تحفة الأنفس وشعار سكّان الأندلس

علي بن عبد الرحمن بن هذيل الأندلسي

تحفة الأنفس وشعار سكّان الأندلس

المؤلف:

علي بن عبد الرحمن بن هذيل الأندلسي


المحقق: عبد الإله أحمد نبهان و محمّد فاتح صالح زغل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مركز زايد للتراث والتاريخ
المطبعة: دار البارودي للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9948-06-105-5
الصفحات: ٤٠٦

في الفروسية والتجنّد

قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله ، كلّما سمع هيعة أو فزعة طار على متنه يبتغي الموت مظانّه (١).

وقال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ طوبى لعبد آخذ بعنان [س ١٠٠] فرسه في سبيل الله ، أشعث رأسه مغبرّة قدماه ، إن كان في الحراسة كان في الحراسة ، وإن كان في السّاقة كان في السّاقة ، وإن استأذن لم يؤذن له ، وإن شفع لم يشفّع (٢).

وقال عليه‌السلام : [م ٧٤] ارموا واركبوا (٣).

وعرضت عليه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الخيل وعنده عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاريّ (٤) فقال عليه‌السلام لعيينة : أنا أفرس بالخيل منك (٥).

وقال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لو أنّ هذه الأمة انتهت عند ما أمرت لأكلوا غير زارعين لأنّ الله تعالى جعل أرزاقها في سنابك خيلها وأسنّة رماحها.

__________________

(١) ورد الحديث في عين الأدب والسياسة ٨٩٢ نقلا عن تحفة الأنفس. وهو في البخاري ومسلم وابن ماجة وغيرها

(٢) الحديث في عين الأدب والسياسة ٢٩٨.

(٣) ارموا واركبوا : في الجامع الصغير ١ : ٣٩ ارموا واركبوا وأن ترموا أحبّ إليّ من أن تركبوا. كل شيء يلهو به الرجل باطل إلا رمي الرجل بقوسه أو تأديبه فرسه أو ملاعبته امرأته فإنهن من الحق. ومن ترك الرمي بعدما علمه فقد كفر الذي علمه ... عن أحمد والترمذي والبيهقي في شعب الإيمان عن عقبة بن عامر .. وانظر شرح السير الكبير ١ : ١١٣ والعقد ١ : ١٨٩ وعين الأدب : ٢٩٨.

(٤) عينية بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري أبو مالك. أسلم قبل الفتح وشهد فتح مكة وحنينا والطائف. كان من المؤلفة قلوبهم ، ارتد في عهد أبي بكر ، ثم عاد إلى الإسلام وكان فيه جفاء سكان البوادي. سماه الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بالأحمق المطاع ، يعني في قومه ، وعاش إلى خلافة ـ

(٥) عين الأدب : ٢٩٨. ـ

٣٠١

وقال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ جعل رزقي تحت ظلّ رمحي ، وجعل الصّغار والذلّة على من خالف أمري (١).

وكتب عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه إلى أهل حمص :

علّموا أولادكم السّباحة والرماية والفروسية واخشوشنوا ، وانزوا على الخيل نزوا (٢).

ويروي عنه أنّه قال : لن تزالوا أصحّاء ما نزعتم ونزوتم. يعني نزعتم بالقسيّ ونزوتم على ظهور الخيل (٣).

وقال أسلم مولاه : رأيت عمر يمسك بأذن نفسه ثم يمسك بأذن فرسه فينزو عليه(٤).

__________________

ـ عثمان وله ذكر في شعر النابغة الذبياني ـ الإصابة ٥ : ٥٥ برقم : ٦١٤٦ وخزانة الأدب ١ : ٧٣ ، ٧٤ وقد أعطاه الرسول مئة من الابل انظر الخبر في السيرة النبوية ٢ : ٩٣٠.

(١) في فيض القدير ٥ : ٢٥٩٤ برقم ٣١٥٢ بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له. وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم. عن ابن عمر قال محققه وهو في المسند ٢ : ٥٠ وأبو يعلى في مسنده ٤ : ٥٢٨ كنز. وأبو نعيم في تاريخ أصبهان ٢٩ والديلمي في الفردوس ٢ : ١٩٢١ والبيهقي في شعب الإيمان ٢ : ١١٩٩ وأخرجه الطبراني في الكبير ٥ : ٢٦٧ عن ابن عمر وصححه الألباني في صحيح الجامع ١ : ٢٨٣١. وعين الأدب : ٢٩٨.

(٢) خبر نزو عمر على الخيل في عيون الأخبار ١ : ١٣٣ وفي شرح السير الكبير ١ : ١١٣ وذكر عن عمر رضي‌الله‌عنه أنه قال : علموا أولادكم السباحة والفروسية ومروهم بالاحتفاء بين الأغراض. وفي العقد ١ : ١٩٠ ائتزروا وارتدوا وانتعلوا واحتفوا وارموا الأغراض وألقوا الرّكب ، وانزوا على الخيل نزوا ، وعليكم بالمعدّية أو قال : بالعربية ودعوا التنعم وزيّ العجم.

وانظر عيون الأخبار ١ : ١٣٢. وعين الأدب : ٢٩٨.

(٣) العقد الفريد ١ : ٩٠ وفيه : لن تخور قواكم ما نزوتم ونزعتم يعني : نزوتم على ظهور الخيل ونزعتم بالقسي. وانظر عيون الأخبار ١ : ١٣٢. وعين الأدب : ٢٩٨.

(٤) الخبر في عيون الأخبار ١ : ١٣٣ وفيه : كان عمر بن الخطاب يأخذ بيده اليمنى أذنه (أي أذن فرسه) اليمنى وبيده اليسرى أذن فرسه اليسرى ثم يجمع جراميزه ويثب فكأنما خلق على ظهر فرسه. وانظر عين الأدب : ٢٩٩.

٣٠٢

وكان يقال قديما : العزّ في صدور الصفوف (١).

وقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الجنة تحت ظلال السيوف (٢).

والفروسيّة أفضل مدارجها ، وأكرم معارجها ، وارتباط الجياد أعزّ اعتدادا وأقوى لذلك استنجادا ، فبها تشنّ الغارات وتدرك الثارات ، فيجب على الفارس أن يشمّر عن ساعد الجدّ والعزم / [س ١٠١] ويكشف عن ساق الحذر والحزم فيأخذ نفسه في كل حين بالاستعداد والتأهّب للجهاد ، وينظر قول من عرف الحرب وباشر فيها الطعن والضرب فقال:

وأعددت للحرب أوزارها

رماحا طوالا وخيلا ذكورا

قال بعض السّلف :

غزا المسلمون أرض الرّوم فمرّ فارس منهم إلى جانب صومعة راهب ، فقال الراهب : يا صاحب الفرس أمن المتطوّعة أنت أم من أهل الديوان؟

قال : بل من المتطوّعة.

قال له : ومالك والديوان؟! فإنّا نجدهم في بعض كتبنا أنّهم عدّة الله في الأرض.

عن ابن عبّاس أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : إنّ مثل الذين يغزون من أمّتي ويأخذون الجعل وينفقونه على عدوّهم كمثل أمّ موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها (٣).

__________________

(١) عين الأدب : ٢٩٩.

(٢) الحديث في كتاب أمثال الحديث للرامهرمزي ١١٨ برقم ٨١ قال : وهذا حث منه على الجهاد ومعناه أن حامل سيفه في سبيل الله مطيعا لله به يصل إلى الجنة. وهو في فيض القدير برقم : ٣٦٤٣ وثمة تخريجه مفصلا في الحاشية وانظر عين الأدب : ٢٩٩.

(٣) الحديث بسنده في عيون الأخبار ١ : ١٣٤.

٣٠٣

قال ابن محيريز (١) : أصحاب العطاء أفضل من المتطوّعة لما يروعون.

وقال مكحول : روعات البعوث تقي روعات يوم القيامة (٢).

قال الطرطوشيّ ـ رحمه‌الله ـ (٣)

اعلم أنّ الجند هم عدد الملك وحصونه ومعاقله وأوتاده ، وهم حماة البيضة والذابّون عن الحوزة ، والدّافعون عن العورة ، وهم جنن الثغور وحرّاس الأرض والعدّة للحوادث ، وأمداد المسلمين والحدّ الذي يلقى العدوّ ، والشّوكة عليه ، والسهم الذي يرمى به ، والسلاح المدفوع في نحره ، وبهم يذبّ عن الحريم ، ويؤمن السبيل ، وتسدّ الثغور.

قال أبو ذرّ الخشني (٤) :

بقاء الدّين والدّنيا جميعا

بكلّ مقاتل ثبت الجنان [س ١٠٢] [م ٧٥]

إذا شهدوا الحروب رأيت أسدا

تهشّ كرامة نحو الطّعان

هم بيض وفي الأيمان بيض

فما تدري من السيف اليماني (٥)

وللإمام إعطاء جنده من بيت المال على ما يراه من النظر ، وبحسب ما عند الرجل من المنّة والغناء والإبلاء. قال الإمام أبو محمد بن حزم (٦) ـ

__________________

(١) ابن محيريز : عبد الله بن محيريز ت ٩٩ ه‍ وفي سنة وفاته خلاف ، وقد روى عن عدد من الصحابة انظر تهذيب التهذيب ٣ : ٢٥١ برقم : ٤١٧٦. والخبر في عين الأدب : ٢٩٩.

(٢) انظر عين الأدب : ٢٩٩.

(٣) النص في سراج الملوك ٢ : ٤٩٢.

(٤) أبو ذر الخشني ت ٦٠٤ ه‍ ـ ١٢٠٨ م : مصعب بن محمد بن مسعود الخشني الجياني الأندلسي ، أبو ذر ، ويعرف كأبيه بابن أبي الركب قاض من العلماء بالحديث والسير والنحو.

وله شعر. أصله من مدينة جيان ، ولد ونشأ فيها وتحوّل في العدوة والأندلس ، وولي القضاء في جيّان في أيام المنصور ، واستقر بفاس وتوفي فيها. عن الأعلام ٧ : ٢٤٩.

(٥) الأبيات في عين الأدب : ٣٠٠.

(٦) أبو محمد بن حزم ٣٨٤ ـ ٤٥٦ ه‍ ـ ٩٩٤ ـ ١٠٦٤ م : علي بن أحمد بن سعيد بن حزم ـ

٣٠٤

رحمه‌الله ـ يرزق الإمام جندا يكونون حواليه في موضع سكناه وفي الثغور التي لا يستقلّ أهلها بأنفسهم على عدوّهم ، يقوى بهم على دفاع من أراد الفساد أو عند إنفاذ الحقّ عليه ، ولا يكون ذلك الجند إلّا من خيار الناس وأهل الدين والحظّ الصالح من العلم من أهل الجد ومن ذوي الأحساب الذين يأنفون من الفرار ، ويكون فيهم العدد الصالح من أبناء المهاجرين والأنصار ـ رضي‌الله‌عنهم ـ فهم أحقّ الناس بالبرّ والرّفعة وبالدّفع عن الدّين وعن الخلافة ، ويكون فيهم أيضا من جميع قبائل العرب ، وقطعة من أبناء من أسلم من العجم من أهل الدين والعلم أيضا ، فواحد من ذوي البصائر ممّن يقاتل ديانة وحفيظة خير وأغنى في الحوزة من ألف لا يقاتلون إلا طمعا ، وقد تقدّم قبل ذكر رتبهم ونظارهم ليدفع ببعضهم تعصّب سائرهم وتزاح عللهم في السلاح الكامل المنتخب والخيل الفرّه والجنائب المعدّة ، والزوامل لما لا بدّ منه. ويطرح ما أمكن أن يستغنى عنه من آلات أهل السّرف. ويأمر الإمام نظّارهم بتعاهدهم بإقامة الصلوات والسؤال عن الدين واجتناب [س ١٠٣] الفواحش ، ولا يكون شغلهم إلا هذا والتدرب في العمل بالسلاح وعلى الخيل والمسابقة بها وعلى الإقدام ، ولا يكن فيهم ذمّيّ أصلا ولا من لا يدري فرائض الإسلام ولا رقيع ولا خليع ولا كثير الشّغب بطول لسانه ، فليبعد أهل هذه الصّفة وليوقعوا تحت الرّقبة الشديدة. فمن مات من الجند أو قتل أجري على

__________________

ـ الظاهري أبو محمد ، عالم الأندلس في عصره وأحد أئمة الإسلام ، ولد بقرطبة وكانت له ولأبيه من قبله الوزارة وتدبير المملكة ، فزهد فيها وانصرف إلى العلم والتأليف فكان من صدور الباحثين فقيها حافظا يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة بعيدا عن المصانعة ، وانتقد كثيرا من العلماء والفقهاء ، فتمالؤوا على بغضه وأجمعوا على تضليله ، وحذروا سلاطينهم من فتنته ، ونهوا عوامهم على الدنو منه ، فأقصته الملوك وطاردته ، فرحل إلى بادية ، (لبلة) من بلاد الأندلس فتوفي فيها وله مصنفات كثيرة. عن الأعلام ٤ : ٢٥٤.

٣٠٥

مخلّفيهم ما يسعهم ولا يضيعون معه فإنهم ماتوا في خدمة المسلمين ، وقد قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «من ترك كلّا أو ضياعا فإليّ أو عليّ» ومن شاخ منهم أو زمن أجري عليه ما يقوم به وبعياله على السّعة ، وحذف له ما كان يجري عليه من أجل فرسه وسلاحه ومؤونة سفره.

وعلى الجند مع ذلك الجدّ عند اللقاء والصبر عند البلاء ، فإن كانت لهم الغلبة فليمعنوا في الطّلب ، وإن تكن عليهم فليقصروا الأعنّة وليجمعوا الأسنّة وليذكروا أخبار غد.

قال عبد الله بن عباس لصعصعة بن صوحان (١) : من الفارس فيكم؟ حدّ لي حدّا أسمعه منك فإنك تضع الأشياء مواضعها يا بن صوحان.

قال : الفارس من قصر أجله في نفسه ، وضغم على أصله بضرسه ، وكانت الحرب أهون عليه من أمسه ، ذلك الفارس إذا وقدت الحرب ، واشتدّ بالأنفس الكرب وتداعوا للنّزال وتراجعوا للقتال وتخالسوا المهج واقتحموا بالسيوف اللّجج.

قال : أحسنت والله يا بن صوحان ، إنّك لسليل أقوام كرام خطباء فصحاء ما ورثت هذا عن كلالة. زدني.

قال : نعم ، الفارس كثير الحذر مديد النّظر [م ٧٦] يلتفت بقلبه ولا يدير خرزات صلبه.

__________________

(١) صعصعة بن صوحان ت ٥٦ ه‍ ـ ٦٧٦ م : صعصعة بن صوحان بن حجر بن الحارث العبدي ، من سادات عبد القيس ، من أهل الكوفة ، مولده في دارين قرب القطيف ، كان خطيبا بليغا عاقلا ، له شعر ، شهد صفين مع عليّ ، وله مع معاوية مواقف. نفاه المغيرة من الكوفة إلى جزيرة أوال في البحرين فمات فيها عن نحو سبعين عاما. عن الأعلام.

٣٠٦

قال : [س ١٠٤] أحسنت والله يا بن صوحان الوصف. فهل في مثل هذه الصفة من شعر؟

قال : نعم ، لزهير بن جناب (١) الكلبيّ في ابنه عمرو حيث يقول :

فارس تكلأ الصحابة منه

بحسام يمرّ مرّ الحريق

لا تراه لدى الوغى في مجال

يعقل الطرف لا ولا في مضيق

من يراه يخله في الحرب يوما

أنّه أخرق مضلّ الطريق

فإذا الحرب أوقدت وتلظّت

وأغصّت كماتها بالرّيق

عمّم السيف كلّ قرن كميّ

باسل البأس هبرزيّ عريق

وينبغي للفارس أن تكون فيه ثمانية أخلاق من أخلاق البهائم : شجاعة الأسد ، وحملة الخنزير ، وروغان الثعلب ، وصبر الكلب على الجراحة ، وغارة الذئب ، وحراسة الكركيّ ، وحذر الغراب ، وسمن يعدو ، وهي دويبة تكون بخراسان تسمن على التعب والشقاء.

وينبغي للإمام أن يجعل أيام أسفار جنده أكثر من أيام دعتهم أو على السواء ، ولا تكون أيام الدّعة إلا بمقدار ما لا يضرّ تواتر الأسفار بأبدانهم وعيالهم (٢).

قيل للمهلّب بن أبي صفرة : ما أعجب ما رأيت في حرب الأزارقة؟

قال : فارسا كان يخرج إلينا في كلّ غداة فيقف ويقول :

__________________

(١) زهير بن جناب الكلبي ت نحو ٦٠ ق. ه ـ ٥٦٤ م : من بني كنانة بن بكر ، خطيب قضاعة وسيدها وشاعرها وبطلها ووافدها على الملوك في الجاهلية ، كان يدعى الكاهن لصحة رأيه ، وعاش طويلا ، وقائعه تناهز المئتين. أشهرها أيامه مع بكر وتغلب. عن الأعلام ٣ : ٥١.

(٢) النقل عن سراج الملوك ٢ : ٦٨٠.

٣٠٧

وسائلة بالغيب عنّي ولو درت

مقارعتي الأبطال طال نحيبها

إذا ما التقينا كنت أول فارس

يجود بنفس أثقلتها ذنوبها [س ١٠٥]

ثمّ يحمل فلا يقوم له شيء إلا أقعده ، فإذا كان من الغد عاد لمثل ذلك (١).

وأولى ما يأخذ به الفارس نفسه بعد استفراه المركوب وإحكام الركوب مطالعة كتب السّير والغزوات واستحضار ما وقع في ذلك لكماة الشعراء من الأبيات.

قال عمرو بن معد يكرب الزّبيدي (٢) :

أعاذل عدّتي بدني ورمحي

وكلّ مقلّص سلس القياد

أعاذل إنّما أفنى شبابي

إجابتي الصريخ إلى المنادي

مع الأبطال حتّى سلّ جسمي

وأقرح عاتقي حمل النّجاد

ويبقى بعد حلم القوم حلمي

ويفنى قبل زاد القوم زادي

ومن عجب عجبت له حديث

بديع ليس من بدع السداد

تمنّى أن يلاقيني قبيس

وددت وأينما مني ودادي

تمنّاني وسابغة قميصي

كأنّ قتيرها حدق الجراد [م ٧٧]

وسيف لابن ذي قينان عندي

تخيّر نصله من عهد عاد

فلو لا قيتني للقيت ليثا

هصورا ذا ظبى وشبا حداد

__________________

(١) الخبر في العقد ١ : ١٠٣ وانظر شعر الخوارج ص ١٣٩ ق ١٤٠ ب ١ ـ ٢.

(٢) الأبيات في شعره المجموع بعنوان : شعر عمرو بن معد يكرب ص ١١٠ ق ٢٣ والبدن : الدرع.

والأبيات أيضا في العقد ١ : ١٢١.

والمقلّص : الفرس الطويل القوائم المشمر. والصرّيخ : المستغيث. وقتير الدرع مساميرها.

والقصيدة في الأغاني في ترجمة عمرو بن معديكرب.

٣٠٨

ولاستيقنت أنّ الموت حقّ

وصرّح شحم قلبك عن سواد

أنا المرء الذي حدّثت عنه

أبيّ في الشدائد ليث عاد

خفيّ الحسّ أخرس غير نكس

ولا متعلم قتل الوحاد

وفارس بهمة ورئيس جيش

تخوّف باسمه شوس الأعادي [س ١٠٦]

فمن ذا عاذري من ذي سفاه

يريد بنفسه شرّ المراد

أريد حياته ويريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد

وقال السّموأل بن عادياء (١) :

وإنّا لقوم ما نرى القتل سبّة

إذا ما رأته عامر وسلول

يقرّب حبّ الموت آجالنا لنا

وتكرهه آجالهم فتطول

وما مات منّا سيّد في فراشه

ولا طلّ منّا حيث كان قتيل

تسيل على حدّ الظبات نفوسنا

وليست على غير السيوف تسيل

وأيّامنا مشهورة في عدوّنا

لها غرر معلومة وحجول

وأسيافنا في كلّ غرب ومشرق

لها من قراع الدّارعين فلول

معوّدة أن لا تسلّ نصالها

فتغمد حتّى يستباح قتيل (٢)

__________________

(١) السموأل ـ نحو ٦٥ ق. ه ـ ٥٦٠ م : تقدمت ترجمته.

(٢) الأبيات من أبيات له في الحماسة بشرح المرزوقي ١ : ١١١ ق : ١٥ والأبيات المختارة هنا هي : ٨ ، ٩ ، ١٠ ، ١١ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٠ معنى قوله : ولا طلّ منّا حيث كان قتيل أي لم يبطل دم قتيل منا حيث كان. ويقال : طلّ دمه يطلّ طلا إذا أهدر. والمراد بالظبات : السيوف. وقوله : لها غرر معلومة وحجول أي إن وقعاتنا مشهورة في أعدائنا معلومة ، فهي بين الأيام كالأفراس الغر المحجلة بين الخيل يعرف بلاؤنا فيها. والتحجيل في الخيل : ابيضاض مواضع الحجل وهو القيد والخلخال.

٣٠٩

وقال أبو سعيد المخزوميّ (١) :

في الخيل والخافقات البيض لي شغل

ليس الصّبابة والصهباء من شغلي

سل الجرادة عنّي وهي تحملني

هل فاتني بطل أو خمت عن بطل

وهل شأني إلى الغايات سابقها

وهل فزعت إلى غير القنا الذّبل

ذنبي إلى الخيل كرّ في جوانبها

إذا مشى الليث فيها مشي مختبل

ولي من الفيلق الجأواء غمرتها

إذا تقحّمها الأبطال بالحيل

كم جانب خشن صبّحت عارضه

بعارض للمنايا مسبل هطل [س ١٠٧]

وغمرة خضت أعلاها وأسفلها

بالطّعن والضّرب بين البيض والأسل

وما يريدون لو لا الجبن من رجل

بالليل مشتمل بالجمر مكتحل [م ٧٨]

لا يشرب الماء إلّا من قليب دم

ولا يبيت له جار على وجل (٢)

وقال بكر بن النطّاح (٣) :

ومن يفتقر منّا يعش بحسامه

ومن يفتقر من سائر الناس يسأل

ونحن وصفنا دون كلّ قبيلة

بشدّة بأس في الكتاب المنزّل

إنّا لنلهو بالسيوف كما لهت

فتاة بعقد أو سخاب قرنفل (٤)

__________________

(١) لم نقع له على ترجمة وهو مذكور في كتاب الأمالي للقالي والعقد وغيرهما.

(٢) أبيات أبي سعيد في كتاب الأمالي للقالي ١ : ٢٥٩ ، وقوله : شأني أي سبقني. الجأواء : الكدراء اللون في حمرة وهو لون صدأ الحديد لكثرة ما عليها من الدروع.

(٣) بكر بن النطاح ت ١٩٢ ه‍ ـ ٨٠٨ م : من بني حنيفة ، أبو وائل ، شاعر غزل من الفرسان ، من أهل اليمامة انتقل إلى بغداد في زمن الرشيد واتصل بأبي دلف العجليّ فجعل له رزقا سلطانيا عاش به إلى أن توفي. ورثاه أبو العتاهية بقوله :

مات ابن نطّاح أبو وائل

بكر ، فأضحى الشعر قد ماتا

عن الأعلام ٢ :

(٤) البيتان الأول والثالث في الأغاني ١٩ : ٣٩ ط دار الثقافة.

٣١٠

وقال قطريّ بن الفجاءة المازني (١) :

يا ربّ ظلّ عقاب قد وقيت به

مهري من الشّمس والأبطال تجتلد (٢)

وربّ يوم حمى أرعيت عقوته

خيلي اقتسارا وأطراف القنا قصد (٣)

ويوم لهو لأهل الخفض ظلّ به

لهوي اصطلاء الوغى وناره تقد

مشمّرا موقفي والحرب كاشفة

عنها القناع وبحر الموت يطّرد

وربّ هاجرة تغلي مراجلها

نحرتها بمطايا غارة تخد (٤)

فإن أمت حتف أنفي لم أمت كمدا

على الطعان وقصر العاجز الكمد

ولم أقل لم أساق الموت شاربه

في كأسه والمنايا شرّع ورد (٥)

وقال بعضهم :

وإنّا لضرّابون للهام في الوغى

وأسيافنا في حومة الموت شرّع [س ١٠٨]

وأبطال أبطال وفرسان غارة

حماة كماة سربها لا يفزّع

وإنّا لمثل الشمس بل نحن فوقها

فطرف الأعادي دوننا يتقطّع

وإنّا لورّادون كلّ حفيظة

ترى الموت في أطلالها يتضجّع

__________________

(١) قطريّ ت ٧٨ ه‍ ـ ٦٩٧ : تقدمت ترجمته والأبيات في شعر الخوارج : ١٠٥.

(٢) العقاب : الراية.

(٣) العقوة : الساحة. وفي شعر الخوارج : اقتصارا أي دون مجاوزة أما (اقتسارا) فتعني القهر والغلبة. والقصد : المكسّرة.

(٤) تخد : تسرع في المشي. وقد ورد في شعر الخوارج بعد هذا البيت قوله :

تجتاب أودية الأفزاع آمنة

كأنها أسد تقتادها أسد

(٥) الأبيات في شعر الخوارج ١٠٩ ، ١١٠ برقم ١٠٧ وقد أخذنا الشرح من حواشي التحقيق. وهي أيضا في الأمالي للقالي ١ : ٢٦٥.

٣١١

وأنشد المبرّد (١) لرجل من بني أميّة :

إذا ما وترنا لم ننم عن تراتنا

ولم نك أوغالا نقيم البواكيا (٢)

ولكننا نمضي الجياد شوازبا

ونرمي بها نحو التّرات المراميا (٣)

وقال أبو دلف (٤) :

سيفي بليلي قبسي

وفي نهاري أنسي

إنّي فتى عوّدني

مهري ركوب الغلس

يحمدني سيفي كما

يحمد كرّي فرسي (٥) [م ٧٩]

وقال النابغة الجعدي (٦) :

__________________

(١) المبّرد : ٢١٠ ـ ٢٨٦ ه‍ ـ ٨٢٦ ـ ٨٩٩ م : محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي الأزدي ، أبو العباس المعروف بالمبرد ، إمام العربية ببغداد في زمنه وأحد أئمة الأدب والأخبار. مولده بالبصرة ووفاته ببغداد. من أشهر كتبه : الكامل ، والمقتضب ، والتعازي والمراثي ، والفاضل .. والخبر المذكور في كتاب الكامل ٢ : ١٢٠ وفي الكامل ط الدالي ٣ : ١٠٧٤.

(٢) وترنا : قتل منّا قتيل ، والتّراث جمع ترة وهي الذّحل والثأر. والأوغال جمع وغل وهو من الرجال النذل الضعيف. عن رغبة الآمل ٧ : ٧٣ نقلا عن المحقق الدالي.

(٣) الشوازب من الخيل : الضامرة. والترات سبق شرحها في التعليق السابق.

(٤) أبو دلف ٢٢٦ ه‍ ـ ٨٤٠ م : أبو دلف العجلي القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل من بني عجل من لجيم أمير الكرخ وسيد قومه ، وأحد الأمراء الأجواد الشجعان الشعراء ، قلّده الرشيد العباسي أعمال «الجبل» ثم كان من قادة جيش المأمون ، وأخبار أدبه وشجاعته كثيرة وللشعراء فيه أماديح ، وله مؤلفات منها سياسة الملوك والبزاة والصيد. وكان عالما بصناعة الغناء يقول الشعر ويلحنه ، توفي في بغداد. الأعلام ٥ : ١٧٩ والأغاني ٨ : ٢٤٨.

(٥) الأبيات في العقد ١ : ١٠٣ بغير الترتيب الذي وردت عليه.

(٦) النابغة الجعدي ت نحو ٥٠ ه‍ ـ ٦٧٠ م : قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة الجعدي العامريّ ، أبو ليلى ، شاعر مفلق صحابي ، من المعمّرين ، اشتهر في الجاهلية ، وسمي النابغة ـ

٣١٢

ونحن أناس لا نعوّد خيلنا

إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا

وتنكر يوم الرّوع ألوان خيلنا

من الطّعن حتى تحسب الجون أشقرا

فليس بمعروف لنا أن نردّها

صحاحا ولا مستنكرا أن تعقرا

نحلّي بأرطال اللجين سيوفنا

ونعلو بها يوم الهياج السّنوّرا

بلغنا السماء مجدنا وفعالنا

وإن لنرجو فوق ذلك مظهرا (١)

وقال محمد بن عبد الله بن طاهر (٢) [س ١٠٩] :

لست لريحان ولا راح

ولا على الجار بنبّاح

فإن أردت الآن لي موقفا

بين أسياف وأرماح

ترى فتى تحت ظلال القنا

يقبض أرواحا بأرواح (٣)

__________________

ـ لأنه أقام ثلاثين سنة لا يقول الشعر ، ثم نبغ فقاله. وكان ممن هجر الأوثان ونهى عن الخمر قبل ظهور الإسلام ، ووفد على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) فأسلم وأدرك «صفّين» فشهدها مع علي ثم سكن الكوفة ، فسيره معاوية إلى أصبهان مع أحد ولاتها فمات فيها وقد كف بصره وجاوز المئة. وأخباره كثيرة ـ عن الأعلام ٥ : ٢٠٧.

(١) ديوانه : ٧٨ (ق ٢٦ ب) والأبيات المختارة هنا هي الأبيات ٧١ ، ٧٠ ، ٧٢ ـ ٧٣ والبيت الرابع هنا مذكور في الرواية الأولى للقصيدة برقم ٨٥ وقد سقط من الرواية الثانية وانظر تخريج القصيدة في ديوانه : ٥٤.

(٢) محمد بن عبد الله بن طاهر ٢٠٩ ـ ٢٥٣ ه‍ ـ ٨٠٤ ـ ٨٦٧ م : محمد بن عبد الله بن طاهر الخزاعي ، أمير ، حازم ، من الشجعان ، من بيت مجد ورئاسة ولي نيابة بغداد أيام المتوكل العباسي وتوفي بها ، له في فتنة المعتز بالله أخبار كثيرة أورد ابن الأثير بعضها ، وكان فاضلا أديبا جوادا. قال الخطيب : كان مألفا لأهل العلم والأدب. وقال الشابشتي لما مات محمد بن عبد الله بن طاهر اشتد وجد المعتز عليه وكان يرى أن الأتراك يهابونه من أجله ورثاه ـ عن الأعلام ٦ : ٢٢٢.

(٣) الأبيات في العقد الفريد ١ : ١٠٣.

٣١٣

وقال عبد الله بن المعتزّ (١) :

يا ربّ حرب تخطّيت القنا قصدا

فيها وخضت المنايا ثمّ لم أخم

بحيث تستكره الأبطال موقفها

ويحرز النفس غرب الصّارم الخذم

إذ لا ظلال لنا إلا صوارمنا

ولا مشارب إلّا من حياض دم

أنتاب ثمّ المنايا في مواطنها

حتّى تنال يدي أفعال منتقم

فسل قنا الخطّ هل روّيت أكعبه

من الدّماء غداة الجحفل النّهم

لصرف أركان صرف الدهر أيسر من

صرفي غداة الوغى عن منتهى قدم

ولي حسام يهاب الدهر شفرته

أمضى وأعضب من حدّيه عضب فم

تأبى لي الذمّ كفّ غير جامدة

يغنيك عارضها عن عارض الدّيم

وقال أبو فراس الحمداني (٢) :

__________________

(١) عبد الله بن المعتز ٢٤٧ ـ ٢٩٦ ه‍ ـ ٨٦١ ـ ٩٠٩ م : عبد الله بن محمد المعتز بالله بن المتوكل ابن المعتصم بن الرشيد العباسي ، أبو العباس ، الشاعر المبدع ، خليفة يوم وليلة ، ولد في بغداد وأولع بالأدب وصنّف كتبا كالبديع وطبقات الشعراء ، آلت الخلافة في أيامه إلى المقتدر العباسي وكان طفلا فبايع القواد ابن المعتز ، لكن غلمان المقتدر وثبوا به فخلعوه وسلّموه إلى مؤنس فخنقه. وله ديوان شعر كبير. الأعلام ٤ : ١١٨ ـ الأغاني ١٠ : ٣٧٤.

(٢) أبو فراس ٣٢٠ ـ ٣٥٧ ه‍ ـ ٩٣٢ ـ ٩٦٨ م : الحارث بن سعيد بن حمدان التغلبي الربعي أبو فراس الحمداني ، أمير ، شاعر فارس ، وهو ابن عم سيف الدولة. له وقائع كثيرة قاتل بها بين يدي سيف الدولة. وكان سيف الدولة يحبه ويجلّه ويستصحبه في غزواته ويقدّمه على سائر قومه ، وقلّده منبجا وحرّان وأعمالها فكان يسكن بمنبج (بين حلب والفرات) ويتنقل في بلاد الشام ، وجرح في معركة مع الروم فأسروه سنة ٣٥١ ه‍ فامتاز شعره في الأسر برومياته ، وبقي في القسطنطينية أعواما ثم فداه سيف الدولة بأموال عظيمة.

بعد وفاة سيف الدولة تملك حمص وسار ليتملك حلب فقتله أحد أتباع سعد الدولة ابن سيف الدولة في صدد على مقربة من حمص ـ عن الأعلام ٥ : ١٥٥.

والأبيات التي أوردها صاحب تحفة الأنفس هي أبيات مختارة من قصيدة لأبي فراس تبلغ أربعين بيتا وأولها : ـ

٣١٤

بأطراف المثقّفة العوالي

تعززنا بأوساط المعالي (١)

وما تحلو مجاني العزّ يوما

إذا لم تجنها سمر العوالي (٢)

وتلقى دونها سغب المنايا

بمرّ الطّعن في مرّ المجال

كذا دأبي ودأب سراة قومي

على العلّات في شرف الفعال [س ١١٠]

ومن عرف الحروب ومارسته

أطاب النفس بالحرب السّجال [م ٨٠]

ومن ورد المهالك لم ترعه

رزايا الدهر في أهل ومال

ألم أثبت لها والخيل فوضى

بحيث تخفّ أحلام الرجال

تركت ذوابل المرّان فيها

مخضّبة محطّمة الأعالي

وعدت أجرّ رمحي عن مقام

تحدّث عنه ربّات الحجال

فقائلة تقول : جزيت خيرا

لقد حاميت عن حرم المعالي

وقائلة تقول : أبا فراس

أعيذ علاك من عين الكمال

ومهري لا يمسّ الأرض زهوا

كأنّ ترابها قطب النّبال (٣)

كأنّ الخيل تعرف من عليها

ففي بعض على بعض تعال

علينا أن نعاود كلّ يوم

رخيص عنده المهج الخوالي

فإن عشنا ذخرناها لأخرى

وإن متنا فموتات الرجال

__________________

 ـ ضلالا ما رأيت من الضلال

معاتبة الكريم على النوال

وإنّ مسامعي عن كل عذل

لفي شغل بحمد أو سؤال

وهي في ديوانه (حسب الرواية المغربية) ص ١٧٥ وما بعدها.

(١) في الديوان : تفرّدنا.

(٢) قرأها محقق الديوان : إذا لم نجنها سمر العوالي.

(٣) في الديوان : قطب النصال.

٣١٥

وقال بعض بني قيس بن ثعلبة (١) :

إنّا لنرخص يوم الروع أنفسنا

ولو نسام بها في الأمن أغلينا (٢)

بيض مفارقنا تغلي مراجلنا

نأسو بأموالنا آثار أيدينا (٣)

إنّا لمن معشر أفنى أوائلهم

قيل الكماة : ألا أين المحامونا (٤)

لو كان في الألف منّا واحد فدعوا

من فارس خالهم إياه يعنونا

إذا الكماة تنحّوا أن يصيبهم

حدّ الظباة وصلناها بأيدينا (٥) [س ١١١]

__________________

(١) جاء في الحماسة بشرح المرزوقي ١ : ١٠٠ برقم ١٤.

قال بعض بني قيس بن ثعلبة ويقال إنها لبشامة بن جزء النهشلي ، ونقل محقق الكتاب عن خزانة الأدب ٣ : ٥١٥ أن هذا الشاعر إسلامي كما يظهر من شرح المبرد لأبياته ، ونسب ابن قتيبة الأبيات في الشعر والشعراء إلى نهشل بن حري وفي عيون الأخبار ١ : ١٩٠ إلى بشامة وكذلك في الكامل ١ : ٦٦ والأبيات من قصيدة في الحماسة بلغت اثني عشر بيتا ذكر منها صاحب تحفة الأنفس البيت السادس وما بعده ومطلع القصيدة.

إنا محيّوك يا سلمى فحيينا

وإن سقيت كرام الناس فاسقينا

(٢) أغلينا : وجدت غالية أو جعلت غالية. يقول : نبتذل أنفسنا في الحروب ولا نصونها ، ولو عرض علينا إزالتها في غيرها لامتنعنا. وهذا لحرصهم على تخليد الذكر الجميل والإبانة عن محل النفس في الشجاعة. عن شرح المرزوقي ١ : ١٠٥.

(٣) بيض مفارقنا ويروى بيض معارفنا (الوجوه) والمراد من ذلك نقاء العرض وانتفاء الذم والعيب. أما بياض المفارق فإنما هو لاعتياد لبس المغافر والبيض (الخوذ) وغليان المراجل يكون كناية عن الضيافة كما يمكن أن يكون كناية عن الحرب.

(٤) معنى البيت : إني لمن قوم أهلك أسلافهم قول الأبطال لهم : ألا أين الذابّون والمحامون؟ فكانوا يتقدمون ويفنون. عن المرزوقي ١ : ١٠٧.

(٥) الكماة : الفرسان. وحدّ الظبات : حد السيوف ومعنى البيت : إذا الأبطال تباعدوا عن المصادمة والمكافحة مخافة أن ينالهم حدّ السيوف مددنا أبواعنا إليهم بها أو وصلناها.

٣١٦

ولا تراهم وإن جلّت مصيبتهم

مع الرجال على من مات يبكونا (١)

ونركب الكره أحيانا فيفرجه

عنّا الحفاظ وأسياف تواتينا (٢)

وقال أبو زهير الحمداني (٣) :

وقد علمت بما لاقته منّي

قبائل يعرب وابنا نزار

أتيناهم بأرماح طوال

تبشّرهم بأعمار قصار (٤)

وقال أبو العشائر الحمداني (٥) :

أأخا الفوارس لو شهدت مواقعي

والخيل بي تحت العجاجة تنحط

لقرأت فيها ما تخطّ يد الوغى

والبيض تشكل والأسنّة تنقط (٦)

__________________

(١) يصف تعوّدهم للثكل ، وإلفهم المصائب والقتل ، وأن قلوبهم قد مرنت عليها حتى قست ، فلا يبكون مع البكاة على من قتل منهم. شرح المرزوقي ١ : ١٠٩.

(٢) يجوز أنه أراد بالسيوف رجالا كأنهم السيوف مضاء ونفاذا ، والأول أولى. وإنما يصف خطارهم بمهجهم وركوبهم المهالك ورميهم بأنفسهم المرامي المعطبة ، فيقول : إذا فعلنا ذلك في الوقت بعد الوقت وسعت المضايق عنا محافظتنا على الكرم وصبرنا على الشدائد واستعمالنا المطاوعة لنا ـ شرح المرزوقي ١ : ١٠٩ والأبيات في الكامل ٦٦.

(٣) أبو زهير الحمداني : قال ابن خالويه : أبو زهير المهلهل بن نصر بن حمدان أفرس العرب وأشعرها. له ذكر في كل موقف شريف. وله شعر مليح أكثره في مكاتبات الأمير أبي فراس. عن شرح ديوان أبي فراس لابن خالويه : ٨٧.

(٤) البيتان في يتيمة الدهر ١ : ١٠٤.

(٥) أبو العشائر الحمداني : قال ابن خالويه : أبو العشائر يحيى بن علي بن حمدان رحمه‌الله ، كبسته عساكر الإخشيدية مع يأنس المؤنسي وهو منصرف بأنطاكية من الميدان وأصابته نشابة في وجهه أخرج نصلها بعد أيام ، فشد في أوساطهم فلم يزل يضرب ويحتمي حتى تخلص وأسر وتوفي في الأسر ـ عن شرح ديوان أبي فراس ص ٨٩.

(٦) البيتان في يتيمة الدهر ١ : ١٠٤.

٣١٧

وقال سعيد بن جودي [م ٨١](١) :

الدرع قد صارت شعاري فما

أبسط ـ حاشاها ـ لتهجاع

والسيف إن قصّره صانع

طوّله يوم الوغى باعي

وما كميتي لي بمستقصر

إذا دعاني للّقا داع

هذا الذي أسعى له جاهدا

كلّ امرىء في شأنه ساع (٢)

وأشعار الأبطال والكماة من الرجال لا تحصى في هذا المعنى لكثرتها ، ولا تخفى عن أحد لشهرتها ، لكن في ذكرها ما يبعث على الإقدام ، ويحمل على ورود مناهل الحمام.

قال هارون الرشيد :

نعم العون على الخير الشعر ، لقد رأيتني وأنا ببلاد الرّوم وقد ضاقت

__________________

(١) سعيد بن جودي ت ٢٨٤ ه‍ ـ ٨٩٧ م : سعيد بن سليمان بن جودي بن إسباط بن إدريس السعدي من هوازن ، أبو عثمان أمير ثائر في الأندلس ، يعدّ من أدباء الملوك ، كان شجاعا بطلا جوادا خطيبا شاعرا ، ترأس القيسية بعد مقتل سوار بن حمدون سنة ٢٧٧ ه‍ واستولى على حاضرة البيرة فأقطعه الأمير عبد الله بن محمد كورتها وقتله بعض أصحابه غيلة بسبب امرأة ـ كما في كتاب الحلّة السيراء ـ ويقول ابن حيان في «المقتبس» إنه استخف بأصحابه حتى دبّر عليه كبيران منهم حيلة قتلاه بها ونسبوه إلى أنه أسرّ الخلاف للأمير عبد الله وعزوا إليه أبياتا من الشعر جعلوها ذريعة إلى قتله منها :

يا بني مروان خلّوا ملكنا

إنما الملك لأبناء العرب

وقال : كان قيامه بأمر العرب سبع سنين ولم ينتظم لهم أمر بعده. وقال في موضع آخر : قتل غدرا وذلّت العرب بعد مقتله وهانت على المولدين المناضلين لهم بحاضرة البيرة. وانظر رثاء المقدم بن المعافى لسعيد بن جودي في نفح الطيب ٣ : ٥٣٨ ـ عن الأعلام ٣ : ٩٥.

(٢) الأبيات في شعره المجموع في كتاب «سعيد بن جودي السعدي الألبيري الأندلسي : سيرته ومجموع شعره ص ٨٧ ، ٨٨ نقلا عن الحلة السيراء ١ : ١٥٧ لابن الأبّار.

٣١٨

عليّ الأرض بما رحبت شدة ، إذ خطرت لي أبيات مالك بن عوف النّصريّ :

وإذا اشتكى مهري إليّ حرارة

عند اختلاف الطعن قلت له : اقدم

إنّي بنفسي في الحروب لتاجر

تلك التجارة لا انتقاد الدرهم

فلما تمثّلت بهذا سكّنت من جأشي ، ثم عدت إليها ، وحملت وحمل المسلمون فما قضيت الأبيات حتّى فتح الله علينا.

فالإقدام ليس يدني من الوفاة ، ولا الإحجام يزيد في الحياة ، والطعن في ثغر النحور أكرم منه في الأعجاز والظهور ، والهالك المصدور خير من الناجي الفرور :

وهل يحمل الضّيم الفتى وهو آخذ

بقائم سيف أو عنان لجام

٣١٩
٣٢٠