رحلة ابن بطوطة - ج ٣

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي

رحلة ابن بطوطة - ج ٣

المؤلف:

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي


المحقق: عبد الهادي التازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أكاديمية المملكة المغربية
الطبعة: ٠
ISBN: 9981-46-009-5
ISBN الدورة:
9981-46-006-0

الصفحات: ٢٥٥

١
٢

الفصل التاسع

آسيا الوسطى

الاتجاه إلى خوارزم عبر سراجوق

أولية التتر وتخريباتهم

أخبار علاء الدّين طرمشرين سلطان تركستان وما وراء النهر

مدينة سمرقند ...

بين مسجد بلخ وجامع رباط الفتح!

مدينة هرات وسلطانها والحديث عن السنة والشيعة

من الجام إلى بسطام

وداع خراسان إلى بلاد الهند

٣
٤

٥
٦

فسرنا من السّرا عشرة أيام ، فوصلنا إلى مدينة سراجوق ، وجوق بضم الجيم المعقود وواو وقاف ، ومعنى جوق صغير ، فكأنهم قالوا : سرا الصغيرة ، وهي على شاطىء نهر كبير زخّار يقال له ألوصو بضم الهمزة واللام وواو ومد وضم الصاد المهمل وواو ، ومعناه الماء الكبير (١) وعليه جسر من قوارب كجسر بغداد ، وإلى هذه المدينة انتهى سفرنا بالخيل التي تجر العربات وبعناها بها بحساب أربعة دنانير دراهم للفرس وأقل من ذلك لأجل ضعفها ورخصها بهذه المدينة واكترينا الجمال لجر العربات.

وبهذه المدينة زاوية لرجل صالح معمّر من الترك ، يقال له أطا بفتح الهمزة والطاء المهمل، ومعناها الوالد ، أضافنا بها ودعالنا ، وأضافنا أيضا قاضيها ولا أعرف اسمه ، ثم سرنا منها ثلاثين يوما سيرا جادّا لا ننزل إلا ساعتين إحداهما عند الضحى والأخرى عند المغرب ، وتكون الإقامة قدر ما يطبخون الدّوقي ويشربونه ، وهو يطبخ من غلية واحدة ويكون معهم الخليع (٢) من اللحم ، يجعلونه عليه ويصبون عليه اللّبن ، وكل إنسان إنما ينام أو يأكل في عربته حال السير. وكان لي في عربتي ثلاث من الجواري ، ومن عادة المسافرين في هذه البريّة الإسراع لقلّة أعشابها ، والجمال التي تقطعها يهلك معظمها وما يبقى منها لا ينتفع به إلا في سنة أخرى بعد أن يسمن والماء في هذه البرية في مناهل معلومة بعد اليومين والثلاثة ، وهو ماء المطر والحسيان.

__________________

(١) سراجوق هي بالذات سرايتشيك (saraichiq) الحالية على بعد ٤٠ ميلا من مصب نهر أورال (l\'oural) ، المسمى أولو سو (ulu ـ su) من لدن الأتراك ، يعني النهر الكبير والمسمى ياييك (yayik) من قبل الجغرافيين العرب ...

(٢) الخليع من الكلمات المغربية الغير المتداولة في جهات أخرى ، ويتعلق الأمر بنوع من اللحوم المصبّرة على الطريقة التالية ، تؤخذ شرائح من لحوم العجل أو الخروف على شكل قديد وتنقع في التوابل : أبزار ، ثوم ، ملح ، قزبر ، بعد هذا تشمس جيدا وتلقى في طناجير كبيرة مضافا اليها طبعا زيت الزيتون وقطع مختارة من الشحم ... إلى جانب الماء ... وتتم هذه العملية عند الصيف ولها طقوس خاصة في قواعد المغرب وخاصة مدينة فاس ومراكش ... وهكذا يتوفر معظم البيوت على خوابي من الخليع تقصدها العائلة عندما يطرأ ضيف وخاصة في فصل الشتاء حيث يتعذر الخروج ... ومن العادة أن الأسر تتهاداه فيما بينها عند الحاجة ـ أنظر معجم دوزي.

٧

٨

ثم لما سلكنا هذه البرية وقطعناها ، كما ذكرناها ، وصلنا إلى خوارزم (٣) ، وهي أكبر مدن الأتراك وأعظمها وأجملها وأضخمها لها الأسواق المليحة ، والشوارع الفسيحة ، والعمارة الكثيرة ، والمحاسن الأثيرة ، وهي ترتج بسكانها لكثرتهم ، وتموج بهم موج البحر ، ولقد ركبت بها يوما ودخلت السوق فلمّا توسطته ، وبلغت منتهى الزحام في موضع يقال له الشّور (٤) ، بفتح الشين المعجم واسكان الواو ، لم أستطع أن أجوز ذلك الموضع لكثرة الازدحام ، وأردت الرجوع فما أمكنني لكثرة الناس ، فبقيت متحيّرا وبعد جهد شديد رجعت.

وذكر لي بعض الناس أن تلك السوق يخفّ زحامها يوم الجمعة لأنهم يسدّون سوق القيسارية وغيرها من الأسواق ، فركبت يوم الجمعة وتوجهت إلى المسجد الجامع والمدرسة ، وهذه المدينة تحت إمرة السلطان أوزبك ، وله فيه أمير كبير يسمى قطلودمور (٥) ، وهو الذي عمّر هذه المدرسة وما معها من المواضع المضافة ، وأما المسجد فعمرته زوجته الخاتون الصالحة ترابك (٦). بضم التاء المعلوة وفتح الراء وألف وبك بفتح الموحدة والكاف.

وبخوارزم مارستان له طبيب شامي يعرف بالصهيوني نسبة إلى صهيون من بلاد

__________________

(٣) يلاحظ أن ابن بطوطة سكت هنا عن شكل الكلمة على خلاف عادته ، ويقول ياقوت أن الخاء بين الضمة والفتحة والألف مسترقة مختلسة ليست بألف صحيحة ، هكذا يتلفظون به ، وخوارزم ليس اسما للمدينة ، إنما هو اسم للإقليم بجملته ، يقول ياقوت فأما القصبة العظمى فقد يقال لها اليوم الجرجانية ، وأهلها يسمونها (كركانج) ويقول عن الجرجانية ، إنها مدينة عظيمة على دلتا نهر جيحون (amudarya) وهي بالذات (urgentch) فعربت إلى الجرجانية. وقد جاءها ياقوت سنة ٦١٦ ـ (١٢١٩) فوصف بردها الشديد ، ونقل عن البشّاري المقدسي أنها أي خوارزم في الشرق كسجلماسة في الغرب وطباع أهلها مثل طبع البربر ... وقال : وكانت قصبتها قديما تسمى المنصورة ... ثم انتقل أهلها إلى الجرجانية ، والجدير بالذكر أن ننبه إلى أن ياقوت نقل عن رحلة السفير ابن فضلان حول خوارزم ... ويلاحظ العمري أن الأثمان كانت متشابهة تقريبا مع سراي وأن المركزين معا كانا يستعملان نفس المقاييس والمكاييل ...

(٤) الشّور : اسم خوارزمي ويعني بالفارسية الحركة والهيجان ... ـ حول القيسارية انظر ج i ، ١٥١ تعليق ٩٤

(٥) قطلودومور (qutlugh ـ tomur) كان في صدر الذين أعانوا أوزبك خان على الاستيلاء على الحكم عام ٧١٣ ـ ١٣١٣ وكان مكلفا بإدارة المملكة ولم يلبث أن سمي حاكما على خوارزم ...

(٦) يوجد ضريح ترابك الخاتون دائما في مقبرة في الجرجانية ، أنظر آثار الإسلام التاريخية فيما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي ـ حول صهيون من بلاد الشام ج i ، ١٦٦ تعليق ١٢٥.

٩

الشام ، ولم أر في بلاد الدنيا أحسن أخلاقا من أهل خوارزم ، ولا أكرم نفوسا ولا أحبّ في الغرباء (٧).

ولهم عادة جميلة لم أرها لغيرها ، وهي أن المؤذنين بالمساجد يطوف كلّ واحد منهم على دور جيران مسجده معلما لهم بحضور الصلاة (٨) ، فمن لم يحضر الصلاة مع الإمام ضربه الامام بمحضر الجماعة ، وفي كل مسجد درّة معلقة برسم ذلك ، ويغرم خمسة دنانير تنفق في مصالح المسجد ، أو تطعم للفقراء والمساكين ، ويذكرون أن هذه العادة عندهم مستمرة على قديم الزمان.

وبخارج خوارزم نهر جيحون أحد الأنهار الأربعة التي من الجنة (٩) ، وهو يجمد في أوان البرد كما يجمد نهر إتل : ويسلك الناس عليه ، وتبقى مدة جموده خمسة أشهر (١٠). وربما سلكوا عليه عند أخذه في الذوبان فهلكوا!

ويسافر فيه في أيام الصيف بالمراكب إلى ترمذ ويجلبون منها القمح والشعير ، وهي مسيرة عشر للمنحدر.

وبخارج خوارزم زاوية مبنية على تربة الشيخ نجم الدين الكبرا ، وكان من كبار الصالحين(١١) ، وفيها الطعام للوارد والصادر ، وشيخها المدرس سيف الدين ابن عصبة من

__________________

(٧) ابن بطوطة هنا يرد الاعتبار لأهل خوارزم الذين نال منهم اللحام في شعره :

ما أهل خوارزم سلالة آدم

ما هم وحقّ الله غير بهائم!

أبصرت مثل خفافهم ورؤوسهم

وثيابهم وكلامهم في العالم؟

ان كان يرضاهم أبونا آدم

فالكلب خير من أبينا آدم!!

ياقوت في معجم البلدان.

(٨) ظلت هذه العادة معروفة في بخارى إلى العصور الأخيرة على ما حكى لنا عند زيارة المنطقة.

(٩) نهر جيحون نهر أمودريا (amu darya) ونهر إتل هو الفولكا على ما تقدم.

(١٠) بقي ابن فضلان في الجرجانية (urgentch) طوال شهرين من شعبان رمضان ٣٠٩ دجنبر ٩٢١ إلى يبراير ٩٢٢ وقد قال بهذه المناسبة : وجمد جيجون من أوله إلى آخره وكان سمك الجمد سبعة عشر شبرا ، وكانت الخيل والبغال والعجل تجتاز عليه كما تجتاز على الطرق وهو ثابت لا يتخلخل فأقام على ذلك ثلاثة أشهر.!

(١١) نجم الدين الكبرا : رجل صالح صوفي سهروردي الطريقة ومؤسس طريقته الخاصة المعروفة بالطريقة الكبراوية التي لا تزال قائمة حتى أيامنا هذه ... وقد قتل من لدن المغول عند احتلالهم للجرجانية عام ٦١٧ ـ ١٢٢١ وما يزال قبره مزارة للناس هناك ـ اليافعي : مرآة الجنان وعبرة اليقظان فيما يعتبر من حوادث الزمان.

ف. ف. بارتولد : تركستان ، نقله عن الروسية صلاح الدين عثمان هاشم ـ الكويت ١٩٨١ صفحة ١٢٦ ـ ٥٣٦ ـ ٦١٤ ـ ٦١٦ ـ ٦٦٣ ، انظر تعليق الناشرين.iii ج d.s. ص ٤٥١.

١٠

كبار أهل خوارزم ، وبها أيضا زاوية شيخها الصالح المجاور جلال الدين السمرقندي من كبار الصالحين أضافنا بها ، وبخارجها قبر الإمام العلامة أبي القاسم محمود بن عمر الزّمخشري (١٢) وعليه قبّة ، وزمخشر : قرية على مسافة أربعة أميال من خوارزم ، ولما أتيت هذه المدينة نزلت بخارجها وتوجّه بعض أصحابي إلى القاضي الصدر أبي حفص عمر البكري (١٣) ، فبعث إلي نائبه نور الاسلام فسلّم علي ، ثم عاد إليه ثم أتى القاضي في جماعة من أصحابه فسلّم عليّ، وهو فتى حدث السن ، كبير الفعال وله نائبان أحدهما نور الإسلام المذكور والآخر نور الدين الكرماني من كبار الفقهاء ، وهو الشديد في أحكامه ، القوي في ذات الله تعالى.

ولما حصل الاجتماع بالقاضي ، قال لي : إن هذه المدينة كثيرة الزحام ودخولكم نهارا لا يتأتى ، وسيأتي إليكم نور الإسلام لتدخلوا معه من آخر الليل ففعلنا ذلك ونزلنا بمدرسة جديدة ليس بها أحد ، ولما كان بعد صلاة الصبح أتى إلينا القاضي المذكور ، ومعه من كبار المدينة جماعة منهم مولانا همام الدين ومولانا زين الدين المقدسي ، ومولانا رضي الدين يحيى، ومولانا فضل الله الرّضوي ، ومولانا جلال الدين العمادي ، ومولانا شمس الدين السّنجري إمام أميرها ، وهم أهل مكارم وفضائل ، والغالب على مذهبهم الاعتزال (١٤) لاكنهم لا يظهرونه لأن السلطان أوزبك وأميره على هذه المدينة قطلودمور من أهل السنة.

وكنت أيام إقامتي بها أصلّي الجمعة مع القاضي أبي حفص عمر المذكور بمسجده ، فإذا فرغت الصلاة ذهبت معه إلى داره وهي قريبة من المسجد فأدخل معه إلى مجلسه وهو من أبدع المجالس فيه الفرش الحافلة وحيطانه مكسوة بالملفّ وفيه طيقان كثيرة ، وفي كل طاق منها أواني الفضة المموّهة بالذهب والأواني العراقية ، وكذلك عادة أهل تلك البلاد أن يصنعوا في بيوتهم ، ثم يأتي بالطعام الكثير ، وهو من أهل الرفاهية والمال الكثير والرّباع وهو سلف الأمير قطلودمور متزوج بأخت امرأته واسمها جيجا أغا ، وبهذه المدينة جماعة من الوعاظ والمذكّرين أكبرهم مولانا زين الدين المقدسي والخطيب مولانا حسام الدين المشّاطي الخطيب المصقع أحد الخطباء الأربعة الذين لم أسمع في الدنيا أحسن منهم.

__________________

(١٢) محمود الزّمخشري ولد في زمخشر من قرى خوارزم وسافر إلى مكة فجاور بها زمنا فلقب بجار الله ، ثم عاد إلى الجرجانية ، من مدن خوارزم فتوفى بها عام ٥٣٨ ـ ١١٤٤ من أشهر كتبه الكشّاف في تفسير القرآن وأساس البلاغة ، ومعجم عربي فارسي الخ. وكان معتزليّ المذهب ، شديد الإنكار على المتصوفة ...

(١٣) هو حسام الدّين الصدر (اختصار صدر الدّين على ما يبدو) وهو يعني هنا قاضي القضاة في شرق فارس وفيما وراء النهر (transoxiane) بارتولد : تركستان ص ٤٧٧ ـ ٤٨٥ ـ ٥٠٨.

(١٤) من الطريف أن نجد ابن بطوطة يتعاطف مع المعتزلة هنا على ما نعرفه من تمسكه بالمذهب السنّي ...

١١

وأمير خوارزم هو الأمير الكبير قطلودمور ، وقطلو بضم القاف وسكون الطاء المهمل وضم اللام ، ودمور بضم الدال المهمل والميم وواو مد وراء ، ومعنى اسمه الحديد المبارك ، لأن قطلو هو المبارك ودمور هو الحديد ، وهذا الأمير ابن خالة السلطان المعظم محمد أوزبك ، وأكبر أمرائه وهو واليه على خراسان ، وولده هارون بك متزوج بابنة السلطان المذكور التي أمها الملكة طيطغلي المتقدم ذكرها ، وامرأته الخاتون ترابك صاحبة المكارم الشهيرة.

ولما أتاني القاضي مسلّما عليّ كما ذكرته ، قال لي : إن الأمير قد علم بقدومك وبه بقية مرض يمنعه من الإتيان إليك ، فركبت مع القاضي إلى زيارته وأتينا داره فدخلنا مشورا صغيرا فيه قبة خشب مزخرفة قد كسيت حيطانها بالملفّ الملوّن ، وسقفها بالحرير المذهب والأمير على فرش له من الحرير وقد غطّى رجليه لما بهما من النقرس ، وهي علة فاشية في الترك ، فسلمت عليه وأجلسني إلى جانبه ، وقعد القاضي والفقهاء وسألني عن سلطانه الملك محمد أوزبك وعن الخاتون بيلون وعن أبيها ، وعن مدينة القسطنطينية فأعلمته بذلك كلّه ثم أوتي بالموايد فيها الطعام من الدجاج المشوية والكراكي وأفراخ الحمام وخبز معجون بالسّمن يسمونه الكليجا (١٥) والكعك والحلوى ، ثم أوتي بموائد أخرى فيها الفواكه من الرمان المحبب ، في أوان الذهب والفضة ، ومعه ملاعق الذهب ، وبعضه في أواني الزجاج العراقي ، ومعه ملاعق الخشب ، ومن العنب والبطيخ العجيب. ومن عوائد هذا الأمير أن يأتي القاضي في كلّ يوم إلى مشوره فيجلس بمجلس معدّ له ومعه الفقهاء وكتابه ويجلس في مقابلته أحد الأمراء الكبراء ومعه ثمانية من كبراء أمراء الترك وشيوخهم يسمّون الأرغجية (١٦) ويتحاكم الناس إليهم ، فما كان من القضايا الشرعية حكم فيها القاضي ، وما كان من سواها حكم فيها أولئك الأمراء ، وأحكامهم مضبوطة عادلة لأنهم لا يتّهمون بميل ولا يقبلون رشوة. ولما عدنا إلى المدرسة بعد الجلوس مع الأمير بعث إلينا الأرز والدقيق والغنم والسمن والأبزار وأحمال الحطب.

وتلك البلاد كلّها لا يعرف بها الفحم وكذلك الهند وخراسان وبلاد العجم.

__________________

(١٥) الكليجا : الفارسية (al ـ kulitche) نوع من الحلوى المحشوة بالتمر. وتعرف في بغداد بنفس الاسم إلى اليوم ويقصد بالمحبّب أنه يقدم إلى الضّيوف حبوبا تسهيلا عليهم في التناول.

(١٦) الأرغجية : يارغورجي (yarghuji) كلمة من شرق تركيا تعني الشخص الذي يفصل في النوازل القضائية ومنها كلمةyarju بمعنى حاكم.

١٢

وأما الصين فيوقدون فيها حجارة تشتعل فيها النار كما تشتعل في الفحم (١٧) ثم إذا صارت رمادا عجنوه بالماء وجففوه للشمس وطبخوا بها ثانية كذلك حتّى يتلاشى.

حكاية ومكرمة لهذا القاضي والأمير.

صلّيت في بعض أيام الجمع على عادتي بمسجد القاضي أبي حفص ، فقال لي : إن الأمير أمر لك بخمسمائة درهم وأمر أن يصنع لك دعوة ينفق فيها خمسمائة درهم أخرى يحضرها المشايخ والفقهاء والوجوه ، فلما أمر بذلك قلت له : أيها الأمير تصنع دعوة يأكل من حضرها لقمة أو لقمتين ، لو جعلت له جميع المال كان أحسن له للنفع ، فقال : أفعل ذلك ، وقد أمر لك بالالف كاملة!! ثم بعثها الامير صحبة إمامه شمس الدين السنجري في خريطة يحملها غلامه ، وصرفها من الذهب المغربي ثلاثماية دينار (١٨).

وكنت قد اشتريت ذلك اليوم فرسا أدهم اللون بخمسة وثلاثين دينارا دراهم وركبته في ذهابي إلى المسجد فما أعطيت ثمنه إلا من تلك الالف! وتكاثرت عندي الخيل بعد ذلك حتى انتهت إلى عدد لا أذكره خفية مكذّب يكذّب به! ولم تزل حالي في الزيادة حتى دخلت أرض الهند ، وكانت عندي خيل كثيرة لا كنّي كنت أفضل هذا الفرس وأوثره وأربطه أمام الخيل ، وبقي عندي إلى انقضاء ثلاث سنين ، ولما هلك تغيرت حالي وبعثت إلي الخاتون جيجا أغا امرأة القاضي مائة دينار دراهم وصنعت لي أختها ترابك زوجة الأمير دعوة جمعت لها الفقهاء ووجوه المدينة بزاويتها التي بنتها وفيها الطعام للوارد والصادر وبعثت إلي بفروة سمّور وفرس جيد، وهي من أفضل النساء وأصلحهن وأكرمهن جزاها الله خيرا.

حكاية [الخاتون المتقشفة]

ولما انفصلت من الدعوة التي صنعت لي هذه الخاتون وخرجت عن الزاوية تعرضت لي بالباب امرأة عليها ثياب دنسة وعلى رأسها مقنعة ومعها نسوة لا أذكر عددهن فسلّمت عليّ

__________________

(١٧) يلاحظ مرة أخرى اهتمام ابن بطوطة بالحطب والفحم كطاقة لها أهميتها في المناطق الباردة. ونذكر أن ابن فضلان ذكر في رحلته أن الرجل إذا أراد أن يبرّ بصاحبه ويجامله دعاه هكذا : تعالى إليّ نتحدث فإن عندي نارا طيبة»!

النار فاكهة الشتاء فمن يرد

أكل الفواكه شاتيا فليصطلي!

 ـ يراجع التعليق رقم ٥٣ ج i ، ص ١٣٢.

(١٨) الدينار المغربي يزن ٧٢٢ ، ٤ گرام بينما الدينار في الشرق يزن ٢٣٣ ، ٤ ـ تراجع التفصيلات التي ذكرها الناشران الأولان ج iii ص ٤٥٤ ، هذا ويلاحظ أن ابن بطوطة من خلال قوله : «خيفة مكذب يكذب به» انه يعي جدّا ما يتناجى به الناس مما رواه ابن خلدون!.

١٣

فرددت عليها‌السلام ، ولم أقف معها ولا التفت إليها ، فلما خرجت أدركني بعض الناس ، وقال لي: إن المرأة التي سلمت عليك هي الخاتون ، فخجلت عند ذلك وأردت الرجوع إليها فوجدتها قد انصرفت فأبلغت إليها السلام مع بعض خدّامها واعتذرت عما كان منّى لعدم معرفتي لها!

ذكر بطيخ خوارزم

وبطيخ خوارزم لا نظير له في بلاد الدنيا شرقا ولا غربا إلا ما كان من بطيخ بخاري ، يليه بطيخ إصفهان ، وقشره أخضر ، وباطنه أحمر ، وهو صادق الحلاوة ، وفيه صلابة.

ومن العجائب أنّه يقدّد وييبس في الشمس ويجعل في القواصر كما يصنع عندنا بالشّريحة والتّين المالقي (١٩) ، ويحمل من خوارزم إلى أقصى بلاد الهند والصين ، وليس في جميع الفواكه اليابسة أطيب منه!

وكنت أيام إقامتي بدهلي من الهند متى قدم المسافرون بعثت من يشتري لي منهم قديد البطيخ ، وكان ملك الهند إذا أوتي إليه بشيء منه بعث إليّ به لما يعلم من محبّتي فيه ، ومن عادته أنه يطرف الغرباء بفواكه بلادهم ويتفقدهم بذلك.

حكاية [التاجر الكريم]

كان قد صحبني من مدينة السّرا إلى خوارزم شريف من أهل كربلاء يسمى علي بن منصور ، وكان من التجار فكنت أكلّفه أن يشتري لي الثياب وسواها ، فكان يشتري لي الثوب بعشرة دنانير ويقول اشتريته بثمانية ، ويحاسبني بالثمانية ويدفع الدينارين من ماله وأنا لا علم لي بفعله إلى أن تعرفت ذلك على ألسنة الناس ، وكان مع ذلك قد أسلفني دنانير فلمّا وصل إليّ إحسان أمير خوارزم رددت إليه ما أسلفنيه ، وأردت أن أحسن بعده إليه مكافأة لأفعاله الحسنة ، فأبى ذلك وحلف أن لا يفعل ، وأردت أن أحسن إلى فتى كان له اسمه كافور فحلف أن لا أفعل ، وكان أكرم من لقيته من العراقيين.

وعزم على السفر معي إلى بلاد الهند ثم إن جماعة من أهل بلده وصلوا إلى خوارزم برسم السفر إلى الصين فأخذ في السفر معهم ، فقلت له في ذلك ، فقال : هؤلاء أهل بلدي

__________________

(١٩) اشتهرت مالقة بتينها الطيّب الذي يستورد منها لأقاصي البلاد ومن هنا تغنّى به أبو الحجاج البلوي :

مالقة حييت ياتينها

الفلك من أجلك يأتينها!!

ـ المقري : النفح ج ١ ، ص ١٥١. الكدية : الارتزاق والاستعطاء!

١٤

يعودون إلى أهلي وأقاربي ويذكرون أنّي سافرت إلى أرض الهند برسم الكدية فيكون سبّة ، وعلي لا أفعل ذلك.

وسافر معهم إلى الصين فبلغني بعد وأنا بأرض الهند ، أنه لما بلغ إلى مدينة المالق (٢٠) وهي آخر البلاد التي من عمالة ما وراء النهر ، وأول بلاد الصين ، أقام بها وبعث فتى له بما كان عنده من المتاع فأبطأ الفتى عليه وفي أثناء ذلك وصل من بلده بعض التجار ونزل معه في فندق واحد فطلب منه الشريف أن يسلفه شيئا بخلال ما يصل فتاه ، فلم يفعل ، ثم أكّد قبح ما صنع في عدم التوسعة على الشريف بأن أراد الزيادة عليه في المسكن الذي كان له بالفندق ، فبلغ ذلك الشريف فاغتم منه ودخل إلى بيته فذبح نفسه (٢١) فأدرك وبه رمق ، واتهموا غلاما كان له بقتله ، فقال لهم : لا تظلموه فإني أنا فعلت ذلك بنفسي ومات من يومه غفر الله له!

وكان قد حكى لي عن نفسه أنه أخذ مرة من بعض تجار دمشق ستة آلاف درهم قراضا فلقيه ذلك التاجر بمدينة حماة من أرض الشام فطلبه بالمال ، وكان قد باع ما اشترى به من المتاع بالدّين فاستحيى من صاحب المال ، ودخل إلى بيته وربط عمامته بسقف البيت وأراد أن يخنق نفسه ، وكان في أجله تأخير فتذكّر صاحبا له من الصيارفة فقصده وذكر له القضية فسلفه مالا دفعه للتاجر.

ولما أردت السفر من خوارزم اكتريت جمالا واشتريت محارة (٢٢) وكان عديلي بها عفيف الدّين التوزري ، وركب الخدّام بعض الخيل ، وجلّلنا باقيها لأجل البرد ودخلنا البرية التي بين خوارزم وبخاري ، وهي مسيرة ثمانية عشر يوما في رمال لا عمارة بها إلا بلدة واحدة ، فودعت الأمير قطلودمور وخلع عليّ خلعة ، وخلع علي القاضي أخرى وخرج مع الفقهاء لوداعي ، وسرنا أربعة أيام ، ووصلنا إلى مدينة ألكات (٢٣) وليس بهذه الطريق عمارة

__________________

(٢٠) المالق : مدينة تقع على وادي إيلي (ili) شمال غربي المدينة الحالية ولجا (oulja) على مقربة من الحدود الحالية الصينية والروسية ، كانت عاصمة الامبراطورية المغولية جغتاي (tchaghatai) وكانت تشمل منطقة ما وراء النهر.

(٢١) يلاحظ أن ابن بطوطة أثارت انتباهه عملية انتحار لزميل له من أهل كربلاء (العراق) ، انتحر حفاظا على مروءته ودفاعا عن شرفه ... وقل ما يحصل هذا من مسلم يعرف أن نبي الاسلام عليه الصلوات ندد بالذين يستعجلون بازهاق أرواجهم والعجب أن زميله سبق له أن فكّر في الانتحار ...

(٢٢) المحارة نوع من الهوادج يركب فيها اثنان ، كل واحد في جهة ، ويسمى الرفيق عديلا ... ويستحسن أن يكون الراكبان متقاربين في الوزن! وقد تقدم استعمال هذا اللفظ (المحارة) الذي يعتبر من الألفاظ الغريبة في استعمال ابن بطوطة ج i ، ص ٤٠٤ ـ ج II ، ص ١٤٨.

(٢٣) الكاث أو (kath) تقع على الشاطئ الشرقي لنهر جيحون أموداريا وكانت العاصمة القديمة لخوارزم ، وقد تهدم جانب منها في القرن الرابع الهجري ـ العاشر الميلادي بفعل فيضان المياه ، وأعيد بناؤها في الجنوب الغربي من الموقع القديم ، وقد تأثرت على ما يظهر من الغزو المغولي ...

١٥

سواها ، وضبط اسمها بفتح الهمزة وسكون اللام وآخره وتاء مثناه ، وهي صغيرة حسنة نزلنا خارجا على بركة ماء قد جمدت من البرد فكان الصبيان يلعبون فوقها ويزلقون عليها.

وسمع بقدومي قاضي ألكات ، ويسمى صدر الشريعة وكنت قد لقيته بدار قاضي خوارزم فجاء إلي مسلّما مع الطلبة ، وشيخ المدينة الصالح العابد محمود الخيوقي (٢٤) ، ثم عرض عليّ القاضي الوصول إلى أمير تلك المدينة ، فقال له الشيخ محمود : القادم ينبغي له أن يزار (٢٥). وان كانت لنا همة نذهب إلى أمير المدينة وناتي به ففعلوا ذلك ، وأتى الأمير بعد ساعة في أصحابه وخدامه فسلّمنا عليه ، وكان غرضنا تعجيل السفر ، فطلب منا الإقامة ، وصنع دعوة جمع لها الفقهاء ووجوه العساكر وسواهم ووقف الشعراء يمدحونه ، وأعطاني كسوة وفرسا جيدا ، وسرنا على الطريق المعروفة بسيبايه (٢٦) وفي تلك الصحراء مسيرة ست دون ماء.

ووصلنا بعد ذلك إلى بلدة وبكنة (٢٧) ، وضبط اسمها بفتح الواو واسكان الباء الموحدة وكاف ونون ، وهي على مسيرة يوم واحد من بخارى بلدة حسنة ذات أنهار وبساتين وهم يدّخرون العنب من سنة إلى سنة ، وعندهم فاكهة يسمونها العلوّ (٢٨) بالعين المهملة وتشديد اللام ، فييبّسونه ويجلبه الناس إلى الهند والصين ، ويجعل عليه الماء ويشرب ماؤه ، وهو أيام

__________________

(٢٤) الخيوقي : نسبة إلى خيوة (khiva) ، وتقع على الضفة الشمالية لنهر جيحون على قناة تستمد ماءها من النهر ... ولم تحدد بالضبط وظيفة الشيخ في المدينة المذكورة ...

(٢٥) شاعت هذه القولة بين الناس ويقول بعضهم في مقابلها : إن القادم هو الذي عليه أن يزور الآخرين ، والظاهر أن القولة تتحكم فيها ظروف الزائر والمزور ، ولله در الامام الشافعي عندما قال عن أحمد بن حنبل :

قالوا : يزورك أحمد أو تزوره؟

قلت : المكارم لا تزايل منزله

إن زارني فبفضله أو زرته فلفضله

والفضل في الحالين له!!

 ـ د. التازي : التاريخ الدبلوماسي للمغرب ج ١ ، ص ١٩٣.

(٢٦) سيبايه : لم نقف على هذا الاسم في جهة أخرى. ابن فضلان سافر من بخارى إلى الكات على متن المركب نازلا في نهر جيحون ، اما ابن بطوطة فقد كان عليه أن يقطع الفيفاء الواقعة شرقي النهر وقد أورد ياقوت اسم قرية تحمل اسم سباري من قرى بخارى يقال لها سبيرى ايضا.

(٢٧) وبكنة هي حاليا (wabkand) بضاحية على بعد ٤٠ ك. م شمال شرقيّها ... وما تزال إلى الآن محتفظة بمأذنتها الأنيقة التي ترجع لأواخر القرن السادس الهجري ـ الثاني عشر الميلادي.

ـ كتاب آثار الاسلام التاريخية في الروسيا ص ٦.

(٢٨) العلوّ : بالفارسية (alu) البرقوق ، وقد اكتسب البرقوق الاصفر لبخارى شهرة كبيرة.

١٦

كونه أخضر حلو فإذا يبس صار فيه يسير حموضة ولحميته كثيرة ولم أر مثله بالأندلس ولا بالمغرب ولا بالشام.

ثم سرنا في بساتين متصلة وأنهار وأشجار وعمارة يوما كاملا ، ووصلنا إلى مدينة بخارى(٢٩) التي ينسب إليها أمام المحدثين أبو عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري (٣٠) ، وهذه المدينة كانت قاعدة ما وراء نهر جيحون (٣١) من البلاد ، وخرّبها اللعين تنكيز التتري (٣٢) جدّ ملوك العراق ، فمساجدها الآن ومدارسها وأسواقها خربة إلا القليل ، وأهلها أذلّاء ، وشهادتهم لا تقبل بخوارزم وغيرها لاشتهارهم بالتعصّب ودعوى الباطل وانكار الحق ، وليس بها اليوم من الناس من يعلم شيئا من العلم ولا من له عناية به!!

__________________

(٢٩) بخارى كانت عاصمة مزدهرة لمملكة السامانيين نسبة لسامان خداي الذي اعتنق الإسلام وأسس الدولة السامانية فيما وراء النهر (٢٨٧ ـ ٣٨٩) (٩٠٠ ـ ٣٩٩) وقد احتلت بخاري من قبل جيوش جنكيز خان عام ٦١٧ ـ ١٢٢٠ ثم عمرت بعد هذا الوقت بقليل ، وقد هدمت مرتين متعاقبتين من لدن المغول إيلخان فارس عام ٧٦٧ ـ ١٢٧٣ وعام ٧١٦ ـ ١٣١٦ ولم يمكن لها بعد أن تتخلص من الدمار الذي لحقها ...

(٣٠) محمد بن إسماعيل البخاري ، الحافظ لحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صاحب الجامع الصحيح المعروف بصحيح البخاري ، ولد في بخاري وقام برحلة طويلة في طلب الحديث ، واختار من الأحاديث ما وثق بروّاته ، وهو أول من وضع في الإسلام كتابا على هذا النحو. وقد تعصّب عليه جماعة ورموه بالتهم فاخرج إلى (خرتنك) من قرى سمرقند فأدركه أجله بها عام ٢٥٦ ـ ٨٧٠. زرت ضريحه في خرتنك بمناسبة المهرجان الدولي الذي أقيم هناك تكريما للإمام البخاري بمناسبة مرور ٢٠٠ سنة على ميلاده ، الملحق التقافي لجريدة (العلم) ١٨ / ١٠ / ١٩٧٤.

(٣١) ما وراء النهر هو بالذات ما نجده في التعبير اليوناني (transosianas) ، وكلا التعبيرين لهما معنى واحد ، ويتعلق الامر بالاقاليم الواقعة بين جيحون (oxus) أمو داريا (amu darya) وبين جيحون سيرداريا دارياj.ax artes. وداريا كلمة فارسية بمعنى نهر.

(٣٢) تيمودجين (te mudjin) الذي أصبح سلطانا للمغول عام ٦٠٢ ـ ١٢٠٦ هو بالذات جنكيز ، لقب مغولي للتركي (تنكيز) ... أو تنيز ، ومنها كان الاسم باللغة العربية ـ التتار كانوا في الاصل قبيلة تركية «تمغلت» وهيمنت على القبائل الأخرى في عهد ميلاد جنكيز. ستكون تلك القبيلة أول من يخضع له بيد أن اسمه سيبقى ، عبر المصادر التاريخية الصينية والعربية والروسية مرتبطا باسم المغول. نذكر أخيرا أن ملوك العراق انذاك هم إيلخانيون منحدرون من هولاكو حفيد جنكيز.

c. e. bosworth : mogholistan, ency. de l\'islam, n. e.,. ١٩٩١

١٧

١٨

١٩

ذكر أولية التّتر وتخريبهم بخارى وسواها.

كان تنكيز خان (٣٣) حدّاد بأرض الخطا (٣٤) ، وكان له كرم نفس وقوة وبسطة في الجسم ، وكان يجمع الناس ويطعمهم ، ثم صارت له جماعة فقدموه على أنفسهم ، وغلب على بلده وقوي واشتدت شوكته واستفحل أمره فغلب على ملك الخطا ، ثم على ملك الصين ، وعظمت جيوشه وتغلب على بلاد الختن وكاشخر والمالق.

وكان (٣٥) جلال الدين سنجر بن خوارزم شاه ملك خوارزم وخراسان وما وراء النهر (٣٦) له قوة عظيمة وشوكة ، فهابه تنكيز وأحجم عنه ولم يتعرض له فاتّفق أن بعث تنكيز تجارا بأمتعة الصين والخطا من الثياب الحريرية وسواها إلى بلدة أطرار (٣٧) ، بضم الهمزة ، وهي

__________________

(٣٣) كان جنكيز ابنا لأحد رؤساء عشيرة ، وقد كان أحد أجداد أبيه رئيسا لأول كونفيدرالية مغولية ، والأسطورة التي تقول : إنه كان حدادا توجد أيضا عند گيوم دوروبروك (g.de ruibrouk) الذي زارقراقوروم عاصمة المغول عام ٦٥٢ ـ ١٢٥٤ ، وربّما كان الاصل في هذا اللقب آتيا من اسمه الاول تيمودجين تامور (tamur) تيمور (rumit) rimed : (حديد) ، أو آتيا من الأسطورة التركية القديمة التي يرددها المغول : إيرجان كون (ergenekon) حيث توجد العشيرة التي كانت محاصرة في إقليم مطوق ، واستطاعت أن تخرج بفضل حداد عمل على إذابة جبل من حديد ... هذه الاسطورة التي ترمز للانتشار المغولي في المنطقة لا تعني بأية حال لقب احتقار بأصل جنكيز كما يبدوا من سياق تعبير ابن بطوطة! الامر الذي يفسر كيف أن ديليام دو روبروك استطاع أن يلتقط الأسطورة في قراقورم منذ فترة سابقة لزيارة ابن بطوطة. هذا وقد ذكّرني تقديم ابن بطوطة تحقيقه عن تاريخ ظهور جنكز خان فيما أقدم عليه ابن خلدون بدوره في رسالته إلى العاهل المريني التي قدم فيها نبذة عن تاريخ التتر وذلك في اعقاب اجتماع بالشام مع تيمور لنك. ـ د. التازي التاريخ الدبلوماسي للمغرب ج ٧ ص ٢٢٢ ـ ٢٢٣. جامع التواريخ لرشيد الدّين فضل الله الهمداني ـ مصدر سابق.

(٣٤) الخطا اسم أعطى لشمال الصين أو شمال غربها كما سياتي حيث كونت لها مملكة مستقلة تحت سيادة خطان أو دولة لياوو (liao) وهو يستمد أصله من (الخطان) الذين اسسوا هناك دولة من عام ٢٩٤ ـ ٥١٦ (٩٠٧ ـ ١١٢٢).

(٣٥) فتح الصين الذي ابتدئ منذ سنة ٦٠٦ ـ ١٢٠٩ انتهى عام ٦٧٨ ـ ١٢٧٩ ـ الختن وكاشخر يوجدان معا في اقليم سينكيانج (sinkiang) ، والمالق يوجد في سيميرتشي (semiryechye) ، والكلّ فتح حوالي عام ٦١٢ ـ ١٢١٥.

(٣٦) لقد حكم آل خوارزم شاه في هذه المنطقة منذ نهاية القرن الثاني عشر إلى وصول المغول ، ابن بطوطة هنا يخلط بين محمد خوارزم شاه الملقب بسنجر ٥٩٦ ـ ٦١٧ ـ (١٢٠٠ ـ ١٢٢٠) الذي يرجع للفترة التي وقعت فيها حادثة أطرار التي ستحكى بعد هذا ، وبين ابنه جلال الدين الذي أصبح شخصيّة أسطورية وهو الذي قاوم المغول من الهند إلى الاناضول طوال عشر سنوات من ٦١٨ ـ إلى ٦٢٨ ـ (١٢٢١ ـ ١٢٣١). انظر تاريخ ابن الأثير الجزري وتاريخ ابن واصل ...

(٣٧) تقع أطرار (يرسمها ترجمان بارتولد (أترار) في سيحون (jaxartes) أو سيرداريا (sir darya) على بعد ١٠٠ ميل شمال طشقند ، وقد قام جلال الدّين بتكبيد المغول هزيمة منكرة في باروان (parwan) شمال كابل بيد أنه حوصر من لدن جنكيز خان واستطاع أن ينجو بحياته عندما عبر نهر السند. انظر بارتولد : تركستان ففيه الحديث مفصّلا عن هذه الموقعة ص ٦٢٢ ، وهو أي بارتولد يذكر ابن بطوطة كمرجع هام لهذه الأحداث في عدد من الصفحات.

٢٠