إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٢

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٢

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٢

قال ابن عربشاه : لما أتى تيمور إلى قلعة الروم كان نائبها الناصري محمد بن موسى ابن شهري ، فأقام بها يوما ثم تركها ورحل عنها إلى عينتاب ، وكان نائبها أركماش ، فحصنّها واستعد وباشر القتال بنفسه ، ثم لما علم أن لا طاقة له بتيمور هرب إلى حلب واستولى تيمور على عينتاب ، ثم أرسل وهو في عينتاب رسولا إلى نائب حلب ومعه كتاب له طلب فيه منه أن يطيع أوامره وأن يكفّ عن القتال وأن يسلمه أطلاميش زوج بنت أخت تيمور ، وكان هذا أسيرا في مصر كان أسره التركمان وأرسلوه إلى مصر قبل هذه المدة ، فلم يجب إلى شيء مما طلبه ، وقتل سودون نائب دمشق الذي كان وقتئذ موجودا في حلب مع بقية نواب البلاد الشامية رسول تمرلنك قبل أن يسمع كلامه وضرب رأسه على رؤوس الأشهاد وبئس ما فعل.

قال في روض المناظر : ولما كان يوم الخميس تاسع ربيع الأول نازل الملعون حلب وكان نائبها المقر السيفي دمرداش الخاصكي وقد حضرت إليه عساكر المملكة الشامية ، عسكر دمشق مع نائبها سيدي سودون وعسكر طرابلس مع نائبها المقر السيفي شيخ الخاصكي وعسكر حماة مع نائبها دقماق وعسكر صفد وغزة.

قال ابن عربشاه ما خلاصة معناه : ثم إن النواب تشاوروا كيف يكافحون تيمور لنك ، فقال البعض : الرأي أن نحصّن البلد ونكون على الأسوار ، فإذا جاء العدو نحاربه من الأسوار ، فقال له بعض الأمراء : هذا أمارة العجز ، والرأي أن نحلق حواليها ونمنع العدو من الوصول إليها ويكون ذلك أفسح للمجال ، ثم ذكر كل من الأمراء ما عنّ له في ذلك ، ثم قال المقر السيفي شيخ الذي صار ملكا بعد ذلك وكان ذا رأي سديد وهو إذ ذاك نائب طرابلس : إن العدو عظيم أمره كثير عدده ، لكنه وإن كان كذلك فهو أعمى لأنه غريب عن البلاد ، والرأي عندي أن نحصّن المدينة ونكون خارجها في جانب واحد ثم نحفر حولنا خنادق ونطير إلى الآفاق أجنحة البطايق إلى الأعراب والأكراد والتراكمة وعشرات البلاد فيتسلطون على العدو من الجوانب ويصير بين قاتل وناهب ، فإن أقام وأنّى له ذلك ففي شر مقام ، وإن تقدم إلينا صافحناه ، وإن رجع رجع بخيبة وهو المرام. ووافقه على هذا الرأي شاه منصور.

فقال دمرداش وهو إذ ذاك نائب المدينة : الأولى أن نناجزه والمناضلة خير من المطاولة ، وإذا لم نناجزه آنس منّا الوهن وخور العزيمة ، وأخذ يحرضهم على ذلك ، ومما

٤٠١

قاله : إنا إذا كسرناهم فزنا بالمرام وكفينا عسكر المصريين المؤنة ، وإذا كانت الكرة علينا نكون قد بذلنا المجهود وأقمنا عذرا لدى السلطان برقوق.

قال ابن عربشاه : ولا زال دمرداش يحسن لهم هذا الرأي الفاسد حتى أجمعوا عليه واتفقوا على الخروج إلى تيمور لنك لأنه كان صاحب البلد وكان في الباطن موافقا لتيمور.

ثم إنهم حصنوا المدينة وأوصدوا أبوابها ووكلوا بكل حارة ومحلة أصحابها وفتحوا البابين المقابلين للجهة التي نزل فيها تيمور لنك وهما باب النصر وباب القناة.

ويوم وصوله وهو يوم الخميس تاسع ربيع الأول برز من عسكر تيمور لنك ألفا رجل فبرز إليهم من العساكر الشامية ثلثمائة فهزمهم هؤلاء.

ويوم الجمعة برز من عسكره نحو من خمسة آلاف فتقدم إليهم طائفة أخرى واشتبك بينهم القتال واشتد وأبلت العساكر الشامية بلاء حسنا ، وبقي الحرب إلى المساء ، فتراجع الفريقان وقد قتل من عسكر تيمور لنك ولم يقتل من العسكر الشامية سوى رجلين.

ويوم السب حادي عشر ربيع الأول برزت العساكر الشامية وتقدمت عساكر ذاك وكان قد عبأها تحت جنح الليل ، فقابل مقدمتهم وشغلهم بأوائلهم وأحاط الباقون بهم فأتوهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمايلهم ، فمشى عليهم مشي الموسى على الشعر وسعى سعي الدّبا على الزرع الأخضر ، وكان هذا الجولان على قرية حيلان ، ثم فرت ميمنة العساكر الشامية وكان رأسها دمرداش فلم يلبث الباقون ساعة من نهار حتى ولّوا الأدبار وعسكر تيمور لنك وراء ظهورهم ، فقصدوا المدينة من الأبواب المفتوحة وازدحموا عندها والسيوف تشقهم والرماح تدقهم ، فاستدت الأبواب بالقتلى ولم يتمكن الكثيرون من الدخول ، فتشتتوا في البلاد ، وكسر المماليك باب أنطاكية وخرجوا منه قاصدين بلاد الشام ، وصعد النواب إلى القلعة وتحصنوا فيها.

قال ابن إياس : لما بلغ تيمور لنك أن رسوله قتل زحف إلى قرية من قرى حلب يقال لها حيلان واحتاط بمدينة حلب ونهب ما حولها من الضياع ، ولما كان يوم السبت حادي عشر ربيع الأول من سنة ثلاث وثمانمائة خرج عساكر حلب وسائر النوّاب بعساكرهم وأوقعوا مع تمرلنك ، فكان بينهم ساعة تشيب منها النواصي وقد دهمتهم عساكر تمرلنك كأمواج البحار المتلاطمة ومالت عليهم كتائب الجنود المتزاحمة ، فلم تثبت معهم عساكر حلب وولوا على أعقابهم مدبرين وأقبلوا نحو المدينة منهزمين ، وقد داست حوافر الخيل أجساد العامة وحل بهم من البؤس كل داهية طامة. وكان قد احتمى بالمزارات

٤٠٢

والمساجد الجم الغفير من النساء والأطفال فدخلوا إليهم وأسروهم وقرنوهم بالحبال وأسرفوا في قتل النساء والرجال ، وصارت الأبكار تفتض في المساجد ولم يراعوا حرمة المساجد ، فلم يرثوا لبكاء الرضع ولم يخشوا دعاء الركّع ، وقد صارت المساجد كالمجزرة من القتلى فلا حول ولا قوة إلا بالله.

واستمر هذا الأمر الشنيع يتزايد من يوم السبت إلى يوم الثلاثاء ، فلما رأى دمرداش نائب حلب عين الغلب نزل من القلعة هو وبقية النواب وأخذوا في رقابهم مناديل وتوجهوا إلى تمرلنك يطلبون منه الأمان ، فلما مثلوا بين يديه خلع عليهم أقبية مخمل أحمر وألبسهم تيجانا مذهبة وقال لهم : أنتم صرتم نوابي (١) ، ثم أرسل معهم جماعة من أمرائه يتسلمون القلعة فاستنزلوا من كان بها وهم في قيود. واستمر مقيما على حلب نحو شهر وعسكره ينهبون القرى التي حول حلب ويقطعون الأشجار التي بها ويهدمون البيوت ، وقد أسرفوا في القتل ونهب الأموال ، وصارت الأرجل لا تطأ إلا على جثّة إنسان لكثرة القتلى ، حتى قيل إنه بنى من رؤوس القتلى عشرة مآذن دور كل مأذنة عشرون ذراعا وصعودها في الهواء مثل ذلك ، وجعلوا الوجوه فيها بارزة تسفو عليها الرياح ، وتركوا أجساد القتلى في الفلاة تنهشها الكلاب والوحوش ، فكان عدة من قتل في هذه الوقعة من أهل حلب من صغار وكبار ونساء ورجال نحوا من عشرين ألف إنسان ، هذا خارج عمّا هلك من الناس تحت أرجل الخيول عند اقتحام أبواب المدينة وقت الهزيمة ، وهلك من الجوع والعطش أكثر من ذلك.

فلما ملك تمرلنك مدينة حلب والقلعة نهب جميع ما في المدينة والقلعة ، ثم رحل عنها بعدما جعلها خاوية على عروشها ، وقد تعطلت في مدة هذه المحاصرة عن الأذان والإقامة وعن صلاة الجمعة.

__________________

(١) الذي في تاريخ تيمور لابن عربشاه : لما نزل إليه النواب قبض على سيدي سودون وشيخ الخاصكي وألطنبغا العثماني نائب صفد وعمر بن الطحان نائب غزة وقيدهم وخلع على دمرداش فقط مكافأة له على مخامرته كما تقدم.

٤٠٣

ومما يحكى عن أخبار عسكر تمرلنك فيما فعلوه بعسكر حلب قيل : كانوا يطؤون الأبكار في محراب المساجد وآباؤهن يشاهدون ذلك بعينهم. ولقد حكى من أسر معهم أنهم من حين استولوا على حلب إلى حين رحلوا عنها لم يسمع في عسكرهم أذان وأنهم يجامعون النساء في المحيض ولا يعاودون الوطء إلا بعد اغتسال ولو كان في قلب الشتاء بالماء البارد. وقيل : إن تمرلنك كان يحتجب عن عسكره نحو أسبوعين فلا يجتمع على أحد من عسكره وينعكف على شرب الخمور ، ففي مدة انعكافه تنهب عساكره البلاد ويفسقون في أهليها فلم يجدوا من يمنعهم عن ذلك ولا يردهم فيستمروا على ذلك.

أسئلة تيمور لنك والجواب عنها من القاضي ابن الشحنة

قال المحب أبو الوليد بن الشحنة في آخر تاريخه روض المناظر : وفي يوم الثلاثاء رابع عشر ربيع الأول أخذ القلعة بالأمان والأيمان التي ليس معها إيمان ، وفي ثاني يوم صعد إليها ، وآخر النهار طلب علماءها وقضاتها فحضرنا إليه فأوقفنا ساعة ثم أمر بجلوسنا ، وطلب من معهم من أهل العلم فقال لأمير عنده وهو المولى عبد الجبار ابن العلامة نعمان الدين الحنفي والده من العلماء المشهورين بسمرقند : قل لهم إني سائلكم عن مسألة سألت عنها علماء سمرقند وبخارى وهراة وسائر البلاد التي افتتحتها ولم يوضحوا الجواب ، فلا تكونوا مثلهم ولا يجاوبني إلا أعلمكم وأفضلكم ، وليعرف ما يتكلم به فإني خالطت العلماء ولي بهم اختصاص وألفة ، ولي في طلب العلم طلب قديم. وكان بلغنا أنه يعنت العلماء في الأسئلة ويجعل ذلك سببا لقتلهم أو تعذيبهم.

فقال القاضي شرف الدين موسى الأنصاري الشافعي عني : هذا شيخنا ومدرّس هذه البلاد ومفتيها ، سلوه والله المستعان.

فقال لي عبد الجبار : سلطاننا يقول : إنه بالأمس قتل منا ومنكم ، فمن الشهيد قتيلنا أم قتيلكم؟ فوجم الجميع وقلنا في أنفسنا هذا الذي بلغنا عنه من التعنت ، فسكت القوم وفتح الله علي بجواب سريع بديع وقلت : هذا سؤال سئل عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأجاب عنه ، وأنا مجيب بما أجاب به سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال لي صاحبي القاضي شرف الدين موسى الأنصاري بعد أن انقضت الحادثة : والله العظيم ، لما قلت هذا السؤال سئل عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأجاب عنه وإنه لمحدث

٤٠٤

زماننا وعالمنا قد اختل عقلي ١ وهو معذور ، فإن هذا سؤال لا يمكن الجواب عنه في هذا المقام ، ووقع في نفس عبد الجبار مثل ذلك ، وألقى تيمور لنك سمعه وبصره إلى ، وقال لي عبد الجبار يسخر من كلامي : كيف سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكيف أجاب؟ قلت : (جاء أعرابي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : يا رسول الله إن الرجل يقاتل حمية ويقاتل شجاعة ويقاتل ليعرف مكانه ، فأيّنا في سبيل الله؟ فقال عليه‌السلام : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) ومن قاتل منا ومنكم لإعلاء كلمة الله فهو الشهيد. فقال تيمور لنك : خوب ، وقال عبد الجبار : ما أحسن ما قلت ، وانفتح باب المؤانسة. وقال تيمور لنك :

إني رجل نصف آدمي ، وقد أخذت بلاد كذا وكذا ، وعدّد سائر ممالك العجم والعراق والهند وسائر بلاد التتر ، فقلت : اجعل شكر هذه النعمة عفوك عن هذه الأمة ولا تقتل أحدا ، فقال : والله إني لم أقتل أحدا قصدا وإنما أنتم قتلتم أنفسكم في الأبواب ، وو الله لا أقتل منكم أحدا وأنتم آمنون على أنفسكم وأموالكم.

وتكررت الأسئلة منه والأجوبة منّا وطمع كل أحد من الفقهاء والحاضرين وجعل يبادر إلى الجواب ويظنه أنه في المدرسة والقاضي شرف الدين ينهاهم ويقول لهم : اسكتوا ليجاوب هذا الرجل فإنه يعرف ما يقول : وآخر سؤال سأل عنه : ما تقولون في علي ومعاوية ويزيد؟ فأسرّ إلي القاضي شرف الدين وكان إلى جانبي أن اعرف كيف تجاوبه فإنه شيعي ، فلم أفرغ من سماع كلامه إلا وقد قال القاضي علم الدين ابن القفصي الصيفي المالكي كلاما معناه أن الكل مجتهدون ، فغضب تيمور لنك لذلك غضبا شديدا وقال : علي على الحق ومعاوية ظالم ويزيد فاسق ، وأنتم حلبيون تبع لأهل دمشق وهم يزيدون قتلوا الحسين ، فأخذت في ملاطفته بالاعتذار عن المالكي بأنه أجاب بشيء وجده في كتاب لا يعرف معناه ، فعاد إلى دون ما كان عليه من البسط ، وأخذ عبد الجبار يسأل مني ومن شرف الدين فقال عني : هذا عالم مليح ، وعن شرف الدين هذا رجل فصيح ، فسألني تيمور لنك عن عمري فقلت : مولدي سنة تسع وأربعين وسبعمائة وقد بلغت الآن أربعا وخمسين سنة ، وقال للقاضي شرف الدين : كم عمرك؟ قال : أنا أكبر منه بسنة ، فقال تيمور لنك : أنتم في عمر أولادي ، أنا عمري اليوم خمسا وسبعين سنة.

وحضرت صلاة المغرب وأقيمت الصلاة وأمّنا عبد الجبار وصلى تيمور لنك إلى جانبي قائما يركع ويسجد ، ثم تفرقنا.

__________________

١ ـ في الأصل : عقله ، وفي روض المناظر : عقلي.

٤٠٥

وفي اليوم الثاني غدر بكل من في القلعة وأخذ جميع ما كان فيها من الأموال والأقمشة والأمتعة مما لا يحصى. أخبرني بعض كتابه أنه لم يكن أخذ من مدينة قط ما أخذ من هذه القلعة ولا ما يقاربه ، وعوقب غالب المسلمين بأنواع العقوبات وحبسوا بالقلعة ما بين مقيد ومزنجر ومسجون ومرسم عليه.

ونزل تيمور لنك من القلعة بدار النيابة وصنع وليمة على زي المغل وقف سائر الملوك والنوابين في خدمته وأدار عليهم كؤوس الخمرة والمسلمون في عقاب وعذاب وسبي وقتل وأسر ، وجوامعهم ومدارسهم وبيوتهم في هدم وحرق وتخريب ونبش ، إلى آخر شهر ربيع الأول طلبني ورفيقي القاضي شرف الدين وأعاد السؤال علينا ، فقلت له : الحق كان مع علي وليس معاوية من الخلفاء ، فإنه صحّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : الخلافة بعدي ثلاثون ، وقد تمت بعلي ، فقال تيمورلنك : قل علي على الحق ومعاوية ظالم ، فقلت : قال صاحب الهداية : يجوز تقلد القضاء من ولاة الجور ، فإن كثيرا من الصحابة والتابعين تقلدوا القضاء من معاوية وكان الحق مع علي في نوبته ، فانسر لذلك وطلب الأمراء الذين عيّنهم للإقامة بحلب وقال لهم : إن هذين الرجلين نزول عندكم بهذه البلدة فأحسنوا إليهما وإلى إلزامهما وأصحابهما ومن ينضم إليهما ولا تمكنوا أحدا من أذيتهما ، ورتبوا لهما علوفة ، ولا تدعوهما في القلعة بل اجعلوا إقامتهما بالمدرسة يعني السلطانية التي تجاه القلعة. وفعلوا ما وصّاهم به إلا أنهم لم ينزلونا من القلعة وقال لنا الذي ولي الحكم منهم بحلب الأمير موسى بن الحاجي طغاي إني أخاف عليكما والذي فهمته من نسق تيمور أنه إذا أمر بسوء فعل بسرعة ولا محيد عنه وإذا أمر بخير فالأمر فيه لمن وليه.

وفي أول يوم من ربيع الآخر برز إلى ظاهر البلد متوجها نحو دمشق ، وثاني يوم أرسل يطلب علماء البلد فرحنا إليه والمسلمون في أمر مريج وقطع رؤوس ، فقلنا ما الخبر فقيل إن تيمور لنك يطلب من عساكره رؤساء من المسلمين على عادته التي كان يفعلها في البلاد التي أخذها ، فلما وصلنا إليه أرسلنا رسولا يقول له إننا قد حضرنا وهو قد حلف أن لا يقتل منا أحدا صبرا ، فعاد إليه ونحن ننظره وبين يديه لحم سليق في طبق يأكل منه ، فتكلم معه يسيرا ، ثم جاء إلينا شخص بشيء من ذلك اللحم فلم نفرغ من أكله إلا وزعجة قائمة وتيمور لنك صوته عال وساق شخص هكذا وآخر هكذا ، وجاءنا أمير ليعتذر ويقول إن سلطاننا لم يأمر بإحضار رؤوس المسلمين وإنما أمر بقطع رؤوس القتلى وأن يجعل

٤٠٦

منها قبة إقامة لحرمته على جري عادته ففهموا عنه غير ما أراد ، وإنه قد أطلقكم فامضوا حيث شئتم. وركب تيمورلنك من ساعته وتوجّه نحو دمشق فعدنا إلى القلعة ورأينا المصلحة في الإقامة بها ، وأخذ الأمير موسى في الإحسان إلينا وقبول شفاعتنا وتفقد أحوالنا مدة إقامته بحلب وقلعتها ، وتأتينا الأخبار بأن سلطان المسلمين الملك الناصر فرج قد نزل إلى دمشق وأنه كسر تيمور لنك ، ومرة نسمع بالعكس إلى أن انجلت القضية عن توجّه السلطان إلى مصر بعد أن قاتل مع تيمور لنك قتالا عظيما أشرف منه تيمور لنك على الكسر والهزيمة (١) ، وإنما حصل من بعض أمرائه خيانة وكان ذلك سبب توجهه إلى مصر أخذا بالحزم. ودخل تمر لنك إلى دمشق ونهبها وحرقها وفعل فيها فوق ما فعل بحلب ، ولم يدخل طرابلس بل أحضر له منها مال ، ولا جاوز فلسطين وعاد نحو حلب راجعا طالبا بلاده.

ولما كان سابع عشر شهر شعبان من السنة المذكورة وصل تيمور لنك عائدا من الشام إلى الجبّول شرقي حلب ، ولم يدخل حلب بل أمر المقيمين بها من جهته بتخريب القلعة وإحراق المدينة ، ففعلوا ونزلوا من القلعة. وطلبني الأمير السيد عز الدين وكان من أكبر أمرائه وقال : إن الأمير تيمورقان يسلم عليك ويقول : إن عنده مثلك كثيرا ، وهذه البلاد باب مكة وليس بها عالم ، فلتكن أنت بها ، وقد رسم بإطلاقك ومن معك من القضاة فاطلب من شئت وأكثر لأروح معكم إلى مشهد الحسين وأقيم عندكم حتى لا يبقى من عساكرنا أحد. وكان القاضي شرف الدين موسى لا يفارقني ، وطلبنا من تأخر من القضاة بالقلعة واجتمع منا نحو ألفي مسلم وتوجهنا صحبة المشار إليه لمشهد الحسين وأقمنا به ننظر إلى حلب والنار تضرم في أرجائها ، وبعد ثلاثة أيام لم يبق من التتار أحد ، ونزلنا إلى بيوتنا بالمدينة فاستوحشنا منها ولم يقدر أحد منا على الإقامة ببيته من النتن والوحشة ولا يمكن السلوك في الأزقة من ذلك ، كما قال :

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس ولم يسمر بمكة سامر

وكانت نواب الشام معه مأسورين فانفلتوا منه أولا بأول ، وكان السيفي دمرداش الخاصكي حين انفلت منه من حماة حال توجهه إلى نحو دمشق توجه نحو السلطان واتفق

__________________

(١) من قوله وإنما حصل إلى قوله طالبا بلاده سقط من النسخة المطبوعة على هامش الكامل وهي موجودة في نسخة خطية.

٤٠٧

على ما تقدم أولا ، وجاءه تقليد شريف من السلطان باستمراره في نيابة حلب ، فدخلها وأخذ في عمارتها ورمم دار النيابة وسكن بها ، وتراجعت الناس. وأما نائب الشام فإنه مات مبطونا واستقر في نيابة دمشق الأمير تغري بردي.

قال الدحلاني : وفي سنة سبع وثمانمائة كان هلاك تيمور لنك بمدينة أنزار وحملوه إلى سمرقند ودفنوه بها وعمره قد جاوز ثمانين سنة ومدة ملكه نحو ست وثلاثين سنة ، وتملك بعده حفيده خليل بن أمير شاه بن تيمور ومكث قليلا وهلك ، وتفرق ملكهم بأيدي المتغلبين ، وتغلب على بغداد ملوك التركمان إلى أن انتزعها منهم إسماعيل شاه سلطان العجم ، ثم انتزعتها منه الدولة العثمانية ، والبقاء لله وحده ، وبقي لتيمور عقب كان منهم سلاطين في الهند اه.

سنة ٨٠٤

ذكر تولية حلب للأمير دقماق المحمدي

قال ابن إياس : في هذه السنة أرسل السلطان إلى دقماق المحمدي نائب حماة بأن يستقر نائب حلب عوضا عن المقر السيفي دمرداش المحمدي ، ورسم لدمرداش المحمدي بأن يحضر إلى القاهرة لما تقتضيه الآراء الشريفة. (ثم قال) :

وفيها جاءت الأخبار من حلب بأن الأمير دقماق المحمدي لما استقر نائب حلب وتوجه إليها خرج إليه دمرداش نائب حلب وواقع معه واقعة قوية ، فانكسر دمرداش ونهب بركه وهرب إلى ملطية. (وفي تحف الأبناء) أنه قبض عليه وأرسله إلى القاهرة وهو الأصح ، لأنه عيّن سنة خمس لنيابة طرابلس كما في روض المناظر.

قال السخاوي في الضوء اللامع في ترجمة الأمير دقماق : إنه ولي حلب سنة أربع وثمانمائة وهرب منها في سنة ست لما استشعر بالقبض عليه ، فقرر غيره في نيابتها فلم يلبث أن مات ، فعاد دقماق إليها ففرّ منه حاجبها واستنجد بمن ساعده على محاصرته ، فما نهض دقماق لمقاومته لغلبة من معه ، ففرّ إلى جهة التركمان وأرسل يطلب الأمان فأجيب وأعطي نيابة حماة ثانيا إلى أن قتله جكم صبرا بظاهرها في رجب أو شعبان سنة ثمان ونفرت القلوب من قاتله ، وكان أميرا جليلا كريما شجاعا ذا شكالة مليحة وخلق حسن متواضعا قريبا من الناس مع حشمة ورياسة وعدل في الرعية وعفة عن أموالهم ، أنشأ تربة خارج حلب ووقف عليها وقفا.

٤٠٨

سنة ٨٠٦

ذكر تولية حلب للأمير علاء الدين أقبغا ووفاته بها

وعود دمرداش المحمدي لنيابة حلب

قال في روض المناظر : فيها استقر الأمير علاء الدين أقبغا الجمالي الهذباني نائب حلب عائدا إليها ، فعاد وأقام قليلا ، ومات بحلب ودفن بتربته التي أنشأها بسوق الخيل ، واستقر في نيابة حلب السيفي دمرداش عائدا إليها.

قال السخاوي في الضوء اللامع : عاد الأمير علاء الدين أقبغا إلى حلب بعد دقماق واستمر على نيابتها أربعين يوما ، ثم مات في ليلة الجمعة سابع عشري جمادى الثانية سنة ست ودفن قبل الصلاة بتربته التي أنشأها داخل جامعه ، وكان ساكنا عاقلا قليل الشر مائلا إلى الخير ، ذكره ابن خطيب الناصرية ثم شيخنا اه.

أقول : كانت وفاته قبل إكمال عمارة الجامع ، وأكمله دمرداش في ولايته سنة ٨١١ وسيأتي الكلام عليه ثمة. وقبر أقبغا لا زال موجودا في تربته عن يمين الداخل إلى الجامع ، وللتربة قبة مرتفعة البناء جدا وهي من الحجر المنحوت كتب في أعلاها بين الكوتين (صنعه جعفر بن أبي غانم رحمه‌الله) وللتربة أربع شبابيك اثنان من الجهة الشمالية واثنان من الجهة الغربية ، واللذان من هذه الجهة عليهما من الخارج كتابات تعسّر علي قراءتها ، ومكتوب في ذيل المنارة عن يسار قنطرة باب الجامع الغربي (أنشأه العبد الفقير إلى الله تعالى أقبغا الظاهري غفر الله له).

قال في روض المناظر : وفيها كانت زلزلة عظيمة بحلب وبلاد كثيرة وخربت منها أماكن كثيرة ، وتبع ذلك زلازل عديدة أخف منها فاجتمعت الزلازل والفتن ، وإنما تتكاثر الزلازل والفتن بين يدي الساعة ، والظاهر أن الأمر قد قرب والدنيا على فراغ ، فالزلازل يخوّف الله بها أهل المعاصي وتؤذن بزلزلة القيامة ، تنشأ في بعض الأرض كما تنشأ الرعدة للمحموم. وزلزلة الأرض إما لأن الله تعالى يطلع عليها فتتزلزل هيبة وفزعا ، وإما لأن الحوت

٤٠٩

الذي عليه الأرض يتحرك بعضه (١) ، وإما أن يعمل عليها المعاصي والخطايا فتتزلزل غضبا للرب والله أعلم (٢).

سنة ٨٠٧

ذكر عصيان الأمير جكم والأمير شيخ

قال السخاوي في الضوء اللامع في ترجمة جكم : إنه اعتقل بقلعة المرقب ، ثم نقل إلى حلب فحبس بدار العدل ، ثم نقل إلى غيرها ، ثم أطلق وآل أمره إلى أن ملك حلب (تغلّب على نائبها الأمير دمرداش) ، ثم اتفق هو وجماعة من الأمراء على العصيان ووصلوا إلى الصالحية (بدمشق) فخرج الملك الناصر فكانت الكسرة على عسكره ورجع هاربا ، ثم كرّ عليهم العسكر المصري ثانيا فكانت النصرة لهم ، وآل أمر جكم إلى أن أخذ هو وشيخ دمشق ودخلاها واستمرا بها مدة ، ثم أخذ أيضا حماة.

سنة ٨٠٨

ذكر خلع الملك الناصر فرج وسلطنة أخيه أبي العز عبد العزيز

ثم ظهور الملك الناصر وعوده إلى الملك وخلع أخيه

قال ابن إياس ما خلاصته : لما عصى الأمير جكم العوضي ومعه جماعة من الأمراء اضطربت أحوال الملك الناصر وضاقت عليه الأمور وآل الأمر إلى اختفائه وسلطنة أخيه أبي العز عبد العزيز ، إلا أنه لم يتم أمره في السلطنة ولا ساعدته الأقدار ، فبقي في السلطنة شهرين وعشرة أيام ، ثم ظهر الملك الناصر وأعيد إلى كرسي السلطنة وخلع أبو العز عبد

__________________

(١) يظهر أن ابن الشحنة ليس من أبناء هذا الفن حتى تسربت إلى فكره هذه الخرافة.

(٢) أقول : بهذه العبارة نهاية تاريخ روض المناظر المطبوع على هامش ابن الأثير ، وفي النسخة الخطية التي أمامنا زيادة ثماني ورقات بعد هذه العبارة فيها ذكر الملاحم والفتن وأشراط الساعة ، وكلها أهملت في الطبع ، ويظهر أن ذلك لانتهاء تاريخ ابن الأثير أو لأن للملاحم والفتن وأشراط الساعة ذكرا في كثير من كتب الحديث وغيرها ، وكيفما كان فإن هذا ليس بصواب من أرباب المطابع.

٤١٠

العزيز ، وذلك رابع جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانمائة.

قال السخاوي في ترجمة جكم : بعد أن استولى جكم على حماة ظهر الملك الناصر فرج وتسلطن فجهز تقليدا لشيخ بنيابة دمشق وجكم بحلب ، ثم أضيف إليه نيابة الرها وملك عدة قلاع اه.

ويستفاد من كلام السخاوي في ترجمة الأمير علان اليحياوي أنه كان نائبها في هذه السنة وخلفه جكم.

قال ابن إياس : لما توجه جكم إلى حلب واستقر بها نائبا أظهر العصيان والمخامرة على السلطان وباس له الأمراء الأرض وتلقب بالملك العادل وصار واضع اليد على البلاد الحلبية ، وأخرج أوقاف الناس وجعلها إقطاعات وفرقها مثالات على عسكر حلب ، وصار يحكم من الشام إلى الفرات فانتزعت يد الملك الناصر من البلاد الشامية والحلبية. قال السخاوي : قطع جكم الخطبة للناصر وخطب باسمه وضربت السكة باسمه.

ذكر عصيان فارس بن صاحب الباز التركماني

سنة ٨٠٦ وما كان من أمره إلى أن قتل سنة ٨٠٨

قال ابن الخطيب : فارس بن صاحب الباز التركماني أمير التركمان بناحية العمق ، كان أبوه من أمراء التركمان بالناحية المذكورة ثم نشأ هو ، فلما انزاح التتار عن البلاد كثر جمعه فاستولى على أنطاكية وتلك الناحية ، ثم قوي أمره عند خلف العساكر بالشام ومصر واستولى على القصير وبلاده وديركوش ، ثم إن الأمير دمرداش خرج إليه بعساكر حلب فوصل إلى جب العميان موضع بناحية العمق بين القصير وأنطاكية ، والتقى الفريقان هناك يوم الاثنين ثامن أو تاسع المحرم سنة ست وثمانمائة ، فكسر الأمير دمرداش وعسكر حلب وقتل منهم جماعة وبعض الأمراء المقدمين ، ودخل الأمير دمرداش إلى حلب بكرة عيد الأضحى فقوي أمر ابن صاحب الباز جدا.

ثم إن الأمير دمرداش جمع العسكر وتوجه إلى أنطاكية لقتال ابن صاحب الباز ثانيا ، وذلك في سنة سبع وثمانمائة ، وكتب إلى الأمير علي باك بن ذي الغادر وإلى الأمير

٤١١

أحمد بن رمضان مقدمي التركمان بالبلاد الشمالية يستنجد بهما على ابن صاحب الباز ، فوافياه على أنطاكية ، فدخل ابن صاحب الباز إلى أنطاكية ومعه الأمير جكم وتحصّن بها ، فأقام العسكر عليها مدة ولم يظفروا منها بطائل ، ثم رجع عنها الأمير دمرداش حين بلغه الخبر أن المصريين اختلفوا وهرب منهم جماعة من الأمراء الكبار ووصلوا إلى دمشق ، ودخل الأمير دمرداش إلى حلب بالعسكر فاستفحل أمر فارس بن صاحب الباز وعظم شأنه واستولى على البلاد الغربية بأسرها ووصل إلى أطراف جبل سمعان وتوجه إلى جماعة من جند حلب وأقاموا عنده لأجل إقطاعاتهم ، وكذلك استولى على جانب من بلاد طرابلس كصهيون وناحيتها وصار له من باب الملك صهيون وبرزية وأطراف بلد سرمين وأطراف جبل سمعان ، وبقي نوّاب حلب ليس لهم حكم في تلك البلاد بالكلية وصاروا كالمحصورين ، فإن هذه البلاد التي استولى عليها هي التي كانت عامرة من أعمال حلب وهي أنطاكية والقصير والشغر وديركوش وتيزين وحارم وبغراس والحلقة وسائر أعمالها وبرزية وصهيون واللاذقية وجبلة وتلك النواحي ، وعجز النوّاب عن دفعه للخلف وقلة العسكر ، وصار ابن صاحب الباز في عسكر عظيم إلى أن قدّر الله تعالى بتولية جكم نيابة حلب من قبل السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق ، فدخل حلب واستمر بها أياما ثم أخذته الأنفة والحمية ، فجمع عسكر حلب وجماعة من غير العسكر من أهل حلب رجّالة وخيّالة ، وخرج من حلب متوجها لقتال ابن صاحب الباز واستنقاذ البلاد منه بعد أن جهز يطلب منه البلاد ، فلم يجب إلى ذلك وجمع وحشد وتوجّه نحو حلب فوصل إلى أرتاح ، فوصل إليه الأمير جكم بعساكره وجمائعه وتصافا وتقاتلا ، فانكسر ابن صاحب الباز وهزمه الله تعالى فولى هاربا نحو أنطاكية ، وذلك في أوائل شوال سنة ثمان وثمانمائة ، ونهب الأمير جكم والعسكر الحلبي جميع ما مع التركمان واستمر فارس هاربا إلى أن دخل أنطاكية ، فتوجه إليه الأمير جكم بمن معه من العساكر وحاصره بأنطاكية مدة.

ثم بلغ الأمير جكم أن الأمير نعير بن جبار متوجه إليه نجدة لابن صاحب الباز ، فترك جكم أنطاكية وتوجه بعساكره إلى جهة نعير فوصل بلد سرمين ، ثم نزل على قرية زيتان من نهريات حلب القبلية واتفق بينه وبين نعير وقعة حكيناها في ترجمة الأمير جكم. ثم لمّا فرغ الأمير جكم من قتالهم رجع من فوره إلى جهة أنطاكية ولم يدخل حلب ، فوجد ابن صاحب الباز قد تجمع ونزل على جسر الحديد من جهة الغرب وقطع الجسر ، فنزل

٤١٢

جكم من شرقي الجسر واستمر يحاصره أياما ، وشرع الأمير جكم في حفر نهر ليحول العاصي ويدخل إليهم وأوهمهم بذلك ، وكتب إلى ابن رمضان (صاحب مرعش) لينجده وكتب ابن صاحب الباز إلى ابن رمضان أيضا وهو شهاب الدين أحمد لينجده ، فجاء ابن رمضان فخافه ابن صاحب الباز فهرب إلى جهة القصير وصعد القلعة وتحصّن بها هو وجماعته ، فتوجه إليه الأمير جكم بعساكره وحاصره بقلعة القصير أياما. ثم إن ابن صاحب الباز طلب الأمان من جكم فأعطاه الأمان ونزل إليه من القلعة فاستمر عنده أياما ثم سلمه إلى الأمير غازي بن أوزر وكان بينه وبين ابن صاحب الباز عداوة وكان ابن صاحب الباز قد قتل بعض جماعة ابن أوزر فقتله غازي ابن أوزر وقتل معه ابنه وغيره من جماعته ، وذلك في شوال أو ذي القعدة سنة ثمان وثمانمائة.

آثاره :

وكان ابن صاحب الباز أميرا كبيرا فارسا شجاعا ، بنى بأنطاكية مدرسة بحضرة مقام سيدي حبيب النجار رضي‌الله‌عنه ، ولما قتل عادت البلاد التي استولى عليها كل بلد إلى معاملته وانكسرت شوكة التركمان ولله الحمد اه.

ذكر تولية حلب للأمير جركس سيف الدين القاسمي

قال السخاوي في الضوء اللامع في ترجمته : ولاه الملك الناصر نيابة حلب عوضا عن دمرداش في سنة تسع وثمانمائة ولم يقم بها إلا مدة إقامة الناصر بها يوما أو يومين ورجع معه إلى القاهرة خوفا من جكم اه.

وفي تحف الأنباء أن الملك الناصر توجه في هذه السنة إلى دمشق ثم منها إلى حلب ، فلما دخلها قرر في نيابتها جركس القاسمي وجعله نائب السلطنة بها ، فلما بلغ جكم مجيء السلطان إلى حلب أخذ نوروز الحافظي وتمربغا المشطوب وعدى الفرات ، ولما توجه السلطان من حلب إلى دمشق رجع جكم ونوروز إلى حلب وملكاها وفرّ منها جركس وتسلطن جكم بها ، ولما بلغه مسير السلطان من دمشق إلى مصر سار إلى دمشق فملكها وفرّ منها نائبها شيخ وتسلطن بها كما فعل بجلب وتلقب بالملك العادل أبي الفتوحات ، فعند ذلك تحرّك عليه قرايلك وكثير من التركمان فتحسن ببال جكم مسيره إليهم ، فسار إلى قرب ماردين وتحارب معهم فانكسر عسكر قرايلك وانهزم إلى أن أتى نحو آمد ، فتبعه جكم

٤١٣

في عسكر قليل ودخل أرضا مضيقة لا يسعه الفرار منها فانحصر فيها وسقط عن فرسه فتقدم إليه بعض التركمان فقطع رأسه.

سنة ٧٠٩

قتل جكم الذي تسلطن بحلب وحمل رأسه إلى مصر

في هذه السنة قتل جكم. قال ابن إياس : وكان سبب ذلك أن خارجا من التركمان من أولاد قرا يوسف خرج عليه ، فخرج إليه جكم مع العساكر الحلبية فالتقى معه فكان بينهم واقعة عظيمة ، فقتل من الفريقين ما لا يحصى عددهم وفقد جكم العوضي في المعركة ولا يعلم له خبر ولا عرف كيف قتل. وقال قبل ذلك : إنه قتل في المعركة بين بساتين آمد ولا يعلم من قتله وإن ابن نعير (أمير العرب) أرسل إلى السلطان رأس جكم العوضي الذي تسلطن بحلب فعلقت رأسه على باب زويلة وكان له يوم مشهود وكفى الملك الناصر شره.

قال السخاوي : كان قتل جكم في ذي القعدة سنة تسع ، وكان مهابا شجاعا مقداما مدبرا له حرمة ومهابة ، ممدحا مائلا لمجالسة العلماء ومذاكرتهم مصغيا لنظم الشعر محبا لسماعه ، بل ويجيز عليه الجوائز السنية ، ويحب الإنصاف ولا يتمكن أحد معه من الفساد ، طوّل ابن خطيب الناصرية ثم شيخنا (ابن حجر) ترجمته وكذا المقريزي في عقوده اه.

سنة ٧١٠

ذكر تغلب تيمور بغا المشطوب على حلب

قال السخاوي في ترجمته : إن تيمور بغا المشطوب التف مع جكم وذهب معه إلى قرايلك وقاسى هناك شدة ، ثم تخلص وجاء إلى حلب والتف عليه بعض الظاهرية وغيرهم ، واستولى على حلب مدة ثم التحق بشيخ ونوروز حين توجههما إلى مصر للاستيلاء عليها فمات بأرض البلقاء من الشام وهو معهما.

سنة ٧١١

ذكر إعادة دمرداش لنيابة حلب

قال ابن إياس ما خلاصته : لما توجه شيخ ونوروز إلى مصر آل الأمر إلى

٤١٤

انكسارهما. ثم إن السلطان أرسل تقليدا إلى شيخ بنيابة الشام وتقليدا إلى دمرداش بنيابة حلب ، ثم عين نوروز إلى القدس بطالا ، ثم كتب إلى دمرداش نائب حلب بالحضور.

ذكر إكمال دمرداش لجامع الأطروش والكلام عليه

قال في الدر المنتخب : ومنها جامع آق بغا الأطروشي نائب حلب ثم دمشق بحضرة سوق الخيل ، وكان مكانه سوق الغنم ، ابتدأ بأساسه سنة واحد وثمانمائة وبنى حيطانه وقطع له عمدا من الرخام الأصفر البعاديني وهي عمد عظيمة ، وبنى له تربة داخل باب الجامع ووقف عليها أوقافا ، ثم صرف عن نيابة حلب وانتقل إلى طرابلس ودمشق ، ثم عاد إلى حلب ثانيا ومات بها سنة ست وثمانمائة قبل أن يكمل عمارة الجامع المذكور ، فكمل عمارته دمرداش نائب حلب ووقف عليه فهو الآن يعرف بكل منهما وهو جامع حسن وبه تصلي نواب حلب العيدين ، وكانوا قديما يصلونهما بجامع ألطنبغا اه.

أقول : موقع الجامع في المحل المعروف بسوق الجمعة بين المحلة المعروفة بالقصيلة والمحلة المعروفة بساحة الملح ومشتهر بين الناس الآن بجامع الأطروش ولا يعرف بغير هذا الاسم ، وله بابان عظيمان باب من جهة الغرب وباب من جهة الشمال.

المكتوب على الباب الأول :

١ ـ عمّر هذا الجامع المقر الأشرف العالي المولوي العالمي العادلي المخدومي الكافلي السيفي دمرداش الناصري

٢ ـ مولانا ملك الأمراء أبو المساكين والفقراء كافل المملكتين الشريفتين الحلبية والطرابلسية أعزّ الله أنصاره وضاعف اقتداره بمحمد وآله

٣ ـ ابتغاء لوجه الله تعالى في العشر الأخير من شوال المبارك سنة أحد عشر وثمانمائة من الهجرة النبوية.

والمكتوب على الباب الشمالي :

١ ـ عمّر هذا الجامع المبرور ابتغاء لوجه الله تعالى المقر الأشرف العالي المولوي المخدومي الكافلي

٢ ـ السيفي دمرداش الناصري مولانا ملك الأمراء كافل المملكتين الشريفتين الحلبية والطرابلسية أعزّ الله أنصاره وضاعف اقتداره.

٤١٥

٣ ـ بمحمد وآله بتولي العبد الفقير إلى الله تعالى يوسف الأشرفي. وكان الفراغ منه سلخ شعبان المكرم من سنة اثني عشر وثمانماية.

طول صحن الجامع تسعة وعشرون ذراعا وعرضه ثمانية عشر ونصف ذراع ، وطول القبلية خمسون ذراعا وعرضها مع السواري ثمانية عشر ذراعا ، وفي آخرها من جهة الشرق مقصورتان معدتان لصلاة الأمراء ، وله ثلاثة أروقة شرقا وغربا وشمالا ، لها عشر أسطوانات عرض الأسطوانية نحو ثلاثة أذرع ومجموع محيطها أحد عشر ذراعا ، وعلى الأسطوانتين اللتين عن يمين باب الجامع الشمالي رسم ربع دائرة فيها خطوط يعرف منها وقتا الظهر والعصر ، وعرض الرواقين الشرقي والغربي عشرون ذراعا ونصف ذراع.

وكان المتولي عليه شخص يقال له السيد حسن ، ثم انتقلت التولية منه إلى عبد الوهاب درويش ، ثم إلى الشيخ محمد الهيراتي ، ثم إلى الشيخ محمد الخيّاط ، ثم إلى الحاج أحمد الجاموس ، وذلك منذ نحو أربعين سنة ، وفي زمنه أزال عن سطح القبلية أتربة عظيمة كانت عليه ولم يجعل له مزاريب تذهب بالماء فثقل التراب عليه فأدى إلى سقوط السقف جميعه. ثم ولي عليه الشيخ محمد العبيسي مفتي حلب فلم يتمكن من إعادة السقف إلى ما كان عليه لاحتياجه إلى نفقة كثيرة لا تقوم بها واردات وقف الجامع ، فأهمل أمره لهذا السبب فأدى ذلك إلى سقوط جداري القبلية القبلي والشمالي وامتلأ صحنه بالأتربة والأحجار وتعطلت إقامة الصلاة فيه ، وفي القبلية أربعة عواميد ضخمة جدا طويلة ، وحينما وقع السقف تكسر منها عمودان وبقي عمودان.

وفي السنة الماضية وهي سنة ١٣٤١ اهتم بأمر هذا الجامع أهل محلة القصيلة ومحلة ساحة الملح وفي مقدمتهم الشيخ عبد اللطيف الخياط ، وجمعوا له من أنفسهم ومن أهل الخير ١٦٥ ألفا من القروش الرائجة وأقاموا جدار القبلية القبلي وأعادوه إلى ما كان عليه وبنوا مكان العمودين اللذين تكسرا ساريتين وأصلحوا المنارة حيث وضعوا لها سقفا ودرابزينا لأنها كانت بدون سقف ، وبلغ مجموع النفقة إلى الآن ١٣٠ ألفا ، ولا زال العمل قائما فيه شكر الله سعيهم.

وبعد وفاة متوليه مفتي حلب في السنة الماضية أيضا استلمت دائرة الأوقاف الجامع مع أوقافه التي هي عبارة عن خمس دكاكين بين الجامع وبينها عرصة واسعة على طول قبلية الجامع تعود له يبلغ وارداتها ١٥ ليرة عثمانية ذهبا ، وله أحكار في سوق القصيلة وفي محلة

٤١٦

ألطنبغا والأعجام يبلغ ريعها ٦ ليرات ، وأراض في سوق الجمعة. وقد عزمت دائرة الأوقاف على صرف مائتي ألف قرش لإكمال الجامع وإعادته إلى حالته الأولى ، وعزم أهل المحلتين على بناء عشر دكاكين بين الجامع وبين الدكاكين الخمس التي أشرنا إليها واتخاذ خان وراء هذه الدكاكين وإضافة الجميع إلى أوقاف الجامع وفّقهم الله إلى تحقيق أمانيهم.

وجدار الجامع الغربي الذي لم يزل محفوظا هو والمنارة من حين تأسيس الجامع يعدّ هو والشبابيك التي فيه وبابا الجامع في جملة الآثار العربية القديمة المهمة بالنظر لحسن بنائه وإحكامه ولطيف نقوشه ، وهو موضع إعجاب الغربيين به ، وقد أكثروا من أخذ صورته بالمصور الشمسي ، والبنّاؤون والنجّارون في حلب معجبون به وهم يقتبسون من محاسن صنعته وبديع هندسته وسبحان الواحد الباقي.

سنة ٧١٢

ذكر تولية حلب للأمير نوروز

قال في تحف الأنباء : وفي هذه السنة في المحرم أرسل السلطان إلى نوروز بأن يكون نائبا بحلب. وفي شوال اصطلح نوروز مع نائب الشام شيخ وتحالفا على العصيان على الملك الناصر واستوليا على البلاد الحلبية والشامية حتى على أنطاكية.

سنة ٨١٣

ذكر تولية حلب للأمير قرقماش ثم لشيخ

قال في تحف الأنباء : وفي هذه السنة في ربيع الآخر توجه السلطان نحو الشام ومعه الخليفة المستعين بالله العباسي ، فلما وصل إلى دمشق هرب منه نوروز وشيخ وقرر في نيابة حلب قرقماش ، ووقع بين الشيخ ونوروز مصادرات وحروب إلى أن أعطي شيخ نيابة السلطنة بحلب ونوروز نيابة طرابلس وذلك في ذي القعدة وتحالفا على أن لا يخرجا عن الطاعة.

سنة ٨١٥

ذكر تولية حلب للأمير دمرداش ثم للأمير يشبك

في هذه السنة كان الوالي بحلب الأمير دمرداش كما يستفاد من تحف الأنباء في

٤١٧

حوادث هذه السنة حيث قال : وفي ربيع الآخر أتى نوروز إلى حلب فهرب منه دمرداش وعين لنيابتها يشبك بن أزدمر (١).

ترجمة دمرداش :

قال في الضوء اللامع : إن دمرداش قتل بالإسكندرية سنة ثمان عشرة ، وكان معظما للعلماء كريما حييا حشما ، لكن لم تكن لأملاك الناس ولا للأوقاف عنده حرمة ، وابتنى بحلب جامعا. ثم قال : والجامع الذي له بحلب كان أسسه أقبغا الهذباني الأطروشي فكمله هو ووقف عليه وقفا جيدا اه. أقول : وقد تقدم الكلام على الجامع مستوفى.

سنة ٨١٦

ذكر تولية حلب للأمير إينال الصصلاني

قال السخاوي في ترجمته : إنه كان ممن انضم إلى الملك المؤيد شيخ فولاه نيابة حلب في شوال سنة ست عشرة ، وكان فيمن حاصر معه نوروز إلى أن قتل نوروز ورجع إلى ولايته بحلب [وذلك سنة ٨١٧]. وكان شكلا حسنا عاقلا شجاعا عارفا بالأمور قليل الشر ، ثم كان ممن عصى على المؤيد هو وقانيباي نائب الشام ونائب طرابلس ونائب حماة وآل أمرهم إلى أن انهزموا وأسروا ، وقتل إينال بقلعة حلب في شعبان. قال : ورأيت الحلبيين يثنون عليه كثيرا ، ولما حاصر على المؤيد لم يحصل لأحد من أهل بلده منه شر بل طلب أخذ القلعة فعصى عليه نائبها فحاصره أياما ثم تركه وتوجه إلى الشام.

سنة ٧١٨

ذكر تولية حلب للأمير أقباي المؤيدي

قال السخاوي في ترجمته : إن أستاذه ولاه الدوادارية الكبرى بالقاهرة ثم نيابة

__________________

(١) ذلك بعد محاربة نوروز وشيخ للملك الناصر فرج وقتل الملك الناصر في دمشق وتولية السلطنة للخليفة العباسي ثم خلعه بعد ستة أشهر وتولية السلطنة لشيخ الملقب بالملك المؤيد كما بسطه ابن إياس في بدائع الزهور.

٤١٨

السلطنة بحلب في سنة ثماني عشرة ، يوم خرج منها بعد يسير مختفيا على الهجن بحيث وصل إلى القاهرة في اثني عشر يوما لكونه بلغه أنه تكلم في حقه عند السلطان ، فأكرمه وولاه نيابة دمشق ، فتوجه إليها في أوائل سنة عشرين. إلى أن قال : وله وقف على زاوية جلبان وذكره ابن خطيب الناصرية.

سنة ٧٢٠

ذكر تولية حلب للأمير قجقار القردمي

قال ابن خطيب الناصرية : قجقار القردمي الأمير سيف الدين نائب حلب ، كان في صحبة الملك المؤيد حين كان المؤيد نائبا بحلب ، فلما تسلطن ولاه إمرة مائة فارس بالديار المصرية وصار من الأمراء الألوف ، ثم ولاه نيابة حلب في سنة عشرين وثمانمائة عوضا عن الأمير سيف الدين أقباي ، وجاء إلى حلب ودخلها ، ثم جاء السلطان بعد قليل إلى حلب وتوجه إلى بلاد الروم وتوجه معه الأمير قجقار ، ثم جاء إلى حلب وخلف الأمير قجقار وأقباي نائب دمشق لحصار كركر. ثم لما جاء قرا يوسف إلى جهة آمد خاف منه فرحل عن كركر وجاء إلى حلب فغضب عليه السلطان وأمسكه ساعة ثم أطلقه وجهزه معزولا إلى دمشق ، فلما توجه السلطان إلى الديار المصرية أعاده مقدما واستقر بها ، ثم جهزه السلطان صحبة الأمراء الذين جهزهم مع ابنه إبراهيم لأخذ البلاد القرمانية فجاء إلى حلب وتوجه صحبة ولد السلطان ، ثم لما قضوا أربهم رجعوا ورجع قجقار صحبتهم إلى الديار المصرية واستمر مقدما إلى أن توفي السلطان الملك المؤيد ، فهمّ بالركوب وادعى الأمر فعاجله الأمير سيف الدين ططر الذي صار سلطانا وأمسكه وحبسه قبل أن يدفن السلطان ، وذلك في المحرم سنة أربع وعشرين وثمانمائة. ثم قتل مقبوضا عليه في السنة المذكورة. وكان أميرا كبيرا كريما محترما محتشما عنده أدب ، وكان من أبناء الستين أو يزيد عليها رحمه‌الله تعالى اه.

ذكر تولية حلب للأمير يشبك اليوسفي

وفي هذه السنة تولى نيابة حلب الأمير يشبك اليوسفي. قال السخاوي في الضوء اللامع : وكان يشبك شابا جاهلا فاسقا ظالما عسوفا طمّاعا اشتراه المؤيد وهو نائب

٤١٩

طرابلس بألف دينار كما سمعه العيني من المؤيد ، ثم ترقى عنده إلى أن عمله شاد الشرابخاناه ، ثم أعطاه تقدمة ثم نيابة طرابلس ثم نيابة حلب ، ولم يشتهر عنه معروف.

وذكره ابن خطيب الناصرية فقال : قدمه أستاذه فكان عنده حين نيابته بحلب شاد الشرابخاناه ، فلما استقر في المملكة ولاه نيابة طرابلس ، ثم نقله منها إلى حلب سنة عشرين ، وكان شابا فارسا شهما شجاعا ، بنى بحلب مسجدا بالقرب من الشاذبختية وجنينة بالقرب منه وتربة ومكتب أيتام ، ثم قتل بعده في المحرم سنة أربع وعشرين ، ونسبه بعضهم يوسفيا اه.

قال في الدر المنتخب : المدرسة اليشبكية براس سوق النشابين (المسمى الآن سوق الزرب (الضرب) لصيق القسطل بناها الأمير يشبك اليوسفي المؤيدي نائب حلب وجعل له بها مدفنا وبه دفن بعد قتله سنة أربع وعشرين وثمانمائة ووقف عليها سوقه الذي بناه بالقرب منها اه.

سنة ٨٢١

مجيء قرا يوسف التركماني إلى الديار الحلبية وعيثه فيها

قال السخاوي في الضوء اللامع في ترجمته : قرا يوسف بن قرا محمد بن بيرم خجا التركماني ملك بغداد ، وفي سنة إحدى وعشرين وثمانمائة كانت بين قرا يوسف وبين قرا يلك [من أمراء التركمان في نواحي الموصل وديار بكر وماردين] وقعات حتى فرّ قرايلك فقدم حلب ، وانتقل الناس من حلب خوفا من قرا يوسف ، وكان قد وصل إلى عينتاب وكتب إلى المؤيد يعتذر بأنه لم يدخل هذه البلاد إلا طلبا لقرايلك لكونه هجم على ماردين وهي من بلاد قرا يوسف ، فأفحش في الأسر والقتل والسبي بحيث بيع صغير بدرهمين وحرق المدينة ، فلما جاء قرا يوسف أحرق عينتاب وأخذ من أهلها مالا كثيرا مصالحة وتوجه إلى البيرة فنهبها ، ثم بلغه أن ولده محمد شاه عصى عليه ببغداد ، فتوجه إليه وحصره واستصفى أمواله وعاد إلى تبريز فمات في ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين.

ذكر الأثمان المتعامل بها ومقدار الرطل والكيل في هذا العصر

ذكر العلامة القلقشندي المتوفى سنة ٨٢١ في كتابه صبح الأعشى في صناعة

٤٢٠