إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٢

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٢

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٢

ثم قال في آخر حوادث هذه السنة : ومات الأمير بيدمر مقتولا بغزة في أوائل جمادى الآخرة ، وهو أحد المماليك الناصرية وإليه تنسب المدرسة الأيدمرية بالقاهرة قريبا من المشهد الحسيني.

سنة ٧٤٨

ذكر تعيين قاض مالكي بحلب

قال ابن الوردي : في ثالث المحرم وصل إلى حلب القاضي شهاب الدين بن أحمد ابن الرياحي على قضاء المالكية بحلب ، وهو أول مالكي استقضى بحلب ، ولا بد لها من قاض حنبلي بعد مدة لتكمل به العدة أسوة مصر ودمشق.

وفيه ظهر بين منبج والباب جراد عظيم صغير من بزر السنة الماضية ، فخرج عسكر من حلب وخلق من فلاحي النواحي الحلبية نحو أربعة آلاف نفس لقتله ودفنه ، وقامت عندهم أسواق وصرفت عليهم من الرعية أموال ، وهذه سنة ابتدأ بها ألطنبغا الحاجب من قبلهم. قلت :

قصد الشام جراد

سنّ للغلات سنا

فتصالحنا عليه

وحفرنا ودفنا

قال المقريزي في كتاب السلوك في حوادث هذه السنة : وقدم البريد من حلب بأن صاحب سيس جهز مائتي أرمني إلى ناحية أياس ، فلما قربوا من كوار ليهجموا على قلعتها قابلهم أربعون من المسلمين فنصرهم الله على الأرمن وقتلوا منهم خمسين وأسروا ثلاثين وهزموا باقيهم ، فقتل بكوار عدة ممن أسر وحمل بقيتهم إلى حلب ، فكتب بالإحسان إلى أهل بكوار والإنعام عليهم.

ذكر عزل الأمير بيدمر البدري نائب حلب

وفي منتصف ربيع الأول سافر بيدمر البدري نائب حلب إلى مصر معزولا ، أنكروا عليه ما اعتمده في حق البنت من تيزين المقدم ذكرها وندم على ذلك حيث لا ينفعه الندم.

٣٤١

ترجمته :

قال في الدرر الكامنة : بيدمر البدري أحد المماليك الناصرية ، وتنقل حتى صار من الأمراء في آخر دولة الناصر ، وولي نيابة طرابلس مدة يسيرة في أيام الكامل شعبان ، ثم ولي نيابة حلب في سلطنة المظفر حاجي ، ثم طلب إلى مصر ، ثم أخرج إلى الشام على الهجن فقتل بغزة في جمادى الأولى سنة ٧٤٨. وكان يجب العلماء وينسخ بيده ، كتب عدة ربعات ، وكان يتصدق في كل شهر بخمسة آلاف درهم وله ورد من الليل ، لكنه سيىء السيرة في نيابة حلب اه.

ذكر تعيين أرغون شاه الناصري لولاية حلب

وفي ربيع الأول وصل إلى حلب نائبها أرغون شاه الناصري في حشمة عظيمة نقل إليها من صفد.

ذكر تعيين قاض حنبلي بحلب

وفي ربيع الآخر وصل تقليد القاضي شرف الدين موسي بن فياض الحنبلي بقضاء الحنابلة بحلب فصار القضاة أربعة ، ولما بلغ بعض الظرفاء أن حلب تجدد بها قاضيان مالكي وحنبلي أنشد قول الحريري في الملحة :

ثم كلا النوعين جاء فضله

منكرا بعد تمام الجمله

ذكر عزل أرغون شاه وشيء من أحواله

قال ابن الوردي : وفي جمادى الآخرة نقل أرغون شاه من نيابة حلب إلى نيابة دمشق ، فسافر عاشر الشهر وبلغنا أنه وسّط في طريقه مسلمين. وهذا أرغون شاه في غاية السطوة مقدم على سفك الدماء بلا تثبت ، قتل بحلب خلقا ووسّط وسمر وقطع بدويا سبع قطع بمجرد الظن بحضرته ، وغضب على فرس له قيمة كثيرة مرح بالعلاقة فضربه حتى سقط ثم قام فضربه حتى سقط ، وهكذا مرات حتى عجز عن القيام ، فبكى الحاضرون على هذا الفرس فقيل فيه :

عقلت طرفك فيه

أظهرت للناس عقلك

لا كان دهر يولي

على بني الناس مثلك

٣٤٢

قال المقريزي في السلوك في حوادث سنة ٧٥٠ : فيها مات الأمير أرغون شاه الناصري نائب الشام مذبوحا في ربيع الأول ، رباه الناصر محمد حتى عمله أمير طبلخاناه رأس نوبة الجمدارية ، ثم استقر بعد وفاته أستادارا أمير ماية مقدم ألف فتحكم على المظفر شعبان حتى أخرجه لنيابة صفد ، وولي بعدها نيابة حلب ثم نيابة الشام. وكان قوي النفس شرس الأخلاق مهابا جائرا في أحكامه سفّاكا للدماء غليظا فحّاشا كثير المال ، وأصله من بلاد الصين حمل إلى أبي سعيد بن خدابندا فأخذه دمشق خواجه بن جوبان ثم ارتجعه أبو سعيد بعد قتله وبعث به هدية إلى مصر اه.

ذكر تعيين فخر الدين أياز لنيابة حلب

وفي أواخرها وصل إلى حلب نائبا فخر الدين أياز نقل إليها من صفد.

ذكر قتل السلطان أمير حاج وسلطنة أخيه حسن

وفيها في رمضان قتل السلطان الملك المظفر أمير حاج ابن الملك الناصر بن قلاوون وأقيم مكانه أخوه السلطان الملك الناصر حسن.

عزل فخر الدين أياز نائب حلب

وفيها في شوال طلب السلطان فخر الدين أياز نائب حلب إلى مصر ، وخافت الأمراء أن يهرب فركبوا من أول الليل وأحاطوا به ، فخرج من دار العدل وسلم نفسه إليهم فأودعوه القلعة ، ثم حمل إلى مصر فحبس ، وهو أحد الساعين في نكبة يلبغا ، وأيضا فإنه من الجركس وهم أضداد لجنس التتار بمصر ، وكان المظفر قد مال عن جنس التتار إلى الجركس ونحوهم فكان ذلك أحد ذنوبه عندهم ، فانظر إلى هذه الدول القصار التي ما سمع بمثلها في الأعصار. قلت :

هذي أمور عظام

من بعضها القلب ذائب

ما حال قطر يليه

في كل شهرين نائب

ذكر تعيين الحاج أرقطاي لنيابة حلب

قال ابن الوردي : وفي ذي الحجة وصل إلى حلب الحاج أرقطاي نائبا بعد أن

٣٤٣

خطبوه إلى السلطنة والجلوس على الكرسي بمصر فأبى ، وخطبوا قبله الخليفة الحاكم بأمر الله فامتنع ، كل هذا خوفا من القتل ، فلما جلس الملك الناصر حسن على الكرسي طلب الحاج أرقطاي منه نيابة حلب فأجيب وأعفى الناس من زينة الأسواق بحلب لأنها تكررت حتى سمجت. قلت :

كم ملك جاء وكم نائب

يا زينة الأسواق حتى متى

قد كرروا الزينة حتى اللحى

ما بقيت تلحق أن تنبتا

سنة ٧٤٩

ذكر استفحال أمر قراجا بن دلغادر التركماني في البستان ومرعش

قال ابن الوردي : دخلت سنة تسع وأربعين وسبعمائة وقراجا بن دلغادر التركماني وجمائعه قد شغبوا واستطالوا ونهبوا ، وتسمى بالملك القاهر وأبان عن فجور وحمق ظاهر ، ودلاه بغروره الشيطان حتى طلب من صاحب سيس الحمل الذي يحمل إلى السلطان.

قال المقريزي في كتاب السلوك في حوادث هذه السنة : واستقر نجم الدين عبد القاهر بن عبد الله بن يوسف في قضاء القضاة الشافعية بحلب عوضا عن نور الدين محمد بن الصايغ بعد وفاته.

ذكر وصول الوباء (الطاعون) إلى حلب

واتصاله بالبلاد الشامية ثم المصرية

قال ابن الوردي : وفيها في شهر رجب وصل الوباء إلى حلب ، قيل لنا إنه ابتدأ من الظلمات (أي من الشرق الأقصى) من خمس عشرة سنة متقدمة على تاريخه. وعملت فيه رسالة سميتها «النبا عن الوبا» (منها) : ماصين عنه الصين ، ولا منع منه حصن حصين. سلّ هنديا في الهند ، واشتد على السند. وقبض بكفبه وشبك ، على بلاد أزبك. وكم قصم من ظهر ، فيما وراء النهر. ثم ارتفع ونجم ، وهجم على العجم. وأوسع الخطا إلى أرض الخطا. وقرم القرم ورمى الروم بجمر مضطرم. وجر الجرائر إلى قبرص والجزائر. ثم قهر خلقا بالقاهرة ، وتنبهت عينه لمصر فإذاهم بالساهرة. وأسكن حركة الإسكندرية ، فعمل شغل الفقراء مع الحريرية. ومنها :

٣٤٤

إسكندرية ذا الوبا

سبع يمد إليك ضبعه

صبرا لقسمته التي

تركت من السبعين سبعه

ثم تيمم الصعيد الطّيب ، وأبرق على برقة منه صيّب. ثم غزا غزة ، وهز عسقلان هزة. وعك إلى عكا ، واستشهد بالقدس وزكا. فلحق من الهاربين الأقصى بقلب كالصخرة ، ولو لا فتح باب الرحمة لقامت القيامة في مرة. ثم طوى المراحل ونوى أن يحلق الساحل. فصاد صيدا وبغت بيروت كيدا. ثم سدد الرشق إلى جهة دمشق. فتربع ثم وتميّد ، وفتك كل يوم بألف وأزيد. فأقل الكثرة وقتل خلقا ببثرة. (ومنها) :

أصلح الله دمشقا

وحماها عن مسبه

نفسها خست إلى أن

تقتل النفس بحبه

ثم أمر المزة وبرز إلى برزة. وركب تركيب مزج على بعلبك ، وأنشد في قارة قفا نبك. ورمى حمص بجلل ، وصرفها مع علمه أن فيها ثلاث علل. ثم طلق الكنة في حماة ، فبردت أطراف عاصيها من حماه.

يا أيها الطاعون إن حماة من

خير البلاد ومن أعز حصونها

لا كنت حين شممتها فسممتها

ولثمت فاها آخذا بقرونها

ثم دخل معرة النعمان ، فقال لها : أنت مني في أمان. حماة تكفيك فلا حاجة لي فيك :

رأى المعرة عينا زانها حور

لكن حاجبها بالجور مقرون

ماذا الذي يصنع الطاعون في بلد

في كل يوم له بالظلم طاعون

ثم سرى إلى سرمين والفوعة ، فشعث على السنة والشيعة. فسن للسنة أسنته شرّعا وشيع في منازل الشيعة مصرعا. ثم أنطى أنطاكية بعض نصيب ، ورحل عنها حياء من نسيانه ذكرى حبيب. ثم قال لشيزر وحارم : لا تخافا مني ، فأنتما من قبل ومن بعد في غنى عني. فالأمكنة الردية تصح في الأزمنة الوبية. ثم أذل عزاز وكلّزة ، وأصبح في بيوتهما الحارث ولا أعني ابن حلّزة. وأخذ من أهل الباب أهل الألباب. وباشر تل باشر ودلك دلوك وحاشر. وقصد الوهاد والتلاع وقلع خلقا من القلاع. ثم طلب حلب ولكنه ما غلب. (ومنها) : ومن الأقدار أنه يتتبع أهل الدار. فمتى بصق أحد منهم دما تحققوا كلهم عدما. ثم يسكن الباصق الأجداث بعد ليلتين أو ثلاث.

٣٤٥

سألت بارىء النسم

في دفع طاعون صدم

فمن أحس بلع دم

فقد أحس بالعدم

(ومنها) :

حلب والله يكفي

شرها أرض مشقه

أصبحت حية سوء

تقتل الناس ببزقه

فلقد كثرت فيها أرزاق الجنائزية فلا رزقوا ، وعاشوا بهذا الموسم وعرقوا من الحمل فلا عاشوا ولا عرقوا. فهم يلهون ويلعبون ، ويتقاعدون على الزبون.

اسودت الشهباء في

عيني من وهم وغش

كادت بنو نعش بها

أن يلحقوا ببنات نعش

(ثم قال) : وفي هذا كفاية ففي الرسالة طول.

وهذا الوباء كاد يكون عاما في القطعة الآسيوية وفي شمالي البلاد الإفريقية على ما فصله المقريزي في كتاب السلوك وأطال في ذكر البلاد التي دخلها وفتكه الذريع فيها ، ذكر ذلك في ست ورقات ، ومما قاله : وفي أول يوم من جمادى الأولى ابتدأ الوباء بأرض حلب فعم جميع بلاد الشام وبلاد ماردين وجبالها وسواحل عكا وصفد وبلاد القدس ونابلس والكرك وعربان البوادي وسكان الجبال والضياع ، ولم يدخل الوبا من بلاد الشام معرة النعمان ولا بلد شيزر ولا حارم. وبلغ عدد من يموت بحلب في كل يوم خمسمائة إنسان. (ثم قال) : وقد أكثر الناس من ذكره في أشعارهم ، ومما قاله الأديب زين الدين عمر ابن الوردي :

إن الوبا قد غلبا

وقد بدا في حلبا

قالوا له على الورى

كاف ورا قلت وبا

وقال :

الله أكبر من وباء قد سبا

ويصول في العقلاء كالمجنون

سنت أسنته لكل مدينة

فعجبت للمكروه في المسنون

وقال :

ألا إن هذا الوبا قد سبا

وقد كاد يرسل طوفانه

ولا عاصم اليوم من أمره

سوى رحمة الله عبدانه

٣٤٦

وقال الأديب بدر الدين الحسن بن حبيب الحلبي :

إن هذا الطاعون يفتك في العا

لم فتك امرىء ظلوم حقود

ويطوف البلاد شرقا وغربا

ويسوق العباد نحو اللحود

قد أباح الدما وحرّم جمع الش

مل قهرا وحل نظم العقود

كم طوى البشر من أخ عن أخيه

وسبى عقل والد بوليد

أيتم الطفل أثكل الأم أبكى ال

عين أجرى الدموع فوق الخدود

بسهام ترمي الأنام خفيا

ت تشق الحلود قبل الجلود ١

كلما قلت زدت في الثقل أقصر

وتلبّث يقول هل من مزيد ٢

إن أعش بعده فإني شكور

مخلص الحمد للولي الحميد

وإذا مت هيئوني وقولوا

كم قتيل كما قتلت شهيد

وأطال المقريزي في تعداد من توفي تلك السنة من الأعيان.

ظهور أنوار على قبر النبي متّى وقبر حنظلة بن خويلد وغيرهم بمنبج

قال : وفي ذي القعدة ظهر بمنبج على قبر النبي متّى وقبر حنظلة بن خويلد أخي خديجة رضي‌الله‌عنها ، وهذان القبران بمشهد النور خارج منبج ، وعلى قبر الشيخ عقيل المنبجي وعلى قبر الشيخ نيبوب ، وهما داخل منبج ، وعلى قبر الشيخ علي وعلى مشهد المسيحات شمالي منبج أنوار عظيمة وصارت الأنوار تنتقل من قبر بعضهم إلى قبر بعض وتجتمع وتتراكم ، ودام ذلك إلى ربع الليل حتى انبهر لذلك أهل منبج وكتب قاضيهم بذلك محضرا وجهزه إلى دار العدل بحلب ، ثم أخبرني القاضي بمشاهدة ذلك وأكابر وأعيان من أهل منبج أيضا.

وفي السابع والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة كانت وفاة ابن الوردي رحمه‌الله بالطاعون ولم يسلم من طعناته ، واسمه عمر بن مظفر ، وستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى.

__________________

١ ـ الصواب نقلا عن كتاب السلوك ط ١٩٥٨ محمد مصطفى زيادة : تشق القلوب.

٢ ـ في الأصل : أقصر ويبيت.

٣٤٧

سنة ٧٥٠

ذكر نيابة قطليجا الحموي ثم نيابة أرغون الكاملي

قال في روض المناظر : وفي هذه السنة ولي الأمير أرغون الكاملي نيابة حلب عوضا عن قطليجا الحموي ، وكان قد وليها نحو شهر ومات.

قال المقريزي : مات في هذه السنة الأمير قطليجا الحموي ، أصله مملوك المؤيد صاحب حماة فبعثه إلى الناصر محمد وترقى حتى صار من جملة الأمراء ، ثم ولي نيابة حماة ونقل إلى نيابة حلب فأقام بها أياما ومات ، وكان سيىء السيرة.

وفيها توفي الحاج أرقطاي الناصري ، باشر نيابة حمص ثم صفد ثم طرابلس ثم حلب ثم مصر ثم حلب ثم دمشق ، فتوجه من حلب إليها ومات بعين المباركة وحمل إلى حلب ودفن بتربة سودي ، وكان يحب حلب فأنشد فيه :

قالوا أرقطاي مات قلت فهل

في الموت بعد الحياة من عجب

ما مات من فرحة بنقلته

بل مات من حزنه على حلب

وكان عمره سبعين سنة.

قال المقريزي في حوادث هذه السنة : ومات الأمير أرقطاي المنصوري بظاهر حلب وهو متوجه إلى دمشق عن نحو ثمانين سنة يوم الأربعاء خامس جمادى الأولى ، وأصله من مماليك المنصور قلاوون رباه الطواشي فاخر أحسن تربية إلى أن توجه الناصر محمد بن قلاوون إلى الكرك كان معه ، فلما عاد إليه ملكه جعله من جملة الأمراء ، ثم سفّره صحبة الأمير تنكز نائب الشام وأوصاه ألا يخرج عن رأيه ، فأقام عنده مدة ثم تنكر عليه فولاه نيابة حمص مدة سنتين ونصف ، ثم نقله لنيابة صفد فأقام بها ثماني عشرة سنة ، وقدم مصر فأقام بها عدة سنين وجرد إلى أياس ، ثم ولي نيابة طرابلس ومات الناصر وهو بها ، ثم قدم مصر وقبض عليه ثم أفرج عنه وأقام مدة ، ثم ولي نيابة حلب ، ثم طلب إلى مصر وصار رأس الميمنة ، ثم ولي نيابة السلطنة نحو سنتين ، ثم أخرج لنيابة حلب فأقام بها مدة ، ثم نقل لنيابة الشام فمات في طريقه لدمشق فدفن بحلب ، وكان مشكور السيرة اه.

قال : واستقر نجم الدين محمد الزرعي في قضاء القضاة الشافعية بحلب بعد وفاة نجم الدين عبد القاهر بن أبي السفاح فيها.

٣٤٨

سنة ٧٥١

قال المقريزي في حوادث هذه السنة : في المحرم أوقع الأمير أرغون نائب حلب بكاتب سرها زين الدين عمر بن يوسف بن عبد الله بن يوسف ابن أبي السفاح وضربه وسجنه ، فاستقر عوضه في كتابة السر بحلب الشريف شهاب الدين الحسين بن محمد المعروف بابن قاضي العسكر.

وقدم الخبر بأن الأمير أرغون ركب إلى التركمان وقد كثر فسادهم فقبض على كثير منهم وأتلفهم وأوقع بالعرب حتى عظمت مهابته ، ثم بعث موسى الحاجب على ألفي فارس في طلب نجمه أمير الأكراد ، فلما قرب منه بعث صاحب ماردين يشعر بقوة العسكر خوفا من غير لقاء ، فتنكر الأمير أرغون على موسى الحاجب وكتب يشكو منه. [ثم قال بعد ورقتين] : وأنعم على جركتمر باستقراره حاجبا بحلب عوضا عن موسى الحاجب لشكوى نائب حلب منه.

سنة ٧٥٢

خلع السلطان حسن وسلطنة أخيه الملك الصالح صالح

قال ابن إياس : في هذه السنة قبضوا على السلطان الملك الناصر حسن وأقيم في السلطنة الملك الصالح صلاح الدين صالح ابن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون ، وهو تمام العشرين من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية ، وهو الثامن من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون.

ذكر نيابة الأمير بيبغا أروس بحلب

قال ابن إياس : في هذه السنة أرسل السلطان الملك الصالح بالإفراج عن الأمير بيبغا أروس وكان بالسجن في قلعة الكرك ، فلما حضر خلع عليه واستقر به نائب حلب ، ثم خلع على الأمير أرغون الكاملي واستقر به نائب السلطنة بالديار المصرية.

قال المقريزي : وفي هذه السنة استقر في قضاء المالكية بحلب زين الدين عمر بن سعيد التلمساني عوضا عن الشهاب أحمد بن ياسين الرياحي ، واستقر في قضاء الحنفية بها جمال الدين إبراهيم بن ناصر الدين محمد بن الكمال عمر بن عبد العزيز بن العديم بعد

٣٤٩

وفاة أبيه ، واستقر في كتابة السر بحلب جمال الدين إبراهيم بن الشهاب محمود عوضا عن الشريف شهاب الدين بن قاضي العسكر وقدم الشريف إلى القاهرة اه.

سنة ٧٥٣

ذكر عصيان الأمير بيبغا أروس نائب حلب وقصده دمشق

قال في روض المناظر : في هذه السنة سار بيبغا أروس نائب حلب ومعه قراجا بن دلغادر التركماني (صاحب البستان ومرعش) إلى مصر طالبا للملك بنفسه ، وانجرت معه عساكر عظيمة منها نائب طرابلس ونائب حماة ونائب صفد ، فخرج إليه السلطان الملك الصالح بعساكره ، فلما بلغه ذلك رجع من قبلي دمشق إلى جهة حلب فمنع عنها وتشتت شمله وتفرقوا أيادي سبا واستقر نائبا بحلب عوضه الأمير أرغون الكاملي اه.

وذكر ابن إياس في حوادث هذه السنة هذا الخبر بأبسط من هذا فقال : جاءت الأخبار من حلب بأن الأمير بيبغا أروس قد خرج عن الطاعة وأظهر العصيان ، وكذلك الأمير بكلمش نائب طرابلس ، وكذلك الأمير أحمد نائب حماة ، وكذلك الأمير ألطنبغا برقاق نائب صفد ، فأرسل نائب الشام الأمير أرغون الكاملي يخبر السلطان بما قد جرى من النواب. ثم بعد ذلك بأيام يسيرة جاءت الأخبار بأن نائب حلب وصل إلى الشام وحاصر المدينة ، فلما رأى نائب الشام عين الغلبة هرب تحت الليل هو ومماليكه وتوجه إلى نحو غزة فأقام بها وأرسل يعلم السلطان والأمراء بذلك ، ثم جاءت الأخبار بأن بيبغا أروس لما دخل إلى الشام وقف تحت القلعة ومعه من تقدم ذكرهم من النواب فاستعرض هناك العسكر الشامي والعسكر الحلبي ، فكان مع الأمير بيبغا أروس من النواب والأمراء نحو ستين أميرا غير العساكر الحلبية والشامية وغير ما التف عليه من العربان والعشائر فقويت شوكته ، فلما فرغ من العرض نزل عند قبة بيبغا وأرسل إلى نائب قلعة دمشق وهو الأمير أياجي يطلب منه أميرا كان مسجونا بقلعة دمشق ، فأرسل إليه الأمير أياجي يعتذر له عن ذلك بأن هذا في سجن السلطان ولا أقدر على إطلاقه من السجن إلا بمرسوم السلطان ، ثم إن نائب قلعة دمشق حصن القلعة تحصينا عظيما وركب عليها المكاحل بالمدافع وأرسل يقول لأهل المدينة : لا تفتحوا دكانا ولا سوقا ولا تبيعوا على عسكر حلب شيئا ، فلما بلغ الأمير بيبغا أروس ذلك اشتد به الغضب وأمر عسكره بأن ينهبوا ضياع دمشق والبساتين ويقطعوا

٣٥٠

الأشجار ، فلما سمعوا هذه المناداة ما اتقوا ممكنا من الأذى والفساد فنهبوا حتى النساء والبنات والقماش ، وجرى على أهل دمشق من بيبغا أروس ما لم يجر عليهم من عسكر غازان لما دخل دمشق.

فلما جاءت الأخبار بذلك إلى السلطان علق الجاليش وتجهز للخروج إلى دمشق ، ثم عين الأمير عمر شاه وهو صاحب القنطرة وعيّن محمد بن بكتمر الساقي والأمير قماري الحموي بأن يخرجوا إلى الصعيد قبل خروج السلطان لحفظ البلاد من فساد العربان وصون الغلال ، فخرجوا من يومهم. ثم إن السلطان خرج من القاهرة قاصدا نحو البلاد الشامية فطلب طلبا عظيما وخرج معه من يذكر من الأمراء وهم الأمير طاز والأمير شيخو العمري والأمير صرغتمش والأمير أسندمر العمري وأخوه الأمير طاز والأمير جردمر والأمير قرابغا والأمير بنجاص والأمير قجا السلحدار والأمير طشتمر القاسمي والأمير سنقر المحمدي والأمير قطلوبغا الذهبي وبقية الأمراء المقدمين ، وكان مع السلطان الطبلخانات والعشراوات نحو ثمانين أميرا. ثم إن السلطان ترك في القاهرة الأمير قبلاي نائب السلطنة ومعه ثلاثة أمراء لصون المدينة ، ثم خرج السلطان من القاهرة سابع شهر شعبان وكان صحبته القضاة الأربعة والخليفة الإمام أحمد الحاكم بأمر الله ابن المستكفي بالله وسائر العسكر قاطبة ، فكان وصول السلطان إلى دمشق في شهر رمضان فنزل بالقصر الأبلق الذي بالميدان وصلى الجمعة في جامع بني أمية ، وكان الأمير بيبغا أروس لما بلغه وصول الملك الصالح إلى دمشق رحل عنها. ثم إن السلطان طلع إلى قلعة دمشق وأقام بها وأمر جماعة من الأمراء والعسكر بأن يتوجهوا خلف الأمير بيبغا ومن معه من النواب ، فخرجوا إليهم وتقاتلوا معهم ، فلما كان ثالث شهر شوال جاءت الأخبار من عند السلطان بأنه قد انتصر على الأمير بيبغا أروس وانكسر بيبغا وهرب إلى بلاد التراكمة وقبض على جميع من كان معه من النواب والعسكر ودخلوا بهم إلى دمشق وهم في جنازير وقيود وكان لهم في دمشق يوم مشهود لم يسمع بمثله ، ثم ذكر من قتل من هؤلاء الأمراء ومن شفع فيه إلى أن قال : وعاد السلطان إلى الديار المصرية فدخل القاهرة في أواخر شوال.

ثم قال ابن إياس في حوادث سنة أربع وخمسين : وفيها حضروا برأس الأمير بكلمش نائب طرابلس ورأس الأمير بيبغا أروس نائب حلب ورأس الأمير أحمد نائب حماة وكانوا هربوا من الملك الصالح لما توجه إلى الشام كما تقدم ، فلما هرب أولئك النواب توجهوا إلى

٣٥١

بلاد التركمان فقطعوا رؤوسهم وأرسلوها إلى السلطان فرسم بأن يعلقوا على باب زويلة فعلقوا عليه ثلاثة أيام اه.

سنة ٧٥٤

ذكر تولية حلب للأمير أرغون الكاملي

وقبضه على قراجا بن ذي الغادر وقتل قراجا بمصر

قال ابن إياس : في هذه السنة خلع السلطان على الأمير أرغون الكاملي واستقر به نائب حلب عوضا عن بيبغا أروس ، فلما توجه أرغون إلى حلب جرد إلى قراجا بن ذي الغادر أمير التركمان ، وكان ذنب قراجا أنه وافق بيبغا أروس على العصيان ، فلما وصل إليه الأمير أرغون هرب منه فتبعه الأمير أرغون إلى أطراف بلاد الروم فقبض عليه وأرسله إلى السلطان ، فلما حضر إلى القاهرة ومثل بين يدي السلطان أمر بتسميره فسمّروه على جمل وطافوا به مصر والقاهرة ثم وسّطوه في الرميلة بسوق الخيل ثم دفنوه اه.

زيادة بيان لهذه الحوادث

وقال ابن خطيب الناصرية في ترجمة قراجا بن دلغادر أمير التركمان بالبلاد الشمالية :

إنه جاء إلى حلب إلى بيبغا أروس القاسمي نائب حلب ووافقه في العصيان على السلطان وتوجه معه إلى دمشق حين سار ، فلما أحس بيبغا أروس بنزول السلطان (أي مجيئه من مصر) ولّى هاربا وهرب معه قراجا المذكور وتوجه إلى بلاده فتوجه في طلبه الأمير سيف الدين أرغون الكاملي نائب حلب وصحبته العساكر الحلبية وذلك في سنة أربع وخمسين وسبعمائة ، فوصلوا إلى أبلستين فهرب قراجا بن دلغادر فتبعوه إلى أن أدركوه بأطراف بلاد الروم ، فلما أحس بهم هرب فنهب العسكر بيوته وبيوت التركمان الذين كانوا معه وأخذوا مواشيهم ، واستمر قراجا هاربا إلى أن وصل إلى أرنتا صاحب الروم فقبض عليه ثم جهز إلى مصر فكان آخر العهد به.

٣٥٢

سنة ٧٥٥

ذكر خلع الملك الصالح صالح وعود الملك الناصر حسن إلى السلطنة

وتولية حلب للأمير طاز

قال في روض المناظر : في هذه السنة خلع الملك الصالح صالح واستقر عوضه الملك الناصر حسن وعاد إلى السلطنة واستقر عوضه طاز في نيابة حلب عوضا عن أرغون الكاملي.

قال بيشوف نقلا عن درة الأسلاك : في سنة ٧٥٥ ولي الأمير سيف الدين طاز الناصري نيابة السلطنة بحلب عوضا عن الأمير سيف الدين أرغون الكاملي. وفي هذه السنة أنشأ الأمير أرغون الكاملي البيمارستان المنسوب إليه داخل باب قنسرين واجتهد في أمره ورفل في أثواب ثوابه وأجره ، وشيّد بنيانه ومهّد مجالسه وإيوانه ، ورفع قواعده وهيّأ بيوته ومراقده ، وأعدّ له الآلات والخدم ورتب لحفظ الصحة فيه أرباب الحكم ، وأباحه للضعيف والسقيم وفتح بابه للراحل والمقيم ، ورواه بالمياه الكثيرة وأنفق أموالا غزيرة ، وأجرى عيونا معلومة وجرايته ووقف للقيام بمصالحه ما يزيد على كفايته اه.

ووجدت في مجموعة معظمها بخط المؤرخ أبي ذر قال : إن لأرغون الكاملي بحلب المارستان المشهور ، وفي ذلك يقول ابن حبيب :

قولا لأرغون الذي معروفه

بالعرف قد أحيا النفوس والأرج

أنزلك الرحمن خير منزل

رحب ورقاك إلى أعلى الدرج

بنيت دارا للنجاة والشفا

ليس بها على المريض من حرج

سنة ٧٥٨

ذكر وفاة الأمير أرغون الكاملي

قال في روض المناظر : في هذه السنة توفي أرغون بن طيجو الكاملي بالقدس الشريف ودفن في تربته هناك وعمره دون الثلاثين سنة ، تبنّاه الملك الصالح إسماعيل وزوّجه أخته من أمه ، وكان يسمى أرغون الصغير ، فلما مات الصالح وولي أخوه الكامل أعطى أرغون تقدمة ألف ونهى أن يسمى أرغون الصغير فسمي الكاملي ، ولي نيابة حلب ثم نقل

٣٥٣

إلى نيابة دمشق عوضا عن أيتميش وتوجّه في حركة بيبغا أروس إلى ملاقاة العساكر المصرية ، وعاد مع طاز وسنجر إلى حلب وراء بيبغا أروس فاستمر في نيابة حلب ثانيا وحصر بيبغا أروس وحبسه بالقلعة وكان آخر العهد به ، وحصر أحمد الساقي نائب حماة وبكلمش نائب طرابلس وقراجا بن دلغادر ، وعمر مارستانه بحلب داخل باب قنسرين ووقف عليه قرية بنّش العظمى من الغربيات ، ثم طلب إلى مصر أميرا مقدما ، ثم جهز إلى الإسكندرية مقبوضا عليه ، ثم أفرج عنه وتوجه إلى القدس الشريف وكانت به وفاته رحمه‌الله اه.

أقول : تدخل إلى هذا البيمارستان فتجد عن يسارك حجرة هي الآن خربة ، ثم تدخل الباب الثاني فتجد عن يمينك حجرة أخرى ، كانت هاتان الحجرتان لقعود الأطباء ووضع ما يحتاجون إليه من الأدوية والأشربة ، ثم تجد صحنا واسعا يحيط بطرفه القبلي والشمالي رواقان ضيقان مرفوعان على أعمدة عظيمة ووراءهما حجر صغيرة هي محل حبس المجانين فيها ، ثم تدخل من الجهة الشمالية في دهليز ، وبعد خطوات تجد دهليزين الذي عن اليمين يأخذك إلى باب آخر للمارستان تخرج منه إلى بوابة صغيرة وهو مغلق الآن ، والدهليز الذي عن اليسار يأخذك إلى صحنين حولهما حجر صغيرة وهي معدة أيضا لحبس المجانين ، وهناك تأخذك الخشية ويداخل قلبك الروع للظلمة المخيمة على هذه الأمكنة ولا منافذ لها وروائح العفونة والأقذار منتشرة فيها ، وإنا لنعجب كيف كانوا يحبسون المجانين فيها ، ولو قعد العاقل هناك بضع ساعات لذهب منه عقله وصار في عداد المجانين.

وقد بلغنا أنه كان في أطراف الصحن الخارجي وعلى أطراف الحوض الذي في وسطه توضع أنواع الرياحين ليناظرها المجانين ، وكانوا يأتون بآلات الطرب وبالمغنين فيداوون المجانين بها أيضا. وكان أمره جاريا على الانتظام إلى أواخر القرن العاشر ومن ذلك الحين أهمل أمره وزالت تلك الأوضاع منه.

وكان بلاط الصحن متوهنا جدا فاهتم جميل باشا سنة ١٣٠٢ في تبليطه وتجديد حوضه وترميمه داخلا وخارجا ، وكان يسكن في إيوانه الغربي رجل يقال له أبو حيدر هو وعائلته فكانوا يحافظون هؤلاء المجانين ويطعمونهم ويسقونهم ويرفعون الأقذار من عندهم ، ومنذ نحو عشر سنوات أو أزيد بقليل أخذ من كان فيه من المجانين وكانوا قدر عشرين

٣٥٤

شخصا إلى الأستانة ، وهذا آخر العهد بهم. والآن يسكنه بعض الفقراء. وقد كان لبابه الكبير حلقتان كبيرتان جميلتا الشكل من النحاس الأصفر قلعتا منذ ١٥ سنة وأخذتا إلى متحف الأستانة ، ولا ندري وصلتا إليه أو لا.

ويعد هذا البيمارستان من جملة الآثار القديمة الباقية في حلب وهو يمثل لك داخلا وخارجا الهندسة

الشرقية ، غير أنه إذا بقي مهملا على حالته الحاضرة أدى ذلك إلى تداعيه وسقوطه وخرابه بتاتا.

وأما واردات البيمارستان من قرية بنّش فإنها حولت سنة ١٢٨٤ إلى أوقاف الجامع الكبير فكثروا بها واردات الجامع ، وأحدث على إثر ذلك عدة وظائف للمدرسين لم تكن من قبل.

سنة ٧٥٩

ذكر القبض على الأمير طاز نائب حلب

وتولية حلب للأمير منجك اليوسفي

قال ابن إياس : في هذه السنة تزايدت عظمة المقر السيفي سيف الدين صرغتمش رأس نوبة النوب وصار في رتبة الأتابكي شيخو صاحب الحل والعقد بالديار المصرية ، فأرسل بالقبض على الأمير طاز نائب حلب من غير علم السلطان وأرسله من هناك إلى السجن بالإسكندرية ، فإنه كان بينه وبين الأمير طاز حظ نفسي من أيام الملك الصالح ، وكان الأتابكي شيخو يرده عن الأمير طاز ، فلما مات شيخو قضى منه الأمير صرغتمش أربه وقيده ونفاه إلى الإسكندرية ، فلما جرى ذلك خلع السلطان على الأمير منجك اليوسفي واستقر به نائب حلب عوضا عن الأمير طاز.

ذكر تولية الأمير علي المارديني

قال في روض المناظر : في هذه السنة نقل الأمير منجك اليوسفي إلى دمشق واستقر عوضه بحلب الأمير علي المارديني.

ترجمة الأمير علي المارديني

قال ابن خطيب الناصرية في ترجمته : الأمير علاء الدين المارديني الناصري نائب

٣٥٥

السلطنة بحلب ثم بدمشق ثم بالقاهرة ، ولي نيابة حلب في سنة تسع وخمسين وسبعمائة عوضا عن الأمير سيف الدين منجك الناصري واستمر بها مدة ، ثم نقل إلى نيابة دمشق في أواخر هذه السنة ، وكان أميرا كبيرا دينا عادلا يحب أهل العلم ويكرمهم وله ميل كبير إليهم ، ويجري الأحكام السياسية على الأمور الشرعية. ذكره شيخنا أبو محمد بن حبيب في تاريخه فقال فيه : أمير ظهر علاؤه وفاج ١ بناؤه وامتدت أفياؤه واشتهر بالجميل أبناؤه. كان ديّنا عفيفا مترفقا لطيفا ملازما للخير حسن السراء والسير رفيع المنزلة محبا للمعدلة ، منقادا إلى الشريعة الشريفة مشتغلا على مذاهب الإمام أبي حنيفة. منصرفا بالمعرفة والخبرة محترما بين ذوي الأمر والإمرة ، قريبا من الرعية سالكا للطرق المرضية ، يجتمع بأهل العلم ويكرمهم ويركن إلى أقوالهم ويعظمهم ، باشر نيابة السلطنة بدمشق مدة طويلة وبحلب برهة زينها بما عنده من السيرة الجميلة ، ثم انتقل إلى الديار المصرية مطلوبا واستمر إلى أن بلغ ما كان له من الأجل مكتوبا. انتهى.

توفي سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة بالقاهرة عن بضع وستين سنة تغمده الله برحمته اه.

سنة ٧٦٠

قال في روض المناظر : في هذه السنة نقل الأمير علي المارديني إلى نيابة دمشق واستقر عوضه بحلب الأمير بكتمر المؤمني ، ثم أمسك واستقر عوضه الأمير بيدمر الخوارزمي.

سنة ٧٦١

قال في روض المناظر : في هذه السنة توجه الأمير بيدمر الخوارزمي بالعساكر الحلبية إلى غزو الأرمن بالبلاد السيسية وفتح آذنة وطرسوس والمصيّصة وعدة قلاع وعاد مؤيدا منصورا.

قال : وفي هذه السنة ولي الأمير شهاب الدين أحمد بن القشتمري نيابة حلب عوضا عن بيدمر الخوارزمي.

__________________

١ ـ هكذا في الأصل ، وهي بمعنى انتشر.

٣٥٦

سنة ٧٦٢

ذكر قتل الملك الناصر حسن واستقرار السلطنة للملك

المنصور محمد وتولية حلب للأمير قطلوبغا

قال في روض المناظر : في هذه السنة توفي السلطان الملك الناصر حسن ، قتله مملوكه يلبغا الخاصكي ، واستقر في السلطنة ابن أخيه الملك المظفر حاجي ، واستقر في نيابة حلب قطلوبغا الأحمدي عوضا عن ابن القشتمري.

سنة ٧٦٣

ذكر تولية سيف الدين منكلي بغا

قال في روض المناظر : في هذه السنة استقر الأمير سيف الدين منكلي بغا الشمسي في نيابة حلب عوضا عن قطلوبغا الأحمدي واستمر سنة كاملة.

وفيها توفي الأمير طاز بدمشق بعد أن أمسك حين عصى بحلب وخرج منها في حمية وأكحل ثم أطلق.

سنة ٧٦٤

ذكر عود قطلوبغا الأحمدي لولاية حلب ووفاته بها

وتولية حلب للأمير أشقتمر المارديني

قال في روض المناظر : في هذه السنة خلع السلطان الملك المنصور محمد واستقر عوضه في السلطنة ابن عمه الملك الأشرف شعبان بن حسين ابن الناصر محمد بن قلاوون ، وعاد إلى نيابة حلب قطلوبغا الأحمدي ونقل منكلي بغا إلى دمشق نائبا ، وبعد ثلاثة أشهر مات قطلوبغا الأحمدي بحلب واستقر عوضه الأمير أشقتمر المارديني في أوائل سنة خمس وستين وسبعمائة.

ترجمة قطلوبغا الأحمدي :

قال ابن خطيب الناصرية : قطلوبغا الأحمدي الأمير سيف الدين نائب حلب ، ولي نيابة حلب في سنة اثنتين وستين وسبعمائة عوضا عن الأمير شهاب الدين أحمد بن

٣٥٧

القشمري واستمر بها سنة وبضعة شهور ، ثم عزل في سنة ثلاث وستين بالأمير سيف الدين منكلي بغا الشمسي ، ثم وليها في سنة أربع وستين عوضا عن منكلي بغا المذكور واستمر بها متعللا نحو ثلاثة شهور.

قرأت في تاريخ الإمام البارع أبي محمد الحسن بن حبيب رحمه‌الله تعالى قال سنة خمس وستين وسبعمائة : وفيها توفي الأمير سيف الدين قطلوبغا الأحمدي نائب السلطنة بحلب ، أمير ذكره جميل وباعه طويل ، وطباعه لطيفة وأعلامه منيفة ، كان مخصوصا بالتكريم مشارا إليه بالتقديم ، معظما في مجالس الدولة ومحافلها معدودا من أعيان المملكة وأماثلها ، ولي النيابة بحلب مرتين وظفر من ركوب شهبائها ورعاية دهمائها بمسرتين ، لكن خانته الأيام واستولت عليه الأسقام ، واستمر ملقى على فراش الضنى إلى أن أحالت المنية بينه وبين المنى ، وكانت وفاته بحلب تغمده الله تعالى برحمته.

سنة ٧٦٦

قال في روض المناظر : في هذه السنة تولى الأمير جرجي نيابة حلب عوضا عن أشقتمر.

سنة ٧٦٧

قال ابن إياس : في هذه السنة رسم السلطان لنائب حلب بأن يأخذ العساكر الحلبية ويتوجه إلى حصار قلعة خرت برت من أعمال ديار بكر ، فسار إليها وحاصرها نحوا من أربعة أشهر ، فطلب أهلها الأمان ونزلوا طائعين ، فأرسل نائب حلب يعلم السلطان بذلك ، فأرسل إليه السلطان خلعة بأن يستقر بنيابة قلعة خرت برت على عادته ويحلفه أيمانا عظيمة بأنه لا يرجع يخامر ولا يعصي السلطان.

انكسار الإفرنج على أياس

قال بيشوف في آخر تحف الأنباء نقلا عن درة الأسلاك : توجه الأمير سيف الدين منكلي بغا نائب السلطنة بحلب وصحبته العساكر الحلبية إلى مدينة أياس حين بلغهم أن الإفرنج قصدوها في مائة قطعة من المراكب وأقبلوا عليها ، فلما وصلوا وجدوهم قد برزوا إلى الساحل ودخلوا المدينة وانهزم أهلها ونهبوا الأمتعة والأقوات فتقدمت العساكر لقتالهم ومحوا

٣٥٨

أثر من هجم على المدينة ، وتواترت قدوم العساكر الإسلامية من القلاع وهرب الإفرنج إلى جهة البحر فأدركوا وجرحوا وقتل منهم جماعة وأخذت خيلهم وسلاحهم ، وتألم كل الإفرنج بسبب ذلك ، واستمرت العساكر في أياس إلى أن أيسوا من عود الإفرنج ، ثم رجعوا بالعز والنصر مؤيدين اه.

أقول : وسيأتيك فيما كتب على باب جامع منكلي بغا الإشارة إلى هذه الوقعة وأن ذلك كان في سنة ٧٦٧

سنة ٧٦٨

ذكر عود الأمير منكلي بغا الشمسي إلى نيابة حلب وعمارته للجامع

داخل باب قنسرين المعروف بجامع الرومي

قال في روض المناظر : في هذه السنة عاد الأمير منكلي بغا الشمسي إلى نيابة حلب عوضا عن جرجي الناصري وأنشأ جامعه المعروف بحلب داخل باب قنسرين.

ترجمة جرجي الناصري :

قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة : جرجي الناصري أصله من مماليك الناصر ، ثم تنقل في الخدم إلى أن صار دويدارا صغيرا في أيام الصالح إسماعيل ، ثم استقر دويدارا كبيرا في أيام المظفر ، ثم أخرج إلى دمشق أمير عشرة بعد قتل المظفر ، ثم ولي في أيام حسن الخزندارية ، ثم جعل أمير أخور في أيام الأشرف ، ثم ناب بحلب ، ثم استقر من كبار الأمراء بدمشق إلى أن مات في صفر سنة ٧٧٢.

قال ابن إياس : في هذه السنة أرسل المقر السيفي منكلي بغا نائب الشام (قبل توليته لحلب) يسأل السلطان عن الحضور إلى مصر زائرا ليرى وجه السلطان ، فلما حضر إلى القاهرة أحضر صحبته تقادم كثيرة للسلطان حتى للأمراء والأتابكي يلبغا ، فأكرمه السلطان غاية الإكرام وخلع عليه واستقر به نائب حلب وجعل حلب أكبر من الشام كما كانت على القاعدة القديمة ، وعين معه عسكرا يقيمون بحلب عنده.

الكلام على جامع منكلي بغا المشهور الآن بجامع الرومي

قال في الدر المنتخب : ومنها جامع منكلي بغا الشمسي نائب حلب ثم دمشق داخل باب قنسرين ، وهو من أحسن الجوامع وبني على أحسن الوجوه ، وكانت عمارته في

٣٥٩

سنة ثمان وسبعين وسبعمائة اه. وهو سهو من النساخ والصواب في سنة ٧٦٨ كما تقدم.

المكتوب على بابه :

١ ـ البسملة. أنشأ هذا الجامع المعمور المبارك الفقير إلى الله تعالى المقر الأشرف العالي المولوي.

٢ ـ المالكي المخدومي السيفي أبو عبد الرحيم منكلي بغا الأشرفي كافل الممالك الحلبية حين كسر الإفرنج على أياس في غرة شهر صفر سنة سبع وستين وسبعمائة ويومئذ.

٣ ـ أتابك الجيوش المنصورة بالديار المصرية أدام الله ملك مالكها مولانا السلطان الملك الأشرف أعز الله أنصاره.

وفوق تلك الحجر حجر أخرى صغيرة كتب عليها :

١ ـ البسملة. أنشأ هذا المعمور المبارك بعفو الله وعونه جانم.

٢ ـ الحمزاوي بتاريخ رجب الفرد سنة سابع عشر وتسعمائة اه.

وهذا يفيد أن جانم الحمزاوي جدد في هذا الجامع بعض الأماكن.

وطول القبلية نحو ٢٧ ذراعا وعرضها نحو ١٤ ذراعا ومحرابه من الرخام المرمر وعلى جانبيه عمودان منقوشان نقشا بديعا ، والأحجار التي فوق المحراب من الرخام الملون مشتبك بعضها في بعض. والمنبر جميعه من حجر المرمر وهو منقوش أيضا نقشا متقنا دل على براعة في هذه الصنعة.

وله صحن واسع في وسطه حوض كبير ، وعلى جانبي الصحن والقبلية رواقان عظيمان مرتفعان غاية الارتفاع على أربع سوار عظيمة ، ويقال إن القبلية كانت ممتدة إلى المكان الفارغ الذي على الجانبين ، ولعل الذي صغر القبلية هو جانم الحمزاوي الذي جدد بعض بنائه سنة ٩١٧ كما هو مكتوب على بابه.

وللجامع منارة عظيمة الارتفاع تعد في جملة الآثار القديمة التي في حلب كتب على أسفلها عند آخر جدار الجامع من فوق من جهة الشمال بقلم عريض (أنشأه العبد الفقير إلى الله تعالى منكلي بغا الشمسي غفر الله له) ومثل ذلك من طرف الشرق.

وكان للجامع ميضاة أمام المنارة من جهة الشمال يبلغ طولها ١٤ ذراعا وعرضها ٩ أذرع ، وكانت عامرة فسعى رجل يقال له الحاج أحمد الصابوني كان ممن أثرى من صنعة

٣٦٠