرآن فهو زور وباطل.

القرآن إمام هاد ، وله قائد يهدى به ، ويدعو إليه ، بالحكمة والموعظة الحسنة ، وهو علي بن أبي طالب ، وهو ولي الامر بعدي ، ووارث علمي ، وحكمتي ، وسري ، وعلانيتي ، وما ورثه النبيون قبلي ، وأنا وارث ومورث فلا تكذبنكم أنفسكم.

أيها الناس الله الله في أهل بيتي ، وأنهم أركان الدين ، ومصابيح الظلام ، ومعادن العلم.

علي أخي ، ووزيري ، وأميني والقائم من بعدي بأمر الله ، والموفي بذمتي ، ومحيي سنتي ، وهو أول الناس إيمانا بي ، وآخرهم بي عهدا عند الموت ، وأولهم لقاء إلي يوم القيامة ، فليبلغ شاهدكم غائبكم.

أيها الناس من كانت له تبعة فها أناذا ، ومن كانت له عدة أو دين فليأت علي بن أبي طالب ، فأنه ضامن له كله حتى لا يبقى لاحد قبلي تبعة (١).

* * *

وحكي أن معاوية بن أبي سفيان سأل عبد الله بن العباس رحمة الله عليه ، عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام فقال إبن عباس : هيهات ، عقم النساء أن يأتين بمثله ، والله ما رأيت رئيسا مجربا يوزن به ، ولقد رأيته في بعض أيام صفين ، وعلى رأسه عمامة بيضاء تبرق وقد أرخى طرفيها على صدره وظهره ، وكانّما عيناه سراجا كسليط ، وهو يقف على كتيبة كتيبة حتى انتهى إلي وأنا في كنف من القوم وهو يقول :

معاشر المسلمين إستشعروا الخشية ، وتجلببوا بالسكينة ، وعضوا على النواجذ (٢) فإنه أنبى للسيوف عن الهام (٣) واكملوا اللامة (٤) وقلقلوا السيوف في أغمادها

____________

١ ـ البحار ٢٢ / ٤٨٢ ـ ٢٨٤. الطرف / ٢٩ ـ ٣٤.

٢ ـ النواجذ : جمع ناجذ وهو أقصى الاضراس.

٣ ـ ألهام : جمع هامة وهي الرأس.

٤ ـ أللامة : الدرع.

٧٥

قبل سلها ، والحضوا لخزر (١) واطعنوا لشزر (٢) ونافحوا بالظبا (٣) وصلوا السيوف بالخطى ، واعلموا أنكم بعين الله ، ومع ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعاودوا الكرة ، واستحيوا من الفر ، فانه عار من الاعقاب ، ونار يوم الحساب ، وطيبوا عن أنفسكم نفسا ، وامشوا إلى الموت مشيا سجحا (٤) ، وعليكم بهذا السواد الاعظم ، والرواق المطنب ، فاضربوا ثبجه (٥) فان الشيطان كامن في كسره ، قد قدم للوثبة يدا ، وأخر للنكوص رجلا ، فصمدا صمدا حتى ينجلي لكم عمود الحق ، وأنتم الاعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم (٦) وأنشأ يقول :

إذا المشكلات تصدين لي

كشفت غوامضها بالنظر

وإن برقت في مخيل الظنون

عمياء لا تجتليها الفكر

مقنعة بغيوب الامور

وضعت عليها حسام العبر

معي اصمع كظبى المرهفات

افري به عن بنات الستر

لسان كشقشقة الارحبي

أو كالحسام اليماني الذكر

ولكنني مدره الاصغرين

أقيس بما قد مضى ما غبر

ولست بامعة في الرجال اسا

ئل هذا وذا ما الخبر

( الاصغران القلب واللسان ) ثم غاب عني عليه‌السلام ، ثم رأيته قد أقبل وسيفه ينطف دما وهو يقرأ : ( قاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ) (٧).

وباسناد مرفوع إلى الاعمش عن عطية قال : لما خرج عمر بن الخطاب

____________

١ ـ الخزر : النظر وهو علامة الغضب.

٢ ـ الشزر : الجوانب يمينا وشمالا.

٣ ـ نافحوا : كافحوا وضاربوا ، الظبا : السيف.

٤ ـ السجح : السهل.

٥ ـ الثبج : الوسط.

٦ ـ سورة محمد / ٣٥.

٧ ـ سورة التوبة / ١٢.

الغدير ٦ / ١٩٤. شرح إبن أبي الحديد ٥ / ١٦٨. مجمع الامثال ٢ / ٣٥٨. شرح إبن ميثم ٢ / ١٧٨.

٧٦

إلى الشام وكان العباس بن عبد المطلب معه يسايره ، فكان من يستقبله ينزل فيبدأ بالعباس فيسلم عليه يقدر الناس إنه هو الخليفة لجماله وبهائه ، وهيبته ، فقال عمر : لعلك تقدر إنك أحق بهذا الامر مني؟ فقال له العباس بن عبد المطلب : أحق به مني ومنك من خلفناه بالمدينة ، فقال عمر : ومن ذاك؟ قال : من ضربنا بسيفه حتى قادنا إلى الاسلام ( يعني أمير المؤمنين عليا عليه‌السلام ) (١).

حدثني أبو محمد هارون بن موسى ، قال : حدثني أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى بن المنصور ، قال : حدثني أبو موسى عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور ، قال : حدثني الحسن بن علي بن محمد ابن علي بن موسى بن جعفر عليهم‌السلام ، قال : حدثني أبي علي قال : حدثني أبي محمد قال : حدثني أبي علي ، قال : حدثني أبي موسى ، قال : حدثني أبي جعفر ، قال : حدثني أبي محمد ، قال : حدثني أبي علي ، قال : حدثني أبي الحسين بن علي ، عن أبيه أمير المؤمنين عليهم‌السلام ، والصلاة ، قال ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي مثلكم في الناس مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ، فمن أحبكم يا علي نجا ، ومن أبغضكم ورفض محبتكم هوى في النار.

ومثلكم يا علي مثل بيت الله الحرام ، من دخله كان آمنا فمن أحبكم ووالاكم كان آمنا من عذاب النار ، ومن أبغضكم ألقي في النار يا علي ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) (٢) ومن كان له عذر فله عذره ، ومن كان فقيرا فله عذره ، ومن كان مريضا فله عذره ، وان الله لا يعذر غنيا ، ولا فقيرا ، ولا مريضا ، ولا صحيحا ، ولا أعمى ، ولا بصيرا في تفريطه في موالاتكم ومحبتكم (٣).

ـــــــــــــــ

١ ـ فضائل الخمسة ٢ / ٨٣ و ٨٧.

٢ ـ سورة آل عمران / ٩٧.

٣ ـ مستدرك الصحيحين ٢ / ٣٤٣. ذخائر العقبى / ٢٠. وقد تواترت أحاديث بهذا الشأن بألفاظ شتى ، وتعابير مختلفة. وأسانيد كثيرة تجدها في كتاب فضائل الخمسة ٢ / ٨٣ و ٨٧ و ٦٤ و ٦٦.

٧٧

وبهذا الاسناد عن أبي محمد مرفوعا إلى الحسن بن علي عليهما‌السلام ، قال : حدثني أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودعا الناس في مرضه ، فقال : من يقضي عني ديني وعداتي ويخلفني في أهلي وامتي من بعدي؟ فكف الناس عنه ، وانتدبت له ، فضمنت ذلك ، فدعا لي بناقته العضباء ، وبفرسه المرتجز ، وببغلته ، وحماره ، وسيفه ، وذي الفقار ، وبدرعه ذات الفضول ، وجميع ما كان يحتاج إليه في الحرب ، ففقد عصابة كان يشد بها بطنه في الحرب ، فأمرهم أن يطلبوها ودفع ذلك إلي ثم قال : يا علي اقبضه في حياتي لئلا ينازعك فيه أحد بعدي ، ثم أمرني فحولته إلى منزلي (١).

وذكر ان بعض عمال أمير المؤمنين عليه‌السلام أنفذ إليه في عرض ما أنفذ من حياته مال الفيء قطفا غلاظا ، وكان عليه‌السلام يفرق كل شيء يحمل إليه من مال الفيء لوقته ولا يؤخره ، وكانت هذه القطف قد جائته مساء ، فأمر بعدها ووضعها في الرحبة ليفرقها من الغد ، فلما أصبح عدها فنقصت واحدة فسأل عنها فقيل له : أن الحسن بن علي عليهما‌السلام ، إستعارها في ليلته على أن يردها اليوم ، فهرول عليه‌السلام مغضبا إلى منزل الحسن بن علي عليهما‌السلام وهو يهمهم وكان من عادته أن يستأذن على منزله إذا جاء.

فهجم بغير إذن فوجد القطيفة في منزله فأخذ بطرفها يجرها وهو يقول : النار يا أبا محمد ، النار النار يا أبا محمد ، النار حتى خرج بها (٢).

وذكروا أن بعض العمال أيضا حمل إليه في جملة الجباية ، حبات من اللؤلؤ فسلمها إلى بلال وهو خازنه على بيت المال ، إلى أن ينضاف إليها غيرها ،

ـــــــــــــــ

١ ـ بحار الانوار ٢٢ / ٤٥٦ بصورة مفصلة. علل الشرائع / ١ / ١٦٨.

٢ ـ هذا الحديث والذي يليه غير صحيح ، وأنه من الموضوعات ومن دسائس المنحرفين عن أهل البيت عليهم‌السلام لان الامامية تعتقد أن الائمة صلوات الله عليهم فوق مستوى البشر ، وأنهم منزهون عن كل ما يزري بذلك المقام الطافح بالعظمة القدسية ، وعلى هذا الاساس فما نقرأه في الحديثين ينافي تلك العظمة الآلهية ويصادم ما تقتضيه حقائقهم المقدسة ، والغريب أن الشريف الرضي سجل الخبرين من دون تعقيب.

٧٨

ويفرقها فدخل يوما إلى منزله فوجد في أذن إحدى بناته الاصاغر حبة من تلك الحبات ، فلما رآها إتهمها بالسرقة فقبض على يدها ، وقال : والله لئن وجب عليك حد لاقيمن فيك ، فقالت يا أمير المؤمنين. إن بلالا أعارنيها ليفرحني بها إلى أن تفرق مع أخواتها ، فجذبها إلى بلال جذبا عنيفا وهو مغضب ، فسأله عن صدق قولها فقال : هو كما ذكرت يا أمير المؤمنين ، فقال : والله لا وليت لي عمار أبدا وخلى يد الجارية. والصحيح ، أن صاحب هذه القصة ، كان إبن أبي رافع وهو الذي كان على بيت ماله (١). وقال عليه‌السلام يوما على منبر الكوفة : من يشتري مني سيفي هذا ، ولو ان لي قوت ليلة ما بعته ، وغلة صدقته تشتمل حينئذ على أربعين ألف دينار في كل سنة (٢). وأعطته عليه‌السلام الخادم في بعض الليالي قطيفة فانكر دفأها ، فقال : ما هذه؟ فقال الخادم : هذه من قطف الصدقة فألقاها ، قال عليه‌السلام : اصردتمونا بقية ليلتنا (٣). وقال عليه‌السلام في يوم وهو يخطب : معاشر الناس إني تقلدت أمركم هذا ، فوالله ما حليت منه بقليل ولا كثير ، إلا قارورة من دهن طيب أهداها إلي دهقان من بعض النواحي (٤). قال : ودهقان بالضم فاستفيدت منه عليه‌السلام. ولما قبض عليه‌السلام خطب الناس الحسن بن علي عليهما‌السلام فقال :

ـــــــــــــــ

١ ـ كيف يتفق هذا الخبر الموضوع مع ثناء أهل البيت عليهم‌السلام على بلال بن رباح ، وانه يشفع لمؤمني الحبشة وقد إتفق علماؤنا الاعلام على إطرائه وتوثيقه ورسوخ قوة الايمان فيه.

٢ ـ مناقب ابن شهر اشوب ٢ / ٧٢. نقلا عن البلاذري ، وفضائل أحمد.

٣ ـ انساب الاشراف ٢ / ١١٧ ومناقب ابن شهر آشوب ٢ / ١٠٨.

٤ ـ حلية الاولياء ١ / ٨١ بسنده عن ابي عمرو بن العلاء. وج ٩ / ٥٣. كنز العمال ٦ / ٤٠١.

٧٩

لقد فارقكم أمس رجل ما سبقه الاولون ، ولا يدركه الآخرون في حلم ولا علم ، وما ترك من صفراء ولا بيضاء ، ولا دينارا ، ولا درهما ، ولا عبدا ، ولا أمة ، الا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لاهله ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعطيه الراية فلا يرجع حتى يفتح الله عليه (١).

وروي عن مولى لبني الاشتر النخعي قال : رأيت أمير المؤمنين عليا عليه‌السلام ، وأنا غلام وقد أتى السوق بالكوفة فقال : لبعض باعة الثياب أتعرفني؟ قال : نعم أنت أمير المؤمنين ، فتجاوزه وسأل آخر فأجاب بمثل ذلك إلى أن سأل واحدا فقال : ما أعرفك فاشترى منه قميصا فلبسه ثم قال : ( الحمد لله الذي كسا علي بن أبي طالب ) ، وإنما ابتاع عليه‌السلام ممن لا يعرفه خوفا من المحاباة في إرخاص ما ابتاعه (٢).

ـــــــــــــــ

١ ـ جمهرة خطب العرب ٢ / ٧. الامامة والسياسة ١ / ١٢٧. العقد الفريد ٢ / ٦. تاريخ الطبري ٦ / ٩١.

٢ ـ مناقب ابن شهر اشوب ٢ / ١٦٩.

٨٠