رحلة ابن بطوطة - ج ٣

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي

رحلة ابن بطوطة - ج ٣

المؤلف:

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي


المحقق: عبد الهادي التازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أكاديمية المملكة المغربية
الطبعة: ٠
ISBN: 9981-46-009-5
ISBN الدورة:
9981-46-006-0

الصفحات: ٢٥٥

فلا يفارق السلطان في سفر ولا حضر فلما قصده تغلق وأصحابه حمى القتال بينهم وبين الهنود وانهزم أصحاب السلطان ولم يبق معه أحد وهرب فنزل عن فرسه ورمى بثيابه وسلاحه وبقى في قميص واحد وأرسل شعره بين كتفيه كما يفعل فقراء الهند ، ودخل بستانا هنالك واجتمع الناس على تغلق وقصد المدينة فأتاه الكتوال بالمفاتيح ودخل القصر ونزل بناحية منه ، وقال لكشلو خان : أنت تكون السلطان ، فقال كشلو خان : بل أنت تكون السلطان وتنازعا فقال له كشلو خان : فإن أبيت أن تكون سلطانا فيتولى ولدك ، فكره هذا وقبل حينئذ وقعد على سرير الملك وبايعه الخاص والعام ، ولما كان بعد ثلاث اشتدّ الجوع بخسرو خان وهو مختف بالبستان فخرج وطاف به فوجد القيّم فسأله طعاما فلم يكن عنده فأعطاه خاتمه وقال : اذهب فارهنه في طعام. فلما ذهب بالخاتم إلى السوق أنكر الناس أمره ورفعوه إلى الشّحنة ، وهو الحاكم ، فأدخله على السلطان تغلق فأعلمه بمن دفع إليه الخاتم ، فبعث ولده محمدا ليأتي به ، فقبض عليه وأتاه به راكبا على تتو ، بتائين مثناتين أولاهما مفتوحة والثانية مضمومة وهو البرذون ، فلما مثل بين يديه ، قال له : إني جائع فائتني بالطعام ، فأمر له بالشربة ثم بالطعام ثم بالفقّاع ثم بالتّنبول ، فلما أكل قام قائما وقال : ياتغلق إفعل معي فعل الملوك ولا تفضحني! فقال له : لك ذلك وأمر به فضربت رقبته ، وذلك في الموضع الذي قتل هو به قطب الذين ، ورمى برأسه وجسده من أعلى السطح كما فعل هو برأس قطب الدين ، وبعد ذلك أمر بغسله وتكفينه ودفن في مقبرته واستقام الملك لتغلق أربعة أعوام وكان عادلا فاضلا.

ذكر ما رامه ولده من القيام عليه فلم يتمّ له ذلك.

ولما استقرّ تغلق بدار الملك بعث ولده محمدا ليفتح بلاد التّلنگ (٧٧) ، وضبطها بكسر التاء المعلوة واللام وسكون النون وكاف معقود ، وهي على مسيرة ثلاثة أشهر من مدينة دهلي، وبعث معه عسكرا عظيما فيه كبار الأمراء مثل الملك تمور ، بفتح التاء المعلوة وضم الميم ، وآخره راء ، ومثل الملك تكين بكسر التاء المعلوة والكاف وآخره نون ، ومثل ملك كافور المهر دار بضم الميم ومثل ملك (٧٨) بيرم ، بالباء الموحدة مفتوحة ، والياء آخر الحروف ، والراء مفتوحة ، وسواهم ، فلما بلغ إلى أرض التّلنك أراد المخالفة ، وكان له نديم من الفقهاء الشعراء يعرف بعبيد فأمره أن يلقى إلى الناس أنّ السلطان تغلق توفى ، وظنّه أنّ الناس يبايعونه مسرعين

__________________

(٧٧) غارة ٧٢١ ـ ١٣٢١ ـ ١٣٢٢ كانت موجهة ضدّ آل كاكاتياس (kakatiyas) في (telingana) التي كان الملك براطابّارودرا (prataparudra) مغتنما فتن دهلي رافضا أداء الأتاوة ... حول الفقاع ـ لنظر.٤٢١.iii

(٧٨) حول ملك بيرم يلاحظ أن التراجمة يستعملون دون أن يميّزو الكلمة العربية : الملك ، التي يترجمونها إلى : سلطان ، وفي الحالتين فإن الأمر يتعلق بلقب تشريفي وليس بلقب وظيفي.

١٤١

إذا سمعوا ذلك ، فلما ألقى ذلك إلى الناس أنكره الأمراء ، وضرب كلّ واحد منهم طبله وخالف، فلم يبق معه من أحد ، وأرادوا قتله فمنهم منه ملك تمور ، وقام دونه ففرّ إلى أبيه في عشرة من الفرسان سمّاهم ياران موافق ، معناه الأصحاب الموافقون فأعطاه أبوه الأموال والعساكر وأمره بالعود إلى التلنگ (٧٩) فعاد إليها ، وعلم أبوه بما كان أراد ، فقتل الفقيه عبيدا ، وأمر بملك كافور المهردار فضرب له عمود في الأرض محدود الطرف وركّز في عنقه حتى خرج من جنبه طرفه ورأسه إلى أسفل وترك على تلك الحال وفرّ من بقى من الأمراء إلى السلطان شمس الدين ابن السلطان ناصر الدين بن السلطان غياث الدين بلبن واستقرّوا عنده.

ذكر مسير تغلق إلى بلاد اللكنوتي وما اتّصل بذلك إلى وفاته.

وأقام الأمراء الهاربون عند السلطان شمس الدين (٨٠) ، ثم إن شمس الدين توفي وعهد لولده شهاب الدين فجلس مجلس أبيه ، ثم غلب عليه أخوه الأصغر غياث الدين بهادور بوره ، ومعناه بالهندية : الأسود ، واستولى على الملك وقتل أخاه قطلوخان وساير إخوته وفرّ شهاب الدّين وناصر الدين منهم إلى تغلق فتجهز معهما بنفسه لقتال أخيهما وخلّف ولده محمدا نائبا عنه في ملكه وجدّ السير إلى بلاد اللكنوتي ، فتغلب عليها وأسر سلطانها غياث الدين بهادور ، وقدم به أسيرا إلى حضرته.

وكان (٨٠) بمدينة دهلي الولي نظام الدّين البذاوني (٨٢) ولا يزال محمد شاه ابن السلطان يتردّد إليه ويعظم خدّامه ، ويسأله الدعاء ، وكان يأخذ الشيخ حال تغلب عليه ، فقال

__________________

(٧٩) يتناقش المؤرخون الهنود مسئولية محمد تغلق في هذه الحوادث ، هذا وقد أرسل حالا إلى تيليكانا (telingana) وهذه الغارة الثانية لعام ٧٢٣ ـ ١٣٢٣ أدت إلى امتداد حكمه إلى مملكة كاكاتيا (kakatia).

(٨٠) ناصر الدين محمود ابن بلبن سلطان البنغال كان تنازل عن الحكم عام ٦٩٠ ـ ١٢٩١ لصالح ابنه ركن الدين كيكوس (kaikaus) الذي ظل في الحكم إلى عام ٧٠٢ ـ ١٣٠٢ ـ شمس الدين فيروز خلفه.

ابن بطوطة الوحيد الذي قدمه الينا كولد لناصر الدين شمس الدين فيروز بسط سيادته على شرق وجنوب البنغال بيد أن هذه السيادة تعرضت بسرعة فائقة لاعتراض ابنائه : غياث الدين بها دور المدعو بوره (bhura) الذي استقر في الشرق. وشهاب الدين الذي أزاح والده خلال بعض الوقت عن الحكم في اللكنوتي (lakhnawti) البنغال عام ٧١٨ ـ ١٣١٨. في سنة ٧٢٢ ـ ١٣٢٢ عند وفاة شمس الدين فيروز قام غياث الدّين باقصاء سائر إخوته باستثناء شهاب الدّين وناصر الدّين ، وبفعل إلحاحات هذين الاخوين أعطيت المبررات لتدخل من دهلي. ابن بطوطة الشخص الوحيد أيضا الذي تحدث عن فرار المتآمرين إلى البنغال ...

(٨١) الغارة تؤرخ بعام ٧٢٤ ـ ١٣٢٤ ، ناصر الدين عين سلطانا لشمال البنغال بينما ألحق الباقي بأمبراطورية دهلي.

(٨٢) البذاوني معروف تحت اسم نظام الدين أولياء ، (١٢٣٨ ـ ١٣٢٤ م) كان أحد المشاهير الممثلين للطريقة الشيشتية في الهند ، كان تلميذا لفريد الدين البذاوني ... لم يكن على حالة طيبة مع تغلق ، بيد أن قبره في دهلي ما يزال إلى الآن مكانا يقصد للزيارة ... ـ يراجع الجزءiii ١٣٥ ـ ١٣٦ ـ تعليق ٥٣.

١٤٢

ابن السلطان لخدامه : إذا كان الشيخ في حاله الذي تغلب عليه فأعلموني بذلك ، فلما أخذته الحال أعلموه فدخل عليه ، فلما رآه الشيخ قال : وهبنا لك الملك. ثم توفّى الشيخ في أيام غيبة السلطان ، فحمل ابنه محمد نعشه على كاهله فبلغ ذلك أباه فانكره وتوعده ، وكان قد رابته منه أمور ونقم عليه استكثاره من شراء المماليك واجزاله العطايا واستجلابه قلوب الناس فزاد حنقه عليه وبلغه أنّ المنجّمين زعموا أنّه لا يدخل مدينة دهلي بعد سفره ذلك ، فتوعدهم (٨٣)!

ولما عاد من سفره وقرب من الحضرة أمر ولده أن يبني له قصرا وهم يسمونه الكشك بضم الكاف وشين معجم مسكن ، على واد هنالك يسمى أفغان بور (٨٤) ، فبناه في ثلاثة أيام وجعل أكثر بنائه بالخشب مرتفعا على الأرض قائما على سواري خشب وأحكمه بهندسة تولّى النظر فيها الملك زاده المعروف بعد ذلك بخواجة جهان ، واسمه أحمد بن إياس كبير وزراء السلطان محمد (٨٥) ، وكان إذ ذاك شحنة العمارة ، وكانت الحكمة التي اخترعوها فيه أنّه متى وطئت الفيلة جهة منه وقع ذلك القصر وسقط.

ونزل السلطان بالقصر وأطعم الناس وتفرقوا واستأذنه ولده في أن يعرض الفيلة بين يديه وهي مزيّنة فأذن له.

وحدّثني الشيخ ركن الدين أنّه كان يومئذ مع السلطان ومعهما ولد السلطان المؤثر لديه محمود فجاء محمد ابن السلطان ، فقال للشيخ : ياخوند! هذا وقت العصر ، انزل فصلّ! قال لي الشيخ : فنزلت وأتى بالأفيال من جهة واحدة حسبما دبّروه ، فلما وطئتها سقط الكشك على السلطان وولده محمود قال الشيخ فسمعت الضّجة فعدت ولم اصلّ فوجدت الكشك قد سقط ، فأمر ابنه أن يوتي بالفؤس والمساحي للحفر عنه ، وأشار بالإبطاء ، فلم يؤت بهما إلّا وقد غربت الشمس فحفروا ، ووجدوا السلطان قد حنا ظهره على ولده ليقيه الموت! فزعم بعضهم أنّه أخرج ميّتا وزعم بعضهم أنّه أخرج حيّا ، فأجهز عليه ، وحمل ليلا إلى مقبرته التي بناها بخارج البلدة المسمّاة باسمه تغلق أباد فدفن بها.

__________________

(٨٣) الحديث عن تكهّنات المنجمين تردّد عنه مرارا ، ونحن نعرف عن شعر أبي تمام عند فتح عمّورية من لدن الخليفة المعتصم : «السيف أصدق أنباء من الكتب». وقد كان مشايخنا يرفضون أقوال المنجمين :

لا تنظرن لمشتر ولا زحل

فالأمر لله كما شاء فعل!

(٨٤) أفغان بّور (afghanpur) هو الاسم الذي يطلق على قرية تقع جنوب شرق تغلق أباد المدينة الجديدة لتغلق ، حوالي أربعة أميال من شرق المدينة القديمة ، ولكن لا يعرف شيء عن الوادي. هذا وكلمة (كشك) تصغر لكلمة كوشك ، وهي أصل الكلمة المستعملة اليوم في اللغات الأوربية (كيوسك) ...

(٨٥) أحمد اياس أو أحمد بن إياز هو الاسم الذي أعطى ل (هارديو (har deo) : قريب أحد الهنود : رجاد يوغير ، عندما اعتنق الإسلام على يد نظام الدين أولياء مهدي حسين : محمد بن تغلق.

١٤٣

وقد (٨٦) ذكرنا السبب في بنائه لهذه المدينة وبها كانت خزائن تغلق وقصوره ، وبها القصر الأعظم الذي جعل قراميده مذهّبة ، فإذا طلعت الشمس كان لها نور عظيم وبصيص يمنع البصر من إدامة النظر اليها ، واختزن بها الأموال الكثيرة.

ويذكر أنّه بنى صهريجا وأفرغ فيه الذهب إفراغا فكان قطعة واحدة فصرف جميع ذلك ولده محمد شاه لما ولى ، وبسبب ما ذكرناه من هندسة الوزير خواجة جهان في بناء الكشك الذي سقط على تغلق كانت حظوته عند ولده محمد شاه وايثاره لديه فلم يكن أحد يدانيه في المنزلة لديه ولا يبلغ مرتبته عنده من الوزراء ولا غيرهم ....

__________________

(٨٦) يوجد القبر إلى الآن جنوب تغلق أباد ، هذا وتحكى بعض المصادر الهندية هذه الحادثة بأسلوب تلميحي أكثر ، بيد أن معلومات ابن بطوطة تظهر أكثر تفوقا وأداء عن گيب

١٤٤

      

١٤٥
١٤٦

الفصل الثاني عشر

السلطان محمد ابن تغلق

مشور السلطان وعاداته

كرم السلطان وجوده

قدوم ابن الخليفة على السلطان وأخباره

ابن بطوطة يترك ولده أحمد عند الأمير غياث الدين ابن الخليفة العباسي فماذا عن مصير الولد؟

تزويج أخت السلطان وبنتي وزيره

تواضع السلطان وفتكه في ذات الوقت!

قتل القائمين على السلطان

قيام عين الملك على السلطان

قيام الأفغان على السلطان

١٤٧
١٤٨

... ذكر السلطان أبي المجاهد محمد شاه بن السلطان غياث

الدين تغلق شاه ملك الهند والسند الذي قدمنا عليه

ولما مات السلطان تغلق استولى ابنه محمد على الملك من غير منازع له ولا مخالف عليه، وقد قدمنا أنه كان اسمه جونة ، فلما ملك تسمى بمحمد ، واكتنى بأبي المجاهد (١) ، وكل ما ذكرت من شأن سلاطين الهند فهو مما أخبرت به وتلقيته أو معظمه من الشيخ كمال الدين بن البرهان الغزنوي قاضي القضاة (٢) وأما أخبار هذا الملك فمعظمها مما شاهدته أيام كوني ببلاده.

ذكر وصفه

وهذا الملك أحبّ الناس في إسداء العطايا وإراقة الدماء ، فلا يخلو بابه عن فقير يغنى أو حي يقتل! وقد شهرت في الناس حكاياته في الكرم والشجاعة ، وحكاياته في الفتك والبطش بذوي الجنايات ، وهو أشد الناس مع ذلك تواضعا وأكثرهم إظهارا للعدل والحق ، وشعائر الدين عنده محفوظة ، وله اشتداد «في أمر الصلاة والعقوبة على تركها ، وهو من الملوك الذين اطّردت سعادتهم وخرق المعتاد يمن نقيبتهم ، ولكن الأغلب عليه الكرم ، وسنذكر من أخباره فيه عجائب لم يسمع بمثلها عمّن تقدمه ، وأنا أشهد بالله وملائكته ورسله أن جميع ما أنقله عنه من الكرم الخارق للعادة حقّ يقين وكفى بالله شهيدا.

وأعلم أن بعض مآثره من ذلك لا يسع في عقل كثير من الناس ويعدّونه من قبيل المستحيل عادة ولاكّن شيئا عاينته وعرفته صحته وأخذت بحظ وافر منه لا يسعني الا قول الحق فيه ، وأكثر ذلك ثابت بالتواتر (٢) في بلاد المشرق.

__________________

(١) اقتفى سلاطين دهلي طريقة الألقاب الملكية للغزنويين والغوريين ، إيلتتميش ، بلبن ، تغلق ... كانت كنتيهم أبا المظفر ـ النقش الذي نجده على السكة والعملة التي صدرت أيام محمد ، هو هذه العبارة «المجاهد في سبيل الله» وليس أبا المجاهد ...

(٢) يراجع الحديث عن الشيخ كمال الدّين ج iii ص ١٤٣ وص ١٦١ ـ تاكيد ابن بطوطة على أنه لم يقل إلا الحق. وأنه اعتمد على الخبر المتواتر كأن فيه ردّا على من لم يقتنعوا بمروياته وقد سبق ٣١ ,iii حديثه عن عدد الخيل التي أصبحت في ملكه ، والتي لم يذكرها خيفة مكذب يكذبها!!

١٤٩

ذكر أبوابه ومشوره وترتيب ذلك :

ودار السلطان بدهلي تسمى دار سرا ، بفتح السين المهمل والراء ، ولها أبواب كثيرة (٣)، فأما الباب الأول فعليه جملة من الرجال موكلون به ويقعد به أهل الأنفار والأبواق والصّرنايات ، فإذا جاء أمير كبير ضربوها ويقولون في ضربهم : جاء فلان! جاء فلان! وكذلك أيضا في البابين : الثاني والثالث ، وبخارج الباب الأول دكاكين يقعد عليها الجلادون وهم الذين يقتلون الناس ، فإن العادة عندهم أنه متى أمر السلطان بقتل أحد قتل على باب المشور ، ويبقى هنالك ثلاثا ، وبين البابين الأول والثاني دهليز كبير فيه دكاكين مبنية من جهتيه يقعد عليها أهل النوبة من حفاظ الأبواب.

وأما الباب الثاني فيقعد عليه البوابون الموكلون به ، وبينه وبين الباب الثالث دكانة كبيرة يقعد عليها نقيب النقباء (٤) ، وبين يديه عمود ذهب يمسكه بيده على رأسه كلاه من الذهب مجوهرة في أعلاها ريش الطواويس (٥) والنقباء بين يديه ، وعلى راس كل واحد منهم شاشية مذهبة ، وفي وسطه منطقة وبيده سوط نصابه من ذهب أو فضة ، ويفضي هذا الباب الثاني إلى مشور كبير متسع يقعد به الناس.

وأما الباب الثالث فعليه دكاكين يقعد فيها كتاب الباب ، ومن عوائدهم أن لا يدخل على هذا الباب أحد إلا من عينه السلطان لذلك ، ويعين لكل إنسان عددا من أصحابه وناسه يدخلون معه ، وكل من ياتي إلى هذا الباب يكتب الكتاب أن فلانا جاء في الساعة الأولى أو الثانية أو ما بعدهما من الساعات إلى آخر النهار ، ويطالع السلطان بذلك بعد العشاء الآخرة ويكتبون أيضا بكل ما يحدث بالباب من الأمور ، وقد عين من أبناء الملوك (٦) من يوصل كل ما يكتبونه إلى السلطان.

__________________

(٣) هذا القصر أحد المعالم التاريخية النادرة في عهد السلطان محمد ، وما تزال آثاره صامدة إلى الآن في مكان المدينة الرابعة لدهلي ويسمى المكان جهان بّناه (djahanpanah) قريبا من القرية الحالية : بيكام بّور (begampur) بين دهلى القديمة وسيري. ويتفق مع بقايا قصر هزار سيتون (ksari hazar si ـ tun) (قصر الألف سارية) الذي كانت تتم فيه ـ على ما يبدو ـ الاستقبالات الملكية ، وهو المذكور من قبل ابن بطوطة. أقول : مثل هذه الحقائق وهذه التفصيلات هي التي لم يهضمها بعض الناس فراحوا «يتناجون» بكذب ابن بطوطة على ما عرفنا من ابن خلدون في المقدمة ، وما قرأناه عند الزّياني في (الترجمانة الكبرى) ...

(٤) القصد إلى شخصية تتصدّر النقباء لكل طبقات الأشراف ...

(٥) هذه تقاليد مقتبسة من الهندوس ، على نحو ما نراه اليوم هناك عند أبواب الفنادق والمؤسسات الكبرى من الهند وما جاور ...

(٦) القصد إلى أعضاء الأسرة المالكة علاوة على الشخص المعيّن للقيام بذلك.

١٥٠

١٥١

ومن عوائدهم أيضا أنه من غاب عن دار السلطان (٧) ثلاثة أيام فصاعدا لعذر أو لغير عذر فلا يدخل هذا الباب بعدها إلا بإذن من السلطان ، فإن كان له عذر من مرض أو غيره قدّم بين يديه هدية مما يناسبه إهداؤها إلى السلطان ، وكذلك أيضا القادمون من الأسفار ، فالفقيه يهدي المصحف والكتاب وشبهه. والفقير يهدى المصلّى والسبحة والمسواك ونحوها ، والأمراء ومن أشبههم يهدون الخيل والجمال والسلاح ، وهذا الباب الثالث يفضي إلى المشور الهايل الفسيح الساحة المسمى هزار أسطون بفتح الهاء والزاي وألف وراء ، ومعنى ذلك ألف سارية ، وهي سواري من خشب مدهونة عليها سقف خشب منقوشة أبدع نقش يجلس الناس تحتها ، وبهذا المشور بجلس السلطان الجلوس العام.

ذكر ترتيب جلوسه للناس :

وأكثر جلوسه بعد العصر وربما جلس أول النهار ، وجلوسه على مصطبة مفروشة بالبياض ، فوقها مرتبة ، ويجعل خلف ظهره مخدة كبيرة ، وعن يمينه متكأ وعن يساره مثل ذلك، وقعوده كجلوس الإنسان للتشهد في الصلاة ، وهو جلوس أهل الهند كلهم ، فإذا جلس وقف أمامه الوزير ، ووقف الكتاب خلف الوزير وخلفهم الحجاب ، وكبير الحجاب هو فيروز ملك ابن عم السلطان ونائبه (٨) ، وهو أدنى الحجاب من السلطان ، ثم يتلوه خاص حاجب ، ثم يتلوه نائب خاص حاجب ، ووكيل الدار ونايبه ، وشرف الحجاب ، وسيد الحجاب ، وجماعة تحت أيديهم ، ثم يتلو الحجاب النقباء وهم نحو مائة.

وعند جلوس السلطان ينادي الحجاب والنقباء بأعلى أصواتهم : بسم الله ، ثم يقف على رأس السلطان الملك الكبير قبوله (٩) وبيه المذبّة يشرد بها الذباب ، ويقف مائة من السّلحدارية(١٠) عن يمين السلطان ، ومثلهم عن يساره بأيديهم الدرق والسيوف والقسّى ، ويقف في الميمنة والميسرة بطول المشور قاضي القضاة ، ويليه خطيب الخطباء ، ثم سائر القضاة، ثم كبار الفقهاء ، ثم كبار الشرفاء ، ثم المشايخ (١١) ، ثم إخوة السلطان وأصهاره ، ثم الأمراء الكبار ، ثم كبار الأعزة ، وهم الغرباء ثم القواد.

ثم يوتى بستين فرسا مسرجة ملجمة بجهازات سلطانية ، فمنها ما هو بشعار الخلافة ، وهي التي لجمها ودوايرها من الحرير الأسود المذهب ، ومنها ما يكون ذلك من

__________________

(٧) يعني من كبار رجالات الدولة الذين يقوم عليهم سير القصر ...

(٨) هو ابن رجب القائد العام لقوات السلطان تغلق.

(٩) تقدم الحديث عن (قبولة) في ٥٦٣,i وسياتي كذلك ٠٣٢ ,ii.

(١٠) سلحدار : كلمة من الاستعمال الفارسي ، تعني هيأة حراسة وتتمتع بنفوذ كبير ...

(١١) القصد على ما يبدو إلى رجال الدين الذين كانوا ينعمون بمرتبة محترمة في العاصمة.

١٥٢

١٥٣

١٥٤

الحرير الأبيض المذهب ، ولا يركب بذلك غير السلطان ، فيوقف النصف من هذه الخيل عن اليمين والنصف عن الشمال ، بحيث يراها السلطان ثم يوتى بخمسين فيلا مزينة بثياب الحرير والذهب مكسوة أنيابها بالحديد إعدادا لقتل أهل الجرائم ، وعلى عنق كل فيل فيّاله وبيده شبه الطبرزين من الحديد ، يؤدبه به ويقوّمه لما يراد منه (١٢).

على ظهر كل فيل شبه الصندوق العظيم يسع عشرين من المقاتلة وأكثر من ذلك ودونه، على حسب ضخامة الفيل وعظم جرمه ، ويكون في أركان ذلك الصندوق أربعة أعلام مركوزة ، وتلك الفيلة معلّمة أن تخدم السلطان وتحط رؤسها فإذا خدمت ، قال الحجاب : بسم الله ، بأصوات عالية ، ويوقف أيضا نصفها عن اليمين ونصفها عن الشمال خلف الرجال الواقفين وكلّ من يأتي الناس المعيّنين للوقوف في الميمنة والميسرة يخدم عند موقف الحجّاب ، ويقول الحجاب ، بسم الله ، ويكون ارتفاع أصواتهم بقدر ارتفاع صيت الذي يخدم فإذا خدم انصرف إلى موقفه من الميمنة أو الميسرة لا يتعداه أبدا. ومن كان من كفار الهنود يخدم ، ويقول له الحجاب والنقباء : هداك الله ، ويقف عبيد السلطان من وراء الناس كلهم بأيديهم الترسة والسيوف فلا يمكن أحدا الدخول بينهم إلا بين يدي الحجاب القائمين بين يدي السلطان.

ذكر دخول الغرباء وأصحاب الهدايا إليه :

وإن كان بالباب أحد ممن قدم على السلطان بهدية دخل الحجاب إلى السلطان على ترتيبهم يقدمهم أمير حاجب ونائبه خلفه ، ثم خاص حاجب ونائبه خلفه ، ثم وكيل الدار ونائبه خلفه ، ثم سيد الحجاب وشرف الحجاب ، ويخدمون في ثلاثة مواضع ، ويعلمون السلطان بمن في الباب ، فإذا أمرهم أن ياتوا به جعلوا الهدية التي ساقها بأيدي الرجال يقومون بها أمام الناس بحيث يراها السلطان ويستدعي صاحبها فيخدم قبل الوصول إلى السلطان ثلاث مرات ، ثم يخدم عند موقف الحجاب ، فإن كان رجلا كبيرا وقف في صف أمير حاجب ، وإلا وقف خلفه ، ويخاطبه السلطان بنفسه ألطف خطاب ، ويرحب به ، وإن كان ممن يستحق التعظيم فإنه يصافحه أو يعانقه ، ويطلب بعض هديته ، فتحضر بين يديه فإن كانت من السلاح أو الثياب قلّبها بيده ، وأظهر استحسانها جبرا لخاطر مهديها وإيناسا له ورفقا به وخلع عليه وأمر له بمال لغسل رأسه (١٣) على عادتهم في ذلك بمقدار ما يستحقه المهدي.

__________________

(١٢) يحظى الفيل في هذه الجهات بمكان كبير ، وقد ذكر الشريف الإدريسي أن ملوك الهند ترغب في ارتفاع ظهور الفيلة وتزيد في أثمانها الذهب الكثير ، وأرفعه تسعة أذرع إلا فيلة الاخوار فإنها عشرة اذرع واحد عشر ذرعا ... النزهة ٥٩ ,i

(١٣) سياتي الحديث عن هذا الاستعمال الغريب والطريف في نفس الوقت (شرشتي) ١٨٣ ,i.

١٥٥

١٥٦

ذكر دخول هدايا عمّاله إليه :

وإذا أتى العمال (١٤) بالهدايا والأموال المجتمعة من مجابي البلاد صنعوا الأواني من الذهب والفضة مثل الطسوت والأباريق وسواها وصنعوا من الذهب والفضة قطعا شبه الآجر يسمونها الخشت ، بكسر الخاء المعجبة وسكون الشين المعجم وتاء معلوة ، ويقف الفراشون وهم عبيد السلطان صفا والهدية بأيديهم ، كل واحد منهم ممسك قطعة ثم يقدم الفيلة إن كان في الهدية شيء منها ثم الخيل المسرجة الملجمة ثم البغال ثم الجمال عليها الأموال.

ولقد رأيت الوزير خواجة جهان قدم هديته ذات يوم حين قدم السلطان من دولة آباد ولقيه بها في ظاهر مدينة بيّانة (١٥) ، فأدخلت الهدية إليه على هذه الترتيب ، ورأيت في جملتها صينية مملوة بأحجار الياقوت وصينية مملوة بأحجار الزمرد وصينية مملوة باللؤلؤ الفاخر ، وكان حاجي كاون (١٦) ابن عم السلطان أبي سعيد ملك العراق حاضرا عنده حين ذلك فأعطاه حظا منها ، وسيذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.

ذكر خروجه للعيدين وما يتصل بذلك :

وإذا كانت ليلة العيد بعث السلطان إلى الملوك والخواص وأرباب الدولة والأعزّة والكتاب والحجّاب والنقباء والقواد والعبيد وأهل الأخبار الخلع التي تعمهم جميعا. فإذا كانت صبيحة العيد زينت الفيلة كلها بالحرير والذهب والجواهر ، ويكون منها ستة عشر فيلا لا يركبها أحد إنما هي مختصّة بركوب السلطان ويرفع عليها ستة عشر شطرا من الحرير مرصعة بالجوهر ، قائمة كل شطر منها ذهب خالص ، وعلى كلّ فيل مرتبة حرير مرصعة بالجواهر ، ويركب السلطان فيلا منها ، وترفع أمامه الغاشية ، وهي ستارة سرجه (١٧) ، وتكون مرصعة بأنفس الجواهر ويمشي بين يديه عبيده ومماليكه وكل واحد منهم تكون على رأسه شاشية ذهب وعلى وسطه منطقة ذهب ، وبعضهم يرصعها بالجوهر ويمشي بين يديه

__________________

(١٤) يطلق لقب العامل في الغالب على الضباط الاداريين للأقاليم ـ الفراش : تعبير يستعمل إلى الآن في المشرق للتعبير عن المكلفين بالصيانة ـ الخشب : كلمة فارسية.

(١٥) بيانه (bayana) تقع في إقليم بهراتبور (bharatpur) على بعد ١٢٠ ميل جنوب دهلي وسيزورها ابن بطوطة (٥ ,iv) ونعرف عن مدينة بالأندلس تحمل تقريبا نفس الاسم (baena).

(١٦) سيأتي الحديث عنه ص ٢٣٧ ـ ٣٨.

(١٧) رفع الغاشية أمام الموكب تقاليد عرفت هنا أيام السلاجقة ثم في آسيا ومصر ولم تكن مستعملة آنذاك في بلاد المغرب على ما يظهر من ابن بطوطة ...

١٥٧

أيضا النقباء ، وهم نحو ثلاثمائة ، وعلى رأس كل واحد منهم أقروف (١٨) ذهب ، وعلى وسطه منطقة ذهب ، وفي يده مقرعة نصابها ذهب.

ويركب قاضي القضاة صدر الجهان كمال الدين الغزنوي ، وقاضي القضاة صدر الجهان ناصر الدين الخوارزمي (١٩) ، وسائر القضاة وكبار الأعزة من الخراسانيين والعراقيين والشاميين والمصريين والمغاربة (٢٠) ، كل واحد منهم على فيل ، وجميع الغرباء عندهم يسمون الخراسانيين ، ويركب المؤذنون أيضا على الفيلة وهم يكبرون ، ويخرج السلطان من باب القصر على هذا الترتيب ، والعساكر تنتظره ، كل أمير بفوجه على حدة ، معه طبوله وأعلامه فيقدم السلطان وأمامه من ذكرناه من المشاة ، وأمامهم القضاة والمؤذنون يذكرون الله تعالى ، وخلف السلطان مراتبه (٢١) ، وهي الأعلام والطبول والأبواق والأنفار والصّرنايات ، وخلفهم جميع أهل دخلته ، ثم يتلوهم أخو السلطان مبارك خان (٢٢) بمراتبه وعساكره ، ثم يليه ابن أخ السلطان بهرام خان(٢٣) بمراتبه وعساكره ، ثم يليه ابن عمه ملك فيروز بمراتبه وعساكره ، ثم يليه الوزير بمراتبه وعساكره ، ثم يليه الملك مجير بن ذي الرجا (٢٤) بمراتبه وعساكره ثم يليه الملك الكبير قبولة بمراتبه وعساكره.

وهذا الملك كبير القدر عنده ، عظيم الجاه ، كثير المال ، اخبرني صاحب ديوانه ، ثقة الملك علاء الدين على المصري المعروف بابن الشّرابشي أن نفقته ونفقة عبيده ومرتباتهم ستة وثلاثون لكا في السنة (٢٥).

__________________

(١٨) عبارة أقروف (aqruf) المستعملة هنا تعني قلنسوة عالية على شكل مخروط وتجمع على أقاريف واللفظ ـ يستعمل في المغرب ، ويقابله بالفارسية كلاه ، انظر ٨٨٣ ,ii ـ دوزي.

(١٩) هذان القاضيان : والأول منهما هو المخبر التاريخي لابن بطوطة ، ذكرا كما نعلم أكثر من مرة بيد أننا لم نتمكن من الوقوف على ترجمتهما ...

(٢٠) يلاحظ الوجود المغربي في بلاط دهلي في ذلك التاريخ ... وهو وجود لا نستغربه مع ما اشتهر به أهل المغرب من الضرب في أراضي الله الشاسعة ـ تراجع المقدمة : مكان الرحلة من سائر الرحلات ...

(٢١) القصد إلى الشعارات التي تعبر عن السيادة.

(٢٢) سياتي ذكر هذا الأخير ص ٢٧٤ ثم ٢٨٧ لكنا لم نعرف عنه شيئا!

(٢٣) يعرف بهرام هذا بأنه متبنّى لغياث الدين تغلق وأنه سمى حاكما في شرق البنغال بعد حركة عام ٧٢٤ ـ ١٣٢٤ ، وقد أدركه أجله في هذه الوظيفة عام ٧٣٨ ـ ١٣٣٨ ـ ١٣٣٠ ـ تراجع ص ٢٨١ ـ ٣١٧ منiii.

(٢٤) مجير الدين ابن أبي الرجاء ، هو الذي عهد إليه بقمع الثورة التي شبت في كوشطاشب (gushtashp) عام ٧٢٦ ـ ١٣٢٦ ـ مهدي حسين : محمد بن تغلق ، مصدر سابق.

(٢٥) يعني ٠٠٠. ٦٠٠. ٣ دينار ويفترض أن تكون دنانير فضية من وزن ١٧٥ حبة. گيب ...

١٥٨

ثم يليه الملك نكبيه (٢٦) بمراتبه وعساكره ، ثم يليه الملك بغرة بمراتبه وعساكره ثم يليه الملك مخلص بمراتبه وعساكره (٢٧) ، ثم يليه الملك قطب الملك بمراتبه وعساكره ، وهؤلاء هم الأمراء الكبار الذين لا يفارقون السلطان وهم الذين يركبون معه يوم العيد بالمراتب ، ويركب غيرهم من الأمراء دون مراتب.

وجميع من يركب في ذلك اليوم يكون مدرّعا هو وفرسه ، وأكثرهم مماليك السلطان فإذا وصل السلطان إلى باب المصلى وقف على بابه وأمر بدخول القضاة وكبار الأمراء وكبار الأعزة، ثم نزل السلطان ، ويصلي الإمام ويخطب فإن كان عيد الأضحى أتى السلطان بجمل فنحره برمح يسمونه النّيزة ، بكسر النون وفتح الزاي ، بعد أن يجعل على ثيابه فوطة حرير توقيا من الدم ثم يركب الفيل يعود إلى قصره.

ذكر جلوسه يوم العيد وذكر المبخرة العظمى والسرير الأعظم

ويفرش القصر يوم العيد ويزين بأبدع الزينة وتضرب الباركة (٢٨) على المشور كله ، وهي خيمة عظيمة تقوم على أعمدة ضخام كثيرة وتحفها القباب من كل ناحية ، ويصنع شبه أشجار من حرير ملون فيها شبه الأزهار ، ويجعل منها ثلاثة صفوف بالمشور ، ويجعل بين كل شجرتين كرسي ذهب عليه مرتبة مغطاة وينصب السرير الأعظم في صدر المشور ، وهو من الذهب الخالص كله ، مرصع القوائم بالجواهر ، وطوله ثلاثة وعشرون شبرا وعرضه نحو النصف من ذلك، وهو منفصل وتجمع قطعه فتتصل ، وكل قطعة منه يحملها جملة رجال لثقل الذهب وتجعل فوقه المرتبة ويرفع الشطر المرصع بالجواهر على رأس السلطان.

وعند ما يصعد على السرير ينادي الحجاب والنقباء بأصوات عالية : بسم الله ، ثم يتقدم الناس للسلام ، فأولهم القضاة والخطباء والعلماء والمشايخ وإخوة السلطان وأقاربه وأصهاره ، ثم الأعزة ، ثم الوزير ثم أمراء العساكر ، ثم شيوخ المماليك ، ثم كبار الأجناد ، يسلم واحد إثر واحد من غير تزاحم ولا تدافع.

ومن عوائدهم في يوم العيد أن كل من بيده قرية منعم بها عليه يأتي بدنانير ذهب مصرورة في خرقة مكتوبا عليها اسمه فيلقيها في طست ذهب هنالك ، فيجتمع منها مال عظيم يعطيه السلطان لمن شاء! فإذا فرغ الناس من السلام وضع لهم الطعام على حسب مراتبهم.

__________________

(٢٦) القصد إلى الملك نيكباي (nikpay) رئيس الكتابة ، والذي سيكلف بالحركة في قراجيل (himalaya) ـ انظر ٥٢٣ ,iii.

(٢٧) قطب الدّين هو حاكم ملتان ، راجع ٨١١ ,ii.

(٢٨) النّيزة : من أصل فارسي neze ـ الباركة كذلك ٦٠٤ ,ii bargah.

١٥٩

وينصب في ذلك اليوم المبخرة العظمى وهي شبه برج من خالص الذهب منفصلة ، فإذا أرادوا اتصالها وصلوها ، وتحمل القطعة الواحدة منها جملة من الرجال ، وفي داخلها ثلاثة بيوت يدخل فيها المبخرون يوقدون العود القمارى ، (٢٩) والقاقلى (٣٠) ، والعنبر الأشهب والجاوي(٣١)، حتى يعم دخانها المشور كله!!

ويكون بأيدي الفتيان براميل الذهب والفضة مملوة بماء الورد وماء الزهر يصبونه على الناس صبا ، وهذا السرير وهذه المبخرة لا يخرجان إلا في العيدين خاصة ، ويجلس السلطان في بقية أيام العيد على سرير ذهب دون ذلك وتنصب باركة بعيدة (٣٢) ، لها ثلاثة أبواب يجلس السلطان في داخلها ويقف على الباب الأول منها عماد الملك سرتيز (٣٣) ، وعلى الباب الثاني الملك نكبية وعلى الباب الثالث يوسف بغرة ويقف عن اليمين أمراء المماليك السّلحدارية ، وعن اليسار كذلك ، ويقف الناس على مراتبهم وشحنة الباركة ملك طغي بيده عصا ذهب وبيد نائبه عصا فضة يرتبان الناس ويسويان الصفوف ، ويقف الوزير والكتاب خلفه ويقف الحجاب والنقباء ، ثم يأتي أهل الطرب فأولهم بنات ملوك الكفار من الهنود المسبيات في تلك السنة فيغنين ويرقصن ويهبهن السلطان للأمراء والأعزة! ثم يأتي بعدهن سائر بنات الكفار فيغنين و ١٦١١٥٩ ١٦١ ويهبهن لإخوانه وأقاربه وأصهاره وأبناء الملوك!

ويكون جلوس السلطان لذلك بعد العصر ، ثم يجلس في اليوم الذي بعده بعد العصر أيضا على ذلك الترتيب ، ويوتي بالمغنيات فيغنين ويرقصن ويهبهن الأمراء المماليك! وفي اليوم الثالث يزوج أقاربه وينعم عليهم ، وفي اليوم الرابع يعتق العبيد ، وفي اليوم الخامس يعتق الجواري وفي اليوم السادس يزوج العبيد بالجواري ، وفي اليوم السابع يعطي الصدقات ويكثر منها.

__________________

(٢٩) القماري نسبة إلى قمار يعني خمير : khmer (كامبوديا).

(٣٠) القاقلي نسبة إلى قاقلة في ماليزيا ، والمدينتان سيتحدث عنهما (٢٤٢ ـ ٠٤٢ iv) ومن المهم أن نذكر أن المغاربة يتناولون من البهارات ما يسمونه (قاع قلّه) محرّفا عن قاقلة : ما يسمى في المشرق : حبّ الهيل الذي يجعلونه في القهوة او بعض الطعام gibb : selections p.٦٧٢

(٣١) نسبة إلى جاوة أو سمطره ، حول اللّبان انظر ج ـ ٤١٢ ص ، ii ٠٤٢ ,٨٢٢ ,vi

(٣٢) يترجم گيب كلمة (بعيدة) بما يؤدي معنى عالية يعني ليتمكن المدعوون من رؤيته ...٧٦٣ ,iv.

(٣٣) اسم ذكر سالفا ٤٩ ,iii ـ كحاكم للسّند ثم كان بعد ذلك حاكما في إليشبّور ـ شحنة الباركة يعني قائد الخيمة ومتعهدها ويسمى ملك طغي ، وينعته مهدى حسن بالدّربار ـ ـ ـ durbar

١٦٠