تحفة الأنفس وشعار سكّان الأندلس

علي بن عبد الرحمن بن هذيل الأندلسي

تحفة الأنفس وشعار سكّان الأندلس

المؤلف:

علي بن عبد الرحمن بن هذيل الأندلسي


المحقق: عبد الإله أحمد نبهان و محمّد فاتح صالح زغل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مركز زايد للتراث والتاريخ
المطبعة: دار البارودي للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9948-06-105-5
الصفحات: ٤٠٦

أبلغ إيادا وعمرا في سراتهم

أني أرى الرأي إن لم أعص قد نصعا (١)

يا لهف نفسي إن كانت أموركم

شتّى ، وأصبح أمر الناس مجتمعا (٢)

إنّي أراكم وأرضا تعجبون بها

مثل السفينة تغشى الوعث والطّبعا (٣)

__________________

 ـ ١ ـ يا دار عمرة من محتلّها الجرعا

هاجت لي الهمّ والأحزان والوجعا

٢ ـ تامت فؤادي بذات الجزع خرعبة

مرّت تريد بذات العذبة البيعا

٣ ـ بمقلتي خاذل أدماء طاع لها

نبت الرياض تزجّي وسطه ذرعا

٤ ـ وواضح أشنب الأنياب ذي أشر

كالأقحوان إذا ما نوره لمعا

٥ ـ جرّت لما بيننا جل الشموس فلا

يأسا مبينا أرى منها ولا طمعا

٦ ـ فما أزال على شحط يؤرقني

طيف تعمّد رحلي حيثما وضعا

٧ ـ إني بعيني إذ أمّت حمولهم

بطن السّلوطح لا ينظرن من تبعا

٨ ـ طورا أراهم وطورا لا أبيّنهم

إذا تواضح خدر ساعة لمعا

والجرع والأجرع والجرعاء : الرملة لا تنبت.

وتامت : تيّمت ، أي عبدت وذللت. والخرعبة : الشابة الحسنة القوام وذات الجزع : موضع ، وهو أيضا منعطف الوادي. وذات العذبة : موضع على ليلتين من البصرة فيه ماء طيبة.

الخاذل : هي الظبية المنفردة بولدها عن صواحبها. والأدماء : البيضاء يعلو بياضها جدد بغبرة كلون الجبال. وطاع لها : أي لم يمتنع عليها رعي النبت وتزجي : تسوق برفق ولين والذرع : ولد البقرة الوحشية.

الواضح : الفم والشنب : رقة في الأسنان وعذوبة ، والأشر : التحزيز الذي فيها ، والأقحوان : من نبات الربيع له نور أبيض وهو البابونج والجمع أقاح.

الشموس من الدواب : التي تمنع ظهرها أن يركب. الشحط (بسكون الحاء وفتحها) : البعد.

السلوطح : موضع بالجزيرة على الفرات أو قريب منه.

قال محقق أمالي المرزوقي : إن هذه الأبيات السبعة الأولى سقطت من أصل أمالي المرزوقي وإنه نقلها من مختارات ابن الشجري.

(١) رواية المرزوقي : أبلغ إيادا وخلل في سراتهم.

والتخليل : التخصيص. والسراة جمع سري وهو الشريف.

(٢) رواية المرزوقي : .. وأحكم أمر الناس فاجتمعا.

(٣) هذا البيت ليس في رواية المرزوقي ولا الأغاني.

١٦١

ألا تخافون قوما لا أبالكم

أمسوا إليكم كأمثال الدّبا سرعا (١) [م ٣٤]

في كلّ يوم يسنّون الحراب لكم

لا يهجعون إذا ما غافل هجعا (٢)

خزر عيونهم كأنّ لحظهم

حريق نار ترى منه السّنا قطعا (٣)

لا الحرث يشغلهم بل لا يرون لهم

من دون بيضتكم ريّا ولا شبعا (٤)

وأنتم تحرثون الأرض عن سفه

في كلّ معتمل تبغون مزدرعا (٥)

__________________

(١) الدّبا : أصغر ما يكون من الجراد والنمل. والسّرع ـ بفتح السين وكسرها ـ نقيض البطء.

(٢) هذا هو البيت السابع عشر في رواية المرزوقي وقبله :

أبناء قوم نآووكم على حنق

لا يشعرون أضرّ الله أم نفعا

أحرار فارس أبناء الملوك لهم

من الجموع جموع تزدهي القلعا

فهم سراع إليكم بين ملتقط

شوكا وآخر يجني الصاب والسّلعا

لو أنّ جمعهم راموا بهدّته

شمّ الشماريخ من ثهلان لا نصدعا

وقوله : نآووا : أي تألبوا وتجمعوا.

وتزدهي : من ازدهيت فلانا إذا تهاونت به. والقلع : السحاب العظيم.

والصاب : شجر مرّ له عصارة بيضاء كاللبن بالغة المرارة.

والسلع : شجر مرّ ينبت في اليمن وهو من الفصيلة العنبية. وكنّى بالصاب والسلع عن السلاح.

والهدّة : الصوت الشديد تسمعه من سقوط ركن أو حائط أو ناحية جبل ، وهي الجبلة. يريد كثرة عددهم.

والشماريخ : جمع شمراخ (بكسر الشين) وهي رؤوس الجبال. والصدع : الشق.

وثهلان : جبل ضخم بالعالية. وثهلان جبل لبني نمير بن عامر بن صعصعة بناحية الشريف به ماء ونخيل. ويضرب بثهلان المثل في العلو. معجم البلدان : ثهلان.

الشروح عن محقق أمالي المرزوقي وكذلك في سائر الأبيات.

(٣) خزرت العين : صغرت وضاقت خلقة ، وتخازر : ضيّق عينيه ليحدد النظر.

(٤) البيضة هنا كناية عن عقر الدار ومحلة القوم.

(٥) في المرزوقي ، وأنتم تحرثون الأرض عن عرض.

والمعتمل : موضع العمل. والمزدرع : موضع الزرع.

١٦٢

وتلبسون ثياب الأمن ضافية

لا تفزعون وهذا الليث قد جمعا (١)

مالي أراكم نياما في بلهنية

وقد ترون شهاب الحرب قد لمعا (٢)

وقد أظلّكم من شطر ثغركم

همّ له ظلم تغشاكم قطعا (٣)

صونوا جيادكم واجلوا سيوفكم

وجدّدوا للقسيّ النّبل والشّرعا (٤)

واشروا بلادكم في حرز أنفسكم

وحرز نسوتكم لا تهلكوا هلعا [س ٦٧](٥)

__________________

(١) هذا هو البيت الثاني بعد العشرين في المرزوقي وقبله :

وتلقحون حيال الشّول آونة

وتنتجون بذات القلعة الرّبعا

والإلقاح : إنزاء الفحل على الناقة ، يقال : ناقة حائل ونوق حيال إذا ضربها الفحل ولم تحمل.

والشّول : جمع شائل وهي الناقة ترفع ذنبها للفحل تطلب اللقاح.

ذات القلعة أو دار القلعة : المنزل إذا لم يكن مستوطنا. والقوم على قلعة : أي رحلة. ولعله أراد بالقلعة الموضع الذي في البادية أو القرية التي دون حلوان العراق. ولعله أراد مرج القلعة الذي بينه وبين حلوان منزل وهو من حلوان إلى جهة همدان

«معجم البلدان : القلعة. ومرج القلعة».

وفي المرزوقي : وتلبسون ثياب الأمن ضاحية.

(٢) هذا هو البيت الخامس بعد العشرين برواية المرزوقي وقبله :

أنتم فريقان هذا لا يقوم له

هصر الليوث وهذا هالك صقعا

وقد أظلّكم من شطر ثغركم

هول له ظلم تغشاكم قطعا

وهصر الليوث : افتراسها ، والصقع : الضرب ، وصقع به الأرض : صرعه.

وفي المرزوقي : وقد ترون شهاب الحرب قد سطعا والبلهنية : الرخاء وسعة العيش

(٣) ورد هذا البيت قبل البيت السابق في رواية المرزوقي.

(٤) اجلوا سيوفكم : اصقلوها. من جلا الصيقل السيف جلوا وجلاء إذا صقله والنبع : شجر ينبت في قلة الجبل تتخذ منه القسيّ والسهام ، ويقال : فلان صليب النبع أي شديد المراس ، وهو من نبعة كريمة : ماجد أصيل. والشرع ـ بكسر الشين وفتحها ـ جمع شرعة وهي وتر القوس والعود.

(٥) في المرزوقي : واشروا تلادكم.

واشروا من شرى يشري شراء وشرى : ضد باع. والتلاد : المال القديم. والحرز المكان الذي يحفظ فيه. الهلع : الجزع وشدة الخوف.

١٦٣

هيهات لا مال من زرع ولا إبل

يرجى لغابركم إن أنفكم جدعا (١)

لا تثمروا المال للأعداء إنّهم

إن يظهروا يحتووكم والبلاد معا (٢)

يا قوم إنّ لكم من إرث أوّلكم

مجدا قد اشفقت أن يودي وينقطعا (٣)

وما يردّ عليكم عزّ أوّلكم

إن ضاع آخركم أو ذلّ واتّضعا (٤)

يا قوم بيضتكم لا تفجعنّ بها

إني أخاف عليها الأزلم الجذعا (٥)

__________________

(١) هذا البيت هو الخامس بعد الثلاثين برواية المرزوقي وقبله :

ولا يدع بعضكم بعضا لنائبة

كما تركتم بأعلى بيشة النّخعا

أذكوا العيون وراء السرح واحترسوا

حتى ترى الخيل من تعدائها رجعا

فإن غلبتم على ضن بداركم

فقد لقيتم بأمر حازم فزعا

لا تلهكم إبل ليست لكم إبل

إنّ العدوّ بعظم منكم فزعا

وبيشة : قرية غنّاء في اليمن. والنّخع : قبيلة من الأزد.

وأذكوا العيون : أرسلوا الطلائع لكشف العدو. والسرح : شجر كبار لا ترعى وإنما يستظلّ به والتوراء : العدو. رجعا من الرجع وهو ترجيع الدابة يديها في السير.

والغابر : الآتي. وجدع الأنف : قطعه وهذا كناية عن الإذلال.

(٢) في المرزوقي : والتلاد معا. والتلاد المال القديم.

ويحتووكم : يستولون عليكم.

(٣) هذا البيت هو الثامن بعد الثلاثين في المرزوقي وقبله :

والله ما انفكّت الأموال مذ أبد

لأهلها إن أصيبوا مرة تبعا

ومعنى قوله : يودي : يذهب ويهلك.

(٤) الاتضاع هنا بمعنى الذلّ.

(٥) هذا هو البيت الحادي والأربعون عند المرزوقي وقبله :

ولا يغرنكم دنيا ولا طمع

أن تنعشوا بزماع ذلك الطمعا

والزماع هو المضاد في الأمر والعزم عليه.

والبيضة : الحمى والحوزة. والأزلم الجذع هو الدهر لأنه جديد أبدا ، ويريد به هنا كسرى. ـ

١٦٤

يا قوم لا تأمنوا إن كنتم غيرا

على نسائكم كسرى وما جمعا (١)

__________________

(١) الغير : جمع غيور وهو الذي يغار على زوجه وأهله وقد ورد بعد هذا البيت في المرزوقي خمسة عشر بيتا هي : ـ

هو الجلاء الذي تبقى مذلّته

إن طار طائركم يوما وإن وقعا

هو الفناء الذي يجتث أصلكم

فشمروا واستعدوا للحروب معا

وقلّدوا أمركم لله دركم

رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا

لا مترفا إن رخاء العيش ساعده

ولا إذا عض مكروه به خشعا

لا يطعم النوم إلا ريث يبعثه

همّ يكاد أذاه يحطم الضلعا

مسّهد النوم تعنيه أموركم

يؤمّ منها إلى الأعداء مطّلعا

ما زال يحلب درّ الدهر أشطره

يكون متّبعا يوما ومتّبعا

وليس يشغله مال يثمّره

عنكم ولا ولد يبغي له الرّفعا

حتى استمرت على شزر مريرته

مستحكم السنّ لا قحما ولا ضرعا

كمالك بن قنان أو كصاحبه

زيد القنا يوم لاقى الحارثين معا

إذا عابه عائب يوما فقال له

دمّث لنفسك قبل اليوم مضطجعا

فساوروه فألفوه أخا علل

في الحرب يختبل الرئبال والسّبعا

مستنجدا يتحدى الناس كلّهم

لو قارع الناس عن أحسابهم قرعا

هذا كتابي إليكم والنذير لكم

فمن رأى مثل ذا رأيا ومن سمعا

لقد بذلت لكم نصحي بلا دخل

فاستيقظوا إن خير القول ما نفعا

ويجتث أصلكم : يقتلعه من الجذور. وشمروا : خفوا وانهضوا.

ولله دره : للتعجب أي لله عمله. ورجب الذراع : واسع القوة عند الشدائد ومضطلع أي قوي مجرّب.

الريث : الإبطاء والمعنى أنه لا ينام إلا بمقدار ما يدعى فيجيب.

ومسهد النوم صفة لقوله : رحب الذراع والسهاد الأرق.

والمطّلع : الموضع الذي تشرف منه.

وقوله : حلب الدهر أشطره أي مرت عليه ضروب من خيره وشره ، وأصل ذلك أخلاف الناقة ، لها خلفان قادمان وخلفان آخران ، فكل خلفين شطر.

والرّفع جمع رفعة وهي خلاف الضعة.

والشزر : فتلك الحبل مما يلي اليسار وذلك أشدّ لفتله. والمريرة من إمرار الحبل : شدة فتله.

والقحم : الشيخ الهرم ، والضّرع : الرجل الضعيف.

دمث الشيء : إذا مرسه حتى يلين. ـ

١٦٥

وأنشد بعض المتأخرين :

جاهد تصل للعيش من باب الردى

واقبس بنار الحرب أنوار الهدى

وإذا أردت لباس حلّة سندس

فالق الأعادي بالحسام مجرّدا

فالحور تستحيي إذا ما لم تشم

خدّ المهنّد بالنجيع مورّدا

والربّ يضحك من شهيد حاسر

لا يبتغي لبس الدلاص مسرّدا

هو يخلع الجثمان في يوم الوغى

كيف الدروع؟ لقد تعطّر واهتدى

يا من يريد على الإله وفادة

اجعل مطيتك الجهاد المجهدا

وصل المهنّد بالضّراب لتجتني

صدرا برمّان النهود منهّدا

أو عانق السّمر الطوال فبعدها

بيض تحاكيها الغصون تأوّدا

عجبا لأحوال الشهيد فإنّه

في لمحة من دهره بلغ المدى [م ٣٥]

لا يجتني ثمر الأسنّة والقنا

إلا ويسقط عندها مثل الندى [س ٦٨]

ومثل هذا القول كثير قديما وحديثا.

__________________

ـ ساوروه : واثبوه. والعلل : الشرب بعد الشرب تباعا وهو هنا مجاز ومعناه أنه لا يسأم الحرب.

يختبل أي يهلك ويصرع. والرئبال : الأسد والذئب الخبيث.

مستنجدا : أي مجترئا .. يقال : استنجد على فلان : اجترأ عليه بعد أن كان يهابه.

والحسب : ما يعدّه المرء من مناقبه أو شرف آبائه. وقارع معناها غالب.

الدّخل : الغش.

هذه الشروح مقتبسة من تعليقات محقق أمالي المرزوقي.

١٦٦

الباب الحادي عشر

فيما يجوز فعله في الغزو

وما لا يجوز فعله فيه

١٦٧
١٦٨

فيما يجوز فعله في الغزو وما لا يجوز فعله فيه

قال سحنون : أجمع العلماء على جواز القتال في الشهر الحرام وقال إنّ الكفّ عنه كان أوّل الإسلام حتى قتل ابن الحضرميّ (١) فأنزل الله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ ، قُلْ : قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ. وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ)(٢).

قال مالك : خرج النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عام الحديبية في الشهر الحرام ، ولم أسمع أنّ أحدا قال : لا يقاتل في الشهر الحرام (٣).

فإذا (٤) وصل عسكر المسلمين إلى بلاد العدوّ فالمشركون صنفان : صنف بلغته الدعوة بالإسلام فامتنعوا وقاتلوا فيجوز قتالهم وقتلهم غرّة وبياتا ومصافّة وعلى كلّ حال ، وصنف لم تبلغهم الدعوة ، وقلّما يوجدون اليوم ، إلّا أن يكونوا وراء من يقاتلنا في أقاصي بلاد الروم وما يبعد عن المسلمين ، فهؤلاء لا يقاتلون حتّى يدعوا إلى الإسلام وتقام الحجّة عليهم ،

__________________

(١) ابن الحضرمي : المقصود به : مالك بن عباد وكان تاجرا فلما توسط أرض خزاعة عدوا عليه قتلوه وأخذوا ماله فثارت الثارات بين بكر وخزاعة إلى أن حجز بينهم الإسلام. انظر تفصيل ذلك في السيرة النبوية ٢ : ٨٤٢ ذكر الأسباب الموجبة المسير إلى مكة وذكر فتح مكة في شهر رمضان سنة ثمان.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢١٧.

(٣) خرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) في ذي القعدة إلى مكة معتمرا في آخر سنة ست للهجرة انظر السيرة النبوية ٢ : ٧٧٦.

(٤) النقل عن الأحكام السلطانية للماوردي : ٣٧.

١٦٩

قال الله العظيم : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(١) فقيل في الحكمة : إنها أمور النبوّة وإلقاء المعجزات وإظهار الحجّة. وقيل : هي القرآن ؛ وقيل في الموعظة الحسنة قولان : / [س ٦٩].

أحدهما : بالقرآن في لين من القول.

والثاني : ما فيه من الأمر والنهي (٢).

وجادلهم بالتي هي أحسن : أن يبيّن لهم الحقّ وتوضّح عليهم الحجة.

فإن قتلهم الأمير قبل ذلك غرّة وبياتا ضمن ديات نفوسهم ، وكانت على الأصحّ من مذهب الشافعيّ (٣) كديات المسلمين ، وقيل : بل كديات الكفّار على اختلافها (٤).

وقال أبو حنيفة (٥) : لا دية على الأمير في قتلهم ونفوسهم هدر. فإن أعجلونا عن الدعوة قاتلناهم قبلها (٦).

__________________

(١) سورة النحل : ١٦ : ١٢٥

(٢) الأحكام السلطانية : ٣٨.

(٣) الشافعي ١٥٠ ـ ٢٠٤ ه‍ ٧٦٧ ـ ٨٢٠ م : محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي ، أبو عبد الله ، أحد الأئمة الأربعة ، وإليه نسبة الشافعية كافة. ولد في غزة بفلسطين وحمل منها إلى مكة وهو ابن سنتين ، وزار بغداد مرتين وقصد مصر سنة ١٩٩ وتوفي بها وقبره معروف الآن بالقاهرة. عن الأعلام ٦ : ٢٦.

(٤) النقل من الأحكام السلطانية : ٣٨.

(٥) أبو حنيفة ٨٠ ـ ١٥٠ ه‍ ـ ٦٩٩ ـ ٧٦٧ م : النعمان بن ثابت ، التيمي بالولاء ، الكوفي ، إمام الحنفية ، الفقيه المجتهد المحقق ، أحد الأئمة الأربعة ، ولد ونشأ بالكوفة ، وكان يبيع الخز ويطلب العلم في صباه ، ثم انقطع للتدريس والإفتاء وأريد على القضاء فرفض ، فحبسه أبو جعفر المنصور إلى أن مات. كان أبو حنيفة قويّ الحجة ومن أحسن الناس منطقا ، كريما في أخلاقه جوادا حسن المنطق والصورة. قال الشافعي : الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة .. الأعلام ٨ : ٣٦.

(٦) النقل عن الأحكام السلطانية : ٣٨.

١٧٠

وفي حديث ابن عون (١) عن نافع (٢) وقد كتب إليه يسأله عن دعاء المشركين فقال : إنّما كان ذلك في أوّل الإسلام ، فحيث قلنا بالتوقف عنهم ودعائهم إلى الإسلام فأمكنوا من ذلك ، فإن أجابوا كفّ عنهم ، وإن أبوا طولبوا بالجزية ، فإن أجابوا طولبوا بالانتقال إلى حيث ينالهم سلطاننا والإقامة على حكم يمكّن قهرهم أو على ما يراه الإمام مصلحة ، فإن أجابوا تركوا على شرطهم وأخذوا بالجزية ، وإن أبوا عن ذلك قوتلوا كمن بلغته الدعوة ، غرّة وبياتا وقتلا وتغريقا ، وفي إضرام النار عليهم خلاف.

روي أنّ أبا بكر الصّديق رضي‌الله‌عنه حرق قوما من أهل / [م ٣٦] الرّدة (٣). وقيل لعلّ ذلك قبل أن يبلغه النهي. فإن كان فيهم أسارى من المسلمين لم يجز تحريقهم وترسل المجانيق والعرّادات على حصونهم وقلعهم في الحصار ، وإن كان فيهم نساء وصبيان ـ وقد أرسل النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على [س ٧٠] أهل الطائف منجنيقا ـ ، وتهدم عليهم بيوتهم إن ظهر ذلك للإمام نظر (٤).

__________________

(١) ابن عون : ت ١٥١ ه‍ : عبد الله بن عون بن أرطبان المزني مولاهم أبو عون الخزار البصري رأى أنس بن مالك. كان من سادات أهل زمانه عبادة وفضلا وورعا ونسكا وصلابة في السنة. تهذيب التهذيب ٣ : ٢١١ برقم : ٤٠٨٠.

(٢) نافع ت ٩٩ ه‍ ـ ٧١٧ م : نافع بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل من قريش من كبار الرواة للحديث. تابعي ثقة من أهل المدينة. كان فصيحا ، عظيم النخوة ، جهير المنطق ، يفخم كلامه ، وفيه تيه ، وكان ممن عنه ويفتى بفتواه .. تهذيب التهذيب ١٠ : ٤٠٤ والأعلام ٧ : ٣٥٢.

(٣) الأحكام السلطانية : ٥٣.

(٤) الأحكام السلطانية : ٥٢ وقد ورد في السيرة النبوية ٢ : ٦٨٣ أمر إجلاء بني النضير ، قال ابن هشام : وذلك في شهر ربيع الأول ، قال ابن إسحاق : فتحصنوا منه في الحصون ، فأمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بقطع النخيل والتحريق فيها فنادوه : أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه فما بال قطع النخيل والتحريق فيها؟ وإنما كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يعاقبهم على غدرهم وعلى نقضهم المواثيق. وهناك خلاف حول تاريخ هذا الحديث. انظر فتح الباري ـ

١٧١

وإن تترّسوا بأسارى مسلمين لم نقصد الترس وإن خفنا منهم ، لأنّ دم المسلمين لا يباح بالخوف إلّا أن يكون ذلك في صفّ القتال ، ولو تركناهم لا نهزم المسلمون وعظم الشرّ وخيف استئصال قاعدة الإسلام أو جمهور أهل القوّة من المسلمين ، وجب علينا الدفع حينئذ ولم نراع الترس على ذلك (١).

ويجب التحرّز من قتل مسلم في أيديهم ، فمن علم بأنّه مسلم فقتله لزمه الدّية والكفّارة ، وإن لم يعلم أنه مسلم لزمه الكفّارة وحدها (٢).

وإن تترّسوا بنسائهم وأطفالهم توقّي قتل النساء والأطفال ، وعمد إلى قتل المقاتلة ، فإن لم يوصل إليهم إلّا بقتل نسائهم وأطفالهم جاز ذلك (٣) ، ولا يستعان بأحد من المشركين ولا ببعضهم على بعض ، قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إنّا لا نستعين بمشرك (٤). وقيل : إنّ هذا في الصفّ والزّحف وشبه

__________________

ـ بشرح صحيح البخاري ط دار الفكر ـ بيروت ٧ : ٣٢٩ ـ ٣٣٥ وفي السيرة ٢ : ٩١٩ في ذكر غزوة الطائف أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) نزل تحت سدرة يقال لها : الصادرة ، قريبا من مال رجل من ثقيف فأرسل إليه رسول الله : إما أن تخرج وإما أن نخرب عليك حائطك. فأبى أن يخرج فأمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بإخرابه.

وجاء في شرح السير الكبير ٤ : ١٥٥٤ قد بيّنا أنه لا بأس بتحريق حصونهم وتغريقها ماداموا ممتنعين فيها ، سواء كان فيها قوم من المسلمين أسراء أو مستأمنين أو لم يكونوا ، والأولى لهم إذا كانوا يتمكنون من الظفر بهم بوجه آخر ألا يقدموا على التغريق والتحريق.

(١) الأحكام السلطانية : ٤١ ، ٤٢.

(٢) الأحكام السلطانية : ٤٢.

(٣) الأحكام السلطانية : ٤١ ـ ٤٢.

(٤) إنا لا نستعين بمشرك : جاء في سنن الترمذي ٤ : ١٢٨ برقم : ١٥٥٨ عن عائشة أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) خرج إلى بدر ، حتى إذا كان بحرّة الوبر لحقه رجل من المشركين يذكر منه جرأة ونجدة فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : تؤمن بالله ورسوله؟ قال : لا ، قال : ارجع فلن أستعين بمشرك. ـ

١٧٢

ذلك مما يخاف فيه غشّهم ولا يؤمن خذلانهم ومكرهم ، وأمّا في الخدمة والهدم ورمي المجانيق والصنعة فلا بأس بذلك. وقيل : لا بأس أن يقوم الإمام بمن سالمه منهم على من لم يسالمه من الحربيين ويأمرهم بالنكاية ، وكذلك بأهل الذمّة ، ويجوز استئجارهم إذا جوّزنا الاستعانة بهم ، وكذلك يجوز استئجار المسلمين من القاعدين والمتطوعين ، وللإمام أن يرغبهم ويعينهم بالسلاح وشبهه وبما رآه. ويجوز استئجار العبد بإذن سيّده / [س ٧١] ويستعان بالأحرار البالغين وبالمراهقين إن كان فيهم منّة.

روي أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان يعرض غلمان الأنصار في كل عام ، فمرّ به غلام فأجازه في البعث ، وعرض عليه من بعد سمرة بن جندب الفزاري (١) فردّه لصغر سنّه. فقال سمرة : يا رسول الله ، لقد أجزت غلاما ورددتني ولو صارعته لصرعته. قال : فصارعه إذن. قال سمرة : فصارعته فصرعته فأجازني رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في البعث (٢).

__________________

ـ وفي شرح السير الكبير ٤ : ١٤٣٢ برقم : ٢٧٥١ ولا بأس بأن يستعين المسلمون بأهل الشرك على أهل الشرك إذا كان حكم الإسلام هو الظاهر عليهم.

وما ذلك إلا نظير الاستعانة بالكلاب على قتال المشركين. أما إذا كان المشركون أهل منعة ولا يقاتلون تحت راية الإسلام فإنه يكره الاستعانة بهم. وقد رد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ابن أبيّ حين عرض عليه أن يخرج فيقاتل معه قال : لا ، إنا لا نستعين بمشرك .. قال محمد بن الحسن : وعندنا ، إذا رأى الإمام الصواب في ألا يستعين بالمشركين لخوف الفتنة فله أن يردّهم. شرح السير الكبير ٤ : ١٤٢٣ برقم : ٢٧٥٣ وانظر الأحكام السلطانية : ٦٠.

(١) سمرة بن جندب ت ٦٠ ه‍ ـ ٦٧٩ م : سمرة بن هلال الفزاري ، من الشجعان القادة ، نشأ في المدينة ، ونزل البصرة ، فكان زياد يستخلفه عليها إذا سار إلى الكوفة ، ولما مات زياد أقرّه معاوية عاما أو نحوه ثم عزله ، وكان شديدا على الحرورية ، وله رواية عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم).

الإصابة ٣ : ١٣٠ برقم : ٣٤٦٧ والأعلام ٤ : ١٣٩.

(٢) في السيرة النبوية ٢ : ٥٨٨ في غزوة أحد قال ابن هشام : وأجاز رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يومئذ ـ

١٧٣

ويستعان بالعبيد إن أذن سادتهم. روي أنّ عبدا قاتل مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال له رسول الله : أأذن لك سيّدك؟ قال : لا ، قال : لو قتلت لدخلت النار. قال سيّده : هو حرّ يا رسول الله. فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الآن فقاتل (١).

ويجوز تحريق أرض العدوّ وزرعهم وعقر دوابّهم إن لم يمكن أن يملكها المسلمون ، وكذلك قطع شجرهم وتخريب بلادهم ، وفعل كلّ ما ينكيهم إذا رأى الإمام في ذلك صلاحا واستعجالا بإسلامهم أو ليضعفهم به فيعين ذلك على الظّفر بهم عنوة أو صلحا ، فإن لم ير ذلك / [م ٣٧] نظرا للمسلمين تركه.

وقد قطع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كروم الطائف فكان سببا لإسلامهم وأمر في بني النضير (٢) بقطع نوع من نخلهم يقال له : الأصفر يرى نوى التمرة منه من وراء لحائها ، وكانت النخلة أحبّ إليهم من الوصيف فحزنوا له. ولمّا كان ذلك عظم في صدور المسلمين فقالوا : يا رسول الله ، هل لنا فيما قطعنا من أجر وعلينا فيما تركنا من وزر؟؟

__________________

ـ سمرة بن جندب الفزاري ورافع بن خديج أخا بني حارثة وهما ابنا خمس عشرة سنة. وكان قد ردّهما فقيل له : يا رسول الله ، إنّ رافعا رام فأجازه. فلما أجاز رافعا قيل له : يا رسول الله ، فإن سمرة يصرع رافعا فأجازه.

(١) جاء في شرح السير الكبير ٤ : ١٤٥٥ برقم : ٢٨٢٤ والعبد لا يغزو بغير إذن مولاه إذا لم يكن النفير عاما ، لأن خدمة المولى وطاعته فرض عليه بعينه. وعند النفير العام لا بأس بأن يخرج إلى ذلك المكان بغير إذن مولاه لأنه يدفع بخروجه عن نفسه وعن مولاه وعن سائر المسلمين.

(٢) انظر شرح السير الكبير ٤ : ١٤٦٧ والأحكام السلطانية ٥٢ ، ٥٣ والسيرة النبوية ٢ : ٦٨٣ أمر إجلاء بني النضير.

١٧٤

فأنزل الله عزوجل / [س ٧٢](ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ)(١) ويكره تحريق النّخل وتغريقها إلّا أن يكثر انتفاع العدوّ بها ويؤثّر فيهم فقدها فيجوز ذلك (٢).

ويجوز تغوير مياههم وقطعها عنهم وإن كان فيهم نساء وأطفال لأنّه أقوى الأسباب في ضعفهم والظّفر بهم. وإذا استسقى منهم عطشان كان الأمير مخيّرا بين سقيه أو منعه كما هو بين قتله أو تركه إذا أسره ، ومن قتل منهم واراه عن الأبصار ، وقد أمر النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بإلقاء قتلى بدر في القليب ، وهي البئر غير المطويّة (٣) ، ولا يحرق بالنّار منهم حيّ ولا ميّت. روي أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : (لا تعذّبوا عباد الله بعذاب الله) (٤) وتحريق الأموات لا فائدة فيه من ألم ولا نكاية ، وفي المثل : (الشاة المذبوحة لا تألم للسّلخ) وقد نهي عن المثلة (٥) والحرق أشدّ منها.

__________________

(١) سورة الحشر : ٥٩ : ٥ جاء في الأحكام السلطانية بعد ذكر هذه الآية ص ٥٣ ما يلي :

وفي «لينة» أربعة أقوال : أحدها : أنها النخلة من أي الأصناف كانت .. وهذا قول مقاتل.

والثاني : أنها كرام النخل. وهذا قول سفيان.

والثالث : أنها الفسيلة لأنها ألين من النخلة.

والرابع : أنها جميع الأشجار للينها بالحياة.

(٢) الأحكام السلطانية : ٥٣ وشرح السير الكبير ٤ : ١٤٦٧ برقم : ٢٨٥٥.

(٣) انظر خبر إلقاء قتلى المشركين في القليب في السيرة النبوية ١ : ٤٦٨ في أخبار وقعة بدر.

(٤) الحديث في فيض القدير : ١٢ : ٦٤٤٢ برقم : ٩٨٣٠ : لا تعذبوا بعذاب الله. عن ابن عباس. قال محققه : أخرجه البخاري ٦ : ٣٠١٧ وأبو داود ٤ : ٤٣٥١ والترمذي ٤ : ١٤٥٨ والنسائي ٧ : ٤٠٧١ وابن ماجة ٢٥٣٥ والحاكم ٣ : ٥٣٩ وورد في سنن أبي داود ٤ : ١٢٦ برقم : ٤٣٥١ : حدثنا أحمد ابن محمد بن حنبل ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، أخبرنا أيوب عن عكرمة أن عليا عليه‌السلام أحرق ناسا ارتدوا عن الإسلام فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لم أكن لأحرقهم بالنار ، إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) قال : لا تعذبوا بعذاب الله. وكنت قاتلهم بقول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) فإن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) قال : من بدّل دينه فاقتلوه. فبلغ ذلك عليا عليه‌السلام فقال : ويح ابن عباس.

(٥) الشاة المذبوحة لا تألم السلخ. ذكره الميداني في مجمع الأمثال ٢ : ٢١١ في الأمثال المولدة ـ

١٧٥

ولا يجوز حمل رؤوس الكفّار من بلد إلى بلد ، ولا إلى الولاة ، وقد كرهه أبو بكر (١) وقال : هذا فعل أهل العجم وبه قال سحنون. وقيل : يجوز ذلك (٢).

وفي كتاب الشرف (٣) أنّ أوّل رأس علق في الإسلام رأس أبي عزّة (٤) ، جعل في رمح وحمل إلى المدينة ، ويحتمل أن يكون ذلك إلى نظر الإمام على ما يراه بحسب الحال.

__________________

ـ جاء في السيرة النبوية ٢ : ٦١١ في أخبار غزوة أحد أن الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) نهى عن المثلة. وفيه عن سمرة بن جندب قال : ما قام رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) في مقام قط ففارقه حتى يأمرنا بالصدقة وينهانا عن المثلة.

(١) جاء في شرح السير الكبير ١ : ١١٠ برقم : ١٠٥ وذكر عن عقبة بن عامر الجهني رضي‌الله‌عنه أنه قدم على أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه برأس يناق البطريق. فأنكر ذلك. فقيل له : يا خليفة رسول الله ، إنهم يفعلون ذلك بنا فقال : فاستنان بفارس والروم؟!! لا يحمل إليّ رأس ، إنما يكفي الكتاب والخبر.

(٢) قال السرخسي في شرح السير الكبير : ١١٠ وأكثر مشايخنا رحمهم‌الله على أنه إذا كان في ذلك كبت وغيظ للمشركين أو فراغ قلب للمسلمين بأن كان المقتول من قواد المشركين أو عظماء المبارزين فلا بأس بذلك.

واستدل على ذلك بأن عبد الله بن مسعود حمل رأس أبي جهل إلى الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ولم ينكر عليه ذلك. وجاء محمد بن مسلمة إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) برأس كعب بن الأشرف فلم ينكر عليه ذلك. انظر شرح السير الكبير ، الموضع السابق.

(٣) الشرف الوافي : هو عنوان الشرف الوافي في الفقه والتاريخ والنحو والعروض والقوافي لشرف الدين إسماعيل بن أبي بكر اليمني المعروف بابن المقري المتوفى عام ٨٣٧ ه‍ وهو كتاب عجيب لا يغني وصفه عن مشاهدته. طبع بمؤسسة دار العلوم بالدوحة بقطر بلا تاريخ بمراجعة عبد الله إبراهيم الأنصاري بعنوان «الشرف الوافي» ثم صحح العنوان في الطبعة الثانية إلى «عنوان الشرف الوافي».

(٤) أبو عزة ت ٣ ه‍ ـ ٦٢٥ م : عمرو بن عبد الله بن عثمان الجمحي ، شاعر جاهلي ، من أهل مكة ، أدرك الإسلام وأسر على الشرك يوم بدر ، فأتي به إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) فقال : يا رسول الله ، لقد علمت ، مالي من مال ، وإني لذو حاجة وعيال ، فامنن عليّ ولك ألا أظاهر عليك أحدا ، ـ

١٧٦

ولا يجوز قتل النساء والصبيان في حرب ولا غيرها مالم يقاتلوا ، فإن قاتلوا قتلوا مقبلين وتركوا مدبرين. وروي أن النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ نهى عن قتل الوصفاء والعسفاء. فالوصفاء : المماليك ، والعسفاء (١) / [س ٧٣] الأجراء. فإن شكّ في بلوغ الصبيّ كشف عن مؤتزره واعتبر نبات شعر العانة منه.

وقيل : لا يقتل إلا المحتلم ولا يقتل الشيخ الفاني ولا الرهبان أهل الصوامع والدّيارات خارج المدينة ، إلّا أن يكون منهم ذو رأي وتدبير ويخشى منه أذيّة فيقتل ، وقد يكون الرأي أنكى من القتال (٢). وقد قتل دريد ابن الصّمة في حرب هوازن يوم حنين وقد جاوز مئة سنة من عمره ، ورسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يراه ودريد يقول حين قتل (٣) :

__________________

ـ فامتن عليه فنظم قصيدة يمدحه بها (السيرة ١ : ٤٨٧) ثم لما كان يوم أحد دعاه صفوان بن أمية سيد بني جمح للخروج فقال : إن محمدا قد منّ عليّ وعاهدته أن لا أعين عليه ، فلم يزل به يطمعه حتى خرج وسار في بني كنانة واشترك مع عمرو بن العاص (قبل إسلامه) في استنفار القبائل ، ونظم شعرا يحرض به على قتال المسلمين ، فلما كانت الوقعة (أحد) أسره المسلمون ، فقال : يا رسول الله ، امنن عليّ ، فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. لا ترجع إلى مكة تمسح عارضيك وتقول : خدعت محمدا مرتين وأمر به عاصم بن ثابت فضرب عنقه.

السيرة النبوية ١ : ٤٨٦ ، ٤٨٧ (غزوة بدر) و ٢ : ٦١٦ ، ٦٣٦ (غزوة أحد) والأعلام ٥ : ٨٠.

(١) في السيرة النبوية ٢ : ٩٠٠ ، ٩٠١ في يوم حنين : قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أصحابنا أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) مرّ يومئذ بامرأة قد قتلها خالد بن الوليد والناس متقصفون عليها فقال : ما هذا؟ فقالوا : امرأة قتلها خالد بن الوليد .. فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) لبعض من معه : أدرك خالدا فقل له : إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ينهاك أن تقتل وليدا أو امرأة أو عسيفا.

(٢) انظر تفصيل القول في ذلك في شرح السير الكبير ٤ : ١٥٥٤ والأحكام السلطانية ٤١ وما بعدها.

(٣) انظر الخبر في السيرة النبوية ٢ : ٨٩٦ (يوم حنين في سنة ثمان بعد الفتح).

١٧٧

أمرتهم أمري بمنعرج اللّوى

فلم يستبينوا النّصح إلا ضحى الغد

فلّما عصوني كنت فيهم وقد أرى

غوايتهم ، إنّي إذن غير مهتد

وقد قيل : يقتلون على الجملة. وعلى القول بتركهم فيترك لهم من أموال معاشهم قدر الكفاية ، فإن كانت أكثر أخذ ما زاد على الكفاية.

وفي المترهّبات من النّساء قولان :

أحدهما : أسرهنّ إذ الرهبانيّة / [م ٣٨] تختص بالرجال.

والثاني : تركهنّ لانقطاعهنّ عن أهل الكفر.

ولا يقتل المعتوه ولا الأعمى ولا الزّمن ، إلّا أن يكون الأعمى والزّمن من ذوي الرأي ويخشى منهما إذاية فيقتلان. وقيل : لا يقتلان على حال (١).

ولا يقتل المسلم أباه الكافر إلّا أن يضطره أو يخافه على نفسه ، وسيرد ذلك وبعض ماورد فيه في باب المبارزة إن شاء الله (٢).

ومن قتل من لم يبح له قتله ، فإن كان في دار الحرب قبل أن يصير مغنما فليستغفر الله ولا شيء عليه ، وإن كان بعد أن صار مغنما فعليه قيمته يجعله في المغنم.

ولا يمنع الجيش من التبسّط في أطعمة العدوّ وما داموا في الحرب لحاجتهم إلى ذلك من القوت واللحم والشعير للعلوفة وشبه ذلك (٣).

__________________

(١) انظر شرح السير الكبير ٤ : ١٤١٥ باب من يكره قتله من أهل الحرب من النساء وغيرهم.

(٢) انظر شرح السير الكبير ١ : ١٠٦ باب قتل ذي الرحم المحرم. وسيأتي التعليق على هذا الموضع في باب المبارزة.

(٣) انظر شرح السير الكبير ٤ : ١١٧٤ باب ما يأخذه الرجل في دار الحرب فيكون أهل العسكر فيه شركاء وما لا يكون. والأحكام السلطانية ٥٤.

١٧٨

ويجوز ذبح الأنعام للأكل ومنعه بعضهم ، والجواز أكثر وأشهر. فعلى الجواز ينتفع ذابحها بجلودها إن احتاج إليها ، فإن استغنى عنها ردّها إلى المغنم ، ويجوز الأكل لمن معه طعام ولمن لا طعام له ، ولكن بقدر الحاجة ، فإن فضل منه شيء بعد الرجوع إلى دار الإسلام وتفرّق الجيش تصدّق به إن كان كثيرا ، وينتفع به إن كان يسيرا (١).

قال ابن حبيب : من السنّة أن لا يقسم مطعم ولا مشرب ، ومن أصابه أحقّ به إلّا أن يواسي فيه أو يكون فيه فضل عن حاجته ، وله أن ينفق منه إلى منصرفه ، فما فضل تصدّق به ، ولا ينفقه في أهله إلا التّافه مثل يسير من قديد وكعك والحجّة في ذلك حديث الجراب (٢) :

روي أنّ رجلا غنم جراب شحم في محاصر خيبر فنازعه فيه صاحب المغانم. فقال الرجل : لا والله حتّى أذهب به إلى أصحابي. فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ خلّ بين الرجل وبين جرابه يذهب به إلى أصحابه (٣).

وقال ابن القاسم (٤) في الرجل يغنم الطعام والودك من منازل الرّوم فيقدم على أهله فيأكله في القرار :

__________________

(١) انظر شرح السير الكبير ٤ : ١١٨٤ برقم : ٢٢٠٥.

(٢) السيرة النبوية ٢ : ٨٠٢ وسنورد الحديث بتمامه في التعليق التالي.

(٣) الخبر بتمامه كما ورد في السيرة النبوية ٢ : ٨٠٢ (نبذ من ذكر وادي القرى) قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن عبد الله بن مغفل المزنيّ قال : أصبت من فيء خيبر جراب شحم فاحتملته على عاتقي إلى رحلي وأصحابي قال : فلقيني صاحب المغانم الذي جعل عليها ، فأخذ بناحيته (لعلها بناصيته) وقال : هلم هذا نقسمه بين المسلمين ، قال : قلت : والله لا أعطيكه ؛ قال : فجعل يجاذبني الجراب. قال : فرآنا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ونحن نصنع ذلك. قال : فتبسم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ضاحكا ثم قال لصاحب المغانم : لا أبالك ، خل بينه وبينه قال : فأرسله ، فانطلقت به إلى رحلي وأصحابي فأكلناه.

(٤) ابن القاسم ١٣٢ ـ ١٩١ ه‍ ـ ٧٥٠ ـ ٨٠٦ م : عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة ـ

١٧٩

لا بأس بذلك ، وكرها له بيعه ، وقال محمد : يتصدّق منه حتّى يبقى اليسير فيأكله مع أهله.

وليس على الناس استئمار الإمام في كلّ ما وجد من بقر وغنم ، ولو نهاهم السلطان عن إصابة / [س ٧٥] ذلك ثم اضطروا إليه لكان لهم أكله. ولو أخذ الناس حاجتهم من ذلك وفضلت فضلة فضمّها صاحب المغنم لكان للنّاس أكل ذلك إن احتاجوا إليه ، أو من احتاج منهم ، ولا بأس بأكل طعام العدوّ قبل الدعوة فيمن يدعى منهم. ولا بأس بما لتّ من السّويق بسمنهم وعسلهم ، فإذا لم يقدروا على البقر بالذّبح أو النّحر فلهم عقرها ويأكلون ماذكّوا مما لم يبلغ المقاتل ، والمعرقبة أسلم في ذلك إن أمكنهم ، ولا يجوز النهبة في ذلك ولا بأس بخبز الرّوم. ولا يؤكل خبز المجوس ولا ما ذكّاه المجوس ، وما كان ليس فيه ذكاة من طعامهم فليس بحرام.

قال ابن حبيب : والعلف كالطّعام في الإباحة ، فمن خرج بفضلة منه إلى دار المسلمين فلا بأس به إن كان يسيرا وإن كان ماله باب تصدّق به. وقد تقدّم ذكر ما يقدم به على أهله من الطعام / [م ٣٩] ومن جهل فباع شيئا ممّا ذكر ردّ ثمنه إلى المغنم. ورد ذلك عن عمر رضي‌الله‌عنه ، والمشتري أعذر فيه من البائع ، وليعلم صاحب المغانم ، قال ابن القاسم : وإن باع الغازي طعاما من غير غاز بطعام غيره أو بعلف فلا بأس به.

__________________

ـ العتيقي المصري أبو عبد الله ، ويعرف بابن القاسم ، فقيه ، جمع بين الزهد والعلم والفقه. تفقه بالإمام مالك ونظرائه ، مولده ووفاته بمصر. له المدونة : طبعت في ستة عشر جزءا وهي من أجل كتب المالكية رواها عن الإمام مالك. عن الأعلام ٥ : ٣٢٣.

وفي أصلنا : ابن القاسم وسالم (أو وسلام) وقد حذفناها لأنه ينقل عن ابن القاسم وحده عادة.

١٨٠