تحفة الأنفس وشعار سكّان الأندلس

علي بن عبد الرحمن بن هذيل الأندلسي

تحفة الأنفس وشعار سكّان الأندلس

المؤلف:

علي بن عبد الرحمن بن هذيل الأندلسي


المحقق: عبد الإله أحمد نبهان و محمّد فاتح صالح زغل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مركز زايد للتراث والتاريخ
المطبعة: دار البارودي للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9948-06-105-5
الصفحات: ٤٠٦

فشجّعه رضي‌الله‌عنه الأمن من الأجل أنّه لا يأتيه قبل وقته ، فهذا أشرف وأقوى من الذي ذكرناه عن معاوية ، وذلك أنّ اعتقاد هذا مشجّع في كلّ حين ، فالمرء به شجاع أبدا مع أنه على حزم وحقّ ومعرفة بالعاقبة وعمل بما ينبغي.

وأمّا الخوف من الذم فليس اعتقاده مستصحبا في كلّ موضع ، فربّما قرر المرء مرة أنه لا يدركه ذمّ ، فإذا اعتقد ذلك صنع ما هو أحسن له في الحال وأيضا فإنّه لم يخل من خوف الموت واستحباب الحياة ، واعتقاد هذا ضعف وإن كان قد فضّل السلامة من الذمّ على السلامة من الموت ، وهو بعد ذلك كلّه تصنّع من أجل الناس لا من أجل نفسه والتصنّع للناس ضعف ، وكانت شجاعة عليّ رضي‌الله‌عنه طبعا لا يتكلّف.

قيل له : أتقتل أهل الشّام بالغداة وتظهر بالعشيّ في إزار ورداء؟! فقال : بالموت تخوّفوني!! والله ما أبالي سقطت على الموت أو سقط الموت عليّ (١). وقال عنترة (٢) :

بكرت تخوّفني الحتوف كأنني

أصبحت عن غرض الحتوف بمعزل

فأجبتها إنّ المنيّة منهل

لا بدّ أسقى بكأس المنهل

فاقني حياءك لا أبالك واعلمي

أنّي امرؤ ساموت إن لم أقتل (٣)

__________________

(١) انظر الخبر في العقد ١ : ١٠٢ والكامل.

(٢) عنترة ت نحو ٢٢ ق. ه ـ نحو ٦٠٠ م : عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد العبسيّ ، أشهر فرسان العرب في الجاهلية ، وهو من أهل نجد ، كان من أحسن العرب شيمة ومن أعزّهم نفسا ، يوصف بالحلم على شدة بطشه ، وفي شعره رقة وعذوبة ، وقل أن تخلو قصيدة من قصائده من ذكر عبلة ابنة عمه التي كان يحبها. وشهد حرب داحس والغبراء.

وقتله الأسد الرهيص أو جبار بن عمرو الطائي. عن الأعلام ٥ : ٩١ والأغاني ٨ : ٢٣٧ وخزانة الأدب ١ : ٦٢.

(٣) الأبيات في العقد ١ : ١٠٦.

٢٦١

وقال قطريّ بن الفجاءة :

أقول لها وقد طارت شعاعا

من الأبطال ويحك لا تراعي (١)

فإنّك لو سألت مزيد يوم

على الأجل الذي لك لم تطاعي (٢)

فصبرا في مجال الهول صبرا

فما نيل الخلود بمستطاع (٣)

ولا ثوب البقاء بثوب عزّ

فيطوى عن أخي الخنع اليراع (٤)

سبيل الموت غاية كلّ حيّ

فداعيه لأهل الأرض داع

ومن لا يعتبط يسأم ويهرم

وتسلمه المنون إلى انقطاع (٥)

وقال النّمر بن تولب العكليّ (٦) :

إذا أنت لا قيت في نجدة

فلا تتهيّبك أن تقدما

فإنّ المنيّة من يخشها

فسوف تصادفه أينما

وإن تتخطّاك أسبابها

فإنّ قصاراك أن تهزما

ولو أنّ من حتفه ناجيا

لألفيته الصّدع الأعصما

__________________

(١) طارت شعاعا : أي تفرقت وانتشرت من الخوف. عن شعر الخوارج ص ١٠٨.

(٢) في شعر الخوارج : ... بقاء يوم.

(٣) في شعر الخوارج : ... في مجال الموت.

(٤) أخو الخنع : الذليل. واليراع : الجبان عن شعر الخوارج : ١٠٩.

(٥) يعتبط : يموت من غير غير علة. يسأم : يملّ من الهرم وتكاليفه وقد ورد بعد هذا البيت بيت سابع هو :

وما للمرء خير في حياة

إذا ما عدّ من سقط المتاع

وتجد تخريج الأبيات في شعر الخوارج : ١٠٩.

(٦) النمر بن تولب : (ت نحو ١٤ ه‍ ـ ٦٣٥ م) : شاعر مخضرم ، عاش عمرا طويلا في الجاهلية ، وكان فيها شاعر (الرباب) ولم يمدح أحدا ولا هجا ، كان من ذوي النعمة والوجاهة ، جوادا وهّابا لماله ، أدرك الإسلام وهو كبير السن فأسلم وحمل كتاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) لقومه ، وعدّ في المعمّرين. وكان أبو عمرو بن العلاء يسمّيه : الكيّس لحسن شعره. عن الأعلام ٨ : ٤٨ والإصابة برقم ٨٨٠٤. وأبياته من قصيدة أولها :

سلا عن تذكره تكتما

وكان رهينا بها مغرما

والقصيدة في كتاب شعراء إسلاميون وفيه شعر النمر بن تولب ق ٣٨ ص ٣٧٨ وما بعدها نقلا عن منتهى الطلب.

٢٦٢

وقال أبو الطيّب :

ولو أنّ الحياة تبقى لحيّ

لعددنا أضلّنا الشّجعانا (١)

[وقال آخر] :

جمع الشجاعة والخضوع لربّه

ما أحسن المحراب في المحراب (٢)

وبقوة (٣) القلب يصبر الجليس على أذى الجليس وجفاء الصاحب ، وبقوّة القلب تلتقى الكلمة العوراء والفعلة الزلّاء ممّن جاءت ، وبقوّة القلب تنفذ كلّ رويّة وعزيمة أوجبها العقل والعدل والحزم. وبقوّة القلب يضحك الرجال في وجوه الرجال وقلوبهم مشحونة بالضغائن والأحقاد كما قال أبو ذرّ : إنّا لنكشّر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم (٤). وقال عليّ رضي‌الله‌عنه : إنّا لنصافح أكفّا نرى قطعها. وليس الصبر / [س ٨٢] والشجاعة وقوّة النفس أن يكون المرء مصرّا في المحال لجوجا في الباطل ، ولا أن يكون جلدا عند الضّرب صبورا على الجهل ، مصمّما على التغرير والتهوّر ، فإنّ هذه صفة الخنازير والحمير ، ولكن أن يكون صابرا على أداء الحقوق ، صبورا على سماعها وإلقائها إليه ، غالبا لهواه ، مالكا لشهواته ، ملتزما للفضائل بجهده ، عاملا في ذلك على الحقيقة التي

__________________

(١) العرف الطيب : ٢ : ٣٤٧.

(٢) البيت في سراج الملوك ٢ : ٦٦٩ غير منسوب. والمحراب الأولى بمعنى الشجاع الخبير بالحرب ، والمحراب الثانية بمعنى مقام الإمام في المسجد.

(٣) النقل عن سراج الملوك ٢ : ٦٦٩.

(٤) ذكر محقق سراج الملوك أن هذا الحديث أخرجه البخاري عن أبي الدرداء في كتاب الأدب باب المداراة مع الناس ج ١٠ ص ٥٢٧ من فتح الباري.

٢٦٣

لا يحيله عنها حياة ولا موت حتّى يكون عنده الموت على الخير الذي أشار به العلم وأوجبه العدل ، خير من البقاء على ما أوجبه رفض العلم والعدل ، كما قال عليّ لابنه الحسين رضي الله / [م ٦٣] عنهما : وما يبالي أبوك أنّ الخلق خالفوه إذا كان على الحقّ ، وهل الخير كلّه للحق إلّا بعد الموت (١).

ونختم هذا الباب بصاحبي رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ومتولّيي الخلافة بعده ، ونذكر محلّهما من الشجاعة.

روي عن محمد بن عقيل (٢) قال : خطبنا عليّ بن أبي طالب فقال : أيّها الناس ، أخبروني بأشجع النّاس.

قالوا : أنت يا أمير المؤمنين.

قال : أما إني ما بارزت أحدا إلّا انتصفت منه ولكن أخبروني بأشجع الناس.

قالوا : لا نعلم ، فمن؟

قال : أبو بكر الصدّيق إنّه لّما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عريشا فقلنا : من يكون مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لئلا يهوي إليه أحد من المشركين؟

فو الله ما دنا أحد إلّا أبو بكر شاهرا بالسيف على رأس رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ / [س ٨٣] لا يهوي إليه أحد إلّا أهوى إليه ، فهو أشجع الناس (٣).

__________________

(١) انتهى النقل من سراج الملوك ٢ : ٦٧٠.

(٢) محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي روى عن أبيه. تهذيب التهذيب ٥ : ٢٠٨ برقم ٧٢٧٠.

(٣) خبر وجود أبي بكر مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) في عريش واحد في السيرة النبوية ١ / ٤٥٩.

٢٦٤

وروي أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان يقول قبل إسلام عمر بن الخطّاب : اللهّم أيّد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب (١). قال ابن مسعود (٢) : فلقد كنّا ما نصلّي عند الكعبة حتّى أسلم عمر. فلمّا أسلم قاتل قريشا حتّى صلّى عند الكعبة وصليّنا معه. فكان إسلامه فتحا وهجرته نصرا وإمامته رحمة (٣).

فمن الشجاعة تستمدّ جميع الفضائل وهي الثبوت والقوّة على ما يوجبه العلم والعدل

ولا بدّ من حتف يلاقيك يومه

فلا تجزعن من موتة هي ما هيا

__________________

(١) الخبر في السيرة النبوية ١ : ٢٣١.

(٢) ابن مسعود : ٣٢ ه‍ ـ ٦٥٣ م : عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي ، أبو عبد الرحمن ، صحابي ، من أكابرهم فضلا وعقلا وقربا من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، وهو من أهل مكة ومن السابقين إلى الإسلام ، وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة ، وكان خادم رسول الله الأمين وصاحب سره ورفيقه في حله وترحاله وغزواته يدخل عليه في كل وقت. توفي بالمدينة أيام خلافة عثمان. عن الأعلام.

(٣) هذه العبارة الأخيرة : كان إسلام عمر فتحا ... الخ ذكرت في العقد ٤ : ٢٧٠ مروية عن القاسم ابن عمر.

٢٦٥
٢٦٦

الباب السابع عشر

في صفة الحرب

وتدبيرها والمكيدة فيها

٢٦٧
٢٦٨

في صفة الحرب وتدبيرها والمكيدة فيها

الحرب ثفالها الصبر ، وقطبها المكر ، ومدارها الاجتهاد ، وثقافها الأناة ، وزمامها الحذر. ولكلّ شيء من هذه ثمرة ، فثمرة الصبر التأييد ، وثمرة المكر الظّفر ، وثمرة الاجتهاد التوفيق ، وثمرة الأناة اليمن ، وثمرة الحذر السلامة ، ولكل مقام مقال ، ولكلّ زمان رجال ، والحرب سجال ، والرأي فيها أبلغ من القتال (١).

وقالوا : جسم الحرب الشجاعة ، وقلبها التدبير ، وعينها الحذر ، وجناحها الطاعة ، ولسانها المكيدة وقائدها الرفق وسائقها النصر ، قيل لعنترة الفوارس : صف لنا الحرب فقال : أوّلها شكوى ووسطها نجوى ، وآخرها بلوى (٢).

وقال غيره :

وإذا لم يكن من الموت بدّ

فمن العجز أن تكون جبانا (٣)

وقال عمرو (٤) بن أبي أمامة يوم قتلته مراد بواد يقال له

__________________

(١) النص في العقد ١ : ٩٣.

(٢) كلام عنترة في العقد ١ : ٩٤.

(٣) البيت لأبي الطيب المتنبي من قصيدة أولها :

صحب الناس قبلنا ذا الزمان

وعناهم من شأنه ما عنانا

انظر العرف الطيب بشرح ديوان أبي الطيب ٢ : ٣٤٦.

(٤) هو عمرو بن المنذر بن امرئ القيس وسيرد خبره في التعليق التالي.

٢٦٩

قضيب (١) وصاحبهم هبيرة بن عبد يغوث / [م ٦٤] المرثدي فخرج عمرو عليهم بسيف وهو يقول :

لقد عرفت الموت قبل ذوقه

إنّ الجبان حتفه من فوقه

كلّ امرىء مقاتل عن طوقه

والثّور يحمي جلده بروقه

فقوله : من فوقه يعني من السماء بقدر.

وقد قالوا : لكلّ أحد يومان لا بدّ له منهما : أحدهما لا يعجل عليه ، والثاني : لا يقصّر عنه ، فما الجبان والفارّ.

قال بعضهم ويروى لمعاوية :

__________________

(١) يوم القضيب كان بين الحارث وكندة ، وفي هذا الوادي أسر الأشعث بن قيس وفيه جرى المثل «سأل قضيب بماء أو حديد» وكان من خبره أن المنذر بن امرئ القيس تزوج هند بنت آكل المرار فولدت له أولادا منهم عمرو بن هند ثم تزوّج أختها أمامة فولدت له ابنا سمّاه عمرا ، فلما مات المنذر ملك بعد ابنه عمرو بن هند وقسم لبني أمه مملكته ، ولم يعط ابن أمامة شيئا. فقصد ملكا من ملوك حمير ليأخذ له بحقّه فأرسل معه «مرادا» فلما كانوا ببعض الطريق قالوا : ما لنا نذهب ونلقي بأنفسنا للهلكة. وكان مقدم مراد المكشوح (هبيرة بن عبد يغوث المرشدي) ونزلوا بواد يقال له «قضيب» من أرض قيس عيلان ، فثار المكشوح ومن معه بعمرو بن أمامة وهو لا يشعر فقالت له زوجته : يا عمرو أتيت أتيت ، سال قضيب بماء أو حديد فذهبت مثلا. وكان عمرو في تلك الليلة أعرس بجارية من مراد ، فقال عمرو : غيري نفّري. أي أنك قلت ما قلت لتنفريني به فذهبت مثلا ، وخرج إليهم فقاتلهم فقتلوه وانصرفوا عنه فقال طرفة يرثيه ويحرض عمرا على الأخذ بثأره :

أعمرو بن هند ما ترى رأي معشر

أماتوا أبا حسّان جارا مجاورا

عن معجم البلدان ٤ : ٣٦٩ «قضيب» وانظر معجم ما استعجم ٢ : ١٠٨٠ ولم أقع على المثلين في مجمع الأمثال. والشعر في العقد ٣ : ١٣١ وجاء في العقد ٥ : ٢٨٢ : قالت عائشة : وكان عامر بن فهيرة يقول : وأنشدت الرجز المذكور.

٢٧٠

أكان الجبان يرى أنّه

يدافع عند الفرار الأجل

فقد تدرك الحادثات الجبان

ويسلم منها الشجاع البطل (١)

وفي المعنى لبعضهم :

وقد يلتقي الجمعان والموت فيهما

فيقتل من ولّى ويسلم من حمل

قال جرير بن الخطفى (٢) في مدحه للحجّاج (٣) :

قل للجبان إذا تأخّر سرجه

هل أنت من شرك المنيّة ناج

فقال له الحجّاج : جرّأت علينا الناس يا بن اللخناء!!

فقال : والله أيّها الأمير ما ألقيت لها بالا إلّا وقتي هذا (٤).

__________________

(١) في عيون الأخبار ١ : ١٦٥ قال : وكان معاوية يتمثل بهذين البيتين كثيرا وذكر البيتين.

أما أبو العباس المبّرد فقد نسبهما في الكامل ٢ : ٣٠٢ لمعاوية ورواية المبرد مطابقة لما ورد في تحفة الأنفس أما في عيون الأخبار فالرواية :

أكان الجبان يرى أنه

سيقتل قبل انقضاء الأجل

وكذلك في شرح الحماسة ١ : ١٩٧ ذكرهما المرزوقي في سياق شرحه للحماسية ٤١ ولم ينسبهما واكتفى بقوله : وقال آخر ..

(٢) جرير ٢٨ ـ ١١٠ ه‍ ـ ٦٤٠ ـ ٧٢٨ م : جرير بن عطية الخطفى من بني يربوع من تميم ، ولد ومات باليمامة وكان هجّاء مرّا لم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل. وكان عفيفا من أغزل الناس شعرا. الأغاني ٨ : ٣. الأعلام ٢ : ١١٩.

(٣) الحجاج (٤٠ ـ ٩٥ ه‍ ـ ٦٦٠ ـ ٧١٤ م) : الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي أبو محمد ، قائد داهية سفّاك خطيب ، ولد ونشأ بالطائف ، انتقل إلى الشام ولحق بروح بن زنباع (ت ٨٤ ه‍) نائب عبد الملك بن مروان فكان في عديد شرطته ثم مازال يظهر حتّى قلّده عبد الملك أمر عسكره. هزم عبد الله بن الزبير وقتله. ثم قمع ثورة في العراق ، ودامت له الإمارة عشرين سنة وبنى مدينة واسط وبها توفي وهو أول من ضرب درهما عليه (لا إله إلا الله) تهذيب التهذيب ٢ : ٢١٠ والأعلام ٢ : ١٦٨.

(٤) الخبر مع الشعر في العقد ١ : ١٠٦٥١٠٥ وهو في ديوانه بشرح الصاوي ص ٨٩ وأول القصيدة :

هاج الهوى لفؤادك المهتاج

فانظر بتوضح باكر الأحداج.

٢٧١

وقال الشدّاخ (١) :

قاتل القوم يا خزاع ولا يد

خلكم من قتالهم فشل

فهم مثلكم لهم شعر في «م» الرأس لا ينشرون إن قتلوا (٢) يقول : الناس كلّهم سواء ، فلا يخفى أحد عن أحد.

وأضعف جميع الأسباب الشجاعة رجاء المجازاة بالمال كما قال أبو دلامة (٣) : كنت مع مروان (٤) أيام الضحاك الحروريّ (٥) فخرج

__________________

(١) الشدّاخ : يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر من كنانة ، أحد حكام العرب من قريش في الجاهلية ، كان يقال له : الشدّاخ. قال ابن حبيب : سمّي بذلك لشدخه الدماء بين قريش وخزاعة ، وكانت قريش قاتلت خزاعة وأرادوا إخراجها من مكة ، فتراضى الفريقان بيعمر فحكم بينهم وساوى بين الدماء على ألّا تخرج خزاعة من مكة .. سمّي بالشدّاخ لما شدخ من الدماء ووضع منها. الأعلام ٨ : ٢٠٥ السيرة النبوية ١ : ٨٨ قال : شدخت الدماء تحت قدمي أي وطئتها حتى تنكسر. وانظر معجم الشعراء الجاهليين : ١٨١.

(٢) البيتان هما الأول والثاني وثالثهما :

أكلما حاربت خزاعة تح

دوني كأنّي لأمهم جمل

والأبيات في الحماسة بشرح المرزوقي ١ : ١٩٦ برقم ٤٠.

(٣) أبو دلامة ت ١٦١ ه‍ ـ ٧٧٨ م : زند بن الجون الأسدي بالولاء أبو دلامة ، شاعر مطبوع من أهل الظرف والدعابة ، أسود اللون ، جسيم وسيم ، كان أبوه عبدا لرجل من بني أسد وأعتقه ، نشأ في الكوفة واتّصل بالخلفاء من بني العباس فكانوا يستلطفونه ويغدقون عليه صلاتهم وله في بعضهم مدائح ، الأغاني ١٠ : ٢٣٥ والأعلام ٣ : ٤٩ ، ٥٠.

(٤) مروان ٧٢ ـ ١٣٢ ه‍ ٦٩٢ ـ ٧٥٠ م : مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الأموي ، أبو عبد الملك القائم بحقّ الله ، ويعرف بالجعديّ وبالحمار ، آخر خلفاء بني أمية ، غزا سنة ١٠٥ ه‍ فافتتح قونية وغيرها وولاه هشام بن عبد الملك على آذربيجان وأرمينية والجزيرة سنة ١١٤ ه‍ فافتتح فتوحات وخاض حروبا كثيرة ، فلما قتل الوليد بن يزيد وظهر ضعف الدولة في الشام ، دعا الناس وهو بأرمينية لمبايعته فبايعوه وجرت أحداث كثيرة انتهت بهزيمته أيام العباسيين في معركة الزاب. قتل مروان في بوصير من أعمال مصر وحمل رأسه إلى السفاح العباسي.

عن الأعلام ٧ : ٢٠٨.

(٥) الضحاك الحروري ت ١٢٩ ه‍ ـ ٧٤٦ م : الضحاك بن قيس الشيباني ، زعيم حروريّ من الشجعان الدهاة ، خرج مع سعيد بن بهدل سنة ١٢٦ ه‍ في ٢٠٠ مقاتل من حرورية ـ

٢٧٢

فارس منهم فدعا إلى البراز ، فخرج إليه رجل فقتله ، ثم ثان ثم ثالث فانقبض الناس عنه ، فجعل يدنو كالفحل المغتلم. فقال مروان : من يخرج إليه وله عشرة آلاف؟

فلمّا سمعت بالعشرة آلاف هانت عليّ الدنيا وسخوت بنفسي في سبيل العشرة آلاف وبرزت إليه فإذا عليه فرو قد بلّه المطر فارمعلّ ، ثم أصابته الشمس فاقفعلّ ، وله عينان تقدحان كأنهما جمرتان ، فلمّا رآني فهم الذي أخرجني ، فأقبل نحوي يرتجز ويقول :

وخارج أخرجه حبّ الطمع

فرّ من الموت وفي الموت وقع

من كان ينوي أهله فما رجع

فلمّا رأيته قنّعت رأسي وولّيت هاربا ومروان يقول من هذا الفاضح لا يفوت حتى دخلت / [م ٦٥] في غمار الناس (١).

قالت الحكماء : على مقدار الصبر على المصائب تكون شجاعة النفس.

وقال الإمام أبو بكر الطرطوشي (٢) : إنّ كل كريهة تدفع أو مكرمة

__________________

ـ الجزيرة ، ومات سعيد سنة ١٢٧ ه‍ فخلفه الضحاك وبايع له الشراة ، فقصد أراضي الموصل ثم شهر زور ، واجتمعت عليه الصّفرية «فرقة من الخوارج» حتى صار في أربعة آلاف فسار إلى العراق واستولى على الكوفة وحاصر واسطا فصالحه عاملها وكاتبه أهل الموصل فاحتّلها ثم هزمه مروان بن محمد بنواحي كفر توتا وكان من علماء الخوارج. عن الأعلام ٣ : ٢١٥.

(١) الخبر في العقد ١ : ١٤٣ وعيون الأخبار ١ : ١٨٣.

(٢) أبو بكر الطرطوشي ٤٥١ ـ ٥٢٠ ه‍ ـ ١٠٥٩ ـ ١١٢٦ م : محمد بن الوليد بن محمد بن خلف القرشي الفهدي الأندلسي ، أبو بكر الطرطوشي ويقال له ابن أبي رندقة ، أديب من فقهاء المالكية الحفّاظ من أهل طرطوشةTortosa بشرقي الأندلس ، تفقّه ببلاده ورحل إلى المشرق سنة ٤٧٦ ه‍ فحجّ وزار العراق ومصر وفلسطين ولبنان وأقام مدة في الشام وسكن الإسكندرية ، وكان زاهدا لم يتشبث من الدنيا بشيء من كتبه سراج الملوك. الأعلام ٧ : ١٣٣ ـ ١٣٤ ، والنص المذكور في سراج الملوك ٢ : ٦٦٨.

٢٧٣

تكتسب لا تتحقق إلا بالشجاعة وقوّة النفس وثبات القلب (١). ألا ترى أنك إذا هممت أن تمنح شيئا من مالك خار طبعك ووهن قلبك وعجزت نفسك فشححت به. فإن حقّقت عزمك وقوّيت نفسك وقهرت عجزك أعطيت ما ضننت به من مالك (٢) ، فعلى قوّة القلب وضعفه تطيب النفس بإخراجه أو تكره إخراجه (٣). وعلى هذا النمط جميع الفضائل فمتى ما لم تقارنها قوة النفس لم تتحقّق فكانت مخدوعة.

روي عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال :

الشجاعة والجبن غرائز يضعها الله فيمن يشاء من عباده (٤).

فالجبان يفرّ عن أبيه وأمّه ، والشّجاع يقاتل عمّن لا يؤوب به إلى رحله. فبقوّة القلب يصبر المرء على امتثال الأوامر وبقوة القلب ينتهي عن اتباع الهوى والتضمّخ بالرذائل (٥).

وقال غيره :

الحرب شعثاء عابسة ، شوهاء / [س ٨٤] كالحة ، حرون في حياض الموت ، شموس في الوطيس ، تتغذى بالنفوس (٦).

قال عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه لعمرو بن معديكرب :

__________________

(١) عبارة «وقوة النفس وثبات القلب» ليست في سراج الملوك.

(٢) عبارة سراج الملوك : أخرجت المال المضنون به.

(٣) عبارة سراج الملوك : وعلى قدر قوة القلب وضعفه تكون طيبة النفس بإخراجه أو كراهية النفس لإخراجه مع إخراجه.

(٤) الحديث في سراج الملوك.

(٥) نهاية النص في سراج الملوك.

(٦) سراج الملوك ٢ : ٦٨٨ ـ ٦٨٩.

٢٧٤

صف لنا الحرب. قال : مرّة المذاق إذا شمّرت عن ساق ، من صبر فيها عرف ، ومن نكل عنها تلف ، ثم أنشأ يقول :

الحرب أوّل ما تكون فتيّة

تسعى بزينتها لكلّ جهول

حتّى إذا حميت وشبّ ضرامها

عادت عجوزا غير ذات حليل

شمطاء جزّت رأسها وتنكّرت

مكروهة للشمّ والتّقبيل (١)

وقالوا : الحرب أوّلها الكلام وآخرها الحمام.

قال نصر بن سيّار (٢) صاحب خراسان في كتابه إلى مروان بن محمّد الجعديّ لمّا ظهرت الدعوة بخراسان يصف الحرب ومبتدأ أمرها :

أرى خلل الرّماد وميض جمر

فيوشك أن يكون له ضرام

فإنّ النار بالعودين تذكى

وإنّ الحرب أوّلها الكلام

فقلت من التعجب ليت شعري

أأيقاظ أميّة أم نيام

فوقع التغافل والتّهاون من مروان وكان منه ما كان (٣).

__________________

(١) الخبر مع الشعر في عيون الأخبار ١ : ١٢٧ والعقد ١ : ٩٣ ، ٩٤ والشعر في سراج الملوك ٢ : ٦٨٩ ـ ٦٩٠ وتنسب لامرئ القيس ولعمرو بن معدي كرب. وورد في ديوان امرئ القيس بشرح السكري ٢ : ٧٣١.

(٢) نصر بن سيّار ٤٦ ـ ١٣١ ه‍ ـ ٦٦٦ ـ ٧٤٨ م : نصر بن سيّار بن رافع بن حرّي بن ربيعة الكناني ، أمير من الدهاة الشجعان كان شيخ مضر بخراسان ، وولي بلخ ثم ولي إمرة خراسان سنة ١٢٠ ه‍ وغزا بلاد ما وراء النهر ، ففتح حصونا وغنم مغانم كثيرة وأقام بمرو ، وقويت الدعوة العباسية في أيّامه ، فحذر بني أمية بالشام فلم يأبهوا للخطر ، فلما خرج أبو مسلم خرج نصر من مرو ، وأصبح يتنقل من مكان إلى آخر ينتظر النجدة ومات بساوة. عن الأعلام ٨ : ٢٣.

(٣) الخبر مع الشعر في عيون الأخبار ١ : ١٢٨ والعقد ١ : ٩٤ وسراج الملوك ١ / ٢٣٠.

٢٧٥

فمثل العداوة والعدوّ مثل النار إن تداركت أوّلها سهل إطفاؤها وإن تركتها حتى يستحكم ضرامها صعب مرامها وتضاعفت بليّتها.

فمن حزم المرء أن لا يحتقر عدوّا وإن كان ذليلا ولا يغفل عنه وإن كان حقيرا ، فالشرّ تحقره وقد ينمى (١) [س ٨٥].

وفي حكمة سليمان بن داود عليهما‌السلام : الشرّ حلو أوّله ، مرّ آخره (٢).

فالحرب كالنار تكون شعلة ثم ترجع سعيرا. فإذا قاتلت فلا تبذل مهجتك وقوّتك من أوّل وهلة / [م ٦٦] لئلا يأتي معظمها فتعجز وتكلّ ، ولا تنشب في حرب وإن وثقت بشدّتك حتّى تعرف وجه التخلّص منها فمن استضعف عدوّه فقد اغترّ ، ومن اغترّ بقوّته فقد وهن ، والحازم يحذر عدوّه على كلّ حال ، المواثبة إن قرب والغارة إن بعد ، والكمين إن انكشف ، والاستطراد إن ولّى.

وقد قالوا : لتكن أشدّ ما تكون من عدوّك حذرا ما كنت عند نفسك أكثر قوة وعددا ، فليس من القوّة التورّط في الهوّة. قال هدبة العذري (٣) :

ولا أتمنّى الشرّ والشرّ تاركي

ولكن متى أحمل على الشرّ أركب

ولست بمفراح إذا الدهر سرّني

ولا جازع من صرفه المتقلّب (٤)

__________________

(١) سراج الملوك ٢ : ٦٧٧.

(٢) العقد ١ : ٩٤

(٣) هدبة العذريّ ت ٥٠ ه‍ ٦٧٠ م : هدبة بن خشرم بن كرز من بني عامر بن ثعلبة ، من سعد هذيم من قضاعة ، شاعر فصيح مرتجل راوية ، من أهل بادية الحجاز بين تبوك والمدينة ، وذكر صاحب الأغاني أن هدبة كان راوية الحطيئة. قتل في آخر حياته رجلا وهرب ثم استسلم لوالي المدينة سعيد بن العاص فحبسه ثلاث سنوات ثم سلمه إلى أهل القتيل فقتلوه.

عن الأعلام ٨ : ٧٨.

(٤) البيتان في العقد ١ : ٩٩

٢٧٦

وقد جمع الله تبارك وتعالى تدبير الحرب كلّها في آيتين من كتابه (١) العزيز فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)(٢).

قيل لأكثم بن صيفي (٣) : صف لنا العمل في الحرب. قال : أقلّوا الخلاف على أمرائكم فلا جماعة لمن اختلف عليه ، واعلموا أنّ كثرة الصياح من الفشل ، وربّ عجلة / [س ٨٦] تعقب ريثا ، فتلبثوا فإنّ أحزم الفريقين الركين (٤).

وقالت عائشة رضي‌الله‌عنها يوم الجمل (٥) وسمعت منازعة القوم وكثرة صياحهم : المنازعة في الحرب خور ، والصياح فيها فشل.

__________________

(١) في سراج الملوك ٢ : ٦٩٠ : قال بعض الحكام : قد جمع الله تعالى آداب الحرب في قوله تعالى .. وذكر الآيتين وكذلك في عيون الأخبار ١ : ١٠٨.

(٢) سورة الأنفال ٨ / الآيتان ٤٥. ٤٦.

(٣) أكثم بن صيفي ت ٩ ه‍ ـ ٦٣٠ م : بن رباح بن الحارث بن مخاشن بن معاوية التميمي ، حكيم العرب في الجاهلية ، وأحد المعمرين ، عاش زمنا طويلا وأدرك الإسلام وقصد المدينة في مئة من قومه يريدون الإسلام ، فمات في الطريق ، ولم ير النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، وأسلم من بلغ المدينة من أصحابه. وهو المعني بالآية (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) عن الأعلام ٢ : ٦.

(٤) الخبر في العقد ١ : ٩٧ وتمام القول في العقد : وربّ عجلة تعقب ريثا ، وادّرعوا الليل فإنه أخفى للويل وتحفظوا من البيات وورد أيضا في سراج الملوك ٢ : ٦٩٠ على النحو التالي : واستوصى قوم أكثم بن صفيّ في حرب أرادوها فقال : أقلّوا الخلاف على أمرائكم ، واعلموا أن كثرة الصياح فشلّ ، ولا جماعة لمن اختلف ، وتثبتوا فإن أحزم الفريقين الركين. وانظر عيون الأخبار ١ : ١٠٨. انظر أخبار يوم الجمل في العقد ٤ : ٣١٣.

(٥) العقد ١ : ٩٧ وتمام قولها : وما برأيي خرجت مع هؤلاء.

٢٧٧

وقال عتبة بن ربيعة يوم بدر لأصحابه لمّا نظر إلى عسكر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أما ترونهم خرسا لا يتكلمون يتلمّظون تلمّظ الحيّات (١).

قال الله تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)(٢) فقوله سبحانه «ما استطعتم» مشتمل على ما في مقدور البشر من العدّة والآلة والحيلة ، وفسّر النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ القوّة بالرمي (٣).

وكان بعض الصحابة إذا أراد الغزو لا يقصّ أظفاره ويتركها عدّة ويراها قوّة (٤).

قال مسلمة بن عبد الملك : ما أخذت أمرا قطّ بحزم فلمت نفسي فيه وإن كانت العاقبة عليّ ولا أخذت أمرا قط وضيّعت الحزم فحمدت نفسي فيه وإن كانت العاقبة لي(٥).

وكان بعض أهل التمرّس بالحرب يقول لأصحابه : شاوروا في حروبكم الشجعان من أولي العزم والجبناء من أولي الحزم ، فإنّ الجبان لا يألو برأيه ما يقي مهجكم ، والشجاع لا يعدو ما يشدّ به نصرتكم ثمّ خلصوا

__________________

(١) الخبر في العقد ١ : ٩٧ وعيون الأخبار ١ : ١٠٨

وورد في سراج الملوك ٢ : ٦٩٠ : وقال عتبة بن ربيعة يوم بدر لأصحابه : ألا ترون أصحاب محمد جثيا على الرّكب كأنهم خرس يتلمظون تلمظ الحيات.

ومعنى قوله : يتلمظون ... أي يخرجون ألسنتهم كالحيات كناية عن الغيظ والتحفّز

(٢) الأنفال ٨ / من الآية ٦٠.

(٣) جاء في سراج الملوك : ٦٧٨ : فقوله تعالى (مَا اسْتَطَعْتُمْ) مشتمل على كل ما في مقدور البشر من العدة والآلة والحيلة. وفسّر النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) القوة ، فمّر على أناس يرمون فقال : ألا إنّ القوة الرمي ، ألا إنّ القوة الرمي ، ألا إنّ القوة الرمي»

(٤) سراج الملوك ٢ : ٦٧٨.

(٥) العقد ١ : ١٢٢.

٢٧٨

من الرأيين نتيجة تحمل عنكم معرّة الجبناء وتهوّر الشجعان ، فتكون أنفذ من السهم الوالج ومن الحسام الدالج (١).

قال عمرو بن العاصي لمعاوية : والله ـ يا أمير المؤمنين ـ ما أدري أشجاع أنت أم جبان؟!! فقال :

شجاع إذا ما أمكنتني فرصة

وإن لم تكن لي فرصة فجبان (٢)

قال بعض الحكماء : انتهز الفرصة فإنها خلسة وثب عند رأس الأمر ، ولا تثب عند / [س ٨٧] ذنبه ، وإياك والعجز فإنه أوطأ مركب (٣).

وقال شبيب الحروريّ : الليل يكفيك الجبان ونصف الشجاع ، وكان إذا أمسى يقول لأصحابه : أتاكم المدد (٤).

وقيل لبعضهم : أيّ المكيدة في الحرب أحزم؟

قال : إذكاء العيون ، وإفشاء الغلبة واستطلاع الأخبار ، وإظهار السرور وإماتة الفرق ، والاحتراس من البطانة من غير إقصاء لمستنصح ولا استنصاح لمستغشّ ، وإشغال الناس عمّا هم فيه من الحرب بغيره (٥).

قال حبيب بن أوس (٦) :

__________________

(١) العقد : ١ : ١٢٣.

(٢) الخبر والشعر في العقد ١ : ٩٩.

(٣) العقد ١ : ٩٨.

(٤) العقد ١ : ٩٧.

(٥) عيون الأخبار ١ : ١١٢ والعقد ١ : ١٢٢. والفرق : الخوف.

(٦) حبيب بن أوس ١٨٨ ـ ٢٣١ ه‍ ـ ٨٠٤ ـ ٨٤٦ م : هو أبو تمام حبيب بن أوس بن الحارث الطائي ، الشاعر الأديب ، أحد أمراء البيان ، ولد في جاسم من قرى حوران بسورية ورحل إلى مصر ، واستقدمه المعتصم إلى بغداد فأجازه وقدّمه على شعراء وقته ، فأقام في العراق ، ثم ولي بريد الموصل ، فلم يتمّ سنتين حتّى توفي فيها ، كان يحفظ كثيرا من الشعر وترك تصانيف منها كتاب الحماسة والوحشيات ونقائض جرير والأخطل إضافة إلى ديوانه.

٢٧٩

والحرب تركب رأسها في مشهد

عدل السفيه فيه بألف حليم

في ساعة لو أنّ لقمانا بها

وهو الحكيم لكان غير حكيم (١)

قال الأحنف بن قيس :

ما قلّ سفهاء قوم قطّ إلّا ذلّوا ، فأكرموا سفهاءكم فإنّهم يكفونكم العار والنّار (٢).

قال الإمام أبو بكر الطرطوشي (٣) رحمه‌الله تعالى : والشأن كلّ الشأن في الحرب انتخاب الأمراء واستجواد القوّاد وأصحاب الألوية (٤) ، فقد قالت حكماء العجم : أسد يقود ألف ثعلب خير من ثعلب يقود ألف أسد ، فلا ينبغي أن يقّدم على الجيش إلا الرجل ذو البسالة والنجدة والشجاعة والجرأة ، ثبت الجنان ، صارم القلب جريئة ، رابط الجأش صادق البأس قد توسّط الحروب ، ومارس الرجال ومارسوه ، ونازل

__________________

(١) البيتان هما ٣٧ و ٣٨ من قصيدة مدح بها أبو تمام أبا إسحاق المصعبيّ وأولها :

يا ربع لو ربعوا على ابن هموم

مستسلم لجوى الفراق سقيم

قد كنت معهودا بأحسن ساكن

منا وأحسن دمنة ورسوم

ديوانه ٢ : ١٣٦ ق ١٥٨ والعقد ١ / ٩٥

ولقمان المذكور مذكور في القرآن الكريم في سورة سميت باسمه وذكر القرطبي في تفسيره ١٤ : ٥٩ في تفسير سورة لقمان في الآية الثانية عشرة أقوالا عدة في لقمان ونسبه وخلاصة القول أنه كان وليا ولم يكن نبيا ، فقد كان رجلا حكيما بحكمة الله تعالى ـ وهي الصواب في المعتقدات والفقه والدين والعقل ـ قاضيا في بني إسرائيل وكان في أيام النبي داود ، وكان يوازر داود بحكمته.

(٢) الأحنف بن قيس سبقت ترجمته. الأعلام ١ : ٢٧٦ وتهذيب التهذيب ١ : ١٩١.

(٣) العقد ١ : ٩٥.

(٤) سراج الملوك ٢ : ٦٧٩ وقد نقل صاحب التحفة النص بتصرّف ولن نذكر إلا الفروق التى لها أهمية ما في سراج الملوك : الشأن كلّ الشأن في استجارة القوّاد وانتخاب الأمراء وأصحاب الولاية.

٢٨٠