رحلة ابن بطوطة - ج ٣

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي

رحلة ابن بطوطة - ج ٣

المؤلف:

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي


المحقق: عبد الهادي التازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أكاديمية المملكة المغربية
الطبعة: ٠
ISBN: 9981-46-009-5
ISBN الدورة:
9981-46-006-0

الصفحات: ٢٥٥

بهاء الدين إلى ملك من ملوك الكفار يعرف بالراي (٨) كنبيلة ، والراي عندهم كمثل ما هو بلسان الروم : عبارة عن السلطان ، وكنبيلة اسم الاقليم الذي هو به ، بفتح الكاف وسكون النون وكسر الباء الموحدة وياء ولام مفتوح (٩).

وهذا الراي له بلاد في جبال منيعة ، وهو من أكابر سلاطين الكفار ، فلمّا هرب إليه بهاء الدين اتّبعه عساكر السلطان وحصروا تلك البلاد ، واشتدّ الأمر على الكافر ، ونفد ما عنده من الزرع ، وخاف أن يوخذ باليد ، فقال لبهاء الدين : إن الحال قد بلغت لما تراه وأنا عازم على هلاك نفسي وعيالي ومن تبعني ، فاذهب أنت إلى السلطان فلان ، لسلطان من الكفار سمّاه له ، فأقم عنده فإنّه سيمنعك وبعث معه من أوصله إليه.

وأمر راي كنبيلة بنار عظيمة فأججت (١٠) وأحرق فيها أمتعته وقال لنسائه وبناته : إنّي أريد قتل نفسي ، فمن أرادت موافقتي فلتفعل ، فكانت المرأة منهنّ تغتسل وتدّهن بالصندل المقاصريّ (١١) وتقبّل الأرض بين يديه وترمي بنفسها في النار حتّى هلكن جميعا ، وفعل مثل ذلك نساء امرائه ووزرائه وأرباب دولته ، ومن أراد من سائر النساء ، ثمّ اغتسل الرآى وادّهن بالصندل ولبس السلاح ما عدا الدرع ، وفعل كفعله من أراد الموت معه من ناسه ، وخرجوا إلى عسكر السلطان فقاتلوا حتّى قتلوا جميعا ، ودخلت المدينة فأسر أهلها وأسر من أولاد رآى كنبيلة أحد عشر ولدا ، فأتي بهم السلطان فاسلموا جميعا وجعلهم السلطان أمراء وعظّمهم لأصالتهم ولفعل أبيهم ، فرأيت عنده منهم نصرا وبختيار والمهردار (١٢) ، وهو صاحب الخاتم الذي يختم به على الماء الذي يشرب السلطان منه ، وكنيته أبو مسلم ، وكانت بيني وبينه صحبة ومودّة.

ولمّا قتل رآى كنبيلة توجّهت عساكر السلطان إلى بلد الكافر الذي لجأ اليه بهاء الدين وأحاطوا به (١٣) ، فقال ذلك السلطان : أنا لا أقدر على أن أفعل ما فعله راى كنبيلة فقبض

__________________

(٨) يلاحظ استعمال كلمة (رأى)(rey) في أقصى الشرق لهذا رأينا ابن بطوطة يذكر أن أصل الكلمة من بلاد الروم يعني إسبانيا ويلاحظ مع هذا استعمال القرّة ... بمعنى الحرب ج iv ، ص ٣٥١.

(٩) كنبيلة :(campil) مملكة هندية صغيرة تابعة في السابق ليادافاس ديوجير (yadavas de deogir) وتقع حول الاقليم الحالي رايشور (raichur) في منطقة كارناطاكا (karnataka) مباشرة جنوب ساكار (sagar). السلطان يسمى كامبيليدوفا (kampilideva) في مصادر التاريخ الاسلامي.

(١٠) يتعلق الأمر بانتحار طقسيّ يسمى جوهار (jauhar) على نحو ما سمعه الناس اليوم في آسيا وأروبا!

(١١) يراجع ٠٥٢ ,iii.

(١٢) المهردار : حارس الاختام ـ أخوان من هؤلاء النبلاء الهنود معتقلان في كامبيلي (kampili) ، وهاريهارا (harihara) وبوكّا (bukka) سيرجعان نحو الجنوب لأجل أن يؤسسا ابتداء من عام ٧٤٦ ـ ١٣٤٦ الامبراطورية الهندية العظمى لفيجاياناگارا (vijayanagara) ـ وانظر ٦٩ ,iii.

(١٣) يتعلق الأمر بدون شك بسلطنة حوصله (hoysala) ، آخر السلطنات الهندية الكبرى في الجنوب التي احتفظت بنوع نسبي من الاستقلال ، عاصمتها دفراسامودرا (dvarasamudra) توجد في الاقليم الحالي حسان (hassan) جنوب منطقة كارناطاكا (karnataka). والملك المشار اليه هنا هو (قيرا بلّاله)(vira ballala) الثالث ٦٩١ ـ ٧٤١ ـ ١٢٩٢ ـ ١٣٤٢.

٢٠١

على بهاء الدّين وأسلمه إلى عسكر السلطان ، فقيّدوه وغلّوه وأتوا به اليه ، فلمّا أتي به إليه أمر بادخاله إلى قرابته من النساء فشتمنه وبصقن في وجهه ، وأمر بسلخه وهو بقيد الحياة ، فسلخ وطبخ لحمه مع الأرز ، وبعث لأولاده وأهله وجعل باقيه في صحفة وطرح للفيلة لتأكله ، فأبت أكله! وأمر بجلده فحشى بالتبن وقرن بجلد بهادور بوره (١٤) وطيف بهما على البلاد.

فلمّا وصلا إلى بلاد السّند وأمير أمرائها يومئذ كشلو خان (١٥) صاحب السلطان تغلق ومعينه على أخذ الملك ، وكان السلطان يعظّمه ويخاطبه بالعمّ ويخرج لاستقباله إذا وفد من بلاده أمر كشلوخان بدفن الجلدين ، فبلغ ذلك السلطان فشقّ عليه فعله واراد الفتك به.

ذكر ثورة كشلوخان وقتله

ولمّا اتّصل بالسلطان ما كان من فعله في دفن الجلدين بعث عنه وعلم كشلوخان أنّه يريد عقابه فامتنع وخالف وأعطى الأموال وجمع العساكر وبعث إلى الترك والأفغان وأهل خراسان ، فأتاه منهم العدد الجمّ حتّى كافأ عسكره عسكر السلطان أو أربى عليه كثرة وخرج السلطان بنفسه لقتاله ، فكان اللقاء على مسيرة يومين من ملتان بصحراء أبو هر (١٦) ، وأخذ السلطان بالحزم عند لقائه فجعل تحت الشطر عوضا منه الشيخ عماد الدين شقيق الشيخ ركن الدين الملتانيّ (١٧) ، وهو حدّثني هذا وكان شبيها به ، فلمّا حمى القتال انفرد السلطان في أربعة آلاف من عسكره ، وقصد عسكر كشلوخان قصد الشطر معتقدين أن السلطان تحته فقتلوا عماد الدين ، وشاع في العسكر أنّ السلطان قتل فاشتغلت عساكر كشلوخان بالنهب وتفرّقوا عنه ولم يبق معه إلّا القليل ، فقصده السلطان بمن معه فقتله وجزّ راسه ، وعلم بذلك جيشه ففرّوا ، ودخل السلطان مدينة ملتان وقبض على قاضيها كريم الدين وأمر بسلخه فسلخ ، وأمر برأس كشلوخان فعلّق على بابه ، وقد رأيته معلّقا لمّا وصلت إلى ملتان ، وأعطى السلطان للشيخ ركن الدين أخى عماد الدين ولابنه وصدر الدين مائه قرية إنعاما عليهم ليأكلوا منها ويطعموا بزاويتهم المنسوبة لجدّهم بهاء الدين زكرياء (١٨) وأمر

__________________

(١٤) يتعلق الأمر هنا بمصادفة تاريخية : غياث الدين بها دور لقى نفس المصير ثلاث سنوات فيما بعد.

(١٥) حول هذا السلطان ـ انظر ٣٠٢ ـ ٥١١ ,iii ٥٣٤ ـ ٤٢٤ ,i هذه الثورة التي تؤرخ بعام ٧٢٨ ـ ١٣٢٨ ، هي أيضا تنسب إلى الادارة السيئة التي أبداها كشلوخان لارسال عائلته إلى ديوجيرdeogir (دولة أباد) العاصمة الجديدة.

(١٦) حول مدينة أبو هر انظر ٤٣١ ـ ٣٣١ ـ ٥٢١ ,iii.

(١٧) حول الشيخ ركن الدين انظر ٦٠٣ ـ ٣٠٣ ـ ٢٠٣ ـ ٣١٢ ـ ١٠٢ ـ ٠٢١ ـ ٢٠١ iii ٨٣ ,i.

(١٨) السفر الأول ٣٢ ,ii.

٢٠٢

٢٠٣

السلطان وزيره خواجة جهان أن يذهب إلى مدينة كمال بور (١٩) وهي مدينة كبيرة على ساحل البحر ، وكان أهلها قد خالفوا فأخبرني بعض الفقهاء انّه حضر دخول الوزير إيّاها قال : وأحضر بين يديه القاضي بها والخطيب فأمر بسلخ جلودهما ، فقالا له : اقتلنا بغير ذلك ، فقال لهما : بما استوجبتما القتل؟ فقالا : بمخالفتنا أمر السلطان ، فقال لهما : فكيف أخالف أنا أمره وقد أمرني أن اقتلكما بهذه القتلة ، وقال للمتولّين لسلخهما : احفروا لهما حفرا تحت وجوههما يتنفّسان فيها فانّهم اذا سلخوا ، والعياذ بالله ، يطرحون على وجوههم ، ولمّا فعل ذلك تمهّدت بلاد السند وعاد السلطان إلى حضرته.

ذكر الوقيعة بجبل قراجيل (٢٠) على جيش السلطان

وأول اسمه قاف وجيم معقودة ، وجبل قراجيل هذا جبل كبير يتّصل مسيرة ثلاثة أشهر ، وبينه وبين دهلي مسيرة عشر ، وسلطانه من أكبر سلاطين الكفار ، وكان السلطان بعث ملك نكبية (٢١) رأس الدويداريّة إلى حرب هذا الجبل ، ومعه مائة الف فارس ، ورجّاله سواهم كثيرا فملك مدينة جدية (٢٢) ، وضبطها بكسر الجيم وسكون الدال المهمل وفتح الياء آخر الحروف، وهي أسفل الجبل ، وملك ما يليها وسبى وخرّب وأحرق وفرّ الكفار إلى أعلى الجبل وتركوا بلادهم واموالهم وخزائن ملكهم.

وللجبل طريق واحد ، وعن أسفل منه واد وفوقه الجبل فلا يجوز فيه الّا فارس منفرد خلفه آخر ، فصعدت عساكر المسلمين على ذلك الطريق وتملّكوا مدينة ورنكل (٢٣) التي بأعلى الجبل ، وضبطها بفتح الواو والراء وسكون النون وفتح الكاف ، واحتووا على ما فيها وكتبوا إلى السلطان بالفتح فبعث اليهم قاضيا وخطيبا ، وأمرهم بالإقامة.

فلمّا كان وقت نزول المطر غلب المرض على العسكر وضعفوا وماتت الخيل وانحلّت القسّي ، فكتب الأمراء إلى السلطان واستأذنوه في الخروج عن الجبل والنزول إلى أسفله بخلال ما ينصرم فصل نزول المطر فيعودون فأذن لهم في ذلك ، فأخذ الأمير نكبية الأموال

__________________

(١٩) كمال بّور ، هناك مدينة بهذا الاسم توجد على مقربة كراتشي الحالية بيد أن التّعريف بها يظل مجهولا عند المؤلفين من غير ابن بطوطة.

(٢٠) هذه الكلمة : (قراجيل) تغطى مجموع الهيمالاياhimalaya لكن الأمر يتعلق هنا على ما يبدو جدّا بالسهل الذي يقع شمال دهلي في المنطقة الحالية : هيماشال براديش (pradesh) هذا وان تاريخ الحركة لم يعرف وينبغي أن يكون فيما بين ٧٣٠ ـ ٧٣٣ ـ ١٣٣٠ ـ ١٣٣٣.

(٢١)(malik nikpay) ذكرت في بداية السفر الثاني في الفصل المعنون بالجميل والقبيح في محمد ابن تغلق ...

(٢٢) جدية علم جغرافي لم نقف على تحديده.

(٢٣) ورنگل : مدينة أعطيت اسم رئيسها في تلينگاناtelingana.

٢٠٤

التي استولى عليها من الخزائن والمعادن وفرّقها على الناس ليرفعوها ويوصّلوها إلى أسفل الجبل ، فعندما علم الكفار بخروجهم قعدوا لهم بتلك المهاوي وأخذوا عليهم المضيق وصاروا يقطعون الأشجار العاديّة قطعا ويطرحونها من أعلى الجبل فلا تمرّ بأحد الّا اهلكته فهلك الكثير من الناس وأسر الباقون منهم وأخذ الكفار الأموال والأمتعة والخيل والسلاح ، ولم يفلت من العسكر الّا ثلاثة من الأمراء : كبيرهم نكبية ، وبدر الدين الملك دولة شاه ، وثالث لهما لا اذكره ، وهذه الوقيعة أثّرت في جيش الهند أثرا كبيرا وأضعفته ضعفا بيّنا ، وصالح السلطان بعدها أهل الجبل على مال يؤدونه إليه لأن لهم البلاد أسفل الجبل ولا قدرة لهم على عمارتها إلّا باذنه.

ذكر ثورة الشريف جلال الدين ببلاد المعبر وما اتّصل بذلك من قتل ابن اخت الوزير

وكان السلطان قد امّر على بلاد المعبر ، وبينها وبين دهلي مسيرة ستّة أشهر ، الشريف جلال الدين أحسن شاه (٢٤) ، فخالف وادّعى الملك لنفسه ، وقتل نوّاب السلطان وعمّاله وضرب الدنانير والدراهم باسمه ، وكان يكتب في إحدى صفحتي الدينار : (سلالة طه ويس أبو الفقراء والمساكين ، جلال الدنيا والدين) وفي الصفحة الأخرى الواثق (بتأييد الرحمن أحسن شاه السلطان).

وخرج السلطان لمّا سمع بثورته يريد قتاله ، فنزل بموضع يقال له كشك زر (٢٥) ، معناه قصر الذهب ، وأقام به ثمانية أيّام لقضاء حوائج الناس ، وفي تلك الأيّام أتي بابن اخت الوزير خواجة جهان وأربعة من الأمراء أو ثلاثة وهم مقيّدون مغلولون وكان السلطان قد بعث وزيره المذكور في مقدّمته فوصل إلى مدينة ظهار (٢٦) ، وهي على مسيرة أربع وعشرين

__________________

(٢٤) جلال الدين أحسن الذي ثار عام ٧٣٤ ـ ١٣٣٤ ، نجح في تأسيس أول دولة إسلامية مستقلة عن دهلي ، في مادورا (madura) في أقصى الجنوب الشرقي للهند. أنظر الخريطة ، بيد أن هذه الدولة كانت قصيرة العمر فسقطت تحت ضربات المملكة الهندية الموجودة في فيجاياناگارا (vijayanagara) عام ٧٧٩ ـ ١٣٧٨. هذا والي بلاد المعبر ينتسب عدد في العلماء نذكر منهم الشيخ أحمد زين الدّين المعبري المليباري المتوفى بعد سنة ٩٩١ ه‍ صاحب كتاب تحفة المجاهدين في احوال البرتغاليين ...

(٢٥) كشك زر (kushk i zar) بمعنى قصر الذهب ، المكان المعروف باسم كوشك زردkushik i zard بمعنى القصر الأصفر فيقع على الخريطة الإيرانية لكنه صنّف هكذاkiski e ـ zar في كازيط ايران المنشور من لدن وزارة الدفاع ، مصلحة الخرائط ، واشنطون ١٩٨٤. ترقب ما ياتى عند عودة ابن بطوطة ووصوله إلى بلاد فارس.

(٢٦) القصد إلى مدينة (dhar) وتقع في إقليم يحمل نفس الاسم جنوب غربي المنطقة الحالية ماديابراديش (madhya pradesh). تاريخ ابن أخي الوزير لا يعرف فهو من المعلومات التي استأثر بها ابن بطوطة بيد أن نزول محمد ابن تغلق نحو الجنوب أعطى الإشارة لعدد من الثورات ، كان من بينها ثورة لاهور ...

٢٠٥

من دهلي ، وأقام بها أيّاما ، وكان ابن اخته شجاعا بطلا فاتّفق مع الأمراء الذين أتي بهم على قتل خاله والهروب بما عنده من الخزائن والأموال إلى الشريف القائم ببلاد المعبر ، وعزموا على الفتك بالوزير عند خروجه إلى صلاة الجمعة فوشى بهم أحد من ادخلوه في أمرهم إلى الوزير ، وكان يسمّى الملك نصرة الحاجب وأخبر الوزير أن آية ما يرومونه لبسهم الدروع تحت ثيابهم ، فبعث الوزير عنهم فوجدهم كذلك فبعث بهم إلى السلطان.

وكنت بين يدي السلطان حين وصولهم (٢٧) فرأيت أحدهم وكان طوالا ألحى ، وهو يرعد ويتلو سورة يس (٢٨) ، فأمر بهم فطرحوا للفيلة المعلّمة لقتل الناس ، وأمر بابن اخت الوزير فردّ إلى خاله ليقتله ، وسنذكر ذلك.

وتلك الفيلة التي تقتل الناس تكسى أنيابها حدائد مسنونة شبه سكك الحرث ، لها أطراف كالسّكاكين ، ويركب الفيّال على الفيل ، فإذا رمى بالرجل بين يديه لفّ عليه خرطومه ورمى به إلى الهواء ، ثمّ يتلقّفه بنابيه ويطرحه بعد ذلك بين يديه ، ويجعل يده على صدره ويفعل به ما يأمره الفيّال على حسب ما أمره السلطان ، فإن أمره بتقطيعه قطّعه الفيل قطعا بتلك الحدائد وان امره بتركه تركه مطروحا فسلخ ، وكذلك فعل بهؤلاء!

وخرجت من دار السلطان بعد المغرب فرأيت الكلاب تأكل لحومهم وقد ملئت جلودهم بالتبن ، والعياذ بالله ، ولمّا تجهّز السلطان لهذه الحركة أمرني بالإقامة بالحضرة ، كما سنذكره ومضى في سفره إلى أن بلغ دولة آباد فثار الأمير هلاجون ببلاده (٢٩) ... ذلك وكان الوزير خواجة جهان قد بقى أيضا بالحضرة لحشد الحشود وجمع العساكر.

ذكر ثورة هلاجون

ولمّا بلغ السلطان إلى دولة آباد وبعد عن بلاده ثار الأمير هلاجون بمدينة لّاهور وادّعى الملك وساعده الأمير قلجند (٣٠) على ذلك وصيّره وزيرا له ، واتّصل ذلك بالوزير خواجة جهان

__________________

(٢٧) ابن بطوطة كان قد وصل إلى دهلي قبل مغادرة السلطان في اتجاه الغارة على مادورا. يراجع ١٥٢ ,iii.

(٢٨) السورة ٣٤ ، وتتلى عادة على الأموات نظرا لما ثبت عنها في كتب الحديث فقد روى أبو داود عن معقل بن يسار قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقرءوا يس على موتاكم» وبهذا الاسم عنون البخاري والترمذي السورة في كتابي التفسير ـ انظر تفسيرهم لقوله تعالى : في شغل فاكهون ...

(٢٩) هلاجون سنرى أن الامر يتعلق بأحد الذين كانوا يحكمون في (لاهور) من لدن السلطان. عند ثورته عام ٧٣٥ ـ ١٣٣٥ كان معززا من لدن أحد الذين كانوا يحملون اسم كول تشاند (gul tchand) من قبيلة خوكارش (khokars) هنا يلاحظ بياض قبل كلمة (ذلك) ولعله (خرج) أي شاع وتروّج.

(٣٠) قلنجد : gul chand أمير هندي (يراجع كتاب مهدي حسين حول محمد ابن تعلق) هذا ومن المحتمل أن يكون القصد بأحد الأودية إلى سوتليتج (sutledj) الرافد الشرقي لنهر الهندوس.

٢٠٦

٢٠٧

وهو بدهلي ، فحشد الناس وجمع العساكر وجمع الخراسانيّين وكلّ من كان مقيما من الخدّام بدهلي أخذ أصحابه وأخذ في الجملة أصحابي لأنّي كنت بها مقيما ، وأعانه السلطان بأميرين كبيرين أحدهما قيران ملك صفّدار ، ومعناه مرتّب العساكر ، والثاني الملك تمور الشّربدار ، وهو الساقي ، وخرج هلاجون بعساكر فكان اللقاء على ضفّة أحد الأودية الكبار (٣٠) ، فانهزم هلاجون ، وهرب وغرق كثير من عسكره في النهر ، ودخل الوزير المدينة فسلخ بعض أهلها وقتل آخرين بغير ذلك من أنواع القتل ، وكان الذي تولّى قتلهم محمّد بن النّجيب نائب الوزير ، وهو المعروف بأجدر ملك ، ويسمّى أيضا صكّ السلطان ، والصك عندهم الكلب وكان ظالما قاسي القلب ويسمّيه السلطان أسد الأسواق ، وكان ربّما عضّ أرباب الجنايات بأسنانه شرها وعدوانا ، وبعث الوزير من نساء المخالفين نحو ثلاثماية إلى حصن كاليور (٣١) فسجنّ به ورأيت بعضهن هنالك ، وكان أحد الفقهاء له فيهنّ زوجة فكان يدخل اليها حتّى ولدت منه في السجن!

ذكر وقوع الوباء في عسكر السلطان

ولمّا وصل السلطان إلى بلاد التّلنك وهو قاصد إلى قتال الشريف ببلاد المعبر نزل مدينة بدركوت ، وضبط اسمها بفتح الباء الموحدة وسكون الدال وفتح الراء وضمّ الكاف وواو وتاء معلوّة ، وهي قاعدة بلاد التّلنك ، وضبطها بكسر التاء المعلوّة واللام وسكون النون وكاف معقودة ، وبينها وبين بلاد المعبر مسيرة ثلاثة أشهر ، ووقع الوباء (٣٢) اذ ذاك في عسكره فهلك معظمهم ومات العبيد ، والمماليك وكبار الأمراء مثل ملك دولة شاه الذي كان السلطان يخاطبه بالعمّ ومثل أمير عبد الله الهرويّ ، وقد تقدّمت حكايته في السفر الأول (٣٣) ، وهو الذي أمره السلطان أن يرفع من الخزانة ما استطاع من المال فربط ثلاث عشرة خريطة باعضاده ورفعها، ولمّا رأى السلطان ما حلّ بالعسكر عاد إلى دولة آباد وخالفت البلاد وانتقضت الأطراف ، وكاد الملك يخرج عن يده لولا ما سبق به القدر من استحكام سعادته.

ذكر الإرجاف بموته وفرار الملك هوشنج

ولمّا عاد السلطان إلى دولة آباد مرض في طريقه فأرجف الناس بموته وشاع ذلك

__________________

(٣١) حول كاليور (gwalior) انظر ٥٩١ ـ ٤٩١ ـ ٨٨١ ,iii وسياتي ٣٣ ـ ٢٣ ـ ٦ ,iv.

(٣٢) الوباء ربما كان ظهر في ورانكل (warangal) التي هي عاصمة تيلينكانا. محمد بن تغلق ـ وقد قرر أن يعدل عن متابعة حملته انسحب إلى بيدار (bidar) التي من الممكن أن تكون هي (بدركوت) التي ذكرها ابن بطوطة هنا. بيدار تقع في إقليم يحمل نفس الاسم ، وتوجد في أقصى الشمال من المنطقة الحالية لكارناطاكتاkarnataka.

(٣٣) أنظر ٥٧ ,ii.

٢٠٨

فنشأت عنه فتن عريضة ، وكان الملك هوشنج ابن الملك كمال الدين كرك (٣٤) بدولة آباد ، وكان بينه وبين السلطان عهد أن لا يبايع غيره أبدا لا في حياته ولا بعد موته ، فلمّا أرجفبموت السلطان هرب إلى سلطان كافر يسمّى بربرة يسكن بجبال مانعة بين دولة آباد وكوكن تانه (٣٥)، فعلم السلطان بفراره وخاف وقوع الفتنة فجدّ السير إلى دولة آباد واقتفى أثر هوشنج وحصره بالخيل ، وراسل الكافر أنّ يسلّمه إليه فأبى ، وقال : لا أسلّم دخيلى ولو آل بي الأمر لما آل برآي كنبيلة (٣٦). وخاف هوشنج على نفسه فراسل السلطان وعاهده على أن يرحل السلطان إلى دولة آباد ، ويبقى هنالك قطلو خان معلّم السلطان ليستوثق منه هو شنج وينزل إليه على الأمان ، فرحل السلطان ونزل هوشنج إلى قطلو خان وعاهده أن لا يقتله السلطان ولا يحطّ منزلته ، وخرج بماله وعياله وأصحابه وقدم على السلطان فسرّ بقدومه وأرضاه وخلع عليه.

وكان قطلوخان صاحب عهد يستنيم الناس إليه ويعوّلون في الوفاء عليه ، ومنزلته عند السلطان عليّة ، وتعظيمه له شديد ، ومتى دخل عليه قام له إجلالا فكان بسبب ذلك لا يدخل عليه حتّى يكون هو الذي يدعوه لئلا يتعبه بالقيام له وهو محب في الصّدقات كثير الإيثار مولع بالإحسان للفقراء والمساكين.

ذكر ما همّ به الشريف إبراهيم من الثورة ومآل حاله.

وكان الشريف إبراهيم المعروف بالخريطة دار ، هو صاحب الكاغد والأقلام بدار السلطان واليا على بلاد حانسي وسرستي لمّا تحرّك السلطان إلى بلاد المعبر (٣٧) ، وأبوه هو القائم ببلاد المعبر الشريف أحسن شاه ، فلمّا أرجف بموت السلطان طمع ابراهيم في السلطنة وكان شجاعا كريما حسن الصورة ، وكنت متزوّجا باخته حورنسب ، وكانت صالحة تتهجّد بالليل ولها أوراد من ذكر الله عزوجل ، وولدت منّي بنتا ، ولا أدري ما فعل الله فيهما ، وكانت تقرأ لا كنها لا تكتب ، فلمّا همّ ابراهيم بالثورة اجتاز به أمير من امراء السند

__________________

(٣٤) كمال الدّين كرك (kurg) كان جنرالا لعلاء الدين الخلجى. ولده هو شانج (hushang) كان يملك عند وصول ابن بطوطة إقطاعية هانسي (hansi) في غرب دهلي.

(٣٥) الجبال المتحدث عنها هي جبال الغات (ghats) الغربية الواقعة بين دولة أباد وثانا. هذه المدينة الأخيرة تقع على مقربة من بومباي ـ أما عن العاهل الهندي فإنه لم يعرف في مصدر غير مصدر ابن بطوطة.

(٣٦) انظر ٩١٣ ,iii.

(٣٧) هذا الشخص سمي حاكما لمدينة سارستي (sarsati) ومدينة حانسي (hansi) ـ عن هذين المدينتين انظر ٩٥٢ ـ ٣٤١ ـ ٢٤١ ,iii ، عند اتجاه محمد بن تغلق نحو مادورا عوضا عن هو شنج الذي اتبع السلطان إلى دولة أباد.

٢٠٩

معه الأموال يحملها إلى دهلي ، فقال له ابراهيم : إن الطريق مخوف ، وفيه القطع ، فأقم عندي حتّى يصلح الطريق وأوصلك إلى المأمن ، وكان قصده أن يتحقّق موت السلطان فيستولي على تلك الأموال ، فلمّا تحقّق حياته سرّح ذلك الأمير ، وكان يسمّى ضياء الملك بن شمس الملك.

ولمّا وصل السلطان إلى الحضرة بعد غيبته سنتين ونصفا وصل الشريف ابراهيم إليه فوشى به بعض غلمانه وأعلم السلطان بما كان همّ به ، فأراد السلطان أن يعجل بقتله ، ثمّ تانّى لمحبّته فيه ، فاتّفق أن أتى يوما إلى السلطان بغزال مذبوح فنظر إلى ذبحته فقال ليس بجيد الذكاة ، أطرحوه فرآه إبراهيم فقال : إن ذكاته جيّدة وأنا أكله ، فأخبر السلطان بقوله ، فأنكر ذلك وجعله ذريعة إلى أخذه فأمر به فقيّد وغلّل ثمّ قرّره على ما رمى به من أنّه أراد أخذ الاموال التي مرّ بها ضياء الملك.

وعلم إبراهيم أنّه إنّما يريد قتله بسبب أبيه ، وأنّه لا تنفعه معذرة ، وخاف أن يعذّب فرأى الموت خيرا له ، فأقرّ بذلك فأمر به فوسّط ، وترك هنالك ، وعادتهم أنه متى قتل السلطان أحدا أقام مطروحا بموضع قتله ثلاثا فإذا كان بعد الثلاث أخذه طائفة من الكفّار موكّلون بذلك فحملوه إلى خندق خارج المدينة يطرحونه به ، وهم يسكنون حول الخندق لئلا ياتي أهل المقتول فيرفعونه ، وربّما أعطى بعضهم لهؤلاء الكفار مالا فتجافوا له عن قتيله حتّى يدفنه ، وكذلك فعل بالشريف ابراهيم ، رحمه‌الله تعالى.

ذكر خلاف نائب السلطان ببلاد التّلنك

ولمّا عاد السلطان من التّلنگ وشاع خبر موته ، وكان ترك تاج الملك نصرة خان (٣٨) نائبا عنه ببلاد التّلنك ، وهو من قدماء خواصّه بلغه ذلك فعمل عزاء السلطان ودعا لنفسه وبايعه الناس بحضرة بدركوت ، فبلغ خبره إلى السلطان فبعث معلّمه قطلوخان في عساكر عظيمة فحصره بعد قتال شديد هلك فيه أمم من الناس واشتدّ الحصار على أهل بدركوت وهي منيعة ، وأخذ قطلوخان في نقبها فخرج إليه نصرة خان على الأمان في نفسه فأمّنه وبعث به إلى السلطان وامّن أهل المدينة والعسكر.

__________________

(٣٨) عند انسحابه من وارناگال (warnagal) نحو بيدارbidar عام ٧٣٥ ـ ١٣٣٥ أكرى السلطان حكم محافظة هذه المدينة الأخيرة لخديمة شهاب الدين نصرت خان بمبلغ عشرة ملايين تنكه وعندما وجد نصرت نفسه غير قادر حتى على أداء ربع هذا المبلغ ثار على الحكم ـ ييرايموس

٢١٠

ذكر انتقال السلطان لنهر الكنك وقيام عين الملك

ولمّا استولى القحط (٣٩) على البلاد انتقل السلطان بعساكره إلى نهر الكنك الذي تحجّ اليه الهنود ، على مسيرة عشر من دهلي ، وأمر الناس بالبناء ، وكانوا قبل ذلك صنعوا خياما من حشيش الارض ، فكانت النار كثيرا ما تقع فيها وتؤذي الناس حتّى كانوا يصنعون كهوفا تحت الارض فإذا وقعت النار رموا أمتعتهم بها وسدّوا عليها بالتراب.

ووصلت أنا في تلك الأيّام لمحلّة السلطان وكانت البلاد التي بغربيّ النهر ، حيث السلطان ، شديدة القحط والبلاد التي بشرقيّة خصبة ، وأميرها عين الملك بن ماهر (٤٠) ومنها مدينة عوض (٤١) ومدينة ظفر آباد (٤٢) ومدينة اللّكنو (٤٣) وغيرها ، وكان الأمير عين الملك يحضر كلّ يوم خمسين ألف منّ ، منها قمح وأرز وحمّص لعلف الدوابّ فأمر السلطان أن تحمل الفيلة ومعظم الخيل والبغال إلى الجهة الشرقيّة المخصبة لترعى هنالك ، وأوصى عين الملك بحفظها.

وكان لعين الملك أربعة إخوة وهم شهر الله ونصر الله وفضل الله ولا أذكر اسم الآخر ، فاتفقوا مع أخيهم عين الملك على أنّ يأخذوا فيلة السلطان ودوابّه ويبايعوا عين الملك ، ويقوموا على السلطان وهرب إليهم عين الملك باللّيل وكاد الأمر يتمّ لهم (٤٤).

ومن عادة ملك الهند انّه يجعل مع كلّ أمير كبير أو صغير مملوكا له يكون عينا عليه ويعرّفه بجميع حاله ، ويجعل أيضا جواري في الدّوريكنّ عيونا على أمرائه ، ونسوة يسميهنّ الكنّاسات يدخلى الدّور بدون استئذان ويخبرهنّ الجواري بما عندهنّ فيخبر الكنّاسات بذلك لملك المخبرين ، فيخبر بذلك السلطان! ويذكرون أنّ بعض الامراء كان في فراشه مع زوجته

__________________

(٣٩) هذه المجاعة الأكثر أهمية في التواريخ الهندية وقعت أثناء غياب السلطان في الجنوب ، ودامت سبع سنوات. ولما علم السلطان محمد ابن تغلق بهذه الكارثة لم يرجع لدهلي ، لكنه استقرّ ابتداء من عام ٧٣٦ ـ ١٣٣٦ على مقربة من كانوج (cannaudj) في عاصمة موقتة سارگادواري (sargadwari) ـ الملاصقة لاقليم أوذ (oudh) الذي لم تمسّه المجاعة. انظر ٥٩٢ ـ iii.

(٤٠) ابن ماهر هذا من أبرز الشخصيات المهمة في السلطنة ، وهو فاتح إقليم مالوه (malwa) تحت حكم علاء الدين الخلجى عام ٧٠٥ ـ ١٣٠٥ وهو صديق ورفيق سلاح لغياث الدين تغلق.

(٤١) عوض هي أجوديا (ajodya) الحالية في إقليم فايزاباد (faizabad) على نهر غنغرا (ghanghara).

(٤٢) ظفر أباد : تقع في جنوب جونبّور (junpur) على نهر گوماتي (gomati) : رافد من روافد الكانج.

(٤٣) اللّكنو (lucknou) تقع بين الكانج وبين غاغرا (chaghra)

(٤٤) السلطان ـ وقد غار من قوة عين الملك في المنطقة الخصيبة أوذ (oudh) ، قرّر على ما يبدو أن ينقل عين الملك إلى داكان (deccan) إقليم مشهور بأنه غير محكوم ، وذلك ليتسبّب له في الخسارة! وان هذا المخطط هو الذي كان وراء الثورة التي نادى بها عين الملك!! هذه الثورة التي ينبغي أن تؤرخ في النصف الأول من عام ٧٣٧ ـ ١٣٣٧.

٢١١

فأراد مماسّتها فحلّفته برأس السلطان أن لا يفعل ، فلم يسمع منها فبعث عنه السلطان صباحا وأخبره بذلك وكان سبب هلاكه.

وكان للسلطان مملوك يعرف بابن ملك شاه هو عين على عين الملك المذكور فأخبر السلطان بفراره وجوازه النهر فسقط في يده وظنّ أنّها القاضية عليه لأن الخيل والفيلة والزرع كلّ ذلك عند عين الملك وعساكر السلطان مفترقة ، فأراد أن يقصد حضرته ويجمع العساكر ، وحينئذ يأتي لقتاله ، وشاور أرباب الدولة في ذلك وكان امراء خراسان والغرباء أشدّ الناس خوفا من هذا القائم لأنّه هندي ، وأهل الهند مبغضون في الغرباء لاظهار السلطان لهم فكرهوا ما ظهر له ، وقالوا : ياخوند عالم! إن فعلت ذلك بلغه الخبر ، فاشتدّ أمره ورتّب العساكر ، وانثال عليه طلاب الشّر ودعاة الفتن والأولى معالجته قبل استحكام قوّته.

وكان أوّل من تكلّم بهذا ناصر الدين مطهّر الأوهريّ ووافقه جميعهم فعمل السلطان بإشارتهم وكتب تلك الليلة إلى من قرب منه من الأمراء والعساكر فأتوا من حينهم وأدار في ذلك حيلة حسنة ، فكان إذا قدم على محلّته مثلا مائة فارس بعث الآلاف من عنده للقائهم ليلا ، ودخلوا معهم إلى المحلّة كأن جميعهم مدد له.

وتحرّك السلطان مع ساحل النهر ليجعل مدينة قنّوج (٤٥) وراء ظهره ، ويتحصّن بها لمنعتها وحصانتها وبينها وبين الموضع الذي كان به ثلاثة أيّام فرحل أوّل مرحلة وقد عبّأ جيشه للحرب وجعلهم صفّا واحدا عند نزولهم كلّ واحد منهم بين يديه سلاحه وفرسه إلى جانبه ، ومعه خباء صغير يأكل به ويتوضّأ ويعود إلى مجلسه ، والمحلّة الكبرى على بعد منهم ولم يدخل السلطان في تلك الأيّام الثلاثة خباء ، ولا استظلّ بظلّ.

وكنت في يوم منها بخبائي فصاح بي فتى من فتياني اسمه سنبل واستعجلني وكان معي الجواري ، فخرجت إليه ، فقال : إن السلطان امر الساعة أن يقتل كلّ من معه امرأته أو جاريته، فشفع عنده الامراء ، فأمر أن لا تبقى الساعة بالمحلّة امرأة وان يحملن إلى حصن هنالك على ثلاثة أميال يقال له كنبيل (٤٦) ، فلم تبق امرأة بالمحلّة ولا مع السلطان.

وبتنا تلك الليلة على تعبئة فلمّا كان في اليوم الثاني رتّب السلطان عسكره أفواجا وجعل مع كلّ فوج الفيلة المدرّعة ، عليها الأبراج فوقها المقاتلة وتدرّع العسكر وتهيّئوا للحرب ،

__________________

(٤٥) قنّوج (kannaudj) تقع في إقليم فاتيهگارfatehgarh على بعد ١٨٠ ميلا جنوب الشرقي لدهلي.

(٤٦) كنبيل (kanbil) يقع على بعد ٢٨ ميلا شمال فاتيهگاره (fatehgarh) حيث بني غياث الدين حصنا له هناك. وكان محمد ابن تغلق انسحب من الشرق نحو قنّوج. هذا ويلاحظ أن كنبيل لا يمكن أن تكون على بعد ثلاثة أميال.

٢١٢

وباتوا تلك الليلة على أهبة ولمّا كان اليوم الثالث بلغ الخبر بأن عين الملك الثائر أجاز النهر فخاف السلطان من ذلك وتوقّع انّه لم يفعله الّا بعد مراسلة الامراء الباقين مع السلطان ، فأمر في الحين بقسم الخيل العتاق على خواصّه وبعث لي حظّا منها ، وكان لي صاحب يسمّى أمير أميران الكرمانيّ من الشجعان ، فأعطيته فرسا منها أشهب اللون فلمّا حرّكه جمح به ، فلم يستطع إمساكه ورماه عن ظهره فمات رحمه‌الله تعالى.

وجدّ السلطان ذلك اليوم في مسيره ، فوصل بعد العصر إلى مدينة قنّوج وكان يخاف أن يسبقه القائم اليها وبات ليلته تلك يرتّب الناس بنفسه ووقف علينا ونحن في المقدمة مع ابن عمّه ملك فيروز ومعنا الامير غدا ابن مهنّى (٤٧) والسيّد ناصر الدين مطهّر وامراء خراسان ، فأضافنا إلى خواصّه وقال : أنتم أعزّة عليّ ما ينبغي أن تفارقوني ، وكان في عاقبة ذلك الخير فإن القائم ضرب في آخر الليل على المقدمة ، وفيها الوزير خواجة فقامت ضجّة في الناس كبيرة فحينئذ أمر السلطان أن لا يبرح أحد عن مكانه ولا يقاتل الناس الّا بالسيوف فاستلّ العسكر سيوفهم ونهضوا إلى اصحابهم وحمى القتال ، وأمر السلطان أن يكون شعار جيشه دهلي وغزنة ، فإذا لقى أحدهم فارسا قال له : دهلي ، فإن أجابه بغزنة علم أنّه من أصحابه والّا قاتله.

وكان القائم إنّما قصد أن يضرب على موضع السلطان فاخطأ به الدليل فقصد موضع الوزير فضرب عنق الدّليل.

وكان في عسكر الوزير الأعاجم والترك والخراسانيّون ، وهم أعداء الهنود فصدقوا القتال وكان جيش القائم نحو الخمسين الفا فانهزموا عند طلوع الفجر وكان الملك إبراهيم المعروف بالبنجيّ ، بفتح الباء الموحدة وسكون النون وجيم ، التتريّ قد اقطعه السلطان بلاد سنديلة وهي قرية من بلاد عين الملك فاتّفق معه على الخلاف وجعله نائبه وكان داود بن قطب الملك وابن ملك التجار على فيلة السلطان وخيله فوافقاه أيضا وجعل داود حاجبه.

وكان داود هذا لمّا ضربوا على محلّة الوزير يجهر بسبّ السلطان ويشتمه أقبح شتم ، والسلطان يسمع ذلك ويعرف كلامه ، فلمّا وقعت الهزيمة قال عين الملك لنائبه ابراهيم التتريّ : ما ذا ترى يا ملك ابراهيم؟ قد فرّ اكثر العسكر وذو النجدة منهم ، فهل لك أن ننجو بأنفسنا؟ فقال إبراهيم لأصحابه بلسانهم ، إذا أراد عين الملك ان يفرّ فانّي سأقبض على دبّوقته، فإذا فعلت ذلك فاضربوا انتم فرسه ليسقط إلى الأرض فنقبض عليه وناتي به السلطان ليكون ذلك كفارة لذنبي في الخلاف معه وسببا لخلاصي ، فلمّا أراد عين الملك الفرار قال له ابراهيم : إلى أين يا سلطان علاء الدين؟ وكان يسمّى بذلك ، وامسك بدبّوقته وضرب

__________________

(٤٧) حول سيف الدّين غدا ابن مهنّا ـ انظر ٣٨٢ ـ ٩٧٢ ـ ١٧٢ ـ ١٨١ ـ ٥٥١ iii ـ ١٦٣ ,i.

٢١٣

اصحابه فرسه فسقط إلى الأرض ورمى إبراهيم بنفسه عليه فقبضه وجاء أصحاب الوزير ليأخذوه فمنعهم وقال : لا أتركه حتّى أوصله للوزير أو أموت دون ذلك ، فتركوه فأوصله إلى الوزير.

وكنت أنظر عند الصبح إلى الفيلة والأعلام يؤتى بها إلى السلطان ثمّ جاءني بعض العراقيّين فقال : قد قبض على عين الملك ، وأوتي به الوزير ، فلم أصدقه فلم يمرّ الّا يسير وجاءني الملك تمور الشربدار فأخذ بيدي وقال : أبشر فقد قبض على عين الملك وهو عند الوزير فتحرّك السلطان عند ذلك ونحن معه إلى محلّة عين الملك على نهر الكنك فنهبت العساكر ما فيها ، واقتحم كثير من عسكر عين الملك النهر فغرقوا ، وأخذ داود بن قطب الملك وابن ملك التجار وخلق كثير معهم ، ونهبت الأموال والخيل والأمتعة.

ونزل السلطان على المجاز وجاء الوزير بعين الملك ، وقد أركب على ثور وهو عريان (٤٨) مستور العورة بخرقة مربوطة بحبل وباقيه في عنقه ، فوقف على باب السراجة ، ودخل الوزير إلى السلطان فأعطاه الشّربة عناية به ، وجاء ابناء الملوك إلى عين الملك فجعلوا يسبّونه ويبصقون في وجهه ويصفعون أصحابه ، وبعث إليه السلطان الملك الكبير فقال له : ما هذا الذي فعلت؟ فلم يجد جوابا ، فأمر به السلطان أن يكسى ثوبا من ثياب الزّمّالة! وقيّد بأربعة كبول ، وغلّت يداه إلى عنقه وسلّم للوزير ليحفظه ، وجاز إخوته النهر هاربين ووصلوا مدينة عوض ، فأخذوا أهلهم وأولادهم وما قدروا عليه من المال وقالوا لزوجة أخيهم عين الملك : اخلصي بنفسك وبنيك معنا! فقالت : أفلا أكون كنساء الكفّار اللّائي يحرقن أنفسهنّ مع أزواجهنّ؟ فأنا أيضا أموت لموت زوجي وأعيش لعيشه! فتركوها.

وبلغ ذلك السلطان فكان سبب خيرها وأدركته لها رقّة ، وأدرك الفتى سهيل نصر الله من أولئك الاخوة فقتله ، وأتى السلطان برأسه وأتى بام عين الملك واخته وامرأته فسلّمن إلى الوزير وجعلن في خباء بقرب خباء عين الملك ، فكان يدخل إليهنّ ويجلس معهنّ ويعود إلى محبسه!

ولمّا كان بعد العصر من يوم الهزيمة أمر السلطان بسراح لفيف الناس الذين مع عين الملك من الزّمالة والسوقة والعبيد ومن لا يعبأ به ، وأتي بملك ابراهيم البنجيّ الذي ذكرناه فقال ملك العسكر الملك نوا : ياخوندا عالم اقتل هذا ، فانّه من المخالفين ، فقال الوزير إنّه قد فدا نفسه بالقائم فعفى عنه السلطان وسرّحه إلى بلاده.

__________________

(٤٨) يذكّرني هذا في قول المتنبي : من قصيدة أجاب بها سيف الدولة في ميافارقين بذي الحجة ٣٥٣ ه‍ ـ

ومن ركب الثور بعد الجوا

د أنكر اظلافه والغبب!!

٢١٤

ولمّا كان بعد المغرب جلس السلطان ببرج الخشب وأتى باثنين وستّين رجلا من كبار أصحاب القائم وأتى بالفيلة فطرحوا بين ايديها فجعلت تقطعهم بالحدائد الموضوعة على أنيابها وترمى ببعضهم إلى الهواء وتتلقفه ، والأبواق والأنفار والطبول تضرب عند ذلك ، وعين الملك واقف يعاين مقتلهم ويطرح منهم عليه ، ثمّ أعيد إلى محبسه وأقام السلطان على جواز النهر أياما لكثرة الناس وقلّة القوارب ، وأجاز امتعته وخزائنه على الفيلة ، وفرّق الفيلة على خواصه ليجيزوا أمتعتهم وبعث إليّ بفيل منها أجزت عليه رحلي.

وقصد السلطان ونحن معه ، إلى مدينة بهرايج (٤٩) ، وضبط اسمها بفتح الباء الموحدة وهاء مسكّن وراء والف وياء آخر الحروف مكسورة وجيم ، وهي مدينة حسنة في عدوة نهر السّرو ، وهو واد كبير شديد الانحدار وأجازه السلطان برسم زيارة قبر الشيخ الصالح البطل سالار عود (٥٠) الذي فتح أكثر تلك البلاد ، وله أخبار عجيبة وغزوات شهيرة وتكاثر الناس للجواز وتزاحموا حتّى غرق مركب كبير كان فيه نحو ثلاثماية نفس لم ينج منهم الّا عربيّ من أصحاب الامير عذا ، وكنّا ركبنا نحن في مركب صغير فسلّمنا لله تعالى.

وكان العربي الذي سلم من الغرق يسمّى بسالم ، وذلك اتّفاق عجيب ، وكان أراد أن يصعد معنا في مركبنا فوجدنا قد ركبنا النهر ، فركب في المركب الذي غرق فلمّا خرج ظنّ الناس أنّه كان معنا فقامت ضجّة في أصحابنا وفي سائر الناس وتوهّموا أنّا غرقنا ، ثمّ لمّا رأونا بعد استبشروا بسلامتنا.

وزرنا قبر الصالح المذكور وهو في قبّة لم نجد سبيلا إلى دخولها لكثرة الزحام وفي تلك الوجهة دخلنا غيضة قصب فخرج علينا منها الكركدّن ، فقتل ، وأتى الناس برأسه ، وهو دون الفيل ، ورأسه أكبر من رأس الفيل بأضعاف وقد ذكرناه.

ذكر عودة السلطان لحضرته ومخالفة عليّ شاه كر.

ولما ظفر السلطان بعين الملك كما ذكرنا عاد إلى حضرته بعد مغيب عامين

__________________

(٤٩) بهرايج (bahraich) : تقع في إقليم يحمل نفس الاسم جنوب الحدود مع النّيبال ، في أطّار براديش (uttar pradesh). هذا ويلاحظ أن المدينة تقع في الشمال وليس على ساحل نهر غاغره (ghaghra) المسمّى هنا ـ على ما يظهر ـ السّروsaru (بمعنى الأصفر) بيد أن هذا الاسم يبدو أنه يعيّن في النّص نهر الكانج أكثر مما يعيّن روافده الكبيرة.

(٥٠) سالار مسعود ربما كان ابنا لأخي محمد الغزنوي ، وقد قتل في هذا المكان عام ٤٢٤ ـ ١٠٣٣ وسيصبح قبره مزارة مقصودة في القرن التاسع الهجري الخامس عشر الميلادي وسيمسي اسمه ابتداء من هذا التاريخ معروفا باسم الغازي ميان (miyan).

٢١٥

٢١٦

ونصف (٥١) ، وعفى عن عين الملك وعفى أيضا عن نصرة خان القائم ببلاد التّلنك وجعلهما معا على عمل واحد ، وهو النظر على بساتين السلطان وكساهما وأركبهما ، وعيّن لهما نفقة من الدقيق واللحم في كلّ يوم!

وبلغ الخبر بعد ذلك أن أحد أصحاب قطلوخان وهو عليّ شاه كر (٥٢) ، ومعنى كر الأطرش خالف على السلطان وكان شجاعا حسن الصورة والسيرة فغلب على بدركوت وجعلها مدينة ملكه وخرجت العساكر إليه وأمر السلطان معلّمه أن يخرج إلى قتاله فخرج في عساكر عظيمة وحصره ببدركوت ونقبت أبراجها واشتدّت به الحال فطلب الأمان فأمّنه قطلوخان ، وبعث به إلى السلطان مقيّدا فعفا عنه ونفاه إلى مدينة غزنة من طرف خرسان ، فأقام بها مدّة ثمّ اشتاق إلى وطنه فأراد العودة اليه لما قضاه الله من حينه ، فقبض عليه ببلاد السند وأوتى به السلطان ، فقال له : إنّما جئت لتثير الفساد ثانية وأمر به فضربت عنقه.

ذكر فرار أمير بخت وأخذه

وكان السلطان قد وجد على أمير بخت (٥٣) الملقّب بشرف الملك أحد الذين وفدوا معنا على السلطان فحطّ مرتّبه من أربعين ألفا إلى ألف واحد ، وبعثه في خدمة الوزير إلى دهلي ، واتّفق أن مات أمير عبد الله الهرويّ في الوباء بالتّلنك ، وكان ماله عند أصحابه بدهلي ، فاتّفقوا مع أمير بخت على الهروب فلمّا خرج الوزير من دهلي إلى لقاء السلطان هربوا مع أمير بخت وأصحابه ووصلوا إلى أرض السّند في سبعة أيّام ، وهي مسيرة أربعين يوما.

وكانت معهم الخيل مجنوبة وعزموا على أن يقطعوا نهر السند عوما ، ويركب أمير بخت وولده ومن لا يحسن العوم في معدّية قصب يصنعونها ، وكانوا قد اعدّوا حبالا من الحرير برسم ذلك فلمّا وصلوا إلى النهر خافوا من عبوره بالعوم فبعثوا رجلين منهم إلى جلال الدّين صاحب مدينة أوجة (٥٤) ، فقالا له : إنّ هاهنا تجارا أرادوا أن يعبروا النهر ، وقد

__________________

(٥١) إذن حوالي أواسط سنة ٧٣٧ ـ ١٣٣٧.

(٥٢) علي كر (ali kar) هذا ، كان مبعوثا من قبل قوطلوغ خان (qutlugh khan) حاكم دولة أباد ، في الجنوب لجمع الضرائب في گول بارگا (gulbarga). القوة القليلة التي توجد آنئذ في الإقليم حملت كر (kar) هذا على إلغاء وظيفة الحاكم الهندي من المكان وتكوين جيش بما توفّر عليه من مداخيل الاقليم واحتلال بيدار (bidar) ونسف حاكمه ـ بقية هذه المعلومات توجد عند ابن بطوطة ... وهي المعلومات التي تؤكدها المصادر الموثوقة عن الهند.

(٥٣) هذه الشخصية حليفة لاسرة آل خذاواندزاد (khudawandzade) في ترمذ على ما سنرى ... ٨٦٣ ـ ٧٦٣, iii.

(٥٤) حول أوجة (outch) انظر ٦١١ ـ ٥١١ ,iii ـ ٨٢٤ ـ ٢٢٤ ,i.

٢١٧

بعثوا اليك بهذا السرج لتبيح لهم الجواز فأنكر الأمير أن يعطى التجار مثل ذلك السرج وأمر بالقبض على الرجلين ، ففرّ أحدهما ولحق بشرف الملك واصحابه وهم نيام لما لحقهم من الإعياء ومواصلة السهر ، فاخبرهم الخبر فركبوا مذعورين وفرّوا.

وأمر جلال الدّين بضرب الرجل الذي قبض عليه ، فاعترف بقضيّة شرف الملك ، فأمر جلال الدين نائبه فركب في العسكر وقصدوا نحوهم فوجدوهم قد ركبوا فاقتفوا أثرهم فأدركوهم فرموا العسكر بالنّشاب ، ورمى طاهر بن شرف الملك نائب الأمير جلال الدين بسهم فأثبته في ذراعه وغلب عليهم فأتى بهم إلى جلال الدين فقيّدهم وغلّ أيديهم وكتب إلى الوزير في شأنهم فأمره الوزير أن يبعثهم إلى الحضرة فبعثهم إليها ، وسجنوا بها فمات طاهر في السجن ، وامر السلطان أن يضرب شرف الملك مائة مقرعة في كلّ يوم فبقى على ذلك مدّة ، ثمّ عفا عنه وبعثه مع الأمير نظام الدين أمير نجلة إلى بلاد جنديري (٥٥) ، فانتهت حاله إلى أن كان يركب البقر ، ولم يكن له فرس يركبه!

وأقام على ذلك مدّة ، ثمّ وفد ذلك الأمير على السلطان وهو معه فجعله السلطان شاشنكير وهو الذي يقطّع اللحم بين يدي السلطان ويمشي مع الطعام ، ثمّ إنّه بعد ذلك نوّه به ورفع مقداره وانتهت حاله إلى أن مرض فزاره السلطان وأمر بوزنه بالذهب واعطاه ذلك ، وقد قدّمنا هذه الحكاية في السفر الأوّل (٥٦) ، وبعد ذلك زوّجه بأخته وأعطاه بلاد جنديرى التي كان يركب بها البقر في خدمة الأمير نظام الدّين ، فسبحان مقلّب القلوب ومحيّل الأحوال.

ذكر خلاف شاه أفغان (٥٧) بأرض السند

وكان شاه أفغان خالف على السلطان بأرض ملتان من بلاد السند وقتل الأمير بها ، وكان يسمّى به زاد ، وادّعى السلطنة لنفسه وتجهّز السلطان لقتاله فعلم انّه لا يقاومه فهرب ولحق بقومه الأفغان ، وهم ساكنون بجبال منيعة لا يقدر عليها ، فاغتاظ السلطان ممّا فعله وكتب إلى عمّاله أن يقبضوا على من وجدوه من الأفغان ببلاده فكان ذلك سببا لخلاف القاضي جلال.

__________________

(٥٥) تقع جنديري في اقليم گوناguna كما سيأتي ٢٤ ـ ١٤ ,iv ، انظر ٦٩١ ,iii.

(٥٦) انظر ٥٧ ,ii

(٥٧) يتعلّق الأمر بملك شاهولودي mamik shahulodi ، وهو رئيس أفغاني حرم من امتياز هامّ كان يتمتع به في قبيلته ، وتؤرخ ثورته بعام ٧٤١ ـ ١٣٤٠ ـ ١٣٤١.

٢١٨

ذكر خلاف القاضي جلال

وكان القاضي جلال وجماعة من الأفغانيّين قاطنين بمقربة من مدينة كنباية ومدينة بلوذرة(٥٨) ، فلمّا كتب السلطان إلى عمّاله بالقبض على الأفغانيّين كتب إلى ملك مقبل (٥٩) نائب الوزير ببلاد الجزرات ، ونهروالة (٦٠) أن يحتال في القبض على القاضي جلال ومن معه ، وكانت بلاد بلوذرة إقطاعا لملك الحكماء ، وكان ملك الحكماء متزوّجا بربيبة السلطان زوجة أبيه تغلق ، ولها بنت من تغلق هي التي تزوّجها الأمير غدا ، وملك الحكماء اذ ذاك في صحبة مقبل ، لان بلاده تحت نظرة فلمّا وصلوا إلى بلاد الجزرات أمر مقبل ملك الحكماء أن ياتي بالقاضي جلال وأصحابه ، فلمّا وصل ملك الحكماء إلى بلاده حذّرهم في خفيّة لأنّهم كانوا من أهل بلاده ، وقال : إنّ مقبلا طلبكم ليقبض عليكم ، فلا تدخلوا عليه إلّا بالسلاح فركبوا في نحو ثلاثماية مدرّع وأتوه ، وقالوا : لا ندخل الّا جملة فظهر له انّه لا يمكن القبض عليهم ، وهم مجتمعون وخاف منهم فأمرهم بالرجوع وأظهر تأمينهم فخالفوا عليه ، ودخلوا مدينة كنباية ونهبوا خزانة السلطان بها وأموال الناس ونهبوا مال ابن الكولمي التاجر وهو الذي عمّر المدرسة الحسنة باسكندريّة ، وسنذكره إثر هذا.

وجاء ملك مقبل لقتالهم فهزموه هزيمة شنيعة ، وجاء الملك عزيز الخمّار (٦١) والملك جهان بنبل؟ لقتالهم في سبعة آلاف من الفرسان فهزموهم أيضا (٦٢) وتسامع بهم أهل

__________________

(٥٨) بلوذرة هي بروشا (broach) الحالية على مصب وادي نارمادا (narmada) في خليج كامبي (cambay) وقد سميت عند الإدريسي بروش ...

(٥٩) ملك مقبول ، هندي من فرقة البراهمة في تيلينگانا (tilingana) اعتنق الاسلام ، شارك في قمع ثورات الجزرات وأمسى من أهم الشخصيات الرئيسية للسلطنة في نهاية دولة محمد بن تغلق ، سمى وزيرا أول ووصيا على السلطنة من لدن الحاكم الذي خلف محمد ، توفى ٧٧٤ ـ ١٣٧٢ ـ ١٣٧٣. وقد عوضه ولده في مهامّه.

(٦٠) نهروالة (anhilwara) العاصمة القديمة للجزرات فتحت من لدن علاء الدّين خليجي عام ١٢٩٧ م وهي بّاطان الحالية ، اليها ينتسب قطب الدّين النهروالي ٩٠٠ ـ ١٥٨٢ ـ iii ٢٤٦ ـ ٢٧٩.

د. التازي : ابن ماجد والبرتغال : مجلة أرابيكاarabica ـ مجلد ٣٥ ـ ١٩٨٨ ص ١٠٤ ـ ١٠٥.

(٦١) الخمّار (المتّجر في الخمر) المعروف أكثر تحت لقب الحمار بسبب سمعته ، كان مشهورا بابتزازه ونهبه ، أرسله السلطان ليكوّن قواد المائة» ، وهو إطار يعني إعداد طائفة من الذين يعملون على جمع الزكوات وتجعل تحت اشراف كل واحد منهم مائة قرية. الأمر الذي سبب الثورة حوالي سنة ٧١٤ ـ ١٣٤٤. هذه الحركات كانت بعد انصراف ابن بطوطة من دهلي وقد عرفها وسمعها عندما كان في الجنوب الهندي ... ثورة جلال الدين حكيت بتفصيل من قبل المؤرخ عصامي في كتابه «فتوح السلاطين». ثورات الجزرات المرتبطة بثورات (deccan) شغلت محمد بن تغلق طوال بقية حياته إلى أن أدركه أجله عام ٧٥٢ ـ ١٣٥١.

(٦٢) توفي عزيز الخمار في هذه المعركة التي جرت في شعبان ٧٤٥ ـ دجنبر ١٣٤٤.

٢١٩

الفساد والجرائم فانثالوا عليهم ، وادّعى القاضي جلال السلطنة ، وبايعه اصحابه وبعث السلطان اليه العساكر فهزمها وكان بدولة آباد جماعة من الأفغان فخالفوا ايضا.

ذكر خلاف ابن الملك ملّ.

وكان ابن الملك ملّ ساكنا بدولة آباد في جماعة من الأفغان فكتب السلطان إلى نائبه بها وهو نظام الدين (٦٣) أخو معلّمه قطلوخان أن يقبض عليهم ، وبعث اليه باحمال كثيرة من القيود والسلاسل ، وبعث بخلع الشتاء.

وعادة ملك الهند أن يبعث لكلّ أمير على مدينة ، ولوجوه عسكره خلعتين في السّنة : خلعة الشتاء وخلعة الصيف ، وإذا جاءت الخلع يخرج الأمير والعسكر للقائها فإذا وصلوا إلى الآتي بها نزلوا عن دوابّهم وأخذ كلّ واحد خلعته وحملها على كتفه وخدم لجهة السلطان ، وكتب السلطان لنظام الدين : إذا خرج الأفغان ونزلوا عن دوابهم لأخذ الخلع فاقبض عليهم عند ذلك.

وأتى أحد الفرسان الذين اوصلوا الخلع إلى الافغان فأخبرهم بما يراد بهم فكان نظام الدين ممّن احتال فانعكست عليه فركب وركب الأفغان معه حتّى اذا لقوا الخلع ، ونزل نظام الدين عن فرسه حملوا عليه وعلى أصحابه فقبضوا عليه وقتلوا كثيرا من أصحابه ودخلوا المدينة فأخذو الخزائن وقدّموا على أنفسهم ناصر الدين (٦٤) بن ملك ملّ وانثال عليهم المفسدون فقويت شوكتهم.

ذكر خروج السلطان بنفسه إلى كنباية

ولمّا بلغ السلطان ما فعله الأفغان بكنباية ودولة آباد خرج بنفسه (٦٥) وعزم على أن يبدأ بكنباية ثمّ يعود إلى دولة آباد ، وبعث أعظم ملك البايزيديّ صهره في أربعة آلاف مقدّمة فاستقبلته عساكر القاضي جلال فهزموه وحصروه ببلوذرة وقاتلوه بها ، وكان في

__________________

(٦٣) قطلوغ خان حاكم دولة أباد عوض في شعبان ٧٤٥ دجنبر ١٣٤٤ من قبل أخيه نظام الدين الذي كان غير كفء لادارة منطقة كبيرة بقدر ما هي صعبة المراس كثيرة الهيجان ، وقد انضاف هذا إلى رجات عزيز الخمّار. وقد ثارت دكّان (deccan) بدورها ، وكان أغلب «قواد المائة» أفغانا ، ولأجل هذا تحدث ابن بطوطة عن ثورات الافغان ...

(٦٤) اسماعيل مخ (mukh) أفغاني نودي به في دولة أباد ملكا لدكان (deccan) تحت اسم ناصر الدين شاه عام ٧٤٦ ـ ١٣٤٦ وقد تخلى في السنة الموالية لصالح أحد قواد المائة يحمل اسم حسن الذي سيتوّج تحت اسم علاء الدين بهمان بتأسيس الدولة البهمانية في داكان.

(٦٥) غادر السلطان دهلي حوالي آخر رمضان ٧٤٥ ـ آخر شهر يناير ١٣٤٥ في اتجاه الجزرات حيث انفجرت الثورة الزولى ، وسيموت هناك بعد ستّ سنوات قضاها في الحملة من غير أن يستطيع العودة إلى دهلي.

٢٢٠