تحفة الأنفس وشعار سكّان الأندلس

علي بن عبد الرحمن بن هذيل الأندلسي

تحفة الأنفس وشعار سكّان الأندلس

المؤلف:

علي بن عبد الرحمن بن هذيل الأندلسي


المحقق: عبد الإله أحمد نبهان و محمّد فاتح صالح زغل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مركز زايد للتراث والتاريخ
المطبعة: دار البارودي للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9948-06-105-5
الصفحات: ٤٠٦

الباب الرابع

فيما يفعله الغازي

عند خروجه إلى الجهاد

٨١
٨٢

فيما يفعله الغازي عند خروجه إلى الجهاد

[س ٢٦] يبدأ بإخلاص النيّة كما تقدّم أولا ، ويعتقد الجهاد في سبيل الله وقتال من كفر بالله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السّفلى ، وليكون الدين واحدا ، ويؤكّد صلاح النيّة ونقاء الطّوية بطيب المكتسب وأكل الحلال وتجديد التّوبة من كلّ ما سبق من الذّنوب ، وإظهار التنّدم على ما فات من حقوق الله تعالى ، وتحلّل من له مظلمة في عرض أو مال أو نفس إن وجد سبيلا إلى ذلك ، وإلّا فليستغفر الله عزوجل وليعمل صالحا ما استطاع ، قال الله العظيم : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(١).

والجهاد محلّ لقاء الله سبحانه وباب الدار الآخرة.

كان أبو الدرداء (٢) رضي‌الله‌عنه يقول : يا أيّها الناس عمل صالح قبل الغزو ، فإنّما تقاتلون بأعمالكم (٣).

__________________

(١) سورة الكهف ١٨ / ١١٠.

(٢) أبو الدرداء ت ٣٢ ه‍ ـ ٦٥٢ م : عويمر بن مالك بن قيس بن أمية الأنصاري الخزرجي ، أبو الدرداء ، صحابي ، من الحكماء الفرسان القضاة. كان قبل البعثة تاجرا بالمدينة ثم انقطع للعبادة ، ولما ظهر الإسلام اشتهر بالشجاعة والنسك. ولّاه معاوية قضاء دمشق بأمر عمر بن الخطاب ، وهو أول قاض بدمشق ، وهو أحد الذين جمعوا القرآن الكريم حفظا على عهد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم). مات بالشام. عن الأعلام ٥ : ٩٨.

(٣) انظر عيون الأخبار ١ : ١٠٧ ونهاية الأرب ٦ : ١٥٩.

٨٣

وقد روي ذلك عن عمر بن الخطّاب رضي‌الله‌عنه (١).

ومن خطب بعض العلماء في مثل ذلك :

اعلموا ـ رحمكم الله ـ أنّه لا يصلح الجهاد بغير اجتهاد ، كما لا يصلح السّفر بغير زاد ، فقدّموا مجاهدة القلوب قبل مباشرة الحروب ، ومغالبة الأهواء قبل محاربة الأعداء ، وبادروا بإصلاح السرائر فإنّها من أنفس العدد والذخائر ، وادّخروا صلاح الأعمال عدّة لدفع الشدائد والأهوال ، فبالعمل الصالح يقبل الدعاء ، ويصرف البلاء ، ويأنس المؤمن في قبره [س ٢٧] ويأمن في حشره ، ثمّ يوطّن نفسه على المرتبة العليا والدّرجة العظمى وهي الشهادة ، فبذلك يبلغ منازل الشهداء ، وإن فاز بالسّلامة والغنيمة.

روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : من طلب الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء ، وإن مات على فراشه (٢). وقد تقدّم ذكر هذا الحديث في بابه.

والله تعالى يعصم المسلم من أن يخرجه الطّمع في عرض الدّنيا عن ذلك ، قال الله العظيم : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)(٣).

__________________

(١) عمر بن الخطاب ٤٠ ق. ه ـ ٢٣ ه‍ ـ ٥٨٤ ـ ٦٤٤ م : عمر بن الخطاب بن نفيل القرشيّ العدويّ أبو حفص ، ثاني الخلفاء الراشدين ، أول من لقب بأمير المؤمنين ، الصحابي الجليل الشجاع الحازم ، صاحب الفتوحات ، يضرب بعدله المثل ، كان في الجاهلية من أبطال قريش وأشرافهم. أسلم قبل الهجرة بخمس سنين وشهد الوقائع. بويع بالخلافة يوم وفاة أبي بكر سنة ١٣ ه‍. قتله أبو لؤلؤة فيروز الفارسي غيلة بخنجر في خاصرته وهو في صلاة الصبح.

الإصابة ٤ : ٢٧٩ برقم ٥٧٣١ والأعلام ٥ : ٤٥.

(٢) تقدم ذكره. وهو في الترمذي ٤ : ١٨٣ برقم : ١٦٥٣ بلفظ : من سأل وكذلك في صحيح مسلم.

(٣) الأنفال ٨ / ٦٧.

٨٤

روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ندب إلى قتل يهودي فقال له رجل : يا رسول الله ، إن قتلته إلي حماره؟ وكان عليه‌السلام إذا سئل شيئا لا يقول فيه [م ١٤] لا ، فقال له : نعم. فذهب الرجل فقتله اليهوديّ ، فقيل : طوبى له ، قتل في سبيل الله. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بل في سبيل الحمار(١).

ونعيذ المسلم بالله أن يقاتل حبّا للمحمدة في الدنيا أو ليقال : شجاع أو بطل ، أو يكون غضبا لغير الله ، أو عصبيّة وحميّة في غير سبيل الله.

فقد روي أنّ الرجل ليوقف بين يدي الله عزوجل يوم القيامة فيقول له : ما ذا عملت فيما علمت؟ فيقول : أي ربّ ، قاتلت فيك حتّى قتلت. فيقول له : كذبت ، بل فعلت ذلك ليقال فقد قيل. اذهبوا به إلى النار (٢) ، أو كما ورد في الحديث.

بل يجب أن يكون جهاد المسلم وقتاله لإعزاز دين الله تعالى ونصر كلمته [س ٢٨] وحماية الإسلام والذبّ عن المسلمين ابتغاء وجه الله عزوجل.

قال رجل لعبادة بن الصّامت (٣) : أقاتل بسيفي في سبيل الله أريد وجه الله ومحمدة المسلمين فقال : لا شيء لك ، فأعاد عليه ثلاث مرّات ، وفي كلّ ذلك يقول : لا شيء لك ، ثمّ قال في الثالثة : إنّ الله عزوجل يقول :

__________________

(١) لم نقع على هذا الحديث.

(٢) الحديث في مسلم : كتاب الإمارة برقم : ٣٥٢٧ وفي النسائي : الجهاد برقم ٣٠٨٦ ومسند أحمد : باقي مسند المكثرين برقم : ٧٩٢٨.

(٣) عبادة بن الصامت ٣٨ ق. ه ـ ٣٤ ه‍ ـ ٥٨٦ ـ ٦٥٤ م : عبادة بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي ، أبو الوليد ، صحابي ، من الموصوفين بالورع ، شهد العقبة ، وكان أحد النقباء ، وبدرا وسائر المشاهد ، ثم حضر فتح مصر ، وهو أوّل من ولي القضاء بفلسطين ، ومات بالرملة أو بيت المقدس. وكان من سادات الصحابة. عن الأعلام ٣ : ٢٥٨.

٨٥

أنا أغنى الشركاء عن الشّرك ، من عمل عملا فأشرك معي شريكا تركت نصيبي لشريكي(١).

وحكى الله سبحانه عمّن رضي عنه من المؤمنين في إخلاص العمل قولهم : (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً)(٢) وفي حديث عبد الله بن عمر حين سأل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يا عبد الله بن عمر ، على أيّ حال قاتلت بعثك الله على تلك الحال (٣).

ومن حديث أبي هريرة في غزوة أحد حين سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس يقولون : فلان أجرأ وفلان كذا فقال : إنهم قاتلوا على قدر ما قسم الله لهم من العقل. وفيه : فإذا كان يوم القيامة اقتسموا المنازل على قدر نيّاتهم وعلى قدر عقولهم.

وقد خرجنا بذكر هذا كلّه عمّا تضّمنه هذا الباب لكنّ الكلام متعلّق بعضه ببعض والمسائل تتداخل فيضطرّ لذكرها للاستشهاد بها ولتكميل الفائدة وتتميم المعنى.

ويجب على المسافر أن يتحرّى أداء أمانة إن كانت عنده وقضاء دين إن كان عليه وحلّ أجله ، وأن لا يخرج إلّا بإذن ربّ الدّين فإنّ له منعه من

__________________

(١) صحيح مسلم : كتاب الزهد والرقائق. برقم : ٥٣٠٠ قال عليه‌السلام : قال الله تبارك وتعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك. من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه. وذكره ابن ماجة في كتاب الزهد برقم : ٤١٩٢ و ٤١٩٣.

(٢) سورة الإنسان ٧٦ / ٩.

(٣) انظر سنن أبي داود : كتاب الجهاد برقم : ٢١٥٧ وهو جزء من الحديث.

٨٦

الخروج ، وإن كان لم يحلّ [س ٢٩] أجله لم يمنعه فإن قدّر حلوله في سفره فلربّ الدّين أن يوكّل من يقبضه حيث حلّ أجله ويمنعه من وجهته ، فإن كان معسرا لا يقدر على القضاء فله الخروج بغير إذن ربّ الدّين (١).

وروي أن الشهيد يغفر له كلّ شيء إلا الدّين (٢). وقد تقدّم القول في ذكر الأبوين والسيّد في عبده.

ومن السنّة أن يأتي إخوانه يسّلم عليهم ويستدعي دعاءهم تبرّكا بهم ويرتجي بذلك خيرا ، وعليهم إذا قدم أن يأتوه ، ثم له الخروج بنفسه وماله وهو الأفضل ، ويجوز بجعالة من متطوّع بها أو معونة يرفده بها من يبتغي الشّركة في الأجر ، وللمسترزق الخروج بمال من بيت مال المسلمين ، ثم عند العزم فليستعن بالله [م ١٥] تعالى فهو خير معين ، وليركع ركعتين عند خروجه.

روي عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه أنّه قال : من صلّى ركعتين تطوّعا حين يخرج غازيا في سبيل الله فهلك في وجهته تلك ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه ، وكتب الله له عدد شعر رأسه وسائر جسده حسنات.

__________________

(١) انظر تفصيل الأحكام في هذا الأمر في شرح السير الكبير ٤ : ١٤٤٨ وما بعدها.

(٢) في شرح السير الكبير ٤ : ١٤٥٠ ، الفقرة ٢٨٠٨ : واستدل على أن المقام (عدم الخروج) أفضل له بما قاله النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) في القتل في سبيل الله إنه كفارة ثم قال : إلا الدين فإنه مأخوذ به.

وانظر تفصيل الحكم في ذلك الموضع المشار إليه.

٨٧

وإنّ كان الجهاد في أهل بغي أو ضلالة أو لصوص وقطعة طريق ومخيفي سبيل فينوي في ذلك طاعة الله سبحانه في تأمين السّبل وردع الباغي وقمع الضّال ، وجمع الكلمة ، والحضّ على الألفة ، واستدعاء النّافر ، واستنزال الشارد وردّ الخارج إلى السنّة ، والمفسد إلى الإصلاح.

وعند ما يضع رجله في ركابه ، أو يقدّم الراجل قدمه للخروج فليقل : بسم الله ، اللهم يسّر [س ٣٠] لنا في سفرنا هذا التّقوى ، ومن العمل ما ترضى ، اللهمّ ازو لنا الأرض ، وهون علينا السّفر ، واطو لنا بعيده ، اللهمّ أنت الصاحب في السّفر ، والخليفة في الأهل ، اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال (١).

فإذا استوى الفارس على ظهر فرسه أو الرّاكب على دابّته فليقل : (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ)(٢) فقد فعل ذلك كلّه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) قال الإمام النووي في كتابه الأذكار : ١٩٨ روينا في صحيح مسلم في كتاب المناسك عن عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفره كبّر ثلاثا ثم قال : «سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون» اللهم إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتقوى ، ومن العمل ما ترضى ، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا واطو عنّا بعده ، اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل. وإذا رجع قالهنّ وزاد فيهن : آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون. عن صحيح مسلم : باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره ..

(٢) سورة الزخرف ٤٣ / ١٣.

٨٨

وأحسن الخروج إلى الغزو يوم الخميس [كان ذلك من فعله عليه‌السلام (١) ، روي عن كعب بن مالك (٢) أنّه قال : لقلّما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس ، فكان يخرج يوم الخميس] باكرا ويصلّي ركعتين عند ذلك ، وقد تقدّم حديث ابن عباس في ثواب الركعتين. وكان يرجع يوم الاثنين باكرا فيصلّي ركعتين في المسجد ، ثمّ يحدّث أصحابه ساعة ، ثم يدخل.

__________________

(١) جاء في كتاب عيون الأخبار ١ : ١٢٢ «قال : حدثني محمد بن عبيد قال : حدثنا يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري قال : كان أحبّ الأيام إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) أن يعقد فيه رايته يوم الخميس ، وكان أحب إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) أن يسافر فيه يوم الخميس»

وقال السرخسي في شرح السير الكبير ١ : الخروج في سائر الأيام جائز من غير كراهة .. والخروج في رمضان جائز. وقد رد السرخسي بقوله هذا على من قال إنه ينبغي اختيار الخميس والسبت اعتمادا على ما روي «اللهم بارك لأمتي في بكورها سبتها وخميسها» شرح السير الكبير ١ : ٦٥.

(٢) كعب بن مالك ت ٥٠ ه‍ ـ ٦٧٠ م : كعب بن مالك بن عمرو بن القين الأنصاري السّلمي الخزرجي ، صحابي ، من أكابر الشعراء ، من أهل المدينة ، اشتهر في الجاهلية ، وكان في الإسلام من شعراء النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم). شهد أكثر الوقائع ثم كان من أصحاب عثمان ، وأنجده يوم الثورة وحرّض الأنصار على نصرته ، عمي في آخر عمره وعاش سبعا وسبعين سنة. الإصابة ٥ : ٣٠٨ برقم : ٧٤٢٧ والأعلام ٥ : ٢٢٨.

٨٩
٩٠

الباب الخامس

في مشاركة الغازي

ومعاونته وتجهيزه

٩١
٩٢

في مشاركة الغازي ومعاونته وتجهيزه

روى زيد بن خالد (١) أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : من جهّز غازيا في سبيل الله فقد غزا (٢).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص (٣) أنّه قال : ما من عبد يناول أخاه شيئا فينتفع به في غزو إلا [س ٣١] كان له حصنا حصينا من جهنّم بعيدا.

وعن عمر بن الخطّاب رضي‌الله‌عنه أنّه قال : سمعت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول : من أظلّ رأس غاز أظلّه الله في ظلّه يوم القيامة ، ومن جهّز

__________________

(١) زيد بن خالد (ت ٧٨ ه‍ ـ ٦٩٧ م) : زيد بن خالد الجهني المدني ، صحابي ، شهد الحديبية ، وكان معه لواء جهينة يوم الفتح ، له ٨١ حديثا ، توفي في المدينة عن ٨٥ سنة. الإصابة ٣ : ٢٧ برقم : ٢٨٨٩ والأعلام ٣ : ٥٨.

(٢) وتتمته : ومن خلفه في أهله فقد غزا. انظر جواهر البحار ٢ : ٧١٦ برقم : ١٤٤٧ والبخاري ٦ : ٣٨٩ : ٣٩٠ ومسلم ١٣ : ٣٩ ـ ٤ والترمذي ١٤٩٣.

(٣) عبد الله بن عمرو بن العاص ٧ ق. ه ـ ٦٥ ه‍ ـ ٦١٦ ـ ٦٨٤ م : من قريش ، صحابي ، من النساك ، من أهل مكة ، كان يكتب في الجاهلية ويحسن السريانية ، وأسلم قبل أبيه فاستأذن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) في أن يكتب ما يسمع منه فأذن به ، وكان كثير العبادة ، حتى قال له النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : إن لجسدك عليك حقا ، وإن لعينيك عليك حقا ، وكان يشهد الحروب والغزوات ويضرب بسيفين ، وحمل راية أبيه يوم اليرموك ، وشهد صفين مع معاوية ، وولاه معاوية الكوفة مدة قصيرة ، ولما ولي يزيد امتنع عبد الله من بيعته وانزوى ـ في إحدى الروايات بجهة عسقلان ـ منقطعا للعبادة ، وعمي في آخر حياته. واختلف في مكان وفاته. الإصابة ٤ : ١١١ برقم ٤٨٣٨ والأعلام ٤ : ١١١.

٩٣

غازيا حتى يستقلّ كان له مثل أجره حتى يموت أو يرجع .. الحديث (١).

وعن محمد بن كعب القرظي (٢) عن كعب أنّه قال : من سقى غازيا شربة من ماء سقاه الله من الرّحيق المختوم يوم القيامة ، ومن احتشّ لدابّة غاز في سبيل الله أعطاه الله كتابه بيمينه.

وعن عليّ بن أبي / [م ١٧] طالب رضي‌الله‌عنه أنه قال : من سقى لغاز فرسا أو حسّه أو جلّله أو مسح خدّه أو قام إليه بمخلاته فتحت له ثمانية أبواب الجنة ، فيقال له : ادخل من أيّها شئت.

وروي أنّ ابن عمر أخرج شيئا ليعطيه الغزاة فأبوا أخذه ، وكان فيهم عامر بن عبد الله بن الزبير (٣) فقال : ما أنت بالّذي ينفس عليه بالجنّة ، بل نأخذه فإن احتجنا إليه أنفقناه ، وإن استغنينا عنه وجّهناه وجهه ، فأخذ وأخذ القوم ، فشكر له ذلك ابن عمر.

__________________

(١) الحديث في كتاب الجهاد لابن أبي عاصم ١ : ٢٩٧ برقم : ٩٢ قال محققه : أخرجه أحمد في المسند ١ : ٢٠ وابن ماجة في سننه : كتاب الجهاد : من جهز غازيا ٢ : ٩٢١ برقم : ٢٧٥٨ والحاكم في المستدرك ٢ : ٨٩ والبيهقي في السنن الكبرى ٩ : ١٧٢ وأبو يعلى في مسنده ١ : ٢١٧ : ٢٥٣ ومعنى قوله : حتى يستقل أي حتى يقدر على الغزو ولا يبقى محتاجا إلى شيء من آلاته وأسبابه عن حاشية السندي على سنن ابن ماجة ٢ : ١٧٢. وانظر تفصيل التخريج في كتاب الجهاد في الموضع المذكور أعلاه.

(٢) محمد بن كعب القرظي ت ١٠٨ ه‍ : حليف الأنصار ، تابعيّ مشهور ، أبوه من بني قريظة وأمه من بني النضير وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة ـ الإصابة ٦ : ١٩٧ برقم : ٨٥٣٠.

(٣) ورد ذكر عامر بن عبد الله بن الزبير عرضا في طبقات ابن سعد ٥ : ١٨٣ ولم يذكر في نسب قريش وإنما فيه : عامر بن حمزة بن عبد الله بن الزبير وكان من سروات آل الزبير وجلدائهم في العقل والبيان ، أنظر نسب قريش ٢٤١ ولم يذكر لعبد الله بن الزبير ولدا باسم عامر.

٩٤

وروي أنّ عبد الله بن رواحة (١) قال : لأن أشيّع رفقة غادية في سبيل الله أورائحة حتّى أبلغ معهم منزلهم ، وأردّ عليهم دوابّهم وأنفض أحلاسهم أحبّ إليّ من أجر حجّة أو عمرة.

وعن عمر بن الخطّاب رضي‌الله‌عنه أنّه قال : من صحب رفقة غزاة فخفّ لهم في كفّ دوابّهم ونفض أحلاسهم فله من الأجر في كلّ يوم وليلة / [س ٣٢] أفضل من حجة مبرورة.

وعن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنه أنّه قال : أدنى ما ينقلب به مشيّع الغازي في سبيل الله سبعون ضعفا أدناها مغفرة تجمع بينه وبين إبراهيم خليل الرحمن في مقعد صدق. فقيل : ما للغازين؟ قال : هيهات هيهات ، انقطع العلم عند ثواب الله تعالى لهم (٢).

وعن سحنون (٣) عن ابن وهب (٤) قال : أخبرني مسلمة بن عليّ

__________________

(١) عبد الله بن رواحة ت ٨ ه‍ ـ ٦٢٩ م : عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري ، من الخزرج ، أبو محمد ، صحابي ، يعد من الأمراء والشعراء الراجزين ، كان يكتب في الجاهلية ، وشهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية ، واستخلفه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) على المدينة في إحدى غزواته وصحبه في عمرة القضاء ، وله فيها رجز ، وكان أحد الأمراء في وقعة مؤتة (بأدنى البلقاء من أرض الشام) فاستشهد فيها. عن الأعلام ٤ : ٨٦.

(٢) ابن ماجة. كتاب الجهاد. باب تشييع الغزاة.

(٣) سحنون ١٦٠ ـ ٢٤٠ ه‍ ـ ٧٧٧ ـ ٨٥٤ م : عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي الملقب بسحنون ، قاض فقيه ، انتهت إليه رئاسة العلم في المغرب ، كان زاهدا لا يهاب سلطانا في حق يقوله ، أصله شامي ، من حمص ، ومولده في القيروان ، ولي القضاء بها سنة ٢٣٤ واستمر إلى أن مات أخباره كثيرة جدا وكان رفيع القدر ، عفيفا ، أبيّ النفس ، روى المدوّنة في فروع المالكية عن عبد الرحمن بن قاسم عن الإمام مالك ، عن الأعلام ٤ : ٥.

(٤) ابن وهب ١٢٥ ـ ١٩٧ ـ ٧٤٣ ـ ٨١٣ م : عبد الله بن وهب بن مسلم الفهري بالولاء ، المصري ، أبو محمد ، فقيه من الأئمة من أصحاب الإمام مالك ، جمع بين الفقه والحديث والعبادة ، وله كتب منها : الجامع في الحديث والموطأ في الحديث وكان ثقة حافظا مجتهدا. مولده ووفاته بمصر ـ عن الأعلام ٤ : ١٤٤.

٩٥

الخشنّي عن مروان بن سالم يرفعه قال : صافحوا الغزاة في سبيل الله ، فإنّه من صافح غازيا في سبيل الله خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه.

وقال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ. من سلّم على مجاهد سلّمت الحور العين عليه ، ومن أعان المجاهد بكلمة أو زوّده بتمرة وضع الله البركة في ماله ، وحرّم جسده على النار

وقال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ. من أعطى مجاهدا رمحا أو ترسا أعانه بها ، يجيء يوم القيامة وأجنحة الملائكة تحفّه والملائكة ترعاه ، فإذا مرّ على جهنّم لم يعلم بمروره عليها ، ولا ارتاع من مهول منظرها.

قال ابن حبيب : وجاءت الرغائب فيمن أنفق في السبيل أو أعان بماله. وقال : نفقة الخارج أفضل.

قال زيد بن أسلم (١) : نفقة الخارجين [في سبيل الله (٢)](كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ، وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ)(٣).

قال ابن حبيب : ومن أعطى الغازي شيئا من غير مسألة ، فأكثر العلماء لا يرون بأخذه بأسا.

__________________

(١) زيد بن أسلم ت ١٣٦ ه‍ ـ ٧٥٣ م : زيد بن أسلم العدوي العمري ، مولاهم ، أبو أسامة أو أبو عبد الله ، فقيه مفسر من أهل المدينة ، كان مع عمر بن عبد العزيز أيام خلافته ، واستقدمه الوليد ابن يزيد في جماعة من فقهاء المدينة إلى دمشق مستفتيا في أمر ، وكان ثقة كثير الحديث ، له حلقة في المسجد النبوي ، وله كتاب في التفسير رواه عنه ولده عبد الرحمن. عن الأعلام ٣ : ٥٦.

(٢) عبارة (في سبيل الله) ساقطة من س.

(٣) عبارة (والله يضاعف لمن يشاء) ساقط من س والآية من سورة البقرة ٢ : ٢٦١.

٩٦

فإن احتاج إليه أنفقه وإلّا فرّقه في السبيل وقد تقدّم فعل / [س ٣٣] عامر مع ابن عمر وقوله له رضي‌الله‌عنهما.

٩٧
٩٨

الباب السادس

فيما يجب على الأمير

أن يفعله في السّفر

٩٩
١٠٠