الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٣

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]

الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٣

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]


المحقق: الدكتور يوسف علي طويل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3319-5

الصفحات: ٤٥٦

متصاون خفر (١) إذا ناطقته

أغضى حياء (٢) في سكون وقار

في وجهه زهرات لفظ (٣) تجتلى

من نرجس مع وردة وبهار

خاف اقتطاف الورد من جنباتها (٤)

فأدار من أسر (٥) سياج عذار

وتسلّلت نمل العذار بخدّه

ليردن شهدة ريقه المعطار

وبخدّه ورد (٦) حمتها وردها

فوقفن بين الورد والإصدار

كم ذا أواري (٧) في هواه محبّتي

ولقد وشى بي فيه فرط أواري (٨)

ومن نظمه من المقطوعات في شتى الأغراض قوله رحمه الله (٩) : [البسيط]

أزحت نفسي من الإيناس بالناس

لمّا غنيت عن الأكياس بالياس (١٠)

وصرت في البيت وحدى لا أرى أحدا

بنات فكري وكتبي هنّ جلّاسي

وقال (١١) : [الطويل]

وزهّدني في جمعي المال أنه

إذا ما انتهى عند الفتى فارق العمرا

فلا روحه يوما أراح من العنا

ولم يكتسب حمدا ولم يدّخر أجرا

وقال : [الطويل]

سعت حيّة من شعره نحو صدغه

وما انفصلت من خدّه إنّ ذا عجب

وأعجب من ذا أنّ سلسال ريقه

برود ولكن شبّ في قلبي اللهب

وقال (١٢) : [السريع]

راض (١٣) حبيبي عارض قد بدا

يا حسنه من عارض رائض

وظنّ (١٤) قوم أنّ قلبي سلا

والأصل لا يعتدّ بالعارض

__________________

(١) في النفح : «خفرا».

(٢) في الأصل : «حيّا» وكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المصدرين.

(٣) في المصدرين : «روض».

(٤) في المصدرين : «وجناته».

(٥) في المصدرين : «آس».

(٦) في النفح : «وبخده نار حمته ...».

(٧) في النفح : «أداري».

(٨) في الأصل : «أوار» بدوء ياء ، والتصويب من المصدرين.

(٩) البيتان في الكتيبة الكامنة (ص ٨٤).

(١٠) في الكتيبة الكامنة : «أرحت نفسي ... كما غنيت ...».

(١١) البيتان في الكتيبة الكامنة (ص ٨٤).

(١٢) البيتان في فوات الوفيات (ج ٤ ص ٧٣) وبغية الوعاة (ص ١٢٢).

(١٣) في البغية : «رائض حبي».

(١٤) في البغية : «فظنّ».

٤١

وقال (١) : [الخفيف]

سال في الخدّ للحبيب عذار

وهو لا شكّ سائل مرحوم

وسألت التثامه فتجنّى

فأنا اليوم سائل محروم

وقال : [الطويل]

جننت بها سوداء لون وناظر

ويا طالما كان الجنون بسوداء

وجدت بها برد النعيم وإنّ

فؤادي منها في جحيم ولأواء

وقال في فتى يسمى مظلوم (٢) : [الطويل]

وما كنت أدري أنّ مالك مهجتي

يسمّى (٣) بمظلوم وظلم جفاؤه

إلى أن دعاني للصّبا (٤) فأجبته

ومن يك مظلوما أجيب دعاؤه

وقال (٥) : [الخفيف]

جنّ غيري بعارض فترجّى

أهله أن يفيق عمّا قريب

وفؤادي بعارضين مصاب

فهو داء أعيا دواء (٦) الطبيب

وقال (٧) : [الطويل]

شكا الخصر منه ما يلاقي بردفه

وأضعف (٨) غصن البان جرّ كثيب

إذا كان منه البعض يظلم بعضه

فما حال مشتطّ (٩) المزار (١٠) غريب

وقال (١١) : [الطويل]

وذي شفة لمياء زينت بشامة (١٢)

من المسك في رشافها (١٣) يذهب النّسك

ظمئت إليها ريقة كوثريّة

بمثل لآلي (١٤) ثغرها ينظم السّلك

__________________

(١) البيتان في الكتيبة الكامنة (ص ٨٥).

(٢) البيتان في الكتيبة الكامنة (ص ٨٥).

(٣) في الأصل : «يتسمى» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة الكامنة.

(٤) في الكتيبة : «للهوى».

(٥) البيتان في الكتيبة الكامنة (ص ٨٥).

(٦) في الكتيبة : «فؤاد».

(٧) البيتان في الكتيبة الكامنة (ص ٨٥).

(٨) في الكتيبة : «ويضعف».

(٩) في الأصل : «شطّ» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.

(١٠) في الكتيبة : «الديار».

(١١) الأبيات في الكتيبة الكامنة (ص ٨٥ ـ ٨٦).

(١٢) في الأصل : «وذو شفة لميا زيّنت ...» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة الكامنة.

(١٣) في الكتيبة : «ترشافها».

(١٤) في الأصل : «لقالي» ولا معنى لذلك ، والتصويب من الكتيبة الكامنة.

٤٢

تعلّ بمعسول كأنّ رضابه

مدام من الفردوس (١) خاتمه مسك

وقال : [الطويل]

أجلّ شفيع ليس يمكن ردّه

دراهم بيض للجروح مراهم

تصيّر صعب الأمر أسهل ما ترى

ويقضي لبانات الفتى (٢) وهو نائم

وقال (٣) : [مخلع البسيط]

نعيد ودّ قريب ضلّ (٤)

كبير عتب ، قليل عتبى (٥)

كالشمس ظرفا ، كالمسك عرفا

كالخشف طرفا ، كالصّخر قلبا

وقال (٦) : [الطويل]

عداتي (٧) لهم فضل عليّ ومنّة

فلا أذهب الرحمن عنّي الأعاديا

هم بحثوا عن زلّتي فاجتنبتها (٨)

وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا

مولده : ولد بغرناطة عام اثنين وخمسين وستمائة (٩).

وفاته : أخبرني الحاج الخطيب الفاضل أبو جعفر الشّقوري ، رحمه الله ، قال : توفي عام خمسة وأربعين وسبعمائة بمصر ، ودفن بالقرافة. وكانت جنازته حافلة.

ومن الطارئين عليها في هذا الحرف

محمد بن أحمد بن داود بن موسى بن مالك اللّخمي اليكّي

من أهل بلّش (١٠) ، يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بابن الكمّاد.

__________________

(١) في الأصل : «الفرد وسرّ» وهذا لا معنى له ، وينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.

(٢) في الأصل : «لبانات للفتى» وهكذا ينكسر الوزن.

(٣) البيتان في الكتيبة الكامنة (ص ٨٦).

(٤) في الكتيبة الكامنة :

بعيد ودّ ، قريب صدّ

كثير عتب .......

وهكذا ينكسر الوزن.

(٥) العتبى : الرّضا.

(٦) البيتان في بغية الوعاة (ص ١٢٢) والكتيبة الكامنة (ص ٨٥) وفوات الوفيات (ج ٤ ص ٧٤).

(٧) في البغية : «عداي».

(٨) في الكتيبة الكامنة : «فسترتها».

(٩) في بغية الوعاة (ص ١٢١): «ولد بمطخشارش مدينة من حضرة غرناطة في آخر شوال سنة أربع وخمسين وستمائة». وفي فوات الوفيات (ج ٤ ص ٧٢): «مولده بغرناطة في شهور سنة أربع وخمسين وستمائة».

(١٠) هي بلّش مالقة ، velez malaga ، كما سيأتي بعد قليل. وقد ذكرها ياقوت مكتفيا بالقول : ـ

٤٣

حاله : من «عائد الصلة» : كان من جلّة صدور الفقهاء الفضلاء ، زهدا وقناعة وانقباضا ، إلى دماثة الخلق ، ولين الجانب ، وحسن اللقاء ، والسّذاجة المموّهة بالغفلة ، والعمل على التقشّف والعزلة ، قديم السّماع والرّحلة ، إماما مشهورا في القراءات ، يرحل إليه ، ويعوّل عليه ، إتقانا ومعرفة منها بالأصول ، كثير المحافظة والضّبط ، محدّثا ثبتا ، بليغ التّحرّز ، شديد الثقة ، فقيها متصرّفا في المسائل ، أعرف الناس بعقد الشروط ، ذا حظّ من العربية واللغة والأدب. رحل إلى العدوة ، وتجوّل في بلاد الأندلس ، فأخذ عن كثير من الأعلام ، وروى وقيّد وصنّف وأفاد ، وتصدّر للإقراء بغرناطة وبلّش وغيرهما ، وتخرّج بين يديه جملة وافرة من العلماء والطلبة ، وانتفعوا به.

مشيخته : قرأ ببلده مرسية على الأستاذ أبي الحسن علي بن محمد بن لب بن أحمد بن أبي بكر الرّقوطي ، والمقرئ أبي الحسن بن خلف الرّشاطي ، والمحدّث الجليل أبي عمرو محمد بن علي بن عيشون اللخمي ، وعلى الشيخ الفقيه الكاتب أبي محمد بن عبد الله بن داود بن خطّاب الغافقي المرسي. وممن أجازه الفقيه أبو عثمان سعيد بن عمرو البطرني ، والقاضي أبو علي بن أبي الأحوص ، لقيه ببلّش مالقة وبسطة ، فروى عنه الكثير ، والأستاذ أبو القاسم بن الأصهر الحارثي ، لقيه بألمريّة. ولقي بغرناطة الأستاذ أبا جعفر الطّبّاع ، والوزير الرّاوية أبا القاسم محمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن جزيّ الكلبي ، روى عنه وأجازه. وكتب له بالإجازة جماعة كبيرة من أهل المشرق والمغرب ، حسبما تضمنه برنامجه.

تواليفه : اختصر كتاب «المقنع» في القراءات اختصارا بديعا ، وسماه كتاب «الممتع في تهذيب المقنع» وغير ذلك.

شعره : من ذلك وقد وقف على أبيات أبي القاسم بن الصّقر في فضل الحديث : [الطويل]

لقد حاز أصحاب الحديث وأهله

شأوا وثيرا (١) ومجدا مخلّدا

وصحّت لهم بين الأنام مزيّة

أبانت لهم عزّا ومجدا وسؤددا

بدعوة خير الخلق أفضل مرسل

محمد المبعوث بالنّور والهدى

فهم دوّنوا علم الحديث وأتقنوا

ونصّوا بتبيين صحيحا ومسندا

__________________

ـ «بلش» : بالفتح وتشديد اللام والسين معجمة : بلد بالأندلس ، ينسب إليه يوسف بن جبارة البلّشي ...». معجم البلدان (ج ١ ص ٤٨٤).

(١) في الأصل : «وتوتيرا» ، وكذا لا يستقيم المعنى.

٤٤

وجاءوا بأخبار الرّسول وصحبه

على وجهها لفظا ورسما مقيدا

وهم نقلوا الآثار والسّنن التي

من أصبح (١) ذا أخذ بها فقد اهتدى

وما قصّروا فيها بفقه ولا ونوا

بل التزموا حدّا وحزما مؤكّدا

وهم أوضحوا من بعدهم باجتهادهم

وتبيينهم سبل الهدى لمن اقتدى

جزاهم إله العرش عنّا بنصحهم

بأحسن ما جازى نصيحا ومرشدا

ونسأله (٢) سبحانه نهج هديهم

وسعيا إلى التّقوى سبيلا ومقصدا

ومن شعره ، رحمه الله ، قوله : [السريع]

عليك بالصّبر وكن راضيا

بما قضاه الله تلقى النجاح

واسلك طريق المجد والهج به

فهو الذي يرضاه أهل الصلاح

وقد ألّف شيخنا أبو البركات بن الحاج ، جزءا سماه «شعر من لا شعر له» ، فيه من شعر هذا الرجل الفاضل ومثله كثير.

مولده : قبل الأربعين وستمائة. وتوفي ثاني شهر الله المحرم عام اثني عشر وسبعمائة.

انتهى ما اختصر من السّفر السابع من كتاب «الإحاطة في تاريخ غرناطة»

يتلوه في السفر الثامن بعده إن شاء الله

ومن السفر الثامن من ترجمة المقرئين والعلماء رحمهم الله

* * *

ومن السفر الثامن من ترجمة المقرئين والعلماء

محمد بن أحمد بن محمد بن علي الغسّاني

من أهل مالقة ، يكنى أبا القاسم ، ويعرف بابن حفيد الأمين.

حاله : كان من أهل العلم والفضل والدين المتين ، والدّؤوب على تدريس كتب الفقه. استظهر كتاب «الجواهر» لابن شاس ، واضطلع بها ، فكان مجلسه من مجالس الحفّاظ ، حفّاظ المذهب ، وانتفع به الناس ، وكان معظّما فيهم ، متبرّكا به ، على سنن الصالحين من الزّهد والانقباض وعدم المبالاة بالملبس والمطعم. وقال صاحبنا الفقيه

__________________

(١) في الأصل : «أصح» ، وكذا ينكسر الوزن ، لذا جعلنا همزة القطع همزة وصل.

(٢) في الأصل : «ونسله» ، وكذا ينكسر الوزن.

٤٥

أبو الحسن النّباهي في تذييله لتاريخ مالقة : كان رجلا ساذجا ، مخشوشنا ، سنّيّ المنازع ، شديد الإنكار على أهل البدع. جلس للتّحليق العام بالمسجد الجامع ، وأقرأ به الفقه والعربية والفرائض.

مشيخته : قال : منهم أبو علي بن أبي الأحوص ، وأبو جعفر بن الزبير ، وأبو محمد بن أبي السّداد ، والقاضي أبو القاسم ابن السّكوت. قال : وأنشد للزاهد أبي إسحاق بن قشوم ، قوله : [الطويل]

يروقك يوم العيد حسن ملابس

ونعمة أجسام ولين قدود

أجل لحظات الفكر منك فلا ترى

سوى خرق تبلى وطعمة دود

وأنشد لأبي عمرو الزاهد : [السريع]

تختبر الدّنير في ميذق

والدّرهم الزايف إذ يبهم

والمرء إن رمت اختبارا له

ميذقه الدّنير والدّرهم

من عفّ عن هذا وهذا معا

فهو التّقيّ الورع المسلم

تواليفه : له تقييد حسن في الفرائض ، وجزء في تفضيل التّين على التّمر ، وكلام على نوازل الفقه.

وفاته : وتوفي في الكائنة العظمى بطريف (١).

محمد بن أحمد بن علي بن قاسم المذحجي

من أهل ملتماس (٢) ، يكنى أبا عبد الله.

حاله : من «العائد» : كان ، رحمه الله ، من سراة بلده وأعيانهم ، أستاذا متفنّنا مقرئا لكتاب الله ، كاتبا بليغا ، شديد العناية بالكتب ، كثير المغالاة في قيمها وأثمانها ، حتى صار له من أعلاقها وذخائرها ما عجز عن تحصيله كثير من أهل بلده. كتب بخطّه ، وقيّد كثيرا من كتب العلم. وكان مقرئا مجوّدا ، عارفا بالقراءات ، بصيرا بالعربية ، ثقة ضابطا ، مبرّزا في العدالة ، حريصا على العلم استفادة ثم إفادة ، لا يأنف من حمله عن أقرانه ، وانتفع به أهل بلده ، والغرباء أكثر.

__________________

(١) موقعة طريف : هي الموقعة الشهيرة التى كانت بين الإسبان وبني مرين ، وكان مع بني مرين قوات الأندلس بقيادة السلطان أبي الحجاج يوسف بن إسماعيل النصري ، سنة ٧٤١ ه‍ ، وكانت الهزيمة فيها للمسلمين. اللمحة البدرية (ص ١٠٥ ـ ١٠٦).

(٢) نرجح أنها منتماس Montemas ، من قرى بلّش ، كما سيأتي بعد قليل.

٤٦

مشيخته : أخذ عن طائفة من أهل العلم ، منهم الشّيخان الرّحلتان ؛ أبو عبد الله بن الكمّاد ، وأبو جعفر بن الزيات ، عظيما بلده ، والخطيب ولي الله أبو عبد الله الطّنجالي ، والقاضي أبو عبد الله بن بكر. وروى عن الشيخ الوزير أبي عبد الله بن ربيع ، وابنه الرّاوية أبي عامر ، والخطيب الصالح أبي إسحاق بن أبي العاصي. وروى عن الشيخ الرّاوية الرّحّال أبي عبد الله بن عامر الوادي آشي وغيرهم ، ودخل غرناطة.

مولده : ولد ببلّش عام ثمانية وثمانين وستمائة.

وفاته : توفي ببلّش عاشر شهر شعبان من عام أربعة وثلاثين وسبعمائة.

محمد بن أحمد بن محمد بن علي الغسّاني

من أهل مالقة ، يكنى أبا الحكم ، ويعرف بابن حفيد الأمين.

حاله : من «العائد» : كان هذا الشيخ من أهل العلم والدّين المتين ، والجري على سنن الفقهاء المتقدّمين ، عقد الشروط بمالقة مدة طويلة في العدول المبرّزين ، وجلس للتّحليق في المسجد الأعظم من مالقة ، بعد فقد أخيه أبي القاسم ، وخطب بمسجد مالقة الأعظم. ثم أخّر عن الخطبة لمشاحنة وقعت بينه وبين بعض الولاة ، أثمرت في إحنته. ولم يزل على ما كان عليه من الاجتهاد في العبادة ، والتقييد للعلم ، والاشتغال به ، والعناية بأهله ، إلى أن توفي على خير عمل.

مشيخته : قرأ على الأستاذ الخطيب أبي محمد الباهلي ، وروى عن جلّة من الشيوخ مثل صهره الخطيب الولي أبي عبد الله الطّنجالي (١) ، وشاركه في أكثر شيوخه ، والأديب الحاج الصالح أبي القاسم القبتوري (٢) وغيرهم.

مولده : ولد بمالقة عام ثلاثة وسبعين وستمائة.

وفاته : توفي بمالقة يوم الأربعاء الثامن عشر لذي حجة من عام تسعة وأربعين وسبعمائة. ودخل غرناطة غير ما مرّة مع الوفود من أهل بلده وفي أغراضه الخاصة.

__________________

(١) هو القاضي محمد بن أحمد بن يوسف الهاشمي الطنجالي ، وترجمته في تاريخ قضاة الأندلس (ص ١٩٣) ونفح الطيب (ج ٧ ص ٣٦٤).

(٢) نسبة إلى قبتور ، وهي قرية من قرى إشبيلية. الروض المعطار (ص ٤٥٤).

٤٧

محمد بن أحمد الرّقوطي (١) المرسي

يكنى أبا بكر.

حاله : كان طرفا في المعرفة بالفنون القديمة ؛ المنطق والهندسة والعدد والموسيقا والطّب ، فيلسوفا ، طبيبا ماهرا ، آية الله في المعرفة بالألسن ، يقرئ الأمم بألسنتهم فنونهم التي يرغبون في تعلمها ، شديد البأو ، مترفّعا ، متعاطيا. عرف طاغية الروم حقّه ، لما تغلّب على مرسية ، فبنى له مدرسة يقرئ فيها المسلمين والنصارى واليهود ، ولم يزل معظما عنده. ومما يحكى من ملحه معه ، أنه قال له يوما ، وقد أدنى منزلته ، وأشاد بفضله : لو تنصّرت وحصّلت الكمال ، كان عندي لك كذا وكذا ، وكنت كذا ، فأجابه بما أقنعه. ولما خرج من عنده ، قال لأصحابه : أنا الآن أعبد واحدا ، وقد عجزت عما يجب له ، فكيف حالي لو كنت أعبد ثلاثة كما أراد مني. وطلبه سلطان المسلمين ، ثاني الملوك من بني نصر (٢) ، واستقدمه ، وتلمذ له ، وأسكنه في أعدل البقع من حضرته. وكان الطلبة يغشون منزله المعروف له ، وهو بيدي الآن ، فتعلّم عليه الطب والتعاليم وغيرها ، إذ كان لا يجارى في ذلك. وكان قويّ العارضة ، مضطلعا بالجدل ، وكان السلطان يجمع بينه وبين منتابي حضرته ، ممن يقدم منتحلا صناعة أو علما ، فيظهر عليهم ، لتمكنه ودالّته ، حسبما يأتي في اسم أبي الحسن الأبّدي ، وأبي القاسم بن خلصون ، إن شاء الله. وكان يركب إلى باب السلطان ، عظيم التّؤدة ، معار البغلة ، رائق البزّة ، رفيق المشي ، إلى أن توفي بها ، سمح الله له.

محمد بن إبراهيم بن المفرّج الأوسي

المعروف بابن الدبّاغ الإشبيلي.

حاله : كان واحد عصره في حفظ مذهب مالك ، وفي عقد الوثائق ، ومعرفة عللها ، عارفا بالنحو واللغة والأدب والكتابة والشعر والتاريخ. وكان كثير البشاشة ، عظيم الانقباض ، طيّب النفس ، جميل المعاشرة ، كثير المشاركة ، شديد التّواضع ، صبورا على المطالعة ، سهل الألفاظ في تعليمه وإقرائه. أقرأ بجامع غرناطة لأكابر علمائها الفقه وأصوله ، وأقرأ به الفروع والعقائد للعامة مدة. وأقرأ بجامع باب الفخّارين ، وبمسجد ابن عزرة وغيره.

__________________

(١) نسبة إلى رقوطةRicate ، وهي من قرى مرسية.

(٢) هو السلطان أبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف بن نصر ، وقد حكم غرناطة من سنة ٦٧١ ـ ٧٠١ ه‍. اللمحة البدرية (ص ٥٠).

٤٨

مشيخته : قرأ على والده الأستاذ أبي إسحاق إبراهيم ، وعلى الأستاذ أبي الحسن الدباج ، وعلى القاضي أبي الوليد محمد بن الحاج التّجيبي القرطبي ، وعلى القاضي أبي عبد الله بن عياض.

وفاته : توفي برندة يوم الجمعة أول يوم من شوال عند انصراف الناس من صلاة الجمعة من عام ثمانية وستين وستمائة.

محمد بن إبراهيم بن محمد الأوسي

من أهل مرسية ، نزيل غرناطة ، يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بابن الرّقّام ، الشيخ الأستاذ المتفنن.

حاله : كان نسيج وحده ، وفريد دهره ، علما بالحساب والهندسة والطب والهيئة ، وغير ذلك ، مديد الباع ، أصيل المعرفة ، مضطلعا ، متبحرا لا يشقّ غبارة ، أقرأ التعاليم والطب والأصول بغرناطة لما استقدمه السلطان ثاني الملوك من بني نصر من مدينة بجاية ، فانتفع الناس به ، وأوضح المشكلات ، وسئل من الأقطار النازحة في الأوهام العارضة ، ودوّن في هذه الفنون كلها ، ولخّص ، ولم يفتر من تقييد وشرح وتلخيص وتدوين.

تواليفه : وتواليفه كثيرة ، منها كتابه الكبير على طريقة كتاب «الشّفا» ، والزّيج القويم الغريب المرصد ، المبنيّة رسائله على جداول ابن إسحاق ، وعدّل مناخ الأهلّة ، وعليه كان العمل ، وقيّد أبكار الأفكار في الأصول ، ولخّص المباحث ، وكتاب الحيوان والخواص. ومقالاته كثيرة جدا ، ودواوينه عديدة.

وفاته : توفي عن سنّ عالية بغرناطة في الحادي والعشرين لصفر من عام خمسة عشر وسبعمائة.

محمد بن جعفر بن أحمد بن خلف بن حميد

ابن مأمون الأنصاري (١)

ونسبه (٢) أبو محمد القرطبي أمويّا من صريحهم ، بلنسي الأصل ، يكنى أبا عبد الله.

__________________

(١) ترجمة ابن مأمون في بغية الملتمس (ص ٦٥) والتكملة (ج ٢ ص ٦٢) والذيل والتكملة (ج ٦ ص ١٤٩) وبغية الوعاة (ص ٢٨).

(٢) قارن بالذيل والتكملة (ج ٦ ص ١٤٩).

٤٩

حاله : كان صدرا في متقني القرآن العظيم ، وأئمّة تجويده ، مبرّزا في النحو ، إماما معتمدا عليه ، بارع الأدب ، وافر الحظّ من البلاغة ، والتّصرّف البديع في الكتابة ، طيّب الإمتاع بما يورده من الفنون ، كريم الأخلاق ، حسن السّمت ، كثير البشر ، وقورا ، ديّنا ، عارفا ، ورعا ، وافر الحظّ من رواية الحديث.

مشيخته : روى (١) عن أبي إسحاق بن صالح ، وأبي بكر بن أبي ركب ، وأبي جعفر بن ثعبان ، وأبي الحجاج القفّال ، وأبي الحسن شريح ، وأبي محمد عبد الحق بن عطية ، وأبي الحسن بن ثابت ، وأبي الحسن بن هذيل ، وتلا عليه بالسّبع ، وأبو (٢) عبد الله بن عبد الرحمن المذحجي الغرناطي ، وابن فرح (٣) القيسي ، وأبي القاسم خلف بن فرتون ، ولم يذكر أنهم أجازوا له. وكتب له أبو بكر عبد العزيز بن سدير (٤) ، وابن العزفي (٥) ، وابن قندلة (٦) ، فأبو الحسن طارق بن موسى ، وابن موهب ، ويونس بن مغيث ، وأبو جعفر (٧) بن أيوب ، وأبو الحكم عبد الرحمن بن غشيان (٨) ، وأبو عبد الله الجيّاني ، المعروف بالبغدادي. وذكر أبو عبد الله بن يربوع أن له راوية عن أبي الحسن (٩) بن الطراوة.

من روى عنه : روى (١٠) عنه أبو بحر صفوان بن إدريس ، وأبو بكر بن عتيق الأزدي (١١) ، وابن قترال (١٢) ، وأبو جعفر الجيّار ، والذّهبي ، وابن عميرة الشهيد ، وأبو الحسن بن عزمون (١٣) ، وابن عبد الرزاق (١٤) ، وأبو الحسن (١٥) عبيد الله بن عاصم الدّاري (١٦) ، وأبو الربيع بن سالم ، وأبو زكريا الجعفري (١٧) ، وأبو سليمان بن حوط الله ، وأبو عبد الله الأندرشي ، وابن الحسين بن محبر (١٨) ، وابن إبراهيم الريسي (١٩) ، وابن صلتان ، وابن عبد الحق التلمسيني ، وابن يربوع ، وأبو العباس العزفي ، وأبو عثمان سعد الحفّار ، وأبو علي عمر بن جميع (٢٠) ، وأبو عمران بن إسحاق (٢١) ، وأبو

__________________

(١) قارن بالذيل والتكملة (ج ٦ ص ١٤٩).

(٢) في الذيل والتكملة : «وأبوي».

(٣) في الذيل والتكملة : «وابن فرج».

(٤) في الذيل والتكملة : «مدير».

(٥) في الذيل والتكملة : «وابن العربي».

(٦) في الذيل والتكملة : «فندلة».

(٧) في الذيل والتكملة : «وأبو حفص بن أيوب».

(٨) في الذيل والتكملة : «غشليان».

(٩) في الذيل والتكملة : «الحسين».

(١٠) قارن بالذيل والتكملة : (ج ٦ ص ٤٩).

(١١) في الذيل والتكملة : «اللاردي».

(١٢) في الذيل والتكملة : «وابن قنترال».

(١٣) في المصدر نفسه : «حزمون».

(١٤) في المصدر نفسه : «وابن عبيد الله الذوق».

(١٥) في المصدر نفسه : «وأبو الحسين».

(١٦) في المصدر نفسه : «الدائري».

(١٧) في المصدر نفسه : «الجعيدي».

(١٨) في المصدر نفسه : «مجبر التجيبي».

(١٩) في المصدر نفسه : «الوشقي».

(٢٠) في المصدر نفسه : «صمع».

(٢١) في المصدر نفسه : «السخان».

٥٠

القاسم الطيب بن هرقال (١) ، وعبد الرحيم بن إبراهيم بن قريش الملّاحي (٢) ، وأبو محمد بن دلف (٣) بن اليسر ، وأبو الوليد بن الحجاج (٤).

تواليفه : له شرح على «إيضاح الفارسي» ، وآخر على «جمل الزّجّاجي».

مولده : ببلنسية سنة ثلاث عشرة وخمسمائة.

وفاته : توفي بمرسية إثر صدوره عن غرناطة عشي يوم السبت لثلاث عشرة بقيت من جمادى الأولى (٥) سنة ست وثمانين وخمسمائة.

محمد بن حكم بن محمد بن أحمد بن باق الجذامي (٦)

من أهل سرقسطة. سكن غرناطة ثم فاس ، يكنى أبا جعفر.

حاله : كان (٧) مقرئا مجوّدا ، محققا بعلم الكلام وأصول الفقه ، محصّلا لهما ، متقدّما في النحو ، حافظا للغة ، حاضر الذّكر لأقوال تلك العلوم ، جيّد النظر ، متوقّد الذهن ، ذكيّ القلب ، فصيح اللسان (٨). ولّي أحكام فاس ، وأفتى فيها ، ودرّس بها العربية : كتاب سيبويه وغير ذلك.

مشيخته : روى (٩) عن أبي الأصبغ بن سهل ، وأبوي (١٠) الحسن الحضرمي ، وابن سابق ، وأبي جعفر بن جرّاح ، وأبي طالب السّرقسطي ، الأديبين ، وأبوي عبد الله بن نصر ، وابن يحيى بن هشام المحدّث ، وأبي العباس الدلائي ، وأبي عبيد الله البكري ، وأبي عمر أحمد بن مروان (١١) القيرواني ، وأبي محمد بن قورش (١٢) ، وأبي مروان بن سراج. وأجاز له أبو الوليد الباجي ، رحمه الله.

__________________

(١) في الذيل والتكملة : «هرقل».

(٢) في المصدر نفسه : «ابن الفرس والملاحي».

(٣) في المصدر نفسه : «وأبو محمد بن محمد بن خلف ...».

(٤) في المصدر نفسه : «ابن الحاج».

(٥) في بغية الوعاة (ص ٢٨): «جمادى الآخرة في السنة السابعة بعد الثمانين والخمسمائة».

(٦) ترجمة ابن باق في التكملة (ج ١ ص ٣٦٠) والذيل والتكملة (ج ٦ ص ١٧٧) وبغية الوعاة (ص ٣٨).

(٧) قارن بالذيل والتكملة (ج ٦ ص ١٧٨).

(٨) في الذيل والتكملة : «الكلام».

(٩) قارن بالذيل والتكملة (ج ٦ ص ١٧٧).

(١٠) في الذيل والتكملة : «وأبوي بكر : ابن الحسين الحضرمي ...».

(١١) في المصدر نفسه : «مروان التجيبي البلوطي الزاهد».

(١٢) في المصدر نفسه : «فورتش».

٥١

من روى عنه : روى (١) عنه أبو إسحاق بن قرقول ، وأبو الحسن صالح بن خلف ، وأبو عبد الله بن حسن السّبتي ، وأبو (٢) الحسن الأبّذي ، وتوفي قبله ، وابن خلف بن الأيسر (٣) ، والنّميري ، وأبو العباس بن عبد الرحمن بن الصّقر ، وأبو علي حسن بن الجزّار (٤) ، وأبو الفضل بن هارون الأزدي ، وأبوا (٥) محمد : عبد الحق بن بونه ، وقاسم بن دحمان ، وأبو مروان بن الصّقيل الوقّشي (٦).

تواليفه : شرح (٧) «إيضاح الفارسي» ، وكان قيّما على كتابه ، وصنّف في الجدل مصنّفين ، كبيرا وصغيرا. وله عقيدة جيدة.

وفاته : توفي بفاس ، وقيل بتلمسان (٨) ، سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة.

محمد بن حسن بن محمد بن عبد الله بن خلف

ابن يوسف بن خلف الأنصاري (٩)

من أهل مالقة ، يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بابن الحاج ، وبابن صاحب الصلاة.

حاله : كان مقرئا صدرا في أئمّة التّجويد ، محدّثا متقنا ضابطا ، نبيل الخطّ والتقييد ، ديّنا ، فاضلا. وصنّف في الحديث ، وخطب بجامع بلده. وأمّ في الفريضة زمانا ، واستمرّت حاله كذلك ، من نشر العلم وبثّه إلى أن كرّمه الله بالشهادة في وقيعة العقاب (١٠).

دخوله غرناطة ، راويا عن ابن الفرس ، وابن عروس ، وغيرهما.

مشيخته : روى بالأندلس عن الحجاج ابن الشيخ ، وأبي الحسن بن كوثر ، وأبي خالد يزيد بن رفاعة ، وأكثر عنه ، وأبوي عبد الله بن عروس ، وابن الفخّار ، وأبي

__________________

(١) قارن بالذيل والتكملة (ج ٦ ص ١٧٨).

(٢) في الذيل والتكملة : «وابن الحسن».

(٣) في المصدر نفسه : «بن الإلبيري».

(٤) في المصدر نفسه : «الخزاز».

(٥) في الأصل : «وأبو» والتصويب من الذيل والتكملة.

(٦) في الذيل والتكملة : «الوشقي».

(٧) قارن بالذيل والتكملة (ج ٦ ص ١٧٨).

(٨) في الذيل والتكملة : «وقيل تلمسين ، وهو أصح ، سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة». وكذا جاء في بغية الوعاة (ص ٢٩).

(٩) ترجمة محمد بن حسن الأنصاري في تاريخ قضاة الأندلس (ص ١٤٨).

(١٠) كانت وقعة العقاب في منتصف شهر صفر سنة ٦٠٩ ه‍ ، بين الناصر أبي عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف الموحدي وجيوش قشتالة بقيادة ألفونسو الثامن ، وكانت الهزيمة فيها للمسلمين ، فكانت السبب في هلاك الأندلس. البيان المغرب ـ قسم الموحدين (ص ٢٦٣) وتاريخ قضاة الأندلس (ص ١٤٩).

٥٢

محمد بن حوط الله ، وعبد الحق بن بونه ، وعبد الصّمد بن يعيش ، وعبد المنعم بن الفرس ، وأجازوا له. وتلا القرآن على أبي عبد الله الإستجّي. وروى الحديث عن أبي جعفر الحصّار. وحجّ في نحو سنة ثمانين وخمسمائة ، وأخذ عن جماعة من أهل المشرق ، كأبي الطّاهر الخشوعي وغيره.

وفاته : توفي شهيدا محرضا صابرا يوم الاثنين منتصف صفر عام تسعة وستمائة.

محمد بن محمد بن أحمد بن علي الأنصاري

يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بابن قرال ، من أهل مالقة.

حاله : طالب عفيف مجتهد خيّر. قرأ بغرناطة ، وقام على فنّ العربية قياما بالغا ، وشارك في غيره ، وانتسخ الكثير من الدّواوين بخطّ بالغ أقصى مبالغ الإجادة والحسن ، وانتقل إلى مالقة فأقرأ بها العربية ، واقتدى بصهره الصّالح أبي عبد الله القطّان ، فكان من أهل الصلاح والفضل. وتوفي في محرم عام خمسين وسبعمائة.

محمد بن محمد بن إدريس بن مالك بن عبد الواحد

ابن عبد الملك بن محمد بن سعيد بن عبد الواحد

ابن أحمد بن عبد الله القضاعي

من أهل إسطبونة (١) ، يكنى أبا بكر ، ويعرف بالقللوسي.

حاله : كان ، رحمه الله ، إماما في العربية والعروض والقوافي ، موصوفا بذلك ، منسوبا إليه ، يحفظ الكثير من كتاب سيبويه ، ولا يفارقه بياض يومه ، شديد التعصّب له ، مع خفّة وطيش يحمله على التوغّل في ذلك. حدّثني شيخنا أبو الحسن بن الجيّاب ، رحمه الله ، قال : وقف أبو بكر القللوسي يوما على القاضي أبي عمرو بن الرّندون ، وكان شديد الوقار ، مهيبا ، وتكلم في مسألة من العربية ، نقلها عن سيبويه ، فقال القاضي أبو عمرو : أخطأ سيبويه ، فأصاب أبا بكر القللوسي قلق كاد يلبط به الأرض ، ولم يقدر على جوابه بما يشفي به صدره لمكان رتبته. قال : فكان يدور بالمسجد ، والدموع تنحدر على وجهه ، وهو يقول : أخطأ من خطّأه ، يكرّرها ، والقاضي أبو عمرو يتغافل عنه ، ويزري عليه. وكان ، مع ذلك ، مشاركا في فنون ، من

__________________

(١) إسطبونة : بالإسبانية : estepona ، وهو بلد يقع على البحر المتوسط إلى الشمال من جبل طارق.

٥٣

فقه وقراءات وفرائض ، من أعلام الحفّاظ للغة ، حجّة في العروض والقوافي ، يخطط بالقافية عند ذكره في الكتب. وله في ذلك تواليف بديعة. وولّي الخطابة ببلده مدة ، وقعد للتدريس به ، وانثال عليه الناس وأخذوا عنه. ونسخ بيده الكثير وقيّد ، وكان بقطره علما من أعلام الفضل والإيثار والمشاركة.

تواليفه : نظم رجزا شهيرا في الفرائض علما وعملا ، ونظم في العروض والقوافي ، وألّف كتاب «الدّرة المكنونة في محاسن إسطبونة» ، وألّف تأليفا حسنا في ترحيل الشمس ، وسوسطات الفجر ، ومعرفة الأوقات ، ونظم أرجوزة في شرح ملاحن ابن دريد ، وأرجوزة في شرح كتاب «الفصيح». ورفع للوزير ابن الحكيم كتابا في الخواص وصنعة الأمدّة والتطبّع الشاب ، غريبا في معناه.

مشيخته : قرأ على الأستاذ أبي الحسن بن أبي الربيع ، ولازمه ، وأخذ عنه ، وعن أبي القاسم بن الحصّار الضرير السّبتي ، وعلى الأستاذ أبي جعفر بن الزّبير بغرناطة ، وغيرهم.

شعره : من شعره قوله من قصيدة يمدح ابن الحكيم : [الطويل]

علاه رياض أورقت بمحامد

تنوّر بالجدوى وتثمر بالأمل

تسحّ عليها من نداه غمامة

تروي ثرى المعروف بالعلّ والنّيل

وهل هو إلّا الشمس نفسا ورفعة

فيغرب بالجدوى ويبعد بالأمل؟

تعمّ أياديه البريّة كلّها

فدان وقاص جود كفّيه قد شمل

وهي طويلة. ونقلت من خطّ صاحبنا أبي الحسن النّباهي ، قال يمدح أبا عبد الله الرّنداحي : [الكامل]

أطلع بأفق الرّاح كأس الرّاح

وصل الزّمان مساءه بصباح

خذها على رغم العذول مدامة

تنفي الهموم وتأت بالأفراح

والأرض قد لبست برود أزاهر

وتمنطقت من نهرها بوشاح

والجوّ إذ يبكي بدمع غمامة

ضحك الربيع له بثغر أقاح

والرّوض مرقوم بوشي أزاهر

والطّير يفصح أيّما إفصاح

والغصن من طرب يميل كأنما

سقيت بكفّ الرّيح كأس الراح

والورد منتظم على أغصانه

يبدو فتحسبه خدود ملاح

وكأنّ عرف الريح من زهر الرّبى

عرف امتداح القائد الرّنداح

وفاته : ببلده عصر يوم الجمعة الثامن عشر لرجب الفرد سنة سبع وسبعمائة.

٥٤

محمد بن محمد بن محارب الصّريحي

من أهل مالقة ، يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بابن أبي الجيش.

حاله وأوليّته : أصل سلفه من حصن يسر من عمل مرسية ، من بيت حسب وأصالة ، ولخؤولته بالجهة التاكرونيّة ثورة.

وقلت فيه في «عائد الصلة» : كان من صدور المقرئين ، وأعلام المتصدّرين تفنّنا واضطلاعا وإدراكا ونظرا ، إماما في الفرائض والحساب ، قائما على العربية ، مشاركا في الفقه والأصول وكثير من العلوم العقلية.

قعد للإقراء بمالقة ، وخطب بجامع الرّبض.

مشيخته : قرأ على الأستاذ القاضي المتفنّن أبي عبد الله بن بكر ، ولازمه. ثم ساء ما بينهما في مسألة وقعت بمالقة ، وهي تجويز الخلف في وعد الله ، شنّع فيها على شيخنا المذكور. ونسبه إلى أن قال : وعد الله ليس بلازم الصّدق ، بل يجوز فيه الخلف ، إذ الأشياء في حقه متساوية. وكتب في ذلك أسئلة للعلماء بالمغرب ، فقاطعه وهجره. ولمّا ولّي القاضي أبو عبد الله بن بكر القضاء ، خافه ، فوجّه عنه إثر ولايته ، فلم يشكّ في الشّرّ ، فلما دخل عليه ، رحّب به ، وأظهر له القبول عليه ، والعفو عنه ، واستأنف مودّته ، فكانت تعدّ في مآثر القاضي ، رحمه الله.

ورحل المذكور إلى سبتة ، فقرأ بها على الأستاذ أبي إسحاق الغافقي ، ومن عاصره ، ثم عاد إلى مالقة ، فالتزم التدريس بها إلى حين وفاته.

دخوله غرناطة : دخل غرناطة مرات ، متعلّما ، وطالب حاج. ودعي إلى الإقراء بمدرستها النّصرية (١) ، عام تسعة وأربعين وسبعمائة ، فقدم على الباب السّلطاني ، واعتذر بما قبل فيه عذره. وكان قد شرع في تقييد مفيد على كتاب «التسهيل» لابن مالك ، في غاية النبل والاستيفاء والحصر والتّوجيه ، عاقته المنية عن إتمامه.

وفاته : توفي بمالقة في كائنة الطاعون الأعظم في أخريات ربيع الآخر من عام خمسين وسبعمائة ، بعد أن تصدّق بمال كثير ، وعهد بريع مجد لطلبة العلم ، وحبس عليهم كتبه.

__________________

(١) هذه المدرسة أنشأها السلطان أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل النصري ، ومكانها ما يزال معروفا إلى اليوم بغرناطة ، ويقع قبالة الكنيسة العظمى التي أنشئت على موقع المسجد الجامع. اللمحة البدرية (ص ١٠٩).

٥٥

محمد بن محمد بن لب الكناني

من أهل مالقة ، يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بابن لب.

حاله : كان ذاكرا للعلوم القديمة ، معتنيا بها ، عاكفا عليها ، متقدّما في علمها على أهل وقته ، لم يكن يشاركه أحد في معرفتها ، من الرياضيّات والطبيعيّات والإلهيّات ، ذاكرا لمذاهب القدماء ، ومآخذهم في ذلك ، حافظا جدا ، ذاكرا لمذاهب المتكلّمين من الأشعريّة وغيرهم ، إلّا أنه يؤثر ما غلب عليه من مآخذ خصومهم ، وكان نفوذه في فهمه دون نفوذه في حفظه ، فكان معتمده على حفظه في إيراده ومناظرته ، وكان ذاكرا مع ذلك لأصول الفقه وفروعه ، عجبا في ذلك ؛ إذا وردت مسألة ، أورد ما للناس فيها من المذاهب. وعزم عليه آخر عمره ، فقعد بجامع مالقة ، يتكلّم على الموطّأ ، وما كان من قبل تهيّأ لذلك ، إلّا أنه ستر عليه حفظه ، وتعظيم أهل بلده له. قال ابن الزّبير : وكانت فيه لوثة ، واخشيشان ، وكان له أربّ في التّطواف ، وخصوصا بأرض النصارى ، يتكلم مع الأساقفة في الدّين ، فيظهر عليهم ، وكانت أموره غريبة ، من امتزاج اليقظة بالغفلة ، وخلط السّذاجة بالدّعابة. يحكى عنه أنه كانت له شجرة تين بداره بمالقة ، فباع ما عليها من أحد أهل السّوق ، فلمّا همّ بجمعها ، ذهب ليمهّد للتّين بالورق في الوعاء ، فمنعه من ذلك ، وقال له : إنما اشتريت التين ، ولم تدخل الورق في البيع ، فتعب ذلك المشتري ما شاء الله ، وجلب ورقا من غيرها ، حتى انقضى الأمر ، وعزم على معاملته في السنة الثانية ، فأول ما اشترط الورق ، فلمّا فرغ من الغلّة ، دعاه فقال له : احمل ورقك ، فإنه يؤذيني ، فأصابه من المشقة في جمعه من أطراف الغصون ما لم يكن يحستب ، ولم تأت السنة الثالثة ، إلّا والرجل فقيه ، اشترط مقدار الكفاية من الورق ، فسامحه ورفق به.

دخل غرناطة وغيرها ، وأخباره عجيبة. قال أبو جعفر بن الزّبير : عرض لي بمالقة مسائل ، يرجع بعضها إلى الطريقة البيانيّة ، والمآخذ الأدبية ؛ وضحت ضرورة إلى الأخذ معه فيها ، وفي آيات من الكتاب العزيز ، فاستدعيته إلى منزلي ، وكان فيه تخلّق ، وحسن ملاقاة ، مع خفّته الطبيعية وتشتّت منازعه ، فأجاب ، وأخذت معه في ذلك ، فألفيته صائما عن ذلك جملة.

وصمته : قال : وكان القاضي الجليل أبو القاسم بن ربيع وأخوه أبو الحسن ينافرانه على الإطلاق ، ويحذران منه ، وهو كان الظاهر من حاله. قال : واستدعاني في مرض اشتدّ به ، قبل خروجي من مالقة على انفراد ، فتنصّل لي مما كان يذنّ (١) به ، وأكثر البكاء ، حتى رثيت له.

__________________

(١) يذنّ به : يتّهم به ؛ يقال : ذنّ في مشيته : مشى مشية ضعيفة ، وذنّ الشيء : سال ، وجاء هنا ـ

٥٦

وفاته : توفي بمالقة ، ووصّى قبل موته بوصايا من ماله ، في صدقات وأشباهها ، وحبس داره وطائفة من كتبه على الجامع الكبير بمالقة.

محمد بن محمد البدوي (١)

الخطيب بالرّبض من بلّش (٢) ، يكنى أبا عبد الله.

حاله : من «العائد» (٣) : كان ، رحمه الله ، حسن التّلاوة لكتاب الله ، ذا قدم في الفقه ، له معرفة بالأصلين ، شاعرا مجيدا ، بصيرا ، بليغا في خطبته ، حسن الوعظ ، سريع الدّمعة. حجّ ولقي جلّة. وأقرأ ببلّش زمانا ، وانتفع به ، ولقي شدايد أصلها الحسد.

مشيخته : قرأ العلم على الشّيخين المقرئين ، الحجّتين ، أبي جعفر بن الزّيّات ، وأبي عبد الله بن الكمّاد ، وقرأ العربية والأصلين على الأستاذ أبي عمرو بن منظور ، ولازمه وانتفع به ، وقرأ الفقه على الشيخ القاضي أبي عبد الله بن عبد السّلام بمدينة تونس.

شعره : من شعره قوله في غرض النسيب (٤) : [السريع]

خال على خدّك (٥) أم عنبر؟

ولؤلؤ ثغرك أم جوهر؟

أوريت نار الوجد طيّ الحشا

فصارت النّار به (٦) تسعر

لو جدت لي منك برشف اللّما

لقلت : خمر عسل (٧) سكّر

دعني في الحبّ أذب حسرة

سفك دم العاشق لا ينكر

__________________

ـ بمعنى : يتّهم به. لسان العرب (ذنن).

(١) ترجمة محمد البدوي في الكتيبة الكامنة (ص ٥٥).

(٢) هي بلّش مالقةvelez malaga ، وقد ذكرها ياقوت مكتفيا بالقول : «بلّش ؛ بالفتح وتشديد اللام والشين معجمة ، بلد بالأندلس ، ينسب إليه يوسف بن جبارة البلّشي ...». معجم البلدان (ج ١ ص ٤٨٤).

(٣) هو كتاب «عائد الصلة» لابن الخطيب. وقد كتبه ابن الخطيب ليكون ذيلا لكتاب «صلة الصلة» لابن الزبير ، المتوفّى سنة ٧٠٨ ه‍.

(٤) الأبيات في الكتيبة الكامنة (ص ٥٥ ـ ٥٦).

(٥) في الكتيبة : «خدّيك».

(٦) في الكتيبة : «بها».

(٧) حرّكها المحقق بالكسر «عسل» ظنّا منه أنها مضاف إلى كلمة «خمر».

٥٧

وقال (١) : [البسيط]

عيناي تفهم من عينيك أسرارا

وورد خدّك يذكي في الحشا نارا

ملكت قلب محبّ فيك مكتئب

قد أثّر الدّمع في خدّيه آثارا

رضاب ثغرك يروي حرّ غلّته

يا ليت نفسي تقضي منه أوطارا (٢)

أنعم بطيف خيال منك ألمحه

ما ذا عليك بطيف (٣) منك لو زارا

نفسي فداؤك من ظبي به كلفّ (٤)

يصبو له القلب مضطرّا ومختارا

وقال (٥) : [مجزوء الرمل]

أيها الظّبي ترفّق

بكئيب قد هلك

الذنب تتجنّى

أم لشيء (٦) يوصلك؟

إنّ روحي لك ملك (٧)

وكذا قلبي لك

إنّما أنت هلال

فلك القلب فلك

ومن مجموع نظمه ونثره ما خاطبني به ، وقد طلبت من أدبه لبعض ما صدر عني من المجموعات : «يا سيدي ، أبقاك الله بهجة للأعيان الفضلاء ، وحجّة لأعلام العلاء ، ولا زلت تسير فوق النّسر ، وتجري في الفضائل على كرم النّجر. ذكر لي فلان أنكم أردتم أن يرد على كمالكم ، بعض الهذيان الصادر عن معظّم جلالكم ، فأكبرت ذلك ، ورأيتني لست هنالك ، وعجبت أن ينظم مع الدّرّ السّبج ، أو يضارع العمش الدّعج. بيد أنّ لنظم الدّرّ صنّاع (٨) ، والحديث قد يذاع ، ولا يضاع ، وحين اعتذرت له فلم يعذرني ، وانتظرته فلم ينظرني ، بعد أن استعفيته فأبى ، واستنهضت جواد الإجابة فكبى ، وسلك غير طريقي ، ولم يبلّغني ريقي ، وفّيت الغرض ، وقضيت من إجابته الحقّ المفترض ، ورددت عن تعذاله النّصيح ، وأثبتّ هنا ما معناه صحيح ، ولفظه غير فصيح : [السريع]

بريت من حولي ومن قوّتي

بحول من لا حول إلّا له

وثقت بالخالق فهو الذي

يدبّر العبد وأفعاله

__________________

(١) الأبيات في الكتيبة (ص ٥٦).

(٢) الأوطار : جمع وطر وهو الحاجة.

(٣) في الكتيبة : «لطيف».

(٤) في الكتيبة : «وطف».

(٥) الأبيات في الكتيبة (ص ٥٦).

(٦) في الكتيبة : «ألشيء».

(٧) رواية صدر البيت في الكتيبة هي : «إنما روحي ملك».

(٨) الأوجب أن يقول : «صنّاعا» لأنها اسم أنّ منصوب.

٥٨

وقلت بالحرم عند الملتزم من المنظوم في مثل ذلك : [المتقارب]

أمولاي بالباب ذو فاقة

وهذا يحطّ خطايا الأمم

فجد لي بعفوك عن زلّتي

يجود الكريم بقدر الكرم

ومما أعددته للوفادة على خير من عقدت عليه ألوية السّيادة : [الكامل]

حمدت إليك مع الصباح سراها

وأتتك تطلب من نداك قراها

وسرت إليك مع النّسيم يمينها

شوقا يسابق في السّرى يسراها

ولو لا العجر لوصلت ، والعذر لأطلت ، لكن ثنيت عناني لثنائك ، لحسن اعتنائك ، وقلت معتذرا من الصّورة لمجدكم ، وتاليا سورة حمدكم : [البسيط]

المجد يخبر عن صدق مآثره

وناظم المجد في العلياء ناثره

والجود إنّ جدّ جدّ المرء ينجده

وقلّما ثمّ في الأيّام ذاكره

من نال ما نلت من مجد ومن شرف؟

فليس في الناس من (١) شخص يناظره

يا سيدا طاب في العلياء محتده

دم (٢) ماجدا رسخت فيه أواصره

سريت في الفضل مستنّا على سنن ال

فضل (٣) مآربه حقا وسامره

ورثته عن كبير أوحد علم

كذاك يحمله أيضا أكابره

مبارك الوجه وضّاح الجبين له

نور ينير أغرّ النّور باهره

موفّق بكفيل من عنايته

مرفّع العذر سامي الذّكر طاهره

رعيت في الفضل حقّ الفضل مجتهدا

مفهوم مجدك هذا الحكم ظاهره

علوت كالشمس إشراقا ومنزلة

فأنت كالغيث يحيي الأرض ماطره

ينمّ بالفضل منك الفضل مشتهرا

كما ينمّ بزهر الرّوض عاطره

دم وابق للمجد كهفا والعلا وزرا (٤)

فإنما المجد شخص أنت ناظره

مؤمّلا منك خيرا أنت صانعه

وصانع الخير عند الله شاكره

وما وليت وما أوليت من حسن

للنّاس (٥) والعالم العلوي ذاكره

بقيت تكسب من والاك مكرمة

وناصرا أبدا من قلّ ناصره

__________________

(١) كلمة «من» ساقطة في الأصل.

(٢) كلمة «دم» ساقطة في الأصل.

(٣) في الأصل : «في الفضل» ، وكذا ينكسر الوزن.

(٤) الوزر ؛ بالفتح : الجبل المنيع أو الملجأ والمعتصم. لسان العرب (وزر).

(٥) في الأصل : «فللناس» ، وكذا ينكسر الوزن.

٥٩

عذرا لك الفضل عمّا جئت من خطإ

أن يخط مثلي يوما أنت عاذره

ثم السلام على علياك من رجل

تهدي الذي أبدا (١) تخفى ضمائره

دخوله غرناظة : دخلها غير ما مرّة ، ولقيته بها لتقضّي بعض أغراض بباب السلطان ، مما يليق بمثله.

مولده : ... (٢).

وفاته : توفي ببلّش في أخريات عام خمسين وسبعمائة.

محمد بن عبد الله بن ميمون بن إدريس بن محمد

ابن عبد الله العبدري

قرطبي ، استوطن مدينة مرّاكش ، يكنى أبا بكر.

حاله : كان عالما بالقراءات ، ذاكرا للتفسير ، حافظا للفقه واللغات والأدب ، شاعرا محسنا ، كاتبا بليغا ، مبرّزا في النحو ، جميل العشرة ، حسن الخلق ، متواضعا ، فكه المحاضرة ، مليح المداعبة. وصنّف في غير ما فنّ من العلم ، وكلامه كثير مدوّن ، نظما ونثرا.

مشيخته : روى عن أبي بكر بن العربي ، وأبي الحسن شريح ، وعبد الرحمن بن بقي ، وابن الباذش ، ويونس بن مغيث ، وأبي عبد الله بن الحاج ، وأبي محمد بن عتّاب ، وأبي الوليد بن رشد ، ولازمه عشرين سنة. قرأ عليهم وسمع ، وأجازوا له ، وسمع أبا بحر الأسدي ، وأبوي بكر عيّاش بن عبد الملك ، وابن أبي ركب ، وأبا جعفر بن شانجة (٣) ، وأبا الحسن عبد الجليل ، وأبا عبد الله بن خلف الأيسري ، وابن المناصف ، وابن أخت غانم ، ولم يذكر أنهم أجازوا له ، وروى أيضا عن أبوي عبد الله مكّي ، وابن المعمر ، وأبي الوليد بن طريف.

من روى عنه : روى عنه أبو البقاء يعيش بن القديم ، وأبو الحسن بن مؤمن ، وأبو زكريا المرجيعي ، وأبو يحيى أبو بكر الضرير واختصّ به.

__________________

(١) كلمة «أبدا» ساقطة في الأصل.

(٢) بياض في الأصل ، كذلك لم يشر ابن الخطيب في الكتيبة الكامنة إلى سنة ولادته.

(٣) في الأصل : «سانجة» بالسين غير المعجمة ، ويبدو أن جعفر بن شانجة هذا من المولدين ، وهم أولاد الإسبان النصارى الذين أسلموا.

٦٠