إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٢

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ٢

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


المحقق: محمّد كمال
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٢

ولاية عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي

ابن آقسنقر من شعبان إلى شوال من سنة ٥٧٧

ثم ولاية عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي

في المحرم من سنة ٥٧٨

قال في الروضتين : لما توفي الملك الصالح أرسل دزدار حلب وهو شاذبخت وسائر الأمراء إلى أتابك عز الدين يدعونه إلى حلب ليسلموها إليه ، فورد الخبر ومجاهد الدين قايماز قد سار إلى ماردين لمهم عرض فلقي القاصدين عندها فأخبروه الخبر ، فسار أتابك مجددا ، فلما وصل إلى المنزلة التي بها مجاهد الدين أقام معه وأرسل إلى حلب يستحضر الأمراء ، فحضروا كلهم عنده وجددوا اليمين له ، فسار حينئذ إلى حلب ودخلها وكان يوما مشهودا. ولما عبر الفرات كان تقي الدين عمر ابن أخي صلاح الدين بمدينة منبج فسار عنها هاربا إلى مدينة حماة ونادوا بشعار أتابك ، وكان صلاح الدين بمصر فأشار عسكر حلب على عز الدين بقصد دمشق وأطمعوه فيها وفي غيرها من البلاد الشامية وأعلموه محبة أهلها للبيت الأتابكي ، فلم يفعل وقال : بيننا يمين فلا نغدر به. وأقام بحلب عدة شهور ثم سار منها إلى الرقة فأقام بها ، وجاءه رسول أخيه عماد الدين يطلب أن يسلم إليه حلب ويأخذ منه عوضها مدينة سنجار فلم يجبه إلى ذلك ، ولج عماد الدين وقال : إن سلمتم إلي حلب وإلا سلمت أنا سنجار إلى صلاح الدين ، فأشار حينئذ الجماعة بتسليمها إليه وكان أكبرهم في ذلك مجاهد الدين قايماز ، فإنه لج في تسليمها إلى عماد الدين ولم يمكن أتابك عز الدين مخالفته لتمكنه في الدولة وكثرة عساكره وبلاده ، فوافقه وهو كاره ، فسلم حلب إلى أخيه وتسلم سنجار وعاد إلى الموصل وكان صلاح الدين بمصر وقد أيس من العودة إلى الشام ، فلما بلغه ذلك برز من القاهرة إلى الشام ، فلما سمع أتابك عز الدين بوصول صلاح الدين إلى الشام جمع عساكره وسار عن الموصل خوفا على حلب من صلاح الدين ، فاتفق أن بعض الأمراء الأكابر مال إلى صلاح الدين وعبر الفرات إليه ، فلما رأى أتابك ذلك لم يثق بعده إلى أحد من أمرائه إذ كان ذلك الأمير أوثقهم في نفسه ، فعاد إلى الموصل.

١٠١

قال ابن شداد : لما توفي الملك الصالح سارعوا إلى إعلام عز الدين مسعود بن قطب الدين بذلك وبما جرى له من الوصية إليه وتحليف الناس له ، فسارع سائرا إلى حلب مبادرا خوفا من السلطان ، فكان أول قادم من أمرائه إلى حلب مظفر الدين بن زين الدين وصاحب سروج ، ووصل معهما من حلف الأمراء له ، وكان وصولهم في ثالث شعبان ، وفي العشرين منه وصل عز الدين إلى حلب وصعد القلعة واستولى على خزائنها وذخائرها وتزوج أم الملك الصالح في خامس شوال وعلم أنه لا يمكنه حفظ الشام مع الموصل لحاجته إلى ملازمة الشام لأجل السلطان ، وألح عليه الأمراء في طلب الزيادات ورأوا أنفسهم أنهم قد اختاروه وضاق عطنه ، وكان صاحب أمره مجاهد الدين قايماز وكان ضيق العطن لم يعتد مقاساة أمر الشام ، فرحل من حلب طالب الرقة وخلفه ولده ومظفر الدين بن زين الدين بها ، فأتى الرقة ولقيه أخوه عماد الدين عن قرار بينهما واستقر مقايضة حلب بسنجار ، وحلف عز الدين لأخيه عماد الدين على ذلك في حادي عشرين شوال ، وسار من جانب عماد الدين من تسلم حلب ومن جانب عز الدين من تسلم سنجار. وفي ثالث عشر المحرم سنة ثمان وسبعين صعد عماد الدين إلى قلعة حلب اه.

قال في الروضتين : قال العماد : كان قصد السلطان صلاح الدين إصلاح حال الملك الصالح وأنه القائم مقام أبيه ، فصده عنه مماليكه فأخذت بلاده بلجاجهم ومرضت دولته لسوء علاجهم ، فاقتنع بحلب إلى أن توفي ، ووصل ابن عمه عز الدين مسعود صاحب الموصل إلى حلب فجمع ظاهره وباطنه وأخذ خزائنه ودفائنه وأخلى كنائنه ، ثم عرف أنه لا يستقر بها أمر فرغب أخاه عماد الدين زنكي صاحب سنجار في تعويضها له بحلب فمال إلى بذله ورغب.

ذكر حصر صاحب ماردين قلعة البيرة

ومسير صاحبها مع صلاح الدين

قال ابن الأثير : كانت قلعة البيرة وهي مطلة على الفرات من أرض الجزيرة لشهاب الدين الأرتقي وهو ابن عم قطب الدين إيلغازي بن ألبي بن تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق صاحب ماردين ، وكان في طاعة نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام ، فمات

١٠٢

شهاب الدين وملك القلعة بعده ولده وصار في طاعة عز الدين مسعود صاحب الموصل ، فلما كان هذه السنة أرسل صاحب ماردين إلى عز الدين يطلب منه أن يأذن له في حصر البيرة وأخذها فأذن له في ذلك ، فسار عسكره إلى قلعة سميساط وهي له ونزل بها وسير العسكر إلى البيرة فحصرها فلم يظفر منها بطائل ، إلا أنهم لازموا الحصار فأرسل صاحبها إلى صلاح الدين وقد خرج من ديار مصر على ما نذكره يطلب منه أن ينجده ويرحل العسكر المارداني عنه ويكون هو في خدمته كما كان أبوه في خدمة نور الدين ، فأجابه إلى ذلك وأرسل رسولا إلى صاحب ماردين يشفع فيه ويطلب أن يرحل عسكره عنه فلم يقبل شفاعته ، واشتغل صلاح الدين بما نذكره من أمر الفرنج ، فلما رأى صاحب ماردين طول مقام عسكره على البيرة ولم يبلغوا منها غرضا أمرهم بالرحيل عنها وعادوا إلى ماردين فسار صاحبها (ابن شهاب الدين الأرتقي) إلى صلاح الدين وكان معه حتى عبر معه الفرات على ما نذكره إن شاء الله تعالى.

سنة ٥٧٨

ذكر خروج السلطان صلاح الدين من الديار المصرية

ومجيئه إلى الديار الحلبية واستيلائه على البلاد الجزرية

قال في الروضتين : لما سمع السلطان في مصر بمرض الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين كتب إلى ابن أخيه تقي الدين عمر وهو يتولى له المعرة وحماة وأمره بالتأهب للنهوض ، وكتب إلى ابن أخيه عز الدين فرخشاه وهو نائبه بدمشق يأمره بتنفيذ عسكر إلى جهة أخيه تقي الدين على إظهار قاعدة النظر في القضية الحادثة بين ديار بكر وابن قرا أرسلان والتوجه لفصلها. قال : فيكون ظاهر حركة العسكر لهذا السبب المتقدم وباطنها لهذا السبب المتأخر ، وقد كوتب الولد تقي الدين أن يتوجه إلى منبج على الظاهر والباطن المذكورين وأن يحفظ المغازي ويرابط الفرات ويمنع المعابر ولنا بالس وقلعة جعبر ومنبج وتل باشر وهي جمهور الطرق بل كلها وقد أوعزنا إلى تقي الدين بأن يكون حمام حماة في حلب وحمام دمشق في حماة ، وإلى الأجل ناصر الدين بأن يكون حمام دمشق في حمص وحمام حمص في حلب وولدنا عز الدين يؤمر بأن يكون حمام بصرى في دمشق ، وقد بعثنا نجابين

١٠٣

يكونون منيخين ببصرى ، فإن تحققت الوفاة فنحن أسبق إليكم من الجواب قولا وفعلا ووعدا ونجحا فالعلة مزاحة والعسكر مستريحة والظهر قد استعد والمصلحة في الحركة ظاهرة وحجج انتقاد المنتقدين في هذه القضية ساقطة.

ثم قال : ولما سمع بوفاته تحرك عزمه وندم على النزوح من الشام مع قرب هذا المرام ، فكتب إلى ابن أخيه تقي الدين عمر وكذلك شحذ عزائم نوابه بالشام بتجديد المكاتبات لهم وبعثهم على الاستعداد وحملهم. وكان الفرنج بأنطاكية قد أغاروا على حارم وأتوا من السبي والنهب بالعظائم ، وأغار عسكر حلب على الراوندان وهي في عمل صلاح الدين ورسولهم عند الفرنج يستنجدهم ويغريهم به ، وراسلوا الحشيشية (الباطنية) فكتب السلطان صلاح الدين كتابا إلى الخليفة في بغداد يشرح الحال باللفظ العمادي ، وكان في جملة الكتاب ما معناه أن حلب من جملة البلاد التي اشتمل عليها تقليد أمير المؤمنين المستضيء بأمر الله له ، وإنما تركها في يد ابن نور الدين لأجل أبيه ، والآن فليرجع كل إلى حقه وليقنع برقه. ثم كتب إليه في كتاب آخر عند دخول صاحب الموصل حلب واستيلائه عليها (كما تقدم) فقال : دخل حلب مستوليا وحصل بها متعديا وعقود الخلفاء لا تحل والسيوف في أوجه أوليائهم لا تسل ، وإنه إن فتح باب المنازعة أدنى من ندامة وأبعد من سلامة ، وخرق ما يعي على الراقع وجذب الرداء فلم تغن فيه إلا حيلة الخالع ، وليس الاستيلاء بحجة في الولايات لطالبها ولا الدخول في الدار بموجب ملك غاصبها ، إلا أن تكون البلاد كالديار المصرية حين فتحها الخادم وأهله حيث الجماعة مستريبة والخلافة في غير أهلها غريبة والعقائد لغير الحق مستجيبة ، فتلك الولاية أولى من منحها من فتحها ، وكان سلطانها من أدخل في كان شيطانها ، وأما حلب فإن الكلمة فيها عالية والمنابر فيها بالاسم الشريف حالية ، فإنما تكون لمن قلدها لا لمن توردها ولمن بالحق تسلمها لا لمن بالباطل تسنمها ، ولو كانت حلب كما كانت مصر لدخلها الخادم ولم يشاور ولولجها ولم يناظر ، ولكنه أتى البيوت من أبوابها واستمطر القطار من سحابها. ثم ذكر أن المواصلة راسلوا الملاحدة الحشيشية واتخذوهم بطانة من دون المؤمنين وواسطة بينهم وبين الفرنج ووعدهم بقلاع من يد الإسلام تقلع وضياع من فيء المسلمين توضع وبدار دعوة بحلب ينصب فيها علم الضلالة فيرفع ، ويا للعجب من الخصم يهدم دولة حق وهي تبنيه ومن العبد يبني ملكها بنفسه وماله وذويه ، وهي تراقب أعلاه فيه ودعواه في رسائلهم

١٠٤

وغوائلهم ليست بدعوى لا يقوم شاهدها ولا هي بشناعة لا يهتدي قائدها ، بل هذا رسولهم عند سنان صاحب الملاحدة ورسولهم عند القمص ملك الفرنج ، وهذه الكتب الواصلة بذلك قد سيرت. ولاستيجاب الولاية طرق ، أما السبق إلى التقليد فللخادم السبق ، وأما العدالة والعدل فلو وقع الفرق لوقع الحق ، وأما بالإثار بالطاعة فله فيها ما لو لا معونة الخالق فيه لقصرت عنه أيدي الخلق ، ومتى استمرت المشاركه في الشام أفضت إلى ضعف التوحيد وقوة الاشتراك وترامت إلى أخطار يعجز عنها خواطر الاستدراك وأحوجت قابض الأعنة إلى أن يعيلها الجدد ويرسلها العراك ، وطريق الصلاح والمصالحات الأيمان ، والمشار إليهم (يعني أصحاب الموصل) لا يلتزمون ربقتها ولا يوجبون صفقتها ، وكفى بالتجريب ناهيا عن الغرّة ، ولا يلدغ المؤمن إلا مرّة ، وإذا اجتمعت في الشام أيد ثلاث يد عادية ويد ملحدة ويد كافرة نهض الكفر بتثليثه وقصرت عن الإسلام يد مغيثه ولم ينفع الخادم حينئذ تصحيح حسابه وتصديق حديثه ، وما يريد الخادم إلا من تكون عليه يد الله وهي الجماعة ولا يؤثر إلا ما يتقرب به إليه وهو الطاعة ولا يتوخى إلا ما يقوم به الحجة اليوم ويوم تقوم الساعة.

ومن كتاب آخر : قد أحاط العلم بما طالع به أولا عند وفاة نور الدين رحمه‌الله أن التقليد الشريف المستضيئي لما وصله بالبلاد وكان قد فتح أكثرها قلاعا وأمصارا وحصونا وديارا ، ولم يبق إلا قصبة حلب وهو على أخذها عدل ولد نور الدين عن القتال إلى النوال وعن النزال إلى الاستنزال ، وقصد القصد الذي ما أوجبت المحافظة أن يتلقى بالرد فأقره على الولاية فرعا لا أصلا ونائبا لا مستقلا ، وسلم إليه البلاد ويده الغالبة لا المغلوبة وسيوفه السالبة لا المسلوبة ، ومشى الأمر معه مستقيما ومائلا وجائرا وعادلا إلى أن قضى نحبه ولقي ربه ، فبدا من المواصلة نقض الأيمان والابتداء بالعدوان والتعرض للبلاد والتصرف فيها بغير حجة يكون عليها الاعتماد ، فطالع الديوان بالقضية واستشهد بدلالات قوانينه الجليلة في هذا التقليد الذي تهادته المحاضر وأشاعته المنابر ، وسيرت إلى الشرق والغرب نسخه وغلت الأيدي التي تحدث أنفسها أنها نسخه اه.

قال في الروضتين : بعد عود السلطان صلاح الدين من الإسكندرية إلى مصر وذلك في ذي القعدة من سنة ٥٧٧ شرع في الاستعداد لسفر الشام ، فجمع العساكر والسلاح واستصحب نصف العسكر وأبقى النصف الآخر يحفظ ثغور مصر ، وأمر قراقوش بإتمام

١٠٥

الأسوار الدائرة على مصر والقاهرة. قال : وكان السلطان عشية توديعه لأهل مصر جالسا في سرادقه ينشده بيتا في الوداع ، فأخرج أحد مؤدبي أولاده رأسه وأنشد مظهرا له فضله ورافعا به محله :

تمتع من شميم عرار نجد

فما بعد العشية من عرار

فلما سمعه خمد نشاطه وتبدل بالانقباض انبساطه ، ونحن ما بين مغضب ومغض ينظر بعضنا إلى بعض ولا يقضى العجب من مؤدب ترك الأدب فكأنه نطق بما هو كائن في الغيب ، فإنه ما عاد بعدها إلى الديار المصرية حتى لقي بنجح المنى والمنية.

قال ابن الأثير : وكان مسيره من مصر إلى الشام في خامس المحرم وتبعه من التجار وأهل البلاد ومن كان قصد مصر من الشام بسبب الغلاء بالشام وغيره عالم كثير ، فلما سار جعل طريقه على أيلة فسمع أن الفرنج قد جمعوا له ليحاربوه ويصدوه عن المسير ، فلما قارب بلادهم سير الضعفاء والأثقال مع أخيه تاج الملوك بوري إلى دمشق وبقي هو في العساكر المقاتلة لا غير ، فشن الغارات بأطراف بلادهم وأكثر ذلك ببلد الكرك والشوبك فلم يخرج إليه منهم أحد ولا أقدم على الدنو منه ، ثم سار فأتى دمشق فوصلها حادي عشر صفر من السنة وأقام بها أياما يريح ويستريح هو وجنده. ثم سار إلى طبرية وحارب من تجمع فيها من الإفرنج فكسرهم وعاد إلى دمشق ، ثم سار عنها إلى بيروت وكان قد واعد أسطول مصر أن يتجهز إلى بلاد الساحل فبلغه الخبر أنه وصل إلى بيروت فبادره السلطان بعسكره جريدة قبل أن يفوت ، فلما وصل رأى أن أمر بيروت يطول وكان قد سبى الأسطول منها وسلب وظفر من غنيمتها بما طلب ، فأغار السلطان على تلك البلاد ورجع وأعاد فرخشاه إلى دمشق ورحل إلى بعلبك ومنها إلى حمص (١).

قال في الروضتين : ثم رحل السلطان إلى حماة واستصحب معه ابن أخيه تقي الدين ، فلما قرب من حلب أقبل مظفر الدين كوكوبري بن علي كوجك صاحب حران حينئذ فاجتمع بالسلطان وسار في خدمته من جملة الأعوان ، وأشار عليه أن يعبر الفرات ويجوز ما وراءها ويترك حلب إلى ما بعد ذلك لئلا تشغله عن غيرها ، فاستصوب السلطان رأيه وعبر الفرات.

__________________

(١) [السطور الأخيرة من الروضتين].

١٠٦

وقال ابن أبي طي : في أول السنة أراد مظفر الدين بن زين الدين وكان إليه شحنكية حلب الاستيلاء على قلعة حلب بأن يهجمها فلم يتمكن وظهر أمره. وبعد هذه الوقعة اجتمع الأخوان عز الدين وعماد الدين على الرقة وتحالفا على بساط واحد وسلم عماد الدين ما كان بيده من سنجار وغيرها إلى عز الدين وسلم عز الدين إليه حلب ، فسار إليها ودخلها ، فخرج مظفر الدين عنها وصار إلى الفرات ، فلما اتصل به قصد السلطان حلب سار إلى خدمته واجتمع به على جباب التركمان وأشار على السلطان بعبور الفرات والاستيلاء على بلاد الشرق وتأخير أمر حلب ، ففعل ورحل عن حلب بعد أن أقام عليها ستة أيام وأقام على تل خالد ثلاثة أيام ، ثم رحل إلى البيرة وفيها شهاب الدين محمد بن إلياس الأرتقي فنزل إليه وقبل الأرض بين يديه وسأله الصعود إلى قلعة البيرة ، فأجابه وقدم له مفاتيح القلعة فردها إليه ووعده باستخلاص ما كان صاحب ماردين رده عليه ، ورحل السلطان إلى سروج فنزل إليه صاحبها ابن مالك مستأمنا ، فأعاده إلى بلده ، وراسل صاحب ماردين في رد ما كان تغلب عليه من أعمال البيرة ففعل ، ثم أخذ الرها ثم الرقة ، ثم سلم الرها إلى ابن زين الدين والرقة إلى صاحب الرها لأنه سأل أن يكون في خدمة السلطان.

وقال القاضي ابن شداد في السيرة الصلاحية : نزل السلطان على حلب في ثامن عشر جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين فأقام ثلاثة أيام ورحل في الحادي والعشرين منه يطلب الفرات ، واستقر الحال بينه وبين مظفر الدين بن زين الدين وكان صاحب حران وكان قد استوحش من جانب الموصل وخاف من مجاهد الدين فالتجأ إلى السلطان وعبر إليه قاطع الفرات وقوى عزمه على البلاد وسهل أمرها عنده ، فعبر الفرات وأخذ الرها ونصيبين وسروج ، ثم شحن على الخابور وأقطعه اه.

قال ابن الأثير : لما عبر صلاح الدين الفرات كاتب الملوك أصحاب الأطراف ووعدهم وبذل لهم البذول على نصرته ، فأجابه نور الدين محمد بن قرا أرسلان صاحب الحصن إلى ما طلب منه لقاعدة استقرت بينهما لما كان نور الدين عنده بالشام ، فإنه استقر الحال أن صلاح الدين يحصر آمد ويملكها ويسلمها إليه ، وسار صلاح الدين إلى مدينة الرها فحصرها في جمادى الأولى وقاتلها أشد قتال ، فحدثني بعض من كان من الجند أنه عد في غلاف رمح أربعة عشر خرقا وقد خرقته السهام ، ووالى الزحف عليها وكان بها حينئذ

١٠٧

مقطع وهو الأمير فخر الدين مسعود الزعفراني ، فحيث رأى شدة القتال أذعن إلى التسليم وطلب الأمان وسلم البلد وصار في خدمة صلاح الدين ، فلما ملك المدينة زحف إلى القلعة فسلمها إليه الدزدار الذي بها على مال أخذه ، فلما ملكها سلمها إلى مظفر الدين مع حران ، ثم سار عنها على حران إلى الرقة ، فلما وصل إليها كان بها مقطعا قطب الدين ينال بن حسان المنبجي فسار عنها إلى عز الدين أتابك وملكها صلاح الدين ، وسار إلى الخابور قرقيسيا وماكسين وعرابان فملك جميع ذلك ، فلما استولى على الخابور جميعه سار إلى نصيبين فملك المدينة لوقتها ، وبقيت القلعة فحصرها عدة أيام فملكها أيضا وأقام بها ليصلح شأنها ، ثم أقطعها أميرا كان معه يقال له أبو الهيجاء السمين ، وسار عنها ومعه نور الدين صاحب الحصن وأتاه الخبر أن الفرنج قصدوا دمشق ونهبوا القرى ووصلوا إلى داريا وأرادوا تخريب جامعها ، فأرسل النائب بدمشق إليهم جماعة من النصارى يقول لهم إن خربتم الجامع جددنا عمارته وأخربنا كل بيعة لكم في بلادنا ولا نمكن أحدا من عمارتها ، فتركوه ، ولما وصل الخبر إلى صلاح الدين بذلك أشار عليه من يتعصب لعز الدين بالعود فقال : يخربون قرى ونملك عوضها بلادا ونعود نعمرها ونقوى على قصد بلادهم ، ولم يرجع فكان كما قال اه.

ثم حصر صلاح الدين الموصل ، ثم سار منها إلى سنجار فملكها ، ثم ملك آمد وسلمها إلى نور الدين محمد بن قرا أرسلان على ما استقرت القاعدة بينهما. وبسط ابن الأثير القول في ذلك : وكان ملكه لآمد في العشر الأولى من المحرم سنة ٥٧٨.

قال في الروضتين : وفي فتح آمد يقول سعيد بن محمد الحريري الحلبي من قصيدة في السلطان :

رمى آمدا بالصافنات فأذعنت

له طاعة آكامها ووعورها

فما عز ناديها ولا اعتاص ثغرها

ولا جاش طاميها ولا رد سورها

وأنزلت بالكره ابن تيسان مخرجا

كما أنزل الزباء كرها قصيرها

نهضت لها حتى إذا انقاد صعبها

تقضى على طول الشماس نفورها

سمحت بها جودا لمن ظل برهة

يغاورها طورا وطورا يغيرها

وملّكت ما ملّكت منها تحولا

وكان قليلا في نداك كثيرها

١٠٨

وإن بلادا أنجدتك ملوكها

لأجدر أن يرجو نداك فقيرها

وقال ابن سعدان الحلبي يذكر فتح آمد :

فيا ساكني الرعناء من سفح آمد

أرى عارضا ينهل بالموت هاطله

لئن غضبت يوما عليكم عروشها

فهذا ابن أيوب وهذي معاقله

ولو رامها يوما سواه لقطّعت

أباهره من دونها وأباجله

وابن تيسان كان مدبر آمد ورئيسها والقائم بأمرها. وقول ابن سعيد (وملكت ما ملكت) يشير به إلى ما وهبه صلاح الدين من الخزائن والذخائر التي وجدت بها وكانت شيئا كثيرا لا يدخل تحت الحصر إلى نور الدين محمد بن قرا أرسلان الذي سلمه آمد كما تقدم.

سنة ٥٧٩

ذكر استيلاء صلاح الدين على تل خالد وعينتاب وحلب

قال في الروضتين : ثم رحل السلطان من آمد وعبر الفرات لقصد حلب وولايتها ، فتسلم في طريقه تل خالد بالرعب ولم تكن منهم بالقرب فأقر أهلها فيها ، ثم نزل على عينتاب فبادر صاحبها ناصح الدين محمد بن خمارتكين إلى خدمة السلطان فأعاده إلى مكانه بالإحسان.

وقال ابن أبي طي : تسلم السلطان تل خالد في رابع عشر المحرم وسلمها إلى بدر الدين دلدرم ، ثم سار إلى حلب فنزل عليها في سادس عشر المحرم وكان أول نزوله في الميدان الأخضر ، وسير المقاتلة يقاتلون ويباسطون عسكر حلب ببانقوسا وباب الجنان غدوة وعشية ، وفي يوم نزوله جرح أخوه تاج الملوك. وكان عماد الدين زنكي قبل ذلك قد خرج وخرب قلعة أعزاز في تاسع جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وخرب حصن كفرلاثا وأخذها من بكمش ، فإنه كان قد صار مع السلطان وقاتل تل باشر فلم يقدر عليها ، وجرت غارات من الفرنج في البلاد بحكم اختلاف العساكر. قال : ولما نزل السلطان على حلب استدعى العساكر من الجوانب فاجتمع خلق كثير وقاتلها قتالا شديدا ، وتحقق عماد الدين زنكي

١٠٩

أنه ليس له به قبل ، وكان قد ضرس من اقتراح الأمراء عليه وجبههم إياه ، فأشار إلى حسام الدين طمان أن يسفر له مع السلطان في إعادة بلاده وتسليم حلب إليه ، واستقرت القاعدة ولم يشعر أحد من الرعية ولا من العسكر حتى تم الأمر ، ثم أعلمهم وأذن لهم في تدبير أنفسهم فأنفذوا عنه عز الدين جرديك وزين الدين بلك فبقوا عنده إلى الليل واستخلفوه على العسكر وعلى أهل البلد وذلك في سابع عشر صفر ، وخرجت العساكر إلى خدمته إلى الميدان الأخضر ومقدمو حلب وخلع عليهم وطيب قلوبهم. وأقام عماد الدين بالقلعة يقضي أشغاله وينقل أقمشته وخزائنه إلى يوم الخميس ثالث عشر صفر. وفيه توفي تاج الملوك أخو السلطان من الجرح الذي كان أصابه وشق عليه أمر موته وجلس للعزاء. قلت : وكان أصغر أولاد أيوب ، ذكر ابن القادسي أن مولده سنة ست وخمسين في ذي الحجة فيكون عمره اثنتين وعشرين سنة وشيئا. وأنشد له شعرا. وقال العماد الكاتب في كتاب الخريدة إنه لم يبلغ العشرين سنة وله نظم لطيف وفهم شريف ، ثم قال القاضي أبو المحاسن [هو ابن شداد] :

وفي ذلك اليوم نزل عماد الدين إلى خدمته وعزاه وسار معه بالميدان الأخضر وتقررت بينهما قواعد ، وأنزله عنده بالخيمة وقدم له تقدمة سنية وخيلا جميلة ، وخلع على جماعة من أصحابه ، وسار عماد الدين من يومه إلى قرا حصار سائرا إلى سنجار ، وأقام السلطان بالمخيم بعد مسير عماد الدين غير مكترث بأمر حلب ولا مستعظم لشأنها إلى يوم الاثنين سابع عشري صفر ، ثم صعد في ذلك اليوم قلعة حلب مسرورا منصورا ، وعمل له حسام الدين طمان دعوة سنية ، وكان قد تخلف لأخذ ما تخلف لعماد الدين من قماش وغيره.

وقال العماد : وصل السلطان إلى حلب وفيها عماد الدين زنكي بن مودود الذي كان صاحب سنجار وقد تحصن بكثرة الأجناد والعدد وأراد مقابلة السلطان ومقاتلته ، وأراد السلطان أن يظفر بها دون ذلك من القتال وعداوة الرجال ، لكن الشباب وجهال الأصحاب راموا القتال وأحبوا النزال وتقدموا وأقدموا والسلطان ينهاهم فلا ينتهون ، وكان فيهم تاج الملوك بوري أخو السلطان فطعن في فخذه ثم مات بعد ذلك بأيام بعد فتح البلد ، وكان السلطان قد صنع ذلك اليوم وليمة لعماد الدين زنكي. وكان السلطان أول ما نزل على حلب نزل في صدر الميدان الأخضر وذلك في زمن الربيع الأنضر ، ثم رحل ونزل

١١٠

على جبل جوشن ونهى عن القتال وقال : نحن هاهنا نستغل البلاد وما علينا من الحصن الذي بلغ منه هذا العناد ، وأنفذ رسل الترهيب إليهم ففكر عماد الدين زنكي في أمره ورأى أن الصواب مصالحة السلطان ، فأنفذ سرا إليه حسام الدين طمان وصالحه وحلفه على أن يسلم إليه حلب ويرد عليه بلده سنجار ، ففعل وزاده الخابور ونصيبين والرقة وسروج واشترط عليه إرسال العسكر في الخدمة للغزاة.

وقال ابن الأثير : نزل صلاح الدين في الميدان الأخضر وأقام به عدة أيام ، ثم انتقل إلى جبل جوشن فنزل بأعلاه وأظهر أنه يريد أن يبني مساكن له ولأصحابه وعساكره ، وأقام عليها أياما والقتال بين العسكرين كل يوم ، وكان عماد الدين زنكي ومعه العسكر النوري وهم مجدون في القتال ، فلما رأى كثرة الخرج كأنه شح بالمال فحضر يوما عنده بعض أجناده وطلبوا منه شيئا فاعتذر بقلة المال عنده ، فقال له بعضهم : من يريد أن يحفظ مثل حلب يخرج الأموال ولو باع حلي نسائه ، فمال حينئذ إلى تسليم حلب وأخذ العوض منها ، وأرسل مع الأمير طمان الياروقي وكان يميل إلى صلاح الدين أنه يسلم حلب ويأخذ عوضها سنجار ونصيبين والخابور والرقة وسروج ، وجرت اليمين على ذلك وباعها بأوكس الأثمان ، أعطى حصنا مثل حلب وأخذ عوضها قرى ومزارع ، فنزل عنها ثامن عشر صفر وتسلمها صلاح الدين فعجب الناس كلهم من ذلك وقبحوا ما أتى به ، حتى إن بعض عامة حلب أحضر إجانة وماء وناداه : أنت لا يصلح لك الملك وإنما يصلح لك أن تغسل الثياب ، وأسمعوه المكروه (هو قولهم يا حمار بعت حلب بسنجار). واستقر ملك صلاح الدين بملكها وكان مزلزلا فثبت قدمه بتسليمها وكان على شفا جرف ، وإذا أراد الله أمرا فلا مرد له اه.

قال في الروضتين : وفي آخر يوم السبت ثامن عشر صفر نشر سنجق السلطان الأصفر على سور قلعة حلب وضربت له البشائر ، وفي ذلك الوقت تخفى عماد الدين وخرج من القلعة ليلا إلى المخيم وأخذ في إخراج ما كان له بالقلعة من مال وسلاح وأثاث ، وكان استناب الأمير حسام الدين طمان في القلعة حتى توافى رسله بتسليم سنجار ونصيبين والخابور إلى نوابه ، وأعطى السلطان طمان الرقة لوساطته في أمر عماد الدين ، وكان السلطان شرط أنه ما يريد من حلب إلا الحجر ، فقط ، وأذن لعماد الدين في أخذ جميع ما في القلعة وما يمكنه حمله فلم يترك عماد الدين فيها شيئا ، وباع في السوق كل ما لم يتمكن

١١١

من حمله ، وأطلق له السلطان بغالا وجمالا وخيلا برسم حمل ما يحتاج إلى حمله ، وعمل له يوم الأحد تاسع عشر صفر دعوة عظيمة في الميدان الأخضر وأحضرها جميع الأمراء ومقدمي حلب. قال : وبينما السلطان على لذته بالدعوة والأخذ والعطاء والإنعام والحباء حضر إليه من عرفه وفاة أخيه تاج الملوك بسبب الضربة التي أصابته على حلب ، فلم يتغير لذلك ولا اضطرب ولا انقطع عما كان عليه من البشاشة والفرح وبذل الإحسان ، وأمر بستر ذلك وتوعد عليه إن ظهر ، وكظم حزنه وأخفى رزيته وصبر على مصيبته ، ولم يزل على طلاقته وبشاشته إلى وقت العصر ، وفي ذلك الوقت انقضت الدعوة وتفرق الناس ، فحينئذ قام رحمه‌الله واسترجع وبكى على أخيه ، ثم أمر به فغسل وكفن وصلى عليه وأمر به فدفن بمقام إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم بظاهر حلب ، ثم حمله بعد ذلك إلى دمشق ودفنه بها. قال : وكان تاج الملوك شابا حسن الشباب مليح الأعطاف عذب العبارة حلو الفكاهة مليح الرمي بالقوس والطعن بالرمح ، وكان شجاعا باسلا مقداما على الأهوال ، وكان قد جمع إلى ذلك الكرم واليقين في الأدب ، وله ديوان شعر حسن متوسط فمنه :

يا هذه وأماني النفس قربكم

يا ليتها بلغت منكم أمانيها

إن كانت العين مذ فارقتكم نظرت

إلى سواكم فخانتها أماقيها

قال في المختار من الكواكب المضية نقلا عن الصاحب : قال بعض من كان في صحبته : دخلت إليه في صبيحة اليوم الذي جرح فيه فوجدته متكئا على جنبيه وبين يديه دواة وقد وضع ورقة بيضاء على الأرض وهو يكتب فيها ، قال : فجلست قليلا فرمى بالورقة إلى فإذا فيها

أسكان مصر لعل الزمان

علي بقربكم عائد

أما تذكرون فتى شوقه

إلى قربكم أبدا زائد

جريحا طريحا يمل الطبيب

ويسأم من سقمه العائد

محبا لكم كان يرجوكم

بآمد لا سقيت آمد

فلما تهيا لقطع الفرات

وعاوده عقله الشارد

وأصبح في حلب راجيا

زمانكم ليته عائد

رماه الزمان بأحداثه

كأن الزمان له حاسد

١١٢

قال : فقرأتها إلى أن وصلت إلى قوله رماه الزمان بأحداثه آلمني قلبي لقوله بأحداثه ، فقلت : يا مولانا أعوذ بالله من أحداث الزمان ، ولقد اشتهى المملوك أن يغير هذه اللفظة فمد القلم وكتب : رماه الزمان بريب المنون ، فتطيرت بها وانصرفت. ثم قال : كان صلاح الدين يقول : ما أخذنا حلب رخيصة بقتل تاج الملوك بوري. وبوري اسم تركي معناه بالعربية ذئب وهو أصغر أولاد أيوب ، وله ديوان شعر ، ومن نظمه في مملوك له وقد أقبل من جهة المغرب على فرس أشهب :

أقبل من أعشقه راكبا

من جانب الغرب على أشهب

فقلت : سبحانك يا ذا العلا

أشرقت الشمس من المغرب

وله :

يا حياتي حين يرضى

ومماتي حين يسخط

آه من ورد على

خديك بالمسك منقط

بين أجفانك سلطان

على ضعفي مسلط

قد تصبرت وإن برح

بي الشوق وأفرط

فلعل الدهر يوما

بتلاق منك يغلط

وله :

أيا حامل الرمح الشبيه بقده

ويا شاهرا من لحظه مرهفا عضبا

ضع الرمح واغمد ما سللت فربما

قتلت وما حاولت طعنا ولا ضربا

قال في الروضتين : ولما انقضت تعزية السلطان بأخيه خلع على الناس في اليوم الرابع وفرق في وجوه الحلبيين الأموال. وفي سادس عشري صفر ورد أصحاب عماد الدين وأحضروا العلائم بتسليم سنجار ونصيبين والخابور ، ففي ذلك اليوم تسلم قلعة حلب وأنزل منها الأمير طمان وأصحابه. ولما سلمها إلى نواب السلطان ركب عماد الدين في وجوه أصحابه وأمرائه وخرج إلى خدمة السلطان ظاهرا ، وركب السلطان إلى لقائه فاجتمعا عند مشهد الدعاء الذي بظاهر حلب من جهة الشمال ، فتسالما ولم يترجل أحد منهما لصاحبه ، ثم جاء بعد عماد الدين ولده قطب الدين فترجل للسلطان وترجل السلطان له واعتنقه ، وعادا فركبا وسار هو وأبوه في خدمة السلطان إلى المخيم بالميدان الأخضر ، فأجلس السلطان عماد الدين معه على الطراحة وقدم له تقدمة عشرين بقجة صفر فيها

١١٣

مائه ثوب من العتابي والأطلس والمعتق والممرس وغير ذلك وعشرة جلود قندس وخمس خلع خاص برسمه ورسم ولده ومائة قباء ومائة كمه وحجرتين عربيتين بأداتهما وبغلتين مسروجتين وعشرة أكاديش وخمس قطر بغال وثلاث قطر جمال عربيات وقطار بخت. ولما فرغ السلطان من عرض الهدية قدم الطعام ، فلما أصاب منه عماد الدين نهض للركوب وخرج السلطان معه وركب لوداعه وسار معه إلى قريب من بابلىّ وودعه وعاد وسار عماد الدين إلى بلاده.

قال في الروضتين : ولأبي الحسن بن الساعاتي في مدح السلطان عند إرادة فتح حلب قصيدة منها :

ما بعد لقياك للعافين من أمل

ملك الملوك وهذي دولة الدول

فانهض إلى حلب في كل سابقة

سروجها قلل تغني عن القلل

ما فتحها غير إقليد الممالك وال

داعي إليه جميع الخلق والملل

وما عصت منعة لكنه غضب

علام أهملتها إهمال مبتذل

غارت وحقك من جاراتها فشكت

ما باله فيصاصي غير محتفل

وللقاضي السعيد ابن سناء الملك من قصيدة :

بدولة الترك عزت دولة العرب

وبابن أيوب ذلت بيعة الصلب

إن العواصم كانت أي عاصمة

لنفسها بتعاليها عن الرتب

جليسة النجم في أعلى مراتبه

وطالما غاب عنها وهي لم تغب

ومانعته كمعشوق تمنعه

أحلى من الشهد أو أشهى من الضرب

فمر عنها بلا غيظ ولا حنق

وسار عنها بلا حقد ولا غضب

تطوي البلاد وأهليها كتائبه

طيا كما طوت الكتّاب للكتب

أرض الجزيرة لم تظفر ممالكها

بمالك فطن أو سائس درب

ممالك لم يدبرها مدبرها

إلا برأي خصي أو بعقل صبي

حتى أتاها صلاح الدين فانصلحت

من الفساد كما صحت من الوصب

وقد حواها وأعطى بعضها هبة

فهو الذي يهب الدنيا ولم يهب

ومذ رأت صده عن ربعها حلب

ووصله لبلاد الغير بالحلب

غارت عليه ومدت كف مفتقر

منها إليه وأبدت وجه مكتئب

١١٤

واستعطفته فوافتها عواطفه

وأكثب الصلح إذ نادته عن كثب

وحل منها بأفق غير منخفض

للصاعدين وبرج غير منقلب

فتح الفتوح بلا مين وصاحبه

ملك الملوك ومولاها بلا كذب

وقال ابن أبي طي : وكان كثير من الشعراء يحرضون السلطان على فتح حلب ، منهم أبو الفضل بن حميد الحلبي له من قصيدة :

يابن أيوب لا برحت مدى الدهر

رفيع المكان والسلطان

حلب الشام نحو مرآك ولهى

وله الصب ريع بالهجران

وقال ابن سعدان الحلبي من قصيدة :

دونك والحسناء أم للقرى

ونارها الأشهب والطود الأشم

واركب إلى العلياء كل صعبة

أبيت لعنا وخلاك كل ذم

وارم فكل الصيد في جوف الفرا

لا صارم السهم ولا نابي الحكم

مد إلى أخت السهاء زورة

لا فرق يعقبها ولا ندم

فيا لها شماء مشمخرة

تطارح البرق وساحات الديم

إيه صلاح الدين شدّ أزرها

واعزم عليها فالزمان قد عزم

ودونك المنعة من قبابها

وبابها المغلق في وجه الأمم

قال في الروضتين : وفي يوم الاثنين سابع عشر صفر ركب السلطان وصعد قلعة حلب ، وكان صعوده إليها من باب الجبيل ، وسمع وهو صاعد إلى قلعة حلب يقرأ (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) الآية ، وقال : والله ما سررت بفتح مدينة كسروري بفتح هذه المدينة ، والآن قد تبينت أنني أملك البلاد وعلمت أن ملكي قد استقر وثبت. وقال : صعدت يوما مع نور الدين رحمه‌الله تعالى إلى هذه القلعة فسمعته يقرأ (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) الآية ، قال : ولما بلغ السلطان إلى باب عماد الدين قرأ (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) ثم صار إلى المقام فصلى ركعتين ثم سجد فأطال السجود ثم خرج ودار في جميع القلعة ، ثم عاد إلى المخيم وأطلق المكوس والضرائب وسامح بأموال عظيمة ، وجلس للهناء بفتح حلب. وأنشده جماعة من الشعراء منهم يوسف البراعي له من قصيدة :

١١٥

شرفت بسامي مجدك الشهباء

وتجللتها بهجة وضياء

ألقت إليك قيادها وبها على

كل الملوك ترفع وإباء

ومنهم سعيد بن محمد الحريري له من قصيدة وتقدم بعضها :

وصبّحت شهباء العواصم مصلتا

قواضب عزم لا يفل شهيرها

فأعطيت منها غاربا فيك راغبا

وعاد يسيرا في يديك عسيرها

وأوطأت منها أخمصيك تنوفة

يعز على الشعرى العبور عبورها

ورد إليها روح عدلك روحها

وكان رميما لا يرجّى نشورها

قال : وقال والدي أبو طي النجار من قصيدة :

حلب شامة الشآم وقد زيد

ت جلالا بيوسف وجمالا

هي أس الفخار من قال أعلا

ها تعالى فخامة وتغالا

ومحل العلاء من حل فيها

تاه كبرا وعزة وجلالا

من حواها مملكا ملك الأر

ض اقتسارا سهولة وجبالا

فافترعها مهنأ بمحل

سمك الأنجم الوضاء وطالا

قال : وحدثني جماعة من الحلبيين منهم الركن بن جهبل العدل قال : كان الفقيه مجد الدين بن جهبل الشافعي الحلبي قد وقع إليه تفسير القرآن لأبي الحكم المغربي فوجد فيه عند قوله تعالى (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) الآية أن أبا الحكم قال : إن الروم يغلبون في رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ويفتح البيت المقدس ويصير دارا للإسلام إلى آخر الأبد ، واستدل على ذلك بأشياء ذكرها في كتابه ، فلما فتح السلطان حلب كتب إليه المجد بن جهبل ورقة يبشره بفتح البيت المقدس على يديه ويعيّن فيه الزمان الذي يفتحه فيه ، وأعطى الورقة للفقيه عيسى ، فلما وقف الفقيه عيسى عليها لم يتجاسر على عرضها على السلطان ، وحدث بما في الورقة لمحيي الدين بن الزكي القاضي الدمشقي ، وكان ابن زكي الدين واثقا بعقل ابن جهبل وأنه لا يقدم على هذا القول حتى يحققه ويثق به ، فعمل قصيدة مدح السلطان بها حين فتح حلب في صفر وقال فيها :

وفتحكم حلبا بالسيف في صفر

قضى لكم بافتتاح القدس في رجب

١١٦

ولما سمع السلطان ذلك تعجب من مقالته ، ثم حين فتح بيت المقدس خرج إليه المجد بن جهبل مهنئا له ففتحه وحدثه حديث الورقة فتعجب السلطان من قوله وقال : قد سبق إلى ذلك محيي الدين بن زكي الدين ، غير أني أجعل لك حظا لا يزاحمك فيه أحد ، ثم جمع له من في العسكر من الفقهاء وأهل الدين ثم أدخله إلى القدس بعدما خرج الفرنج منه وأمره أن يذكر درسا من الفقه على الصخرة ، فدخل وذكر درسا هناك وحظي بما لم يحظ به غيره.

قال ابن خلكان في ترجمة محمد بن أبي الحسن علي الملقب محيي الدين المعروف بابن زكي الدين : لما فتح السلطان صلاح الدين رحمه‌الله مدينة حلب أنشده القاضي محيي الدين المذكور قصيدة بائية أجاد فيها كل الإجادة ، وكان من جملتها بيت وهو متداول بين الناس وهو :

وفتحك القلعة الشهباء في صفر

مبشر بفتوح القدس في رجب

فكان كما قال : فإن القدس فتحت لثلاث بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة. وقيل لمحيي الدين : من أين لك هذا؟ فقال : أخذته من تفسير ابن برجان (١) ولما وقفت أنا على هذا البيت وهذه الحكاية لم أزل أتطلب تفسير ابن برجان حتى وجدته على هذه الصورة ، لكن كان هذا الفصل مكتوبا في الحاشية بخط غير الأصل ، ولا أدري هل كان من أصل الكتاب أم هو ملحق به ، وذكر له حسابا طويلا وطريقا في استخراج ذلك حتى قرره من قوله بضع سنين اه.

وقال في الروضتين : وقد رأيت أنا ذلك في كتابه ذكر في تفسير أول سورة الروم أن البيت المقدس استولت عليه الروم عام سبع وثمانين وأربعمائة ، وأشار أنه يبقى بأيديهم إلى تمام سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة. قال : ونحن في عام اثنين وعشرين وخمسمائة ، وهذا الذي ذكره أبو الحكم الأندلسي في تفسيره من عجائب ما اتفق لهذه الأمة المرحومة ، ثم ذكر ما تكلم عليه شيخه أبو الحسن علي بن محمد في تفسيره.

__________________

(١) تقدم أن الذي وقف على ذلك في تفسير ابن برجان هو الفقيه مجد الدين بن جهبل الشافعي الحلبي وكتب بذلك ورقة إلى عيسى الفقيه هذا ولم يوصلها إلى صلاح الدين ، وحدث بما فيها لمحيي الدين بن الزكي في قوله تعالى (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ).

١١٧

ذكر فتح صلاح الدين لحارم

قال ابن الأثير : لما ملك صلاح الدين حلب كان بقلعة حارم بعض المماليك النورية واسمه سرخك ، وولاه عليها الملك الصالح عماد الدين ، فامتنع من تسليمها إلى صلاح الدين فراسله صلاح الدين في التسليم وقال له : اطلب من الإقطاع ما أردت ، ووعده الإحسان ، فاشتط في الطلب وترددت الرسل بينهما ، فراسل الفرنج ليحتمي بهم فسمع من معه من الأجناد أنه يراسل الفرنج فخافوا أن يسلمها ، فوثبوا عليه وقبضوه وحبسوه وراسلوا صلاح الدين يطلبون منه الأمان والإنعام فأجابهم إلى ما طلبوا وسلموا إليه الحصن فرتب به دزدارا بعض خواصه.

قال في الروضتين : قال ابن أبي طي : كاتب الوالي بحارم الفرنج واستدعاهم إليه مطمعا لهم في الاستيلاء على حارم بشرط أن يعصموه من الملك الناصر ، وعلم الأجناد بقلعة حارم بما عزم عليه فتآمروا بينهم في القبض عليه ، وكان هذا الوالي ينزل من القلعة ويصعد إليها في أموره ولذاته ، فاتفق أنه نزل منها لبعض شأنه فوثب أهل القلعة لما خرج وأغلقوا بابها ونادوا بشعار السلطان ، وكان السلطان راسل والي حارم ، وبذل له في تسليم حارم إليه في أشياء كثيرة منها ولاية بصرى وضيعة يملكه إياها ودار العقيقي التي كان نجم الدين أيوب والد السلطان يسكنها وحمام العقيقي بدمشق وثلاثون ألف دينار عينا ولأخيه عشرة آلاف دينار ، فاشتط في السوم وتغالى في العوض ، فأنفذ إليه السلطان وتوعده وتهدده فكاتب الفرنج يطلب نجدتهم ، وقيل إن نقيب القلعة أراد أن تنفق سوقه عند السلطان ويتحصل منه شيئا فكاتب السلطان بالعمل على الوالي فكتب إليه السلطان بتتميم ذلك ووعده بأشياء سكن إليها ، وجرى الأمر على ما ذكرناه من إغلاق الباب في وجه الوالي. وقيل إن النقيب وأهل القلعة لما أغلقوا الباب في وجهه شنعوا عليه بمكاتبة الفرنج ولم يكن فعل ذلك إقامة لعذرهم وقذفوه بالحجارة ونادوا بشعار السلطان ، ولما اتصل بالسلطان هذه الأحوال أنفذ تقي الدين إلى حارم ليتسلمها فامتنع النقيب وأهل القلعة من تسليمها إليه ، فرحل السلطان إليها بنفسه جريدة ، فلما أشرف عليها نزل إليه النقيب ووجوه القلعيين وسلموها إليه في تاسع عشر صفر ، ولما حضروا عند السلطان حدثوه بكيفية الحال ، وكان بدر الدين

١١٨

حسن بن الداية حاضرا فقال للسلطان : يا مولانا لا تلتفت إلى هؤلاء فإنهم آذوا هذا الوالي وكذبوا عليه حتى فوتوه ما كان السلطان وعده به ، وما قلت هذا إلا عن تجربة ، فإنني لما كنت متوليا لهذه القلعة جرى من كذبهم في حقي وتخرصهم عليّ أمور كدت بها أهلك مع نور الدين ، وهم كانوا سبب خروجي من هذه القلعة ، وأنا أرى أن السلطان يقرهم في القلعة على هذه التجربة ، فضحك السلطان وأمر لهم بما كان وعدهم به وأفضل عليهم وولى في القلعة إبراهيم بن شروه وقال لابن الداية : إن بين أيدينا أمكنة نريد أخذها ومتى لم نف ونجزل العطاء لم يثق بنا أحد. وبات السلطان بقلعة حارم ليلتين وعاد إلى حلب في ثالث ربيع الأول ، ثم أعطى العساكر دستورا فسار كل منهم إلى بلده وأقام يقرر قواعد حلب ويدبر أمورها. ورجفت أنطاكية بعد ذلك رعبا فأرسل صاحبها جماعة من أسارى المسلمين وانقاد وسارع إلى أمان السلطان.

تقرير الملك صلاح الدين لقواعد حلب وترتيب أمورها

وتوليته عليها ولده الملك الظاهر غازي

قال في الروضتين : لما عاد صلاح الدين من حارم إلى حلب في ثالث ربيع الأول رتبها وقرر ولده الظاهر غازي سلطانا بها وقرر له في كل شهر أربعة آلاف درهم وعشرين كمة وقباء وما يحتاج إليه من الطعام وغيره ، وجعل معه واليا سيف الدين أزكش الأسدي ، وولى حسام الدين بميرك الخليفتي شحنة حلب ، وولى الديوان ناصح الدين إسماعيل بن العميد الدمشقي ودار الضرب ، فضرب الدرهم الناصري الذي سكته خاتم سليمان ، ونقل الخطابة من بني العديم إلى أبي البركات بن الخطيب هاشم بسفارة القاضي الفاضل ، وولى القضاء لمحيي الدين بن زكي الدين الدمشقي فاستناب فيه ابن عمته أبا البيان نبأ بن البانياسي ، وولى الجامع والوقوف لأبي علي بن العجمي ، وولى قلعتها سيف الدين يازكوج وأقر عين تاب على صاحبها وأعطى تل خالد وتل باشر بدر الدين دلدرم بن بهاء الدولة بن ياروق ، وأعطى قلعة عزاز علم الدين سليمان بن جندر ، وكشف السلطان عن حلب المظالم وأزال المكوس.

وفي توقيع إسقاط المكوس بحلب من كلام القاضي الفاضل عن السلطان : وانتهى إلينا أن بمدينة حلب رسوما استمرت الأيدي على تناولها والألسنة على تداولها وفيها بالرعاة

١١٩

إرفاق وبالرعايا إضرار ، ولها مقدار إلا عند من كل شيء عنده بمقدار منها ما هو في المعايش المطلوبة ، وقد رأينا بنعمة الله أن نبطلها ونضعها ونعطلها وندعها ونضرب عليها بأقلامنا ونسلك ما هو أهدى سبيلا ونقول ما هو أقوم قيلا ونكره ما كره الله ونحظر ما حظر الله ونتأجره سبحانه ، فإنه من ترك شيئا لله عوضه الله أمثاله وأربح متجره في الرعية اليوم بما يوضع عنهم من إصرها ، ولنا غدا بمشيئة الله ما يرفع من أجرها ، فعلى كافة أوليائنا والمتصرفين من قبلنا أن لا يهووا إليها يدا ولا يردوا ولو بلغ الظمأ منهم موردا ولا يثقلوا ميزان المال فتخف ميزان الأعمال ، ولا يرغبوا في كثير الحرام فإن الله يغني عنه بقليل الحلال ، وليعلم أن ذلك من الأمر المحكم والقضاء المبرم والعزم المتمم.

وفي منشور أهل الرقة بمثل ذلك : إن أشقى الأمراء من سمن كيسه وأهزل الخلق وأبعدهم من الحق من أخذ الباطل من الناس وسماه الحق. ومن ترك لله شيئا عوضه ومن أقرض الله قرضا حسنا وفاه ما أقرضه. ولما انتهى أمرنا إلى فتح الرقة أشرفنا منها على سحت يؤكل وظلم مما أمر الله به أن يقطع وأمر الظالمون أن يوصل ، فأوجبنا على أنفسنا وعلى كافة الولاة من قبلنا أن يضعوا هذه الرسوم بأسرها ، ويلقوا الرعايا من بشائر أيام ملكنا بأسرها ، ونعتق بلد الرقة من رقها. ونثبت أحكام المعدلة فيها بمحو هذه الرسوم ومحقها. وقد أمرنا بأن تسد هذه الأبواب وتعطل ، وتنسخ هذه الأسباب وتبطل ، وستمطر سحائب الخصب بالعدل وتستنزل ويعفي خبر هذه الضرائب من الدواوين ويسامح بها جميعها جميع الأغنياء والمساكين مسامحة ماضية الأحكام مستمرة الأيام دائمة الخلود خالدة الدوام تامة البلاغ بالغة التمام موصولة على الأحقاب مسنونة في الأعقاب ملعونا من يطمح إليها ناظره وتتناولها يده أو يمسك عنها اليوم على طمع لا يوصله إليه غده.

الكتب التي أرسلها السلطان صلاح الدين إلى الجهات

يعلم بها استيلاءه على حلب

قال في الروضتين : ومن كتب فاضلية [أي من إنشاء القاضي الفاضل عن لسان السلطان] : تسلمنا مدينة حلب وقلعتها بسلم وضعت بها الحرب أوزارها وبلغت بها الهمم أوطارها وعوض صاحبها بما لم يخرج عن اليد لأنه مشترط عليه به الخدمة بنفسه وعسكره ومختلط بالجملة ، فهو أحد الأولياء في مغيبه ومحضره وعوض عماد الدين عنها من بلاد الجزيرة

١٢٠