رحلة ابن بطوطة - ج ٣

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي

رحلة ابن بطوطة - ج ٣

المؤلف:

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي


المحقق: عبد الهادي التازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أكاديمية المملكة المغربية
الطبعة: ٠
ISBN: 9981-46-009-5
ISBN الدورة:
9981-46-006-0

الصفحات: ٢٥٥

٢١

آخر عمالة جلال الدين ، فبعث إليه عامله عليها معلما بذلك واستأذنه ما يفعل في أمرهم فكتب إليه يأمره أن يأخذ أموالهم ويمثل بهم ، ويقطع أعضاءهم ويردّهم إلى بلادهم لما أراد الله تعالى من شقاء أهل بلاد المشرق ومحنتهم رأيا فائلا وتدبيرا سيئا مشئوما ، فلما فعل ذلك تجهز تنكيز بنفسه في عساكر لا تحصى كثرة برسم غزو بلاد الإسلام ، فلما سمع عامل أطرار بحركته بعث الجواسيس ليأتوه بخبره فذكر أن أحدهم دخل محلّة بعض أمراء تنكيز في صورة سائل فلم يجد من يطعمه ، ونزل إلى جانب رجل منهم فلم ير عنده زادا ، ولا أطعمه شيئا ، فلما أمسى أخرج مصرانا يابسة عنده ، فبلّها بالماء ، وفصد فرسه وملاها بدمه وعقدها وشواها بالنار ، فكانت طعامه! فعاد إلى أطرار فأخبر عاملها بأمرهم وأعلمه أن لا طاقة لأحد بقتالهم فاستمد ملكه جلال الدين فأمدّه بستين ألفا زيادة على من كان عنده من العساكر ، فلما وقع القتال هزمهم تنكيز ودخل مدينة أطرار بالسيف وقتل الرجال وسبى الذراري.

وأتى جلال الدين بنفسه لمحاربته فكانت بينهم وقائع لا يعلم في الإسلام مثلها (٣٨) ، وآل الأمر إلى أن تملك تنكيز ما وراء النهر وخرّب بخارى وسمرقند وترمذ. وعبر النهر ، وهو نهرجيحون ، إلى مدينة بلخ فتملكها ثم إلى الباميان فتملّكها وأوغل في بلاد خراسان وعراق العجم (٣٩) ، فثار عليه المسلمون في بلخ ، وفيما وراء النهر ، فكرّ عليهم ودخل بلخ بالسيف وتركها خاوية على عروشها (٤٠) ، ثم فعل مثل ذلك في ترمذ فخربت ، ولم تعمر بعد ، ولكنها بنيت مدينة على ميلين منها هي التي تسمى اليوم ترمذ ، وقتل أهل الباميان وهدمها باسرها إلا صومعة جامعها ، وعفا عن أهل بخارى وسمرقند ثم عاد بعد ذلك إلى العراق (٤١) وانتهى

__________________

(٣٨) يعتبر ابن بطوطة مصدرا أصيلا لهذه الحادثة. أنظر ابن الأثير في أحداث ٦١٦ ه‍ ـ وابن واصل ...

(٣٩) احتلت ما وراء النهر باميّان (transo xiana) وخوارزم عام ٦١٧ ـ ١٢٢٠ بينما احتلت باميليان (وليس ياميان) وكانت عاصمة لشمال أفغانستان عام ٦١٨ ـ ١٢٢١ ، وقد كانت الغارة على خراسان عام ١٢٢١ بقيادة تولوى (tuluy) صغير أبناء جنكيز خان ، وقد خربت (مرو) و (نيسابور) إلى نهايتها وقد اعدت طائفة من الغارات بقيادة عدد من القادة المغول عام ١٢٢٠ على أذربيجان وعلى جنوب الروسيا وعبر بلاد القوقاز ... ـ انظر بارتولد ـ تركستان ...

(٤٠) تحدث المؤرخ ابن الأثير كذلك عن أحداث سنة ٦١٧ في كتابه الكامل في التاريخ ويظهر أن بلخ بعد أن خربت منذ الغارة عليها عام ٦١٨ ـ ١٢٢١ عادوا اليها فاتوا على ما بقى فيها من معالم ، وسنرى أن الياقوت الذي ننعت الجيّد منه بالبالي"balais " ياخذ هذا النعت من مدينة بلخ ...

(٤١) ينبغي أن نذكر هنا أن ابن بطوطة وقع في سهو ، عندما تحدث عن «عودة» جيش جنكير إلى العراق ، فالواقع ان العودة كانت إلى منغوليا وليس إلى العراق الذي تم الاجهاز عليه بواسطة حفيده هولاكو عام ١٢٥٦ ـ ٦٥٨ ـ انظر بارتولد ...

٢٢

٢٣

أمر التتر حتى دخلوا حضرة الإسلام ودار الخلافة بغداد بالسيف وذبحوا الخليفة المستعصم بالله العباسي رحمه‌الله!

قال ابن جزي : أخبرنا شيخنا قاضي القضاة أبو البركات ابن الحاج (٤٢) أعزه الله قال سمعت الخطيب أبا عبد الله بن رشيد يقول : لقيت بمكة نور الدين بن الزجاج من علماء العراق ومعه ابن أخ له فتفاوضنا الحديث ، فقال لي : هلك في فتنة التتر بالعراق أربعة وعشرون ألف رجل من أهل العلم ، ولم يبق منهم غيري وغير ذلك ، وأشار إلى ابن أخيه!

رجع ، قال ونزلنا من بخارى بربضها المعروف بفتح أباد (٤٣) ، حيث قبر الشيخ العالم العابد الزاهد سيف الدين الباخرزي (٤٤) ، وكان من كبراء الأولياء وهذه الزاوية المنسوبة لهذا الشيخ حيث نزلنا عضيمة لها أوقاف ضخمة يطعم منها الوارد والصادر ، وشيخها من ذريته وهو الحاج السيّاح يحيى الباخرزي وأضافني هذا الشيخ بداره ، وجمع وجوه أهل المدينة وقرأ القراء بالأصوات الحسان ، ووعظ الواعظ ، وغنّوا بالتركي والفارسي على طريقة حسنة ، ومرت لنا هنالك ليلة بديعة من أعجب الليالي ولقيت بها الفقيه العالم الفاضل صدر الشريعة وكان قد قدم من هران وهو من الصلحاء الفضلاء (٤) ، وزرت ببخارى قبر الامام العالم أبى

__________________

(٤٢) أبو البركات ابن الحاج ، البلفيقي محمد بن ابراهيم من الشخصيات العلمية الدبلوماسية البارزة في التاريخ الأندلسي المغربي له ترجمة حافلة بالمزايا. نفح الطيب ج v ص ٤٧١ ـ الإحاطة ج ii ص ٣٤٣. (ج i ، ص ٢٠ تعليق ٣٤). هذا وان المعلومة التي ذكرها عن اجتياح بغداد وهلاك ٠٠٠ ، ٢٤ عالما معلومة لم نجد مثلها في المصادر التي تتحدث عن سقوط بغداد ـ رشيد الدين الهمداني : جامع الجوامع ١٩٦٠.

(٤٣) فتح أباد قرية تقع على مقربة من الباب الشرقي للمدينة ما تزال تحمل هذا الاسم.

(٤٤) هذا أبو المعالي سعيد ابن المطهر أحد الطلبة البارزين لنجم الدين الكبرا سالف الذكر ، (تعليق ١٧) ، والمتوفي عام ٦٥٩ ـ ١٢٦١ يظهر أنه هو الذي حمل سلطان (القبيلة الذهبية) على اعتناق الاسلام ، قبره موجود في الزاوية المذكورة وقد شيدت من لدن والدة الخانات الكبار مونكي mongke بالرغم من أنها كانت مسيحية ، القبر يوجد لحدّ الآن هناك ـ انظر دائرة المعارف الإسلامية : سيف الدّين بخرزي.

(٤٥) يظهر أن الأمر يتعلق بفخر الدين خيصار (khisar) الذي كان يحمل نعت الصدر ، وقد سمى قاضي هراة عام ٧١٤ ـ ٧١٥ ـ ١٣١٤ ـ ١٣١٥ وهو الذي ورد ذكره في كتاب تاريخ نامه ـ ١٩٤٤.

٢٤

٢٥

عبد الله البخاري مصنف الجامع الصحيح شيخ المسلمين رضي‌الله‌عنه مكتوب : هذا قبر محمد بن اسماعيل البخاري وقد صنّف من الكتب كذا وكذا (٤٦)

وكذلك على قبور علماء بخاري أسماؤهم وأسماء تصانيفهم وكنت قيّدت من ذلك كثيرا وضاع مني في جملة ما ضاع لي لما سلبني كفّار الهند في البحر!!

ثم سافرنا من بخاري قاصدين معسكر السلطان الصالح المعظم علاء الدين طرمشيرين ، وسنذكره ، فمررنا على نخشب (٤٧) البلدة التي ينسب إليها الشيخ أبو تراب النخشبي (٤٨) ، وهي صغيرة تحفّ بها البساتين والمياه ، ونزلنا بخارجها بدار لأميرها ، وكان عندي جارية قد قاربت الولادة ، وكنت أردت حملها إلى سمرقند لتلد بها فاتفق أنها كانت في المحمل فوضع المحمل على الجمل ، وسافر أصحابنا من الليل وهي معهم ، والزاد وغيره من أسبابي ، وأقمت أنا حتى ارتحل نهارا مع بعض من معي ، فسلكوا طريقا وسلكت طريقا سواها فوصلنا عشية النهار إلى محلة السلطان المذكور وقد جعنا ونزلنا على بعد من السوق واشترى بعض أصحابنا ما سدّ جوعتنا وأعارنا بعض التجار خباء بتنا به تلك الليلة.

ومضى أصحابنا من الغد في البحث عن الجمال وباقي الأصحاب فوجدوهم عشيا وجاءوا بهم وكان السلطان غائبا عن المحلة في الصيد فاجتمعت بنائبه الأمير تقبغا ، فأنزلني بقرب مسجده وأعطاني خرقة وهي شبه الخباء ، وقد ذكرنا صفتها في ما تقدم ، فجعلت

__________________

(٤٦) يوجد ضريح الإمام البخاري باجماع الذين ترجموا له في قرية خرتنك القريبة من سمرقند وهي تبعد عن بخارى بسبعة أيام على ذلك العهد على ما نقرأه في ابن فضلان ، وهكذا فقد حصل لابن بطوطة سهو واضح في تحديد موقع ضريح الامام البخاري ... وقد وقفنا على اللوحة الجديدة التي ركبت على قبره وهي تحمل تاريخ «سنة سبع وسبعين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية» ونقول : الجديدة لأن اللوحة القديمة التي تحدث عنها ابن بطوطة كانت تحمل اسم الإمام البخاري كما تحمل أسماء تتآليفه الأخرى غير الجامع الصحيح ...

(٤٧) نخشب أو نسف التي ينتسب إليها المفسر الشهير ، وتقع على بعد ١٠٠ كلم جنوب شرقي بخارى على المحطّة الرئيسية في الطريق القديم الذاهب إلى ترمذ وبلخ ، وقد سميت كارشي (qarshi) التي تعنى بالمغولية قصر أخذا من القصر الذي بناه كبكخان الذي عوضه ترمشيرين ، كانت قد اختيرت منذ أيام جنكيز خان كما قلنا عام ٦١٧ ـ ١٢٢٠ لتكون محل إقامته في الصيف ، وقد شيّد بها السلاطين من آل چغتاي كبك (kebek) ١٣١٨ ـ ١٣٢٦. وگارگان ٧٤٤ ـ ٧٤٧ ـ ١٣٤٣ ـ ١٣٤٦ عددا من القصور ...

(٤٨) النخشبي أو (النسفى) أبو تراب عسكر بن الحسين أحد المتصوفة القدامى الذين يناصرون الطريقة الخراسانية يذكر أنه حج أربعين مرة ، وقد أدركه أجله عام ٢٤٥ ـ ٨٥٩ وهو في طريقه إلى مكة.

الأصفهاني : حلية الأولياء القاهرة ١٩٣٨ ج ١٢ ص ٤٥ ـ ٥١ السّلمي : طبقات الصوفية ـ لندن ١٩٦٠ ـ ١٣٦ ـ ٤٠ ـ حول الخباء المذكور ويعني خيمة صغيرة راجع الحديث عن سلطان برگي عندما كان ابن بطوطة في انطاليا أو (الاناضول). ٢ / ٢٩٩ ـ ٣٠٠ تعليق ٨٥.

٢٦

الجارية في تلك الخرقة فولدت تلك الليلة مولودا وأخبروني أنه ولد ذكر ولم يكن كذلك ، فلما كان بعد العقيقة أخبرني بعض الأصحاب أن المولود بنت ، فاستحضرت الجواري ، فسألتهن ، فأخبرنني بذلك ، وكانت هذه البنت مولودة في طالع سعد ، فرأيت كل ما يسرني ويرضيني منذ ولدت وتوفيت بعد وصولي إلى الهند بشهرين ، وسيذكر ذلك ، واجتمعت بهذه المحلة بالشيخ الفقيه العابد مولانا حسام الدين الياغي بالياء آخر الحروف والغين المعجمة ومعناه بالتركية الثائر وهو من أهل أطرار ، وبالشيخ حسن صهر السلطان.

ذكر سلطان ما وراء النهر

وهو السلطان المعظم علاء الدين طرمشيرين (٤٩) ، وضبط اسمه بفتح الطاء المهمل وسكون الراء وفتح الميم وكسر الشين المعجم وياء مد وراء مكسور وياء مد ثانية ونون ، وهو عظيم المقدار كثير الجيوش والعساكر ضخم المملكة شديد القوة ، عادل الحكم ، وبلاده متوسطة بين أربعة من ملوك الدنيا الكبار ، وهم ملك الصين ، وملك الهند ، وملك العراق ، والملك أوزبك ، وكلهم يهادونه ويعظمونه ويكرمونه ، وولي الملك بعد أخيه الجكاطي (٥٠) ، وضبط اسمه بفتح الجيم المعقودة والكاف والطاء المهمل وسكون الياء ، وكان الجكاطي هذا كافرا ، وولي بعد أخيه الأكبر كبك (٥١) وكان كبك هذا كافرا أيضا لكنه كان عادل الحكم منصفا للمظلومين يكرم المسلمين ويعظمهم.

حكاية [الملك كبك والواعظ]

يذكر أن هذا الملك كبك تكلم يوما مع الفقيه الواعظ المذكّر بدر الدين الميداني ، فقال له : أنت تقول إن الله ذكر كلّ شيء في كتابه العزيز؟ قال : نعم ، فقال : أين اسمي فيه؟ فقال :

__________________

(٤٩) طرمشيرين ٧٢٤ ـ ٧٣٤ ـ ١٣٢٤ ـ ١٣٣٤ كان هو الابن السادس وكان الخلف السابع للملك دوّا (duwa) ٦٨١ ـ ٧٠٦ ـ ١٢٨٢ ـ ١٣٠٦ وهو الذي استطاع أن ينجح ، في الجملة ، في إقرار الإمبراطورية المغولية لآل جغاطاي ، من الإيلخانيين في فارس وفي يوان في الصين. طرمشرين كان من أوائل السلاطين الذين اقتنعوا بالإسلام واعتنقوه وحسن إسلامهم.

(٥٠) الجكطي : il jigadai (جغطاي) ٧٢٦ ـ ١٣٢٦ الابن الرابع لدوّا بينه وبين طرمشيرين توجد كذلك المملكة السريعة الزوال لدواتيمور ٧٢٦ ـ ١٣٢٦ ، هؤلاء السلاطين كانوا بوذيين وفي أثناء حكم إيلجيگداي قام الدومينيكان بنشر الدعاية الكاثوليكية في آسيا الوسطى ...

(٥١) تولّى كبك من عام ٧٠٩ ـ ١٣٠٩ إلى ٧٢٦ ـ ١٣٢٦ ، وهذا الفرق بين التاريخين ملأه اخ آخر إسن بغا. كان هو الأول في سلالته مركز مملكته فيما وراء النهر باختياره مدينة (نخشب) مقرا لاقامته. من جهة أخرى نذكر أن المؤرخين يؤكدون أنه كان عدلا منصفا.

ـ بارتولد : تركستان ، ترجمة صلاح الدين عثمان هاشم ، الكويت ١٤٠١ ـ ١٩٨١ صفحة ٧٢١.

٢٧

هو في قوله تعالي : في أي صورة ما شاء ركّبك (٥٢)! فأعجبه ذلك! وقال : يخشي ، ومعناه بالتركية : جيد فأكرمه إكراما كثيرا وزاد في تعظيم المسلمين!!

حكاية [عن عدل كبك]

ومن أحكام كبك ما ذكر أن امرأة شكت له أحد الأمراء ، وذكرت أنها فقيرة ذات أولاد، وكان لها لبن تقوتهم بثمنه فاغتصبه ذلك الأمير وشربه ، فقال لها : أنا أوسّطه! فإن خرج اللّبن من جوفه مضى لسبيله وإلا وسّطتك بعده! فقالت المرأة قد حلّلته ولا أطلبه بشيء! فأمر به فوسّط فخرج اللبن من بطنه!

ولنعد لذكر السلطان طرمشيرين ، ولما أقمت بالمحلة ، وهم يسمونها الأردو ، أياما ذهبت يوما لصلاة الصبح بالمسجد على عادتي ، فلما صليت ذكر لي بعض الناس أن السلطان بالمسجد ، فلما قام عن مصلاه تقدمت للسلام عليه ، وقام الشيخ حسن والفقيه حسام الدين الياغي وأعلماه بحالي وقدومي منذ أيام فقال لي بالتركية : خش ميسن يخشي ميسن : قطلو إيوسن ، ومعنى خش ميسن في عافية أنت ، ومعنى يخشي ميسن : جيّد أنت. ومعنى قطلو إيوسن : مبارك قدومك! وكان عليه في ذلك الحين قبا قدسي أخضر وعلى رأسه شاشية مثله ، ثم انصرف إلى مجلسه راجلا والناس يتعرّضون له للشكايات فيقف لكل مشتك منهم صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى.

ثم بعث عني فوصلت إليه وهو في خرقة ، والناس خارجها ميمنة وميسرة ، والأمراء منهم على الكراسي وأصحابهم وقوف على رؤوسهم وبين أيديهم ، وسائر الجند قد جلسوا صفوفا وأمام كل واحد منهم سلاحه ، وهم أهل النوبة ، يقعدون هنالك إلى العصر ، وياتي آخرون فيقعدون إلى آخر الليل ، وقد صنعت هنالك سقائف من ثياب القطن يكونون بها.

ولما دخلت إلى الملك بداخل الخرقة وجدته جالسا على كرسي شبه المنبر مكسو بالحرير المزركش بالذهب وداخل الخرقة ملبّس بثياب الحرير المذهب ، والتاج المرصع بالجوهر واليواقيت معلّق فوق رأس السلطان ، بينه وبين رأسه قدر ذراع (٥٣) ، والأمراء الكبار على الكراسي عن يمينه ويساره ، وأولاد الكلوك بأيديهم المذابّ بين يديه ، وعند باب الخرقة النائب

__________________

(٥٢) السورة ٨٢ الآية ٨ ـ وعلى ذكر كبك أقول : حضرت مجلسا سأل فيه أحدهم : وأين نجد ذكر (كوكا)؟ فأجابوه : وتركوك قائما!!

(٥٣) أخذ الملوك يتبارون في ثقل تيجانهم المرصّعة حتى لأصبح التاج عبئا على حامله! ومن هنا اتخذوا له معلاقا في السقف يسامت الكرسي الذي يجلس عليه السلطان! الكلوك : لقب للأمراء من سلالة السلطان.

٢٨

والوزير والحاجب ، وصاحب العلامة (٥٤) وهم يسمونه آل طمغى ، وآل بفتح الهمزة : معناه الأحمر ، وطمغى بفتح الطاء المهمل وسكون الميم والغين المعجم المفتوح ، ومعناه العلامة.

وقام إليّ أربعتهم حين دخولي ، ودخلوا معي فسلمت عليه وسألني ، وصاحب ـ يترجم بيني وبينه ، وعن مكة والمدينة والقدس شرفها الله وعن مدينة الخليل عليه‌السلام وعن دمشق ومصر والملك الناصر عن العراقين وملكهما وبلاد الاعاجم ، ثم أذّن المؤذن بالظهر فانصرفنا وكنا نحضر معه الصلوات ، وذلك أيام البرد الشديد المهلك ، فكان لا يترك صلاة الصبح والعشاء في الجماعة ويقعد للذكر بالتركية بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس ، وياتي إليه كلّ من في المسجد فيصافحه ويشد بيده على يده ، وكذلك يفعلون في صلاة العصر ، وكان إذا أوتي بهدية من زبيب أو تمر ، والتمر عزيز عندهم وهم يتبرّكون به ، يعطي منها بيده لكلّ من في المسجد.

حكاية [فضائل السلطان طرمشيرين]

ومن فضائل هذا الملك أنه حضرت صلاة العصر يوما ولم يحضر السلطان فجاء أحد فتيانه بسجادة ووضعها قبالة المحراب حيث جرت عادته أن يصلي ، وقال للإمام حسام الدين الياغي : إن مولانا يريد أن تنتظره بالصلاة قليلا ريثما يتوضأ فقام الامام المذكور ، وقال : نماز ، ومعناه الصلاة ، برأي خذا أو برأي طرمشيرين؟ أي الصّلاة لله أو لطرمشيرين؟ ثم أمر المؤذن بإقامة الصلاة وجاء السلطان وقد صلّي منها ركعتان ، فصلى الركعتين الآخرتين حيث انتهى به القيام ، وذلك في الموضع الذي تكون به أنعلة الناس عند باب المسجد ، وقضى ما فاته وقام إلى الإمام ليصافحه وهو يضحك وجلس قبالة المحراب والشيخ الإمام إلى جانبه وأنا إلى جانب الإمام فقال لي : إذا مشيت إلى بلادك فحدّث أنّ فقيرا من فقراء الأعاجم يفعل هكذا مع سلطان الترك!!

وكان هذا الشيخ يعظ الناس في كلّ جمعة ويأمر السلطان بالمعروف وينهاه عن المنكر وعن الظلم ويغلّظ عليه القول والسلطان ينصت لكلامه ويبكي ، وكان لا يقبل من عطاء السّلطان شيئا ولم يأكل قط من طعامه ولا لبس من ثيابه.

__________________

(٥٤) (صاحبة العلامة) هذا تعبير استعمل في الحديث عن المراسيم الملكية والمعاهدات الدولية في الغرب الإسلامي ، وكان هذا وظيفا ساميا في الحكومة يعني الذي يتولى كتابة العلامة أو التوقيع للملك ، وهو بمثابة حارس الأختام وقد سجل التاريخ عددا من الأسماء البارزة التي تولت هذه الوظيفة في الدولة ـ يراجع التاريخ الدبلوماسي للمغرب تأليف د. التازي المجلد الأول صفحة ٣٠٠ وما بعدها ...

٢٩

وكان هذا الشيخ من عباد الله الصالحين وكنت كثيرا ما أرى عليه قباء قطن مبطنا بالقطن ، محشوا به وقد بلى وتمزّق ، وعلى رأسه قلنسوّة لبد يساوي مثلها قيراطا (٥٥) ولا عمامة عليه ، فقلت له في بعض الأيام : يا سيدي ما هذا القباء الذي أنت لابسه إنه ليس يجيد ، فقال لي : يا ولدي ليس هذا القباء لي وانما لابنتي فرغبت منه أن يأخذ بعض ثيابي فقال : عاهدت الله منذ خمسين سنة ، أن لا أقبل من أحد شيئا ولو كنت اقبل من أحد لقبلت منك!

ولما عزمت على السّفر بعد مقامي عند هذا السلطان أربعة وخمسين يوما أعطاني السلطان سبعمائة دينار دراهم وفروة سمّور تساوي مائة دينار طلبتها منه لأجل البرد ولما ذكرتهاله ، أخذ أكمامي وجعل يقبّلها بيده تواضعا منه وفضلا وحسن خلق ، وأعطاني فرسين وجملين ، ولما أردت وداعه أدركته في أثناء طريقه إلى متصيّده ، وكان اليوم شديد البرد جدّا ، فو الله ما قدرت على أن أنطق بكلمة لشدة البرد! ففهم ذلك ، وضحك وأعطاني يده وانصرفت.

وبعد سنتين من وصولي إلى أرض الهند بلغنا الخبر بأن الملأ من قومه وأمرائه اجتمعوا بأقصى بلاده المجاورة للصين ، وهناك عساكره وبايعوا ابن عمّ له اسمه بوزن أغلي (٥٦) وكلّ من كان من أبناء الملوك فهم يسمّونه أغلي (٥٧) ، بضم الهمزة وسكون الغين المعجمة وكسر اللام ، وبوزن بضم الباء الموحدة وضم الزاي ، وكان مسلما إلا أنه فاسد الدّين سيء السيرة ، وسبب بيعتهم له وخلعهم لطرمشيرين ، أن طرمشيرين خالف أحكام جدهم تنكيز اللعين الذي خرب بلاد الإسلام ، وقد تقدّم ذكره ، وكان تنكيز ألّف كتابا في أحكامه

__________________

(٥٥) القراط أو (carat) هو واحد من ٢٤ جزءا من قيمة المثقال الذهبي أو واحد من ١٦ من قيمة الدرهم الفضي. هذا ومعنى ي؟؟؟ قبلها بيده يعني يمس كمي بيده ثم يقبلها! وهذا عرف شائع ...

(٥٦) إسلام هذه الإمبراطورية وتمركزها فيما وراء النهر الذي كان يهدف لتحقيق الاستفادة من الانتاج الزراعي والصناعي ، كذلك ومن الازدهار التجاري لبلاد تضرب في جذور تاريخ الحضارة ، كل هذا ازعج رؤساء بعض القبائل التي ترجع لأصول شرقية في الإمبراطورية ، ومن هنا كان رد الفعل الذي تجلّى عام ٧٣٤ ـ ١٣٣٤ مع بوزن ابن دوا تيمور الذي هو أخ آخر لطر مشيرين. والذي توجد له عملة تحمل اسمه بتاريخ ٧٣٤ ـ ١٣٣٤. هذا وبخلع طرمشيرين دخلت البلاد في مرحلة الفوضى ، وليس من البعيد أن نجد ممالك تتكون ، وأن نرى تجدد الاضطرابات التي يتحدث عنها عام ٧٣٥ ـ ١٣٣٥ ...

(٥٧) كلمة أوغلوا مضاف اليها حرف إ. تعني ابن فلان هذا وان افادة ابن بطوطة تتضافر المصادر الفارسية على صحتهاgibb iii p.٠٦٥ note ٦٧.

٣٠

يسمى اليساق (٥٨) ، بفتح الياء آخر الحروف والسين المهمل وآخره قاف ، وعندهم أنّه من خالف أحكام هذا الكتاب فخلعه واجب ، ومن جملة أحكامه أنهم يجتمعون يوما في السنة يسمونه الطّوّي (٥٩) ومعناه يوم الضيافة ، ويأتي أولاد تنكيز والأمراء من أطراف البلاد ويحضر الخواتين وكبار الأجناد ، وإن كان سلطانهم قد غير شيئا من تلك الأحكام ، يقوم إليه كبراؤهم فيقولون له : غيّرت كذا وغيرت كذا وفعلت كذا وقد وجب خلعك ، ويأخذون بيده ويقيمونه عن سرير الملك ويقعدون غيره من أبناء تنكيز ، وان كان أحد الأمراء الكبار أذنب ذنبا في بلاده حكموا عليه بما يستحقه!!

وكان السلطان طرمشيرين قد أبطل حكم هذا اليوم ومحا رسمه فأنكروه عليه أشد الانكار، وأنكروا عليه أيضا كونه أقام أربع سنين فيما يلي خراسان من بلاده ، ولم يصل إلى الجهة التي توالي الصين ، والعادة أنّ الملك يقصد تلك الجهة في كلّ سنة فيختبر أحوالها وحال الجند بها لأن أصل ملكهم منها ، ودار الملك هي مدينة المالق (٦٠) ، فلما بايعوا بوزن أتى في عسكر عظيم وخاف طرمشيرين على نفسه من أمرائه ولم يأمنهم فركب في خمسة عشر فارسا يريد بلاد غزنة ، وهي من عمالته ، وواليها كبير أمرائه وصاحب سرّه برنطيه ، وهذا الأمير محبّ في الاسلام والمسلمين قد عمر في عمالته نحو أربعين زاوية فيها الطعام للوارد والصادر وتحت يده العساكر العظيمة ولم أر قط فيمن رأيته من الآدميّين بجميع بلاد الدنيا أعظم خلقة منه! فلما عبر نهر جيحون ، وقصد طريق بلخ رآه بعض الأتراك من أصحاب ينقي

__________________

(٥٨) حول جمع وتنسيق اليساق الذي وضعه جنكيز خان ينبغي مراجعة المصادر التي اهتمت بالموضوع ، واذكر في صدرها تاليف بارتولد بعنوان تركستان (مصدر سابق) ونحن نعلم أن المغول لم يعرفوا الكتابة قبل عهد جنكيز خان ، وهم عندما اتخذوا الأبجدية الأويغورية لتسجيل لغتهم كان هدفهم الأول هو تدوين تعاليم جنكيز خان (أي العرف والتقاليد الشعبية التي اكسبها جنكيز خان صبغة القانون) والتي كان احترامها مفروضا ليس على جميع سكان الامبراطورية فحسب بل وعلى جميع الخانات انفسهم وبهذا برزت إلى الوجود «الياسا الكبرى» لجنكيز خان ، وقد نقل الزّياني في كتابه «الترجمانة الكبرى» عن ابن بطوطة ما يتعلق باليساق ولو انه قال انه نقله عن مخطوطة بمكة وقد تحرف عنده اسم ابن جزي إلى ابن جرير.!! ـ بارتولد : تركستان ص ١١٣ ـ ١١٤ ـ الترجمانة ص ٢٤٥.

(٥٩) الطّوى (toy) (مأدبة) ولكن الكلمة مستعملة هنا بمعنى الجمع العام. لكن الكلمتين معا تعنيان الاجتماع الرسمي للأعيان المغول. يلاحظ اهتمام ابن بطوطة بتسجيل هذه اللقطات الحضارية!

(٦٠) المالق ، تقدم أن مدينة المالق تقع في وادي إيلي شمال غرب الموقع الحالي لقولجا ٣٢ ـ ٧١ iii.kulja.

هذا وان أولوس (ulus) جغتاي كانت فيما وراء النهر ، الإقليم الشرقي المركزي في المالق وكانت تدعى موغوليستان أوخاطا.

٣١

ابن أخيه كبك (٦١) ، وكان السلطان طرمشيرين المذكور قتل أخاه كبك المذكور وبقى ابنه ينقي ببلخ فلما أعلمه التركي بخبره ، قال : ما فرّ إلا لأمر حدث عليه ، فركب في أصحابه وقبض عليه وسجنه ، ووصل بوزن إلى سمرقند وبخارى فبايعه الناس وجاءه ينقي بطرمشيرين ، فيذكر أنه لما وصل إلى نسف بخارج سمرقند قتل هنالك ودفن بها (٦٢) ، وخدم تربته الشيخ شمس الدين كردن بريدا ، وقيل : إنه لم يقتل كما سندكره ، وكردن بكاف معقودة وراء مسكن ودال مهمل مفتوح ونون ، معناه المقطوع ، ويسمى بذلك لضربة كانت في عنقه ، وقد رأيته بأرض الهند ويقع ذكره فيما بعد.

ولما ملك بوزن هرب ابن السلطان طرمشيرين وهو بشاي أغل واخته وزوجها فيروز إلى ملك الهند فعظّمهم وأنزلهم منزلة علية بسبب ما كان بينه وبين طرمشيرين من الود والمكاتبة والمهاداة ، وكان يخاطبه بالأخ ، ثم بعد ذلك أتى رجل من أرض السند وادّعى أنه هو طرمشيرين واختلف الناس فيه ، فسمع بذلك عماد الملك سرتيز غلام ملك الهند ، ووالي بلاد السند ، ويسمّى ملك عرض ، وهو الذي تعرض بين يديه عساكر الهند وإليه أمرها ، ومقرّه بملتان قاعدة السند ، فبعث إليه بعض الأتراك العارفين به ، فعادوا إليه وأخبروه أنه هو طرمشيرين حقا ، فأمر له بالسّراجة ، وهي أفراج ، فضرب خارج المدينة ورتّب له ما يرتب لمثله وخرج لاستقباله ، وترجّل له وسلّم عليه وأتى في خدمته إلى السّراجة ، فدخلها راكبا كعادة الملوك ولم يشك أحد أنّه هو وبعث إلى ملك الهند بخبره فبعث إليه الأمراء يستقبلونه بالضيافات ، وكان في خدمة ملك الهند حكيم ممن خدم طرمشيرين فيما تقدم ، وهو كبير الحكماء بالهند ، فقال للملك : أنا أتوجه إليه وأعرف حقيقة أمره ، فإني كنت عالجت له دمّلا تحت ركبته وبقى أثره ، وبه أعرفه فأتى إليه ذلك الحكيم واستقبله مع الأمراء ودخل عليه ولازمه لسابقته وأخذ يغمز رجليه وكشف عن الأثر فشتمه ، وقال له : تريد أن تنظر إلى الدّمل الذي عالجته ، ها هو ذا ، وأراه أثره فتحقق أنه هو ، وعاد إلى ملك الهند فأعلمه بذلك.

ثم إن الوزير خواجه جهان أحمد بن إياس ، وكبير الأمراء قطلوخان (٦٣) معلم

__________________

(٦١) حسب مصنّف وضعه مجهول كان يعيش ببلاط إسكندر حفيد تيمور ، فإن كبك توفي وفاة طبيعية ... هذا ولا يعرف شيء عن ينقي ... اللهم اذا كان يعني تشينگشى (tchingshi) خلف بزن ١٣٣٤ ـ ١٣٣٨ ٧٣٤ ـ ٧٣٨ ـ المعروف على العموم كإبن لابجين (ebugen) الابن السابع لدوا ولكن أحيانا يعرف كابن لكبك ...

(٦٢) يظهر ان ابن بطوطة لا يعرف أن نسف هذه هي نفس نخشب سالفة الذكر ، هذا وحسب بعض المصادر كذلك فان طرمشيرين توفي في هذه المدينة ... ـ حول أفراگ انظر كذلك ، ii ، ٣٦٩ تعليق ٢٢

(٦٣) سنعرف المزيد عن هذه الشخصيات في السفر الثاني من الرحلة إن شاء الله.

٣٢

السلطان أيام صغره دخلا على ملك الهند ، وقالا له : يا خوند عالم ، هذا السلطان طرمشيرين قد وصل وصح أنه هو ، وهاهنا من قومه نحو أربعين ألفا (٦٤) وولده وصهره أرأيت إن اجتمعوا عليه ما يكون من العمل؟! فوقع هذا الكلام بموقع منه عظيم ، وأمر أن يوتي بطرمشيرين معجّلا ، فلما دخل عليه أمر بالخدمة كسائر الواردين ولم يعظم ، وقال له السلطان : يا ماذر كاني ، وهي شتمة قبيحة ، كيف تكذب وتقول إنك طرمشيرين وطرمشيرين قد قتل ، وهذا خادم تربته عندنا ، والله لولا المعرة لقتلتك! ولكن أعطوه خمسة آلاف دينار وأذهبوا به إلى دار بشاي أغل واخته ولدي طرمشيرين ، وقولوا لهم إن هذا الكاذب يزعم أنه والدكم فدخل عليهم فعرفوه وبات عندهم ، والحرّاس يحرسونه ، وأخرج بالغد وخافوا أن يهلكوا بسببه فأنكروه ونفي عن بلاد الهند والسند ، فسلك طريق كيج ومكران ، وأهل البلاد يكرمونه ويضيفونه ويهادونه ، ووصل إلى شيراز فأكرمه سلطانها أبو إسحاق وأجرى له كفايته.

ولما دخلت عند وصولي من الهند إلى مدينة شيراز ذكر لي أنه باق بها وأردت لقاءه ولم أفعل لأنه كان في دار لا يدخل إليه أحد إلا بإذن من السلطان أبي إسحاق فخفت ممّا يتوقّع بسبب ذلك ثم ندمت على عدم لقائه!!

رجع الحديث إلى بوزن

وذلك أنه لما ملك ضيّق على المسلمين وظلم الرعية وأباح للنّصارى واليهود عمارة كنائسهم ، فضجّ المسلمون من ذلك وتربصوا به الدوائر واتصل خبره بخليل بن السلطان اليسور المهزوم على خراسان (٦٥) فقصد ملك هراة وهو السلطان حسين بن السلطان غياث

__________________

(٦٤) يذكر أن طرمشيرين بعث بعدد من الرؤساء المغول مع طائفة من اتباعهم للدخول في خدمة السلطان محمد بن تغلق ، وهناك رواية تقول ان طرمشيرين اجتاح الهند وفرض على السلطان محمد تغلق اتفاقية سلام مشينة!

(٦٥) ينحدر (اليسوور)(yasavur) من جغتاي ، لم يكن أبدا سلطانا ، انضم إلى الصراع بين آل جغتاي وبين الإيلخان ، اجتاح خراسان في مرتين متواليتين عام ٧١٤ ـ ١٣١٤ وعام ٧١٩ ـ ١٣١٩ وقتل عام ٧٢٠ ـ ١٣٢٠. ولم يعرف له غير ولد وحيد قازغان الذي ملك من عام ٧٤٣ ـ ١٣٤٣ إلى عام ٧٤٦ ـ ١٣٤٦ ـ على العكس من هذا فإن خليل المذكور هنا معروف على أنه درويش تركي ، ويزعم أنه أحد المنحدرين من جنكيز خان ، ورئيس روحي لبهاء الدين النقشبندي ٧١٨ ـ ٧٩١ ـ ١٣١٨ ـ ١٣٨٩ مؤسس الطريقة الصوفية التي تحمل اسمه. هذا وتوجد قطع من العملة التي ضربت باسمه بتاريخ ٧٤٢ ـ ٧٤٤ ـ ١٣٤٢ و ١٣٤٤. كان عليه أن يظهر أثناء الفراغ السياسي الموجود فيما وراء النهر بعد وفاة تشينگسى (tchengshi) وانسحاب أخيه يسّن (yisen) تيمور ٧٣٨ ـ ٧٤٠ ـ ١٣٣٨ ـ ١٣٤٠ في المالق ـ بارتولد : تركستان ص ٥٩٥ تعليق ٢٣٥.

٣٣

الدين الغوري (٦٦) فأعلمه بما كان في نفسه وسأل منه الإعانة بالعساكر والمال على أن يشاطره ملكه إذا استقام له ، فبعث معه الملك حسين عسكرا عظيما ، وبين هراة والتّرمذ تسعة أيام فلما سمع أمراء الإسلام بقدوم خليل تلقّوه بالسمع والطاعة والرغبة في جهاد العدو.

وكان (٦٧) أول قادم عليه علاء الملك خذاوند زاده صاحب ترمذ (٦٨) ، وهو أمير كبير شريف حسينى النسب ، فأتاه في أربعة آلاف من المسلمين ، فسرّ به وولّاه وزارته وفوّض إليه أمره وكان من الأبطال وجاء الأمراء من كل ناحية واجتمعوا على خليل والتقى مع بوزون ، فمالت العساكر إلى خليل واسلموا بوزون وأتوا به أسيرا فقتله خنقا بأوتار القسّي ، وتلك عادة لهم أنهم لا يقتلون من كان من أبناء الملك إلا خنقا! واستقام الملك لخليل.

وعرض عساكره بسمرقند فكانوا ثمانين ألفا عليهم وعلى خيلهم الدروع (٦٩) ، فصرف العسكر الذي جاء به من هراة ، وقصد بلاد المالق ، فقدم التتر على أنفسهم واحدا منهم ، ولقوه على مسيرة ثلاث من المالق بمقربة من أطراز (٧٠) وحمى القتال وصبر الفريقان فحمل الأمير خذاوند زاده وزيره في عشرين ألفا من المسلمين حملة لم يثبت لها التّتر ، فانهزموا واشتدّ فيهم القتل ، وأقام خليل بالمالق ثلاثا وخرج إلى استيصال من بقى من التتر ، فأذعنوا له بالطاعة وجاز إلى تخوم الخطا والصين ، وفتح مدينة قراقرم ومدينة بش بالغ (٧١) ، وبعث إليه سلطان الخطا بالعساكر ، ثم وقع بينهما الصلح وعظم أمر خليل وهابته الملوك وأظهر العدل ورتب العساكر بالمالق وترك بها وزيره خذاوند زاده ، وانصرف إلى سمرقند وبخاري.

__________________

(٦٦) سنعرف المزيد عن غياث الدين الغوري ...

(٦٧) يتعلق الأمر على ما يظهر بالحلف المبرم بين الرؤساء المسلمين المغول يعني رؤساء ما وراء النهر ضد المغول الكفار في الشرق.

(٦٨) كان الأشراف المنحدرون من الأمير محمد صاحب ترمذ يتمتّعون بالتّقدير الكبير في المنطقة ابتداء من القرن السابع الهجري ـ الثالث عشر الميلادي ، ولكون محمد خوارزمشاه يوجد في صراع مع الخليفة العباسي الناصر ، فقد عيّن أحد المعارضين للخلافة في شخص أحد الأشراف ، المعروف فيما بعد تحت اسم خذا وانده زاده ـ الشخص المذكور من قبل ابن بطوطة كأمير كبير يظهر أنه ينحدر من هذه الأسرة ـ عن صراع خوارزم مع الناصر انظر تاريخ ابن الأثير الجزري وابن واصل.

(٦٩) حول استعمال الدّروع بالنسبة للخيول والرحال عند الجيش المغولي انظر بلانو كاربينى plano carpini وقد وقفت في عدد من المتاحف الشرقية على أنواع من دروع الخيول.

(٧٠) أطراز هكذا في النص (بالزاي) ويظهر أنه تحريف لكلمة أطرار (بالراء) وهناك مدينة تحمل ، اسم طرز على نهر تلاس talas على بعد ١٥٠ ميل شرق أطرار ونحو ٣٠٠ ميل غرب المالق.

(٧١) قراقرم العاصمة الأولى للمغول من (١٢٣٠ إلى ١٢٦٠) راح إليها جان دوبلان كاربان j.p.carpin سفيرا عام ١٢٤٦ لدى الخان الأعظم من البابا اينوصانت iv حيث ترك لنا مذكرات سفارته وكانت الأقدم مما وصلنا عن التتر ـ bishbaligh العاصمة الحالية لسينكيانغ ...

٣٤

ثم إن الترك أرادوا الفتنة وسعوا إلى خليل بوزيره المذكور وزعموا أنه يريد الثورة ، ويقول : إنه أحق بالملك لقرابته من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكرمه وشجاعته! فبعث واليا إلى المالق عوضا عنه وأمره أن يقدم عليه في نفر يسير من أصحابه ، فلما قدم عليه قتله عند وصوله من غير تتبث ، فكان ذلك سبب خراب ملكه!

وكان خليل لما عظم أمره بغى على صاحب هراة الذي أورثه الملك وجهّزه بالعساكر والمال فكتب إليه أن يخطب في بلاده باسمه ، ويضرب الدنانير والدراهم على سكته فغاظ ذلك الملك حسينا وأنف منه ، وأجابه بأقبح جواب فتجهز خليل لقتاله فلم توافقه عساكر الإسلام ، ورأوه باغيا عليه وبلغ خبره إلى الملك حسين فجهز العساكر مع ابن عمه ملك ورنا والتقى الجمعان ، فانهزم خليل وأوتي به إلى الملك حسين أسيرا فمنّ عليه بالبقاء وجعله في دار ، وأعطاه جارية وأجرى عليه النفقة ، وعلى هذه الحال تركته عنده في أواخر سنة سبع وأربعين عند خروجي من الهند (٧٢).

ولنعد إلى ما كنا بسبيله : ولما ودّعت السلطان طرمشيرين سافرت إلى مدينة سمرقند(٧٣) ، وهي من أكبر المدن وأحسنها وأتمها جمالا. مبنية على شاطئ واد يعرف بوادي القصّارين عليه النواعير تسقي البساتين ، وعنده يجتمع أهل البلد بعد صلاة العصر للنزهة والتفرج ، ولهم عليه مساطب ومجالس يقعدون عليها ودكاكين تباع بها الفاكهة وسائر المأكولات.

وكانت على شاطئه قصور عظيمة وعمارة تنبيء عن علوّ همم أهلها ، فدثر أكثر ذلك ، وكذلك المدينة خرب كثير منها ولا سور لها ولا أبواب عليها ، وفي داخلها البساتين.

__________________

(٧٢) عوض (تركته عنده) ينبغي أن نقرأ (بقي عنده) لأنّ ابن بطوطة لم يمرّ على هرات عند عودته عام ٧٤٧ ـ ١٣٤٧

(٧٣) تقع سمرقند على الشاطئ الغربي لنهر زرفشان في أزبيكستان الحالية ـ ابن بطوطة التبس عليه هذا النهر بنهر فولون الذي يجري في نخشب. هدمت المدينة من طرف المغول عام ٦١٦ ـ ١٢١٩ ولم تستعد مكانتها الا في القرن الثامن الهجري ـ أواخر القرن الرابع عشر الميلادي عندما اتخذ منها تيمور عاصمة له وجاء اليها بالعمال والفنانين والعلماء ... وقد استمتعنا بزيارتها بمناسبة الاحتفالات المقامة على شرف الامام البخاري في غشت ١٩٧٤.

٣٥

٣٦

وأهل سمرقند لهم مكارم أخلاق ومحبة في الغريب وهم خير من أهل بخارى ، وبخارج سمرقند قبر قثم ابن العباس (٧٤) بن عبد المطلب رضي الله عن العباس وعن ابنه وهو المستشهد حين فتحها ، ويخرج أهل سمرقند كلّ ليلة اثنين وجمعة إلى زيارته ، والتتر يأتون لزيارته ، وينذرون له النذور العظيمة ويأتون إليه بالبقر والغنم والدراهم والدنانير فيصرّف ذلك في النفقة على الوارد والصادر ولخدام الزاوية والقبر المبارك وعليه قبة قائمة على أربع أرجل ، ومع كلّ رجل ساريتان من الرخام منها الخضر والسّود والبيض والحمر ، وحيطان القبة بالرخام المجزّع المنقوش بالذهب ، وسقفها مصنوع بالرصاص ، وعلى القبة خشب الآبنوس المرصع مكسو الأركان بالفضة وفوقه ثلاثة من قناديل الفضة ، وفرش القبة بالصوف والقطن (٧٥) وخارجها نهر كبير يشقّ الزّاوية التي هنالك وعلى حافّتيه الأشجار ودوالي العنب والياسمين ،

وبالزاوية مساكن يسكنها الوارد والصادر ، ولم يغيّر التتر أيام كفرهم شيئا من حال هذا الموضع المبارك بل كانوا يتبرّكون به لما يرون له من الآيات ، وكان الناظر (٧٦) في كل حال هذا الضريح المبارك وما يليه. حين نزولنا به ، الأمير غياث الدّين محمد بن عبد القادر بن عبد العزيز بن يوسف بن الخليفة المستنصر بالله العباسي ، وقدّمه لذلك السلطان طرمشيرين لما قدم عليه من العراق وهو الآن عند ملك الهند ، وسيأتي ذكره.

ولقيت بسمرقند قاضيها المسمى عندهم صدر الجهان (٧٧) ، وهو من الفضلاء ذوي المكارم ، وسافر إلى بلاد الهند بعد سفري إليها فأدركته منيته بمدنية ملتان قاعدة بلاد السند

__________________

(٧٤) استشهد قثم عام ٥٦ ه‍ ـ ٦٧٦ أثناء حصار المدينة حيث ورد صحبة سعيد بن عثمان وانتشر الإسلام بسببه في آسيا الوسطى وما وراء النهر. ويقع قبره في المجموعة المعمارية التي تحمل اسم شاه زنده : (الامير الحيّ) التي تعتبر من أهم المجموعات الأثرية في آسيا الوسطى ، ولكن الوصف اليوم يختلف كثيرا عما كان أيام ابن بطوطة ... إن الضريح اليوم ـ كما وقفنا عليه ـ يقع في بيت مربع حيث طليت صفائح الخزف المنقوشة بالميناء الفيروزيّ اللون ، لقد نقشت على القبر هذه الكلمات : هذا مرقد أمير المومنين قثم بن العباس رضي‌الله‌عنه ابن عم سيد المرسلين وخاتم النبيئين ورسول رب العالمين عليه‌السلام ...

هذا ويفترض بعض المعلّقين أن الاهتمام بهذا الضريح لم يتم إلّا أيام العباسيين لانهم يجدون في ذلك احياء لذكرهم جدّهم العباس ـ بارتولد : تركستان : ص ١٨٢ ـ ١٨٣.

(٧٥) ليس القصد إلى تفريش الأرض ولكن كذلك إلى تغطية الجدران وتأثيث الزاوية.

(٧٦) تعتبر وظيفة «الناظر» من الوظائف الهامة في الحكومة المغربية وهي تختص بالنظر في الأوقاف المخصصة لسير المساجد والزوايا وأحيانا لمساعدة بعض المشاريع الاجتماعية وافتداء الأسرى ...

ويستعمل اللفظ لحد الآن في الإدارة المغربية لهذا الغرض.

(٧٧) سبق أن ذكرنا أن كلمة الصدر ربما كانت في المشرق تعني قاضي القضاة على ما سبق ، وصدر الجهان تعني قاضي الدنيا ...

٣٧

حكاية [ملك الهند]

لما مات هذا القاضي بملتان كتب صاحب الخبر (٧٨) بأمره إلى السلطان ملك الهند ، وأنه قدم برسم بابه فأخترم دون ذلك ، فلمّا بلغ الخبر إلى الملك أمر أن يبعث إلى أولاده عدد من آلاف الدنانير ، لا أذكره الآن ، وأمر أن يعطي لأصحابه ما كان يعطي لهم لو وصلوا معه وهو بقيد الحياة.

ولملك الهند في كل بلد من بلاده صاحب الخبر يكتب له بكل ما يجري في ذلك البلد من الأمور وبمن يرد عليه من الواردين ، وإذا أتى الوارد كتبوا من أي البلاد ورد ، وكتبوا اسمه ونعته وثيابه وأصحابه وخيله وخدامه وهيئته من الجلوس والماكل وجميع شؤونه وتصرفاته ، وما يظهر منه من فضيلة أو ضدها فلا يصل الوارد إلى الملك إلا وهو عارف بجميع حاله فتكون كرامته على مقدار ما يستحقه!

وسافرنا من سمرقند فاجتزنا ببلدة نسف (٧٩) ، وإليها ينسب أبو حفص عمر النسفي (٨٠) مؤلف كتاب المنظومة في المسائل الخلافية بين الفقهاء الأربعة (٨١) رضي‌الله‌عنهم. ثم وصلنا إلى مدينة ترمذ (٨٢) التي ينسب إليها الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (٨٣) ، مؤلف الجامع الكبير في السنن ، وهي مدينة كبيرة حسنة العمارة والأسواق

__________________

(٧٨) صاحب الخبر يعني المكلف بالإعلام ، وقد عرف عهد بني مرين هذه الوظيفة التي نسميها اليوم وزارة الأنباء، وقد كان المكلف بها في عصر السلطان أبي الحسن عامر بن فتح الله ... وينبغي أن نقف قليلا مع التعبير الجميل لابن بطوطة «برسم بابه» يعني أنه قدم خصيصا من أجله ...

ـ ابن مرزوق : المسند الصحيح الحسن ١٧٧ / ٣٦١.

د. التازي : استراتيجية النبأ في المغرب بحث قدم للندوة الدولية التي عقدتها و. م. ع بمناسبة افتتاح مقرها الجديد بالرباط دجنبر ١٩٨٨ ـ مجلة الدراسات الاعلامية (مصر) يناير ١٩٨٩ العلم ٣٠ / ٤ / ١٩٨٩

(٧٩) يظهر أن ابن بطوطة يعتقد أن نخشب ، و «نسف» هما مدينتان مختلفتان ، مع أنهما شيء واحد على ما اسلفنا ، هذه المدينة التي تقع على الطريق من سمرقند إلى ترمذ يمكن أن تكون هي كش ، شهر سابز الحالية (shahr ـ i ـ sabz).

(٨٠) نجم الدين عمر بن محمد بن أحمد بن اسماعيل النّسفي عالم بالفقه والأدب والتاريخ من فقهاء الحنفية ، له نحو مائة مصنف ، منها منظومة الخلافيات ، وهي رجز في الفقه يتألف من ٢٦٦٩ بيت! وله القيد في علماء سمرقند «عشرون جزءا» والإشعار بالمختار من الأشعار (عشرون جزءا) ، كان يلقب بمفتي الثقلين ، وهو غير النسفي المفسر عبد الله بن أحمد. أدركه أجله سنة ٥٣٧ ـ ١١٤٢.

(٨١) حصلت على صورة للمنظومة من دار الكتب المصرية ، ومن أبياتها العالقة بالذاكرة :

وردّة الزوج طلاق زوجته

وهي لدى الشيخين فسخ عقدته!

(٨٢) مدينة ترمذ (termez) الحالية على الساحل الشمالي لنهر جيحون لأمودريا عند الحدود الأفغانية مع جيرانها في الشمال ، وقد خربت عام ٦١٧ ـ ١٢٢٠ من لدن المغول.

(٨٣) يعتبر الترمذي هذا من أئمة الحديث وحفّاظه ... تتلمذ للبخاري وشاركه في بعض شيوخه ... وله عدد من المؤلفات زيادة على الجامع ، أدركه أجله بترمذ عام ٢٧٩ ـ ٨٩٢.

٣٨

٣٩

تخرقها الأنهار ، وبها البساتين الكثيرة والعنب ، والسفرجل بها كثير متناهي الطيب ، واللحوم بها كثيرة ، وكذلك الألبان ، وأهلها يغسلون رؤوسهم في الحمام باللّبن عوضا من الطّفل (٨٤) ويكون عند كل صاحب الحمام أوعية كبار مملوءة لبنا ، فإذا دخل الرجل الحمام أخذ منها في إناء صغير فغسل رأسه وهو يرطب الشعر ويصلقه!

وأهل الهند يجعلون في رؤوسهم زيت السّمسم ، ويسمونه السيراج ويغسلون الشعر بعده بالطفل فينعم الجسم ويصقل الشعر ويطيله وبذلك طالت لحي أهل الهند ومن سكن معهم!

وكانت مدينة التّرمذ القديمة مبنية على شاطىء جيحون فلما خربها تنكيز بنيت هذه الحديثة على ميلين من النهر ، وكان نزولنا بها بزاوية الشيخ الصالح عزيزان ، من كبار المشايخ وكرمائهم ، كثير المال والرباع والبساتين ينفق على الوارد والصادر من ماله.

واجتمعت قبل وصولي إلى هذه المدينة بصاحبها علاء الملك خذاوند زاده ، وكتب لي إليها بالضيافة ، فكانت تحمل إلينا أيام مقامنا بها في كلّ يوم ، ولقيت أيضا قاضيها قوام الدين وهو متوجه لرؤية السلطان طرمشيرين وطالب للاذن له في السفر إلى بلاد الهند ، وسيأتي ذكر لقائي له بعد ذلك ولأخويه ضياء الدين وبرهان الدين بملتان ، وسفرنا جميعا إلى الهند ، وذكر أخويه الآخرين عماد الدين وسيف الدين ، ولقاءي لهما بحضرة ملك الهند ، وذكر ولديه وقدومهما على ملك الهند بعد قتل أبيهما وتزويجهما ببنتي الوزير خواجه جهان وما جرى في ذلك كله إن شاء الله تعالى!

ثم أجزنا نهر جيحون إلى بلاد خراسان ، وسرنا بعد انصرافنا من ترمذ وإجازة الوادي يوما ونصف يوم في صحراء ورمال لا عمارة بها إلى مدينة بلخ (٨٥) ، وهي خاوية على

__________________

(٨٤) الطّفل : نوع من الصلصال يستعمل لغسل الرأس على نحو البيلون المستعمل في بلاد الشام وخاصة في حلب حيث زودنا الاخوان منه بتشكيلة نظيفة ... وإلى البيلون ينتسب الشيخ البيلوني مختصر رحلة ابن بطوطة ، وما يزال هذا اللفظ : الطّفل مستعملا في شمال المغرب : مسقط رأس ابن بطوطة.

وهنا نرحل مع ابن بطوطة من جنوب روسيا إلى افغانستان بعد أن زرنا عددا من الأمم الأخرى التي تكوّن اليوم تاتارستان وجورجيا وقازاخستان وأوزبيكستان وتركستان الخ.

(٨٥) بلخ هي المدينة التي كان اليونانيون يسمونها (bactres) مدينة مهمة جدا في خراسان الشرقية ، الشمال الغربي لأفغانستان الحالية ، خربت في مرتين متواليتين أثناء اجتياح المغول ولم يمكنها أن تسترجع مركزها ... هذه بلخ التي سماها العرب أم البلاد وقبّة الإسلام ...

ـ خليل الله خليلي سفير أفغانستان في العراق والكويت سابقا : ابن بطوطة في أفغانستان مطبعة الجامعة ، بغداد ١٩٧١ تقديم عبد الهادي التازي.

٤٠