رحلة ابن بطوطة - ج ٢

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي

رحلة ابن بطوطة - ج ٢

المؤلف:

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي


المحقق: عبد الهادي التازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أكاديمية المملكة المغربية
الطبعة: ٠
ISBN: 9981-46-008-7
ISBN الدورة:
9981-46-006-0

الصفحات: ٢٦٨

تحت ذمّة المسلمين من التركمان (٩) ، وسرنا في البحر عشرا بريح طيّبة ، وأكرمنا النّصرانيّ ولم يأخذ منّا نولا (١٠) ، وفي العاشر وصلنا إلى مدينة العلايا (١١) ، وهي أول بلاد الروم.

وهذا الاقليم المعروف ببلاد الروم من أحسن أقاليم الدنيا وقد جمع الله فيه ما تفرّق من المحاسن في البلاد ، فأهله أجمل الناس صورا وأنظفهم ملابس وأطيبهم مطاعم واكثر خلق الله شفقة، ولذلك يقال البركة في الشام والشفقة في الروم ، وانّما عني به أهل هذه البلاد ، وكنّا متى نزلنا بهذه البلاد زاوية أو دارا يتفقّد أحوالنا جيراننا من الرجال والنساء ، وهنّ لا يحتجبن فإذا سافرنا عنهم ودّعونا كأنهم أقاربنا وأهلنا ، وترى النساء باكيات ، لفراقنا متأسفات.

ومن عادتهم بتلك البلاد أن يخبزوا الخبز في يوم واحد من الجمعة يعدّون فيه ما يقوتهم سائرها ، فكان رجالهم يأتون الينا بالخبز الحار في يوم خبزه ومعه الإدام الطيّب إطرافا لنا بذلك ، ويقولون لنا : إنّ النساء بعثن هذا إليكم وهنّ يطلبن منكم الدعاء.

وجميع أهل هذه البلاد على مذهب الامام أبي حنيفة رضي‌الله‌عنه مقيمين على السّنّة لا قدرىّ فيهم ولا رافضيّ ولا معتزلي ولا خارجيّ ولا مبتدع ، وتلك فضيلة خصّهم الله تعالى بها إلّا أنّهم ياكلون الحشيش ولا يعيبون ذلك.

ومدينة العلايا التي ذكرناها كبيرة على ساحل البحر يسكنها التّركمان ، وينزلها تجار مصر واسكندريّة والشام ، وهي كثيرة الخشب ومنها يحمل إلى اسكندرية ودمياط ويحمل

__________________

(٩) فتحت بلاد الأناضول (ANATOLIA) انطلاقا من آسيا ، من لدن التركمان الذين عمّروها في وقت سابق بعد الانتصار الذي حققه ألب ارسلان السلجوقي في ملازگيردMALAZGIRD بتاريخ ٢٠ ذي القعدة ٤٦٣ ١٩ غشت ١٠٧١ على الامبراطور رومانيوس الرابع وفي وقت لاحق مع تأسيس وتطور الإمارات التركية ابتداء من القرن السابع الهجري الرابع عشر الميلادي ...

(١٠) النّول ج أنوال : الأجرة ويعتقد گيب أن للكلمة صلة بالمعنى التقني للكلمة الايطالية التي تعني تكلفة الشحن ... ومنه الاسم بالإيطاليةNolo.

(١١) العلايا هي اليوم ألانيا (ALANYA) ، ربما كان الاسم في الأصل هو العلائية نسبة إلى علاء الدين كيقباد بن غياث الدّين كيخسرو الأول السلطان السلجوقي لبلاد الروم : آسيا الصغرى ، وتقع العلايا شرقي خليج أنطالياAntalya وقد احتلها عام ٦١٧ ١٢٢٠ وحصّنها كمنفذ لدولته على البحر المتوسط وقد حكم علاء الدّين مدة ٢٦ عاما ... وتوفي عام ٦٣٦ ١٢٣٨ بعد أن تجرع السم من يد ابنه كيخسرو الذي جلس على العرش تحت اسم غياث الذين كيخسر بن كيقباد .. إلى أن أصبح الحل والعقد في المنطقة بيد المغول ... د. أحمد كمال الدين حلمي : السلاجقة في التاريخ والحضارة ، الكويت ١٣٩٥ ١٩٧٥ ص ٨٧.

١٦١

منها إلى سائر بلاد مصر ولها قلعة بأعلاها (١٢) عجيبة منيعة بناها السلطان المعظم علاء الدين الروميّ ، ولقيت بهذه المدينة قاضيها جلال الدين الأرزنجانيّ ، وصعد معي إلى القلعة يوم الجمعة فصلّينا بها ، وأضافني وأكرمني وأضافني أيضا بها شمس الدين بن الرجيحاني الذي توفّى أبوه علاء الدين بمالي من بلاد السودان.

ذكر سلطان العلايا

وفي يوم السبت ركب معي القاضي جلال الدين وتوجّهنا إلى لقاء ملك العلايا ، وهو يوسف بك (١٣) ومعنى بك : الملك ، ابن قرمان بفتح القاف والراء ، ومسكنه على عشر أميال من المدينة فوجدناه قاعدا على الساحل وحده فوق رابية هنالك والأمراء والوزراء أسفل منه والأجناد عن يمينه ويساره وهو مخضوب الشّعر بالسواد فسلّمت عليه ، وسألني عن مقدمي فأخبرته عمّا سأل وانصرفت عنه ، وبعث إليّ إحسانا.

وسافرت من هنالك إلى مدينة أنطالية (١٤) وضبط اسمها بفتح الهمزة واسكان النون وفتح الطاء المهمل والف ولام مكسور وياء كآخر الحروف ، وامّا التي بالشام هي أنطاكية على وزنها إلا أن الكاف عوّض عن اللّام ، وهي من أحسن المدن متناهية في اتّساع الساحة والضخامة أجمل ما يرى من البلاد وأكثره عمارة وأحسنه ترتيبا ، وكل فرقة من سكّانها منفردة بأنفسها عن الفرقة الأخرى ، فتجار النصارى ماكثون منها بالموضع المعروف بالميناء (١٥) وعليهم سور تسدّ أبوابه عليهم ليلا ، وعند صلاة الجمعة ، والروم الذين كانوا أهلها قديما ساكنون بموضع آخر منفردين به، وعليهم أيضا سور ، واليهود في موضع آخر وعليهم سور ، والملك وأهل دولته ومماليكه يسكنون ببلدة عليها أيضا سور يحيط بها ، ويفرّق بينها وبين ما

__________________

(١٢) هذا الحصن كما نرى من بناء علاء الدين قيقباذ الأول على موقع بيزنطي سابق ، القدرية : قوم يقولون : ان كل عبد من عباد الله خالق لفعله متمكن من عمله أو تركه بارادته ، عكس الجبرية ـ لفظ (الجمعة) يعني به ابن بطوطة (الأسبوع) على ما هو المستعمل عند المغاربة في دارجتهم اليوم وليس القصد إلى يوم الجمعة ـ حول القدري والرافضي والمعتزلي والخارجي والمبتدع تراجع دائرة المعارف الاسلامية ـ المبتدع : المرتكب للبدع : حول باقي العبارات انظر دائرة المعارف الإسلامية.

(١٣) فتحت العلايا عام ٦٩٢ ١٢٩٣ من قبل أصحاب قرمان أغلوا الذين خلفوا السلاجقة في المركز الجنوبي للأناضول ، العمري الجغرافي المعاصر لابن بطوطة المتوفى ٧٤٩ ١٣٤٩ يذكر كذلك اسم يوسف كحاكم للعلايا باسم قرمان أو غلو ، بيد أن هذه الشخصية لم تظهر ضمن شجرة هذه الدولة ...

(١٤) أنطاليا هي بالتركية ادالياADALIA ، وفي العصر الوسط سميت ساطاليا ، احتلت عام ٦٠٣ ١٢٠٧ من قبل الملك السلجوقي غياث الدين كيخسرو الاول (KAYHUSRIO) ثم بعد ذلك احتلت من لدن التركمان بزعامة تيك أوغلو.

(١٥) يلاحظ من خلال هذه الافادة وجود التجار المسيحيين وكذا اليهود في هذا الموقع ...

١٦٢

ذكرناه من الفرق ، وسائر الناس من المسلمين يسكنون المدينة العظمى ، وبها مسجد جامع ومدرسة وحمّامات كثيرة وأسواق ضخمة مرتّبة بأبدع ترتيب ، وعليها سور عظيم يحيط بها ، وبجميع المواضع التي ذكرناها ، وفيها البساتين الكثيرة والفواكه الطّيبة والمشمش العجيب المسمّى عندهم بقمر الدين ، وفي نواته لوز حلو وهو ييبس ويحمل إلى ديار مصر ، وهو بها مستطرف ، وفيها عيون الماء الطيّب العذب الشديد البرودة في أيّام الصيف. ونزلنا من هذه المدينة بمدرستها ، وشيخها شهاب الدين الحمويّ ، ومن عادتهم أن يقرأ جماعة من الصبيان بالأصوات الحسان بعد العصر من كلّ يوم في المسجد الجامع وفي المدرسة أيضا سورة الفتح وسورة الملك وسورة عمّ (١٦).

ذكر الأخيّة الفتيان (١٧).

واحد الأخية أخي على لفظ الأخ إذا أضافه المتكلّم إلى نفسه ، وهم بجميع البلاد التّركمانيّة الروميّة في كل بلد ومدينة وقرية ، ولا يوجد في الدنيا مثلهم أشد احتفالا بالغرباء من الناس وأسرع إلى إطعام الطعام وقضاء الحوائج ، والأخذ على أيدي الظّلمة ، وقتل الشّرط ومن لحق بهم من أهل الشرّ.

والأخي عندهم : رجل يجتمع أهل صناعته وغيرهم من الشبّان الأعزاب والمتجرّدين ويقدّمونه على أنفسهم ، وتلك هي الفتوّة (١٨) أيضا ، ويبني زاوية ويجعل فيها الفرش والسّرج ، وما يحتاج اليه من آلات ، ويخدم أصحابه بالنهار في طلب معائشهم ويأتون إليه بعد العصر بما يجتمع لهم فيشترون به الفواكه والطعام إلى غير ذلك ممّا ينفق في الزّاوية ، فإذا ورد في ذلك اليوم مسافر على البلد أنزلوه عندهم وكان ذلك ضيافته لديهم ، ولا يزال عندهم حتى ينصرف ، وإن لم يرد وارد اجتمعوا هم على طعامهم فأكلوا وغنّوا ورقصوا وانصرفوا إلى صناعتهم بالغدوّ ، وأتوا بعد العصر إلى مقدّمهم بما اجتمع لهم.

ويسمّون بالفتيان ، ويسمّى مقدّمهم كما ذكرنا الأخي ، ولم أر في الدنيا أجمل أفعالا منهم، ويشبههم في أفعالهم أهل شيراز وإصفهان إلّا أنّ هؤلاء أحبّ في الوارد والصادر وأعظم اكراما له وشفقة عليه. وفي الثاني من يوم وصولنا إلى هذه المدينة أتى أحد هؤلاء

__________________

(١٦) السورة ٤٨ و ٦٧ و ٧٨ من القرآن الكريم.

(١٧) هاته الجماعة (الأخية) يمكن ترتيبها بين الزاوية الدينية ، وبين الرابطة المهنية ، : تنظيم أصيل في آسيا الصغرى في عهد الفتوح والثورات السياسية والدينية ، والجدير بالذكر أن معظم المعلومات التي نتوفر عليها حول هذه الجماعة هي التي قدمها لنا هذا الرحالة المغربي ...

(١٨) الفتوّة رابطة مهنية وشعبية حضرية في العالم الإسلامي ، وعلى ذلك العهد وجدنا أن الأخية والفتوة يرتبطان معا بالزاوية الصوفية. الموسوعة الإسلاميةEncy.ISLAM.

١٦٣

١٦٤

الفتيان إلى الشيخ شهاب الدين الحمويّ وتكلّم معه باللّسان التركيّ ، ولم أكن يومئذ أفهمه (١٩) ، وكان عليه أثواب خلقة وعلى رأسه قلنسوة لبد ، فقال لي الشيخ : أتعلم ما يقول هذا الرجل؟ لا أعلم ما قال ، فقال لي أنّه يدعوك إلى ضيافته أنت واصحابك فعجبت منه وقلت له نعم ، فلمّا انصرف ، قلت للشيخ : هذا رجل ضعيف ولا قدرة له على تضييفنا ولا نريد أن نكلّفه ، فضحك الشيخ ، وقال لي : هذا أحد شيوخ الفتيان الأخيّة ، وهو من الخرّازين ، وفيه كرم نفس وأصحابه نحو مائتين من أهل الصناعات قد قدّموه على أنفسهم وبنوا زاوية للضيافة وما يجتمع لهم بالنّهار أنفقوه بالليل.

فلمّا صلّيت المغرب عاد إلينا ذلك الرجل وذهبنا معه إلى زاويته فوجدنا زاوية حسنة مفروشة بالبسط الروميّة الحسان ، وبها الكثير من ثريّات الزجاج العراقي.

وفي المجلس خمسة من البياسيس والبيسوس شبه المنارة من النحاس له أرجل ثلاث وعلى رأسه شبه جلّاس من النحاس وفي وسطه أنبوب للفتيلة ، ويملأ من الشّحم المذاب ، وإلى جانبه آنية نحاس ملأى بالشحم وفيها مقراض لإصلاح الفتيل ، وأحدهم موكّل بها ، ويسمّى عندهم الجراجي (٢٠).

وقد اصطفّ في المجلس جماعة من الشبّان ولباسهم الأقبية (٢١) ، وفي أرجلهم الأخفاف ، وكل واحد منهم متحزّم ، على وسطه سكّين في طول ذراعين ، وعلى رؤسهم قلانس (٢٢) بيض من الصوف ، بأعلى كلّ قلنسوة قطعة موصولة بها في طول ذراع وعرض أصبعين ، فإذا استقرّ بهم المجلس نزع كلّ واحد منهم قلنسوة ووضعها بين يديه ، وتبقى على رأسه

__________________

(١٩) يعلّق گيب على هذا بأن ابن بطوطة في قوله" يومئذ" انما كان يتبجح! والا فإنه لم يكن في استطاعته أن يعرف التركية حتى فيما بعد ...! لكن يبدو لنا من خلال تتبّع الرّحالة المغربي أنّه ، على العكس من ذلك ، أمسى بالفعل يتوفر على نصيب من هذه اللغة ولو أن بضاعته في الفارسية كانت أكثر وأوفر على ما نرى ...

(٢٠) كلمة البيسوس من أصل فارسي PIH ـ SUZ ، وكذلك كلمة الجراجي فإن أصلها شيراغجي (Chiraghji) ، والمصباح يحمل اسم جراغ (CHIRACH).

(٢١) جمع قباء : لباس فضفاض ،

خاط لي عمرو قباء

ليت عينيه سواء!!

(٢٢) أصبحت القلانس فيما بعد هي الشعار الذي اتخذه الجيش الانكشاري للإمبراطورية العثمانية على ما يذكر ...

١٦٥

قلنسوة أخرى من الزّردخانيّ (٢٣) ، وسواه حسنة المنظر ، وفي وسط مجلسهم شبه مرتبة موضوعة للواردين.

ولمّا استقرّ بنا المجلس عندهم أتو بالطعام الكثير والفاكهة والحلواء ثم أخذوا في الغناء والرقص ، فراقنا حالهم وطال عجبنا من سماحهم وكرم أنفسهم وانصرفنا عنهم آخر الليل وتركناهم بزاويتهم.

ذكر سلطان أنطاليا

وسلطانها خضر بك بن يوسف بك (٢٤) ، وجدناه عند وصولنا إليها عليلا ، فدخلنا عليه بداره وهو في فراش المرض فكلّمنا بألطف كلام وأحسنه وودّعناه وبعث إلينا بإحسان ، وسافرنا إلى بلدة بردور (٢٥) وضبط اسمها بضم الباء الموحدة واسكان الراء وضم الدال المهمل وواو وراء ، وهي بلدة صغيرة كثيرة البساتين والأنهار ، ولها قلعة في رأس جبل شاهق نزلنا بدار خطيبها واجتمعت الأخيّة ، وأرادوا نزولنا عندهم ، فأبى عليهم الخطيب فصنعوا لنا ضيافة في بستان لأحدهم وذهبوا بنا إليها فكان من العجائب إظهارهم السرور بنا والاستبشار والفرح. وهم لا يعرفون لساننا ونحن لا نعرف لسانهم ولا ترجمان فيما بيننا ، وأقمنا عندهم يوما وانصرفنا.

__________________

(٢٣) الزردخاني : الكلمة من أصل فارسي الزّرد (يعني اللون الأصفر) ، ويبدوا أنه ثوب حريري شفاف. وفي المغرب وبفاس على الخصوص كان الناس يطلقون الزردخان على نوع من القماش الشبيه بالملف الا أنه أقل منه قيمة ...

(٢٤) هذه الدولة التركمانية التي تحكمت طوال القرن الرابع عشر في ساحل خليج أنطاليا (اداليا) وفي القواعد الخلفية للبلاد التي تعرف" بمنطقة الترك" تكوّن هذه الدولة فرعين اثنين انحدرا من أخوين : الأول دوندار (Dundar) الذي سيعرف المنحدرون منه باسم آل حميد أوغلو في إكريدير (EGRIDIR) الثاني يونس (Yunus) ، الذي سيكوّن أسرة تيك أوغلو في أنطاليا ـ (التعليق ١٤) تمرتاش ابن النوين جوبان هو الذي سيخضع الفرعين معا عام ٧٢٤ ١٣٢٤ ، وسيعطي أنطاليا لأحد أبناء يونس ، يسمى محمود لكن بعد فرار تمرتاش إلى الناصر عام ٧٢٧ ١٣٢٧ ، قام ولد له آخر يحمل اسم خضر بضبط أنطاليا ... وهو الذي يحكي عنه ابن بطوطة ... والمهم في حياة تمرتاش هذا أنه اصابته لوثة في عقله فزعم انه المهدي المنتظر فبلغ أباه ذلك وركب اليه وردّه عن هذا المعتقد ثم ولاه ابو سعيد الحكم في بلاد الروم. وبعد أن قتل أخوه دمشق خجا خاف من بو سعيد ففر إلى مصر حيث قوبل بالترحاب ، وكانت المهادنة بين الناصر وبين أبي سعيد فكتب هذا للناصر يطلب رأس تمرتاش وطلب الناصر في مقابلة ذلك رأس قراسنقرا وكان قتل تمرتاش في رمضان ٧٢٨ يوليه ـ غشت ١٣٢٨ الدرر ٢ ، ٥٣.

(٢٥) بردور الحالية على مقربة من البركة التي تحمل نفس الاسم على بعد ١٦٠ ك. م شمال أنطاليا. لم يبق أي أثر للقلعة التي ذكرها ابن بطوطة.

١٦٦

ثم سافرنا من هذه البلدة إلى بلدة سبرتا (٢٦) وضبط اسمها بفتح السين المهمل والباء الموحدة واسكان الراء وفتح التاء المعلوّة وألف ، وهي بلدة حسنة العمارة والأسواق كثيرة البساتين والأنهار،لها قلعة في جبل شامخ وصلناها بالعشيّ ، ونزلنا عند قاضيها ، وسافرنا منها إلى مدينة أكريدور (٢٧) ، وضبط اسمها بفتح الهمزة وسكون الكاف وكسر الراء وياء مدّ ودال مهمل مضموم وواو مدّ وراء ، مدينة عظيمة كثيرة العمارة ، حسنة الأسواق ذات أنهار وأشجار وبساتين ولها بحيرة عذبة الماء يسافر المركب فيها يومين إلى أقشهر وبقشهر وغيرهما من البلاد والقرى (٢٨) ونزلنا منها بمدرسة تقابل الجامع الأعظم بها المدرس العالم الحاجّ المجاور الفاضل مصلح الدين ، قرأ بالدّيار المصرّيّة والشام وسكن العراق مدّة وهو فصيح اللسان ، حسن البيان ، أطروفة من طرف الزمان ، أكرمنا غاية الاكرام ، وقام بحقّنا أحسن قيام.

ذكر سلطان أكريدور

وسلطانها أبو إسحاق بك بن الدّنداربك (٢٩) ، من كبار سلاطين تلك البلاد سكن ديار مصر أيّام أبيه ، وحج ، وله سير حسنة ، ومن عادته أنه يأتي كل يوم إلى صلاة العصر بالمسجد الجامع فإذا قضيت صلاة العصر استند إلى جدار القبلة وقعد القرّاء بين يديه على مصطبة خشب عالية فقرأوا سورة الفتح والملك وعمّ ، بأصوات حسان فعّالة في النفوس تخشع لها القلوب وتقشعرّ الجلود وتدمع العيون ، ثم ينصرف إلى داره ، وأظلّنا عنده شهر رمضان (٣٠) فكان يقعد في كلّ ليلة منه على فراش لاصق بالأرض من غير سرير ، ويستند

__________________

(٢٦) سبرتا (ISPARTA) على بعد ٢٢ ك. م. شرقي بردور احتلت أولا عام ٥٩٩ ١٢٠٣ من قبل السلاجقة ، وكانت على ما يذكر المؤرخون تمتاز على سائر مدن انطاليا في مائها ومناخها ...

(٢٧) القصد إلى إگريدير (EGRIDIR) على بعد ٣٠ ك. م شمال شرق إسبّرتا جنوب طرق البحيرة التي تحمل نفس الاسم ، كانت على ذلك العهد عاصمة لدندار بك الذي أعطاها اسم فلك أباد ، أخذا من اسمه فلك الدّين.

(٢٨) توجد أقشهر (AKSHEHIR) على بعد ١٢٥ ك. م شمال شرقي أكريدير ، وراء جبال السلطان داغ أما بقشهرBEYSHEHIR فتقع في الجنوب الشرقي ، على ساحل البحيرة التي تحمل نفس الاسم. ويبدو أن ابن بطوطة يقصد بقوله وغيرهما من البلاد والقرى ، أنه بقطع هذه البحيرة يمكن للمرء أن يقف على مواقع أخرى ...

(٢٩) أبو اسحاق هو الملك الثالث من دولة حميد أوغلو دوندار ابن حميد الذي كان له لقب فلك الدّين توفر على عدد كبير من المواقع بيد أنه عام ١٣٢٤ ٧٢٤ انهزم وقتل من لدن تمرتاش ابن الجوبان وبعد فرار هذا الأخير إلى القاهرة تولى أبو اسحاق الأمر على قسم من منطقة شمال المملكة التي ما تزال تحمل اسم حميد إلى Hamid ـ eli.

(٣٠) أول شهر رمضان لسنة ٧٣٣ يوافق ١٦ ماي ١٣٣٣.

١٦٧

إلى مخدّة كبيرة ، ويجلس الفقيه مصلح الدين إلى جانبه ، وأجلس إلى جانب الفقيه ، ويلينا أرباب دولته وأمراء حضرته ثم يؤتي بالطعام ، فيكون أوّل ما يفطر عليه ثريد في صحفة صغيرة ، عليه العدس مسقى بالسمن والسكّر ، ويقدّمون الثريد تبرّكا ، ويقولون : إن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فضّله على سائر الطعام فنحن نبدأ لتفضيل النبيّ له ، ثم يؤتى بسائر الأطعمة ، وهكذا فعلهم في جميع ليالي رمضان.

وتوفّى في بعض تلك الأيام ولد السلطان فلم (٣١) يزيدوا على بكاء الرحمة كما يفعله أهل مصر والشام خلافا لما قدّمناه من فعل أهل اللّور حين مات ولد سلطانهم ، فلمّا دفن أقام السلطان والطلبة ثلاثة أيّام يخرجون إلى قبره بعد صلاة الصبح ، وفي ثاني يوم من دفنه خرجت مع الناس فرءاني السلطان ماشيا على رجليّ فبعث لي بفرس واعتذر فلمّا وصلت المدرسة بعثت الفرس فردّه وقال إنّما أعطيته عطيّة لا عاريّة وبعث إليّ بكسوة ودراهم ، فانصرفنا إلى مدينة قل حصار(٣٢)، وضبط اسمها بضمّ القاف واسكان اللام ثم حاء مهمل مكسور وصاد مهمل وآخره راء، مدينة صغيرة بها المياه من كل جانب قد نبتت فيها القصب فلا طريق لها إلّا طريق كالجسر مهيأ ما بين القصب والمياه لا يسع إلّا فارسا واحدا ، والمدينة على تلّ في وسط المياه منيعة لا يقدر عليها ونزلنا بزاوية أحد الفتيان الأخيّة بها.

ذكر سلطان قل حصار.

وسلطانها محمّد جلبي ، وجلبي بجيم معقود ولام مفتوحين وباء موحدة وياء ، وتفسيره بلسان الروم سيّدي (٣٣) ، وهو أخو السلطان أبي إسحاق ملك أكريدور ، ولمّا وصلنا لمدينته كان غائبا عنها فأقمنا بها أيّاما ثم قدم فأكرمنا وأركبنا وزوّدنا وانصرفنا على طريق قرا أغاج (٣٤) ، وقرا بفتح القاف تفسيره أسود ، وأغاج بفتح الهمزة والغين المعجم وآخره جيم تفسيره الخشب ، وهي صحراء خضرة يسكنها التركمان ، وبعث معنا السلطان فرسانا يبلّغوننا إلى مدينة لاذق ، بسبب أن هذه الصحراء يقطع الطريق فيها طائفة يقال لهم

__________________

(٣١) كان الأمير الذي توفي هو ولد أخيه محمد سلطان قولهزارGoihlsar الذي سيخلف إسحاق.

(٣٢) (قل حصار) قل هزارGUL ـ Hisar حصن يقع في جزيرة على بحيرة ٩٠ ك. م. جنوب غرب بردور ترتبط مع الأرض بواسطة ممر صغير ...

(٣٣) هذا النعت (شلبي) أعطي لرؤساء المتصوفة وللأمراء ثم أعطي أيام العثمانيين للفقهاء والأدباء.

(٣٤) قرا أغاج ASI ـ KARA ـ AGHACH ويعرف اليوم تحت اسم (Garbi Kara ـ Aghac) منطقة سهلية قاعدتها مدينة تحمل اسم اسيبّايام (ACIPAYAM) ٤٥ ك. م جنوب شرق مدينة دونيزلي (Denizli) ـ انظر الخريطة.

١٦٨

الجرميان (٣٥) يذكر انهم من ذرّية يزيد بن معاوية ولهم مدينة يقال لها كوتاهية فعصمنا الله منهم.

ووصلنا إلى مدينة لاذق ، وهي بكسر الذال المعجم وبعده قاف ، وتسمّى أيضا ذون غزله(٣٦) ، وتفسيره بلد الخنازير ، وهي من أبدع المدن وأضخمها ، وفيها سبعة من المساجد لإقامة الجمعة ولها البساتين الرائقة ، والأنهار المطرّدة ، والعيون المنبعة ، وأسواقها حسان ، وتصنع بها ثياب قطن معلمة بالذهب لا مثل لها ، تطول أعمارها لصحّة قطنها وقوّة غزلها ، وهذه الثياب معروفة بالنسبة إليها ، وأكثر الصنّاع بها نساء الروم ، وبها من الروم كثير تحت الذمّة ، وعليهم وظائف للسلطان من الجزية وسواها.

وعلامة الروم بها القلانس الطوال ، منها الحمر والبيض ونساء الروم لهنّ عمائم كبار ، وأهل هذه المدينة لا يغيّرون المنكر بل كذلك أهل الاقليم كلّه ، وهم يشترون الجواري الروميّات الحسان ويتركونهنّ للفساد ، وكلّ واحدة عليها وظيف لمالكها تؤدّيه له ، وسمعت هنالك أنّ الجواري يدخلن الحمّام مع الرجال ، فمن أراد الفساد فعل ذلك بالحمّام من غير منكر عليه ، وذكر لي انّ القاضي بها له جوار على هذه الصورة!

وعند دخولنا لهذه المدينة مررنا بسوق لها فنزل إلينا رجال من حوانيتهم واخذوا بأعنّة خيلنا، ونازعهم في ذلك رجال آخرون ، وطال بينهم النزاع حتّى سلّ بعضهم السكاكين ، ونحن لا نعلم ما يقولون ، فخفنا منهم وظنّنا أنّهم الجرميان الذين يقطعون الطرق ، وان تلك مدينتهم ، وحسبنا أنّهم يريدون نهبنا ، ثم بعث الله لنا رجلا حاجّا يعرف اللسان العربيّ فسألته عن مرادهم منّا ، فقال : إنهم من الفتيان وان الذين سبقوا الينا أوّلا هم أصحاب

__________________

(٣٥) الجيرميان أوغلو : هم وحدهم الذين لن يزور ابن بطوطة مملكتهم التركمانية ... المعلومات التي قدمها ابن بطوطة يظهر أنها مستمدة من بعض الأمراء الذين يواجهون عدوان (الجيرميان أوغلو) الذين كانت قاعدة مملكتهم في الوسط الغربي : كوتاهية (KUTAHYA) لا منفذ لهم إلا عن طريق الإمارات المجاورة (انظر الخريطة) ، ويؤكد العمري ما يتحدث به ابن بطوطة من عدوان الجيرميان أوغلو ـ انظر دائرة المعارف الإسلامية مادةGermianoghiu.

(٣٦) لاذق أصلا هي المدينة العتيقة التي تحمل اسم لوذيكيةLAODICAEA ، وقد تحول هذا الاسم إلى لاذق عند افتتاحها ـ تقع على بعد خمسة كيلومترات شمال Denizli.

ـ أما عن اسم (دو نغزله)(DONGOUZLOU) فهو مركب من أصل تركي دونوز (Dunuz) مع لاحقة (Lu) : دونوزلو ، وقد كان هذا الموقع يتوفر على المياه والهضاب حتى لكان يدعى أحيانا دمشق" الأناضول" وكانت لبعض الوقت يقع عليها الاختيار من لدن إيلخان غازان خان ليتخذ منها منزلا صيفيا ... حيث كان اسمها يكتب على نفس ما نراه اليوم : دون غزله ـ انظر تعليق الاثنين.D.S ص ٤٥٦ رقم ٢٧١.

١٦٩

الفتى أخي سنان والآخرون أصحاب الفتى أخي طومان (٣٧) ، وكل طائفة ترغب أن يكون نزولكم عندهم ، فعجبنا من كرم نفوسهم ، ثم وقع بينهم الصلح على المقارعة ، فمن كانت قرعته نزلنا عنده أوّلا ، فوقعت قرعة أخي سنان ، وبلغه ذلك ، فأتى إلينا في جماعة من أصحابه فسلّموا علينا ونزلنا بزاوية له وأتى بانواع الطعام ثم ذهب بنا إلى الحمّام ، ودخل معنا وتولّى خدمتي بنفسه ، وتولّى أصحابه خدمة أصحابي يخدم الثلاثة والأربعة الواحد منهم ، ثم خرجنا من الحمّام فاتوا بطعام عظيم وحلواء وفاكهة كثيرة. وبعد الفراغ من الاكل قرأ القراء آيات من الكتاب العزيز ، ثم اخذوا في السماع والرقص واعلموا السلطان بخبرنا ، فلمّا كان من الغد بعث في طلبنا بالعشيّ ، فتوجهنا إليه وإلى ولده كما نذكره ، ثم عدنا إلى الزاوية فألفينا الأخى طومان وأصحابه في انتظارنا فذهبوا بنا إلى زاويتهم ، ففعلوا في الطعام والحمّام مثل أصحابهم وزادوا عليهم أن صبّوا علينا ماء الورد صبّا بعد خروجنا من الحمّام ثم مضوا بنا إلى الزاوية ففعلوا أيضا من الاحتفال في الأطعمة والحلواء والفاكهة وقراءة القرآن بعد الفراغ من الأكل ثم السماع والرقص كمثل ما فعله أصحابهم أو احسن وأقمنا عندهم بالزاوية أيّاما.

ذكر سلطان لاذق

وهو سلطان يننج بك (٣٨) واسمه بياء آخر الحروف مفتوحة ثم نونين اولاهما مفتوحة والثانية مسكنة وجيم ، وهو من كبار سلاطين بلاد الروم ولمّا نزلنا بزاوية أخي سنان كما قدّمناه ، بعث الينا الواعظ المذكّر العالم علاء الدين القسطمونيّ ، واستصحب معه خيلا بعددنا ، وذلك في شهر رمضان فتوجّهنا إليه وسلّمنا عليه.

ومن عادة ملوك هذه البلاد التواضع للواردين ولين الكلام وقلّة العطاء فصلّينا معه المغرب وحضر طعامه فأفطرنا عنده ، وانصرفنا وبعث الينا بدراهم ثم بعث عنّا ولده مراد بك وكان ساكنا في بستان خارج المدينة ، وذلك في ابّان الفاكهة وبعث أيضا خيلا على عددنا كما فعله أبوه فأتينا بستانه وأقمنا عنده تلك الليلة وكان له فقيه يترجم بيننا وبينه ، ثم انصرفنا غدوة.

__________________

(٣٧) عندما مرّ أوليا شلبي Evliya Tchelebi الرحالة التركي بمدينة (دنزلي) حوالي ١٠٦٠ ١٦٥٠ وجد هناك مقبرة أخي سنان وأخي تومان والناس يعتبرونهما في عداد الأولياء. د. التازي ، القدس والرحالة المغاربة.

(٣٨) كانت لاذق قد اعطيت من لدن السلاجقة لأبناء أحد وزرائهم الصاحب أتا عند نهاية القرن السابع الهجري القرن الثالث عشر الميلادي وفي أثناء حركة توسعهم وجدنا الجرميان يدخلون في صراع مع حفدة الصاحب أتا وهكذا تعاقبت الأيدي على لاذق ليؤول أمرها في الأخير عام ٦٨٨ ١٢٨٩ إلى علي بك الذي ينتمي إلى أسرة جيرميان ويننج بك Inanch المذكور هنا هو ابن لهذا الأخير توفي بعد سنة ٧٣٨ ١٣٣٥ ، وابنه مراد أرسلان الذي سيذكر فيما بعد هو الذي خلفه ...

١٧٠

وأظلّنا عيد الفطر بهذه البلدة (٣٩) فخرجنا إلى المصلّى وخرج السلطان في عساكره والفتيان الأخية ، كلهم بالأسلحة ، ولأهل كل صناعة الأعلام والبوقات والطبول والأنفار ، وبعضهم يفاخر بعضا ويباهيه في حسن الهيأة ، وكمال الشّكّة ، ويخرج أهل كل صناعة معهم البقر والغنم وأحمال الخبز ، فيذبحون البهائم بالمقابر ويتصدّقون بها وبالخبز ، ويكون خروجهم أوّلا إلى المقابر ، ومنها إلى المصلّى ولمّا صلّينا صلاة العيد دخلنا مع السلطان إلى منزله وحضر الطعام فجعل للفقهاء والمشايخ والفتيان سماط على حدة وجعل للفقراء والمساكين سماط على حدة ، ولا يردّ عن بابه في ذلك اليوم فقير ولا غني ، وأقمنا بهذه البلدة مدّة بسبب مخاوف الطريق ، ثم تهيّأت رفقة فسافرنا معهم يوما وبعض ليلة ، ووصلنا إلى حصن طواس (٤٠) ، واسمه بفتح الطاء وتخفيف الواو وآخره سين مهمل ، وهو حصن كبير ، ويذكر أنّ صهيبا صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورضي‌الله‌عنه من أهل هذا الحصن (٤١) ، وكان مبيتنا بخارجه ، ووصلنا بالغد إلى بابه فسألنا أهله من أعلى السور عن مقدمنا، فأخبرناهم ، وحينئذ خرج أمير الحصن إلياس بك (٤٢) في عسكره ليختبر نواحي الحصن والطريق خوفا من إغارة السرّاق على الماشية ، فلمّا طافوا بجهاته خرجت مواشيهم ، وهكذا فعلهم أبدا.

ونزلنا من هذا الحصن بربضه في زاوية رجل فقير ، وبعث الينا أمير الحصن بضيافة وزاد ، وسافرنا منه إلى مغلة (٤٣) ، وضبط اسمها بضم الميم واسكان الغين المعجم وفتح اللام ، ونزلنا بزاوية أحد المشايخ بها ، وكان من الكرماء الفضلاء يكثّر الدخول علينا بزاويته ولا يدخل إلّا بطعام أو فاكهة أو حلواء ، ولقينا بهذه البلدة ابراهيم بك ولد سلطان مدينة ميلاس وسنذكره ، فأكرمنا وكسانا ثم سافرنا إلى مدينة ميلاس (٤٤) وضبط اسمها بكسر الميم وياء

__________________

(٣٩) كان ذلك يوافق ١٥ يونيه ١٣٣٣.

(٤٠) حصن طواس ، هوTAVAS الحالية ، على بعد ٤٠ كلم جنوب دنزلي (DENIZLI) وقد ذكرها العمري كإمارة ...

(٤١) صهيب بن سنان حسب ما روته المصادر ولد بالموصل وأن الروم أغارت على الناحية فسبوه وهو صغير فنشأ بينهم وكان ألكن ، ثم اشترى وقدم إلى مكة حيث احترف التجارة واعتنق الإسلام وهاجر مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أدركه أجله عام ٣٨ ٣٥٩ وهو المقصود في الأثر الذي حفظناه ونحن ندرس معاني (لو لم) في العربية" نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه ..."

(٤٢) إلياس بك ذكر من لدن ابن فضل الله العمري كأمير مملكة كان مركزها طواس التي قضي عليها في أعقاب ذلك من لدن منتشا (MENTECHE) على ما سيأتي ...

(٤٣) تقع مغلةMUGLA على بعد ٧٥ كلم على الطريق جنوب غرب طواس مغلة الحالية ، لقد دخل ابن بطوطة هنا في إمارة منتشا.

(٤٤) تقع ميلاس على بعد ٨١ ك. م شمال غرب مغلة ، اليوم هي ولاية ثانية لهذه المدينة الأخيرة ، هي بالذات ميلازا (MYLASA) القديمة عاصمة لاكاري (LACARIE ـ CARIA احتلت المنطقة عام ٦٥٩ ١٢٦١ من لدن التركمان باسم السلاجقة.

١٧١

مدّ وآخره سين مهمل ، وهي من أحسن بلاد الروم وأضخمها ، كثيرة الفواكه والبساتين والمياه ، نزلنا منها بزاوية أحد الفتيان الأخيّة ففعل أضعاف ما فعله من قبله من الكرامة والضيافة ودخول الحمّام وغير ذلك من حميد الأفعال ، وجميل الأعمال.

ولقينا بمدينة ميلاس رجلا صالحا معمّرا يسمّى بابا الششتريّ (٤٥) ذكروا أنّ عمره يزيد على مائة وخمسين سنة وله قوّة وحركة وعقله ثابت وذهنه جيّد دعى لنا وحصلت لنا بركته.

ذكر سلطان ميلاس.

وهو السلطان المكرّم شجاع الدين أرخان بك بن المنتشا (٤٦) ، وضبط اسمه بضمّ الهمزة واسكان الراء وخاء معجم وآخره نون ، وهو من خيار الملوك حسن الصورة والسيرة جلساؤه الفقهاء ، وهم معظّمون لديه ، وببابه منهم جماعة ، منهم الفقيه الخوارزميّ عارف بالفنون فاضل ، وكان السلطان في أيام لقائي له واجدا عليه بسبب رحلته إلى مدينة أيا سلوق ووصوله إلى سلطانها وقبول ما أعطاه ، فسأل منّي هذا الفقيه : أن أتكلّم عند الملك في شأنه بما يذهب ما في خاطره فأثنيت عليه عند السلطان وذكرت ما علمته من علمه وفضله ، ولم أزل به حتى ذهب ما كان يجده عليه ، وأحسن إلينا هذا السلطان وأركبنا وزوّدنا.

وسكناه في مدينة برجين وهي ، قريبة من ميلاس بينهما ميلان (٤٧) ، وضبط اسمها بفتح الباء الموحدة واسكان الراء وجيم وياء مدّ وآخره نون ، وهي جديدة على تلّ هنالك ، بها العمارات الحسنة والمساجد ، وكان قد بنى بها مسجدا جامعا لم يتمّ بناؤه (٤٨) بعد ، وبهذه البلدة لقيناه ، ونزلنا منها بزاوية الفتى أخي عليّ ، ثم انصرفنا بعد ما أحسن إلينا كما

__________________

(٤٥) ذكر الرحالة التركي أوليا شلبي سالف الذكر أن قبر الششتري موجود إلى اليوم ، وأنه موضع عناية ورعاية من لدن سكان ميلاس.

(٤٦) يذكر أن المنطقتين القديمتين : ليسي (LYCIE) وكاري (CARIE) اللتين كانتا بحوزة البيزنطيين ، احتلتا من لدن التركمان الذين وردوا من البحر انطلاقا من سواحل خليج انطاليا. مينتشي I(MENTECHE) المؤسس الأول الذي تسمى الدولة به توفي بعد عام ٦٨٠ ١٢٨٢ تاركا ولدا : (مسعود) في ميلاس ، كما ترك ولدا آخر (كرمان) في فينيك خلف مسعود كان هو ولده أرخان ٧١٨ ١٣١٩ إلى ما قبل ٧٤٤ ١٣٤٤. الشخصية التاريخية التي التقى بها ابن بطوطة هو الذي قام عام ١٣٢٠ بمهاجمة رودس RHODES وقد خلفه ولده ابراهيم الذي ذكره رحالتنا في مغلة.

(٤٧) برجين (PECHIN) على بعد خمسة كيلوميترات جنوب ميلاس.

(٤٨) هناك نقش على هذا المسجد يحمل حسب الرحالة التركي أوليا شلبي سالف الذكر تاريخ ٢ (٣) ٧ ١٣٣١ بيد أن الرقم الوسط غير مؤكد وبما أن زيارة ابن بطوطة تمت بتاريخ ٧٣١ فإن الأمر يحتاج إلى تأويل ولعلّ التاريخ المنقوش تاريخ إتمام البناء.

١٧٢

قدّمناه إلى مدينة قونية (٤٩) وضبط اسمها بضم القاف وواو مدّ ونون مسكن وياء آخر الحروف ، مدينة عظيمة حسنة العمارة كثيرة المياه والأنهار والبساتين والفواكه ، وبها المشمش المسمّى بقمر الدين وقد تقدّم ذكره ويحمل منه أيضا إلى ديار مصر والشام ، وشوارعها متّسعة جدّا ، وأسواقها بديعة الترتيب وأهل كل صناعة على حدة ، ويقال : إن هذه المدينة من بناء الاسكندر ، وهي من بلاد السلطان بدر الدين بن قرمان ، وسنذكره ، وقد تغلّب عليها صاحب العراق في بعض الأوقات لقربها من بلاده التي بهذا الإقليم ، نزلنا منها بزاوية قاضيها ، ويعرف بابن قلم شاه (٥٠) ، وهو من الفتيان وزاويته من أعظم الزاويا ، وله طائفة كبيرة من التلاميذ ، ولهم في الفتوّة سند يتّصل إلى أمير المومنين عليّ بن أبي طالب (٥٤) عليه‌السلام ولباسها عندهم السّراويل (٥٢) كما تلبس الصوفيّة الخرقة.

وكان صنيع هذا القاضي في إكرامنا وضيافتنا أعظم من صنيع من قبله وأجمل ، وبعث ولده عوضا منه لدخول الحمّام معنا ، وبهذه المدينة تربة الشيخ الإمام الصالح القطب جلال الدين المعروف بمولانا (٥٣) ، وكان كبير القدر ، وبأرض الروم طائفة ينتمون اليه ويعرفون

__________________

(٤٩) فوجئ الذين يتتبعون تنقلات ابن بطوطة عبر الخريطة ويعيشون معه وهو في ميلاس غرب أنطاليا ، فوجئوا وهم يرون ذاكرته تخونه فيقفز إلى قونية شرقي البلاد : قونية تقع على بعد ٦٠٠ كلم من ميلاس وكان أقرب إلى المنطق لو أنه تحدث عن قونية وهو في اگريدير وبيشهير فإن هذه المدينة الأخيرة يفصلها عن قونية ٩٠ كلم. هذا وقد كانت قونية عاصمة للسلاجقة في أنطاليا الروم إلى أن سقطت دولتهم عام ٧٠٨ ١٣٠٨ ، وقد أصبحت محلّ نزاع بين المغول وبين قرمان أوغلوا واحتلت من هؤلاء بعد فرار تيميرتاش إلى القاهرة عام ٧٢٧ ١٣٢٧ ـ على ما أسلفنا.

(٥٠) تاج الدين بن قلم شاه ذكر أيضا من لدن مؤلفين آخرين من أمثال أفلاكي في مناقب العارفين».

(٥١) الفتوة منظمة شعبية لسلطة سياسية أخذت تنمو في المجتمع الإسلامي استبدلت بأمر من الخليفة العباسي الناصر ٥٧٧ ٦٢٠ ١١٨١ ـ ١٢٣٣ بما يشبه مؤسسة تدعوا إلى التفاف ملوك الإسلام تحت راية علي ... وسنرى أن الخليفة الناصر يبعث بسفير خاص حول هذه القضية ، لدى السلطان السلجوقي في قونية علاء الدّين قيقباد الأول ٦١٦ / ٦٣٤ ١٢١٩ ـ ١٢٣٧ ، يبعث أبا حفص عمر السّهروردي مؤسس الطريقة السّهروردية الصوفية الأرستوقراطية التي تحمل نفس الاسم وهكذا نرى أنه كان على" الفتوة" في العاصمة السلجوقية : قونية أن تحتفظ بصفات تختلف عن التي كانت في المدن الأخرى.

(٥٢) السراويل ترمز لنقاء الذيل والعفة ...

(٥٣) القصد إلى مولانا جلال الدّين محمد بن محمد الرّومي أعظم شعراء الإسلام صاحب الطريقة الصوفية المولوية نسبة إلى مولانا ، ومؤسس طريقة الجلاليين (أو المولويين) ، ولد في بلخ ، وتوفي في قونية عام ٦٧٢ ١٢٧٣ كانت طريقة محمية من لدن السلاجقة ، ثم من لدن العثمانيين ... وهو صاحب (المثنوي) المشهور بالفارسية ، وقد ترجم إلى التركية وشرح وطبع بها وبالعربية : منظومة صوفية فلسفية في ٧٠٠. ٢٥ بيت

EVA DE VITRAY ـ Meyerovitch : Rumi et le soufisme ـ Edition du Seuil ٧٧٩١ ـ MEHMET ONDER MEVLANA jelaleddin Rumi, Ministry of Culture Turk / ١٣١١.

١٧٣

١٧٤

باسمه فيقال لهم الجلاليّة ، كما تعرف الأحمديّة (٥٤) بالعراق ، والحيدريّة (٥٥) بخراسان ، وعلى تربته زاوية عظيمة فيها الطعام للوارد والصادر (٥٦).

حكاية [الشيخ الشاعر]

يذكر أنّه كان في ابتداء امره فقيها مدرّسا يجتمع اليه الطلبة بمدرسته بقونية فدخل يوما إلى المدرسة رجل يبيع الحلواء وعلى رأسه طبق منها ، وهي مقطوعة قطعا ، يبيع القطعة منها بفلس ، فلمّا أتى مجلس التدريس ، قال له الشيخ : هات طبقك! فأخذ الحلوانيّ قطعة منه وأعطاها للشيخ فأخذها الشيخ بيده وأكلها ، فخرج الحلوانيّ ولم يطعم أحدا سوى الشيخ فخرج الشيخ في اتباعه ، وترك التدريس (٥٧) ، فأبطأ على الطلبة ، وطال انتظارهم ايّاه فخرجوا في طلبه ، فلم يعرفوا له مستقرّا.

ثمّ إنّه عاد إليهم بعد أعوام وتولّه وصار لا ينطق الّا بالشعر الفارسيّ المنغلق الذي لا يفهم، فكان الطلبة يتبعونه ويكتبون ما يصدر عنه من ذلك الشعر ، وألّفوا منه كتابا سمّوه المثنوي (٥٨) ، وأهل تلك البلاد يعظّمون ذلك الكتاب ويعتبرون كلامه ، ويعلّمونه ويقرءونه بزواياهم في ليالي الجمعات ، وفي هذه المدينة أيضا قبر الفقيه أحمد الذي يذكر أنّه كان معلّم جلال الدين المذكور.

ثمّ سافرنا إلى مدينة اللّارندة (٥٩) وهي بفتح الراء التي بعد الألف واللام واسكان النون وفتح الدال المهمل ، مدينة حسنة كثيرة المياه والبساتين.

__________________

(٥٤) هي بالذات الطريقة الرفاعية سالفة الذكر. ج I ، ٢٢٣ ـ ج II ، ص ٢٥.

(٥٥) انظرII ، ٦ ، ٧ وسيأتي ذكرها أيضا.

(٥٦) يحتوي المجمّع على ضريح (مولانا) وعلى الزاوية وهما إلى الآن شاخصتان في قونية.

(٥٧) يتعلق الأمر بشمسي تبريزي الذي نجد أن علاقته مع مولانا ترجع لتاريخ ٦٤٢ ١٢٤٤ ـ استمرت العلاقات خمسة عشر شهرا وبلغ الأمر إلى حد أن الطلبة وعائلة مولانا ـ وقد دخلهم الهم من تأثير تبريزي ـ قرروا قتله!!

(٥٨) المثنوي : وزن شعري يحتوي على أبيات من وزن واحد ، اثنان من مصارعها لهما قافية واحدة ، كتبت باللغة الفارسية ، اعتبرت من لدن تلامذته كأبيات تحتوي على المعاني الخفية للقرآن!

(٥٩) هي كرمان الحالية ، على بعد ١٠٠ ك. م جنوب شرق قونية ، هدمت من طرف إيلخان كيختو بعد سنة ٦٩٠ ١٢٩١ ، وبنيت من جديد حوالي ٧١١ ١٣١١ من لدن كرمان أوغلو الذي يعتبر أقوى أمراء آسيا الصغرى والذي جعل من كرمان محلّ إقامته. ومن اسمه أخذت المدينة اسمها ...

١٧٥

ذكر سلطان اللّارندة.

وسلطانها الملك بدر الدين بن قرمان (٦٠) ، بفتح القاف والراء ، وكانت قبله لشقيقه موسى فنزل عنها للملك الناصر وعوّضه عنها بعوض وبعث إليها أميرا وعسكرا (٦١) ثم تغلّب عليها السلطان بدر الدين وبنى بها دار مملكته واستقام أمره بها.

ولقيت هذا السلطان خارج المدينة وهو عائد من تصيّده فنزلت له عن دابّتي فنزل هو عن دابّته وسلّمت عليه وأقبل عليّ ، ومن عادة ملوك هذه البلاد أنه إذا نزل لهم الوارد عن دابته نزلوا له وأعجبهم فعله ، وزادوا في إكرامه ، وإن سلّم عليهم راكبا ساءهم ذلك ولم يرضهم ويكون سببا لحرمان الوارد! وقد جرى لي ذلك مع بعضهم ، وسأذكره ، ولمّا سلّمت عليه وركب سألني عن حالي وعن مقدمي ودخلت معه المدينة ، فأمر بإنزالي أحسن نزل ، وكان يبعث الطعام الكثير والفاكهة والحلواء في طيافير الفضّة ، والشمع ، وكسا ، وأركب وأحسن ، ولم يطل مقامنا عنده.

وانصرفنا إلى مدينة أقصرا (٦٢) ، وضبطها بفتح الهمزة وسكون القاف وفتح الصاد المهمل والراء ، وهي من أحسن بلاد الروم وأتقنها ، تحفّ بها العيون الجارية والبساتين من كل ناحية ، ويشقّ المدينة ثلاثة أنهار ويجري الماء بدورها ، وفيها الأشجار ود والي العنب ، وداخلها بساتين كثيرة ، وتصنع بها البسط المنسوبة إليها من صوف الغنم لا مثل لها في بلد من البلاد (٦٣) ومنها تحمل إلى الشام ومصر والعراق والهند والصين وبلاد الأتراك.

__________________

(٦٠) بدر الدين ابراهيم بن بدر الدين محمود ٦٩٩ ـ ٧٠٨ ١٣٠٠ ـ ١٣٠٨ وحفيد كرمان المؤسس الرمز للدولة ، خلف أخاه يخشى ، وامتلك اللارندة حوالي ٧١٧ ١٣١٧ ـ ١٣١٨ وتنازل عن الحكم عام ٧٣٣ ١٣٣٣ ، في نفس السنة التي مر فيها ابن بطوطة بالمنطقة ، لصالح أخيه خليل ولكن مع احتفاظه ـ على ما يبدو ـ بقسم من الإمارة كإقطاع ...

(٦١) امتلك موسى لارندة من ٧١١ ١٣١١ إلى ٧١٨ ١٣١٨ ، وقد كان كأغلب أفراد اسرة كرمان حليفا لدولة المماليك بمصر. التقى به ابن بطوطة أثناء موسم الحج عام ٧٢٨ ١٣٢٨ بيد أنه لا يظهر أن هناك تجريدة من المماليك وردت على لارندة.

(٦٢) توجد أقصرا (AKASRAY) على بعد ١٥٥ ك. م شمال شرق لاراندا على الطريق الآخذ من قونية إلى قيسارية (Kayseri) ، وليس على الطريق التي تذهب من قونية إلى نكده (Nigde) عبر لارندة المسلوكة ـ على ما يظهر ـ من طريق ابن بطوطة ، ومع هذا فيمكن أن يكون الامر يتعلق بخط سير طريق العودة. المدينة التي أنشئت من لدن الأمير السلجوقي عز الدين كيلتج أرسلان الثاني سنة ٥٦٦ ١١٧١ كانت حسب مستوفي ، مكانا خصبا ينتج الحبوب الرفيعة والعنب الكثير ...

(٦٣) تحدث ماركوپولو عندما ذكر بلاد التركمان عن الزرابي الرفيعة التي لا نظير لها في العالم ... وبما أن قونية كانت هي مركز التصدير فقد تنسب الزرابي اليها ...

١٧٦

وهذه المدينة في طاعة ملك العراق ، ونزلنا منها بزاوية الشريف حسين النائب بها عن الأمير أرتنا ، وأرتنا هو النائب عن ملك العراق فيما تغلّب عليه من بلاد الروم ، وهذا الشريف من الفتيان وله طائفة كثيرة وأكرمنا اكراما متناهيا وفعل أفعال من تقدّمه.

ثم رحلنا إلى مدينة نكدة (٦٤) ، وضبط اسمها بفتح النون واسكان الكاف ودال مهمل مفتوح ، وهي من بلاد ملك العراق ، مدينة كبيرة كثيرة العمارة قد تخرّب بعضها ويشقّها النهر المعروف بالنّهر الاسود ، وهو من كبار الأنهار عليه ثلاث قناطير ، إحداها بداخل المدينة وثنتان بخارجها ، وعليه النواعير بالداخل والخارج منها تسقي البساتين. والفواكه بها كثيرة ، ونزلنا منها بزاوية الفتى أخي جاروق ، وهو الأمير بها فأكرمنا على عادة الفتيان ، وأقمنا بها ثلاثا.

وسرنا منها بعد ذلك إلى مدينة قيسارية (٦٥) وهي من بلاد صاحب العراق وهي إحدى المدن العظام بهذا الإقليم ، بها عسكر أهل العراق ، وإحدى خواتين الأمير علاء الدين أرتنا المذكور وهي من أكرم الخواتين وأفضلهنّ ، ولها نسبة من ملك العراق وتدعى أغا (٦٦) ، بفتح الهمزة والغين المعجم ، ومعنى أغا الكبير ، وكلّ من بينه وبين السلطان نسبة يدعى بذلك ، واسمها طغى خاتون ، ودخلنا اليها فقامت لنا وأحسنت السلام والكلام ، وأمرت بإحضار الطعام ، فأكلنا ولمّا انصرفنا بعثت لنا بفرس مسرّج ملجم وخلعة ودراهم مع أحد غلمانها واعتذرت.

ونزلنا من هذه المدينة بزاوية الفتى الأخي أمير عليّ ، وهو أمير كبير من كبار الأخيّة بهذه البلاد ، وله طائفة تتبعه من وجوه المدينة وكبرائها (٦٧) وزاويته من أحسن الزوايا فرشا وقناديل وطعاما كثيرا وإتقانا ، والكبراء من أصحابه وغيرهم يجتمعون كل ليلة عنده ويفعلون في كرامة الوارد أضعاف ما يفعله سواهم.

__________________

(٦٤) تقع نكده (NIGDE) على الوادي الصغير الذي يحمل اسم KSERAY كاراسو (النهر الأسود) والذي لا يعتبر من كبار الأنهار كما يذكر ابن بطوطة ...

(٦٥) تقع قيسارية (كايسري Kayseri) على بعد ١١٠ ك. م شمال شرق نكدة (Nigde) كانت قد احتلت من لدن المغول عام ١٢٤٤ ولكنها لم تلبث أن انجدت من سلطان مصر بيبرس عام ١٢٧٧ أنظر الخريطة.

(٦٦) كلمة (أغا) تأتي من أصل مغولي aga وتعني (الأخ الأكبر) وقد أصبحت لقبا تشريفيا ثم أصبحت في العهد العثماني لقبا عسكريا ...

(٦٧) هذه إشارات تعبر عن" الفتوة" في شكلها الأرستقراطي ، راجع التعليق السالف رقم ٥١.

١٧٧

١٧٨

ومن عوائد هذه البلاد أنّه ما كان منها ليس به سلطان فالأخي هو الحاكم به (٦٨) ، وهو يركب الوارد ويكسوه ويحسن إليه على قدره ، وترتيبه في أمره ونهيه وركوبه ترتيب الملوك.

ثمّ سافرنا إلى مدينة سيواس (٦٩) ، وضبط بكسر السين المهمل وياء مدّ وآخره سين مهمل، وهي من بلاد ملك العراق ، وأعظم ماله بهذا الإقليم من البلاد ، وبها منزل أمرائه وعمّاله ، مدينة حسنة العمارة واسعة الشوارع ، أسواقها غاصّة بالناس وبها دار مثل المدرسة تسمّى دار السيادة(٧٠) لا ينزلها الّا الشرفاء ، ونقيبهم ساكن بها وتجرى لهم فيها مدّة مقامهم الفرش والطعام والشمع وغيره فيزوّدون إذا انصرفوا.

ولمّا قدمنا إلى هذه المدينة خرج إلى لقائنا أصحاب الفتى أخي احمد بجقجي ، وجق بالتّركية السكّين ، وهذا منسوب إليه ، والجيمان منه معقودان بينهما قاف ، وباؤه مكسورة. وكانوا جماعة منهم الركبان والمشاة ، ثم لقينا بعدهم أصحاب الفتى أخي جلبى ، وهو من كبار الأخية ، وطبقته أعلى من طبقة أخي بجقجي ، فطلبوا أن ننزل عندهم فلم يمكن لي ذلك لسبق الأولين ، ودخلنا المدينة معهم جميعا وهم يتفاخرون والذين سبقوا إلينا قد فرحوا أشدّ الفرح بنزولنا عندهم ، ثم كان من صنيعهم في الطعام والحمّام والمبيت مثل صنيع من تقدّم وأقمنا عندهم ثلاثة في أحسن ضيافة ثم أتانا القاضي وجماعة من الطلبة ومعهم خيل الأمير علاء الدين أرتنا نائب ملك العراق ببلاد الروم فركبنا إليه واستقبلنا الأمير إلى دهليز داره فسلّم علينا ورحبّ ، وكان فصيح اللسان بالعربية ، وسألني عن العراقين وإصبهان وشيراز وكرمان (٧١) وعن السلطان أتابك وبلاد الشام ومصر وسلاطين التركمان ، وكان مراده أن أشكر الكريم منهم وأذمّ البخيل فلم أفعل ذلك ،! بل شكرت الجميع فسرّ بذلك منّي ، وشكرني عليه ثم

__________________

(٦٨) عند نهاية حكم السلاجقة في الأناضول عرفت قونية حكّاما من" الأخية" وفي سنة ٧١٤ ١٣١٤ وجدنا الكرمان أوغلو يخشى يحتل قونية ضد : الأخي" مصطفى ، وكذلك فقد وجدنا في أنقرة حكومة تنتمي إلى الأخية".

(٦٩) سيواس إحدى المدن المهمة كثيرا في الأناضول على ذلك العهد ، وهي سيباسط وتقع على بعد ١٧٥ شمال شرقي قيسارية وهي سباستيا القديمة (Sebasteia) القديمة مقر الحكام المغوليين منذ سنة ٧٠٤ ١٣٠٤.

(٧٠) دار السيادة يعني دار السّادة أي الاشراف المنحدرين من سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد أسست هذه الدار التي في سيواس من لدن الإيلخان غازان خان وأصلحت من لدن الوزير رشيد الدين

(٧١) القصد إلى هرمز التي اعتبرت عند سائر الجغرافيين العرب كقاعدة ضمن إقليم كرمان على ما تقدم ...

١٧٩

١٨٠