الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٣

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]

الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٣

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]


المحقق: الدكتور يوسف علي طويل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3319-5

الصفحات: ٤٥٦

الجامع من صحنه سنة ست عشرة ، وعوّض أرجل قسيّه أعمدة الرخام ، وجلب الرّءوس والموائد من قرطبة ، وفرش صحنه بكذّان الصّخيرة (١). ومن مكارمه أنه لمّا ولّي مستخلص غرناطة وإشبيلية ، وجّهه أميره علي بن يوسف بن تاشفين إلى طرطوشة برسم بنائها ، وإصلاح خللها ، فلمّا استوفى الغاية فيها قلّده ، واستصحب جملة من ماله لمؤنته المختصّة به ، فلما احتلّها سأل قاضيها ، فكتب إليه جملة من أهلها ممن ضعف حاله وقلّ تصرفه من ذوي البيوتات ، فاستعملهم أمناء في كل وجه جميل ، ووسّع أرزاقهم ، حتى كمل له ما أراد من عمله. ومن عجز أن يستعمله وصله من ماله. وصدر عنها وقد أنعش خلقا كثيرا.

شعره : من قوله في مجلس أطربه سماعه ، وبسطه احتشاد الأنس فيه واجتماعه (٢) : [الخفيف]

لا تلمني إذا طربت لشجو (٣)

يبعث الأنس فالكريم طروب

ليس شقّ الجيوب حقّا علينا

إنما الحقّ (٤) أن تشقّ القلوب

وقال ، وقد قطف غلام من غلمانه نوّارة ، ومدّ بها يده إلى أبي نصر الفتح بن عبيد الله (٥) ، فقال أبو نصر (٦) : [الطويل]

وبدر بدا والطّرف مطلع حسنه

وفي كفّه من رائق النّور كوكب

يروح لتعذيب النفوس ويغتدي

ويطلع في أفق الجمال ويغرب

فقال أبو محمد بن مالك (٧) : [الطويل]

ويحسد (٨) منه الغصن أيّ مهفهف

يجيء على مثل الكئيب ويذهب

__________________

(١) في النفح : «الصخر». والكذّان : حجارة رخوة.

(٢) البيتان في قلائد العقيان (ص ١٦٩) ونفح الطيب (ج ٢ ص ٢٠٥) و (ج ٤ ص ٢٠٤).

(٣) في القلائد : «لشدو».

(٤) في النفح : (ج ٢ ص ٢٠٥): «الشأن».

(٥) هو أبو نصر الفتح بن خاقان ، صاحب «قلائد العقيان» و «مطمح الأنفس».

(٦) البيتان في نفح الطيب (ج ٤ ص ٢٠٤). وورد البيت الأول في نفح الطيب (ج ٢ ص ٢٠٥) منسوبا إلى ابن مالك. وورد البيت الثاني في قلائد العقيان (ص ١٧٠) ونفح الطيب (ج ٢ ص ٢٠٥) منسوبا إلى محمد بن مالك.

(٧) البيت في قلائد العقيان (ص ١٧٠) ونفح الطيب (ج ٢ ص ٢٠٤).

(٨) في القلائد : «ويحسن».

٤٠١

نثره : قال أبو نصر (١) : كتبت إليه مودّعا ، فكتب (٢) إليّ مستدعيا ، وأخبرني رسوله (٣) أنه لما قرأ الكتاب وضعه ، وما سوّى ولا فكّر ولا روى :

يا سيدي ، جرت الأيام (٤) بجمع افتراقك ، وكان الله جارك في انطلاقك (٥) ، فغيرك روّع بالظّعن ، وأوقد للوداع جاحم (٦) الشّجن ، فأنت (٧) من أبناء هذا الزمن ، خليفة الخضر لا يستقرّ (٨) على وطن ، كأنّك والله يختار لك ما تأتيه وما تدعه ، موكّل بفضاء الأرض تذرعه (٩) ، فحسب من نوى بعشرتك الاستمتاع ، أن يعدّك (١٠) من العواري السّريعة الارتجاع (١١) ، فلا يأسف على قلّة الثّوا (١٢) ، وينشد : [الطويل]

وفارقت حتى ما أبالي من النّوى

وفاته : اعتلّ (١٣) بإشبيلية فانتقل إلى غرناطة ، فزادت علّته بها ، وتوفي ، رحمه الله ، بها في غرّة شعبان سنة ثماني (١٤) عشرة وخمسمائة ، ودفن إثر صلاة الظهر من يوم الجمعة المذكورة بمقبرة باب إلبيرة ، وحضر جنازته الخاصة والعامة.

من رثاه : رثاه ذو الوزارتين أبو عبد الله بن أبي الخصال ، رحمه الله ، فقال : [الكامل]

إن كنت تشفق من نزوح نواه

فهناك مقبرة وذا مثواه

قسّم زمانك عبرة أو عبرة

وأحل تشوّقه على ذكراه

__________________

(١) قلائد العقيان (ص ١٧٠) ونفح الطيب (ج ٤ ص ٢٠٥).

(٢) في القلائد : «فجاوبني جوابا مستبدعا».

(٣) في القلائد : «رسولي».

(٤) في القلائد : «الأقدار».

(٥) هذا من قول البحتري وهو بحلب ، قاله لأبي جعفر بن سهل المروزي ولم يودّعه : [مخلع البسيط]

الله جارك في انطلاقك

تلقاء شامك أو عراقك

ديوان البحتري (ج ٢ ص ١٢).

(٦) في الأصل : «جامح» والتصويب من المصدرين.

(٧) في المصدرين : «فإنك».

(٨) في القلائد : «لا تستقرّ».

(٩) قوله : «موكّل بفضاء الأرض تذرعه» عجز بيت لابن زريق البغدادي ، وصدره هو : [البسيط]

كأنما هو في حلّ ومرتحل

(١٠) في القلائد : «يعتدّك».

(١١) في القلائد : «الاسترجاع».

(١٢) الثوا : أصل القول : الثواء ، بالهمز. والثواء : الإقامة.

(١٣) قارن بنفح الطيب (ج ٤ ص ٢٠٥).

(١٤) في الأصل : «ثمان» وهو خطأ نحوي.

٤٠٢

وأعدده ما امتدّت حياتك غائبا

أو عاتبا إن لم تزر زرناه

أو نائما غلبت عليه رقدة

لمسهد لم تغتمض عيناه

أو كوكبا سرت الرّكاب بنوره

فمضى وبلّغنا المحلّ سناه

فمتى تبعد والنفوس تزوره

ومتى تغيب والقلوب تراه

يا واحدا عدل الجميع وأصلحت

دنيا الجميع ودينهم دنياه

طالت أذاتك بالحياء كرامة

والله يكرم عبده بأذاه

لشهادة التّوحيد بين لسانه

وجنانه نور يرى مسراه

وبوجهه (١) سيما أغرّ محجّل

مهما بدا لم تلتبس سيماه

وكأنما هو في الحياة سكينة

لو لا اهتزاز في النّدى يغشاه

وكأنّه لحظ العفاة توجّعا

فتلازمت فوق الفؤاد يداه

أبدى رضى الرحمن عنك ثناؤهم

إنّ الثّناء علامة لرضاه

يا ذا الذي شغف القلوب به

وذا لا ترتجيه وذاك لا تخشاه

ما ذاك إلّا أنه فرع زكا

وسع الجميع بظلّه وحناه

فاليوم أودى كلّ من أحببته

ونعى إلى النفس من ينعاه

ما ذا يؤمل في دمشق مسهد

قد كنت ناظره وكنت تراه؟

يعتاد قبرك للبكا أسفا بما

قد كان أضحكه الذي أبكاه

يا تربة حلّ الوزير ضريحها

سقاك بل صلّى عليك الله

وسرى إليك ومنك ذكر ساطع

كالمسك عاطرة به الأفواه

عبد الرحمن بن عبد الملك الينشتي (٢)

يكنى أبا بكر ، أصله من مدينة باغة (٣) ، ونشأ بلوشة ، وهو محسوب من الغرناطيين.

حاله : كان شيخا يبدو على مخيّلته النّبل والدّهاء ، مع قصور أدواته. ينتحل النّظم والنثر في أراجيز يتوصّل بها إلى غرضه من التصرّف في العمل.

__________________

(١) في الأصل : «ويوجهه» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

(٢) ترجمة الينشتي في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٤٦).

(٣) باغة : بالإسبانيةpriego ، وهي مدينة بالأندلس من كورة إلبيرة ، في قبلي قرطبة ، ولمائها خاصية عجيبة. معجم البلدان (ج ١ ص ٣٢٦) والروض المعطار (ص ٧٨).

٤٠٣

وجرى ذكره «في التّاج المحلّى» وغيره بما نصه (١) : قارض (٢) هاج ، مداهن مداج ، أخبث من نظر من طرف خفي ، وأغدر من تلبّس بشعار وفي ، إلى مكيدة مبثوتة الحبائل ، وإغراء يقطع بين الشعوب والقبائل ، من شيوخ طريقة العمل ، المتقلّبين من أحوالها بين الصّحو والثّمل ، المتعلّلين برسومها حين اختلط المرعيّ والهمل (٣). وهو ناظم أرجاز ، ومستعمل حقيقة ومجاز. نظم مختصر السّيرة ، في الألفاظ اليسيرة ، ونظم رجزا في الزّجر والفال ، نبّه به تلك الطريقة بعد الإغفال. فمن نظمه ما خاطبني به مستدعيا إلى إعذار ولده (٤) : [البسيط]

أريد من سيدي الأعلى تكلّفه

على (٥) الوصول إلى داري صباح غد

يزيدني شرفا منه ويبصر لي

صناعة القاطع الحجّام في ولدي

فأجبته : [البسيط]

يا سيدي الأوحد الأسمى ومعتمدي

وذا الوسيلة من أهل ومن بلد (٦)

دعوت في يوم الاثنين الصّحاب ضحى

وفيه ما ليس في بيت (٧) ولا أحد

يوم السّلام على المولى وخدمته

فاصفح وإن عثرت رجلي فخذ بيدي

والعذر أوضح من نار على علم

فعدّ إن غبت عن لوم وعن فند (٨)

بقيت في ظلّ عيش لا نفاد له

مصاحبا غير محصور إلى أمد

ومنه أيضا : [الكامل]

قل لابن سيّد والديه : لقد علا

وتجاوز المقدار فيما يفخر

ما ساد والده فيحمد أمره

إلّا صغير العنز حتى يكبر

وصدرت عنه مقطوعات في غير هذا المعنى ، ممّا عذب به المجنى ، منها قوله (٩) : [الكامل]

إنّ الولاية رفعة لكنها

أبدا إذا حقّقتها تتنقّل (١٠)

__________________

(١) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٤٧).

(٢) في النفح : «مادح».

(٣) في المصدر نفسه : «بالهمل». والمرعيّ الذي له راع يحفظه. والهمل : الذي ترك مهملا لا راعي له. لسان العرب (رعى) و (همل).

(٤) البيتان وجوابهما في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٤٦).

(٥) في النفح : «إلى».

(٦) في النفح : «من أهلي ومن بلدي».

(٧) في المصدر نفسه : «سبت».

(٨) الفند ، بالفتح : تخطئة الرأي. لسان العرب (فند).

(٩) البيتان في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٤٧).

(١٠) في الأصل : «تنتقل» ، وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

٤٠٤

فانظر فضائل من مضى من أهلها

تجد الفضائل كلّها لا تعزل

وقال : [الطويل]

هنيّا أبا إسحاق دمت موفّقا

سعيدا قرير العين بالعرس والعرس

فأنت كمثل البدر في الحسن والتي

تملّكتها في الحسن أسنى من الشمس

وقالوا : عجيب نور بدرين ظاهر

فقلت : نعم إنّ ألف الجنس للجنس

وكتب إليّ : [الطويل]

إذا ضاق ذرعي بالزّمان شكوته

لمولاي من آل الخطيب فينفرج

هو العدّة العظمى هو السيّد الذي

بأوصافه الحسنى المكارم تبتهح

وزير علا ذاتا وقدرا ومنصبا

فمن دونه أعلا الكواكب يندرج

وفي بابه نلت الأماني وقادني

دليل رشادي حيث رافقني الفرج

فلا زال في سعد وعزّ ونعمة

تصان به الأموال والأهل والمهج

وفاته : توفي في الطاعون عام خمسين وسبعمائة بغرناطة.

وفي سائر الأسماء التي بمعنى عبد الله وعبد الرحمن ،

وأولاد الأمراء :

عبد الأعلى بن موسى بن نصير مولى لخم (١)

أوليته : أبوه المنسوب إليه فتح الأندلس ، ومحلّه من الدّين والشهرة وعظم الصّيت معروف.

حاله : كان عبد الأعلى أميرا على سنن أبيه في الفضل والدين ، وهو الذي باشر فتح غرناطة ومالقة ، واستحقّ الذكر لذلك. قال الرّازي (٢) : وكان موسى بن نصير قد أخرج ابنه عبد الأعلى فيمن رتّبه من الرجال إلى إلبيرة وتدمير ؛ لفتحها ، ومضى إلى إلبيرة ففتحها ، وضمّ بها إلى غرناطة اليهود مستظهرا بهم على النّصر ، ثم مضى إلى كورة ريّه ، ففتحها.

__________________

(١) راجع أخبار عبد الأعلى بن موسى بن نصير في نفح الطيب (ج ١ ص ٢٦٤).

(٢) قارن بنفح الطيب (ج ١ ص ٢٦٤).

٤٠٥

عبد الحليم بن عمر بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق

ابن محيو

يكنى أبا محمد ، أوّليته معروفة.

وفسد ما بين أبيه وبين جدّه ، أمير المسلمين ، بما أوجب انتباذه إلى سكنى مدينة سجلماسة ، معزّزة له ألقاب السلطان بها ، مدوّخا ما بأحوازها من أماكن الرئاسة ، منسوبة إليه بها الآثار ، كالسّدّ الكبير الشهير ، وقصور الملك. فلمّا نزل عنها على حكم أخيه أمير المسلمين أبي الحسن ، وأمضى قتلته بالفصاد ، نشأ ولده ، وهم عدّة بباب عمّهم ، يسعهم رفده ، ويقودهم ولده ، ثم جلاهم إلى الأندلس ابنه السلطان أبو عنان ، عندما تصيّر الأمر إليه ، فاستقرّوا بغرناطة تحت برّ وجراية ، قلقا بمكانهم من جلاهم ومن بعده ، لإشارة عيون التّرشيح إليهم ، مغازلة من كثب ، وقعودهم بحيث تعثر فيهم المظنّة ، إلى أن كان من أمرهم ما هو معروف.

حاله : هذا الرجل من أهل الخير والعفاف والصّيانة ودمث الخلق وحسن المداراة ، يألف أهل الفضل ، خاطب للرّتبة بكل جهد وحيلة ، وسدّ عنه باب الأطماع. حذّر من كان له الأمر بالأندلس من لدن وصوله ؛ كي لا تختلف أحوال هذا الوطن في صرف وجوه أهله إلى غزو عدو الملّة ، ومحوّلي القبلة ، وإعراضهم عن الإغماض في الفتنة المسلمة ، وربما يميت عنهم الحركات والهموم ، فثقّفوا من فيها عليهم ، إلى أن تبرأ ساحتهم ويظن به السكون. فلمّا دالت الدولة ، وكانت للأخابث الكرّة ، واستقرّت بيد الرئيس الغادر الكرّة ، وكان ما تقدّم الإلماع به من عمل السلطان أبي سالم ، ملك المغرب ، على إجازة السلطان ، وليّ ملك الأندلس ، المزعج عنها بعلّة البغي ، ذهب الدّايل الأخرق إلى المقارضة ، فعندما استقرّ السلطان أبو عبد الله بجبل الفتح ، حاول إجازة الأمير عبد الحليم إلى تلمسان بعد مفاوضة ، فكان ذلك في أخريات ذي قعدة ، وقد قضي الأمر في السلطان أبي سالم ، وانحلّت العقدة ، وانتكثت المريرة ، وولّى الناس الرجل المعتوه ، وفد إلى تلمسان من لم يرض محلّه من الإدالة ، ولا قويت نفسه على العوض ، ولا صابرت غضّ المخافة ، وحرّك ذلك من عزمه ، وقد أنجده السلطان مستدعيه بما في طوقه. ولما اتصل خبره بالقائم بالأمر بفاس ، ومعمل التدبير على سلطانه ، أعمل النظر فيهم ؛ زعموا بتسليم الأمر ، ثم حذّر من لحق به من أضداده ، فصمّم على الحصار ، واستراب بالقبيل المريني ، وأكثف الحجاب دونهم بما يحرّك أنفتهم ، فنفروا عنه بواحدة أول عام ثلاثة وستين وسبعمائة ، واتفق رأيهم على الأمير عبد الحليم ، فتوجّهت إليه

٤٠٦

وجوههم اتّفاقا ، وانثالوا عليه اضطرارا ، ونازل البلد الجديد ، دار الملك من مدينة فاس ، يوم السبت السادس لشهر المحرم من العام. واضطربت المحلّات بظاهره ، وخرج إليه أهل المدينة القدمى ، فأخذ بيعتهم ، وخاطب الجهات ، فألقت إليه قواعدها باليد ، ووصلت إليه مخاطباتها.

ومن ذلك ما خوطب به من مدينة سلا ، وأنا يومئذ بها : [الخفيف]

يا إمام الهدى ، وأيّ إمام

أوضح الحقّ بعد إخفاء رسمه

أنت عبد الحليم حلمك نرجو

فالمسمّى له نصيب من اسمه

وسلك مسلكا حسنا في الناس ، وفسح الآمال ، وأجمل اللقاء ، وتحمّل الجفاء ، واستفزّ الخاصة بجميل التأتّي وأخذ العفو ، والتّظاهر بإقامة رسوم الدّيانة ، وحارب البلد المحصور في يوم السبت الثالث عشر لشهر الله المحرم المذكور ، كانت الملاقاة التي برز فيها وزير الملك ومدير رحاه بمن اشتملت عليه البلدة من الرّوم والجند الرّحل ، واستكثر من آلات الظهور وعدد التّهويل ، فكانت بين الفريقين حرب مرّة تولّى كبرها النّاشبة ، فأرسلت على القوم حواصب النّبل ، غارت لها الخيل ، واقشعرّت الوجوه ، وتقهقرت المواكب. وعندها برز السلطان المعتوه ، مصاحبة له نسمة الإقدام ، وتهوّر الشجاعة عند مفارقة الخلال الصّحيّة ، وتوالت الشدات ، وتكالبت الطّائفة المحصورة ، فتمرّست بأختها ، ووقعت الهزيمة ضحوة اليوم المذكور على قبيل بني مرين ومن لفّ لفّهم ، فصرفوا الوجوه إلى مدينة تازي ، واستقرّ بها سلطانهم ، ودخلت مكناسة في أمرهم ، وضاق ذرع فاس للملك بهم ، إلى أن وصل الأمير المستدعى ، طيّة الصبر ، وأجدى دفع الدّين ، ودخل البلد في يوم الاثنين الثاني والعشرين لصفر من العام. وكان اللقاء بين جيش السلطان ، لنظر الوزير ، مطعم الإمهال ومعوّد الصّنع. وبين جيش بني مرين ، لنظر الأخ عبد المؤمن ابن السلطان أبي علي ، فرحل القوم من مكناسة ، وفرّ عنهم الكثير من الأولياء ، وأخلوا العرصة ، واستقرّوا أخيرا ببلد أبيهم سجلماسة ، فكانت بين القوم مهادنة. وعلى أثرها تعصّب للأخ عبد المؤمن معظم عرب الجهة ، وقد برز إليهم في شأن استخلاص الجبابة ، فرجعوا به إلى سجلماسة. وخرج لمدافعتهم الأمير عبد الحليم ، بمن معه من أشياخ قبيله والعرب أولى مظاهر ، فكانت بينهم حرب أجلت عن هزيمة الأمير عبد الحليم ، واستلحم للسّيف جملة من المشاهير ، كالشيخ الخاطب في حبله ، خدن النّكر وقادح زند الفتنة ، الدّاين بالحمل على الدول على التفصيل والجملة ، المعتمد بالمغرب بالرأي والمشورة ، يحيى بن رحّو بن مسطى وغيره. وأذعن عبد الحليم بعدها للخلع ، وخرج عن الأمر لأخيه ، وأبقي عليه ، وتحرّج من

٤٠٧

قتله ، وتعرّف لهذا الوقت صرفه عنه إلى الأرض الحجازية على صحراء القبلة ، فانتهى أمره إلى هذه الغاية.

دخوله غرناطة : قدم على الحضرة مع الجملة من إخوته وبني عمّه في ... (١). جلاهم السلطان أبو عنان عندما تصيّر له الأمر ، فاستقرّوا بها ، يناهز عبد الحليم منهم بلوغ أشدّه.

وفاته : وتوفي ... (٢) وستين وسبعمائة.

عبد المؤمن بن عمر بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق

ابن محيو

أخو الأمير عبد الحليم ، يكنى أبا محمد.

حاله : كان رجلا وقورا ، سكونا ، نحيفا ، آية الله في جمود الكفّ ، وإيثار المسك ، قليل المداخلة للناس ، مشتغلا بما يغنيه من خويصة نفسه ، موصوفا ببسالة وإقدام ، حسن الهيئة. دخل الأندلس مع أخيه ، وعلى رسمه ، وتحرّك معه وابن أخ لهما ، فتولّى كثيرا من أمره ، ولقي الهول دونه. ولمّا استقرّوا بسجلماسة ، كان ما تقرّر من توبته على أمره ، والعمل على خلعه ، معتذرا ، زعموا إليه ، موفيا حقّه ، موجبا تجلّته إلى حين انصرافه ، ووصل الأندلس خطابه يعرّف بذلك بما نصّه في المدرجة.

ولم ينشب أن أحسّ بحركة جيش السلطان بفاس إليه ، فخاطب عميد الهساكره (٣) ، عامر بن محمد الهنتاتي ، وعرض نفسه عليه ، فاستدعاه ، وبذل له أمانا. ولما تحصّل عنده ، قبض عليه وثقّفه ، وشدّ عليه يده ، وحصل على طلبه دهيّة من التّوعّد بمكانه ، واتخاذ اليد عند السلطان بكفّ عاديته إلى هذا التاريخ.

ومن الأفراد أيضا في هذا الحرف وهم طارؤون

عبد الحق بن علي بن عثمان بن أبي يوسف يعقوب

ابن عبد الحق

الأمير المخاف بعد أبيه أمير المسلمين أبي الحسن بمدينة الجزائر ، بعد ما توجّه إلى المغرب ، وجرت عليه الهزيمة من بني زيّان.

__________________

(١) بياض بالأصول.

(٢) بياض بالأصول.

(٣) نسبة إلى هسكورة وهي إحدى القبائل البربرية المغربية ، الضاربة في بلاد السوس جنوب شرقي مراكش ، وغربي سجلماسة.

٤٠٨

حاله : كان صبيّا ظاهر السكون والأدب ، في سنّ المراهقة ، لم ينشب أن نازله جيش عدوّه. ومالأه أهل البلد ، وأخذ من معه لأنفسهم وله الأمان ، فنزل عنها ولحق بالأندلس. قال في كتاب «طرفة العصر» : وفي ليلة العاشر من شهر ربيع الأول اثنين وخمسين وسبعمائة ، اتّصل الخبر من جهة الساحل ، بنزول الأمير عبد الحق ابن أمير المسلمين أبي الحسن ومن معه ، بساحل شلوبانية (١) ، مفلتين من دهق الشّدة ، بما كان من منازلة جيش بني زيّان مدينة الجزائر ، وقيام أهلها بدعوتهم ، لما سموه من المطاولة ، ونهكهم من الفتنة ، وامتنع الأمير ومن معه بقصبتها ، وأخذوا لأنفسهم عهدا ، فنزلوا وركبوا البحر ، فرافقتهم السّلامة ، وشملهم ستر العصمة. ولحين اتصل بالسلطان خبره ، بادر إليه بمركبين ثقيلي الحلية ، وما يناسب ذلك من بزّة ، وعجّل من خدامه بمن يقوم ببرّه ، وأصحبه إلى منزل كرامته. ولرابع يوم من وصوله كان قدومه ، وبرز له السلطان بروزا فخما ، ونزل له ، قارضا إياه أحسن القرض ؛ بما أسلفه من يد ، وأسداه من طول. وأقام ضيفا في جواره ، إلى أن استدعاه أخوه ملك المغرب ، فانصرف عن رضى منه ، ولم ينشب أن هلك مغتالا في جملة أرداهم الترشيح.

عبد الواحد بن زكريا بن أحمد اللحياني (٢)

يكنى أبا ملك (٣). وبيته في الموحّدين الملوك بتونس. وأبوه سلطان إفريقية ، المترقّي إليها من رتبة الشّياخة الموحدية.

حاله : كان رجلا طوالا نحيفا ، فاضلا حسيبا ، مقيما للرّسوم الحسبيّة ، حسن العشرة ، معتدل الطّريقة. نشأ بالبلاد المشرقية ، ثم اتصل بوطنه إفريقية ، وتقلّد الإمارة بها برهة يسيرة ، ثم فرّ عنها ولحق بالمغرب ، وجاز إلى الأندلس ، وقدم على سلطانها ، فرحّب به ، وقابله بالبرّ ، ونوّه محلّه ، وأطلق جرايته ، ثم ارتحل أدراجه إلى العدوة ، ووقعت بيني وبينه صحبة ، وأنشدته عند وداعه (٤) : [المتقارب]

أبا ملك ، أنت نجل الملوك

غيوث النّدى وليوث النزال

ومثلك يرتاح للمكرمات

وما لك بين الورى من مثال

__________________

(١) شلوبانية أو شلوبينية : بالإسبانية : salobrena ، وهي قرية على ضفة البحر ، بينها وبين المنكب عشرة أميال ، يجود فيها الموز وقصب السكر. الروض المعطار (ص ٣٤٣).

(٢) أخبار عبد الواحد بن زكريا في نفح الطيب (ج ٩ ص ١٩٦) وأزهار الرياض (ج ١ ص ٢٦١).

(٣) في المصدرين السابقين : «أبا مالك».

(٤) الأبيات في نفح الطيب (ج ٩ ص ١٩٦ ـ ١٩٧) وأزهار الرياض (ج ١ ص ٢٦١ ـ ٢٦٢).

٤٠٩

عزيز بأنفسنا أن نرى

ركابك مؤذنة بارتحال

وقد خبرت منك خلقا كريما

أناف على درجات الكمال

وفازت لديك بساعات أنس

كما زار في النّوم (١) طيف الخيال

فلو لا (٢) تعلّلنا أننا

نزورك فوق بساط الجلال

ونبلغ فيك الذي نشتهي (٣)

وذاك على الله سهل (٤) المنال

لما فترت أنفس من أسى

ولا برحت أدمع في انهمال

تلقّتك حيث احتللت السّعود

وكان لك الله في (٥) كلّ حال

ومن ترجمة الأعيان والوزراء والأماثل والكبرا

عبد الحق بن عثمان بن محمد بن عبد الحق بن محيو

يكنى أبا إدريس ، شيخ الغزاة بالأندلس.

حاله : كان شجاعا عفيفا تقيّا ، وقورا جلدا ، معروف الحقّ ، بعيد الصّيت. نازع الأمر قومه بالمغرب ، وانتزى بمدينة تازي ، على السلطان أبي الرّبيع ، وأخذ بها البيعة لنفسه. ثم ضاق ذرعه ، فعبر فيمن معه إلى تلمسان. ولما هلك أبو الربيع ، وولي السلطان أبو سعيد ، قدّم للكتب في شأنه إلى سلطان الأندلس ، وقد تعرّف عزمه على اللحاق ، ولم ينشب أن لحق بألمرية من تلمسان ، فثقّف بها ؛ قضاء لحقّ من خاطب في شأنه. ثم بدا للسلطان في أمره ، فأوعز لرقبائه في الغفلة عنه ، وفرّ فلحق ببلاد النصري (٦) فأقام بها ، إلى أن كانت الوقيعة بالسلطان بغرناطة ، بأحواز قرية العطشا على يد طالب الملك أمير المسلمين أبي الوليد ، وأسر يومئذ شيخ الغزاة حمّو بن عبد الحق ، وترجّح الرأي في إطلاقه وصرفه ، إعلانا للتّهديد ، فنجحت الحيلة ، وعزل عن الخطّة ، واستدعي عبد الحق هذا إليها ، فوصل غرناطة ، وقدّم شيخا على الغزاة. ولما تغلّب السلطان أبو الوليد على الأمر ، واستوسق له ، وكان ممن شمله أمانه ، فأقرّه مرءوسا بالشيخ أبي سعيد عثمان بن أبي العلاء برهة. ثم لحق بأميره المخلوع

__________________

(١) في المصدرين : «في الليل».

(٢) في المصدرين : «ولو لا».

(٣) في المصدرين : «نبتغي».

(٤) في الأصل : «وذاك على السّهل ...» ، وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى ، والتصويب من المصدرين.

(٥) في الأصل : «على» وكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المصدرين.

(٦) المراد ببلاد النصري : أي بلاد النصارى.

٤١٠

نصر ، المستقرّ موادعا بوادي آش ، وأوقع بجيش المسلمين مظاهر الطاغية ، الوقيعة الشّنيعة بقرمونة ، وأقام لديه مدّة. ثم لحق بأرض النّصري ، وأجاز البحر إلى سبتة ، مظاهرا لأميرها أبي عمرو يحيى بن أبي طالب العزفي ، وقد كشف القناع في منابذة طاعة السلطان ، ملك المغرب ، وكان أملك لما بيده ، وأتيح له ظفر عظيم على الجيش المضيّق على سبتة ، فبيّته وهزمه. وتخلّص له ولده ، الكائن بمضرب أمير الجيش في بيت من الخشب رهينة ، فصرف عليه ، فما شئت من ذياع شهرة ، وبعد صيت ، وكرم أحدوثة. ثم بدا له في التّحول إلى تلمسان ، فانتقل إليها ، وأقام في إيالة ملكها عبد الرحمن بن موسى بن تاشفين إلى آخر عمره.

وفاته : توفي يوم دخول مدينة تلمسان عنوة ، وهو يوم عيد الفطر من عام ثمانية وثلاثين وسبعمائة ، قتل على باب منزله ، يدافع عن نفسه ، وعلى ذلك فلم يشهر عنه يومئذ كبير غناء ، وكوّر واستلحم ، وحزّ رأسه. وكان أسوة أميرها في المحيا والممات ، رحم الله جميعهم ، فانتقل بانتقاله وقتل بمقتله. وكان أيضا علما من أعلام الحروب ، ومثلا في الأبطال ، وليثا من ليوث النّزال.

عبد الملك بن علي بن هذيل الفزاري وعبد الله أخوه (١)

حالهما : قال ابن مسعدة : أبو محمد وأبو مروان تولّيا خطّة الوزارة في الدولة الحبّوسية (٢) ، ثم تولّيا القيادة بثغور الأندلس ، وقهرا ما جاورهما من العدوّ ، وغلباه ، وسقياه كأس المنايا ، وجرّعاه. ولم يزالا قائمين على ذلك ، ظاهرين علمين ، إلى أن استشهدا ، رحمهما الله.

عبد القهار بن مفرج بن عبد القهار بن هذيل الفزاري

حاله : قال ابن مسعدة : كان بارع الأدب ، شاعرا ، نحويا ، لغويا ، كاتبا متوقّد الذهن ، عنده معرفة بالطّب ، ثم اعتزل الناس ، وانقبض ، وقصد سكنى البشارات (٣) ؛ لينفرد بها ، ويخفي نفسه ؛ فرارا من الخدمة ، فتهيّأ له المراد.

__________________

(١) راجع أخبارهما في : مملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر (ص ١٠٩).

(٢) نسبة إلى حبوس بن ماكسن بن زيري بن مناد ، وقد حكم غرناطة في عصر ملوك الطوائف من سنة ٤١٠ ه‍ إلى سنة ٤٢٩ ه‍. انظر أخباره مفصلة في : مملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر (ص ١٠٥ ـ ١١٧).

(٣) البشارات أو البشرّات alpujarras ، هي المنطقة الجبلية الواقعة جنوب سفوح جبل شلير ، على مقربة من البحر المتوسط. نفح الطيب (ج ١ ص ١٥٠) و (ج ٤ ص ٥٢٤ ـ ٢٢٥) ومملكة غرناطة (ص ٤٦).

٤١١

شعره : وكان شاعرا جيّد القريحة سريع الخاطر ، ومن شعره : [السريع]

يا صاح ، لا تعرض لزوجيّة

كلّ البلا من أجلها يعتري

الفقر والذّلّ وطول الأسى

لست بما أذكره مفتري

ما في فم المرأة شيء سوى

اشتر لي واشتر لي واشتر

القضاة الفضلاء وأولا الأصليون

عبد الحق بن غالب بن عطية بن عبد الرحمن بن غالب

ابن عبد الرؤوف بن تمام بن عبد الله بن تمام بن عطية بن خالد

ابن عطية بن خالد بن خفاف بن أسلم بن مكتوم المحاربي (١)

أوليته : من ولد زيد بن محارب بن عطيّة ، نزل جدّه عطية بن خفاف بقرية قسلة من زاوية غرناطة ، فأنسل كثيرا ممن له خطر ، وفيه فضل.

حاله : كان (٢) عبد الحق فقيها ، عالما بالتفسير والأحكام والحديث والفقه ، والنحو والأدب واللغة ، مقيّدا حسن التّقييد ، له نظم ونثر ، ولّي القضاء بمدينة ألمريّة في المحرم سنة تسع وعشرين وخمسمائة ، وكان غاية في الدّهاء والذكاء ، والتّهمّم بالعلم ، سريّ الهمّة في اقتناء الكتب. توخّى الحق ، وعدل في الحكم ، وأعزّ الخطّة.

مشيخته : روى (٣) عن الحافظ أبيه ، وأبوي علي الغسّاني والصّدفي ، وأبي عبد الله محمد بن فرج مولى الطلاع ، وأبي المطرّف الشعبي ، وأبي الحسين بن البيّان ، وأبي القاسم بن الحصّار المقري ، وغيرهم.

تواليفه : ألّف كتابه المسمى ب «الوجيز في التفسير» فأحسن فيه وأبدع ، وطار بحسن نيّته كل مطار. وألف برنامجا ضمنه مرويّاته ، وأسماء شيوخه ، وجرز وأجاد.

__________________

(١) يكنى عبد الحق بن غالب بن عطية المحاربي أبا محمد ، وترجمته في الصلة (ص ٥٦٣) وقلائد العقيان (ص ٢٠٧) وبغية الملتمس (ص ٣٨٩) وفوات الوفيات (ج ٢ ص ٢٥٦) وبغية الوعاة (ص ٢٩٥) ومعجم أصحاب القاضي الصدفي (ص ٢٦٥) والحلة السيراء (ج ١ ص ٦) والمغرب (ج ٢ ص ١١٧) ورايات المبرزين (ص ١٤٧) وقلائد العقيان (ص ٢٠٧) والديباج المذهب (ص ١٧٤) ونفح الطيب (ج ٣ ص ٢٧٢).

(٢) قارن بنفح الطيب (ج ٣ ص ٢٧٢).

(٣) قارن بنفح الطيب (ج ٣ ص ٢٧٢).

٤١٢

شعره : قال الملّاحي : ما حدّثني به غير واحد من أشياخه عنه ، قوله (١) : [البسيط]

وليلة جبت فيها الجزع (٢) مرتديا

بالسّيف أسحب أذيالا من الظّلم

والنّجم حيران في بحر الدّجا غرق

والبدر (٣) في طيلسان اللّيل كالعلم

كأنما اللّيل زنجيّ بكاهله

جرح فيثعب (٤) أحيانا له بدم

وقال يندب عهد شبابه (٥) : [البسيط]

سقيا لعهد شباب ظلت أمرح في

ريعانه وليالي العيش أسحار

أيام روض الصّبا لم تذو أغصنه

ورونق العمر غضّ والهوى جار (٦)

والنّفس تركض في تضمين ثرّتها

طرفا له في زمان اللهو إحضار (٧)

عهدا كريما لبسنا منه (٨) أردية

كانت عيونا ومحّت (٩) فهي آثار

__________________

(١) الأبيات في قلائد العقيان (ص ٢٠٧ ـ ٢٠٨) ورايات المبرزين (ص ١٤٧ ـ ١٤٨) ونفح الطيب (ج ٣ ص ٢٧٤).

(٢) في الأصل : «جيت فيها الجذع» ، وقد فضلنا ما جاء في المصادر الثلاثة.

(٣) في القلائد : «والبرق فوق رداء الليل ...». وفي الرايات والنفح : «والبرق» بدل «والبدر».

(٤) في الأصل : «فيثغب» بعين معجمة ، والتصويب من المصادر الثلاثة. ويثعب : يجري ويسيل.

لسان العرب (ثعب).

(٥) الأبيات في قلائد العقيان (ص ٢٠٨) ونفح الطيب (ج ٣ ص ٢٧٢ ـ ٢٧٣).

(٦) في الأصل : «حمار» وهكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى ، والتصويب من المصدرين.

(٧) في القلائد : «في رهان اللهو». وفي النفح : «... في تضمير شرّتها ...». والشّرّة : الحدّة والنشاط.

(٨) في المصدرين : «... لبسنا منه أردية كانت عيانا ...».

(٩) في الأصل : «ومحيت» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المصدرين.

٤١٣

مضى وأبقى بقلبي منه نار أسى

كوني سلاما وبردا (١) فيه يا نار

أبعد أن نعمت نفسي وأصبح في

ليل الشباب لصبح الشّيب إسفار (٢)

ونازعتني الليالي وانثنت كسرا (٣)

عن ضيغم ما له ناب وأظفار

إلّا (٤) سلاح خلال أخلصت فلها

في منهل المجد إيراد وإصدار

أصبو إلى روض عيش روضه خضل (٥)

أو ينثني بي عن اللّقاء (٦) إقصار

إذا فعطّلت (٧) كفّي من شبا قلم

آثاره في رياض العلم أزهار

من روى عنه : روى عنه أبو بكر بن أبي جمرة ، وأبو محمد بن عبد الله ، وأبو القاسم بن حبيش ، وأبو جعفر بن مضاء ، وأبو محمد عبد المنعم ، وأبو جعفر بن حكم ، وغيرهم.

مولده : ولد سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.

وفاته : توفي في الخامس والعشرين لشهر رمضان سنة ست وأربعين وخمسمائة بمدينة لورقة (٨). قصد مرسية (٩) يتولّى قضاءها ، فصدّ عنها ، وصرف منها إلى لورقة ، اعتداء عليه.

__________________

(١) في الأصل : «أو بردا» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المصدرين.

(٢) في الأصل : «أسفار» بفتح الهمزة ، والتصويب من المصدرين.

(٣) رواية صدر البيت في المصدرين هي :

وقارعتني الليالي فانثنت كسرا

(٤) في الأصل : «ألّا» والتصويب من المصدرين.

(٥) رواية صدر البيت في القلائد هي :

أصبو إلى خفض عيش دوحه خضل

(٦) في الأصل : «اللقيا» وهكذا ينكسر الوزن. وفي القلائد والنفح : «العلياء».

(٧) في الأصل : «إذا تعطّلت» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المصدرين.

(٨) في الصلة (ص ٥٦٤) توفي في سنة ٥٤٢ ه‍ ، دون أن يحدد ابن بشكوال المدينة التي توفي بها. وفي بغية الملتمس (ص ٣٨٩) : توفي بمدينة لورقة سنة ٥٤٢ ه‍ ، وقيل : ٥٤١ ه‍. وفي فوات الوفيات (ج ٢ ص ٢٥٦) : توفي سنة ٥٤٢ ه‍ بحصن لورقة. وفي بغية الوعاة (ص ٢٩٥) : توفي بأورفة في ٢٥ رمضان سنة ٥٤٢ ه‍ ، وقيل : ٥٤١ ه‍ ، وقيل : ٥٤٦ ه‍.

(٩) في القلائد والنفح : «قصد ميورقة».

٤١٤

عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم بن فرج الخزرجي (١)

من أهل غرناطة ، يكنى أبا محمد ، ويعرف بابن الفرس ، وقد تقدم ذكر طائفة من أهل بيته.

حاله : كان حافظا جليلا ، فقيها ، عارفا بالنحو واللغة ، كاتبا بارعا ، شاعرا مطبوعا ، شهير الذكر ، عالي الصّيت. ولّي القضاء بمدينة شقر ، ثم بمدينة وادي آش ، ثم بجيّان ، ثم بغرناطة ، ثم عزل عنها ، ثم وليها الولاية التي كان من مضمن ظهيره بها قول المنصور (٢) له : أقول لك ما قاله موسى ، عليه السلام ، لأخيه هارون : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)(٣) ، وجعل إليه النظر في الحسبة ، والشّرطة ، وغير ذلك ، فكان إليه النظر في الدّماء فما دونها ، ولم يكن يقطع أمر دونه ببلده وما يرجع إليه.

وقال ابن عبد الملك : كان (٤) من بيت علم وجلالة ، مستبحرا في فنون المعارف على تفاريقها ، متحقّقا بها ، نافذا فيها ، ذكيّ القلب ، حافظا للفقه. استظهر أوان طلبه الكتابين (٥) : المدوّنة ، وكتاب سيبويه وغيرهما ، وعني به أبوه وجدّه عناية تامة. وقال أبو الربيع بن سالم (٦) : سمعت أبا بكر بن الجدّ ، وحسبك به (٧) شاهدا ، يقول غير ما (٨) مرة : ما أعلم بالأندلس أحفظ لمذهب مالك من عبد المنعم بن الفرس ، بعد أبي عبد الله بن زرقون.

مشيخته : روى (٩) عن أبيه الحافظ أبي عبد الله ، وعن جدّه أبي القاسم ، سمع عليهما وقرأ ، وعن أبي بكر بن النّفيس ، وأبي الحسن بن هذيل ، وأبي عبد الله بن سعادة ، وأبي محمد عبد الجبار بن موسى الجذامي ، وأبي عامر محمد بن أحمد

__________________

(١) ترجمة عبد المنعم الخزرجي في التكملة (ج ٣ ص ١٢٧) وتاريخ قضاة الأندلس (ص ١٤٢) وبغية الوعاة (ص ٣١٥) والمقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ١٣٤) والديباج المذهب (ص ٢١٨) ونفح الطيب (ج ٢ ص ٣٧٦) ورايات المبرزين (ص ١٤٨) والذيل والتكملة (ج ٥ ص ٥٨).

(٢) هو الخليفة الموحدي يعقوب بن يوسف ، الذي حكم المغرب والأندلس من سنة ٥٨٠ ه‍ إلى سنة ٥٩٥ ه‍. البيان المغرب ـ قسم الموحدين (ص ١٧٠).

(٣) سورة الأعراف ٧ ، الآية ١٤٢.

(٤) الذيل والتكملة (ج ٥ ص ٦٠).

(٥) في الأصل : «للكتابين» والتصويب من الذيل والتكملة.

(٦) الذيل والتكملة (ج ٥ ص ٦٢).

(٧) كلمة «به» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من الذيل والتكملة.

(٨) كلمة «ما» ساقطة في الذيل والتكملة.

(٩) قارن بالذيل والتكملة (ج ٥ ص ٥٨ ـ ٥٩).

٤١٥

الشّلبي ، وأبي العباس أحمد وأخيه أبي الحسن ، ابني زيادة الله. هذه جملة من لقي من الشيوخ وشافهه وسمع منه ، وأجاز له من غير لقاء ، وبعضهم باللّقاء من غير قراءة ؛ ابن ورد ، وابن بقي ، وأبو عبد الله بن سليمان التونسي ، وأبو جعفر بن قبلال ، وأبو الحسن بن الباذش ، ويونس بن مغيث ، وابن معمّر ، وشريح ، وابن الوحيدي ، وأبو عبد الله بن صاف ، والرّشاطي ، والحميري ، وابن وضّاح ، وابن موهب ، وأبو مروان الباجي ، وأبو العباس بن خلف بن عيشون ، وأبو بكر بن طاهر ، وجعفر بن مكّي ، وابن العربي ، ومساعد بن أحمد بن مساعد ، وعبد الحق بن عطية ، وأبو مروان بن قزمان ، وابن أبي الخصال ، وعياض بن موسى ، والمازري ، وغيرهم.

تواليفه : ألّف عدة تواليف ، منها «كتاب الأحكام» (١) ، ألّفه وهو ابن خمسة وعشرين عاما ، فاستوفى ووفّى ، واختصر الأحكام السلطانية ، وكتاب النّسب لأبي عبيد بن سلام ، وناسخ القرآن ومنسوخه لابن شاهين ، وكتاب المحتسب لابن جنّي. وألّف كتابا في المسائل التي اختلف فيها النحويون من أهل البصرة والكوفة ، وكتابا في صناعة الجدل ، وردّ على ابن غرسيّة في رسالته في تفضيل العجم على العرب. وكتب بخطه من كتب العربية واللغة والأدب والطب وغير ذلك.

من روى عنه : حدّث (٢) عنه الحافظ أبو محمد القرطبي ، وأبو علي الرّندي ، وابنا حوط الله ، وأبو الربيع بن سالم ، والجمّ الغفير.

شعره : [الطويل]

أبى ما بقلبي اليوم أن يتكتّما

وحسبك بالدمع السّفوح مترجما

وأعجب به من أخرس بات مفصحا

يبيّن للواشين ما كان مبهما

فكم عبرة في نهر شقر بعثتها

سباقا فأمسى النهر مختضبا دما

يرجع ترجيع الأنين اضطراره

كشكوى الجريح للجريح تألّما

كملن بصحبي فوقه (٣) الدّمع ناثر

شقائق نعمان على متن أرقما

ولله ليل قد لبست ظلامه

رداء (٤) بأنوار النجوم منمنما

__________________

(١) في الذيل والتكملة (ج ٥ ص ٦١) أن «أحكام القرآن» من أجلّ مصنفاته.

(٢) قارن بالذيل والتكملة (ج ٥ ص ٥٩ ـ ٦٠).

(٣) في الأصل : «في قوفة» ، وكذا ينكسر الوزن.

(٤) في الأصل : «رادا» ، وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

٤١٦

أناوح فيه الورق فوق غصونها

فكم أورق منهنّ قد باب معجما

وما لي إلّا الفرقدين (١) مصاحب

ويا بعد حالي في الصّبابة منهما

أبيت شتيت الشّمل والشّمل فيهما

جميع كما أبصرت عقدا منظّما

فيا قاصدا تدمير ، عرّج مصافحا

نسائلك (٢) رسما بالعقيق ومعلما

وأعلم بأبواب السلام صبابتي

كما كان عرف المسك بالمسك علّما

وإن طفت في تلك الأجارع لا تضع

بحقّ هواها إن (٣) تلمّ مسلّما

وما ضرّها لو جاذبت ظبية النّقا

فضول رداء قد تغشّته معلما

فيثني قضيبا أثمر البدر مائسا

بحقف مسيل لفّه السّيل مظلما

وما كنت إلّا البدر وافى غمامة

فما لاح حتى غاب فيها مغيّما

وما ذاك من هجر ولكن لشقوة

أبت أن يكون الوصل منها متمّما

فيا ليتني أصبحت في الشّعر لفظة

تردّدني مهما أردت تفهّما

ولله ما أذكى نسيمك نفحة

أأنت أعرت الرّوض (٤) طيبا تنسّما؟

ولله ما أشفى لقاءك (٥) للجوى

كأنّك قد أصبحت عيسى ابن مريما

وما الرّاح بالماء القراح مشوبة

بأطيب من ذكراك إن خامرت فما

فما لي وللأيام قد كان شملنا

جميعا فأضحى في يديها مقسّما

ولمّا (٦) جنيت الطّيب من شهد وصلها

جنيت من التّبديد للوصل علقما

وقد ذقت طعم البين حتى كأنني

لألفة من أهواه ما ذقت مطعما

فمن لفؤاد شطره حازه الهوى

وشطر لإحراز الثّواب مسلّما

ويا ليت أنّ الدّار حان مزارها

فلو صحّ قرب الدار أدركت مغنما

ولو صحّ قرب الدار لي لجعلته

إلى مرتقى السّلوان والصّبر سلّما

فقد طال ما ناديت سرّا وجهرة

عسى وطن يدنو بهم ولعلّما؟

__________________

(١) في الأصل : «للفرقدين» ، وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

(٢) في الأصل : «نسألك» وكذا ينكسر الوزن.

(٣) في الأصل : «إن لم تلمّ» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى ، لذا حذفنا كلمة «لم».

(٤) في الأصل : «للروض» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

(٥) في الأصل : «لقاك» وكذا ينكسر الوزن.

(٦) في الأصل : «وما» ، وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

٤١٧

ومن شعره : [الطويل]

سلام على من شفّني بعد داره

وأصبحت مشغوفا بقرب مزاره

ومن هو في عيني ألذّ من الكرى

وفي النفس أشهى من أمان المكاره

سلام عليه كلّما ذرّ شارق

ينمّ كعرف الزّهر غبّ فطاره

لعمرك ما أخشى غداة وداعنا

وقد سعرت في القلب شعلة ناره

وسال على الخدّين دمع كأنه

بقيّة ظلّ الروض (١) في جلّناره

وعانقت منه غصن بان منعّما

ولا حظت منه الصّبح عند اشتهاره

وأصبحت في أرض وقلبي بغيرها

وما حال مسلوب الفؤاد مكاره

نأى وجه من أهوى فأظلم أفقه

وقد غاب عن عينيه شمس نهاره

سل البرق عن شوقي يخبّرك بالذي

ألاقيه من برح الهوى وأواره

وهل هو إلّا نار وجدي وكلّما

تنفّست عمّ الجوّ ضوء شراره

ومن شعره أيضا رحمة الله عليه : [مخلع البسيط]

اقرأ على شنجل (٢) سلاما

أطيب من عرفه نسيما

من مغرم القلب ليس ينسى

منظره الرائق الوسيما

إذا رأى منظرا سواه

عاف الجنى منه والشّميما

وإن أتى مشربا حميدا

كان وإن راقه ذميما

وقف بنجد وقوف صبّ

يستذكر الخدن والحميما

واندب أراكا بشعب رضوى

قد رجعت بعدنا مشيما

واذكر شبابا مضى سريعا

أصبحت من بعده سقيما

هيهات ولّى وجاء شيب

وكيف للقلب أن يهيما؟

ما يصلح الشّيب غير تقوى

تحجب عن وجهه الجحيما

في كل يوم له ارتحال

أعجب به ظاعنا مقيما

ما العمر إلّا لديه دين

قد آن أن يقضي الغريما

__________________

(١) في الأصل : «للروض» وكذا لا يستقيم الوزن.

(٢) شنجل وشنجيل وشنيل : بالإسبانية GENIL ، وهو نهر غرناطة الكبير ، وينبع من جبل شلير ، ثم يمرّ بلوشة وإستجة ويصل إلى إشبيلية فيصب في نهرها الشهير بالوادي الكبير. راجع مملكة غرناطة في عهد بني زيري (ص ٤٧ ـ ٤٩).

٤١٨

فعد إلى توبة نصوح

وارج إلها بنا رحيما

قد سبق الوعد منه حتى

أطمع ذا الشّقوة النّعيما

مولده : في سنة أربع وعشرين وخمسمائة.

وفاته : عصر يوم الأحد الرابع من جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وخمسمائة (١). وشهد دفنه بباب إلبيرة الجمّ الغفير ، وازدحم الناس على نعشه حتى حملوه على أكفّهم ومزّقوه. وأمر أن يكتب على قبره : [الطويل]

عليك سلام الله يا من يسلّم

ورحمته ما زرتني تترحّم

أتحسبني وحدي نقلت إلى هنا؟

ستلحق بي عمّا قريب فتعلم

ألا قل (٢) لمن يمسي لدنياه مؤثرا

ويهمل أخراه ستشقى وتندم

فلا تفرحن إلّا بتقديم طاعة

فذاك الذي ينجي غدا ويسلّم

ومن غير الأصلبين

عبد الحكيم بن الحسين بن عبد الملك بن يحيى

ابن باسيو بن تادررت التّنمالي اليدرازتيني ثم الواغديني

أصله من تينملّل (٣) ، من نظر مرّاكش ، وانتقل جدّه عبد الملك مع الخليفة عبد المؤمن بن علي إلى إقليم بجاية. ونشأ عبد الملك ببجاية ، وانتقل إلى تونس في حدود خمسة وثمانين. وورد أبو محمد الأندلس في حدود سبعمائة.

حاله : من تعريف شيخنا أبي البركات : كان من أهل المعرفة بالفقه وأصوله على طريقة المتأخرين. وكان مع ذلك ، رجلا كريم النفس ، صادق اللهجة ، سليم الصدر ، منصفا في المذاكرة. قلت : يجمع هذا الرجل إلى ما وصفه به ، الأصالة ببلده إفريقية. وثبتّ اسمه في «عائد الصلة» بما نصّه : الشيخ الأستاذ القاضي ، يكنى أبا محمد. كان ، رحمه الله ، من أهل العلم بالفقه ، والقيام على الأصلين ، صحيح

__________________

(١) كذا جاء في التكملة (ص ١٢٨) والمقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ١٣٤) والذيل والتكملة (ج ٥ ص ٦٣). وفي بغية الوعاة (ص ٣١٥) والديباج المذهب (ص ٢١٨) : توفي سنة ٥٩٩ ه‍.

(٢) في الأصول : «فيا» بدل : «ألا قل» ، وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

(٣) تين ملّل أو تينملّل ، بميم مفتوحة واللام الأولى مشدّدة مفتوحة : جبال بالمغرب ، كان بها سرير ملك بني عبد المؤمن. معجم البلدان (ج ٢ ص ٦٩).

٤١٩

الباطن ، سليم الصدر ، من أهل الدين والعدالة والأصالة. بثّ في الأندلس علم أصول الفقه ، وانتفع به. وتصرّف في القضاء في جهات.

مشيخته : منقولا من خطّ ولده الفقيه أبي عبد الله صاحبنا ، الكاتب بالدار السلطانية : قرأ ببلده على الفقيه الصّدر أبي علي بن عنوان ، والشيخ أبي الطاهر بن سرور ، والإمام أبي علي ناصر الدين المشدالي ، والشيخ أبي الشّمل جماعة الحلبي ، والشيخ أبي الحجاج بن قسوم وغيرهم. ومن خط المحدّث أبي بكر بن الزيات : يحمل عن أبي الطاهر بن سرور ، وعن أبي إسحاق بن عبد الرفيع.

تواليفه : من تواليفه : «المعاني المبتكرة الفكرية ، في ترتيب المعالم الفقهية» ، «والإيجاز ، في دلالة المجاز» ، ونصرة الحق ، وردّ الباغي في مسألة الصّدقة ببعض الأضحية ، والكرّاس الموسوم (١) ب «المباحث البديعة ، في مقتضى الأمر من الشريعة».

مولده : ببجاية في أحد لجمادى الأولى من عام ثلاثة وستين وستمائة.

وفاته : وتوفي قاضيا بشالش يوم الجمعة ، وهو الرابع عشر لجمادى الأولى من عام ثلاثة وعشرين وسبعمائة. ودفن بجبانة باب إلبيرة بمقربة من قبر ولي الله أبي عبد الله التونسي. وكانت جنازته مشهورة.

ومن المقرئين والعلماء

عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون بن جلهمة

ابن العباس بن مرداس السلمي (٢)

أصله من قرية قورت ، وقيل : حصن واط من خارج غرناطة ، وبها نشأ وقرأ.

حاله : قال ابن عبد البر : كان جمّاعا للعلم ، كثير الكتب ، طويل اللسان ، فقيها ، نحويا ، عروضيا ، شاعرا ، نسّابة ، أخباريا. وكان أكثر من يختلف إليه الملوك

__________________

(١) في الأصل : «المرسوم».

(٢) يكنى عبد الملك بن حبيب أبا مروان ، وترجمته في تاريخ قضاة الأندلس (ص ٤٥٩). وفيه : «جاهمة» بدل «جلهمة» ، وجذوة المقتبس (ص ٢٨٢) والمغرب (ج ٢ ص ٩٦) وبغية الوعاة (ص ٣١٢) وبغية الملتمس (ص ٣٧٧) ومطمح الأنفس (ص ٢٣٣) والبيان المغرب (ج ٢ ص ١١٠) والديباج المذهب (ص ١٥٤) ومعجم البلدان (ج ١ ص ٢٤٤) مادة إلبيرة ونفح الطيب (ج ١ ص ٥٢) و (ج ٢ ص ٢٢٦).

٤٢٠