تحفة الأنفس وشعار سكّان الأندلس

علي بن عبد الرحمن بن هذيل الأندلسي

تحفة الأنفس وشعار سكّان الأندلس

المؤلف:

علي بن عبد الرحمن بن هذيل الأندلسي


المحقق: عبد الإله أحمد نبهان و محمّد فاتح صالح زغل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مركز زايد للتراث والتاريخ
المطبعة: دار البارودي للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9948-06-105-5
الصفحات: ٤٠٦

فيما يجب على الأمير أن يفعله في السّفر [م ١٨]

يجب على الأمير أن يسير جيشه وجمعه بسير أضعفهم ، وفي ذلك الرّفق الذي يبلغ به الضعيف ويتوفّر عليه جلد القويّ ، وفي خلاف ذلك استهلاك الضعيف واستفراغ جلد القويّ (١).

قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : إنّ الدين متين فأوغلوا فيه برفق ، فإنّ المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ، وشرّ السير الحقحقة (٢).

وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سيروا بسير أضعفكم (٣). وقال عليه‌السلام :

__________________

(١) أصل ذلك ما ورد في رسالة عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص : وترفّق بالمسلمين في مسيرهم ولا تجشمهم مسيرا يتعبهم ، ولا تقصر بهم عن منزل يرفق بهم حتى يبلغوا عدوهم والسفر لم ينقص قوتهم فإنهم سائرون إلى عدو مقيم حامي الأنفس والكراع. العقد ١ : ١٣٠.

وانظر الشروط المفروضة على قائد الجيش في نهاية الأرب ٦ : ١٥٢ نقلا عن الأحكام السلطانية للماوردي : ٣٥.

(٢) الحديث في نهاية الأرب ٦ : ١٥٢ وهو في الجامع الصغير. والمنبتّ : المنقطع وهو أيضا في الأحكام السلطانية للماوردي ٣٥. والحقحقة : أرفع السير وأتعبه للظهر أو اللجاج في السير ، أو السير أول الليل ، أو أن يلج في السير حتى تتعب راحلته أو تنقطع. عن القاموس المحيط.

(٣) ورد الحديث في كتاب : المصنوع في معرفة الحديث الموضوع ص ١١٢ برقم : ١٥٨ بلفظ : سيروا على سير أضعفكم .. قال السخاوي : لا أعرفه بهذا اللفظ.

قال محقق الكتاب : تمام كلام السخاوي في المقاصد الحسنة ص ٢٤٧ ، ولكن معناه في قوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) لعثمان بن أبي العاص رضي‌الله‌عنه حين أمّره على الطائف : يا عثمان تجاوز في الصلاة واقدر الناس بأضعفهم ، فإن فيهم الكبير والصغير ، والسقيم والبعيد وذا الحاجة ، وهو عند الشافعي في «سننه» والترمذي وقال : حسن وابن ماجة ١ : ٣١٦ واللفظ له وصححه ابن خزيمة والحاكم في «المستدرك» ١ : ١٩٩ و ٢٠١ وقال إنه على شرط مسلم. ونحوه عند الحارث ابن أبي أسامة عن أبي هريرة رفعه : يا أبا هريرة إذا كنت إماما فقس الناس بأضعفهم وفي ـ

١٠١

«الضعيف أمير الرّفقة» (١) ، يريد أنّ من ضعف أو ضعفت دابّته التي تحمله ، كان على القوم أن يسيروا بسيره ، ويتفقّد ذلك الإمام ، ويحبس على الناس بسير دابّته.

وروي : أقطف القوم دابة أميرهم.

ولا بأس إذا كان القوم كلّهم أقوياء واحتاجوا إلى جدّ السير والإسراع أن يفعلوا ذلك ، فقد سار ابن عمر وسعيد بن أبي هند وكانا من خير الناس من المدينة إلى مكة في ثلاثة أيام ، وهي عشرة أيام على السير المعتاد.

وعليه أن يتفقّد خيلهم التي يجاهدون عليها ، وظهرهم التي يمتطونها وتحمل أثقالهم وأمتاعهم ، فيخرج من خيل جهادهم القحم الكبير والحطم الكسير ، والضرع الصغير ، والأعجف الهزيل ، فإنّها لا تغني ، وربما كان الضعيف من ذلك وهنا في العسكر [س ٣٤] ويردّ من لا يقدر على

__________________

ـ لفظ : بأضعفهم فإن فيهم ... قال المحقق : قلت : روى مسلم ٤ : ١٨٦ وأبو داود ١ : ١٤٦ والنسائي ٢ : ٢٣ وابن ماجة ١ : ٣١٦ واللفظ للنسائي : «عن عثمان بن أبي العاص رضي‌الله‌عنه قال : قلت : يا رسول الله ، اجعلني إمام قومي ، فقال : أنت إمامهم واقتد بأضعفهم» ومعنى اقتد بأضعفهم أي راع ضعفه في طول القيام والقراءة حتى كأنك تقوم وتركع على ما يريد ، فتكون كالتابع له.

(١) الضعيف أمير الرفقة. قال الماوردي في الأحكام السلطانية : ٣٥ وروي عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) أنه قال : «المضعف أمير الرفقة». يريد أن من ضعفت دابته كان على القوم أن يسيروا بسيره ، والثاني أن يتفقد خيلهم التي يجاهدون عليها وظهورهم التي يمتطونها ، فلا يدخل في خيل الجهاد ضخما كبيرا ولا ضرعا صغيرا ولا حطما كسيرا ولا أعجف زارحا هزيلا ، لأنها لا تقي وربما كان ضعفها وهنا ، ويتفقد ظهور الامتطاء والركوب ، فيخرج منها ما لا يقدر على السير ويمنع من حمل زيادة على طاقتها.

١٠٢

السير ، ويمنع أن يحمل على الظهر ما لا يطيقه ، ويوكّل بالسّاقة (١) رجالا في الدخول إلى دار الحرب وفي الخروج يلحقون من تخلّف ويقفون على الضعيف (٢).

كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : ابغوني في الضّعفاء فإنّما ترزقون بهم وتنصرون بضعفائكم(٣).

ومن له دابّة لا فضل فيها تحبسه عن الناس نزعوها عنه أو نزعوه عنها وألحقوه بالناس وإن رأوا ذبحها ذبحوها ولا ضمان عليهم فيها.

وعليه (٤) أن يراعي أمر المقاتلة من المسترزقة والمطوّعة ويعرّف على كلّ فريق من يثق به من العرفاء والنّقباء ليعرف من قبلهم أحوال جنده ويبلّغون عمّن لديهم إلى الأمير ما يحتاجون إليه ، وعن الأمير إليهم الأوامر والنّواهي ، ويدعونهم عند الحاجة فذلك أسرع في الحثّ على الجهاد وأهبة الاستعداد. وقد فعله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ويأخذهم بامتثال أوامره ونواهيه فيما يراه من النظر لهم في حربهم وغير ذلك من مصالحهم ، فمن عصاه فله أدبه بحسب حاله ، ولا يغلظ ولا يفرط فيوحشهم قال تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ

__________________

(١) الساقة : مؤخرة الجيش.

(٢) النقل بتصرف عن الأحكام السلطانية للماوردي : ٣٥.

(٣) ورد الحديث في فيض القدير ١ : ١٥٤ برقم : ٥٨ بلفظ : أبغوني في الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم. والذي في أصلنا : أبقوني وهو تصحيف وعن محقق فيض القدير قال : أخرجه أحمد في مسنده ٥ : ١٩٨ وأبو داود ٣ : ٥٩٤ والترمذي ٤ : ١٧٠٢ والنسائي ٦ : ٣١٧٩ وابن حبان ٧ : ١٣٣ والحاكم في المستدرك ٢ : ١٠٦ عن أبي الدرداء. وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد. وصححه الألباني في صحيح الجامع.

(٤) النقل عن الأحكام السلطانية ص ٣٦ وما بعدها بتصرف.

١٠٣

حَوْلِكَ ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ، فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)(١).

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خير دينكم أيسره» (٢) فإن كان الأمير الأعلى فله ذلك على [س ٣٥] الإطلاق في كل زمان ومكان ، وإن كان أميرا خاصّا على عسكر بعينه أو سرية [م ١٨] أو التوجّه إلى ثغر بعينه فله ذلك في عسكره أو سريّته أو مصافة ثغره ، فإذا استقرّ في ثغره فله فيه مثل ذلك. ولا يتعدّى من أمّر عليه في خصوص أو عموم وسيأتي حكم وليّ الثّغر بعد إن شاء الله.

وعليه أن يجعل لكلّ طائفة شعارا يتداعون بها ويتميزون عند الاجتماع فيه ، ويهتدي به من ضلّ عن أصحابه ويرجع به إلى قومه في حال القتال أو غيره ، فيكون بذلك التعاون والتّصابر (٣).

روي أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل شعار المهاجرين : «يا بني عبد الرحمن» وشعار الخزرج : «يا بني عبد الله» وشعار الأوس : «يا بني عبيد الله» وسمّى خيله : يا خيل الله (٤) وكان من شعار الصحابة يوم حنين : «يا أصحاب سورة البقرة».

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٥٩.

(٢) في الجامع الصغير ٢ : ١٠ خير دينكم أيسره ، عن أحمد وعن البخاري في الأدب المفرد عن محجن بن الأدرع والطبراني في الكبير عن عمران بن حصين. وعن الطبراني في الأوسط وابن عدي في الكامل عن أنس ، وورد في شرح السير الكبير ١ : ٢٣٨ خير دينكم اليسر.

(٣) النقل عن الأحكام السلطانية للماوردي ٣٦ بتصرف.

(٤) النقل عن الأحكام السلطانية ٣٦.

١٠٤

وقال عليه‌السلام : إذا لقيتم العدوّ فشعاركم «حم. لا ينصرون» ، أي اللهمّ.

وقال سحنون : الشّعار من الأمر القديم.

قال ابن عباس : كان الشعار يوم بدر : يا منصور (١).

وعليه أن يتصفّح جيشه ، ويخرج من عنده تخذيل للمجاهدين أو عين للمشركين أو إرجاف بالمسلمين ، وقد ردّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الله بن أبيّ ابن

__________________

(١) جاء في شرح السير الكبير ١ : ٧٤ برقم : ٥٩ : قال محمد رحمه‌الله : وينبغي أن يتخذ كل قوم شعارا إذا خرجوا في مغازيهم حتى إن ضل رجل عن أصحابه نادى بشعارهم ، وكذلك ينبغي أن يكون لأهل كل راية شعار معروف ، حتى إن ضل رجل عن أهل رأيته نادى بشعاره فيتمكن من الرجوع إليهم ، وليس ذلك بواجب في الدين ، حتى لو لم يفعلوا لم يأثموا ، ولكنه أفضل وأقوى على الحرب ، وأقرب إلى موافقة ما جاءت به الآثار على ما روي عن سنان ابن وبرة الجهني قال : كنا مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) في غزوة المريسيع وهي غزاة بني المصطلق ، وكان شعارنا : يا منصور أمت.

قال السرخسي : معناه قد ظفرت بالعدو فاقتل من شئت منهم ، وهذ كان شعار النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يوم بدر ، وكان شعاره يوم أحد : أمت أمت.

قال محمد : وعن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : جعل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) شعار المهاجرين : يا بني عبد الرحمن. والخزرج يا بني عبد الله. والأوس : يا بني عبيد الله. وقال لهم رسول الله ليلة في حرب الأحزاب : إن بيتم الليلة فشعاركم : حم. لا ينصرون.

وكان شعارهم يوم حنين : يا أصحاب سورة البقرة وبه ناداهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) حين ولّوا منهزمين فقال : يا أصحاب سورة البقرة! إليّ أنا عبد الله ورسوله سائر اليوم. وجعل يتقدم في نحر العدو ، فرجع إليه المسلمون حين سمعوا صوته.

وفي رواية : كان شعارهم يومئذ : حم لا ينصرون. فلما ثاب المسلمون ـ أي رجعوا إليه ـ تولّى المشركون. فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) : انهزموا وياسين. قال السرخسي : فالحاصل أن الشعار هو العلامة ، فالخيار في ذلك إلى إمام المسلمين ، إلا أنه ينبغي له أن يختار كلمة دالة على ظفرهم على العدو بطريق التفاؤل. فقد كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يعجبه الفأل الحسن.

قلت : وقد ورد في شرح السيرة النبوية ٢ : ٨٩٠ أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) كان يقول يوم حنين : يا معشر أصحاب السّمرة.

١٠٥

سلول (١) في بعض غزواته بتخذيله للمسلمين (٢) ، وكذلك يتحرّز ممّن بينه وبين العدوّ عهد أو مراسلة ومكاتبة ، ويستخبر الثقات المأمونين المعروفين بالنّصيحة والورع إن كان من هذه صفته في قومه [س ٣٦] عمّا يسمعونه ويخبرونه من عامّة العسكر.

وقد جاء في الحديث بيان عقوبة فاعل ذلك ، وهو في حديث الظعينة التي أطلع الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم على خبرها ، فأرسل إليها وأمر بأخذ الكتاب منها ، وأن يخلى سبيلها إن دفعته ، وإن منعته قتلت ، فأخرجته من عقاصها فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة (٣) إلى ناس من المشركين أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقال : يا حاطب ما هذا؟ قال : يا رسول الله ، لا تعجل عليّ ، إنّي كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكّة يحمون بها أهلهم وأموالهم ،

__________________

(١) عبد الله بن أبيّ ت ٩ ه‍ ـ ٦٣٠ م : عبد الله بن أبي بن مالك بن الحارث بن عبيد الخزرجي ، أبو الحباب المشهور بابن سلول ، وسلول جدته لأبيه من خزاعة. هو رأس المنافقين في الإسلام من أهل المدينة ، كان سيد الخزرج في آخر جاهليتهم ، وأظهر الإسلام بعد وقعة بدر ولما تهيأ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) لوقعة أحد انخزل عبد الله بن أبيّ وكان معه ٣٠٠ رجل ، وعاد بهم إلى المدينة ، وفعل ذلك يوم التهيؤ لغزوة تبوك ، وكان كلما حلت بالمسلمين نازلة شمت بهم وكلما سمع سيئة نشرها وله في ذلك أخبار ولما مات صلّى عليه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) فنزلت «ولا تصلّ على أحد منهم» وكان عملاقا يركب الفرس فتخط إبهاماه في الأرض. عن الأعلام ٤ : ٦٥ وأخباره في السيرة النبوية في غزوة أحد وتبوك وغيرهما.

(٢) النقل من الأحكام السلطانية : ٣٧.

(٣) حاطب : ٣٥ ق. ه ـ ٣٠ ه‍ ـ ٥٨٦ ـ ٦٥٠ م : حاطب بن أبي بلتعة اللخمي ، صحابي ، شهد الوقائع كلها مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وكان من أشد الرماة في الصحابة ، وكانت له تجارة واسعة ، بعثه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بكتابه إلى المقوقس صاحب الإسكندرية ، ومات في المدينة ، وكان أحد فرسان قريش وشعرائها في الجاهلية.

الإصابة ١ : ٣١٤ برقم : ١٥٣٣ والأعلام ٢ : ١٥٩ والسيرة النبوية ١ : ٥٠٣ و ٢ : ٨٥٠.

١٠٦

فأحببت إذ فاتني ذلك في النّسب أن أتّخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي ، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قد صدقكم.

فقال عمر : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق.

قال : إنّه قد شهد بدرا ، وما يدريك لعلّ الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ، فأنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي ، تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ ، وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ)(١). ففي هذا الخبر ما يدلّ على أنّ من كاتب العدوّ [س ٣٧] قتل ، لأنّ علّة إبقاء [م ١٩] حاطب : تصديق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إيّاه في عذره ولا يصحّ ذلك لغيره ، وأنه كان من أهل بدر وقد ورد فيهم ما ورد.

وفيه أيضا : أن لا يوالى كافر ولا يلقى إليه بمودّة ، قال سحنون : ومن قاتل أهل الحرب قتل ولم يستتب ، وماله لورثته.

وقال غيره : يجلد ويطال حبسه وينفى من الموضع الذي يقرب من العدوّ.

__________________

(١) سورة الممتحنة ٦٠ : ١ ـ ٤ : وخبر حاطب مع ما ورد فيه من الحديث والآيات في السيرة النبوية ٢ : ٨٤٩ ، ٨٥٠ ، ٨٥١ وانظر الأحكام السلطانية : ٤٧ ، ٤٨.

١٠٧

وروي أنّ عينا من المشركين جاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلمّا طعم انسلّ ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : عليّ بالرّجل ، اقتلوه ، فابتدره القوم ، فسبقهم سلمة ابن الأكوع (١) فقتله فنفّله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سلبه (٢).

فعلى هذا كله يجب على الأمير تصفّح جيشه واستعراض قومه واستنفاض عسكره.

وعليه أن يكون أسوة لأهل عسكره جهده في أحواله وأقواله ، وأن يشاور أهل الرأي والحنكة ، قال الله تعالى : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)(٣) واختلف الناس في هذا الأمر للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع ما أيده الله به من التوفيق ، وأعانه به من التأييد ، فقيل : إنّه ليستقرّ له الأمر الصحيح فيعمل عزمه ، وقيل : ذلك لما في المشاورة من الفضل والنّفع والأدب مع الأصحاب ، وقيل : إن ذلك ليستنّ به المسلمون ويتبعه به المؤمنون ، وإن كان عن مشاورتهم غنيّا ، قال الحسن (٤) : ما تشاور قوم إلّا هدوا لأرشد أمرهم (٥).

__________________

(١) سلمة بن الأكوع ت ٧٤ ه‍ ـ ٦٩٣ م : سلمة بن عمرو بن سنان الأكوع الأسلمي ، صحابي ، من الذين بايعوا تحت الشجرة ، غزا مع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) سبع غزوات منها الحديبية وخيبر وحنين وكان شجاعا بطلا راميا عدّاء ، وهو ممن غزا إفريقية في أيام عثمان. توفي بالمدينة. عن الأعلام ٣ : ١١٣ والإصابة ٣ : ١١٨ برقم : ٣٣٨٢.

(٢) البخاري : الجهاد والسير. حديث برقم : ٢٨٢٣.

(٣) سورة آل عمران : ٣ : ١٥٩.

(٤) ربما كان يريد الحسن البصري ٢١ ـ ١١٠ ه‍ ـ ٦٤٢ ـ ٧٢٨ م واسمه الحسن بن يسار أبو سعيد ، تابعي ، إمام البصرة وحبر الأمة في زمنه ، وهو أحد العلماء الفقهاء الفصحاء الشجعان النساك ، ولد بالمدينة وشب في كنف عليّ بن أبي طالب ، واستكتبه الربيع بن زياد والي خراسان في عهد معاوية وسكن البصرة وعظمت هيبته في القلوب. عن الأعلام ٢ : ٢٢٦.

(٥) الأحكام السلطانية : ٤٣.

١٠٨

وعليه أن يستدني أهل الفضل والدّين والنصيحة من المسلمين و [س ٣٨] يقرّب من أهل الثغور وشبههم أهل البصائر والممارسة للحرب والمعرفة بالجهات والطّرق والأرض التي يقصدها ، ويحسن إليهم ويطيّب نفوسهم ، ويعدهم بالثّواب على الصّدق في كل حال ، ليأمن في ذلك من كذب المخبر وغشّ النّصيح ، فإنّه لا رأي لكذوب ولا ثقة بمغلوب ولا نصح لموتور ، ولا حرمة لمهجور.

ويستخبر أهل السّير في السّير ، فما خاف أن يوقع وهنا في عسكره كتمه وينظر في التخلّص منه ، وما كان تقوية لقلوب قومه ، وبشارة بمأموله أذاعه وأفشاه ونشط ما استطاع وبشّر النفوس بما يشعر به من الظّفر ويخيّل من أسباب النصر ، ويقلّل العدوّ في أعين المسلمين ليكونوا أجرأ عليهم وأنشط في قتالهم ، قال الله تعالى : (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ)(١) ويكون ذلك بسياسة وتحذير من المكائد وتخويف من الخذلان لئلا يغتّر الناس باحتقار العدوّ [فيقع التواكل من بعض الجيش على بعض ، فيجد العدوّ فيهم فرصة ولو كان قليلا](٢).

نعوذ بالله من الخذلان ، فإنّ قلب الإنسان إذا دخله الخوف شغله الحذر ، وإذا اتّسع له الأمن استلبته الغرّة (٣).

وعليه أن يعد أهل البصيرة والبلاء بثواب الله إن كانوا من أهل الآخرة ، وبالجزاء والنّفل إن كانوا من أهل الدّنيا ، وثواب الآخرة الجنّة

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٤٢.

(٢) ما بين المعقوفتين ساقط من م.

(٣) في س : العزة.

١٠٩

وثواب الدنيا الغنيمة ، قال الله العظيم (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها ، وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها)(١) / [م ٢٠].

وعليه / [س ٣٩] أن لا يمايل من ناسبه أو صاحبه أو قاربه أو وافق رأيه ومذهبه على من باينه في شئ من ذلك ، فيكون ذلك داعية إلى تفريق الكلمة والتّشاغل بالتقاطع والمضاغنة والاختلاف ، بل يداري ويرفق ويظهر التسوية في القرب والتكافؤ في الحكم ، والتجافي عن التخصيص بالعتب والذمّ. بل يشمل فيما يكره بأن يقول : ينبغي أن لا يفعل كذا ، وفيما يجب : يجب أن يفعل كذا ، كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا كره بعض الأمور قام خطيبا ثم قال : ما بال قوم يفعلون كذا ثمّ ينهى عموما أو يأمر عموما. وقد فعل ذلك عمر رضي‌الله‌عنه وهو حسن في النّظر (٢).

وقد أغضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن المنافقين وهم أضداد في الدّين وأعداء المسلمين ، لكنّهم لمّا استتروا بالإسلام واتّسموا بصحبة خير الأنام ، أجرى عليهم حكم الظاهر (٣) ، حتى قال له بعض أصحابه : «دعني أقتل هذا المنافق ـ يعني عبد الله بن أبيّ ابن سلول ـ فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أخاف أن يقال : محمد يقتل أصحابه» (٤) فعلّمنا بذلك المداراة والصبر على الأذى واحتمال المكروه مخافة اختلاف الظنون واقتحام الأهواء على السرّ المكنون. وفيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأسوة الحسنة ، فكثّر بهم العدد وشدّ بهم الشوكة ، وكمّل بهم العدّة ، ووكلهم في ضمائرهم وسرائرهم إلى علّام

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٤٥ والنقل عن الأحكام السلطانية : ٤٣.

(٢) انظر الأحكام السلطانية : ٣٧.

(٣) الأحكام السلطانية : ٣٧.

(٤) انظر الخبر بتفصيله في السيرة النبوية : ٢ : ٧٦١.

١١٠

الغيوب (١) ، ما لم يظهر منهم التخذيل عن الجهاد ، ويبدو عليهم / [س ٤٠] مخيل الإفساد ، فحينئذ يجب إخراجهم إلى حيث تؤمن غائلتهم كما تقدّم ، قال الله تعالى : (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)(٢) قيل : إنّ المراد بالريح : الدولة ، وقيل : القوة ، وضرب لها المثل بالرّيح لقوّتها (٣) ، وقيل : يحتمل أن يكون للنصر ريح من قبل الله عزوجل تهبّ بأمره حيث شاء.

وعليه أن يأخذ جيشه بما أوجب الله تعالى من حقوقه وأمر به من حدوده ، حتى لا يكون بينهم تجاوز في دين ، ولا تحيّف في حقّ ، فمن جاهد عن الدّين [فهو] أحقّ الناس بالتزام حدوده والقيام بأحكامه والفصل بين حلاله وحرامه (٤).

روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : انهوا جيوشكم عن الفساد فإنّه ما أفسد جيش قطّ إلّا سلّط عليهم الرّجلة ، وانهوا جيوشكم عن الغلول ، فما غلّ جيش قطّ إلا قذف الله الرعب في قلوبهم ، وانهوا جيوشكم عن الزّنى فما زنى جيش قطّ إلا سلّط عليهم الموتان (٥).

__________________

(١) الأحكام السلطانية : ٣٧.

(٢) سورة الأنفال ٨ : ٤٦.

(٣) الأحكام السلطانية : ٣٧.

(٤) الأحكام السلطانية : ٤٤.

(٥) الحديث في الأحكام السلطانية : ٤٤ بهذه الرواية.

روي حارث بن نبهان عن أبان بن عثمان عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : أنهوا جيوشكم عن الفساد ، فإنه ما فسد جيش قط إلا قذف الله في قلوبهم الرعب ، وانهوا جيوشكم عن الغلول فإنه ما غلّ جيش قط إلا سلط الله عليهم الرّجلة ، وانهوا جيوشكم عن الزنى ، فإنه ما زنى جيش قط إلا سلط الله عليهم الموتان. وانظر نهاية الأرب ٦ : ١٥٨ والموّطا ، الجهاد : برقم ٨٧٠.

١١١

والرجلة : موت الدوابّ والخيل. والموتان : الوباء الذي يموت فيه عامّة الناس.

وعليه أن ينهى جيشه عن التّشاغل بالتجارة والزراعة ، فإنّ ذلك يصرف هممهم عن مصابرة العدوّ وصدق النيّة في الجهاد (١).

روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : بعثت مرحمة ومرغمة ، ولم أبعث تاجرا ولا زارعا ، وإنّ شرّ هذه الأمة التجار والزّارعون إلّا من شحّ على دينه (٢) [م ٢١].

وغزا نبيّ [س ٤١] من الأنبياء عليهم‌السلام فقال : لا يغز معي رجل بنى بناء لم يكمله ، ولا رجل تزوّج امرأة ولم يدخل بها ، ولا رجل زرع زرعا ولم يحصده (٣).

وعليه النظر في حراسة جيشه من غرّة العدوّ ، بأن يستنفض المكامن والمراصد ويرتّب الطلائع على الموارد والمقاصد ويتخيّر المنازل بحسب الأحوال في كلّ زمان ومكان ، ولا يغفل عن أوطإ الأرض نزلا وأكثرها مرعى وماء ومنافع ، وأحرسها أكنافا وأطرافا ، ويحرس حراسة يأمن بها عسكره في الأنفس والرّحال ، وتسكن إليه النفوس في حال الدّعة وأخذ

__________________

(١) الأحكام السلطانية : ٤٤.

(٢) الحديث بهذه الرواية في الأحكام السلطانية : ٤٤ وروايته في فيض القدير ٥ : ٢٥٩٧ برقم : ٣١٥٤ «بعثت مرحمة وملحمة ولم أبعث تاجرا ولا زارعا ألا وإن شرار الأمة التجار والزارعون إلا من شح على دينه» عن ابن عباس. قال محققه : أخرجه أبو نعيم في الحلية ٤ : ٧٢ والديلمي في مسند الفردوس ٢ : ١٩١٨ عن ابن عباس. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ٢٣٤٠.

(٣) هذا الخبر في الأحكام السلطانية : ٤٤.

١١٢

الأهبة والتّهيئة لوقت المحاربة ، فيكون ذلك أعون على المنازلة وأقوى على المراقبة.

وعليه إعداد ما يحتاج إليه الجيش من زاد وعلوفة ، يفرّق ذلك عليهم في وقت الحاجة إذا نفد زادهم لتسكن نفوسهم إليه ويثقوا بمادّة يستغنون عن طلبها فيكونوا على المحاربة أوفر ولمنازلة العدوّ أقوى وأصبر.

وعليه أن يتعرّف أحوال عدوّه ويتسمّع مع السّاعات وفي كلّ الأحيان أخبارهم حتّى يعرف أحوالهم ويعلم مقاصدهم وأغراضهم ، ويجتهد في إذكاء العيون ، وبثّ الرّصد ، وبعث من يثق به في الاستعلام بعادة العدوّ ، ويتحرّز من مكرهم وخدعهم ، ويلتمس الغرّة في الهجوم عليهم إن رأى ذلك فرصة وتبيّن له منهم غفلة ، فإنّ الحرب خدعة ، وأيسر الغفلة والتأنّي عند ذلك صرعة / [س ٤٢].

وعليه أن يتعرّف أحوال الناس في عسكره ، وهل يحتاجون إلى الخروج في غارة أو معتلفة فيندب لذلك ويحوط الخارجين في البعوث بتأمير الموثوق به في نجدته وسياسته ودربته وعلمه بالجهات ، فإنّ أكثر ما يصابون في ذلك من الاسترسال وعدم الامتثال ، وإن رأى المنع من ذلك لخوف من غرّة أو جهل بمكامن العدوّ نادى بالنّهي عن الخروج حتّى يعيّن أميرا ويندب جماعة تكون ردءا للمعتلفة ، ولا يكون الخروج لشيء من ذلك إلّا بإذن وتحت نظر أمير وجماعة ، لأنّ ركوب الخطر في إهمال ذلك عظيم.

١١٣
١١٤

الباب السابع

في امتثال الغازي أمر إمامه

وأمير عسكره وقائد جماعته

١١٥
١١٦

في امتثال الغازي أمر إمامه

وأمير عسكره وقائد جماعته

يجب على الغازي امتثال أمر إمامه أو أمير عسكره أو قائد جماعته ، وأن لا يخالفه في شيء من أمره ما استطاع ممّا يوافق سنّة في عمل أو تدبير في رتبة أو حيلة أو مكيدة على عدوّ أو نظر في بعث طليعة أو سرّية أو رائد أو حراسة لجانب أو كمين لغارة أو تجريد جريدة لشغل جهة أو جلب عير أو قوت أو غنيمة وأشباه ذلك من الوجوه التي للأمير النظر فيها ، قال الله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ) / [م ٢٢](وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(١) فقيل في أولي الأمر : إنّهم الولاة الأمراء ، قاله أبو هريرة وابن عباس وغيرهما (٢). وقيل : هم أصحاب السرايا.

وقال زيد بن أسلم : هم السلاطين.

وقال جابر (٣) / [س ٤٣] بن عبد الله : هم أهل العلم والفقه والخير

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٥٩.

(٢) النقل عن الأحكام السلطانية ٤٨ وفيه : وفي أولي الأمر تأويلان : أحدهما أنهم الأمراء ، وهذا قول ابن عباس رضوان الله عليه ، والثاني أنهم العلماء وهذا قول جابر بن عبد الله والحسن وعطاء.

(٣) جابر ١٦ ق. ه ـ ٧٨ ه‍ ـ ٦٠٧ ـ ٦٩٧ م : جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري السلمي ، صحابي ، من المكثرين في الرواية عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم). روى عنه جماعة من الصحابة ، له ولأبيه صحبة ، غزا تسع عشرة غزوة. وكانت له في أواخر أيامه حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه العلم. الإصابة ١ : ٢٢٢ برقم : ١٠٢٢ والأعلام ٣ : ١٠٤.

١١٧

والدّين. وقاله مجاهد (١) وقتادة (٢) وأبو العالية (٣) ، وقيل غير ذلك. والأكثر على أنّهم الأمراء والسلاطين واختاره أهل النظر لقول رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ سيليكم بعدي ولاة ، البرّ ببرّه والفاجر بفجوره فاسمعوا وأطيعوا في كلّ ما وافق الحقّ ، وصلّوا وراءهم ، فإن أحسنوا فلكم ولهم ، وإن أساؤوا فلكم وعليهم. رواه أبو هريرة (٤).

وروي أنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : على المرء المسلم الطاعة فيما أحبّ وكره إلا أن يؤمر بمعصية فلا طاعة (٥).

وأنّه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : لا يزال الناس بخير ما استقام لهم هداتهم وولاتهم.

فالهداة : العلماء. والولاة : الأمراء.

__________________

(١) مجاهد ٢١ ـ ١٠٤ ه‍ ـ ٦٤٢ ـ ٧٢٢ م : مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي ، مولى بني مخزوم ، تابعيّ ، مفسّر ، من أهل مكة أخذ التفسير عن ابن عباس. تنقل في الأسفار واستقر في الكوفة. عن الأعلام ٥ : ٢٧٨.

(٢) قتادة ت ٢٣ ه‍ ـ ٦٤٤ م : قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر الأنصاري الظفري الأوسي ، صحابي ، بدري من شجعانهم ، كان من الرماة المشهورين. شهد المشاهد كلها مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ، وكانت معه يوم الفتح راية بني ظفر ، وتوفي بالمدينة وهو ابن ٦٥ سنة. له سبعة أحاديث وهو أخو أبي سعيد الخدري. الأعلام ٥ : ١٨٩ والإصابة ٥ : ٢٢٩ برقم : ٧٠٧٠.

(٣) أبو العالية ت ٩٠ ه‍ أو ٩٣ أو ٩٦ ه‍ : أبو العالية الرياحي مولاهم ـ اسمه رفيع بن مهران ، أدرك الجاهلية ، وأسلم بعد وفاة الرسول ، وقدم في خلافة أبي بكر. كان عالما بالقرآن.

الإصابة : ٧ : ١٤١ برقم : ٨٢٩.

(٤) حديث أبي هريرة رواه الطبراني في الأوسط وفيه : عبد الله بن محمد بن عروة. وهو ضعيف جدا.

(٥) الحديث في صحيح البخاري ، الأحكام ، حديث برقم : ٦٦١١ ورد بلفظ : ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة وانظر : صحيح مسلم ـ الإمارة ـ برقم : ٣٤٢٣ ، والترمذي ، الجهاد. برقم : ١٦٢٩ ، والنسائي ، البيعة. برقم : ٤١٣٥ ، وأبو داود. الجهاد. برقم : ٢٢٥٧.

١١٨

وفي حديث أبي ذرّ قال : أوصاني رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بثلاث : أحدها أن أسمع وأطيع ولو لعبد مجدّع الأطراف (١).

وقال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في حديث آخر : وإن أمر عليكم عبد حبشي فاسمعوا وأطيعوا. وفي رواية : إلّا أن يأمر بمعصية فلا سمع فيها ولا طاعة (٢).

وفي كتاب ابن الموّاز (٣) :

قلت : أيغزى بغير إذن الإمام؟

قال : أمّا الجيوش والعساكر فلا خروج لهم إلّا بإذن الإمام وتوليته عليهم. وقد أرخص لأهل الثغور ممّن يقرب العدوّ ويجدون الفرصة ، ويبعد عنهم إذن الإمام فمهّل مالك في ذلك ، فأمّا سرية تخرج من عسكر فلا يجوز لهم ذلك. قال عبد الملك (٤) : وهم عاصون خرجوا ببدعة ورغبوا عن

__________________

(١) في مسند أحمد ١٥ : ٥٢٣ برقم : ٢١٣٢١ عن أبي ذر قال : أوصاني خليلي عليه‌السلام بثلاثة : اسمع وأطع ولو لعبد مجدّع الأطراف. وإذا صنعت مرقة فأكثر ماءها ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منه بمعروف ، وصلّ الصلاة لوقتها وإذا وجدت الإمام قد صلّى فقد أحرزت صلاتك وإلا فهي نافلة ، وانظر رواية أخرى في المسند ١٥ : ٥٤٩ برقم : ٢١٣٩٣.

(٢) الحديث في البخاري كتاب الأحكام ٤ ومسلم في كتاب الإمارة : ٣٦ ، ٣٧ والترمذي : جهاد ٢٨ وابن ماجة : جهاد ٣٩ ... وفي مسند أحمد ٤ : ٦٩ ، ٧٠ و ٥ : ٣٨١ و ٦ : ٤١٢ ـ ٤١٣ جاء في مسند أحمد ٤ : ٧٠ عن يحيى بن حصين عن أمه قالت : سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) يخطب في حجة الوداع يقول : يا أيها الناس ، اتقوا الله واسمعوا وأطيعوا وإن أمّر عليكم عبد حبشيّ مجدّع ما أقام فيكم كتاب الله عزوجل.

(٣) ابن المواز ت ٢٨١ ه‍ ـ ٨٩٤ م : محمد بن إبراهيم بن زياد المواز أبو عبد الله ، فقيه مالكي ، من أهل الإسكندرية ، انتهت إليه رئاسة المذهب في عصره. من تصانيفه : الموازية. لم تطبع عن الأعلام ...

(٤) هو عبد الملك بن حبيب ، ويرد ذكره في كتابنا باسم : ابن حبيب ... وقد تقدمت ترجمته.

١١٩

سنّة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ [س ٤٤] والأئمة بعده ، ولا أرى أن ينفّلوا ، ولا ينفّل إلّا من أطاع ، ويؤدّبون على قدر أحوالهم بما يراه الإمام.

وقد نهى النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أصحابه عن القتال وهم مستقبلو العدوّ ، فقاتل رجل ، فأمر ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من ينادي : لا تحلّ الجنّة لعاص (١).

وسئل مالك في العدوّ ينزل بساحل المسلمين أيقاتلونهم بغير إذن الإمام؟

فقال : إن قرب منهم استأذنوه ، وإن بعد قاتلوهم ولا يتركوهم.

قال ابن حبيب : سمعت أهل العلم يقولون : إذا نهى الإمام عن القتال لأمر فيه مصلحة فلا يحلّ لأحد أن يقاتل إلّا أن يغشاهم العدوّ وتدهمهم منه قوة ، فلا بأس بقتالهم قبل إذنه.

وروى أشهب (٢) عن مالك في الجيش بأرض العدوّ يحتاج بعضهم .. فخرجت جماعة إلى قرية وأخرى كذلك فربما قتل بعضهم أو أسر؟

قال : لا ينبغي أن يخرجوا إلا في كنف ومنعة وما جاؤوا به فلا ينبغي أن يبيعوه.

قيل : فإنّا نعتلف ولا نستأذن الإمام.

__________________

(١) في شرح السير الكبير ١ : ٦٣ برقم : ١٧٣. قوله «لا تحلّ الجنّة لعاص» أمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بأن ينادى به يوم خيبر حين نهاهم عن القتال فقيل : استشهد فلان. فقال عليه‌السلام : أبعد ما نهيت عن القتال؟ قالوا : نعم. فقال : لا تحلّ الجنّة لعاص.

(٢) أشهب ١٤٥ ـ ٢٠٤ ه‍ ـ ٧٦٢ ـ ٨١٩ م : أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي العامري الجعدي أبو عمرو ، فقيه الديار المصرية في عصره ، كان صاحب الإمام مالك. قال الشافعيّ : ما أخرجت مصر أفقه من أشهب لو لا طيش فيه. قيل : اسمه مسكين. وأشهب لقب له. مات بمصر. تهذيب التهذيب ١ : ٣٥٩ والأعلام ١ : ٣٣٣.

١٢٠