رحلة ابن بطوطة - ج ٢

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي

رحلة ابن بطوطة - ج ٢

المؤلف:

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي


المحقق: عبد الهادي التازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أكاديمية المملكة المغربية
الطبعة: ٠
ISBN: 9981-46-008-7
ISBN الدورة:
9981-46-006-0

الصفحات: ٢٦٨

خربت وحمّامات بغداد كثيرة وهي من أبدع الحمّامات وأكثرها ، مطليّة بالقار مسطّحة به فخيّل لرائيه أنه رخام أسود.

وهذا القار يجلب من عين بين الكوفة والبصرة (١٨٩) تنبع أبدا به ويصير في جوانبها كالصلصال ، فيجرف منها ، ويجلب إلى بغداد ، وفي كلّ حمّام منها خلوات كثيرة كلّ خلوة منها مفروشة بالقار ، مطلّى نصف حائطها ممّا يلي الارض به والنصف الأعلى مطلّى بالجصّ الأبيض الناصع ، فالضدّان بها مجتمعان متقابل حسنهما. وفي داخل كلّ خلوة حوض من الرخام فيه أنبوبان ، أحدهما يجرى بالماء الحارّ والآخر بالماء البارد فيدخل الإنسان الخلوة منها منفردا لا يشاركه أحد إلّا إن أراد ذلك ، وفي زاوية كلّ خلوة أيضا حوض آخر للاغتسال ، فيه أيضا أنبوبان يجريان بالحارّ والبارد ، وكلّ داخل يعطى ثلاثا من الفوط : إحداها يتّزر بها عند دخوله والأخرى يتّزر بها عند خروجه ، والأخرى ينشف بها الماء عن جسده ولم أر هذا الاتقان كلّه في مدينة سوى بغداد ، وبعض البلاد تقاربها في ذلك.

ذكر الجانب الغربي من بغداد

الجانب الغربي منها هو الذي عمر أولا (١٩٠) وهو الآن خراب أكثره ، وعلى ذلك فقد بقى منه ثلاث عشرة محلّة ، كلّ محلة كأنها مدينة ، بها الحمّامان والثلاثة ، وفي ثمان منها المساجد الجامعة.

ومن هذه المحلّات محلّة باب البصرة (١٩١) وبها جامع الخليفة أبى جعفر المنصور رحمه‌الله ، والمارستان فيما بين محلّة باب البصرة (١٩٢) ومحلّة الشارع على الدّجلة ، وهو قصر كبير خرب بقيت منه الآثار.

__________________

(١٨٩) لا توجد عين للقار بين الكوفة والبصرة ... القار ياتي عادة من (هيت) على الفرات في الشمال الشرقي لبغداد ، ومن (گيارة) على دجلة جنوب الموصل ، هذا وقد تحدث ابن جبير قبل ابن بطوطة عن أن القار يجلب من عين بين البصرة والكوفة ص ١٨٣ ـ يراجع التعليق الآتي ٢٢٦.

(١٩٠) العاصمة الجديدة : بغداد المؤسسة من قبل الخليفة المنصور عام ١٣٩ ٧٥٦ هي" المدينة المدوّرة" كانت توجد على الشط الغربي بين الغربية وباب البصرة ... وعلى عهد ابن بطوطة لم يصمد إلا الجامع الكبير المنسوب للمنصور. ويلاحظ مرة أخرى اقتباس ابن بطوطة من أبن جبير مع محاولته تحديث أو تيويم المعلومات بالنسبة لما ذكر ابن جبير وخاصة بعد احتياج المغول لبغداد سنة ٦٥٦ ١٢٥٦.

(١٩١) هو الحي الذي كان يقع جنوب باب البصرة.

(١٩٢) بني هذا الباب عام ٣٦٨ ٩٧٩ من طرف الأمير البويهي عضد الدّولة ووصىّ الخليفة ، على مقربة من المكان الذي يقع فيه قصر الخلد الذي يرجع للخلفاء العباسيين الأوائل وقد ورد ذكر هذا الباب عند ابن جبير.

٦١

وفي هذا الجانب الغربي من المشاهد قبر معروف الكرخى (١٩٣) رضي‌الله‌عنه ، وهو في محلّة باب البصرة وبطريق باب البصرة مشهد حافل البناء في داخله قبر متّسع السّنام عليه مكتوب : هذا قبرعون من أولاد علي بن أبى طالب (١٩٤) ، وفي هذا الجانب قبر موسى الكاظم بن جعفر الصادق والد علي بن موسى الرضا (١٩٥) وإلى جانبه قبر الجواد (١٩٦) والقبران داخل الروضة ، عليهما دكّانة ملبّسة بالخشب عليه الواح الفضّة.

ذكر الجانب الشرقي منها

وهذه الجهة الشرقية من بغداد (١٩٧) حافلة الأسواق عظيمة الترتيب ، وأعظم اسواقها سوق تعرف بسوق الثلاثاء (١٩٨) كلّ صناعة فيها على حدة ، وفي وسط هذا السوق المدرسة النّظاميّة(١٩٩) العجيبة التي صارت الأمثال تضرب بحسنها ، وفي آخره المدرسة المستنصرية (٢٠٠) ، ونسبتها إلى أمير المؤمنين المستنصر بالله أبي جعفر بن أمير المؤمنين الظاهر بن

__________________

(١٩٣) قبر معروف بن فيروز الكرخي أبو محفوظ من رجال التصوف المشهورين ، وكان من موالي الإمام علي الرضى بن موسى الكاظم ، مقصود إلى اليوم توفي عام ٢٠٠ ـ ٨١٥ ، وقد سلف الحديث عنه ص ٤٩ ت ١٠٩

(١٩٤) يتحدث ابن سعد في الطبقات عن (عون) على أنه ابن للإمام علي بينما يتحدث ابن جبير عن ولد آخر لعلى هو معين مدفون مع أخيه هنا ـ الهروي لم يتحدث عن القبر ... ويفترض لوسطرانج في كتابه عن بغداد أنه من الممكن أن تكون المعلمة المعروفة الآن بقبر السيدة زبيدة هي مقبرة عون ومعين ... ومن المعلوم أن الستّ زبيدة دفنت في الكاظمين ، بغداد.

(١٩٥) موسى الكاظم بن جعفر الصادق ... سابع الائمة الاثنى عشر ، كان من سادات بني هاشم ... أقدمه المهدي العباسي إلى بغداد ثم رده إلى المدينة ... توفي سجينا ببغداد عام ١٨٣ ٧٩٩.

(١٩٦) محمد الجواد التّقي الامام التاسع ، وبسبب وجود القبرين معا في هذا الحي الذي يوجد على الشط الغربي لبغداد ، عرفت المحلّة تحت اسم (الكاظمين).

(١٩٧) على نحو ما كان في الجانب الغربي الذي شيد في قرية تحمل اسم الكرخ ، فقد نشأ الجانب الشرقي ، في الاصل ، حول قرية تحمل اسم الرصافة ، وقد استسلمت الرصافة للخراب نتيجة للحروب والفيضانات ، وفي سنة ٤٨٨ ١٠٩٥ قام الخليفة المستظهر بإحاطة الأحياء الموجودة حول قصور الخلفاء بأسوار جديدة ، وهذه هي المدينة التي صمدت ـ بعد الاجتياح المغولي ـ وبقيت معروفة باسم مدينة بغداد إلى المرحلة العثمانية ...

(١٩٨) سوق الثلاثاء على خط مواز للنّهر بين الجسر الرئيسي وبين الحي الذي تقع فيه قصور الخلفاء ...

(١٩٩) أسست المدرسة النظامية عام ٤٥٧ ١٠٦٥ من طرف الحسن بن علي نظام الملك وزير الملكين السلجوقيين : ألب أرسلان وملك شاه والمتوفى سنة ٤٨٥ ١٠٩٢ ، كانت أيامه دولة أهل العلم ... مدفون في إصفهان ، وتعتبر مدرسته من أشهر المدارس في العصر الوسيط على نحو ما تمّ بمدينة فاس (المغرب) بعد ثلاث سنوات من تأسيس عدد من المدارس والفرق بين مدارس فاس وبغداد أن مدرسة بغداد كانت تلقّن المذهب الشافعي بينما تخصصت مدارس فاس بالمذهب المالكي ... ـ د. التازي جامع القرويين ج I ص ١٢١ ـ ٢٢ مصدر سابق.

(٢٠٠) أسست المدرسة المستنصرية عام ٦٣١ ١٢٣٤ من لدن الخليفة المستنصر وهو الأول الذي اذن بنشر الدراسات الفقهية على مقتضى المذاهب الأربعة السنية ...

٦٢

٦٣

أمير المؤمنين الناصر ، وبها المذاهب الاربعة ، لكلّ مذهب إيوان (٢٠١) فيه المسجد ، وموضع التدريس وجلوس المدرّس في قبّة خشب صغيرة على كرسيّ عليه البسط ، ويقعد المدرس وعليه السكينة والوقار لا بسا ثياب السواد معتما ، وعلى يمينه ويساره معيدان يعيدان كلّ ما يمليه ، وهكذا ترتيب كلّ مجلس من هذه المجالس الاربعة ، وفي داخل هذه المدرسة الحمّام للطلبة ودار الوضوء.

وبهذه الجهة الشرقيّة من المساجد التي تقام فيها الجمعة ثلاثة : أحدها جامع الخليفة وهو متّصل بقصور الخلفاء ودورهم وهو جامع كبير فيه سقايات ومطاهر كثيرة للوضوء والغسيل ، لقيت بهذا المسجد الشيخ الامام العالم الصالح مسند العراق سراج الدين أبا حفص عمر بن علي بن عمر القزويني (٢٠٢) ، وسمعت عليه فيه جميع مسند أبى محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدّارمي (٢٠٣) ، وذلك في شهر رجب الفرد عام سبعة وعشرين وسبعماية قال : أخبرتنا (٢٠٤) به الشيخة الصالحة المسندة ستّ الملوك فاطمة بنت العدل تاج الدين أبي الحسن علي بن علي بن أبي البدر (٢٠٥) ، قالت اخبرنا الشيخ أبو بكر محمد بن مسعود ابن بهروز الطّبيب المارستانّي ، قال أخبرنا أبو الوقت عبد الأوّل ابن شعيب السنجريّ الصّوفي قال : أخبرنا الامام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفّر الداوديّ ، قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن احمد بن حمويه السّرخسيّ ، عن أبي عمران عيسى ابن عمر بن العبّاس السمرقنديّ عن أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل الدارمي.

__________________

(٢٠١) الإيوان : لفظ فارسي الأصل يعني رواقا يقع في نهاية الصحن أو جانبيه هذا وتكوّن قصور الخلفاء على شط دجلة مدينة داخل المدينة الكبرى Le Strange : Baghdad ـ Oxford ٠٠٩١

(٢٠٢) هو عمر بن علي بن عمر القزويني ، أبو حفص ، سراج الدين ، محدث العراق في عصره ، ولد بقزوين ونشأ بواسط ، واشتهر أمره ، له تصانيف منها كتابه : " الفهرست" ، أدركه أجله ببغداد عام ٧٥٠ ١٣٤٩ ـ الدرر الكامنة ج ٣ ، ص ٢٥٦.

(٢٠٣) يكنى الدارمي بأبي محمد ، سمع بالحجاز والشام ومصر والعراق وخراسان ، واستقضى على سمرقند فحكم في قضية واحدة واستعفى فأعفى! له المسند وكتاب التفسير والجامع الصحيح ، أدركه أجله عام ٢٥٥ ٨٦٩.

(٢٠٤) هذا التاريخ يوافق ٢٣ ، مايه ٢١ يونيه ١٣٢٧.

(٢٠٥) فاطمة الواسطية البغدادية محدثة سمعت من عدد من المشايخ وأجاز لها كذلك عدد منهم ، وحدثت وسمع منها طائفة من الناس وأجازت لأبي العباس الكازروني وقرئ عليها مسند الدارمي وجميع مصنفات البغوي باجازتها من عمر السهروردي ... أدركها أجلها ببغداد عام ٧١٠ ١٣١٠.

ـ منتخب المختار لابن رافع السلامي ـ شذرات الذهب لابن العماد ـ مرآة الجنان لليافعي ـ كحالة : أعلام النساء ١٤ ٨٢ / ٨٣.

٦٤

والجامع الثاني جامع السلطان وهو خارج البلد (٢٠٦) وتتّصل به قصور تنسب للسلطان ، والجامع الثالث جامع الرصافة (٢٠٧) وبينه وبين جامع السلطان نحو الميل.

ذكر قبور الخلفاء ببغداد وقبور بعض العلماء والصالحين بها

وقبور الخلفاء العبّاسييّن رضى الله عنهم بالرّصافة ، وعلى قبر كلّ منها اسم صاحبه ، فمنها قبر المهدي وقبر الهادي وقبر الأمين وقبر المعتصم ، وقبر الواثق ، وقبر المنتصر ، وقبر المستعين ، وقبر المعتزّ ، وقبر المهتدى ، وقبر المعتمد ، وقبر المعتضد ، وقبر المكتفي ، وقبر المقتدر ، وقبر القاهر ، وقبر الراضي ، وقبر المستكفي ، وقبر المطيع ، وقبر الطايع ، وقبر القائم ، وقبر القادر ، وقبر المستظهر ، وقبر المسترشد ، وقبر الراشد ، وقبر المقتفى ، وقبر المستنجد ، وقبر المستضي ، وقبر الناصر ، وقبر الظاهر ، وقبر المستنصر ، وقبر المستعصم ، وهو اخرهم وعليه داخل التّتر ببغداد بالسيف وذبحوه بعد أيّام من دخولهم ، وانقطع من بغداد اسم الخلافة العبّاسية ، وذلك في سنة أربع وخمسين وستماية ، وبقرب (٢٠٩) الرّصافة قبر الإمام أبي حنيفة رضي‌الله‌عنه (٢١٠) ، فيها قبّة عظيمة وزاوية فيها الطّعام للوارد والصادر ، وليس بمدينة بغداد اليوم زاوية يطعم الطعام فيها ما عدا هذه الزّاوية ، فسبحان مبيد الأشياء ومغيّرها ، وبالقرب منها قبر الامام أبى عبد الله أحمد بن حنبل(٢١١) رضي‌الله‌عنه ولا قبّة عليه ،

__________________

(٢٠٦) يعني في شمال حرم المستنصر داخل المدينة القديمة التي تقع على الشاطئ الشرقي ـ قصور الخلفاء كانت تقع بين هذا المسجد وبين الشاطئ.

(٢٠٧) كانت الرصافة قرية تقع حول قصر المهدي الخليفة العباسي الثالث على مسار الشاطئ مقابلة للمدينة المدوّرة التي كانت لولده المنصور وحول هذه النواة ستتطور ، فيما بعد ، مدينة بغداد على ما قدمنا ...

(٢٠٨) يعطي ابن بطوطة هنا لائحة مرتبة تقريبا للخلفاء العباسيين ، من سنة ١٥٨ ٧٧٥ إلى ٦٥٦ ١٢٥٨ أي ابتداء من المهدي إلى المستعصم ويلاحظ حذف هارون الرشيد والمامون والمقتدي الذي خلف القائم ويبدو ان هذه اللائحة تحتاج إلى مقارنة مع اللائحة التي وردت عند الهروي في كتابه الإشارات حول المقابر العشرة التي توجد في محلة الرصافة والأربعة بالجانب الغربي ـ الإشارات ص ٧٣.

(٢٠٩) ينبغي أن نقرأ ٦٥٦ ـ (١٢٥٨) عوض ٦٥٤ ... مختصر التاريخ لابن الكازروني ، تحقيق د. مصطفى جواد ص ٢٧٠ ـ ٢٧١.

(٢١٠) هو النعمان بن ثابت إمام الحنفية ، وأحد الائمة الأربعة عند أهل السنة ، قيل إن أصله من فارس ... اراده المنصور العباسي علي القضاء ببغداد فأبى ، فحلف عليه ليفعلن ، فحلف أبو حنفية إنه لا يفعل ، فحبسه إلى أن مات ... له عدة مؤلفات وأخباره كثيرة والمؤلفات عنه لا تكاد تحصى ، أدركه أجله عام ١٥٠ ٧٦٧ ... وقد سمي الحي الذي يحتضن قبره بالمعظم على شرفه ...

(٢١١) أحمد محمد بن حنبل الشيباني إمام المذهب الحنبلي ، وأحد الأئمة الاربعة ، أصله من مرو وولد ببغداد ، سافر في طلب العلم إلى مختلف الجهات مشرقا ومغربا ، وله مصنفات تتناول مختلف المواضيع ، تعرض لالوان من الامتحان ، عندما دعا المامون الى القول بخلق القرآن الذي كان ابن حنبل يعارضه ، أدركه أجله عام ٢٤١ ٥٥ ، قبره الذي كان على الساحل الغربي طغى عليه الطوفان ونقل في تاريخ لا نعلمه إلى الساحل الشرقي.

٦٥

٦٦

ويذكر أنّها بنيت على قبره مرارا فتهدّمت بقدرة الله تعالى وقبره عند أهل بغداد معظّم واكثرهم على مذهبه وبالقرب منه قبر ابي بكر الشّبليّ (٢١٢) من ائمة المتصوّفة رحمه‌الله ، وقبر سرّي السقطيّ (٢١٣) وقبر بشر الحافي (٢١٤) ، وقبر داود الطائي (٢١٥) ، وقبر أبي القاسم الجنيد رضي‌الله‌عنهم أجمعين.

واهل بغداد لهم يوم في كل جمعة لزيارة شيخ من هؤلاء المشايخ (٢١٦) ، ويوم لشيخ آخر يليه هكذا إلى آخر الأسبوع ، وببغداد كثير من قبور الصالحين والعلماء رضي الله تعالى عنهم ، (٢١٧) وهذه الجهة الشرقيّة من بغداد ليس بها فواكه وانّما تجلب اليها من الجهة الغربيّة لان فيها البساتين والحدائق ، ووافق وصولي إلى بغداد كون ملك العراق بها فلنذكره هاهنا.

ذكر سلطان العراقين وخراسان

وهو السلطان الجليل أبو سعيد بهادرخان ، وخان عندهم : الملك وبهادر بفتح الباء الموحدة وضم الدال المهمل وآخره راء ابن السلطان الجليل محمد خذابنده (٢١٨) وهو الذي

__________________

(٢١٢) الشلبي هو دلف بن جحدر ، ناسك متصوف من تلامذة أبي حنيفة ولي الحجابة للموفق العباسي ... ثم ترك الولاية وعكف على العبادة ، أصله من خراسان ، ومولده سرّ من رأى (سامراء) ، وقد أدركه أجله ببغداد عام ٣٣٤ ٩٤٦.

(٢١٣) سرّى بن مغلس السّقطي أبو الحسن من كبار الصوفية ، كان إمام البغداديين في وقته ، وهو خال الجنيد وأستاذه ، قال الجنيد : ما رأيت أعبد من السّرى ، أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رؤى مضطجعا إلا في علة الموت ... توفي سنة ٢٥٣ ٨٦٧ ، قبره يوجد على الشط الغربي ـ وقد سبق ذكر ترجمة الجنيد في التعليق ١٠٥ عندما ذكره ابن بطوطة في إصفهان.

(٢١٤) بشر بن الحارث بن علي المروزي ، أبو نصر المعروف بالحافي له في الزهد والورع أخبار ، من ثقات رجال الحديث ... أدركه أجله عام ٢٢٧ ٨٤١ وقد نقل قبره إلى الساحل الشرقي.

(٢١٥) هو أبو سليمان داود بن نصير الطائي من أئمة المتصوفين كان في أيام المهدي العباسي ، أصله من خراسان ومولده بالكوفة ، رحل إلى بغداد وأخذ عن أبي حنيفة وغيره ، وعاد إلى الكوفة فاعتزل الناس ، قال أحد معاصريه : لو كان داود في الامم الماضية لقصّ الله تعالى شيئا من خبره! أدركه أجله ـ قيل ـ بالكوفة سنة ١٦٥ ٧٨١ ، وقد ذكر أن قبره يوجد على الساحل الغربي.

(٢١٦) من الملاحظ أن ابن بطوطة لم يتحدث عن مزارة الشيخ عبد القادر الكيلاني (ت ٥٦١ ١٢٥٣) ومع أنه يتمتع بذكر جيد عند المغاربة بالخصوص ، وقد علل هذا الاهمال من طرف المعلقين بأن الضريح ربما كان أنذاك خرابا بفعل مداهمة التتر لرباطه المعروف ببرج العجمي. ـ د. التازي : خطاب الترحيب بالسيد أبو بكر القادري عضوا في أكاديمية المملكة ـ مطبوعات الاكاديمية ١٤٠٠ ـ ١٤٠٦ ه‍ ١٩٨٠ ـ ١٩٨٦ ، ص ٩٤.

(٢١٧) تظلّ بغداد شامخة في ذاكرة التاريخ بما عرفته من رجال تهافت الناس على أخذ الزاد منهم. وتكفي الإشارة إلى مقولة أبي القاسم الدينوري جوابا لأبي علي السّنجي وقد سأله عمّا يميّز أبا حامد الإسفرايني عنه مع أنهما معا عالمان جمعا بين رياسة الدّين والدنيا؟ فكانت المقولة : «ذاك رفعته بغداد وحطّتني الدينور»!!

(٢١٨) اسمه التتري أو لجايتو (Oljaitu) ولد عام ٦٨١ ١٢٨٢ وتملك من عام ٧٠٣ ١٣٠٤ إلى عام ٧١٦ ١٣١٦ ، وحسب تاريخ حافظ أبرو ، فإن اسمه تغير إلى تيمور ثم تغير إلى خدابنده حسب العادة المغولية التي تغير أسماء الصغار لحفظهم من العين! لم يكن الايلخاني الاول الذي اعتنق الاسلام فقد كان أخوه السابق غازان ٦٩٤ ٧٠٤ (١٢٩٥ ١٣٠٤) وعمه تكودار خان ٦٨١ ـ ٦٨٣ ١٢٨٢ ـ ١٢٨٤ كانا معا مسلمين على ما ذكرنا آنفا حول أبي سعيد انظر ج I ص ٣٢٥ وحول والده خذابنده انظرI ، ١٧٠.

٦٧

٦٨

أسلم من ملوك التتر ، وضبط اسمه مختلف فيه ، فمنهم من قال إن اسمه خذابنده بخاء معجمة مضمومة وذال معجم مفتوح وبنده لم يختلف فيه وهو بباء موحدة مفتوحة ونون ، مسكنة ودال مهمل مفتوح وهاء استراحة ، وتفسيره على هذا القول عبد الله لأن خذا بالفارسيّة اسم الله عزوجل، وبنده غلام أو عبد أو ما في معناهما ، وقيل انّما هو خر بنده بفتح الخاء المعجم وضمّ الراء المهمل وتفسير خر بالفارسيّة الحمار ، فمعناه على هذا غلام الحمار فشذّ ما بين القولين من الخلاف! على أن هذا الأخير هو المشهور ، وكأنّ الأوّل غيّره إليه من تعصّب ، وقيل إن سبب تسميته بهذا الاخير هو أن التتر يسمّون المولود باسم أول داخل على البيت عند ولادته ، فلما ولد هذا السلطان كان أول داخل الزّمال ، وهم يسمونه خر بنده فسمّى به ، وأخو خر بنده هو قازغان الذي يقول فيه الناس قازان وقازغان هو القدر ، وقيل سمّى بذلك لأنه لما ولد دخلت الجارية ومعها القدر.

وخذا بنده هو الذي أسلم وقدّمنا قصّته ، وكيف أراد أن يحمل الناس لمّا أسلم على الرفض وقصّة القاضي مجد الدين معه ، ولمّا مات ولى الملك ولده أبو سعيد بهادرخان ، وكان ملكا فاضلا كريما ، ملك وهو صغير السنّ ، ورايته ببغداد وهو شابّ أجمل خلق الله صورة لا نبات بعارضيه ، ووزيره إذ ذاك الأمير غياث الدين محمد بن خواجه رشيد (٢١٩) ، وكان أبوه من مهاجرة اليهود واستوزره السلطان محمد خذابنده والد أبي سعيد رأيتهما يوما بحرّاقة في الدجلة وتسمّى عندهم الشبّارة (٢٢٠) ، وهي شبه سلّورة وبين يديه دمشق خوجه ابن الامير الجوبان المتغلّب على أبي سعيد، وعن يمينه وشماله شبّارتان فيهما أهل الطرب والغناء ورايت من مكارمه في ذلك اليوم أنّه تعرّض له جماعة من العميان فشكوا ضعف حالهم ، فأمر لكلّ واحد منهم بكسوة وغلام يقوده ، ونفقته تجرى عليه.

__________________

(٢١٩) رشيد الدين فضل الله أو رشيد الدولة المنعوت عند بعض المؤرخين بالهمداني وزير من المشتغلين بالتاريخ وبالطب والفلسفة ... اتصل بمحمود غازان ملك التتار وخدمه بطبه إلى أن ولى الوزارة له ثم لأخيه خدا بنده من بعده ... احترقت كتبه بعد قتله عام ٧١٦ ١٣١٦ وبقي منها كتاب هامّ يعتبر مرجعا هاما لهذه الفترة ولهذه المنطقة : (جامع التواريخ) أربع مجلدات بالعربية والفارسية طبعت النسخة الفارسية باسم (تاريخ غازاني) ونحن نعتمده مرارا في بعض المعلومات ، ولده غياث الدين لم يلتحق بالوزارة إلا بعد اغتيال دمشق خوجه أو خواجا في شوال ٧٢٧ غشت ١٣٢٧ وكان وزيرا أيضا لخلف أبي سعيد أرباخان وقتل بعد سقوط حكم هذا الملك الأخير يراجع فهرس المصادر حرف الهاء ...

(٢٢٠) الحرّاقة ضرب من القوارب على نحو الشّبارة بالباء وليس بالياء تحتوي على جناح خاص بالأمراء والكبار هذا وحسب النسخ المعتمدة فإن (خوجه) يكتب بدون الف بعد الواو وترسمه" الدرر" احيانا خجا واحيانا خواجا ٢ ، ٧٨ ـ ١٩٢.

٦٩

ولمّا ولى السلطان أبو سعيد ، وهو صغير كما ذكرناه استولى على أمره أمير الامراء الجوبان(٢٢١) وحجّر عليه التصرّفات حتّى لم يكن بيده من الملك الّا الاسم ، ويذكر أنّه احتاج في بعض الاعياد إلى نفقة ينفقها فلم يكن له سبيل إليه فبعث إلى أحد التجار فاعطاه من المال ما أحبّ ، ولم يزل كذلك إلى أن دخلت عليه يوما زوجة أبيه دنيا خاتون ، فقالت له لو كنّا نحن الرجال ما تركنا الجوبان وولده على ما هما عليه ، فاستفهمها عن مرادها بهذا الكلام ، فقالت له : لقد انتهى أمر دمشق خواجه بن الجوبان أن يفتك بحرم أبيك ، وأنه بات البارحة عند طغى خاتون! وقد بعث إليّ وقال لي : الليلة أبيت عندك ، (٢٢٣) وما الرأي إلّا أن تجمع الأمراء والعساكر ، فإذا صعد إلى القلعة مختفيا برسم المبيت أمكنك القبض عليه ، وأبوه يكفي الله أمره.

وكان الجوبان إذ ذاك غائبا بخراسان (٢٢٤) ، فغلبته الغيرة وبات يدبّر أمره ، فلما علم أن دمشق خواجه بالقلعة أمر الأمراء والعساكر أن يطيفوا بها من كلّ ناحية فلما كان بالغدوّ خرج دمشق ومعه جنديّ يعرف بالحاجّ المصريّ فوجد سلسلة معرضة على باب القلعة وعليها قفل ، فلم يمكنه الخروج راكبا فضرب الحاجّ المصري السلسلة بسيفه فقطعها وخرجا معا فأحاطت بهما العساكر ، ولحق أمير من الأمراء الخاصّكيّة يعرف بمصر خواجه وفتى يعرف بلؤلؤ دمشق خواجه فقتلاه وأتيا الملك أبا سعيد برأسه ، فرموا به بين يدي فرسه ، وتلك عادتهم أن يفعلوا برءوس كبار أعدائهم ، وأمر السلطان بنهب داره ، وقتل من قاتل من خدّامه ومماليكه.

واتّصل الخبر بأبيه الجوبان وهو بخراسان ومعه أولاده أمير حسن ، وهو الأكبر ، وطالش وجلوخان وهو أصغر هم وهو ابن أخت السلطان أبي سعيد من أمّه ساطي بك ، بنت

__________________

(٢٢١) كان الجوبان رئيسا للقوات المسلحة ، وكان صهرا في مرتين متواليتين للسلطان أبي سعيد ، أولا كان متزوجا باخته دولاندي ، وبعد موته تزوج بأخت له ثانية تحمل اسم ساطي بك التي ستجلس على العرش الإيلخاني فيما بعد ٧٣٧ (١٣٣٨ ـ ١٣٣٩) على ما سبقت الإشارة اليه ينبغي قراءة (ونفقة عوض (ونفقته) الموجودة في الطبعة الفرنسية والتي سار عليه الناشرون اللاحقون ...

(٢٢٣) يتحدث حافظي أبرو مؤرخ هذه الفترة عن علاقات دمشق خواجه مع إحدى الجواري المحظيات القديمات لأولجايتو تحمل اسم قونقوطاي الأمر الذي أثار حنق الحريم السلطاني.

(٢٢٤) الجوبان كان على رأس الحملة الموجهة ضد الفريق من التتر المنحدر من تشاغاطاي (Tchaghatay) ابن جنكيز الذي كان يحكم آسيا الوسطى هذا وان الحكاية عن مقتل دمشق خواجة التي تؤرخ بيوم ٤ شوال ٧٢٧ ٢٤ غشت ١٣٩٧ مؤكدة من لدن المؤرخين ـ ويلاحظ أن ابن بطوطة كان أثناء صيف ٧٢٧ ١٣٢٧ خارج المنطقة ...

٧٠

السلطان خذا بنده (٢٢٥) ومعه عساكر التتر وحاميتها فاتّفقوا على قتال السلطان أبي سعيد، وزحفوا إليه ، فلما التقى الجمعان هرب التتر إلى سلطانهم وأفردوا الجوبان ، فلما رأى ذلك نكص على عقبيه ، وفرّ إلى صحراء سجستان ، وأوغل فيها وأجمع على اللحاق بملك هراة غياث الدين(٢٢٦) مستجيرا به وتحصّنا بمدينته وكانت له عليه أياد سابقة ، فلم يوافقه والده حسن وطالش على ذلك ، وقالا له : إنّه لا يفي بالعهد ، وقد غدر فيروزشاه (٢٢٧) بعد أن لجأ اليه وقتله ، فأبى الجوبان إلّا أن يلحق به ففارقه ولداه وتوجه ومعه ابنه الأصغر جلوخان ، فخرج غياث الدين لاستقباله وترجّل له وأدخله المدينة على الأمان ثم غدره بعد أيّام ، وقتل ولده وبعث برأسيهما إلى السلطان أبي سعيد.

وأمّا (٢٢٨) حسن وطالش فانهما قصدا خوارزم وتوجّها إلى السلطان محمد أوزبك فاكرم مثواهما وانزلهما إلى أن صدر منهما ما أوجب قتلهما ، فقتلهما ، وكان للجوبان ولد رابع اسمه الدّمر طاش (٢٢٩) ، فهرب إلى ديار مصر فاكرمه الملك الناصر واعطاه الإسكندرية فأبى من قبولها ، وقال : إنما أريد العساكر لأقاتل أبا سعيد ، وكان متى بعث إليه الملك الناصر بكسوة أعطى هو للّذي يوصلها اليه أحسن منها ، إزراء على الملك الناصر ، وأظهر أمورا أوجبت قتله فقتله وبعث برأسه إلى أبي سعيد ، وقد ذكرنا قصّته وقصّة قراسنقور فيما تقدّم ، ولمّا قتل الجوبان جيء به وبولده ميّتين فوقف بهما على عرفات وحملا إلى المدينة ليدفنا

__________________

(٢٢٥) حسب حافظي أبرو فإن هؤلاء الأبناء الثلاثة هم للاميرة دولاندي وليسوا للاميرة ساطي بك.

(٢٢٦) غياث الدين كورت سلطان لهراة خلف والده فخر الدين كورت ٧٢٨ ١٣١٠ ـ ١٣٢٨ ـ ٢٩.

(٢٢٧) ورات نوروز (OIRAT Nawruz) ابن أرغون حاكم خراسان عيّن عام ٦٩٤ ـ ١٢٩٥ قائدا عاما من لدن غازان وساعد فخر الدين كورت الذي أمسى سلطانا على هراة ، بيد أن نوروز نفسه لما ذهبت حظوته عام ٦٩٦ ١٢٩٧ لجأ إلى هراة. لكن فخر الدين كان مضطرا لتسليمه إلى غازان ... ابن بطوطة هنا يخلط بين كرت الامير وبين ضحيته ، Gibb ,Travels II ,P ٩١٣.

(٢٢٨) يذكر حافظي أبرو معلومات تفصيلية عن القرار الذي اتخذه غياث الدين بتصفية الولد ووالده وأنه كاننتيجة لمداولات مجلس الشورى. ونذكّر في هذه المناسبة بما ورد في ترجمة القائد التتري إيرنجن خال القان أبي سعيد ، وأنه كان اتفق مع أبي سعيد على امساك جوبان وقتله ، وان جوبان تمكن من الهرب إلى حيث أبو سعيد الذي انكر كل اتصال له بالمؤامرة الأمر الذي أدّى بالقائد إيرنجن إلى مجابهة القان الذي وجدناه يجهز على إيرنجن على مرأى من مجلس شورى عقد حول الموضوع!! الدرر ١ ، ٤٥٩ ـ ٤٦٠.

(٢٢٩) سمّي تيمورطاش (Timurtash) (دمرطاش عند ابن بطوطة) سمي حاكما على أنطاكية عام ٧١٦ ١٣١٦ ولم يلبث أن أعلن نفسه مستقلا عام ٧٢١ ١٣٢١ ، وامتدت سلطاته حتى جنوب غرب انطاكية ... وقد سبقت الاشارة اليه.

٧١

في التربة التي اتّخذها الجوبان بالقرب من مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فمنع من ذلك ، ودفن بالبقيع. والجوبان هو الذي جلب الماء إلى مكّة شرفها الله تعالى (٢٣٠).

ولمّا استقلّ السلطان أبو سعيد بالملك أراد أن يتزوّج بنت الجوبان ، وكانت تسمى بغداد خاتون (٢٣١) وهي من أجمل النساء وكانت تحت الشيخ حسن الذي تغلّب بعد موت أبي سعيد على الملك وهو ابن عمّته ، فأمره فنزل عنها وتزوّجها أبو سعيد ، وكانت أحظى النساء لديه ، والنساء لدى الأتراك والتتر لهنّ حظّ عظيم وهم إذا كتبوا أمرا يقولون فيه : عن أمر السلطان والخواتين ، ولكل خاتون البلاد والولايات والمجابي العظيمة ، وإذا سافرت مع السلطان تكون في محلّة على حدة.

وغلبت هذه الخاتون على أبي سعيد وفضّلها على سواها ، وأقامت على ذلك مدّة أيّامه ثم إنه تزوّج امرأة تسمى بدلشاد (٢٣٢) فأحبّها حبا شديدا وهجر بغداد خاتون فغارت لذلك وسمّته في منديل مسّحته به بعد الجماع (٢٣٣)! فمات وانقرض عقبه ، وغلبت امراؤه على الجهات كما سندكره، ولما عرف الامراء أن بغداد خاتون هي التي سمّته أجمعوا على قتلها وبدر لذلك الفتى الرومى خوارجه لؤلؤ ، وهو من كبار الأمراء وقدمائهم ، فأتاها وهي في الحمّام فضربها بدبّوسه وقتلها (٢٣٤) ، وطرحت هنالك أيّاما مستورة العورة بقطعة تليس ، واستقلّ الشيخ حسن بملك عراق العرب ، وتزوج دلشاد امرأة السلطان أبي سعيد كمثل ما كان أبو سعيد فعله من تزوّج امرأته.

__________________

(٢٣٠) الجوبان هذا فعلا هو الذي أصلح قنوات عين زبيدة وأجرى الماء إلى مكة عام ٧٢٥ ١٣٢٥ ، حتى لم يكن الماء يباع بها وهو الأمر الذي مكن كذلك من زراعة البقول في المدينة ولا ننسى أن جوبان هذا هو الذي كان أعظم الاسباب في تقرير الصلح بين الامبراطورية الايلخانية ممثلة في السلطان أبي سعيد ملك فارس والعراق ودولة المماليك ممثلة في الناصر ملك مصر ، وهو الذي أنشأ مدرسة بالمدينة مجاورة للحرم الشريف ، وقد ترجم له ابن حجر في الدرر ج ٢ ص ٧٨ ـ ٧٩.

(٢٣١) حسبما يرويه ابن حجر في كتابه (الدرر) فإن الأمير جوبان النّوين ، كان يعرف أن أبا سعيد يعشق بنته بغداد ... فلا يمكنها من دخول القصر فلما هرب جوبان وقتل أخوها وهرب الآخر إلى مصر اغتصبها أبو سعيد من زوجها وصارت عنده في أعلى مكانة وكانت تركب في مركب حافل من الخواتين وتشدّ في وسطها السيف فلم تزل على علوّ منزلتها إلى أن مات أبو سعيد فقتلت بعده عام ٧٣٦ ١٣٣٦ الدرر ٢ ، ١٣.

(٢٣٢) دلشاد بنت لدمشق خواجة ، وحفيدة للجوبان ويرسمها ابن حجر دلهياد ، وهي زوج الشيخ حسن تزوجها بعد عمتها بغداد فحظيت عنده وكان أمرها نافدا في المماليك توفيت في ذي القعدة ٧٥٢ دجنبر ١٣٥١ يناير ١٣٥٢ ـ الدرر ٢ ، ١٩٢.

(٢٣٣) حسب حافظي أبرو ، فإن أبا سعيد أدركته الوفاة أثناء الحملة التي شنها ضد السلطان أوزبك في أعقاب مرض معد ...

(٢٣٤) كان أربّاخان يرتاب في نوايا الأميرة بغداد ، التي كانت أقوى امرأة في القصر إزاءه ، وكان يشك في أنها تدبّر أمرا ضده مع أوزبك خان فاتهمت نتيجة لذلك بالتجسس وأعدمت ، معلومات عن حافظي أبّرو ...

٧٢

ذكر المتغلّبين على الملك بعد موت السلطان أبي سعيد.

فمنهم الشيخ حسن (٢٣٥) ابن عمّته الذي ذكرناه آنفا ، تغلّب على عراق العرب جميعا ، ومنهم إبراهيم شاه ابن الامير سنيته (٢٣٦) ، تغلب على الموصل وديار بكر ، ومنهم الأمير أرتنا(٢٣٧) تغلب على بلاد التركمان المعروفة أيضا ببلاد الروم ، ومنهم حسن خواجه (٢٣٨) بن الدّمرطاش بن الجوبان تغلب على تبريز والسلطانيّة ، وهمدان ، وقمّ وقاشان والريّ ورامين وفرغان والكرج (٢٣٩) ، ومنهم الأمير طغتيمور تغلّب على بعض بلاد الخراسان ، ومنهم الأمير حسين ابن الامير غياث الدين (٢٤١) ، تغلّب على هراة ومعظم بلاد خرسان

__________________

(٢٣٥) حسن الكبير ينتمي إلى القبيلة الجلايرية المغلولية حاكم لأنطاكية في الأيام الأخيرة لمملكة أبي سعيد ، احتل تبريز عام ٧٣٦ ١٣٣٦ وبعد ترك هذه لحسن بن تيمور طاش احتل بغداد عام ٧٣٩ ١٣٣٩ وبسط نفوذه على العراق إلى أن توفي عام ٧٥٧ ١٣٥٦ وقد اهمل ابن بطوطة ذكر فترة حكم قصيرة للأمير اربا خان سالف الذكر في التعليق السابق ، وبعض الأمراء المنحدرين من هولاكو أو جنكيز خان من الذين اعترف بهم كسلاطين لأمد قصير ... وحتى يتجنب المرء أي ارتباك في التاريخ لهذه المرحلة ينبغي أن يرجع إلى : كتاب SPULER : Diemongolen in IRAN

(٢٣٦) إبراهيم شاه ابن سوتاي هكذا يرسمه ابن حجر في كتابه الدرر ، التتري النوين حكم الموصل عام ٧٤٣ ١٣٤٢ ـ ١٣٤٣ ، كانت هذه الاسرة قد أسست إمارة حول ديار بكر استمرت إلى وفاة ابراهيم شاه عام ٧٥١ ١٣٥٠. الدرر ٢ ، ٢٧٥ ـ ٣٣٣.

(٢٣٧) هو علاء الدين أرتنا الذي خلف تيمور طاش (دمرداش) بن الجوبان كحاكم على أنطاكية ... واستقل عام ٧٣٨ ١٣٣٨ وأسس إمارة اختار لها كمركز سيواس (Sivas) ثم القيصرية ، وقد توفي أرتنا عام ٧٥٣ ١٣٥٢ ، ولكنّ الامارة ثبتت في شخص ولده محمد باك إلى عام ٧٨١ ١٣٨٠ ... ـ الدرر ١ ، ٣٧١.

(٢٣٨) حسن الصغير المترجم في الدرر تحت اسم الحسن بن تمرتاش بن جوبان ، تأمّر بسيواس بعد قتل أبيه عام ٧٢٨ ١٣٢٨ ، وقد كان من مبادراته أنه أرسل رسولا إلى الناصر يقال له قاضي شيراز تاج الدين ثار ضد الشيخ حسن الجلايري عام ٧٣٨ ١٣٣٨ وأعلن أخت السلطان أبي سعيد ساطي بك سلطانة واحتل المنطقة المشار إليها إلى أن اغتيل عام ٧٤٤ ١٣٤٣ من طرف زوجته ، الدرر ٢ ، ص ٩٦ ـ ٩٧.

(٢٣٩) ينبغي ، على ما يبدوا أن نقرأ فرهان (Farahan) وليس فرغان ، وحسب مستوفى فإن الامر يتعلق بموقع يوجد على بعد ٥٠ أو ٦٠ ميلا جنوب شرقي همدان الكرج : القسم الاعلى من نفس الموقع ، أما إقليم رامين (Varamin) فإنه يوجد شرقيّ طهران.

(٢٤٠) طغيتيمور (Togha ـ Timur) ينحدر من أخ لجنكيز خان ، وقد لقب بخان من لدن أمراء خراسان بعد وفاة أرباخان عام ٧٣٦ ١٣٣٦ ، وبما أنها استرجعت من لدن حسن الكبير ، فقد أصبح أحد محميّيه المنعوتين بخان ٧٣٩ ١٣٣٨ ـ ١٣٣٩ ، وقد تكونت فيها بعد ذلك مملكة في شرق مزاندران. وقد قتل من قبل السّربدار الذين سنعرف عنهم في آخر السفر الأول.

(٢٤١) حسين ابن ثالث لغياث الدين كورت ، وخلفه كذلك من ٧٣٢ إلى ٧٧١ ١٣٣١ ـ ١٣٣٢ ـ ١٣٦٩ ـ ٧٠.

SPULER : Die Mongloen in IRAN

٧٣

ومنهم ملك (٢٤٢) دينار تغلّب على بلاد مكران وبلاد كيج ، ومنهم محمّد شاه ابن مظفر تغلّب على يزد وكرمان (٢٤٣) وورقو ، ومنهم الملك قطب الدين تمتهن (٢٤٤) تغلب على هرمز وكيش والقطيف والبحرين وقلهات ، ومنهم السلطان أبو اسحاق الذي تقدّم ذكره (٢٤٥) ، تغلب على شيراز وإصفهان وملك فارس وذلك مسيرة خمس وأربعين ، ومنهم السلطان أفراسياب اتابك (٢٤٦) تغلّب على إيذج وغيرها من البلاد وقد تقدم ذكره.

ولنعد إلى ما كنّا بسبيله : ثم خرجت من بغداد (٢٤٧) في محلّة السلطان أبي سعيد وغرضي أن أشاهد ترتيب ملك العراق في رحيلة ونزوله وكيفيّة تنقّله وسفره وعادتهم ، انّهم يرحلون عند طلوع الفجر وينزلون عند الضحى ، وترتيبهم أنّه يأتي كلّ امير من الأمراء بعسكره وطبوله وأعلامه فيقف في موضع لا يتعدّاه قد عيّن له ، إمّا في الميمنة أو الميسرة ، فإذا توافوا جميعا وتكاملت صفوفهم ، ركب الملك وضربت طبول الرحيل وبوقاته وأتى كلّ أمير منهم فسلّم على الملك وعاد إلى موقفه ، ثم يتقدّم أمام الملك الحجّاب والنقباء ، ثم يليهم أهل الطرب وهم نحو مائة رجل عليهم الثياب الحسنة ، وتحتهم مراكب السلطان ، وأمام أهل الطرب عشرة من الفرسان قد تقلّدوا عشرة من الطبول وخمسة من الفرسان لديهم خمس صرنايات وهي تسمّى عندنا بالغيطات ، فيضربون تلك الأطبال والصّرنايات ثم يمسكون

__________________

(٢٤٢) من المحتمل أن يكون القصد إلى غياث الدين دينار الذي ينتسب لأسرة نبيلة في مكران. والذي تردد ذكره عند ذكر زواج من أمراء هرمز وليست له علاقة بملك دينار السابق الذكر (تعليق ٣٧) ـ كيج ومكران موقعان يأتي ذكرهما متصلين يكوّنان الاقليم الغربي للباكستان الحالية متاخمان لبلوشتان وكانت على ذلك العهد تعني الحدود بين الممتلكات الايلخانية وممتلكات سلطنة دهلي.

(٢٤٣) ورقو (WARQU) هي بالذات أبار رقوه (ABARQUH) أو ابار قويا على بعد ٨٠ ميلا جنوب غرب يزد على الطريق الرئيسي لمدينة شيراز ، وقد تقدمت الاشارة إلى محمد شاه بن مظفر وحول تاريخ بني المظفر في يزد راجع دائرة المعارف الإسلامية.

(٢٤٤) سياتي الحديث عن قطب الدين هذا عندما يصل ابن بطوطة إلى هرمز حيث يخصص فصلا هاما لتمهتن أو تهمتن على ما هو الصواب.

(٢٤٥) راجع حديث ابن بطوطة عن سلطان شيراز ابتداء من التعليق ١٣٨.

(٢٤٦) تقدم الحديث عن الاتابك أفراسياب بمناسبة كلام ابن بطوطة عن عاصمة لورستان : التعليق ٨٢.

(٢٤٧) قدّم ابن بطوطة هنا وصفا جميلا ودقيقا لمراسيم تحرك موكب ملك العراق مما ينبغي أن نقف عنده طويلا لنعرف عن بعض مظاهر الحضارة التي كانت معروفة انذاك ، ولنعرف مقارنة مواكب التتر بالمشرق ومواكب الدّولة في المغرب على ما أورده ابن صاحب الصلاة في تاريخه وبمواكب الفاطميين والأيوبيين والممالك بمصر كما أوردها القلقشندي في الجزئين الثالث والرابع من صبح الأعشى. هذا وحسب ما ذكر حافظ ابرو فإن أبا سعيد غادر بغداد في فصل الربيع من هذه السنة ومن المحتمل أن يكون ذلك تم في شهر مايه ونعتقد أن المحلّة اتجهت إلى تبريز من بغداد شمالا إلى خانقين ، ومن هذه إلى تبريز عبر همدان (انظر الخريطة).

٧٤

ويغنّى عشرة من أهل الطرب نوبتهم ، فإذا قضوها ضربت تلك الأطبال والصّرنايات ثم امسكوا وغنّى عشرة آخرون نوبتهم هكذا إلى أن تتمّ عشر نوبات ، فعند ذلك يكون النزول ويكون عن يمين السلطان وشماله حين سيره كبار الامراء وهم نحو خمسين ومن ورائه أصحاب الأعلام والأطبال والأنفار والبوقات ثم مماليك السلطان ثم الأمراء على مراتبهم وكل أمير له أعلام وطبول وبوقات ، ويتولّى ترتيب ذلك كلّه أمير جندر وله جماعة كبيرة ، وعقوبة من تخلّف عن فوجه وجماعته أن يؤخذ تماقه فيملأ رملا ويعلّق في عنقه ويمشي على قدميه حتّى يبلغ المنزل! فيوتى به إلى الأمير فيبطح على الأرض ويضرب خمسا وعشرين مقرعة على ظهره سواء كان رفيعا ووضيعا لا يحاشون من ذلك أحدا ، وإذا نزلوا ينزل السلطان ومماليكه في محلّة على حدة وتنزل كلّ خاتون من خواتينه في محلة على حدة ، ولكل واحدة منهن الإمام والمؤذّنون والقرّاء والسّوق.

وينزل الوزراء والكتّاب وأهل الأشغال على حدة ، ويأتون جميعا إلى الخدمة بعد العصر ويكون انصرافهم بعد العشاء الأخيرة ، والمشاعل بين أيديهم ، فإذا كان الرحيل ضرب الطبل الكبير ثم ضرب طبل الخاتون الكبرى التي هي الملكة ، ثم أطبال سائر الخواتين ، ثم طبل الوزير ثم أطبال الأمراء دفعة واحدة ، ثم يركب أمير المقدّمة في عسكره ثم يتبعه الخواتين ، ثم أثقال السلطان وزاملته وأثقال الخواتين ثم أمير ثان في عسكر له يمنع الناس من الدخول فيما بين الأثقال والخواتين، ثم سائر الناس!

وسافرت في هذه المحلّة عشرة أيام ، ثم صحبت الأمير علاء الدين (٢٤٨) محمد إلى بلدة تبريز وكان من الأمراء الكبار الفضلاء فوصلنا بعد عشرة أيام إلى مدينة تبريز ونزلنا

__________________

(٢٤٨) هذا الامير علاء الدين بن محمد سيعيّن في هذه السنة ، بعد اغتيال دمشق خواجه (أو خوجا) وزيرا ومفتشا للمالية ـ أبو سعيد كان في طريقه نحو السلطانية" العاصمة الجديدة التي بناها أولجايتو ـ وتقع على بعد ٦٥ غربي قزوين وبعد ١٩٠ ، جنوب غربي تبريز" ـ السلطانية تقع على بعد حوالي ٤٠٠ ميل عن بغداد على طريق همدان ـ كانت السلطانية النقطة التي غادر فيها ابن بطوطة" المحلة" مارا على مقربة من همدان" ٢٨٠ من بغداد" ـ الصّرناي : آلة موسيقية تشبه النّاي ، مزمار مغلف بعود ـ جندر : كلمة فارسية تعني الحرس الخاص بالملك ـ أهل الاشغال : المشرفون على الإدارة ـ حول دلالات نقرات الطبول في المغرب يراجع تاريخ ابن صاحب الصّلاة (مصدر سابق) ص ٤٠٤.

٧٥

بخارجها في موضع يعرف بالشّام (٢٤٩) ، وهنالك قبر قازان ملك العراق ، وعليه مدرسة حسنة وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر من الخبز واللحم والأرز المطبوخ بالسمن والحلواء ، وانزلني الامير بتلك الزاوية ، وهي ما بين أنهار متدفّقة ، وأشجار مورقة ، وفي غد ذلك اليوم دخلت المدينة على(٢٥٠) باب يعرف بباب بغداد ، ووصلنا إلى سوق عظيمة تعرف بسوق قازان من أحسن سوق رأيتها في بلاد الدنيا ، كلّ صناعة فيها على حدة لا تخالطها أخرى ، واجتزت بسوق الجوهريّين فحار بصري ممّا رايته من أنواع الجواهر وهي بأيدي مماليك حسان الصّور عليهم الثياب الفاخرة وأوساطهم مشدودة بمناديل الحرير ، وهم بين أيدي التجار يعرضون الجواهر على نساء الاتراك وهنّ يشترينه كثيرا ويتنافسن فيه ، فرأيت من ذلك كلّه فتنة يستعاذ بالله منها!

ودخلنا سوق العنبر والمسك فرأينا مثل ذلك أو أعظم ، ثم وصلنا إلى المسجد الجامع الذي عمّره الوزير على شاه المعروف بجيلان (٢٥١) ، وبخارجه عن يمين مستقبل القبلة مدرسة

__________________

(٢٤٩) الشام موقع جديد بناه غازان خان خارج السور الثاني للمدنية يسمى بالفارسية في التاريخ باسم الغازانية وقد سمّاها رشيد الدّين شام غازان ـ قبر قازان خان الذي كان يتّخذ شكل صومعة كبيرة وصف من لدن عدد من الرّحالة في القرن الحادي عشر الهجري السابع عشر الميلادي ، وقد اختفت معالم القبر اليوم ولكن اسم القرية ما يزال موجودا ... هذا ولنا وقفة هنا مع ابن بطوطة الذي سافر من بغداد إلى تبريز وكأنه أخذ طائرة!! فلا ذكر للمراحل التي قطعها صحبة (المحلة) ولا إشارة للمواقع التي سلكها طوال عشرة أيام من شمال بغداد ومرورا بشرقي العراق إلى همدان ذهابا وايابا! فهل كان هذا من اختصار الرحّالة؟ ام انه كان في وضع لا يسمح له بتسجيل مذكراته؟ مهما يكن فإن هذه المسافة الطويلة لا تسمح بتركها دون وصف ...!

(٢٥٠) تبريز عاصمة الايلخانيين كانت على ذلك العهد في قمة ازدهارها وحضارتها ، وقد قدم لنا مستوفي لائحة بأسماء أبواب المدينة وأفرد اعتماد السلطنة في كتابه (مراة البلدان) فصلا مسهبا للحديث عن تبريز أو توريز وعرض لتاريخ بناء المدينة من طرف زبيدة زوجة هارون الرشيد سنة ١٧٥ ٧٩٢ كما عرض للزلازل التي ضربتها والاصلاحات والترميمات التي أعقبتها وكذا للمشايخ والعلماء الذين ينتسبون إليها : وإذا كان ابن بطوطة الطنجي قد أخذ بمفاتن أسواق تبريز فإن مواطنا مغربيا آخر من فاس هو ابن الوزان المعروف عند الأوربيين (بليون الإفريقي) يفضل سوق العطارين بفاس قائلا لقد رأيت سوقا عظيمة جدا للعطارين في تبريز أو توريز غير أن الدكاكين فيها عبارة عن أروقة شبه مظلمة مع أنها مبنية بأناقة وبأعمدة من الرخام ... إني أفضل كثيرا ـ يقول ابن الوزان ـ سوق فاس المشرق على سوق تبريز المظلم!! ولعلّ ابن الوزّان يعني بازارا قديما!! أما اليوم فقد تغيرت الأحوال كما وقفنا عليه.

Jean Leon I\'Africain, discription de l\'Afrique traduit Par A. EPAULARD – PARIS ٠٠٢. p ١. T ٦٥٩١

. مرآة البلدان ، ٣٩٥ ـ د. التازي : إيران بين الأمس واليوم ص ٨١.

(٢٥١) تاج الدين على شاه جيلان الذي سمي وزيرا مساعدا للوزير رشيد الدين المؤرخ المعروف سالف الذكر عام ٦١٠ ١٣١٢ ، عاش بعد تصفية هذا الأخير وكان الوزير الإيلخاني الوحيد الذي مات على فراشه عام ٧١٨ ١٣١٨ ، ورد في وصف اقسرائي لهذا الجامع : لم أر نظيرا له في سائر أطراف العالم الاسلامي باستثناء مسجد دمشق. أطلاله شاخصة إلى اليوم تحت اسم أرگ (arg) يعني الحصن ، وقد زرت الجامع يوم ٥ / ٦ / ١٩٩٦ بدعوة كريمة من الخارجية الإيرانية وهو غير الجامع الأزرق (كبود) الذي يوجد تحت الترميم.

٧٦

٧٧

وعن يساره زاوية ، وصحنه مفروش بالمرمر وحيطانه بالقاشاني ، وهو شبه الزليج ، ويشقه نهر ماء ، وبه أنواع الأشجار ودوالي العنب وشجر الياسمين ، ومن عادتهم أن يقرءوا به كلّ يوم سورة يس وسورة الفتح وسورة عمّ (٢٥٢) بعد صلاة العصر في صحن المسجد ، ويجتمع لذلك أهل المدينة وبتنا ليلة بتبريز ، ثم وصل بالغد أمر السلطان أبي سعيد إلى الامير علاء الدين بأن يصل إليه فعدت معه ، ولم ألق بتبريز أحدا من العلماء ، ثم سافرنا إلى أن وصلنا محلّة السلطان فاعلمه الامير المذكور بمكاني وأدخلني عليه فسألني عن بلادي وكساني وأركبني ، واعلمه الأمير أنّي أريد السفر إلى الحجاز الشريف فأمر لي بالزاد والركوب في السبيل مع المحمل ، وكتب لي بذلك إلى أمير بغداد خواجه معروف (٢٥٣) ، فعدت إلى مدينة بغداد واستوفيت ما أمر لي به السلطان.

وكان قد بقى لآوان سفر الركب أزيد من شهرين ، فظهر لي أن أسافر إلى الموصل وديار بكر لأشاهد تلك البلاد وأعود الى بغداد في حين سفر الركب فاتوجّه إلى الحجاز الشريف ، فخرجت من بغداد إلى منزل على نهر دجيل (٢٥٤) ، وهو يتفرّع عن دجلة فيسقى قرى كثيرة ، ثم نزلنا بعد يومين بقرية كبيرة تعرف بحربة (٢٥٥) مخصبة فسيحة ، ثم رحلنا فنزلنا موضعا على شطّ دجلة بالقرب من حصن يسمّى المعشوق (٢٥٦) ، وهو مبنّى على الدجلة وفي العدوة الشرقيّة من هذا الحصن مدينة سرّ من رأى وتسمى أيضا سامرّا ، ويقال لها سام راه ، ومعناه بالفارسيّة طريق سام وراه هو الطريق (٢٥٧) ، وقد استولى الخراب على

__________________

(٢٥٢) السورة رقم ٤٦ ورقم ٤٨ ورقم ٧٨.

(٢٥٣) هو عزّ الدّين حاكم لبغداد عام ٧٣٦ ١٣٣٦ ـ العزّاوي : العراق بين احتلالين هذا وكلمة (السبيل) تعني الوقف أي السّفر المجاني مع ركب الحاج الذي يصحب المحمل ..

ويظهر من كلام ابن بطوطة أنه عاد إلى بغداد أول شعبان ٧٢٧ عند نهاية يونيه ١٣٢٧ ومرة أخرى نلاحظ أن ابن بطوطة يختصر ذكر مراحله في هذه الزيارة السياحية إلى ومن تبريز ... تعليق ٢٤٩.

(٢٥٤) يبتدئ نهر دجيل (دجلة الصغير) جنوب سامراء ويتبع الساحل الأيمن لدجلة. يلاحظ أن هذه الفقرات التالية مختصرة من رحلة ابن جبير مع بعض الخصوصيات كالإشارة إلى معالم الشيعة في سامراء وكالفقرتين الأخيرتين المتعلقتين بالموصل ويلاحظ أنه يبتدئ رحلة في الجزيرة الفراتية ذات التاريخ الطويل ...

(٢٥٥) حربة تقع على بعد ٧٥ كيلومترا شمال بغداد عرفت بخصبها الممتاز ...

(٢٥٦) المعشوق في الأصل ، بنى من لدن الخليفة المعتمد (ت ٢٧٩ ٨٩٢) قال اليعقوبي في كتابه البلدان ص ٢٦٨ : ... أقام بسرّمن رأى فبنى قصرا موصوفا بالحسن سماه المعشوق فأقام به حتى اضطربت الامور فانتقل إلى بغداد ... وقد تحول هذا القصر إلى حصن ويحمل اليوم اسم العاشق ...

(٢٥٧) عندما تذكر سامراء أو سرّ من رأى يذكر اسم المعتصم الولد الثالث لهارون الرشيد وخليفته" فله الآثار الحسنة والأبنية العظيمة بها (٢٢١ ٨٣٦) ... وهو الذي بنى الجامع وأنفق على ذلك خمسمائة الف دينار ـ ثمانية خلفاء عرفوا في سامراء لكنها لم تلبث أن تركت من قبل المعتمد ... وهنا استسلمت للإهمال والخراب ويظهر أن لهذا الاسم سرّ من رأى ، أصلا من الاسم القديم (SURMARRATE) أو (Sumara). و (سام) بالفارسية تعنى أحد الأبطال لمشهد ملحمي ...

٧٨

٧٩

هذه المدينة فلم يبق منها إلا القليل وهي معتدلة الهواء رائقة الحسن على بلائها ، ودروس معالمها ، وفيها أيضا مشهد صاحب الزمان (٢٥٨) كما بالحلّة ثم سرنا منها مرحلة ووصلنا إلى مدينة تكريت(٢٥٩) وهي مدينة كبيرة فسيحة الارجاء مليحة الأسواق ، كثيرة المساجد ، وأهلها موصوفون بحسن الاخلاق ، والدجلة في الجهة الشمالية (٢٦٠) منها ، ولها قلعة حصينة على شطّ الدجلة ، والمدينة عتيقة البناء عليها سور يطيف بها ، ثم رحلنا منها مرحلتين ووصلنا إلى قرية تعرف بالعقر(٢٦١) على شطّ الدجلة ، وبأعلاها ربوة كان بها حصن وبأسفلها الخان المعروف بخان الحديد، له أبراج وبناؤه حافل والقرى والعمارة متّصلة من هنالك إلى الموصل ، ثم رحلنا ونزلنا موضعا يعرف بالقيّارة (٢٦٢) بمقربة من دجلة ، وهنالك أرض سوداء فيها عيون تنبع بالقار ويصنع له أحواض يجتمع فيها فتراه شبه الصلصال على وجه الارض حالك اللون صقيلا رطبا ، وله رائحة طيّبة ، وحول تلك العيون بركة كبيرة سوداء يعلوها شبه الطحلب الرقيق فتقذفه إلى جوانبها فيصير أيضا قارا ، وبمقربة من هذا الموضع عين كبيرة فإذا أرادوا نقل القار منها أوقدوا عليها النار فتنشق النار ما هنالك من رطوبة مائيّة ، ثم يقطعونه قطعا وينقلونه وقد تقدّم لنا ذكر العين التي بين الكوفة والبصرة على هذا النحو ، ثم سافرنا من هذه العيون مرحلتين ووصلنا بعدهما إلى الموصل(٢٦٣).

__________________

(٢٥٨) توجد في سامراء قبور الامام العاشر : علي الهادي التّقي ٢٢٠ ـ ٢٥٤ ٨٣٥ ـ ٨٦٨ ، والامام الحادي عشر : حسن العسكري ٢٦٠ ـ ٢٥٤ ٨٧٤ ـ ٨٦٨. هذا ويعتقد بعضهم أنّه في حجرة هنا داخل المسجد ، اختفى عام ٢٦٤ ٨٧٨ الامام الثاني عشر : صاحب الزمان ... ويعتبر المكان مزارة يتردد عليها الناس وقد كنّا من بين هؤلاء الذين كانو يترددون عليها أثناء سفارتينا بالعراق ...

(٢٥٩) تكريت تقع على الساحل الغربي لدجلة على بعد خمسين كيلوميترا شمال سامراء. يذكر بن حوقل أن تكريت قديمة البناء وأنها تجمع سائر فرق النصارى ، وبها من البيع والاديرة القديمة التي تقارب عهد عيسى والحواريين. لم تتغير أبنيتها وثاقة وجلدا ... وتعتبر الدرع الذي يحمي قلب العراق من غارات الشمال ـ وقد احتفظت لأهلها النّشامى بذكريات جميلة أيامي مقامي بالعراق ... وما زالت أهازيج أطفالهم ترن في أذني وأنا أزور تكريت صحبة أهلي وأبنائي :

يا بن المغرب أهلا بك

شعب تكريت يحييك!!

(٢٦٠) من المهم أن نلاحظ هنا أن الرحالة المغربي وهو يستوحي من ابن جبير لم يفته أن يصلّح بعض ما جاء فيه: فهو يصلح" الجهة الجوفية" الجنوبية" الواردة عند ابن جبير بالجهة الشمالية ...

(٢٦١) بنيت العقر على موقع للمدينة الأشورية : كرتوكلتي نينورتا (Kartukulta ـ Ninurta) على بعد ٦٤ ميلا شمال تكريت.

(٢٦٢) القيارة أو الكيارة مكان يقع على بعد خمسين كيلوميترا جنوب الموصل ومنه يستخرج القار والقطران على ما عرفنا ـ يراجع التعليق رقم ١٨٩ من هذا الفصل.

(٢٦٣) أسست مدينة الموصل عام ٤٠ ٦٦٠ من قبل العرب كحامية في مكان كان به رباط محصن موجود على الشاطئ الغربي لدجلة ، كانت عاصمة للجزيرة الفراتية :(lAESOPOTAMIE) ابتداء من نهاية الفترة الأموية ، وابن بطوطة يقتبس كذلك هنا بعض المقاطع من ابن جبير الذي سبق له أن زار الموصل عام ٥٨٠ ١١٨٤ وقد سميت تلك المنطقة بالجزيرة لأنها تقع بني دجلة والفرات ، وقد تسمى أقور ، أنظر معجم البلدان ـ سعيد الدّيوه جي : بحث في تراث الموصل ، ١٩٨٢.

٨٠