رحلة ابن بطوطة - ج ٢

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي

رحلة ابن بطوطة - ج ٢

المؤلف:

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي


المحقق: عبد الهادي التازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أكاديمية المملكة المغربية
الطبعة: ٠
ISBN: 9981-46-008-7
ISBN الدورة:
9981-46-006-0

الصفحات: ٢٦٨

٢١

والفواكه بتستر كثيرة ، والخيرات متيسّرة غزيرة ، ولا مثل لأسواقها في الحسن ، وبخارجها تربة معظّمة يقصدها أهل تلك الأقطار للزيارة وينذرون لها النذور ، ولها زاوية بها جماعة من الفقراء ، وهم يزعمون أنها تربة زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب (٧٧).

وكان نزولي من مدينة تستر في مدرسة الشيخ الامام الصالح المتفنّن شرف الدين موسى بن الشيخ الصالح الامام العالم صدر الدّين سليمان ، وهو من ذريّة سهل ابن عبد الله ، وهذا الشيخ ذو مكارم وفضائل ، جامع بين العلم والدين والصلاح والايثار ، وله مدرسة وزاوية ، وخدّامها فتيان له أربعة : سنبل وكافور ، وجوهر وسرور ، أحدهم موكّل بأوقاف الزاوية ، والثاني متصرّف فيما يحتاج إليه من النفقات في كل يوم والثالث خديم السّماط بين أيدي الواردين ومرتّب الطعام لهم ، والرابع موكل بالطبّاخين والسقّائين والفرّاشين ، فاقمت عنده ستّة عشر يوما فلم أر أعجب من ترتيبه ، ولا أرغد من طعامه يقدّم بين يدي الرجل ما يكفي الأربعة من طعام الأرز المفلفل المطبوخ في السّمن والدجاج المقليّ والخبز واللحم والحلواء.

وهذا الشيخ من أحسن الناس صورة ، وأقومهم سيرة ، وهو يعظ الناس بعد صلاة الجمعة بالمسجد الجامع ولمّا شاهدت مجالسه في الوعظ صغر لدى كلّ واعظ رأيته قبله بالحجاز والشام ومصر ، ولم ألق فيمن لقيتهم مثله ، حضرت يوما عنده ببستان له على شاطئ النهر وقد اجتمع فقهاء المدينة وكبراؤها وأتى الفقراء من كل ناحية ، فأطعم الجميع ثم صلّى بهم صلاة الظهر ، وقام خطيبا وواعظا بعد أن قرأ القرّاء أمامه بالتلاحين المبكّية ، والنغمات المحرّكة المهيجة ، وخطب خطبة بسكون ووقار ، وتصرّف في فنون العلم من تفسير كتاب الله وايراد حديث رسول الله والتكلم على معانيه ، ثم ترامت عليه الرّقاع من كل ناحية. ومن عادة الأعاجم أن يكتبوا المسائل في رقاع ويرمونها إلى الواعظ فيجيب عنها (٧٨) فلمّا رمي إليه بتلك الرقاع جمعها في يده وأخذ يجيب عنها واحدة بعد واحدة بأبدع جواب وأحسنه وحان

__________________

(٧٧) عليّ زين العابدين الامام الرابع من الأئمة الاثنى عشر ، وقد توفي بالمدينة عام ٩٤ ٧١٢ ودفن بها ... أحصى بعد موته عدد من كان يقوتهم سرّا فكان نحو مائة بيت. وذكر الهروي أن (تستر) تحتضن قبر محمد بن جعفر الصادق

(٧٨) عرفت هذه العادة الحميدة في ديار المشرق وتحدث عنها ابن جبير وهو يحضر في بغداد مجلس ابن الجوزي (ص ١١ ـ ١٢) ولقد استمرت هذه العادة في تلك الجهات ، وقد حضرت شخصيّا أحد المجالس العلمية في مدينة سيؤون من حضر موت في ربيع الأول ١٤١٣ شتنبر ١٩٩٢ حيث كان عريف المجلس يجمع الأوراق المكتوبة ويقدّمها للشيخ ، ولا يقبل سؤالا شفويا.!! هذا ولم نقف على ترجمة لشرف الدّين موسى ...

٢٢

وقت صلاة العصر فصلّى بالقوم وانصرفوا وكان مجلسه مجلس علم ووعظ وبركة ، وتبادر التائبون فأخذ عليهم العهد وجزّ نواصيهم (٧٩) وكانوا خمسة عشر رجلا من الطلبة قدّموا من البصرة برسم ذلك وعشر رجال من عوّام تستر.

حكاية [الشيخ السّخي]

لمّا دخلت هذه المدينة أصابني مرض الحمّى ، وهذه البلاد يحمّ داخلها في زمان الحرّ كما يعرض في دمشق وسواها من البلاد الكثيرة المياه والفواكه ، وأصابت الحمّى أصحابي أيضا فمات منهم شيخ اسمه يحيى الخرساني ، وقام الشيخ بتجهيزه من كل ما يحتاج إليه الميّت وصلى عليه ، وتركت بها صاحبا لي يدعى بهاء الدين الختني فمات بعد سفري.

وكنت حين مرضى لا أشتهي الأطعمة التي تصنع لي بمدرسته ، فذكر لي الفقيه شمس الدين السندي من طلبتها طعاما فاشتهيته ودفعت له دراهم ، وطبّخ لي ذلك الطعام بالسوق وأتى به إليّ فأكلت منه ، وبلغ ذلك الشيخ فشقّ عليه وأتى إليّ وقال لي : كيف تفعل هذا وتطبخ الطعام في السوق؟ وهلّا أمرت الخدّام أن يصنعوا لك ما اشتهيته ، ثم أحضر جميعهم وقال لهم : جميع ما يطلبه منكم من أنواع الطعام والسكر وغير ذلك فأتوا إليه به وأطبخوا له ما يشاءه واكّد عليهم في ذلك أشدّ التاكيد ، جزاه الله خيرا.

ثم سافرنا من مدينة تستر ثلاثا في جبال شامخة وبكل منزل زاوية كما تقدم ذكر ذلك ، ووصلنا إلى مدينة إيذج ، وضبط اسمها بكسر الهمزة وياء مدّ وذال معجم مفتوح وجيم ، وتسمى أيضا مال الأمير (٨٠) ، وهي حضرة السلطان أتابك ، وعند وصولي إليها اجتمعت بشيخ شيوخها العالم الوارع نور الدين الكرماني وله النظر في جميع الزوايا ، وهم يسمّونها المدرسة ، والسلطان يعظّمه ويقصد زيارته ، وكذلك أرباب الدولة وكبراء الحضرة يزورونه غدوا

__________________

(٧٩) في القرآن الكريم ، السورة رقم ٩٦ ، الآية ١٦ : لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة ، وجز الناصية رمز للتخلي عن الرذائل ...

(٨٠) كانت إيذج (IZEH) عاصمة الدولة الهزار سبيدية في لورستان وهي التي تحمل اليوم اسم ـ (MAL AMIR) وتقع على نهر كارون وقد ورد ذكرها في المسالك والممالك لأبي اسحاق الاصطخري ويذكر صاحب (مرآة البلدان) أنه كانت بها قنطرة من عجائب الدنيا ، وكان مما نقش على فندق ينزله الواردون من اصفهان ، أبيات هذا مطلعها :

فتح السالكون في طلب الرز

ق إيذج إلى إصفهان ..

وقد وقعت بها زلازل كثيرة ومعادنها وافرة ، وبها بحيرة مالحة ، وكانت بها مزارع لصنع السكر ... وكذا معابد للذين يعبدون النار ، والجدير بالذكر أن الخليفة العباسي المهدي ولد هنا في ايذج ـ انظر دائرة المعرف الاسلامية (بالفرنسية) مادةHAZARASPIDES كذلك مادة (LUR).

٢٣

وعشيّا ، فأكرمني وأضافني وأنزلني بزاوية تعرف باسم الدّينوري. وأقمت بها أياما وكان وصولي في أيام القيظ (٨١) ، وكنّا نصلّى صلوات الليل ثم ننام بأعلى سطحها ، ثم ننزل إلى الزاوية ضحوة وكان في صحبتي أتنا عشر فقيرا منهم إمام وقارئان مجيدان وخادم ، ونحن على احسن ترتيب.

ذكر ملك إيذج وتستّر

وملك إيذج في عهد دخولي إليها السلطان أتابك أفراسياب ابن السلطان أتابك (٨٢) أحمد، وأتابك عندهم سمة لكل من يلي هذه البلاد من ملك ، وتسمى هذه البلاد بلاد اللّور (٨٣) ، وولى هذا السلطان بعد أخيه أتابك يوسف ، وولى يوسف بعد أبيه أتابك أحمد ، وكان أحمد المذكور ملكا صالحا سمعت من الثقات ببلاده أنه عمّر أربعمائة وستين زاوية ببلاده ، منها بحضرة إيذج أربع وأربعون ، وقسم خراج بلاده أثلاثا فالثلث منه لنفقة الزوايا والمدارس ، والثلث منه لمرتّب العساكر ، والثلث لنفقته ونفقة عياله وعبيده وخدّامه ، ويبعث منه هديّة لملك العراق في كلّ سنة، وربّما وفد عليه بنفسه.

وشاهدت من آثاره الصالحة ببلاده أن أكثرها في جبال شامخة ، وقد نحتت الطرق في الصخور والحجارة وسوّيت ووسعت بحيث تصعدها الدواب بأحمالها ، وطول هذه الجبال

__________________

(٨١) حديث ابن بطوطة عن أيام القيظ ومبيته في السطح جعل الذين يحققون في يوميات سفره يتساءلون هل كان الوقت فعلا وقت حر؟ سنراه بعد فترة من الزمن يصل إلى إصفهان يوم ١٤ حمادى الثانية ٢١٧ ٧ ماي ١٣٢٧ ومعنى هذا أنه لما كان في ايذج كان الوقت وقت قر! لكنهم وجدو للرحالة المغربي مخرجا من هذا الاشكال بافتراض أنه احيانا يحكى ما جرى له في زيارة لاحقة ما جرى له في زيارة سابقة والعكس صحيح وقد اعترف هو أحيانا بأنه يركب مثل هذا الصّنيع (ج ٤ ، ٣١٥ ـ ٣١٦)

(٨٢) لاحظ المترجمان الفرنسيان.D.S ، وثنّى عليهما گيب أن ابن بطوطة اختلط عليه اسم ملك لورستان في الفترة التي اجتاز فيها تلك البلاد عام ٧٢٧ (١٣٢٧) مع اسم الملك الذي كان يحكم عشرين سنة بعد ذلك عندما كان ابن بطوطة عائدا عن طريق فارس ، ففي المرة الأولى كان الملك يحمل اسم نصرت الدّين أحمد الذي توفى عام ٧٣٣ ١٣٣٣ ، بعد ست سنوات من تاريخ مرور ابن بطوطة ، وقد عوض على التوالي من لدن ولديه اللذين كان ثانيهما هو الأمير مظفر الدّين أسياب الذي راه ابن بطوطة والذي أنّبه على التهالك على شرب الخمر ، وبالرغم من أن ابن بطوطة لم يذكر اسم ايذج عند عودته عام ٧٤٨ ١٣٤٧ على نحو ذكره للمواقع الأخرى فاننا على يقين من أنه رأى هذه العاصمة العظيمة للهزار سبيين التي تقع على طريقه ـ د. أحمد كمال الدّين حلمي : السّلاجقة في التاريخ والحضارة الكويت ١٣٩٥ ١٩٧٥.

(٨٣) اللور من الشعوب الإيرانية يعيش في الجبال الجنوبية الغربية من بلاد فارس ، وعلى نحو حالة الأكراد فإن العلاقة الاساسية للفروع التي يتكون منها اللور هي اللغة ، وقد عالج الحديث عن الدولة التي تكونت في هذه المنطقة تحت اسم الهزار سبيد البروفيسورV.Minorsky في دائرة المعارف الاسلامية وكذا البروفسورB.SPULER في مادةHAZARASPIDES.

٢٤

مسيرة سبعة عشر في عرض عشرة ، وهي شاهقة متّصل بعضها ببعض تشقّها الانهار ، وشجرها البلّوط ، وهم يصنعون من دقيقه الخبز وفي كلّ منزل من منازلها زاوية يسمونها المدرسة ، فإذا وصل المسافر إلى مدرسة منها أوتى بما يكفيه من الطعام والعلف لدابّته سواء طلب ذلك أو لم يطلبه ، فإن عادتهم أن يأتي خادم المدرسة فيعدّ من نزل بها من الناس ويعطي كلّ واحد منهم قرصين من الخبز ولحما وحلواء ، وكل ذلك من اوقاف السلطان عليها ، وكان السلطان أتابك أحمد زاهدا صالحا كما ذكرناه ، يلبس تحت ثيابه ممّا يلي جسده ثوب شعر.

حكاية [عادة أهل ايذج في مأتم أمرائهم]

قدم السلطان اتابك أحمد مرّة على ملك العراق أبي سعيد ، فقال له بعض خواصّه إن أتابك يدخل عليك وعليه الدّرع ، وظنّ ثوب الشّعر الذي تحت ثيابه درعا ، فأمرهم باختبار ذلك على جهة من الانبساط ليعرف حقيقته ، فدخل عليه يوما فقام إليه الأمير الجوبان (٨٤) عظيم امراء العراق ، والأمير سويته (٨٥) أمير ديار بكر ، والشيخ حسن الذي هو الآن سلطان العراق (٨٦) وأمسكوا بثيابه كأنهم يمازحونه ويضاحكونه ، فوجدوا تحت ثيابه ثوب الشعر ، وراءه السلطان أبو سعيد ، وقام إليه وعانقه وأجلسه إلى جانبه وقال له : سن اطا ، ومعناه بالتركية : أنت أبي ، وعوّضه عن هديّته بأضعافها وكتب له اليرليغ ، وهو الظّهير ألّا يطالبه بهديّة بعدها هو ولا أولاده.

__________________

(٨٤) الامير الجوبان (CHORBAN) ، ينتسب للقبيلة المغولية سلدزSulduz كان حفيدا لتورانويور (Turannoyon) أحد جنرالات هولاگو تزوج على التوالي بنتي أو لجايتو خذا بنده : داولاندي أم ولده جالو خان ، وبعد وفاتها تزوج ساتي بيگ أم سورغان ... گان صهرا للسّلطان أبي سعيد كما كان رئيسا للقوات المسلحة ...

(٨٥) إذا كانت المخطوطات ترسمه (سويته) فإن الحافظ ابن حجر يرسمه (سوتاي) ويضبطه بالوصف ، وينعته بالتتري تولى امرة ديار بكر ... واستمر بها إلى أن مات ببلده التي قرب الموصل عام ٧٣٢ ـ ١٣٣٢ يذكر أنه بلغ المائة سنة ، وانه رأى أربعة بطون من أولاده واولادهم حتى نافوا على الأربعين.!! كان محبّبا إلى رعيته ذا حزم وسياسة ـ ابن حجر : الدرر ٢ ، ٢٧٥.

(٨٦) الشيخ حسن الكبير الجلايري احتلّ بغداد عام ٧٣٨ ١٣٣٩ وأسس دولة جديدة باسم الدولة الجلايرية ، أدركه أجله عام ٧٥٧ ١٣٥٦ ... وسيأتي الحديث عنه مفصلا ...

٢٥

وفي تلك السنة توفيّ ، وولى ابنه أتابك يوسف ، عشرة أعوام (٨٧) ، ثم ولى أخوه أفراسياب، ولما دخلت مدينة إيذج أردت رؤية السلطان أفراسياب المذكور فلم يتأت لي ذلك بسبب أنه لا يخرج إلّا يوم الجمعة لإدمانه على الخمر ، وكان له ابن هو وليّ عهده وليس له سواه فمرض في تلك الأيام ، ولمّا كان في إحدى الليالي أتاني أحد خدّامه وسألني عن حالي فعرّفته وذهب عنّي ، ثم جاء بعد صلاة المغرب ومعه طيفوران كبيران ، أحدهما بالطعام والآخر بالفاكهة ، وخريطة فيها دراهم ومعه أهل السماع بآلاتهم ، فقال : اعملوا السماع حتى يرهج الفقراء ويدعون لابن السلطان، فقلت له : إن أصحابي لا يدرون بالسماع ولا بالرقص (٨٨) ، ودعونا للسلطان ولولده ، وقسمت الدراهم على الفقراء ، ولما كان نصف الليل سمعنا الصراخ والنواح ، وقد مات المريض المذكور (٨٩) ، ولما كان الغد دخل عليّ شيخ الزاوية وأهل البلد ، وقالوا : إن كبراء المدينة من القضاة والفقهاء والأشراف والأمراء قد ذهبوا إلى دار السلطان للعزاء فينبغي لك أن تذهب في جملتهم فأبيت عن ذلك ، فعزموا عليّ ، فلم يكن لي بدّ من المسير ، فسرت معهم فوجدت مشور(٩٠) دار السلطان ممتلئا رجالا وصبيانا من المماليك وابناء الملوك والوزراء والأجناد وقد لبسوا التّلاليس وجلال الدوابّ ، وجعلوا فوق رؤسهم التراب والتبن ، وبعضهم قد جزّ ناصيته ، وانقسموا فرقتين : فرقة باعلى المشور وفرقة بأسفله ، وتزحف كلّ فرقة إلى جهة الأخرى وهم ضاربون بأيديهم على صدورهم (٩١) قائلون : خوند كارما ، ومعناه مولاي أنا فرأيت من ذلك امرا هائلا ومنظرا فضيحا لم أعهد مثله.

__________________

(٨٧) يوجد هنا أيضا بعض الارتباك حيث إن الأمير نصرت الدين أحمد توفى عام ١٣٣٣ والجوبان (شوبان) كان قتل عام ١٣٢٨. دخول يوسف للحكم كان يختلف بين ١٣٣٠ وتاريخ ١٣٣٣ ، ومن الممكن أن يكون مساعدا في بعض السنوات حيث إنه حسب رسائل فضل الله رشيد الدين كان ينعت قبل هذا باتابك يوسف شاه ملك لورستان". هذا ومعنى يرهج : يهيج بعضهم بعضا.

(٨٨) يقارن موقف ابن بطوطة هنا حول الموسيقى بموقفه منها وهو يصحب معه في بعض أسفاره عددا من المغنيين ليسمعوه النوبات المطربة بالرغم مما نقرأه في رسالة ابن أبي زبد القيرواني ـ يراجع ج III ص ٤٣٧.

(٨٩) حول أسرة افراسياب ـ انظرB.Spuleter ,Hazaraspides ,Enscyc de l\'Islam.

(٩٠) كلمة (المشور) مغربية أصلا الساحة التي تتم فيها مشورة رجال الدولة ، وما يزال الاستعمال سائدا في المغرب يطلق على حرم القصر الملكي ، ولا يوجد استعمال" لهذه الكلمة في المشرق ـ والتلاليس جمع تلّيس وهو استعمال مغربي يعني الأكياس الكبرى المصنوعة من الدوم مثلا لوضع الحبوب والبضاعات الثقيلة ويجعل التليس عادة على ظهر الدّابة ...

(٩١) يلاحظ على ابن بطوطة دهشته من الطريقة التي يعبّر بها سكان تلك الجهات عن أساهم ... وقد حضرت مثل هذه المشاهد أثناء مقامي بالعراق وخاصة ليلة عاشوراء كما حضرتها في تهران بمناسبة وفاة الشيخ الطالقاني عام ١٩٧٩ رحمه‌الله ، هذا وان كلمة خوندكارKhundikar تشبه الكلمة الفارسية خاواندگار وتعنى سيدي ، مولاي ، أمّا كلمة ما فتعني ياء المتكلم أو نونه ، هذا وترسم النسخ كلمة فضيح وليس فظيع كما يوجد في بعض النسخ المنشورة!

٢٦

حكاية [ماتم ابن السلطان]

ومن غريب ما اتّفق لي يومئذ أنّي دخلت فرأيت القضاة والخطباء والشرفاء قد استندوا إلى حيطان المشور وهو غاصّ بهم من جميع جهاته وهم بين باك ومتباك ومطرق ، وقد لبسوا فوق ثيابهم ثيابا خامة من غليظ القطن غير محكمة الخياطة ، بطاينها إلى أعلى ووجوهها ممّا يلي أجسادهم ، وعلى رأس واحد منهم قطعة خرقة أو ميزر أسود ، وهكذا يكون فعلهم إلى تمام أربعين يوما ، وهي نهاية الحزن عندهم ، وبعدها يبعث السلطان لكل من فعل ذلك كسوة كاملة فلمّا رأيت جهات المشور غاصّة بالناس نظرت يمينا وشمالا أرتاد موضعا لجلوسي فرأيت هنالك سقيفة مرتفعة عن الأرض بمقدار شبر وفي إحدى زواياها رجل منفرد عن الناس قاعد ، عليه ثوب صوف شبه اللّبد يلبسه بتلك البلاد ضعفاء الناس أيام المطر والثلج ، وفي لأسفار ، فتقدمت إلى حيث الرجل ، وانقطع عنّي أصحابي لمّا رأوا إقدامي نحوه ، وعجبوا مني وأنا لا علم عندي بشيء من حاله ، فصعدت السقيفة وسلّمت على الرجل فردّ عليّ السلام وارتفع عن الارض كأنّه يريد القيام، وهم يسمّون ذلك نصف القيام وقعدت في الركن المقابل له ثم نظرت إلى الناس ، وقد رموني بأبصارهم جميعا فعجبت منهم ورأيت الفقهاء والمشايخ والأشراف مستندين إلى الحايط تحت السقيفة ، وأشار إليّ أحد القضاة أن أنحطّ إلى جانبه ، فلم أفعل ، وحينئذ استشعرت أنه السلطان!

فلما كان بعد ساعة أتى شيخ المشايخ نور الدين الكرماني الذي ذكرناه قبل ، فصعد إلى السقيفة وسلّم على الرجل ، فقام إليه وجلس فيما بيني وبينه ، فحينئذ علمت أن الرجل هو السلطان ، ثم جيء بالجنازة وهي بين أشجار الأترج والليمون والنارنج ، وقد ملئوا أغصانها بثمارها والأشجار بأيدي الرجال ، فكأنّ الجنازة تمشي في بستان والمشاعل في رماح طوال بين يديها ، والشمع كذلك فصلّى عليها ، وذهب الناس معها إلى مدفن الملوك وهو بموضع يقال له (هلافيحان) (٩٢) على أربعة أميال من المدينة ، وهنالك مدرسة عظيمة ، يشقّها النهر ، وبداخلها مسجد تقام فيه الجمعة وبخارجها حمّام ويحفّ بها بستان عظيم وبها الطعام للوارد وللصادر ، ولم أستطع أن أذهب معهم إلى مدفن الجنازة لبعد الموضع فعدت إلى المدرسة ، فلما كان بعد أيام بعث إليّ السلطان رسوله الذي أتاني بالضيافة أولا يدعوني إليه فذهبت معه إلى باب يعرف بباب السّرو ، وصعدنا في درج كثيرة إلى أن انتهينا إلى موضع لا فرش به لأجل ما هم فيه من الحزن ، والسلطان جالس فوق مخدّة ، وبين يديه انيتان قد غطيتا ، إحداهما من الذهب والأخرى من الفضّة ، وكانت بالمجلس سجّادة خضراء ففرشت

__________________

(٩٢) يمكن تحديد هذا المكان في البقعة التي تحمل اسم (قلعة ـ إمدرسة) على بعد اثنى عشر ميلا شمال إيذج، بيد أنه في هذه الحالة ينبغي أن نقرأ أربعة فراسخ عوض أربعة أميال لأنها بعيدة كما يقول گيب Gibb

٢٧

لي بالقرب منه وقعدت عليها ، وليس بالمجلس إلا حاجبه الفقيه محمود ، ونديم له لا أعرف اسمه ، فسألني عن حالي وبلادي وسألني عن الملك الناصر وبلاد الحجاز ، فأجبته عن ذلك ، ثم جاء فقيه كبير هو رئيس فقهاء تلك البلاد ، فقال لي السلطان : هذا مولانا فضيل ، والفقيه ببلاد الأعاجم كلّها إنما يخاطب بمولانا (٩٣) ، وبذلك يدعوه السلطان وسواه ، ثم أخذ في الثناء على الفقيه المذكور وظهر لي أن السّكر غالب عليه! وكنت قد عرفت إدمانه على الخمر ، ثم قال لي : باللسان العربي ، وكان يحسنه : تكلّم! فقلت له : إن كنت تسمع منّي أقول لك ، أنت من أولاد السلطان أتابك أحمد المشهور بالصلاح والزهد ، وليس فيك ما يقدح في سلطنتك غير هذا! وأشرت إلى الآنيتين ، فخجل من كلامي ، وسكت وأردت الانصراف فأمرني بالجلوس وقال لي : الاجتماع مع أمثالك رحمة ، ثم رأيته يتمايل ويريد النوم ، فانصرفت وكنت تركت نعلي بالباب فلم أجده ، فنزل الفقيه محمود في طلبه ، وصعد الفقيه فضيل يطلبه في داخل المجلس ، فوجده في طاق هنالك ، فأتى إليّ به فأخجلني برّه ، واعتذرت إليه ، فقبّل نعلي حينئذ ، ووضعه على رأسه ، وقال لي : بارك الله فيك هذا الذي قلته لسلطاننا لا يقدر أحد أن يقوله له ، غيرك ، والله إني لأرجو أن يؤثر ذلك فيه.

ثم كان رحيلي من حضرة إيذج بعد أيام فنزلت بمدرسة السلاطين التي بها قبورهم ، وأقمت بها أياما ، وبعث إليّ السلطان بجملة دنانير ، وبعث بمثلها لأصحابي ، وسافرنا في بلاد هذا السلطان عشرة أيام في جبال شامخة (٩٤) ، وفي كل ليلة ننزل بمدرسة فيها الطعام ، فمنها ما هو في العمارة ، ومنها ما لا عمارة حوله ، ولكن يجلب إليها جميع ما تحتاج اليه.

وفي اليوم العاشر نزلنا بمدرسة تعرف بمدرسة كريو الرّخ (٩٥) ، وهي آخر بلاد هذا الملك ، وسافرنا منها في بسيط من الأرض كثير المياه من عمالة مدينة إصفهان ، ثم وصلنا إلى

__________________

(٩٣) من كلمة مولانا تأتي كلمة (مولا) بإيران والهند ، ولا ننسى أن كلمة (مولاي) تختص في المغرب على العموم بالمنحدرين من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم تقابلها كلمة (لالة) بالنسبة للسيدات المنحدرات من الرسول.

(٩٤) القصد إلى جبال زجروس (Zaghros) ، وحتى القرن الخامس عشر كان الطريق الذي يربط بين إيذج وبين إصبهان شاقا ويعرف باسم جادة الأتابكة.

(٩٥) گريو تعني بالفارسية المرتفع والتل ، ولم نقف على صدى لهذا الاسم في المعاجم الجغرافية الفارسية لكن ربما كان القصد إلى الاسم الحديث كهوروخ (Kahwarukh) في إقليم شهر محل.

٢٨

بلدة أشتركان (٩٦) ، ويضبط اسمها بضم الهمزة واسكان الشين المعجم وضم التاء المعلوة واسكان الراء وآخره نون ، وهي بلدة حسنة كثيرة المياه والبساتين ، ولها مسجد بديع يشقّه النهر ، ثم رحلنا منها إلى مدينة فيروزان (٩٧) ، واسمها كانّه تثنيّة فيروز ، وهي مدينة صغيرة ذات أنهار وأشجار وبساتين ، وصلناها بعد صلاة العصر فرأينا أهلها قد خرجوا لتشييع جنازة وقد أوقدوا خلفها وأمامها المشاعل ، واتبعوها بالمزامير والمغنّيين بانواع الأغاني المطربة فعجبنا من شأنهم ، وبتنا بها ليلة.

ومررنا بالغد بقرية يقال لها نبلان (٩٨) وهي كبيرة على نهر عظيم وإلى جانبه مسجد في النهاية من الحسن يصعد إليه في درج وتحفّه البساتين ، وسرنا يومنا فيما بين البساتين والمياه والقرى الحسان ، الكثيرة أبراج الحمام ، ووصلنا بعد العصر إلى مدينة إصفهان (٩٩) من عراق العجم ، واسمها يقال بالفاء الخالصة ويقال بالفاء المعقودة المفخّمة ، ومدينة إصفهان من كبار المدن وحسانها إلّا أنها الآن قد خرب أكثرها بسبب الفتنة التي بها بين أهل السنّة والروافض (١٠٠) ، وهي متّصلة بينهم حتى الآن ، فلا يزالون في قتال ، وبها الفواكه الكثيرة ، ومنها المشمش الذي لا نظير له ، يسمّونه بقمر الدّين وهم ييبّسونه ويدّخرونه ، ونواه ينكسر عن لوز حلو ، ومنها السفرجل الذي لا مثل له في طيب المطعم وعظم الجرم والأعناب الطيبة

__________________

(٩٦) تقع مدينة أشترجان (Ostorjan) عند الكيلوميتر ٣٦ غربي إصفهان ، وقد بنى المسجد المذكور أيام سلطنة خدابنده حيث يوجد منقوشا ما يلي : " أمر ببناء هذا المسجد المبارك الصاحب الاعظم ملك الوزراء في العالم فخر الدنيا والدّين محمد ابن محمود بن علي الاشترجاني ، ومما يوجد منقوشا على الباب الشرقي : " بسم الله الرحمن الرحيم وإن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ... بني في سنة خمس عشرة وسبعمائة". هذا وقد أصبح النهر الذي كان يشق المسجد ، أصبح خارجه ... ويذكر گيب أن أشتركان ـ ويعني مبرك الناقة ـ لم يرد في غير رحلة ابن بطوطة ـ د. التازي : إيران بين الأمس واليوم ص ٤٤ تعليق ٥٥.

(٩٧) فيروزان : مدينة تقع على بعد ستة فراسخ عن إصفهان وقد كتب عنها حمد الله مستوفى في كتابه نزهة القلوب ص ٥٢ / ٥٦ طبع تهران ...

(٩٨) نبلان أو (لونبان) قرية كبيرة وهي تحمل اليوم اسم شهر فيروزان ـ لطف الله : تاريخ أصفهان ص ٢٥١ / ٣٠٣.

(٩٩) مركز إصفهان أو نصف جهان ، أو نصف الدنيا يقع في ذلك العهد شرقي المركز الذي بني في القرن السابع عشر من لدن الشاه عباس الاول ...

(١٠٠) لقد هال ابن بطوطة ما بدا على المدينة من خراب ضرب أكثر معالمها قبل أن يفتحها المغول! وغدا يبحث عمن كان وراء ذلك الخراب ، هناك دعاة الشيعة وهناك دعاة السنة ، كلّ يريد أن يحتفظ بحريته فيما يسلكه على ما يؤكده المؤرخ القزويني حمد الله مستوفى ...

ـ د. موحد : سفرنامة ابن بطوطة ج ١ ، ص ٢١١ تعليق ١.

ـ د. التازي : إيران بين الأمس واليوم ، ص ٤٥ / ٦٣. مصدر سابق.

٢٩

٣٠

والبطيخ العجيب الشأن الذي ليس في الدنيا مثله إلّا ما كان من بطيخ بخاري وخوارزم وقشره أخضر وداخله أحمر ، ويدخر كما تدخر الشريحة بالمغرب وله حلاوة شديدة (١٠١) ، ومن لم يكن ألف أكله فإنه في أول أمره يسهله ، وكذلك اتّفق لي لمّا أكلته بأصفهان.

وأهل إصفهان حسان الصور وألوانهم بيض زاهرة مشوبة بالحمرة ، والغالب عليهم الشجاعة والنجدة وفيهم كرم وتنافس عظيم فيما بينهم في الأطعمة تؤثر عنهم فيه أخبار غريبة ، وربما دعاأحدهم صاحبه فيقول له : اذهب معي لتأكل نان وماس ، والنان بلسانهم الخبز ، والماس اللبن(١٠٢) ، فإذا ذهب معه أطعمه أنواع الطعام العجيب مباهيا له بذلك ، وأهل كل صناعة يقدّمون على أنفسهم كبيرا منهم يسمونه الكلو (١٠٣) ، وكذلك كبار المدينة من غير أهل الصناعات وتكون الجماعة من الشبّان الأعزاب ، وتتفاخر تلك الجماعات ويضيف بعضهم بعضا مظهرين لما قدروا عليه من الإمكان مختلفين في الأطعمة وسواها الاحتفال العظيم.

ولقد ذكر لي أن طائفة منهم أضافت طائفة أخرى فطبخوا طعامهم بنار الشمع ثم اضافتها الأخرى فطبخوا طعامهم بالحرير! وكان نزولي بأصفهان في زاوية تنسب للشيخ على ابن سهل(١٠٤) تلميذ الجنيد (١٠٥) وهي معظمة يقصدها أهل تلك الآفاق ويتبركون بزيارتها وفيها الطعام للوارد والصادر ، وبها حمّام عجيب مفروش بالرخام وحيطانه بالقاشاني وهو موقوف في السبيل لا يلزم أحدا في دخوله شيء ، وشيخ هذه الزاوية الصالح العابد الورع قطب الدين حسين بن الشيخ الصالح ولى الله شمس الدين محمد بن محمود بن

__________________

(١٠١) يعزون السر في وفرة الفواكه وطيب نكهتها في إصفهان إلى الماء الزلال الذي ينعم به الاقليم … ـ اعتماد السلطنة : مرآة البلدان ص ٥٦.

(١٠٢) ما يزال (الماسط) إلى الآن يكوّن المادة الاساسة في المائدة إلى جانب الارز والبصل النيّئ وقد تعودت على تناول الماسط الغنيّ بمادّته أيام سفارتي في تهران ...

(١٠٣) الكلو (Kulu) : أمين السوق وقد يطلق لقب كولو على أيّ الناس تحبّبا ومؤانسة.

(١٠٤) يقع ضريح علي بن سهل (ت ٣٠٨ ٩٢٠) في نهاية محلة تسمى طوقتجى حيث يوجد الجدار القديم لإصفهان الذي لم تبق منه إلا قطعة تقرب قليلا من خندق المدينة المسمّى في عهد السلجوقيين فلفاجي ... ويلاحظ أن الضريح والقبة لم يبق منهما أثر الآن ، ويعزى ذلك لكون علي بن سهل كان من أهل السنة ، وجل سكان المدينة شيعة ... وهذا هو الضريح الذي تمنى استاذنا المرحوم علال الفاسي عند زيارته ـ أن يقوم أحد بتقفي خطوات ابن بطوطة في إيران.

ـ د. التازي : إيران بين الأمس واليوم ، ص ٥ / ٤٩ ـ ملف الأبحاث : مؤسسة علال الفاسي ـ الرباط

(١٠٥) هو الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي أبو القاسم ... أول من تكلم في علم التوحيد ببغداد ، وعده العلماء شيخ مذهب التصوف لضبط مذهبه بقواعد الكتاب والسنة ، من كلامه : من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به) ، أدركه أجله سنة ٢٩٧ ٩١٠ في بغداد ...

٣١

علي المعروف بالرّجاء وأخوه العالم المفتى شهاب الدّين أحمد ، أقمت عند الشيخ قطب الدين بهذه الزاوية أربعة عشر يوما فرأيت من اجتهاده في العبادة وحبّه في الفقراء والمساكين وتواضعه لهم ما قضيت منه العجب ، وبالغ في اكرامي وأحسن ضيافتي وكساني كسوة حسنة وساعة وصولي الزاوية بعث اليّ بالطعام وبثلاث بطيخات من البطيخ الذي وصفناه أنفا ولم أكن رأيته قبل ولا أكلته.

كرامة لهذا الشيخ

دخل عليّ يوما بموضع نزولي من الزاوية وكان ذلك الموضع يشرف على بستان للشيخ ، وكانت ثيابه قد غسلت في ذلك اليوم ونشرت في البستان ، ورأيت في جملتها جبّة بيضاء مبطنة تدعى عندهم هزرميخي (١٠٦) ، فأعجبتني ، وقلت في نفسي : مثل هذه كنت أريد ، فلما دخل عليّ الشيخ نظر في ناحية البستان ، وقال لبعض خدّامه ايئتني بذلك الثوب الهزرميخي فأتوا به ، فكساني إياه فأهويت إلى قدميه أقبّلهما وطلبت منه أن يلبسني طاقية من رأسه ، ويجيزني في ذلك بما أجازه والده عن شيوخه ، فألبسني إياها في الرابع عشر لجمادى الأخيرة سنة سبع وعشرين وسبعمائة (١٠٧) بزاويته المذكورة كما لبس من والده شمس الدين ولبس والده من أبيه تاج الدّين محمود من أبيه شهاب الدّين على الرجاء ، ولبس علي من الإمام شهاب الدين أبي حفص عمر بن محمد بن عبد الله السهرودي (١٠٨) ولبس عمر من الشيخ الكبير ضياء الدين أبي النجيب السّهروردي ، ولبس أبو النجيب من عمّه الامام وحيد الدين عمر ولبس عمر من والده محمد بن عبد الله المعروف بعمويه ، ولبس محمد من الشيخ أخي فرج الزنجاني ولبس أخو فرج من الشيخ أحمد الدينوري ، ولبس أحمد من الإمام ممشاد الدينوري ، ولبس ممشاد من الشيخ المحقّق علي ابن سهل الصوفي ولبس علي من أبي القاسم الجنيد ولبس الجنيد من سريّ السقطي ولبس سريّ السقطيّ من داوود الطائي ،

__________________

(١٠٦) الكلمة تعني حرفيا" ألف مسمار" وهي عبارة عن جبة مرقّعة مؤلفة من قطع من قماش مختلفة الألوان.

(١٠٧) هذا يوافق ٧ مايه ١٣٢٧ ، ويبدو أنه ينبغي أن يعدّل إلى تاريخ ٧ أبريل (جمادى الأولى بدل الثانية) إذا ما قبلنا أن ابن بطوطة وصل بغداد عبر شيراز يوم ٢١ يونيه ١٣٢٧ وهو الامر الذي يعني ٤٠ يوما للسير. تلك ملاحظة إفان هربيك الذي اهتمّ كما هو معلوم بيومية الرحالة المغربي ... راجع التعليق رقم ٨١.

(١٠٨) عمر بن محمد بن عبد الله ابن عمويه السّهروردي الفقيه الشافعي من كبار الصوفية ، كان شيخ الشيوخ ببغداد أوفده الخليفة العباسي إلى عدة جهات رسولا ، أقعد في آخر عمره فكان يحمل إلى الجامع في محفة ، وقد أدركه أجله عام ٦٣٢ ١٢٣٤.

٣٢

ولبس داوود من الحسن بن أبي الحسن البصري ولبس الحسن بن أبي الحسن البصري من أمير المومنين علي بن أبي طالب.

قال ابن جزي : هكذا أورد الشيخ أبو عبد الله هذا السند ، والمعروف فيه أنّ سريّا السقطي صحب معروفا الكرخى (١٠٩) وصحب معروف داوود الطائي ، وكذلك داوود الطائي بينه وبين الحسن حبيب العجمي ، وأخو فرج الزنجاني إنما المعروف أنه صحب أبا العباس النّهاوندى ، وصحب النّهاوندى أبا عبد الله بن خفيف ، وصحب ابن خفيف أبا محمد رويما. وصحب رويم أبا القاسم الجنيد ، وأما محمد بن عبد الله عمويه فهو الذي صحب الشيخ أحمد الدينورى الأسود وليس بينهما أحد والله أعلم ، والذي صحب أخا فرج الزنجاني هو عبد الله بن محمد بن عبد الله والد أبي النّجيب.

رجع ، ثم سافرنا من إصفهان (١١٠) بقصد زيارة الشيخ مجد الدين بشيراز (١١١) وبينهما مسيرة عشرة أيام فوصلنا إلى بلدة كليل ، وضبطها بفتح الكاف وكسر اللام وياء مدّ ، وبينها وبين إصفهان مسيرة ثلاث وهي بلدة صغيرة ذات أنهار وبساتين وفواكه ، ورأيت التّفاح يباع في سوقها خمسة عشر رطلا عراقية بدرهم ، ودرهمهم ثلث النقرة ، ونزلنا منها بزاوية عمرها كبير هذه البلدة المعروف بخواجه كافي ، وله مال عريض قد أعانه الله على إنفاقه في سبيل الخيرات من الصدقة وعمارة الزوايا واطعام الطعام لابناء السبيل ، ثم سرنا من كليل

__________________

(١٠٩) معروف بن فيروز الكرخي ، أحد أعلام الزهاد والمتصوفين ، كان من موالي الامام علي الرضى بن موسى الكاظم ، اشتهر بالصلاح ، أدركه أجله عام ٢٠٠ ٨٨٥.

(١١٠) وجد المهتمون بآثار إصفهان ومعالمها الأثرية في عدم نص ابن بطوطة على المئذنة المتحركة (منار جنبان) دليلا على أنه أي المنار لم يكن موجودا أيام الرحالة المغربي للمدينة عام ٧٢٧ ١٣٢٧ سيما وهو لم يهمل الحديث عن المنار المتحرك بالبصرة على ما أسلفنا في التعليق رقم ٤٦.

(١١١) اسمه الصحيح هو اسماعيل بن يحيى بن اسماعيل ، ولد عام ٦٧١ ٣ ـ ١٢٧٢ وتوفي سنة ٧٥٥ ١٣٥٥ كان جده ووالده كلاهما قاضيا بشيراز ، انظر السبكى : طبقات الشافعية ، ٦ ، ٨٣ ـ ٨٤ القاهرةGibb ,T.٢ p.٠٠٣ Note ٩٩ هذا ولم نقف على تحديد لبلدة كليل.

(١١٢) يلاحظ أن معظم المخطوطات ترسم يومين ، باستثناء مخطوطة باريز رقم ٩٠٨ ٢٢٩٠ التي تكتب عوض يومين : يومئد ، وهي الصواب أما النسخة الملكية التي نعتمدها فقد بترت فيها هذه الصفحات ، وقد اقتصر گيب على هذه المخطوطات البارسية في الترجمة هكذا (On The Same Day).

(١١٣) موقع صرماء (Surme) قرية قبل منطقة قلي كوش (Qoli Kosh) على بعد يومين جنوب يزد خواسّت

BROWNE, A Year among the persians ٤٥٢ ـ GIBB T. ٢, ٨٩٢ N ٠٩

(١١٤) هكذا تكتب لكنها تكتب في الخريطة بالسين هكذا ، (يزد خواست) وقد شيّدت على صخرة شديدة الانحدار وصفت من لدن ثيفنو (Thevenot) في القرن الحادي عشر الهجري السابع عشر الميلادي وهي الآن خراب. ـ د. موحد : سفر نامه ج ١ ، ص ٢١٦.

٣٣

يومئد (١١٢) ووصلنا إلى قرية كبيرة تعرف (١١٣) بصرماء وبها زاوية فيها الطعام للوارد والصادر عمرها خواجه كافي المذكور ثم سرنا منها إلى يزد خاص (١١٤) ، وضبط اسمها بفتح الياء آخر الحروف واسكان الزاي وضم الدال المهمل وخاء معجم والف وصاد مهمل ، بلدة صغيرة متقنة العمارة حسنة السوق ، والمسجد الجامع بها عجيب مبني بالحجارة مسقّف بها ، والبلدة على ضفّة خندق، فيه بساتينها ومياهها وبخارجها رباط ينزل به المسافرون عليه باب حديد وهو في النهاية من الحصانة والمنعة ، وبداخله حوانيت يباع فيها كلّ ما يحتاجه المسافرون.

وهذا الرباط عمّره الأمير محمد شاه ينجو والد السلطان أبي إسحاق ملك شيراز ، وفي يزد خاص يصنع الجبن اليزد خاصي ولا نظير له في طيبه ووزن الجبنة منه من أوقيتين إلى أربع.

تم سرنا (١١٥) منها على طريق دشت الروم (١١٦) ، وهي صحراء يسكنها الأتراك ، ثم سافرنا إلى مايين (١١٧) واسمها بيائين مسفولتين أولاهما مكسورة ، وهي بلدة صغيرة كثيرة الأنهار والبساتين حسنة الأسواق ، وأكثر أشجارها الجوز.

ثم سافرنا منها إلى مدينة شيراز وهي مدينة أصليّة البناء ، فسيحة الأرجاء ، شهيرة الذكر ، منيفة القدر ، لها البساتين المونقة ، والأنهار المتدفقة ، والأسواق البديعة ، والشوارع الرفيعة ، وهي كثيرة العمارة متقنة المباني ، عجيبة الترتيب ، وأهل كل صناعة في سوقها لا يخالطهم غيرهم ، وأهلها حسان الصور نظاف الملابس ، وليس في المشرق بلدة تداني مدينة دمشق في حسن أسواقها وبساتينها وأنهارها وحسن صور ساكنيها إلّا شيراز ، وهي في بسيط من الأرض تحفّ بها البساتين من جميع الجهات وتشقّها خمسة أنهار : أحدها النهر المعروف بركن آباد (١١٨) وهو عذب الماء شديد البرودة في الصيف سخن في الشتاء فينبعث من عين في سفح جبل هنالك يسمى القليعة (١١٩) ، ومسجدها الأعظم يسمى بالمسجد

__________________

(١١٥) تزن الأوقية (Ocque) ٢٥٠ ، ١ غرام.

(١١٦) دشت الروم (Dacht RUN) أي صحراء الأتراك ، والقصد إلى الطوائف القشقائية التي تتكلم التركية.

د ـ التازي : إيران بين الأمس واليوم ص ٥٦.

(١١٧) تقع مايين على بعد ١٤ فرسخا شمال شيراز ، وقد ورد تحديدها في كتاب" مسالك وممالك" لأبي إسحاق إبراهيم إصطخري الذي حققه الاستاذ إيرج أفشار ص ١١٥ على نحو ما ذكره ابن بطوطة.

(١١٨) ركن أباد نهر مشهور على لسان الشاعر المعروف حافظ ، وله اسمان : ركن أباد ، أو ركني : اسم على أحد أمراء شيراز الذي هو ركن الدولة حسن بن بوبه الديلمي ويستمد ماءه من عين توجد على بضعة كيلوميترات شمال المدينة. ـ د. موحد : سفرنامه ج ١ ، ص ٢١٦.

(١١٩) القليعة : حصن صغير لم يرد ذكره ، على ما نعلم ، في مصدر آخر.

٣٤

٣٥

العتيق (١٢٠) وهو من أكبر المساجد ساحة وأحسنها بناء ، وصحنه متّسع مفروش بالمرمر ، ويغسل في أوان الحرّ كل ليلة ويجتمع فيه كبار أهل المدينة كلّ عشية ويصلّون به المغرب والعشاء وبشماله باب يعرف بباب حسن (١٢١) يفضي إلى سوق الفاكهة ، وهي من أبدع الأسواق ، وأنا أقول بتفضيلها على سوق باب البريد من دمشق وأهل شيراز أهل صلاح ودين وعفاف وخصوصا نساءها ، وهنّ يلبسن الخفاف ويخرجن متلحّفات متبرقعات ، فلا يظهر منهن شيء ولهن الصّدقات والإيثار ، ومن غريب حالهن أنهن يجتمعن لسماع الواعظ في كلّ يوم اثنين وخميس وجمعة بالجامع الأعظم ، فربّما اجتمع منهن الألف والألفان بايديهن المراوح يروّحن بها على أنفسهنّ من شدّة الحرّ ، ولم أر اجتماع النساء في مثل عددهنّ في بلدة من البلاد! وعند (١٢٢) دخولي إلى مدينة شيراز لم يكن لي همّ الا قصد الشيخ القاضي الامام قطب الأولياء فريد الدهر ذي الكرمات الظاهرة مجد الدين إسماعيل بن محمد بن خذاداد (١٢٣) ، ومعنى خذاداد : عطيّة الله فوصلت إلى مدرسته المجديّة المنسوبة اليه ، وبها سكناه وهي من عمارته فدخلت إليه رابع أربعة من أصحابي ، ووجدت الفقهاء وكبار أهل المدينة في انتظاره فخرج إلى صلاة العصر ومعه محبّ الدين وعلاء الدين ابنا أخيه : شقيقه روح الدين (١٢٤) أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ، وهما نائباه في القضاء لضعف بصره وكبر سنّه فسلمت عليه ، وعانقني وأخذ بيدي إلى أن وصل إلى مصلّاه فأرسل يدي ، وأوما إليّ أن أصلّي

__________________

(١٢٠) أسس هذا المسجد العتيق من لدن ملك سيجستان عمرو بن ليث الصفّار (ت ٢٨٩ ٩٢٠) الذي كان يملك أيضا إقليم فارس الذي يقع جنوب إيران شرقي اقليم بوشهر وغربي اقليم هرمز وهو ثاني أمراء الدولة الصفّارية ، ولى بعد وفاة مؤسس الدولة أخيه يعقوب بن الليث وأقره المعتمد العباسي على أعمال أخيه كلها ... له ترجمة حافلة ...

(١٢١) لم نقف على باب حسن هذا في مصدر آخر من المصادر التي تحدثت عن شيراز ... وممّا يذكر هنا أن جامع دمشق يحتوي على باب يحمل نفس الاسم وينفتح على سوق.

(١٢٢) من الطريف أن نجد المؤرخ الإيراني حمد الله مستوفي الذي كان قريبا من عصر ابن بطوطة يعجب هو الآخر بظاهرة تثقيف نساء شيراز ... وبينما يتحدث ابن بطوطة عن مسجد شيراز بأنه تحفة يتحدث حمد الله على أنه كان متاكلا صائرا إلى الخراب.

(١٢٣) سلفت ترجمة مجد الدين اسماعيل في التعليق رقم ١١١.

(١٢٤) في سنة ٧٢٧ ١٣٢٧ كان عمر مجد الدّين نحو ٥٠ سنة وكان النائبان الاثنان له أخويه : شرف الدين وروح الدين اللذين توفيا على التتابع عام ٧٣٢ ١٣٣٢ و ٧٣٥ ١٣٣٥ ، وهكذا فإن أبناء هذا الأخير هم الذين خلفوه ، الامر الذي يجعل لقاء ابن بطوطة تمّ عام ٧٤٧ ١٣٤٧ عند عودته إلى المغرب ... ، والإشارة إلى السن العالي للقاضي الذي لم يكن له عام ٧٢٧ ١٣٢٧ إلا خمسا وخمسين سنة ، يشهد أيضا لهذا التعقيب والجدير بالذكر أن الأخوين اللذين كانا يساعدان مجد الدّين هما على ما يبدو ، سراج الدين مكران (ت ١٣٣٢) وروح الدّين إسحاق (ت ١٣٥٥) وفي تاريخ لاحق وجدنا محبّ الدّين محمد ابن مكران وعلاء الدّين محمد ابن اسحاق هما اللذان يساعدان مجد الدين لما تقدّم سنّة.

٣٦

إلى جانبه ، ففعلت وصلّى صلاة العصر ، ثم قرىء بين يديه من كتاب المصابيح (١٢٥) ، وشوارق الأنوار للصاغاني (١٢٦) ، وطالعاه نائباه بما جرى لديهما من القضايا ، وتقدّم كبار المدينة للسلام عليه ، وكذلك عادتهم معه صباحا ومساء ثم سألني عن حالي وكيفية قدومي وسألني عن المغرب ومصر والشام والحجاز فأخبرته بذلك ، وأمر خدّامه فأنزلوني بدويرة صغيرة بالمدرسة (١٢٧).

وفي غد ذلك اليوم وصل إليه رسول ملك العراق السلطان أبي سعيد وهو ناصر الدين الدّرقندي (١٢٨) من كبار الأمراء خراساني الأصل فعند وصوله اليه نزع شاشيته عن رأسه وهم يسمّونها الكلا ، وقبّل رجل القاضي وقعد بين يديه ممسّكا أذن نفسه بيده ، وهكذا فعل أمراء التتر عند ملوكهم ، وكان هذا الأمير قد قدم في نحو خمسمائة فارس من مماليكه وخدامه وأصحابه ، ونزل خارج المدينة ودخل إلى القاضي في خمسة نفر ودخل مجلسه وحده منفردا تأدبا.

حكاية هي السبب في تعظيم هذا الشيخ وهي من الكرامات الباهرة (١٢٩)

كان ملك العراق السلطان محمد خذا بنده قد صحبه في حال كفره فقيه من الرّوافض الإمامية يسمى جمال الدين بن مطهر (١٣٠) ، فلما أسلم السلطان المذكور وأسلمت باسلامه

__________________

(١٢٥) القصد إلى كتاب (مصابيح السنّة) للمحدث الفقيه الحسين بن مسعود البغوي نسبة إلى بغا من قرى خراسان ، من كتبه أيضا شرح السنة ومعالم التنزيل والجمع بين الصحيحين ، أدركه أجله عام ٥١٠ ١١١٧.

(١٢٦) مشارق الأنوار ، وليس شوارق الأنوار ، من الكتب الجليلة التي ألفها رضى الدين الحسن بن محمد بن الحسن الصاغاني المولود في لاهور والمتوفّى ببغداد عام ٦٥٠ ١٢٥٢ ، وقد ألف (المشارق) برسم الخليفة المستنصر العباسي.

(١٢٧) عندما كان ابن بطوطة يتحدث عن" الأخية الفتيان ، الموجودين بجميع البلاد التركمانية الرومية والمرصودين لخدمة الغريب والاحتفاء بالوارد ، شبّههم في أفعالهم بأهل شيراز وإصفهان مؤكدا أن كرم هؤلاء أعظم وعطفهم أكثر ...

(١٢٨) لعل القصد إلى عماد الدين ناصر محمد الدّر قندي المتوفى سنة ٧٤٥ ١٣٤٥ فقد كان أميرا وسيدا كذك ... ويلاحظ مرة أخرى أنّ ابن بطوطة سجل هنا حدثا دوليا دبلوماسيا لم نجد صداه في المصادر التي تحدثت عن علاقات العراق بهذه الأقاليم ... وعن ابن بطوطة نقل زميلنا الراحل عباس العزّاوي في كتابه : (تاريخ العراق بين احتلالين) ، بغداد ١٩٣٦ ج II ، ٥١ وهناك أمير اخر درقندى : علي بن طالب كان حاكما للكوفة عام ٧٣٣ ـ ١٣٣٣ ، ص ٣٥ المصدر السابق ـ گيب ج II ص ٣٠١ تعليق ١٠٢.

(١٢٩) توجد لهذه الإفادات مراجع تؤكد ما وقع لمولانا مجد الدين إسماعيل مما يتعلق بنجاته من الكلاب الضّارية، وخاصة كتاب شد الإزار في حط الأوزار لمحيي الدين أبي القاسم جنيد شيرازي في شرحه لحياة مولانا مجد الدين إسماعيل. وفي الرواة من يبدل الكلاب بالأسود ...

(١٣٠) يعتبر جمال الدين الحسين أو الحسن بن يوسف ابن المطهر الحلّي من العلماء المتبحرين في علوم المعقول والمنقول ، وهو أحد تلامذة خواجة نصير الدين ، من كتبه (نهج الحق) و (كشف الغمّة) و (منهاج الكرامة) ... وكان يمتاز في بحوثه ومناقشاته بعدهم التعصب ، كانت وفاته في شهر المحرم سنة ٧٢٦ ١٣٢٥ ـ ٢٩ ابن حجر : الدرر ج ٢ ، صفحة ١٣٥ والصفحة ١٥٨ ـ ١٥٩.

٣٧

التتر زاد في تعظيم هذا الفقيه فزيّن له مذهب الروافض (١٣١) وفضله على غيره ، وشرح له حال الصحابة والخلافة ، وقرر لديه أنّ أبا بكر وعمر كانا وزيرين لرسول الله وان عليّا ابن عمه وصهره فهو وارث الخلافة ومثّل له ذلك بما هو مألوف عنده من أن الملك الذي بيده إنما هو إرث عن أجداده وأقاربه مع حدثان عهد السلطان بالكفر ، وعدم معرفته بقواعد الدّين ، فأمر السلطان بحمل الناس على الرفض وكتب بذلك إلى العراقين وفارس وأذربيجان وإصفهان وكرمان وخراسان ، وبعث الرسل إلى البلاد ، فكان أول بلاد وصل إليها ذلك بغداد وشيراز وإصفهان ، فأما أهل بغداد فامتنع أهل باب الأزج (١٣٢) منهم وهم أهل السنّة واكثرهم على مذهب الامام أحمد بن حنبل وقالوا : لا سمع ولا طاعة! وأتو المسجد الجامع يوم الجمعة في السلاح وبه رسول السلطان فلما صعد الخطيب المنبر قاموا إليه ، وهم نحو اثني عشر ألفا في سلاحهم وهم حماة بغداد والمشار اليهم فيها ، فحلفوا له : إنه إن غيّر الخطبة المعتادة أو زاد فيها أو نقص منها فانهم قاتلوه وقاتلوا رسول الملك ومستسلمون بعد ذلك لما شاءه الله!

وكان السلطان أمر بأن تسقط أسماء الخلفاء وساير الصحابة من الخطبة ولا يذكر إلا اسم علي ومن تبعه كعمّار رضي‌الله‌عنهم فخاف الخطيب من القتل ، وخطب الخطبة المعتادة ، وفعل أهل شيراز وإصفهان كفعل أهل بغداد ، فرجعت الرسل إلى الملك فاخبروه بما جرى في ذلك ، فأمر أن يوتي بقضاة المدن الثلاث فكان أول من أوتى به منهم القاضي مجد الدين قاضي شيراز والسلطان إذ ذاك في موضع يعرف بقراباغ (١٣٣) ، وهو موضع مصيفه ، فلمّا وصل القاضي أمران يرمى به إلى الكلاب التي عنده وهي كلاب ضخام في اعناقها السلاسل معدّة لأكل بني آدم ، فإذا أوتي بمن يسلّط عليه الكلاب جعل في رحبة كبيرة مطلقا غير مقيّد ثم بعثت تلك الكلاب عليه فيفرّ أمامها ولا مفرّ له فتدركه فتمزّقه وتأكل لحمه! فلما أرسلت

__________________

(١٣١) من أهم المقاطع التاريخية عند ابن بطوطة حول الصّراع على المذهب الرسمي للدولة : هل التشيّع أو التسنّن؟ وقد عشت الجمعة تاسع رمضان ١٣٩٩ ٣ غشت ١٩٧٩ في إيران يوم انتخاب مجلس الخبراء الذي يفصل في الدستور الإيراني الذي ينص على هوية المذهب الرسمي للدولة الجديدة ...

ـ د. التازي : إيران بين الأمس واليوم ، ص ٦٤ وما بعدها ...

(١٣٢) باب الأزج من محالّ بغداد الجنوبية ، هذا ولابدّ أن تلفت نظرنا هذه الحركة الدبلوماسيّة التي جرت عام ٧١٠ ١٣١٠ بما تتضمنه من سفارات ورسائل الأمر الذي تميّزت به رحلة ابن بطوطة.

ـ ابن الكازروني : مختصر التاريخ ، تحقيق د. مصطفى جواد ، فهرست سالم الآلوسي ، بغداد ١٩٧٠ ، ص ٢٢٦Gibl ,The Travels T.٢.P.٢٠٣ Note ٨٠١

(١٣٣) يقع قره باغ على قمم الجبال شمال وادي اراس (ARAS) ومن خلال هذا نعرف عن تمسك المغول الايلخان بعادتهم في التنقل وقصدهم لأعالي الجبال عند الصيف ـ عمّار الذي ورد ذكره هنا أدركه أجله في معركة صفين عام ٣٧ ٦٥٧

P.CLAVIJO ,EMBASSY TO TAMERLANE ,London ٨٢٩١

٣٨

الكلاب على قاضي مجد الدين ووصلت اليه بصبصت إليه وحركت أذنابها بين يديه ولم تهجم عليه بشيء فبلغ ذلك السلطان ، فخرج من داره حافي القدمين ، فأكبّ على رجلي القاضي يقبّلهما ، وأخذ بيده وخلع عليه جميع ما كان عليه من الثياب ، وهي أعظم كرامات السلطان عندهم. وإذا خلع ثيابه كذلك على أحد كانت شرفا له ولبنيه وأعقابه يتوارثونه ما دامت تلك الثياب أو شيء منها وأعظمها في ذلك السراويل (١٣٤) ، ولما خلع السلطان ثيابه على القاضي مجد الدين أخذ بيده وأدخله إلى داره وأمر نساءه بتعظيمه والتبرك به ورجع السلطان عن مذهب الرفض ، وكتب إلى بلاده أن يقرّ الناس على مذهب أهل السنة والجماعة (١٣٥) واجزل العطاء للقاضي وصرفه إلى بلاده مكرما معظما ، وأعطاه في جملة عطاياه مائة قرية من قرى جمكان (١٣٦) ، وهو خندق بين جبلين طوله أربعة وعشرون فرسخا يشقّه نهر عظيم والقرى منتظمة بجانبيه ، وهو احسن موضع بشيراز ، ومن قراه العظيمة التي تضاهي المدن قرية ميمن وهي للقاضي المذكور.

ومن عجائب هذا الموضع المعروف بجمكان أن نصفه ممّا يلي شيراز ، وذلك مسافة اثنى عشر فرسخا شديد البرد وينزل فيه الثلج واكثر شجره الجوز ، والنصف الآخر ممّا يلي بلاد هنج وبال وبلاد اللّار في طريق هرمز ، شديد الحرّ وفيه شجر النخيل.

__________________

(١٣٤) عادة خلع السّراويل من أعظم الدلالات على التقدير والمحبة! والجدير بالذّكر أن هذه العادة كانت معروفة في تاريخ علاقات ملوك المغرب بأمراء شنقيط ، وهكذا ففي الوقت الذي كنا نقرأ فيه عن تبادل الهدايا بين هؤلاء وأولئك ، قرأنا في أحد الهوامش على كتاب (التكملة في تاريخ إمارتي البراكنة والترارزة) أن السلطان سيدي محمد بن عبد الله أهدى السّروال الأبيض إلى المختار بن اعمر لما وفد عليه في تيشّيت ... ـ يراجع محمد فال بن بابه العلوي : التكملة ، ص ٤٤ تحقيق الزميل الأستاذ أحمد ولد الحسن بيت الحكمة ـ تونس ١٩٨٦.

(١٣٥) يلاحظ أن السلطان أولجايتو لم يقلع عن مذهبه الشيعي ولكنه أظهر نوعا من التسامح مع أهل السنة ... ولم يمكن للمذهب السنّي أن يصبح رسميا إلّا عند تنصيب ولده السلطان أبي سعيد عام ٧١٦ ١٣١٦.

SUPLER : DIE Mongolen in IRAN

د. التازي : ايران بين الأمس واليوم ص ٦٤ وما بعدها.

(١٣٦) يضع مستوفي جمكان علي بعد خمسه فراسخ جنوب كور (CAVAR) وعلى ستة فراسخ شمال ميمند على مقربة من زنجيران الحالية.

ويظهر أن ابن بطوطة اختلط عليه اسم جمكان باسم شيمكان (Sim ـ kan) التي على منتصف الطريق بين ميمن وكارزي ـ ابن بطوطة عند عودته عام ٧٤٧ ١٣٤٧ وضع جمكان بين هذين المكانين. على ما سنرى في السفر الثاني (IV ، ٣١١) ـ ميمند التي تقع شرق فيروز أباد هي ميمن ابن بطوطة ، ونذكر أن لتقسيم ابن بطوطة الاقليم إلى منطقتين أصلا في تاريخ البلاد ... وحسب المعلومات التي يقدمها" دليل شيراز" فإن دائرة ميمند كانت اسست من لدن خاتون كوقف على مسجد به قبر يدعى شاه شيراغ ...

٣٩

٤٠