رحلة ابن بطوطة - ج ٢

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي

رحلة ابن بطوطة - ج ٢

المؤلف:

شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي


المحقق: عبد الهادي التازي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أكاديمية المملكة المغربية
الطبعة: ٠
ISBN: 9981-46-008-7
ISBN الدورة:
9981-46-006-0

الصفحات: ٢٦٨

وبتنا بهذه الجزيرة ليلة وركبنا البحر إلى مدينة كلوا (٦٧) ، وضبط اسمها بضم الكاف واسكان اللام وفتح الواو ، وهي مدينة عظيمة ساحلية أكثر اهلها الزنوج المستحكمو السواد ، ولهم شرطات في وجوههم كما هي في وجوه اللّيميين من جناوة (٦٨) ، وذكر لي بعض التجار أن مدينة سفالة (٦٩) على مسيرة نصف شهر من مدينة كلو ، وأن بين سفالة ويوفي من بلاد اللّميين مسيرة شهر ، ومن يوفى يوتى بالتبر إلى سفالة (٧٠).

ومدينة كلوا من أحسن المدن واتقنها عمارة ، وكلّها بالخشب وسقف بيوتها الدّيس (٧١) ، والأمطار بها كثيرة وهم أهل جهاد لأنّهم في برّ واحد متّصل مع كفار الزنوج والغالب عليهم الدين والصلاح وهم شافعيّة المذهب.

__________________

(٦٧) كلوة : ما يعرف في كتب التاريخ البرتغالي تحت اسم (quiloa) هي بالذات كيلوا كيزواني (Kilwa Kisiwani) وتقع اليوم في تانزانيا ، ويبدو أن كلوة أسست في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي من لدن بعض المسلمين الفرس الزيدية ، فكونت مركزا هاما لتصدير الذهب. تقع كلوة على الخط ٥٧ ٨ جنوبا والخط ٣٤ ٣٩ شرقا ، ٣٤٠ ميلا جنوب منبسى ....

(٦٨) ليمي أو لملم هو الاسم الذي أعطاه الجغرافيون العرب للقبائل المتوغّلة في إفريقيا التي يقال أن سكانها ياكل بعضهم بعضا (Les Anthropophges).

INAMNI : the Kilwa civilization in tanganyika Gibb T II P ٩٧٣ ـ Notes ٨٥ Dar es ـ salam ٨٣٩١ ـ MAUNY : Textes ـ ـ ـ P. ٦٢ Note ٥.

وجناوة على ما في مخطوطة الخزانة الملكية ومدريد : الاسم الذي أعطى للقبائل الوثنية جنوب الأراضي الاسلامية في غرب افريقيا والذي سيعرف تغييرا عبر اللسان البرتغالي ثم اللسان الانجليزي حيث يصبح غينيا (Guinea) ـ ويظل اسم گناوة بالجيم المعقدة حاضرا إلى يوم ألسنة المغاربة ـ ابن خلدون : المقدمة طبعة دار الكتاب اللبنانية ١٩٥٦ ـ حول الشرطات على الوجه انظرMAUNY.

(٦٩) سفالة (Sofala) تقع على الخط ١٠ ٢٠ جنوبا والخط ٤٢ ٣٤ شرقا ، وكانت المستودع الأكثر قدما للعرب في افريقيا الشرقية اسسها أحد رجال مقدشو وهي تجتذب الذين يهتمون باستخراج الذهب من داخلها ... وقد خصصها البحار العربي المشهور ابن ماجد بأرجوزة تحمل اسم السّفالية.

ـ د. التازي : ابن ملجد والبرتغال ، سلطنة عمان ، وزارة التراث القومي والثقافة. ١٤٠٦ ١٩٨٦ ص ٥٨ / ٥٩.

(٧٠) (يوفي) هي مقر مملكة النوبة في افريقيا الغربية وهي التي سيتحدث عنها ابن بطوطة في آخر السفر الثاني عند ختام الرحلة ، هذا ويلاحظ أن هناك لبسا وقع فيه ابن بطوطة حيث وجدناه يخلط بين التبر (غبار الذهب) الذي هو من انتاج النيجر (بلاد اللّيميين) وبين الذهب الذي هو من انتاج سفالة. وإن الادعاء بوجود علاقة بين الاثنين يعود إلى استرواح من جانب ابن بطوطة! والجدير بالذكر أن هناك عددا ممن وقعوا في هذا الخلط من المؤلفين القدامى من الغرب وغيرهم ، وهكذا ففي عام ١٦٥٨ م ١٠٦٨ ه‍ كتب تيفنوThevenot حول مملكة تقع جنوب شرق السودان (لوناريا) LE NARIA : في هذه البلاد توجد المناجم التي سيخرج منها الذهب الذي يذهب إلى سواحل سفالة وغينيا ..."

Bilad AI ـ Sudan, trad par Joseph Cuop Os C. N. R. S ٥٨٩١ P. ٠٠٣ N ٤ Mauny : Textes.

(٧١) الديس : القصد إلى الأسل : نبات دقيق الأغصان طويلها ...

١٢١

ذكر سلطان كلوا

وكان سلطانها في عهد دخولي إليها أبو المظفّر حسن ، ويكنّى أيضا أبا المواهب (٧٢) لكثرة مواهبه ومكارمه ، وكان كثير الغزو إلى أرض الزنوج يغير عليهم ويأخذ الغنائم فيخرج خمسها ويصرفه في مصارفه المعيّنة في كتاب الله تعالى (٧٣) ، ويجعل نصيب ذوي القربى في خزانة على حدة(٧٤) ، فإذا جاءه الشرفاء دفعه إليهم.

وكان الشرفاء يقصدونه من العراق والحجاز وسواها ، ورأيت عنده من شرفاء الحجاز جماعة منهم محمد بن جمّاز ، ومنصور بن لبيدة بن أبي نمّى ، ومحمد بن شميلة بن أبي نمى ، ولقيت بمقدشو تبل بن كبيش بن جماز (٧٥) ، وهو يريد القدوم عليه ، وهذا السلطان له تواضع شديد ويجلس مع الفقراء وياكل معهم ويعظّم أهل الدين والشرف.

حكاية من مكارمه

حضرته يوم جمعة وقد خرج من الصلاة قاصدا إلى داره فتعرّض له أحد الفقراء اليمنيّين ، فقال له : أبا المواهب ، فقال : لبّيك يا فقير ما حاجتك؟ قال : أعطني هذه الثياب التي عليك ، فقال له : نعم أعطيكها ، قال : الساعة ، قال : نعم الساعة ، فرجع إلى المسجد ودخل بيت الخطيب فلبس ثيابا سواها وخلع تلك الثياب وقال للفقير : ادخل فخذها فدخل الفقير وأخذها وربطها في منديل وجعلها فوق رأسه وانصرف فعظم شكر الناس للسلطان على ما ظهر من تواضعه وكرمه ، وأخذ ابنه وليّ عهده تلك الكسوة من الفقير وعوّضه عنها بعشرة من العبيد ، وبلغ السلطان ما كان من شكر الناس له على ذلك فأمر للفقير أيضا بعشرة رؤس من الرقيق وحملين من العاج ، ومعظم عطاياهم العاج (٧٦) ، وقلّما يعطون

__________________

(٧٢) دولة جديدة تصل إلى الحكم في كلوة أواخر القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي في شخص حسن بن طالوت ٦٧٦ ـ ٦٩٣ ه‍ ١٢٧٧ ـ ١٢٩٤. حسن بن سليمان المعروف باسم أبي المواهب كان حفيدا لحسن بن طالوت (٧١٠ ـ ٧٣٢ ه‍ ١٣١٠ ـ ١٣٣٢ م) وقد كتب الناس كثيرا عن تاريخ كلوة :

Gibb T. ٢ P. ٠٨٣ ـ N : ٣٦ ـ Ency. de l\'Islam

(٧٣) في القرآن الكريم سورة ٨ ، الآية ٤١ : " واعلموا أنّما غنمتم من شيء فإن الله خمسه وللرسول ولذي القربى والمساكين وابن السبيل ...

(٧٤) ذو القربى هم حسب بعض التفاسير الأشراف المنحدرون من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...

(٧٥) حول جمّاز وأهله من الأشراف الحسنين ، وحول أبناء عمهم الأشراف القتاديين ـ انظر سمط النجوم العوالي لعبد الملك العصامي المكي ج ٤ ، ص ١٨٧ ... وانظر تعليقاتنا السابقة. ج I ، ٣٤٤ ـ ج II ، ١٦٢.

(٧٦) كان العاج الذي ياتي من بلاد الزنج مطلوبا جدا في العصور الوسطى ، وكانت السفن العربية تشحنه إلى عمان ، ومن هنا يوسقه التجار الى الهند والصين. وما يزال العاج إلى الآن مادة ثرية يتنافس عليها التجار ورجال الحكم.

١٢٢

الذهب ولمّا توفّى هذا السلطان الفاضل الكريم رحمة الله عليه ولّى أخوه داوود (٧٧) فكان على الضدّ من ذلك ، إذا أتاه سائل ، يقول له : مات الذي كان يعطي ولم يترك من بعده ما يعطى! ويقيم الوفود عنده الشهور الكثيرة وحينئذ يعطيهم القليل حتّى انقطع الوافدون عن بابه.

وركبنا البحر من كلوا إلى مدينة ظفار (٧٨) الحموض ، وضبط اسمها بفتح الظاء المعجم والفاء واخره راء مبنيّة على الكسر ، وهي آخر بلاد اليمن على ساحل البحر الهنديّ ، ومنها تحمل الخيل العتاق إلى الهند (٧٩) ، ويقطع البحر فيما بينها وبين بلاد الهند مع مساعدة الريح في شهر كامل ، وقد قطعته مرّة من قالقوط من بلاد الهند إلى ظفار في ثمانية وعشرين يوما بالريح الطيّبة لم ينقطع لنا جري بالليل ولا بالنهار.

وبين ظفار وعدن في البرّ مسيرة شهر في صحراء ، وبينها وبين عمان عشرون يوما ، ومدينة ظفار في صحراء منقطعة لا قرية بها (٨٠) ولا عمالة لها ، والسوق خارج المدينة بربض يعرف بالحرجاء (٨١) ، وهي من أقذر الأسواق وأشدّها نتنا وأكثرها ذبابا ، لكثرة ما يباع بها من الثمرات والسمك ، وأكثر سمكها النوع المعروف بالسّردين ، وهو بها في النهاية من

__________________

(٧٧) داود بن سليمان حكم أو لا لفترة سنتين أثناء غياب أخيه حسن في الحج ثم حكم لفترة أربع وعشرين سنة بعد وفاة أخيه ٧٣٢ ـ ٧٥٧ ه‍ ١٣٣٢ ـ ١٣٥٦ نعته المؤرخون بالصلاح والفضل.

The Arabic History of Kilwa ed. Strong in JRAS (٥٩٨١). Gibb : Travels T ٢. P, ٢٨٣ ـ Note ٦٦

ـ ويلاحظ هنا أن ابن بطوطة يحكي في هذه الجولة ما تم فيما بعد ...

(٧٨) ظفار مدينة قديمة تقع في إقليم ظفار الحالي في سلطنة عمان. ونعتها بالحموض لم نجد له تفسيرا ... ويظهر لي أن الكلمة تحريف للفظ : الحبوضى ، اسم لأحد الأمراء الذين ينتسبون الى (حبوضة) في حضر موت ، وقد كان يملك المدينة قبل احتلالها من لدن بني رسول اليمنيين عام ـ ١٢٧٩ ٦٧٧ ١٢٧٨ وقد نعتت بذلك تمييزا لها عن ظفار داود ـ ابن المجاور : تاريخ المستبصر ص ٢٦١ ـ ابن الدّيبع : قرة العبون II تحقيق محمد الأكوع ـ مطبعة السّعادة ١٩٧٧ ـ الخزرجي : العقود اللؤلؤيةI ، ١٨١ وما ذكر ص ٤٩.

(٧٩) حول تجارة الخيول بين ظفار وبين الهند ، تراجع رحلة ماركوبّولو الذي يتحدث عن هذا النوع من التجارة ...

(٨٠) القرية المجاورة : مرباط (قرضة مدينة ظفار الحبوضى) وقد هدمت من لدن أحمد بن عبد الله الحبوضى مؤسس الدولة (ابن المجاور ٢٧٠) ولكنها تظهر اليوم مع ذلك على الخرائط بينما نجد أن ظفار اختفت ، وهذا الملك نفسه هو الذي يظهر أنه حوّل ظفار عام ٦٢٠ ه‍ ١٢٢٣ من موقعها في الداخل الى شط البحر وسمّى المدينة الجديدة المنصورة كما يقول ابن المجاور (ص ٩٦٠) ، ربما بناها على انقاض موقع يسمى (البلد) او البلاد على بعد ميلين شرقي صلالة ... ـ تاريخ اليمن لنجم الذين عمارة ، تحقيق : محمد بن علي الأكوع الحوالي ، طبعة ثالثة ١٣٩٩ ١٩٧٩ ـ ص ٤٩ ، تعليق ٣.

(٨١) تقع الحرجاء في غرب المدينة ، ويذكر ابن المجاور أنها" مدينة لطيفة بنيت على ساحل البحر بالقرب من البلد" ص ٢٦١ ـ ٢٦٢. انظر مادة ظفار في الموسوعة الإسلامية بالفرنسية (ZAFAR)

١٢٣

السمن ، ومن العجائب أن دوابّهم إنّما علفها من هذا السردين وكذلك غنمهم (٨٢) ولم أر ذلك في سواها.

وأكثر باعتها الخدم وهنّ يلبسن السواد ، وزرع أهلها الذّرة وهم يسقونها من أبار بعيدة الماء وكيفيّة سقيهم انّهم يصنعون دلوا كبيرة ويجعلون لها حبالا كثيرة ، ويتحزّم بكلّ حبل عبد أو خادم ، ويجرون الدلو على عود كبير مرتفع عن البئر ويصبّونها في صهريج يسقون منه ، ولهم قمح يسمّونه العلس وهو في الحقيقة نوع من السّلت ، والأرز يجلب إليهم من بلاد الهند وهو أكثر طعامهم ، ودراهم هذه المدينة من النحاس والقصدير ، ولا تنفق في سواها (٨٣) ، وهم أهل تجارة لا عيش لهم الّا منها. ومن عادتهم أنّه إذا وصل مركب من بلاد الهند أو غيرها خرج عبيد السلطان إلى الساحل وصعدوا في صنبوق إلى المركب ومعهم الكسوة الكاملة لصاحب المركب أو وكيله وللربّان وهو الرئيس وللكراني. وهو كاتب المركب ويؤتى اليهم بثلاثة أفراس فيركبونها وتضرب أمامهم الأطبال والأبواق من ساحل البحر إلى دار السلطان فيسلّمون على الوزير وأمير جندار. وتبعث الضيافة لكلّ من بالمركب ثلاثا وبعد الثلاث يأكلون بدار السلطان وهم يفعلون ذالك استجلابا لأصحاب المراكب ، وهم أهل تواضع وحسن أخلاق وفضيلة ومحبّة للغرباء ولباسهم القطن ، وهو يجلب إليهم من بلاد الهند ، ويشدّون الفوط في أوساطهم عوض السراول واكثرهم يشدّ فوطة في وسطه ويجعل فوق ظهره أخرى من شدّة الحرّ ويغتسلون مرّات في اليوم وهي كثيرة المساجد ، ولهم في كلّ مسجد مطاهر كثيرة معدّة للاغتسال ، ويصنع بها ثياب من الحرير والقطن والكتّان حسان جدّا.

والغالب على أهلها رجالا ونساء المرض المعروف بداء الفيل ، وهو انتفاخ القدمين واكثر رجالهم مبتلون بالأدر والعياذ بالله.

ومن عوائدهم الحسنة التصافح في المسجد إثر صلاة الصبح والعصر ، يستند أهل الصفّ الأول إلى القبلة ويصافحهم الذين يلونهم ، وكذلك يفعلون بعد صلاة الجمعة يتصافحون أجمعون.

__________________

(٨٢) نفس المعلومات المتعلقة بتعليف الدواب من السمك يذكرها ابن المجاور ... ويلاحظ هنا استعمال كلمة (السردين) التي ليست على كلّ عربية ، ربّما من أصل إغريقي.

(٨٣) يتعلق الامر بنوع من العملة الائتمانية (على نحو ما يستعمل الورق اليوم) حتى يمنع خروج المعدن : الفضة مثلا ...

١٢٤

ومن خوّاصّ هذه المدينة وعجائبها انّه لا يقصدها أحد بسوء الّا عاد عليه مكروه وحيل بينه وبينها ، وذكر لي أن السلطان قطب الدين تمتهن بن طوران شاه صاحب هرمز نازلها مرّة في البرّ والبحر فأرسل الله سبحانه عليه ريحا عاصفا كسرت مراكبه ورجع عن حصارها وصالح ملكها(٨٤) ، وكذلك ذكر لي أن الملك المجاهد سلطان اليمن (٨٥) عيّن ابن عمّ له بعسكر كبير برسم انتزاعها من يد ملكها ، وهو أيضا ابن عمّه فلمّا خرج ذلك الأمير عن داره سقط عليه حائط وعلى جماعة من أصحابه فهلكوا جميعا ورجع الملك عن رأيه وترك حصارها وطلبها.

ومن الغرائب أن أهل هذه المدينة أشبه الناس بأهل المغرب في شؤونهم نزلت بدار الخطيب بمسجدها الاعظم وهو عيسى بن عليّ ، كبير القدر ، كريم النفس فكان له جوار مسمّيات بأسماء خدم المغرب : إحداهنّ اسمها بخيت والأخرى زاد المال ولم أسمع هذه الأسماء في بلد سواها.

وأكثر أهلها رؤوسهم مكشوفة لا يجعلون العمائم ، وفي كلّ دار من دورهم سجّادة الخوص معلّقة في البيت يصلّي عليها صاحب البيت كما يفعل أهل المغرب ، وأكلهم الذرة وهذا التشابه كلّه ممّا يقوّي القول بأن صنهاجة وسواهم من قبائل المغرب أصلهم من حمير (٨٦).

وبقرب من هذه المدينة بين بساتينها زاوية الشيخ الصالح العابد أبي محمّد بن أبي بكر (٨٧) عيسى من أهل ظفار ، وهذه الزاوية معظمة عندهم يأتون إليها غدوّا وعشيّا ، ويستجيرون بها فإذا دخلها المستجير لم يقدر السلطان عليه ، رأيت بها شخصا ذكر لي أن له بها مدّة سنين مستجيرا لم يتعرّض له السلطان ، وفي الأيّام التي كنت بها استجار بها كاتب السلطان وأقام فيها حتّى وقع بينهما الصلح.

__________________

(٨٤) تهمتن وليس تمتهن ، مرّ وسيمرّ بنا أيضا ... وحسب علمنا فإنه لم تكن هناك غير غارة واحدة قامت بها هرمز ضد ظفار ، وهي ترجع للعهد الحبوضي عام ٦٦٠ ١٢٦٢.

(٨٥) تقدمت الاشارة إلى الملك المجاهد وهذه الغارة لم نجد لها ذكرا فيما بين أيدينا من المصادر اليمنية فهي من إفاداته الجديرة بالمتابعة.

(٨٦) هذا الاعتقاد مبني على الرواية التي تتحدث عن فتح التبابعة لا فريقيا وبلاد البربر قبل الإسلام وهي اطروحة تضافرت على نقلها طائفة من المصادر التاريخية لكن ابن خلدون في مقدمته زيّفها المقدمة ص ١٦ والمجلد ٦ ص ١٩١ أنظر المقريزي في كتابه البيان والاعراب عما بمصر من الأعراب د. التازي : الصلات التاريخية بين المغرب وعمان ص ١٨ ، سلطنة عمان ـ غشت ١٩٨١. ويستجيرون بها فإذا دخلها المستجير لم يقدر السلطان عليه ، رأيت بها شخصا ذكر لي أن له

(٨٧) يذكر صطيفان ييرازيموس أن شاهد قبر من الحجر عثر عليه في المكان الذي يحمل اسم أبي محمد بن أبي بكر ... توفي عام ٧١٥ ـ ٧١٤ ١٣١٥.

٨٩ ، II تعليق Voyages ـ ـ ـ II ,٨٩ Note ٧٨.

١٢٥

أتيت هذه الزاوية فبتّ بها في ضيافة الشيخين أبي العبّاس أحمد وأبي عبد الله محمد ابني الشيخ أبي بكر المذكور وشاهدت لهما فضلا عظيما ، ولمّا غسلنا أيدينا من الطعام أخذ أبو العباس منهما ذلك الماء الذي غسلنا به فشرب منه ، وبعث الخادم بباقيه إلى أهله وأولاده فشربوه ، وكذلك يفعلون بمن يتوسّمون فيه الخير من الواردين عليهم ، وكذلك أضافني قاضيها الصالح أبو هاشم عبد الملك الزّبيديّ وكان يتولّى خدمتي وغسل يدي بنفسه ، ولا يكل ذلك إلى غيره.

وبمقربة من هذه الزاوية تربة سلف السلطان الملك المغيث (٨٨) ، وهي معظمة عندهم ويستجير بها من طلب حاجة فتقضى له.

ومن عادة الجند أنّه إذا تمّ الشهر ولم يأخذوا أرزاقهم استجاروا بهذه التربة وأقاموا في جوارها إلى أن يعطوا أرزاقهم ، وعلى مسيرة نصف يوم من هذه المدينة الأحقاف (٨٩) ، وهي منازل عاد(٩٠) ، وهنالك زاوية ومسجد علي ساحل البحر وحوله قرية لصيّادي السمك وفي الزاوية قبر مكتوب عليه : هذا قبر هود بن عابر (٩١) عليه أفضل الصلاة والسلام ، وقد ذكرت أن بمسجد دمشق موضعا عليه مكتوب هذا قبر هود ابن عابر ، والأشبه أن يكون قبره بالأحقاف لأنّها بلاده والله أعلم.

ولهذه المدينة بساتين فيها موز كثير كبير الجرم ، وزنت بمحضري حبّة منه فكان وزنها ثنتى عشرة أوقية ، وهو طيّب المطعم شديد الحلاوة ، وبها أيضا التنبول والنارجيل المعروف

__________________

(٨٨) ننتظر الحديث الآتي عن ملك ظفار ...

(٨٩) عند ذكر الأحقاف لابد أن نتذكر سورة الأحقاف ٤٦ الآية ٢١." واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف ... ونحن نعلم أن (عاد) شعب يعتقد أنه كان بجنوب الجزيرة العربية ، وان" أخاهم" هو هود عليه‌السلام.

ـ الأحقاف (التي تعني لغويا الأكام من الرمل مفردها حقف) اختلف في تحديد مكانها ونعتقد أن (الأحقاف) هي بالذات حضر موت على ما تذكره المصادر اليمنية التي وقفنا عليها في مكتبة الأحقاف بمدينة تريم عند زيارتنا لحضر موت في خريف ١٩٩٢.

(٩٠) يلاحظ گيب هنا على ابن بطوطة خلطه بين موقعين احدهما يقع على بعد عشرة اميال شمال الموقع الذي يحمل اسم (البلد) وهو مدينة عاد ... والثاني يقع على بعد عشرة أميال غرب (البلد) ويقع على الساحل : وهو ريسوت ٨٢.Gibb ,٢ ,٦٨٣ n المقحفي : معجم البلدان اليمنية ...

(٩١) يقع قبر هود على بعد ٤٠ ميلا شرقي مدينة تريم بحضر موت و ٣٠٠ ميلا غربي ظفار وقد اعتاد أهل تريم أن ينظموا زيارات لقبر سيدنا هود ، وقد استمعت أثناء زيارتي لتريم بعدد من الحكايات عن تلك المزارة زوّدوني بطائفة من الصور الفوتوغرافية التي تسجل تلك المهرجانات والتظاهرات. هذا ويلاحظ أن ابن بطوطة عند زيارته لجامع دمشق قال إنه" رأى في حضر موت البناية التي تحتضن قبر سيدنا أيوب"" لكنه هنا ـ في حضر موت ـ لم يؤكد ما قاله في" دمشق؟! ـ راجع حديث ابن بطوطة عن جامع دمشق ... ج I ، ٢٠٥ تعليق ١٩٣ ـ التازي : رحلة مغربي إلى حضر موت عام ٨٦٥ ه‍ ١٤٦٠ م ، مجلة (المورد) البغدادية ، المجلد ٢١ العدد الأول ١٤٣١ ١٩٩٣ ، صفحة ١٩ ـ ٤٠.

١٢٦

بجوز الهند ولا يكونان إلا ببلاد الهند ، وبمدينة ظفار هذه ، لشبهها بالهند وقربها منها ، اللهمّ الّا في مدينة زبيد في بستان السلطان شجيرات من النارجيل ، واذ قد وقع ذكر التنبول والنارجيل فلنذكرهما ولنذكر خصائصهما.

ذكر التنبول

والتنبول (٩٢) شجر يغرس كما تغرس دوالي العنب ويصنع له معرّشات من القصب كما يصنع لدوالي العنب أو يغرس في مجاورة شجر النّارجيل فيصعد فيها كما تصعد الدّوالي ، وكما يصعد الفلفل ، ولا ثمر للتنبول وانّما المقصود منه ورقه وهو يشبه ورق العلّيق ، وأطيبه الأصفر ، وتجتنى أوراقه في كلّ يوم ، وأهل الهند يعظمون التنبول تعظيما شديدا ، وإذا أتى الرجل دار صاحبه فأعطاه خمس ورقات منه فكأنّما أعطاه الدنيا وما فيها! لا سيّما إن كان أميرا أو كبيرا ، واعطاؤه عندهم أعظم شأنا وأدلّ على كرامة من اعطاء الفضّة والذهب!

وكيفيّة استعماله أن يوخذ قبله الفوفل ، وهو شبه جوز الطيب فيكسر حتّى يصير أطرافا صغارا ويجعله الإنسان في فمه ويعلكه ، ثمّ يأخذ ورق التنبول فيجعل عليها شيئا من النّورة ويمضغها مع الفوفل ، وخاصّيته أنّه يطيب النكهة ويذهب بروائح الفم ويهضم الطعام ويقطع ضرر شرب الماء على الريق ، ويفرح أكله ويعين على الجماع ويجعله الإنسان عند رأسه ليلا فإذا استيقظ من نومه أو أيقظته زوجته أو جاريته أخذ منه فيذهب بما في فمه من رائحة كريهة ، ولقد ذكر لي أن جواري السلطان والأمراء ببلاد الهند لا يأكلن غيره وسنذكره عند ذكر بلاد الهند.

ذكر النارجيل

وهو جوز الهند وهذا الشجر من أغرب الأشجار شأنا وأعجبها أمرا ، وشجره شبه شجرة النخل لا فرق بينهما إلا أنّ هذه تثمر جوزا ، وتلك تثمر تمرا ، وجوزها يشبه رأس ابن آدم لان فيها شبه العينين والفم وداخلها شبه الدّماغ إذا كانت خضراء ، وعليها ليف شبه

__________________

(٩٢) نلاحظ أن الحديث عن التنبول من لدن ابن بطوطة ابتدأ من يوم وصل الى دمشق حيث وجده يقدم للضيوف ... وهو ما كرره فيما بعد وهو يتحدث عن زيارته لمقدشو وأذكر انه قدّم الينا خلال زيارتنا لجزر ما لديف في صيف ١٩٩٠ في أعقاب حفلة العشاء التي أقامها السيد رئيس الجمهورية ... أوراق مخلوطة بقطع رقيقة من نواة الفوفل : ما نسميه في المغرب جوز الطيب تمضغ فيشعر المرء بنشاط على نحو ما يحكيه ابن بطوطة! ـ د. التازي : أقدم نقش عربي في مالديف. البحث الذي قدم لمجمع اللغة العربية بالقاهرة ، في دورته السابعة والخمسين ، يبراير ١٩٩١.

١٢٧

الشعر وهم يصنعون منه حبالا يخيطون بها المراكب عوضا عن مسامير الحديد ، ويصنعون منه الحبال للمراكب ، والجوزة منها وخصوصا التي بجزائر ذيبة المهل تكون بمقدار رأس الآدميّ.

ويزعمون أنّ حكيما من حكماء الهند في غابر الزمان كان متّصلا بملك من الملوك ومعظّما لديه ، وكان للملك وزير بينه وبين هذا الحكيم معاداة ، فقال الحكيم للملك : إن رأس هذا الوزير إذا قطع ودفن تخرج منه نخلة تثمر بتمر عظيم يعود نفعه على أهل الهند وسواهم من أهل الدنيا فقال له الملك : فإن لم يظهر من رأس الوزير ما ذكرته؟ قال : إن لم يظهر فاصنع برأسي كما صنعت برأسه! فأمر الملك برأس الوزير فقطع وأخذه الحكيم ، وغرس نواة تمر في دماغه ، وعالجها حتّى صارت شجرة وأثمرت بهذه الجوز! وهذه الحكاية من الأكاذيب ولاكن ذكرناها لشهرتها عندهم.

ومن خواصّ هذا الجوز تقوية البدن وإسراع السّمن والزيادة في حمرة الوجه ، وأمّا الإعانة على الباءة ففعله فيها عجيب ، ومن عجائبه أنّه يكون في ابتداء أمره أخضر فمن قطع بالسّكين قطعة من قشرة وفتح رأس الجوزة شرب منها ماء في النهاية من الحلاوة والبرودة ، ومزاجه حارّ معين على الباءة فإذا شرب ذلك الماء أخذ قطعة القشرة وجعلها شبه الملعقة وجرّد بها ما في داخل الجوزة من الطّعم ، فيكون طعمه كطعم البيضة إذا شويت ولم يتمّ نضجها كلّ التمام ، ويتغذّى به ، ومنه كان غدائي أيام إقامتي بجزائر ذيبة المهل مدّة من عام ونصف عام.

ومن عجائبه أنه يصنع منه الزيت والحليب والعسل ، فامّا كيفيّة صناعة العسل منه فإنّ خدّام النخل منه ، ويسمّونه الفازانية (٩٣) ، يصعدون إلى النخلة غدوا وعشيّا إذا ارادوا أخذ مائها الذي يصنعون منه العسل ، وهم يسمّونه الأطواق ، فيقطعون العذق الذي يخرج منه الثمر ويتركون منه مقدار إصبعين ، ويربطون عليه قدرا صغيرة فيقطر فيها الماء الذي يسيل من العذق ، فإذا ربطها غدوة وصعد إليها عشيّا ومعه قدحان من قشر الجوز المذكور ، احدهما مملوء ماء فيصبّ ما اجتمع من ماء العذق في أحد القدحين ويغسله بالماء الذي في القدح الآخر ، وينجر من العذق قليلا ، ويربط عليه القدر ثانية ، ثم يفعل غدوة كفعله عشيّا ، فإذا اجتمع له الكثير من ذلك الماء طبخه كما يطبخ ماء العنب إذا صنع منه الربّ (٩٤) فيصير

__________________

(٩٣) لم أقف على أصل لهذه الكلمة (الفازانية) وكذا للتي تليها : (الأطواق) ...

(٩٤) الرّب : مشروب كان يحضر عند الحفلات الكبرى في العصر الموحدي (ARROPE) على ما اسلفناه ـ الطبعة الثالثة بيروت ١٩٨٧ ص ١١٣ من تاريخ المنّ بالإمامة لابن صاحب الصّلاة.

١٢٨

عسلا عظيم النفع طيّبا فيشتريه تجار الهند واليمن والصين ، ويحملونه إلى بلادهم ويصنعون منه الحلواء.

وأمّا كيفيّة صنع الحليب منه فإنّ بكلّ دار شبه الكرسيّ تجلس فوقه المرأة ويكون بيدها عصا في أحد طرفيها حديدة مشرفة ، فيفتحون في الجوزة مقدار ما تدخل تلك الحديدة ، ويجرشون ما في باطن الجوزة ، وكلّ ما ينزل منها يجتمع في صحفة حتّى لا يبقى في داخل الجوزة شيء ، ثمّ يمرس ذلك الجريش بالماء فيصير كلون الحليب بياضا ويكون طعمه كطعم الحليب ، ويأتدم به الناس ، وأمّا كيفيّة صنع الزيت فانّهم يأخذون الجوز بعد نضجه وسقوطه عن شجره ، فيزيلون قشره ويقطعونه قطعا ويجعل في الشمس فإذا ذبل طبخوه في القدور واستخرجوا زيته وبه يستصحبون ويأتدمون به ويجعله النساء في شعورهنّ وهو عظيم النفع.

ذكر سلطان ظفار

وهو السلطان الملك المغيث ابن الملك الفائز ابن عمّ ملك اليمن (٩٥) ، وكان أبوه أميرا على ظفار من قبل صاحب اليمن ، وله عليه هديّة يبعثها له في كلّ سنة ، ثمّ استبدّ الملك المغيث بملكها وامتنع من إرسال الهديّة ، وكان من عزم ملك اليمن على محاربته وتعيين ابن عمّه لذلك ووقوع الحائط عليه ما ذكرناه آنفا.

وللسلطان قصر بداخل المدينة يسمّى (٩٦) الحصن ، عظيم فسيح والجامع بازائه ومن عادته أن تضرب الطبول والبوقات والأنفار والصّرنايات على بابه كلّ يوم بعد صلاة العصر ، وفي كل يوم اثنين وخميس تأتي العساكر إلى بابه فيقفون خارج المشور ساعة ، وينصرفون والسلطان لا يخرج ولا يراه أحد إلّا في يوم الجمعة ، فيخرج للصلاة ، ثمّ يعود إلى داره ولا يمنع أحدا من دخول المشور وأمير جندار قاعد على بابه وإليه ينتهي كلّ صاحب حاجة أو شكاية ، وهو يطالع السلطان ويأتيه الجواب للحين.

وإذا أراد السلطان الركوب خرجت مراكبه من القصر وسلاحه ومماليكه إلى خارج المدينة ، وأتى بجمل عليه محمل مستور بستر أبيض منقوش بالذهب ، فيركب السلطان ونديمه

__________________

(٩٥) كان آخر ملك من الحبوضيين ، وهو سالم بن ادريس ـ أقصى عن الحكم عام ٦٧٨ ١٢٧٨ من لدن الملك المظفر يوسف ، ثاني ملك في الدولة الرسولية ، وقد سمّى عام ٦٩١ ـ ٦٩٢ ١٢٩٢ ولده الواثق ، فإذا كان الملك الفائز الذي ذكر هنا كوالد للملك المغيث ، كان هو (ابن الواثق) لأن المغيث يكون ابن عم في درجة ثانية لسلطان اليمن المجاهد نور الدين ... العقود اللؤلؤية للخزرجي.

(٩٦) هذه هي القلعة التي ذكرها بينت (Bent) عندما زار أطلال المدينة أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ...

١٢٩

في المحمل بحيث لا يرى وإذا خرج إلى بستانه وأحبّ ركوب الفرس ركبه ونزل عن الجمل.

وعادته أن لا يعارضه أحد في طريقه لرؤيته ولا لشكاية ولا غيرها ، ومن تعرّض لذلك ضرب أشدّ الضرب فتجد الناس إذا سمعوا بخروج السلطان فرّوا عن الطريق وتحاموها.

ووزير هذا السلطان الفقيه محمّد العدنيّ ، وكان معلّم صبيان فعلّم هذا السلطان القراءة والكتابة وعاهده على أن يستوزره إن ملك ، فلمّا ملك استوزره فلم يكن يحسنها ، فكان الاسم له والحكم لغيره! ومن هذه المدينة ركبنا البحر نريد عمان في مركب صغير لرجل يعرف بعليّ بن ادريس المصيريّ ، من أهل جزيرة مصيرة ، وفي الثاني لركوبنا نزلنا بمرسى حاسك (٩٧) ، وبه ناس من العرب صيّادون للسمك ساكنون هنالك ، وعندهم شجر الكندر (٩٨) ، وهو رقيق الورق ، وإذا شرّطت الورقة منه قطر منها ماء شبه اللبن ، ثم عاد صمغا ، وذلك الصمغ هو اللّبان ، وهو كثير جدّا هنالك ، ولا معيشة لأهل ذلك المرسى الّا من صيد السمك ، وسمكهم يعرف باللّخم ، بخاء معجم مفتوح ، وهو شبيه كلب البحر ، يشرح ويقدّد ويقتات به وبيوتهم من عظام السمك وسقفها من جلود الجمال.

وسرنا من مرسى حاسك أربعة أيّام ووصلنا إلى جبل لمعان (٩٩) ، بضمّ اللام ، وهو في وسط البحر ، وبأعلاه رابطة مبنيّة بالحجارة وسقفها من عظام السمك وبخارجها غدير ماء يجتمع من المطر.

__________________

(٩٧) بندر حاسك يوجد على بعد ٨٠ ميلا شرقي ظفار ، ونحن نعلم أن الرحالة المغربي أخذ طريقه البحري من صلالة عاصمة ظفار يوم ٢٧ ذي القعدة ٧٣١ أول شتنبر ١٣٣١.

ـ د. التازي : الصلات التاريخية بين المغرب وعمان ، مسقط ، غشت ١٩٨١.

(٩٨) كانت اشارة هامة من ابن بطوطة عن اللبان الذي يعطيه شجر الكندر ، وهو ممّا اشتهرت به هذه المنطقة وقد أوقفني عليه مشكورا الزميل الاستاذ الغساني. وما يزال هذا الاسم (حصى لبان) هو المستعمل عند العطارين بالمغرب الأقصى للتعبير عن الكندر ... هذا وقد أشاد ماركوپولو بدوره بلبان ظفار ونحن نعلم أنه ، على غرار طريق الحرير تحدث المؤرخون عن (طريق البخور) ـ عبد القادر بن سالم بن أحمد الغساني : ظفار أرض اللبان ـ رقم الإيداع الحكومي : ٤٧ ، سلطنة عمان ، دكتور فكتور سحّاب : إيلاف قريش ـ ١٩٩٢ ص ٢٤٢. وأشكر بهذه المناسبة زميلنا الأستاذ محمد فرج الدكالي سفير المملكة المغربية في لبنان ـ نديم نحاس : اكتشاف طرق قوافل البخور عبر اليمن ، الشرق الأوسط ٢٩ / ١ / ٩٧ مع شكرنا للسفارة اليمنية بالمغرب.

(٩٩) ان الوصف الذي أعطاه ابن بطوطة لجبل لمعان يتوافق وجزيرة حلّانيةHaIIaniya احدى مجموعة جزر خوريا موريا (KHURIYA MURIYA) وهي جزيرة من حجر الگرانيت ينتهي طرفها الشمالي على شكل عمودي على علو ٦٤٥ ، ١ قدم. بيد أن الجزيرة على بعد ٢٠ ميلا فقط شرقي حاسك ...

١٣٠

١٣١

ذكر وليّ لقيناه بهذه الجبل

ولمّا أرسينا تحت هذا الجبل صعدناه إلى هذه الرابطة ، فوجدنا بها شيخا نائما ، فسلّمنا عليه فاستيقظ ، وأشار بردّ السلام فكلّمناه ، فلم يكلّمنا وكان يحرّك رأسه فأتاه أهل المركب بطعام فأبى أن يقبله فطلبنا منه الدعاء فكان يحرّك شفتيه ولا نعلم ما يقول وعليه مرقّعة وقلنسوة لبد وليس معه ركوة ولا إبريق ولا عكّاز ولا نعل ، وقال أهل المركب : إنهم ما رأوه قط بهذا الجبل.

وأقمنا تلك الليلة بساحل هذا الجبل ، وصلّينا معه العصر والمغرب ، وجئناه بطعام فردّه ، وأقام يصلّي إلى العشاء الآخرة ثمّ أذّن وصلينا معه ، وكان حسن الصوت بالقراءة مجيدا لها ، ولمّا فرغ من صلاة العشاء الآخرة ، أومأ إلينا بالانصراف فودّعناه وانصرفنا ونحن نعجب من أمره ، ثم إني أردت الرجوع اليه لمّا انصرفنا ، فلمّا دنوت منه هبته وغلب عليّ الخوف ، ورجع إليّ أصحابي فانصرفت معهم وركبنا البحر ووصلنا بعد يومين إلى جزيرة الطير (١٠٠) وليست بها عمارة فأرسينا وصعدنا إليها فوجدناها ملآنة بطيور تشبه الشقاشق (١٠١) ، إلّا أنها أعظم منها وجاءت الناس ببيض تلك الطيور فطبخوها وأكلوها واصطادوا جملة من تلك الطيور فطبخوها دون ذكاة وأكلوها.

وكان يجالسني تاجر من أهل جزيرة مصيرة ساكن بظفار اسمه مسلم فرأيته يأكل معهم تلك الطيور فأنكرت ذلك عليه فاشتدّ خجله ، وقال لي : ظننت أنّهم ذبحوها ، وانقطع عنّي بعد ذلك من الخجل فكان لا يقربني حتى أدعو به.

وكان طعامي في تلك الأيّام بذلك المركب التمر والسمك ، وكانوا يصطادون بالغدّ وو العشيّ سمكا يسمّى بالفارسية شيرماهي (١٠٢) ومعناه أسد السمك ، لأن شير هو الاسد ،

__________________

(١٠٠) جزيرة صغيرة جدا تقع في خليج مصيرة على مقربة من الساحل تسمى حمار نافورHAMAR) (NAFUR ، وقد وصفت كجزيرة تغشاها آلاف الطيور على نحو ما نعرف عن جزيرة الطيور على مقربة من مدينة الصويرة بالمغرب الأقصى وهي ذات شهرة عالمية.

ـ د. التازي : القنص بالصقر بين المشرق والمغرب ، المطبعة العصرية بالرباط ١٤٠٠ ١٩٨٠ ، ص ٣٨ / ٣٩ / ٤٠.

(١٠١) انظر دوزي مادة شرقرق ومادة شقشق ولعله تحريف شقارق واحدها شقراق في حجم الزّرزور أو أكبر قليلا ... يلاحظ أن ابن بطوطة يستغرب من تناول السكان للطيور بدون ذكاة!!

(١٠٢) (شير ماهي) : حدّد على أنه سمك ذو حرشفة بيضاء ، ولحمه لذيذ حسب ما تقوله القواميس الفارسية ويشبّهه ابن بطوطة بتازّارت المعروف بالمغرب ، ومعلوم أن هذه الكلمة بربرية الصيغة وهي تعني التّين ، وهم يؤوّلون ذلك بأنّ لون بعض أنواع التّين التي توجد شمال المغرب الذي ينتمي اليه ابن بطوطة ، يكون مزركشا يشبه قشر بعض الأسماك التي تحمل اسم تازارت. وأعتقد أن القصد إلى هامور المنتشر بالمنطقة والذي يوجد في صدر ما يقدّمه مطعم (فيش ماركيت) بفندق (إينتير كونتينانتال) في تلك المنطقة يراجع ، التعليق الآتي رقم ١٢٢.

١٣٢

١٣٣

وماهي : السمك وهو يشبه الحوت المسمّى عندنا بتازّرت وهم يقطّعونه قطعا ويشوونه ويعطون كلّ من في المركب قطعة لا يفضّلون أحدا على أحد ، ولا صاحب المركب ولا سواه ، ويأكلونه بالتمر وكان عندي خبز وكعك استصحبتهما من ظفار فلمّا نفدا كنت أقتات من تلك السمك في جملتهم ، وعيّدنا عيد الأضحى (١٠٣) على ظهر البحر وهبّت علينا في يومه ريح عاصف بعد طلوع الفجر ودامت إلى طلوع الشمس وكادت تغرّقنا.

كرامة [للحاج خضر]

وكان معنا في المركب حاجّ من أهل الهند يسمّى بخضر ، ويدعى بمولانا لأنّه يحفظ القرآنويحسن الكتابة ، فلمّا رأى هول البحر لفّ رأسه بعباءة كانت له وتناوم ، فلمّا فرّج الله ما نزل بنا ، قلت له يا مولانا خضر ، كيف رأيت؟ قال : قد كنت عند الهول أفتح عيني أنظر هل أرى الملائكة الذين يقبضون الأرواح جاءوا فلا أراهم ، فأقول : الحمد لله ، لو كان الغرق لأتوا لقبض الأرواح ، ثمّ اغلق عيني ، ثمّ أفتحها فأنظر كذلك إلى أن فرّج الله عنّا!

وكان قد تقدّمنا مركب لبعض التجار فغرق ولم ينج منه الا رجل واحد خرج عوما بعد جهد شديد ، وأكلت في ذلك المركب نوعا من الطعام لم آكله قبله ولا بعده ، صنعه بعض تجار عمان وهو من الذرة ، طبخها من غير طحن وصبّ عليها السّيلان وهو عسل التمر وأكلناه.

ثم وصلنا إلى جزيرة مصيرة (١٠٤) التي منها صاحب المركب الذي كنّا فيه وهي على لفظ مصير وزيادة تاء التأنيث ، جزيرة كبيرة لا عيش لأهلها الّا من السمك ولم ننزل إليها لبعد مرساها عن الساحل ، وكنت قد كرهتهم لمّا رأيتهم ياكلون الطّير من غير ذكاة ، وأقمنا بها يوما ، وتوجّه صاحب المركب فيه إلى داره وعاد إلينا ، ثمّ سرنا يوما وليلة فوصلنا إلى مرسى قرية كبيرة على ساحل البحر تعرف بصور (١٠٥) ، ورأينا منها مدينة قلهات في سفح

__________________

(١٠٣) حسب التسلسل التاريخي لما ذكره ابن بطوطة فإن القصد إلى ١٠ ذي الحجة من عام ٧٣١ ١٤ شتنبر ١٣٣١ ويعتقد گيب أن السنة ربما كانت سنة ٧٢٩ ، وأن العيد لم يكن الأضحى ولكنه عيد الفطر شوال الموافق ٢٠ يوليه ١٣٢٩ وينبغي أن نلاحظ أن ابن بطوطة وهو يتحدث بعد قليل عن اتجاهه نحو قلهات ، يقول : ان الفصل فصل حرارة!

(١٠٤) جزيرة مصيرة تقع على مقربة من ساحل عمان ، وقد وصف سكان هذه الجزيرة من لدن الرحالة البحريّين القدماء بأنهم أكلو السمك : ٤٠ ميلا طولا على ١٠ أميال عرضا وتحتوي على بعض أشجار النخيل.

(١٠٥) صور : ميناء يقع في نهاية جنوب عمان ونذكر ـ تعليقا على قوله إنه رأى قلهات من صور أن قلهات تقع على بعد ١٣ ميلا على خط مستقيم من الشمال الغربي لصور ، هذا وقد حدّد السالمي صاحب تحقه الأعيان حدد الخليج الذي قال عنه إنه يخرج في البحر فيه المد والجزر بأنه هو خور صاغ. ـ نور الدّين السالمي : تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان ج I طبعة خامسة ١٣٩٤ ١٩٧٤ ص ٣٦٠.

١٣٤

جبل فخيل لنا أنها قرية ، وكان وصولنا إلى المرسى وقت الزوال أو قبله ، فلمّا ظهرت لنا المدينة أحببت المشي إليها والمبيت بها ، وكنت قد كرهت صحبة أهل المركب ، فسألت عن طريقها فأخبرت أنّي أصل اليها عند العصر ، فاكتريت أحد البحريّين ليدلّني عن طريقها ، وصحبني خضر الهنديّ الذي تقدّم ذكره وتركت أصحابي مع ما كان لي بالمركب ليلحقوا بي في غد ذلك اليوم ، وأخذت أثوابا كانت لي ، فدفعتها لذلك الدليل ليكفيني مؤنة حملها وحملت في يدي رمحا ، فإذا ذلك الدليل يحبّ أن يستولي على أثوابي! فأتى بنا إلى خليج يخرج من البحر فيه المدّ والجزر فاراد عبوره بالثياب ، فقلت له : إنّما تعبر وحدك وتترك الثياب عندنا فإن قدرنا على الجواز والّا صعدنا نطلب المجاز ، فرجع ثمّ رأينا رجالا جاوزوه عوما فتحقّقنا أنّه كان قصده أن يغرّقنا ويذهب بالثياب فحينئذ أظهرت النشاط وأخذت بالحزم وشددت وسطى ، وكنت أهزّ الرمح فهابني ذلك الدليل ، وصعدنا حتّى وجدنا مجازا ، ثمّ خرجنا إلي صحراء لا ماء بها وعطشنا واشتدّ بنا الأمر فبعث الله لنا فارسا في جماعة من أصحابه ، وبيد أحدهم ركوة ماء ، فسقاني وسقى صاحبي ، وذهبنا نحسب المدينة قريبة منّا وبيننا وبينها خنادق نمشي فيها الأميال الكثيرة.

فلمّا كان العشيّ أراد الدليل أن يميل بنا إلى ناحية البحر وهو لا طريق له لأن ساحله حجارة فأراد أن ننشب فيها ويذهب بالثياب ، فقلت له : إنّما نمشي على هذه الطريق التي نحن عليها وبينها وبين البحر نحو ميل ، فلمّا أظلم الليل ، قال لنا : إن المدينة قريبة منّا ، فتعالوا نمشي حتّى نبيت بخارجها إلى الصباح ، فخفت أن يتعرّض لنا أحد في طريقنا ، ولم أحقّق مقدار ما بقى إليها ، فقلت له : إنّما الحقّ أن نخرج عن الطريق فننام ، فإذا أصبحنا أتينا المدينة إن شاء الله.

وكنت قد رأيت جملة من الرجال في سفح جبل هنالك ، فخفت أن يكونوا لصوصا وقلت التستّر أولى ، وغلب العطش على صاحبي فلم يوافق على ذلك ، فخرجت عن الطريق وقصدت شجرة من شجر أمّ غيلان ، وقد أعييت وأدركني الجهد ، لاكنّي أظهرت قوّة وتجلّدا خوف الدّليل ، وأمّا صاحبي فمريض لا قوّة له ، فجعلت الدليل بيني وبين صاحبي ، وجعلت الثياب بين ثوبي وجسدي ، وأمسكت الرمح بيدي ، ورقد صاحبي ، ورقد الدّليل ، وبقيت ساهرا ، فكلّما تحرّك الدّليل كلّمته وأريته أنّي مستيقظ ولم نزل كذلك حتّى أصبح ، فخرجنا إلى الطّريق فوجدنا الناس ذاهبين بالمرافق إلى المدينة ، فبعثت الدليل ليأتينا بماء ، وأخذ صاحبي الثياب.

وكان بيننا وبين المدينة مهاو وخنادق ، فأتانا بالماء فشربنا وذلك أوان الحرّ ، ثمّ وصلنا إلى مدينة قلهات ، وضبط اسمها بفتح القاف واسكان اللام وآخرة تاء مثنّاة ، فأتيناها ونحن

١٣٥

في جهد عظيم ، وكنت قد ضاقت نعلي على رجلي حتّى كاد الدم أن يخرج من تحت أظفارها ، فلمّا وصلنا باب المدينة كان ختام المشقّة أن قال لنا الموكّل بالباب : لابدّ لك أن تذهب معي إلى أمير المدينة ليعرف قضيّتك ، ومن أين قدمت فذهبت معه إليه فرأيته فاضلا حسن الأخلاق ، وسألني عن حالي وأنزلني وأقمت عنده ستّة أيّام لا قدرة لي فيها على النّهوض على قدمي لما لحقها من الآلام.

ومدينة قلهات على الساحل (١٠٦) ، وهي حسنة الأسواق ، ولها مسجد من أحسن المساجد حيطانه بالقاشانيّ وهو شبه الزلّيج وهو مرتفع ينظر منه إلى البحر والمرسى وهو من عمارة الصّالحة بيبي مريم (١٠٧) ، ومعنى بيبي عندهم الحرّة ، وأكلت بهذه المدينة سمكا لم آكل مثله في إقليم من الأقاليم وكنت أفضله على جميع اللحوم فلا آكل سواه وهم يشوونه على ورق الشجر ويجعلونه على الأرز ويأكلونه.

والأرز يجلب إليهم من أرض الهند ، وهم أهل تجارة ، ومعيشتهم ممّا يأتي اليهم في البحر الهنديّ ، وإذا وصل إليهم مركب فرحوا به أشدّ الفرح ، وكلامهم ليس بالفصيح مع أنّهم عرب ، وكلّ كلمة يتكلّمون بها يصلونها بلا ، فيقولون مثلا تأكل لا؟ تمشي لا؟ تفعل كذا لا؟ (١٠٨) ، وأكثرهم خوارج لا كنهم لا يقدرون على إظهار مذهبهم لأنهم تحت طاعة السلطان قطب الدين تمتهن ملك (١٠٩) هرمز ، وهو من أهل السنّة ، وبمقربة من قلهات قرية طيبي (١١٠) ،

__________________

(١٠٦) علق ماركوپولو قائلا : إن هذه المدينة ـ ويسميها قالاتو ـ تتوفر على ميناء جيّد جدّا تصله من الهند طائفة من البضائع تباع فيه ، حيث يتوزع على سائر البلاد الداخلية ... هذا وقد قدّم لنا الرحالة المغربي مظهرا جديدا من مظاهر الحضارة الاصيلة والحفاظ على الأمن في البلاد ...

(١٠٧) كانت قلهات في فترة من الزمن تابعة لأمراء هرمز الأمر الذي لم يمنع أيضا أن يصبح حكام قلهات أمراء على هرمز حسب قوة القادة المتواجدين على الحدود ... وهكذا نجد محمود بن أحمد بن أحمد الكوشي القلهاتي يتملك على هرمز من عام ٦٤٣ ١٢٤٣ إلى ٦٧٦ ١٢٧٧. وبعد وفاته آل الامر إلى أحد عبيده الاتراك ، وكان يحمل اسم أياز (AYAZ) ٦٩٠ ـ ٧١١ ١٢٦١ ـ ١٣١١ ، وعند وفاة هذا الاخير أصبحت زوجته بيبي ، مريم ملكة على قلهات إلى حوالي سنة ٧٢٠ ١٣٢٠ ـ تعليقا على شرح ابن بطوطة لكلمة (بيبي) قال السالمي في تحفة الأعيان : الكلمة إنما جلبت إلى بعض ساحل عمان من أرض الزنج.

ـ تاريخ أهل عمان ، تحقيق : د. سعيد عبد الفتاح عاشور ، سلطنة عمان ، طبعة ١٩٨٦ ، ص ٩٥ / ١٩٦.

(١٠٨) يؤكد السالمي في تحفة الأعيان هذه العادة ويفيد أنهم كانوا يزيدونها هاء السكت فيقولون لاه؟ هذا وينقل گيب أن هذه العادة توجد أيضا في دارجة محافظة مسندم شمال عمان.

(١٠٩) قطب الدين تهمتن ٧١٨ ـ ٧٤٧ ١٣١٩ ـ ١٣٤٧ ، الحفيد اللاحق (لبيط كما يقال بالمغرب) لمحمود القلهاتي كان عليه أن يسترجع هرمز من يد أحد المغتصبين شهاب الدين يوسف الذي سطا عليها من قلهات ...

(١١٠) يشكل ابن بطوطة هذا العلم الجغرافي (طيبي) كما قال وقد وجدنا أن ابن المجاور (ص ٢٨٠ ـ ٢٨٤) يرسمها طيوي بفتح الطاء وتسكين الياء وبفتح الواو ويقول انها على بعد ثلاثة فراسخ من قلهات ونرى السالمي تحفة الأعيان يرسمها هكذا : طيوي بكسر الهاء والواو (وليس الباء) وهذا ما يوجد بالخريطة.

١٣٦

واسمها على نحو اسم الطّيب إذا أضافه المتكلّم لنفسه ، وهي من أجمل القرى وأبدعها حسنا ذات أنهار جارية ، واشجار ناضرة ، وبساتين كثيرة ، ومنها تجلب الفواكه إلى قلهات ، وبها الموز المعروف بالمرواري ، والمرواريّ بالفارسية هو الجوهريّ وهو كثير بها ، ويجلب منها إلى هرمز وسواها ، وبها أيضا التنبول لا كن ورقته صغيرة والتمر يجلب إلى هذه الجهات من عمان (١١١).

ثمّ قصدنا بلاد عمان فسرنا ستّة أيّام في صحراء ثمّ وصلنا بلاد عمان في اليوم السابع وهي خصبة ذات أنهار وأشجار وبساتين وحدائق نخل وفاكهة كثيرة مختلفة الأجناس ، ووصلنا إلى قاعدة هذه البلاد ، وهي مدينة نزوا (١١٢) ، وضبط اسمها بنون مفتوح وزاي مسكن وواو مفتوح ، مدينة في سفح جبل تجفّ بها البساتين والأنهار ، ولها أسواق حسنة ومساجد معظمة نقيّة ، وعادة أهلها انّهم يأكلون في صحون المساجد ، ياتي كلّ إنسان بما عنده ويجتمعون للأكل في صحن المسجد ، ويأكل معهم الوارد والصادر ولهم نجدة وشجاعة ، والحرب قائمة فيما بينهم أبدا وهم إباضيّة المذهب ويصلّون الجمعة ظهرا اربعا (١١٣) فإذا فرغوا منها قرأ الإمام آيات من القرآن ونثر كلاما شبه الخطبة يرضيّ فيه عن أبي بكر وعمر ويسكت عن عثمان وعليّ ، وهم إذا أرادوا ذكر عليّ رضي‌الله‌عنه كنّوا عنه بالرجل فقالوا ذكر عن الرجل أو قال الرجل ويرضّون عن الشقيّ اللعين ابن ملجم ، ويقولون فيه العبد الصالح قامع الفتنة ، ونساؤهم يكثرن الفساد ولا غيرة عندهم ، ولا إنكار لذلك وسنذكر حكاية إثر هذا ممّا يشهد (١١٤) بذلك.

__________________

(١١١) عمان الذي نطلق عليها حقيقة عمان هي المناطق المجاورة للجبل الأخضر شمال مدينة عمان العاصمة الحالية للسلطنة.

(١١٢) تقع نزوى في غرب سفح الجانب الغربي للجبل الأخضر ، وقد كانت عاصمة أيمة عمان ، على بعد ١٣٠ ميلا من قلهات على خط مستقيم ...

(١١٣) يعلل السالمي في تحفة الأعيان : إنما كانوا يصلّون الجمعة ظهرا لانهم لا إمام لهم يومئذ ، ومن شرط صحة الجمعة عندهم وجود المصلى والامام فان اختل احد الشرطين فقد اختلف العلماء في صحة الجمعة ... ـ تحفة الأعيان مصدر سابق جزءI ، ص ٣٦٣.

(١١٤) تصدى المؤرخ المعاصر لعمان الامام نور الدّين عبد الله حميد السالمي (ت ١٣٣٢ ١٩١٥) سالف الذكر للردّ على الرحالة المغربي حول ما حكاه عن الحالة الاجتماعية في البلاد أثناء فترة زيارته ... كما لاحظ اقتصار الرحالة على زيارة بعض المواقع الجغرافية دون الأخرى التي تمتاز بأهميتها ولكنه أي الشيخ السالمي استدركرحمه‌الله ، ليذكر بأنه لا لوم على غريب! فربما كان ابن بطوطة ضحية دليله! وليقول كذلك أن بعض ما حكاه ابن بطوطة ليس بغريب الوقوع على عهد ملوك بني نبهان الذين اظهروا الفساد في البلاد وقهروا العباد بالعناد ...! وقتلوا من انكر عليهم من العلماء.!!

١٣٧

ذكر سلطان عمان

وسلطانها عربيّ من قبيلة الأزد بن الغوث ، ويعرف بأبي محمّد بن نبهان (١١٥) ، وابو محمّد عندهم سمة لكلّ سلطان يلي عمان ، كما هي أتابك عند ملوك اللور ، وعادته أن يجلس خارج باب داره في مجلسه هنالك ولا حاجب له ولا وزير ولا يمنع أحد من الدخول إليه من غريب أو غيره ، ويكرم الضيف على عادة العرب ، ويعيّن له الضيّافة ويعطيه على قدره.

وله أخلاق حسنة ويؤكل على مائدته لحم الحمار الأنسيّ ، ويباع بالسوق لأنّهم قائلون بتحليله ، ولا كنهم يخفون ذلك عن الوارد عليهم ولا يظهرونه بمحضره ، ومن (١١٦) مدن عمان مدينة زكى (١١٧) ، لم أدخلها ، وهي على ما ذكر لي مدينة عظيمة ، ومنها القريّات وشبا وكلبا وخور فكّان وصحار (١١٨) ، وكلّها ذات أنهار وحدائق وأشجار نخل ، واكثر هذه البلاد في عمالة هرمز (١١٩).

__________________

(١١٥) اغتصب بنو نبهان الحكم من يد الأئمة المختارين سنة ٥٥٧ ١١٦٢ واستقروا في الحكم إلى سنة ٨٨٦ ١٤٨١ أي زهاء ثلاثمائة وعشرين سنة. وعندما عاد الحكم إلى الامامة وجدنا أن سائر أثار ومعالم النبهانيين تمحي عن عمد! وهكذا فإننا لا نمتلك أية معلومات عن هذه الفترة ، ومن هنا فإننا نعتبر أن الافادات التي قدمها ابن بطوطة والتي استطاعت أن تنجو من الإتلاف ، ينبغي أن تدرس دراسة موضوعية وأن لا تؤخذ على انها إساءة للأسلاف ولكن تؤخذ على أنها تعبر عن مرحلة تميزت بالقهر والقمع والتسيّب وليس ضروريا إطلاقا أن تتوفر المصادر العمانية القديمة على ما يؤيد معلومات ابن بطوطة ، فإن بعض المعلومات يمكن أن تغفل في جهاتها الأصلية ولكنها تنقل في جهات أخرى ، ولنا على هذا عدد كبير من الأمثلة : ابن البيطار مثلا عرفنا في سوريا أنه توفي فجأة وعرفنا في المصادر الأندلسية أنه توفى بعد تناوله عقارا يختبر مفعوله ثم عرفنا في مصدر لاحق أنه تناول ذاك العقار عمدا رغبة في أن يجعل حدّا لحياته!

(١١٦) ينكر المؤرخ السالمي ما حكاه ابن بطوطة من أن" أبا محمد سمة لكل سلطان يلي عمان كما في أتابك عند ملوك اللور" قائلا : ما سمعنا بهذا الاصطلاح في زمن من الأزمان وانما الاصطلاح الخاص لملوك عمان هو الجلندي على نحو استعمال تبّع لكل من حكم اليمن وحضرموت ، وقيصر لمن ملك الروم الخ ... كما ينكر مرويات ابن بطوطة عن لحم الحمار الأنسي.

(١١٧) زكي معروفة أكثر تحت اسم أزكي أو إزكى على بعد ٣٠ ميلا شرقي نزوى. ـ سالم بن حمود بن شامس : العنوان عن تاريخ عمان ص ٨٧.

(١١٨) هذه كلّها مدن تقع على الساحل تمتد من الجنوب إلى الشمال : القريّات مجموعة قرى على بعد ٢٥ ميلا جنوب شرقي مسقط ، صحار على بعد ١٢٥ شمال غربي مسقط ، وقد اغفل ذكر مسقط في اللائحة لكنه ذكرها عند عودته عام ٧٤٧ ١٣٤٧. ـ كلباء (أو كلبة) وخور فكّان (أو فكّان) على بعد ٦٠ و ٧٥ ميلا شمال صحار وهما يكونان اليوم قسما من إمارة الشارقة الحالية من الامارات العربية المتحدة ، هذا ولا يوجد موقع يحمل هنا اسم شبا فيظهر أن القصد إلى سيب الواقع جنوبا على بعد ٢٥ ميلا غرب مسقط. ـ أغتنم هذه الفرصة لأشكر معالي الدكتور الأستاذ سعيد سلمان رئيس جامعة عجمان.

(١١٩) هرمز القديمة تقع داخل بلاد فارس على بعد ستة إلى ثمانية أميال من خليج مناب MINAB في الجهة المقابلة ، اقصى جنوب إيران ، موغستان كانت اسما لاقليم منطقة مجاورة للشاطئ ، أما هرمز الجديدة فإنها جزيرة على البحر ، كان الذي انشأها الحاكم أياز سالف الذكر ، تعليق ١٠٧ أنشأها في مكان الجزيرة التي تحمل اسم جرون الواقعة شمال المضيق الذي يحمل نفس الاسم تمتد هرمز الجزيرة حاليا على ستة أميال طولا ...

١٣٨

١٣٩

حكاية [السلطان المتساهل]

كنت يوما عند هذا السلطان أبي محمّد بن نبهان فأتته امرأة صغيرة السّن حسنة الصورة بادية الوجه فوقفت بين يديه ، وقالت له يا أبا محمّد! طغى الشيطان في رأسي ، فقال لها اذهبي واطردي الشيطان ، فقالت له : لا أستطيع وأنا في جوارك يا أبا محمد ، فقال لها : اذهبي فافعلي ما شئت ، فذكر لي لمّا انصرفت عنه أن هذه ومن فعل مثل فعلها تكون في جوار السلطان وتذهب للفساد ولا يقدر أبوها ولا ذو قرابتها أن يغيروا عليها ، وإن قتلوها قتلوا بها لأنّها في جوار السلطان!

ثم سافرت من بلاد عمان إلى بلاد هرمز ، وهرمز بلاد على ساحل البحر ، وتسمّى أيضا موغ استان ، وتقابلها في البحر هرمز الجديدة ، وبينهما في البحر ثلاثة فراسخ (١٢٠) ، ووصلنا إلى هرمز الجديدة ، وهي جزيرة مدينتها تسمى جرون ، بفتح الجيم والراء وآخرها نون ، وهي مدينة حسنة كبيرة لها أسواق حافلة وهي مرسى الهند والسند ، ومنها تحمل سلع الهند إلى العراقين ، وفارس وخراسان ، وبهذه المدينة سكنى السلطان ، والجزيرة التي فيها المدينة مسيرة يوم ، وأكثرها سباخ وجبال ملح ، وهو الملح الدّراني (١٢١) ، ومنه يصنعون الأواني للزينة ، والمنارات التي يضعون السرج عليها ، وطعامهم السمك والتمر المجلوب اليهم من البصرة ، وعمان ، ويقولون بلسانهم (خرما وماهي لوت بادشاهي) (١٢٢) معناه بالعربي : التّمر والسمك طعام الملوك!!

والماء في هذه الجزيرة له قيمة وبها عيون ماء وصهاريج مصنوعة يجتمع فيها ماء المطر ، وهي على بعد من المدينة ويأتون إليها بالقرب فيملأونها ويرفعونها على ظهورهم إلى البحر ويوسقونها في القوارب ويأتون بها إلى المدينة ، ورأيت من العجائب عند باب الجامع فيما بينه وبين السوق رأس سمكة كأنّه رابية ، وعيناه كأنهما بابان (١٢٣) ، فترى الناس يدخلون من أحدهما ويخرجون من الأخرى!

__________________

(١٢٠) كانت هرمز القديمة تقع في الجزء الرئيسي على بعد ستة أو ثمانية أميال من جون ميناب ـ موغ استان كانت اسما لمنطقة من إقليم كرمان محاذية للساحل ـ تجاهل ابن بطوطة هنا ذكر الميناء بالضبط الذي ابحر فيه من هرمز القديمة إلى جرون عاصمة هرمز الجديدة ... وربما كان الابحار من موغستان ، التعليق ١٠٧. عليّ أكبر ولايتي : تاريخ روابط خارجي إيران ، تهران ١٩٩٦ ص ٢٤٢.

(١٢١) عوض الدّراني ينبغي أن نقرأ الدارابي على نحو ما في المخطوطة الباريزية رقم ٢٢٩٠ ، والكلمة آتية من دربجردDARABDJIRD التي تقع في الجنوب الشرقي لشيراز حيث توجد آكام الملح الملون الذي يصلح لصنع الأواني. إن ارض جزيرة جرون هي كذلك تتكون من الملح والماء ياتي اليها من البلاد المجاورة.

(١٢٢) هذا من المأثورات الشعبية التي نسيها بعض الشيوخ في الخليج اليوم! وقد ذكر هذا المثل ـ نقلا عن الرحالة المغربي ـ دهخدا في (لغة نامه ، حرف اللام) ، دائرة المعارف الفارسية ، يراجع التعليق رقم ١٠٢

(١٢٣) يظهر أن القصد إلى (La baleine) وهو الحوت الذي يحمل في اللغة العربية اسم بال أو وال.

١٤٠