الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٣

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]

الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٣

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]


المحقق: الدكتور يوسف علي طويل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3319-5

الصفحات: ٤٥٦

الانتحال ، وحصحص الحقّ وذهب المحال ، وقد طولعت بكل بشرى وبشر ، وزفّت هند منك إلى بشر ، فلله من عشيّة تمتّعت من الربيع بفرش موشيّة ، وابتذلت (١) منها أي وساد وحشية ، وقد أقبل ظبي الكناس ، من الدّيماس ، ومطوق الحمام ، من الحمّام ، وقد حسّنت الوجه الجميل التّطرية (٢) ، وأزيلت عن الفرع الأثيث الإبرية (٣) ، وصقلت الخدود فهي (٤) كأنها الأمرية (٥) ، وسلّط الدّلك على الجلود ، وأغريت النّورة بالشّعر المولود ، وعادت الأعضاء يزلق عنها اللّمس ، ولا تنالها البنان الخمس ، والسّحنة يجول في صفحتها الفضّيّة ماء النعيم ، والمسواك يلبّي من ثنيّة التّنعيم والقلب يرمي من الكفّ الرّقيم (٦) بالمقعد المقيم ، وينظر إلى نجوم الوشوم ، فيقول : إني سقيم. وقد تفتّح ورد الخفر ، وحكم لزنجي الظّفيرة بالظّفر ، واتّصف أمير الحسن بالصّدود المغتفر ، ورشّ بماء الطّيب ، ثم أعلق بباله دخان العود الرّطيب. وأقبلت الغادة ، يهديها اليمن وتزقّها السعادة ، فهي تمشي على استحياء وقد ذاع طيب الريّا ، وراق حسن المحيّا ، حتى إذا نزع الخفّ ، وقبّلت الأكفّ ، وصخب (٧) المزمار وتجاوب الدّف ، وذاع الأرج ، وارتفع الحرج ، وتجوّز اللّوا والمنعرج ، ونزل على بشر بزيارة هند الفرج ، اهتزّت الأرض وربت ، وعوصيت الطّباع البشرية فأبت. ولله درّ القائل (٨) : [المتقارب]

ومرّت فقالت (٩) : متى نلتقي؟

فهشّ اشتياقا إليها الخبيث

وكاد يمزّق سرباله

فقلت : إليك يساق الحديث (١٠)

فلمّا انسدل جنح الظلام ، وانتصفت من غريم العشاء الأخيرة فريضة الإسلام (١١) ، وخاطت خيوط المنام ، عيون الأنام ، تأتّى دنوّ الجلسة ، ومسارقة الخلسة ، ثم عضّة النهد ، وقبلة الفم والخدّ ، وإرسال اليد من النّجد إلى الوهد ،

__________________

(١) في النفح : «وأبدلت منها أي آساد وحشية».

(٢) في الأصل : «النظريّة». وتطرية الوجه : تحسينه وتزيينه. لسان العرب (طرا).

(٣) الفرع : الشّعر. الأثيث : الكثير ، والمراد هنا شعر الرأس. الإبرية : قشر الرأس يسقط عند المشط. محيط المحيط (فرع) و (أثث) و (برى).

(٤) كلمة «فهي» غير واردة في النفح.

(٥) الأمرية : المرايا ، جمع مرآة.

(٦) الرقيم : المزيّن. لسان العرب (رقم).

(٧) في الأصل : «وصحب» والتصويب من النفح.

(٨) البيتان لبشار بن برد ، وهما في ديوانه (ص ٢٨٩).

(٩) في الديوان : «فقلت».

(١٠) أخذ عجز البيت من المثل : «إليك يساق الحديث». مجمع الأمثال (ج ١ ص ٤٨).

(١١) في النفح : «السلام».

٣٨١

وكانت الإمالة القليلة قبل المدّ ، ثم الإفاضة فيما يغبط ويرغب ، ثم الإماطة لما يشوّش ويشغب ، ثم إعمال المسير ، إلى السّرير (١) : [الطويل]

وصرنا إلى الحسنى ورقّ كلامنا

ورضت فذلّت صعبة أيّ إذلال

هذا (٢) بعد منازعة للأطواق يسيرة ، يراها الغيد من حسن السيرة ، ثم شرع في حلّ (٣) التّكة ، ونزع الشّكة ، وتهيئة الأرض العزاز (٤) عمل السّكة ، ثم كان الوحي والاستعجال ، وحمي الوطيس والمجال ، وعلا الجزء الخفيف ، وتضافرت الخصور الهيف ، وتشاطر الطّبع العفيف ، وتواتر التقبيل ، وكان الأخذ الوبيل ، وامتاز الأنوك من النّبيل ، ومنها جائر وعلى الله قصد السّبيل ، فيا لها من نعم متداركة ، ونفوس في سبيل القحة متهالكة ، ونفس يقطّع حروف الحلق ، وسبحان الذي يزيد في الخلق ، وعظمت الممانعة ، وكثرت باليد المصانعة ، وطال التّراوغ والتّزاور ، وشكي التجاور (٥) ، وهنالك تختلف الأحوال ، وتعظم الأهوال ، وتخسر أو تربح الأموال ، فمن عصا تنقلب ثعبانا مبينا ، ونونة (٦) تصير تنينا ، وبطل لم يهله (٧) المعترك الهائل ، والوهم الزائل ، ولا حال بينه وبين قرّته (٨) الحائل ، فتعدّى فتكة السّليك إلى فتكة البرّاض ، وتقلّد مذهب الأزارقة (٩) من الخوارج في الاعتراض ، ثم شقّ الصفّ ، وقد خضّب الكفّ ، بعد أن كاد يصيب البريّ (١٠) بطعنته ، ويبوء بمقت الله ولعنته (١١) : [الطويل]

طعنت ابن عبد الله طعنة ثائر

لها نفذ لو لا الشعاع أضاءها

وهناك هدأ القتال ، وسكن الخبال ، ووقع المتوقّع فاستراح البال ، وتشوّف إلى مذهب الثنوية من لم يكن للتّوحيد بمبال ، وكثر السؤال عن البال ، بما بال ، وجعل الجريح يقول : وقد نظر إلى دمه ، يسيل على قدمه : [البسيط]

إنّي له عن دمي المسفوك معتذر

أقول : حمّلته في سفكه تعبا

__________________

(١) البيت لامرىء القيس وهو في ديوانه (ص ٣٢).

(٢) في النفح : «وهذا».

(٣) كلمة «حلّ» ساقطة في النفح.

(٤) في الأصل : «الغرار» والتصويب من النفح ، والأرض العزاز : الأرض الصلبة. لسان العرب (عزز).

(٥) في النفح : «التحاور».

(٦) النونة : السمكة. لسان العرب (نون). وفي النص كنايات تنطوي على الغمز والسخرية.

(٧) في النفح : «يهمله».

(٨) في النفح : «قرنه».

(٩) الأزارقة : فرقة من فرق الخوارج منسوبة إلى نافع بن الأزرق. الملل والنحل (ج ١ ص ١١٨).

(١٠) في النفح : «البوسى بطعنته».

(١١) البيت لقيس بن الخطيم ، وهو في ديوانه (ص ٧).

٣٨٢

ومن (١) سنان عاد عنانا ، وشجاع صار هدانا (٢) جبانا ، كلما شابته شائبة ريبة ، أدخل يده في جيبه ، فانجحرت الحيّة ، وماتت الغريزة الحيّة ، وهناك يزيغ البصر ، ويخذل المنتصر ، ويسلم الأسر ، ويغلب الحصر ، ويجفّ اللّباب (٣) ، ويظهر العاب (٤) ، ويخفق الفؤاد ، ويكبو الجواد ، ويسيل العرق ، ويشتدّ الكرب والأرق ، وينشأ في محلّ الأمن الفرق ، ويدرك فرعون الغرق ، ويقوى اللّجاج ويعظم الخرق. فلا تزيد الحال إلا شدّة ، ولا تعرف تلك الجارحة (٥) المؤمنة إلّا ردّة : [الطويل]

إذا لم يكن عون من الله للفتى

فأكثر (٦) ما يجني عليه اجتهاده

فكم مغرى بطول اللّبث ، وهو من الخبث ، يؤمل الكرّة ، ليزيل المعرّة ، ويستنصر الخيال ، ويعمل باليد الاحتيال : [الرجز]

إنك لا تشكو إلى مصمّت

فاصبر على الحمل الثّقيل أو مت

ومعتذر بمرض أصابه ، جرّعه أوصابه (٧) ، ووجع طرقه ، جلب أرقه ، وخطيب أرتج عليه أحيانا ، فقال : سيحدث الله بعد عسر يسرا وبعد عيّ بيانا ، اللهمّ إنّا نعوذ بك من فضائح الفروج إذا استغلقت أقفالها ، ولم تسم (٨) بالنّجيع أغفالها (٩) ، ومن معرّات الأقذار (١٠) ، والنكول عن الأبكار ، ومن النّزول عن البطون والسّرر ، والجوارح الحسنة الغرر ، قبل ثقب الدّرر ، ولا تجعلنا ممن يستحي من البكر بالغداة ، وتعلم منه كلال الأداة ، وهو مجال فضحت فيه رجال ، وفراش شكيت فيه أوجال ، وأعملت رويّة وارتجال. فمن قائل : [السريع]

أرفعه طورا على إصبعي

ورأسه مضطرب (١١) أسفله

كالحنش المقتول يلقى على

عود لكي يطرح في مزبله

__________________

(١) معطوفة على قوله فيما سبق : «فمن عصا تنقلب ثعبانا ...».

(٢) كلمة «هدانا» غير واردة في النفح.

(٣) في النفح : «اللعاب».

(٤) العاب : العيب. محيط المحيط (عيب).

(٥) في النفح : «الجائحة».

(٦) في النفح : «فأول».

(٧) الأوصاب : جمع وصب وهو المرض. لسان العرب (وصب).

(٨) في النفح : «ولم تتّسم».

(٩) في الأصل : «أعفالها» والتصويب من النفح.

(١٠) في الأصل : «الأقدار» بالدال المهملة ، والتصويب من النفح.

(١١) في الأصل : «مضطربة» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

٣٨٣

أو قائل (١) : [السريع]

عدمت من أيري قوى حسّه

يا حسرة المرء على نفسه

تراه قد مال على أصله

كحائط خرّ على أسّه

وقائل : [الطويل]

أيحسدني إبليس داءين أصبحا

برجلي ورأسي دمّلا وزكاما؟

فليتهما كانا به وأزيده

رخاوة أير لا يريد (٢) قياما (٣)

وقائل : [الطويل]

أقول لأيري وهو يرقب فتكة

به : خبت من أير وعالتك (٤) داهيه

إذا لم يك للأير بخت تعذّرت

عليه وجوه النيك (٥) من كلّ ناحيه

وقائل : [الطويل]

تعقّف (٦) فوق الخصيتين كأنه

رشاء إلى جنب الركيّة ملتفّ

كفرخ ابن ذي يومين يرفع رأسه

إلى أبويه ثم يدركه الضّعف

وقائل : [الطويل]

تكرّش أيري بعدما كان أملسا

وكان غنيّا من قواه فأفلسا

وصار جوابي للمها أن مررن بي

«مضى الوصل إلّا منية تبعث الأسى»

وقائل : [الطويل]

بنفسي من حيّيته فاستخفّ بي

ولم يخطر الهجران منه (٧) على بالي (٨)

وقابلني بالغور والنّجد (٩) بعدما

حططت به رحلي (١٠) وجرّدت سربالي

وما أرتجي من موسر فوق دكّة (١١)

عرضت له شيئا من الحشف البالي

__________________

(١) في النفح : «وقائل».

(٢) في النفح : «لا يطيق».

(٣) بعد هذا البيت جاء في النفح البيت التالي :

إذا نهضت للنيك أزباب معشر

توسّد إحدى خصيتيه وناما

(٤) في الأصل : «وغالتك» والتصويب من النفح.

(٥) بياض في الأصل ، وقد أضفناها من النفح.

(٦) في الأصل : «تعفّف» والتصويب من النفح.

(٧) في النفح : «يوما».

(٨) في الأصل : «بال» والتصويب من النفح.

(٩) في الأصل : «وقابلني بالهزء والنجة» والتصويب من النفح.

(١٠) في الأصل : «رجلي» والتصويب من النفح.

(١١) في النفح : «تكّة» ، وهما بمعنى واحد.

٣٨٤

علل (١) لا تزال تبكى ، وعلل على الدهر تشكى ، وأحاديث تقصّ وتحكى ، فإن كنت أعزّك الله من النّمط الأول ، ولم تقل : [الطويل]

وهل عند رسم دارس من معوّل (٢)

فقد جنيت الثّمر ، واستطبت السّمر ، فاستدع الأبواق من أقصى المدينة ، واخرج على قومك في ثياب الزّينة (٣) ، واستبشر بالوفود ، وعرّف المسمع عازفة (٤) الجود ، وتبجّح بصلابة العود ، وإنجاز الوعود ، واجن رمّان النّهود ، من أغصان القدود ، واقطف ببنان اللّثم أقاح الثّغور وورد الخدود ، وإن كانت الأخرى ، فأخف الكمد ، وارض الثمد ، وانتظر الأمد ، وأكذب التوسّم ، واستعمل التّبسّم ، واستكتم النّسوة ، وأفض فيهنّ الرّشوة ، وتقلّد المغالطة وارتكب ، وجىء على قميصك (٥) بدم كذب ، واستنجد الرحمن ، واستعن على أمورك (٦) بالكتمان : [الكامل]

لا تظهرنّ لعاذل أو عاذر

حاليك في السّرّاء والضّرّاء (٧)

فلرحمة المتفجّعين حرارة

في القلب مثل شماتة الأعداء

وانتشق الأرج ، وارتقب الفرج ، فكم غمام طبّق وما همى (٨) ، (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى)(٩) ، واملك بعدها عنان نفسك حتى تمكّنك الفرصة ، وترفع إليك القصّة ، ولا تشتره (١٠) إلى عمل لا تفيء منه بتمام ، وخذ عن إمام ، ولله درّ عروة بن حزام (١١) : [الكامل]

الله يعلم ما تركت قتالهم

حتى رموا مهري بأشقر مزبد

وعلمت أني إن أقاتل دونهم

أقتل ولم يضرر عدوّي مشهدي

ففررت منهم والأحبّة فيهم

طمعا لهم بعقاب يوم مفسد

__________________

(١) في النفح : «هموم».

(٢) هو عجز بيت لامرىء القيس ، وصدره :

وإنّ شفائي عبرة إن سفحتها

ديوان امرئ القيس (ص ٩).

(٣) يشير إلى زهوه فيشبهه بقارون.

(٤) في الأصل : «عارفة» والتصويب من النفح.

(٥) في النفح : «قميصه».

(٦) في النفح : «أمرك».

(٧) في النفح : «في الضرّاء والسرّاء».

(٨) في النفح : «غمام طما».

(٩) سورة الأنفال ٨ ، الآية ١٧.

(١٠) في النفح : «ولا تسرع».

(١١) في النفح : «درّ الحارث بن هشام».

٣٨٥

واللّبانات تلين وتجمح ، والمآرب تدنو وتنزح ، وتحرن ثم تسمح (١) ، وكم من شجاع خام (٢) ، ويقظ نام ، ودليل أخطأ الطريق ، وأضلّ الفريق ، والله عزّ وجلّ يجعلها خلّة موصولة ، وشملا أكنافه بالخير مشمولة ، وبنية أركانها لركاب (٣) اليمن مأمولة ، حتى يكثر (٤) خدم سيدي وجواريه ، وأسرته وسراريه ، وتضفو عليه نعمة (٥) باريه ، ما طورد قنيص ، واقتحم عيص (٦) ، وأدرك مرام عويص (٧) ، وأعطي زاهد وحرم حريص ، والسّلام.

تواليفه : شرح (٨) القصيدة المسماة بالبردة (٩) شرحا بديعا ، دلّ فيه على انفساح ذرعه ، وتفنّن إدراكه ، وغزارة حفظه. ولخّص كثيرا من كتب ابن رشد. وعلّق للسلطان أيام نظره في العلوم (١٠) العقلية تقييدا مفيدا في المنطق ، ولخّص محصّل الإمام فخر الدين ابن الخطيب (١١) الرازي. وبذلك (١٢) داعبته أول لقية لقيته (١٣) [ببعض منازل الأشراف ، في سبيل المبرّة بمدينة فاس ،](١٤) فقلت له : لي عليك مطالبة ، فإنك لخّصت «محصّلي». وألّف كتابا في الحساب. وشرع في هذه الأيام في شرح الرّجز الصادر عني في أصول الفقه ، بشيء لا غاية وراءه (١٥) في الكمال. وأمّا نثره وسلطانيّاته ، مرسلها ومسجعها (١٦) ، فخلج بلاغة ، ورياض فنون ، ومعادن إبداع ، يفرغ عنها يراعه الجريء ، شبيهة البداءات بالخواتم ، في نداوة الحروف ، وقرب العهد بجرية المداد ، ونفوذ أمر القريحة ، واسترسال الطبع. وأما نظمه ، فنهض لهذا العهد قدما في ميدان الشّعر ، وأغري (١٧) نقده باعتبار أساليبه ؛ فانثال عليه جوّه ، وهان عليه صعبه ، فأتى منه بكل غريبة. من (١٨) ذلك قوله يخاطب السلطان ملك المغرب ليلة الميلاد الكريم عام اثنين وستين وسبعمائة

__________________

(١) تسمح : هنا بمعنى تلين.

(٢) خام : جبن. محيط المحيط (خيم).

(٣) في النفح : «لركائب».

(٤) في النفح : «تكثر».

(٥) في النفح : «نعم».

(٦) العيص : الشجر الكثير الملتفّ. لسان العرب (عيص).

(٧) العويص : الصعب. لسان العرب (عوص).

(٨) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣١٥ ـ ٣١٦).

(٩) في النفح : «شرح البردة ...».

(١٠) في النفح : «في العقليات».

(١١) في النفح : «فخر الدين الرازي».

(١٢) في النفح : «وبه».

(١٣) في النفح : «أول لقيه».

(١٤) ما بين قوسين ساقط في النفح.

(١٥) في النفح : «فوقه».

(١٦) في النفح : «وسلطانياته السجعية».

(١٧) في النفح : «الشّعر ، ونقده ...».

(١٨) في النفح : «غريبة. خاطب السلطان ...».

٣٨٦

بقصيدة طويلة (١) : [الكامل]

أسرفن في هجري وفي تعذيبي

وأطلن موقف عبرتي وتحيبي

وأبين يوم البين موقف (٢) ساعة

لوداع مشغوف الفؤاد كئيب

لله عهد الظّاعنين وغادروا

قلبي رهين صبابة ووجيب (٣)

غربت ركائبهم ودمعي سافح

فشرقت بعدهم بماء غروبي (٤)

يا ناقعا بالعتب غلّة شوقهم

رحماك في عذلي وفي تأنيبي

يستعذب الصّبّ الملام وإنني

ماء الملام لديّ غير شريب (٥)

ما هاجني طرب ولا اعتاد الجوى

لو لا تذكّر منزل وحبيب

أهفو إلى الأطلال كانت مطلعا

للبدر منهم أو كناس ربيب

عبثت بها أيدي البلى وتردّدت

في عطفها للدهر آي خطوب

تبلى معاهدها وإنّ عهودها

ليجدّها وصفي وحسن نسيبي

وإذا الديار تعرّضت لمتيّم

هزّته ذكراها إلى التّشبيب

إيه على الصّبر الجميل فإنه

ألوى (٦) بدين فؤادي المنهوب

لم أنسها والدهر يثني صرفه

ويغضّ طرفي حاسد ورقيب

والدار مونقة محاسنها بما

لبست من الأيام كلّ قشيب (٧)

يا سائق الأظعان تعتسف الفلا

وتواصل الإسآد (٨) بالتّأويب (٩)

متهافتا عن رحل كلّ مذلّل

نشوان من أين ومسّ لغوب

تتجاذب النّفحات فضل ردائه

في ملتقاها من صبا وجنوب

__________________

(١) في النفح : «طويلة أولها» والقصيدة في التعريف بابن خلدون (ص ٧٠ ـ ٧٢) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٣١٦ ـ ٣١٧).

(٢) في النفح : «وقفة».

(٣) الظاعنون : الراحلون. الوجيب : خفقان القلب واضطرابه. لسان العرب (ظعن) و (وجب).

(٤) الغروب : جمع غرب وهو عرق في العين يسيل منه الدمع. لسان العرب (غرب).

(٥) الشريب : الماء دون العذب. محيط المحيط (شرب).

(٦) ألوى : أنكر ؛ يقال : ألوى بحقّه إذا جحده إياه. محيط المحيط (لوى).

(٧) القشيب : الجديد. لسان العرب (قشب).

(٨) في الأصل : «الآساد» ، والتصويب من النفح. والإسآد : سير الليل كله بغير تعريس. لسان العرب (سأد).

(٩) التأويب : سير النهار كله إلى الليل. لسان العرب (أوب).

٣٨٧

إن هام من ظمإ الصّبابة صحبه

نهلوا بمورد دمعه المسكوب (١)

في كلّ شعب منية من دونها

هجر الأماني أو لقاء شعوب

هلّا عطفت صدورهنّ إلى التي

فيها لبانة أعين وقلوب

فتؤمّ من أكناف يثرب مأمنا

يكفيك ما تخشاه من تثريب

حيث النبوّة آيها مجلوّة

تتلو من الآثار كلّ غريب

سرّ غريب لم تحجّبه (٢) الثّرى

ما كان سرّ الله بالمحجوب

يا سيّد الرّسل الكرام ضراعة

تقضي منى (٣) نفسي وتذهب حوبي (٤)

عاقت ذنوبي عن جنابك والمنى

فيها تعلّلني بكل كذوب

لا كالألى (٥) صرفوا العزائم للتّقى

فاستأثروا منها بخير نصيب

لم يخلصوا لله حتى فرّقوا

في الله بين مضاجع وجنوب

هب لي شفاعتك التي أرجو بها

صفحا جميلا عن قبيح ذنوبي

إنّ النجاة وإن أتيحت لامرىء

فبفضل جاهك ليس بالتّسبيب

إني دعوتك واثقا بإجابتي

يا خير مدعوّ وخير مجيب

قصّرت في مدحي فإن يك طيّبا

فبما لذكرك من أريج الطّيب

ما ذا عسى يبغي المطيل وقد حوى

في مدحك القرآن كلّ مطيب

يا هل تبلّغني الليالي زورة

تدني إليّ الفوز بالمرغوب؟

أمحو خطيئاتي بإخلاصي بها

وأحطّ أوزاري وإصر ذنوبي (٦)

في فتية هجروا المنى وتعوّدوا

إنضاء كلّ نجيبة ونجيب (٧)

يطوي صحائف ليلهم فوق الفلا

ما شئت من خبب ومن تقريب (٨)

__________________

(١) بعد هذا البيت جاء في نفح الطيب البيت التالي :

أو تعترض مسراهم سدف الدّجى

صدعوا الدّجى بغرامه المشبوب

(٢) في النفح : «يحجّبه».

(٣) في الأصل : «من» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(٤) الحوب : الذنب والإثم. محيط المحيط (حوب).

(٥) في الأصل : «كاللآلىء» وهكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

(٦) الأوزار : جمع وزر وهو الذّنب. الإصر : ثقل الذنب. لسان العرب (وزر) و (أصر).

(٧) أنضى ناقته : حملها على السير حتى أهزلها. النجيبة : الناقة الحسنة السير بسرعة. لسان العرب (نضا) و (نجب).

(٨) الخبب والتقريب : ضربان من السير السريع. لسان العرب (خبب) و (قرب).

٣٨٨

إن رنّم الحادي بذكرك ردّدوا

أنفاس مشتاق إليك طروب

أو غرّد الرّكب الخليّ بطيبة

حنّوا لمغناها حنين النّيب

ورثوا اعتساف البيد عن آبائهم

إرث الخلافة في بني يعقوب

الطاعنون الخيل وهي عوابس

يغشى مثار النّقع كلّ سبيب (١)

والواهبون المقربات هواتنا

من كلّ خوّار العنان لعوب (٢)

والمانعون الجار حتى عرضهم

في منتدى الأعداء غير معيب

تخشى بوادرهم ويرجى حلمهم

والعزّ شيمة مرتجى ومهيب

ومنها بعد كثير (٣) :

سائل به طامي العباب وقد سرى

تزجى بريح (٤) العزم ذات هبوب

تهديه شهب أسنّة وعزائم

يصدعن ليل الحادث المرهوب

حتى انجلت ظلم الضّلال بسعيه

وسطا الهدى بفريقها المغلوب

يا ابن الألى شادوا الخلافة بالتقى

واستأثروك بتاجها المعصوب

جمعوا بحفظ الدين آي مناقب

كرموا بها في مشهد ومغيب

لله مجدك طارفا أو تالدا

فلقد شهدنا منه كلّ عجيب

كم رهبة أو رغبة لك والعلا

تقتاد بالتّرغيب والتّرهيب

لا زلت مسرورا بأشرف دولة

يبدو الهدى من أفقها المرقوب

تحيي المعالي غاديا أو رائحا

وجديد سعدك ضامن المطلوب

وقال من قصيدة خاطبه بها عند وصول هديّة ملك السودان (٥) ، وفيها الحيوان الغريب المسمى بالزّرافة (٦) : [الكامل]

قدحت يد الأشواق من زندي

وهفت بقلبي زفرة الوجد

ونبذت سلواني على ثقة

بالقرب فاستبدلت بالبعد

ولربّ وصل كنت آمله

فاعتضت منه مؤلم الصّدّ

لا عهد عند الصبر أطلبه

إنّ الغرام أضاع من عهدي

__________________

(١) السبيب : شعر ذنب الفرس أو عرفه. محيط المحيط (سبب).

(٢) المقربات : الخيل. خوّار العنان : ليّن العطف. لسان العرب (قرب) و (خور).

(٣) في النفح : «ومنها».

(٤) في التعريف بابن خلدون : «تزجيه ريح».

(٥) في النفح : «السودان إليه ، وفيها الزرافة».

(٦) القصيدة في التعريف بابن خلدون (ص ٧٤ ـ ٧٥) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٣١٩ ـ ٣٢١).

٣٨٩

يلحى العذول فما أعنّفه

وأقول : ضلّ فأبتغي رشدي

وأعارض النّفحات أسألها

برد الجوى فتزيد في الوقد

يهدي الغرام إلى مسالكها

لتعلّلي بضعيف ما تهدي

يا سائق الوجناء (١) معتسفا

طيّ الفلاة لطيّة الوجد

أرح الرّكاب ففي الصّبا نبأ

يغني عن المستنّة الجرد (٢)

وسل الرّبوع برامة خبرا

عن ساكني نجد وعن نجد

ما لي تلام على الهوى خلقي

وهي التي تأبى سوى الحمد

لأبيت إلّا الرّشد مذ وضحت

بالمستعين معالم الرّشد

نعم الخليفة (٣) في هدى وتقى

وبناء عزّ شامخ الطّود

نجل السّراة الغرّ شأنهم

كسب العلا بمواهب الوجد

ومنها في ذكر خلوصه إليه ، وما ارتكبه فيه (٤) :

لله منّي إذ تأوّبني

ذكراه وهو بشاهق فرد

شهم يفلّ بواترا (٥) قضبا

وجموع أقيال أولي أيد (٦)

أوريت زند العزم في طلبي

وقضيت حقّ المجد من قصدي

ووردت عن ظمإ مناهلة

فرويت من عزّ ومن رفد (٧)

هي جنّة المأوى لمن كلفت

آماله بمطالب المجد

لو لم أعلّ بورد كوثرها

ما قلت : هذي جنّة الخلد

من مبلغ قومي ودونهم

قذف النّوى وتنوفة (٨) البعد

أني أنفت على رجائهم

وملكت عزّ جميعهم وحدي

__________________

(١) في التعريف بابن خلدون : «الأضعان».

(٢) المستنّة : الفرس الذي يقبل ويدبر في ركضه. الجرد : جمع أجرد وهو القصير الشعر. لسان العرب (سنن) و (جرد).

(٣) في الأصل : «الخليقة» والتصويب من المصدرين.

(٤) اكتفى في النفح بالقول : «ومنها».

(٥) في الأصل : «بواتر» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المصدرين.

(٦) الأيد : القوة. لسان العرب (أيد).

(٧) الرّفد : العطاء. لسان العرب (رفد).

(٨) التنوفة : الأرض البعيدة الواسعة التي لا ماء فيها. لسان العرب (تنف).

٣٩٠

ومنها :

ورقيمة الأعطاف حالية

موشيّة بوشائح (١) البرد

وحشيّة الأنساب ما أنست

في موحش البيداء بالقود (٢)

تسمو بجيد بالغ صعدا

شرف الصّروح بغير ما جهد

طالت رؤوس الشامخات به

ولربما قصرت عن الوهد

قطعت إليك تنائفا وصلت

آسادها (٣) بالنّصّ والوخد (٤)

تخدي (٥) على استصعابها ذللا

وتبيت طوع القنّ والقدّ (٦)

بسعودك اللائي ضمنّ لنا

طول الحياة بعيشة رغد

جاءتك في وفد الأحابش لا

يرجون غيرك مكرم الوفد

وافوك أنضاء تقلّبهم

أيدي السّرى بالغور والنّجد

كالطّيف يستقري مضاجعه

أو كالحسام يسلّ من غمد

يثنون بالحسنى التي سبقت

من غير إنكار ولا جحد

ويرون لحظك من وفادتهم

فخرا على الأتراك والهند

يا مستعينا جلّ في شرف

عن رتبة المنصور والمهدي

جازاك ربّك عن خليقته

خير الجزاء فنعم ما يسدي (٧)

وبقيت للدنيا وساكنها

في عزّة أبدا وفي سعد

وقال يخاطب (٨) صدر الدولة فيما يظهر من غرض المنظوم (٩) : [الكامل]

يا سيّد الفضلاء دعوة مشفق

نادى لشكوى البثّ خير سميع

ما لي وللإقصاء بعد تعلّة

بالقرب كنت لها أجلّ شفيع

__________________

(١) في الأصل : «بوشائج» والتصويب من النفح.

(٢) هكذا في التعريف بابن خلدون. وفي النفح : «بالقرد».

(٣) في النفح : «إسآدها».

(٤) النص والوخد : ضربان من السير السريع. لسان العرب (نعص) و (خدد).

(٥) في الأصل : «تحدى» ، والتصويب من النفح.

(٦) خدى الفرس والبعير يخدي : يسرع. الذّلل : جمع ذلول وهي التي ريضت حتى سهل قيادها.

والقنّ والقدّ : أراد بهما ما تربط به من حبل ونحوه. لسان العرب (خدى) و (ذلل) و (قنن) و (قدد).

(٧) في النفح : «ما تسدي».

(٨) في النفح : «وقال يخاطب عمر بن عبد الله ملك المغرب».

(٩) القصيدة في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٢١ ـ ٣٢٢).

٣٩١

وأرى الليالي رنّقت لي صافيا

منها فأصبح في الأجاج شروعي (١)

ولقد خلصت إليك بالقرب التي

ليس الزمان لشملها بصدوع

ووثقت منك بأيّ وعد صادق

إني المصون وأنت غير مضيع

وسما بنفسي للخليفة طاعة

دون الأنام هواك قبل نزوع

حتى انتحاني الكاشحون بسعيهم

فصددتهم عني وكنت منيعي

رغمت نفوسهم (٢) بنجح وسائلي

وتقطّعت أنفاسهم بصنيعي

وبغوا بما نقموا عليّ خلائقي

حسدا فراموني بكلّ شنيع

لا تطمعنّهم ببذل في التي

قد صنتها عنهم بفضل قنوعي

أنّى أضام وفي يدي القلم الذي

ما كان طيّعه لهم بمطيع

ولي الخصائص ليس تأبى رتبة

حسبي بعلمك (٣) ذاك من تفريعي

قسما بمجدك وهو خير أليّة (٤)

أعتدّها لفؤادي المصدوع

إني لتصطحب الهموم بمضجعي

فتحول ما بيني وبين هجوعي

عطفا عليّ بوحدتي عن معشر

نفث الإباء صدودهم في روعي

أغدو إذا باكرتهم متجلّدا

وأروح أعثر في فضول دموعي

حيران أوجس عند نفسي خيفة

فتسرّ في الأوهام كلّ مروع

أطوي على الزّفرات قلبا إدّه (٥)

حمل الهموم تجول بين ضلوعي

ولقد أقول لصرف دهر رابني

بحوادث جاءت على تنويع

مهلا عليك فليس خطبك ضائري

فلقد لبست له أجنّ دروع (٦)

إني ظفرت بعصمة من أوحد

بذّ الجميع بفضله المجموع

وأنشد السلطان أمير المسلمين أبا عبد الله ابن أمير المسلمين أبا الحجاج ، لأول قدومه ليلة الميلاد الكريم ، من عام أربعة وستين وسبعمائة (٧) : [البسيط]

حيّ المعاهد كانت قبل تحييني

بواكف الدمع يرويها ويظميني

إنّ الألى نزحت داري ودارهم

تحمّلوا القلب في آثارهم دوني

__________________

(١) رنّقت : كدّرت. الأجاج : الملح الأجاج وهو الشديد الملوحة. لسان العرب (رنق) و (أجج).

(٢) في النفح : «أنوفهم».

(٣) في النفح : «بعلمي».

(٤) الأليّة : القسم. لسان العرب (ألا).

(٥) في النفح : «آده».

(٦) أجنّ دروع : أكثرها وقاية. لسان العرب (جنن).

(٧) القصيدة في التعريف بابن خلدون (ص ٨٥ ـ ٨٦) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٣٢٤ ـ ٣٢٦).

٣٩٢

وقفت أنشد صبرا ضاع بعدهم

فيهم وأسأل رسما لا يناجيني

أمثّل الرّبع من شوق وألثمه

وكيف والفكر يدنيه ويقصيني

وينهب الوجد منّي كلّ لؤلؤة

ما زال جفني (١) عليها غير مأمون

سقت جفوني مغاني الرّبع بعدهم

فالدمع وقف على أطلاله الجون

قد كان للقلب عن داعي الهوى شغل

لو أنّ قلبي إلى السّلوان يدعوني

أحبابنا ، هل لعهد الوصل مدّكر

منكم وهل نسمة منكم تحيّيني؟

ما لي وللطّيف لا يعتاد زائره

وللنسيم عليلا لا يداويني

يا أهل نجد ، وما نجد وساكنها

حسنا سوى جنّة الفردوس والعين (٢)

أعندكم أنّني ما مرّ ذكركم

إلّا انثنيت كأنّ الرّاح تثنيني

أصبو إلى البرق من أنحاء أرضكم

شوقا ، ولولاكم ما كان يصبيني (٣)

يا نازحا والمنى تدنيه من خلدي

حتى لأحسبه قربا يناجيني

أسلى هواك فؤادي عن سواك وما

سواك يوما بحال عنك يسليني

ترى الليالي أنستك ادّكاري يا

من لم يكن ذكره الأيام تنسيني

ومنها في ذكر التفريط :

أبعد مرّ الثلاثين التي ذهبت

أولي الشّباب بإحساني وتحسيني

أضعت فيها نفيسا ما وردت به

إلّا سراب غرور ليس يروّيني

وا حسرتا (٤) من أمان (٥) كلّها خدع

تريش غيّي ومرّ الدّهر يبريني

ومنها في وصف المشور (٦) المبتنى (٧) لهذا العهد :

يا مصنعا شيّدت منه السّعود حمى

لا يطرق الدهر مبناه بتوهين

صرح يحار لديه الطّرف مفتتنا

فما يروقك من شكل وتلوين (٨)

__________________

(١) في التعريف بابن خلدون : «قلبي».

(٢) العين : جمع عيناء وهي الواسعة العينين. لسان العرب (عين).

(٣) يصبيني : يجعلني أصبو. لسان العرب (صبا).

(٤) في النفح : «وا حسرتي».

(٥) في الأصل : «أمانيّ» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(٦) المشور : المكان الذي يجلس فيه السلطان للحكم.

(٧) في النفح : «المبني».

(٨) في النفح : «وتكوين».

٣٩٣

بعدا لإيوان كسرى إنّ مشورك السّ

امي لأعظم من تلك الأواوين

ودع دمشق ومغناها فقصرك ذا

«أشهى إلى القلب من أبواب جيرون»

ومنها في التعريض بالوزير الذي كان انصرافه من المغرب لأجله (١) :

من مبلغ عنّي الصّحب الألى جهلوا

ودّي وضاع حماهم إذ أضاعوني

أني أويت من العليا إلى حرم

كادت مغانيه بالبشرى تحيّيني

وإنني ظاعن لم ألق بعدهم

دهرا أشاكي ولا خصما يشاكيني

لا كالتي أخفرت عهدي ليالي إذ

أقلّب الطّرف بين الخوف والهون

سقيا ورعيا لأيامي التي ظفرت

يداي منها بحظّ غير مغبون

أرتاد منها مليّا لا يماطلني

وعدا وأرجو كريما لا يعنّيني (٢)

وهاك منها قواف طيّها حكم

مثل الأزاهر في طيّ الرياحين

تلوح إن جليت درّا ، وإن تليت

تثني عليك بأنفاس البساتين

عانيت منها بجهدي كلّ شاردة

لو لا سعودك ما كانت تواتيني (٣)

يمانع الفكر عنها ما تقسّمه

من كلّ (٤) حزن بطيّ الصّدر مكنون

لكن بسعدك ذلّت لي شواردها

فرضت منها بتحبير وتزيين (٥)

بقيت دهرك في أمن وفي دعة

ودام ملكك في نصر وتمكين

وهو (٦) الآن قد بدا له في التّحول طوع أمل ثاب له في الأمير أبي عبد الله ابن الأمير أبي زكريا بن أبي حفص ، لما عاد إليه ملك بجاية ، وطار إليه بجناح شراع تفيّأ ظلّه ، وصكّ من لدنه رآه مستقرّا عنده ، يدعّم ذلك بدعوى تقصير خفيّ أحسّ به ، وجعله علّة منقلبة ، وتجنّ سار منه في مذهبه وذلك في ... (٧) من عام ثمانية وستين وسبعمائة. ولما بلغ بجاية صدق رأيه ، ونجحت مخيّلته ، فاشتمل عليه أميرها ، وولّاه

__________________

(١) في النفح : «انصرافه بسببه».

(٢) لا يعنّيني : لا يتعبني. لسان العرب (عنى). وجاء في النفح بعد هذا البيت كلمة «ومنها» وأورد الأبيات التالية.

(٣) تواتيني : توافقني ، تسعفني.

(٤) كلمة «كل» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من المصدرين.

(٥) الشوارد : جمع شاردة ، وأصلها الدابّة التي تنفر من راكبها وتصعب عليه فلا يزال يروّضها ويذلّلها حتى يسلس له قيادها ، والمراد هنا القوافي التي يصعب على الشعراء الإتيان بها.

والتحبير هنا : التحسين. لسان العرب (شرد) و (حبر).

(٦) بياض في الأصل.

(٧) بياض في الأصل.

٣٩٤

الحجابة بها. ولم ينشب أن ظهر عليه ابن عمّه الأمير أبو العباس صاحب قسنطينة ، وتملّك البلدة بعد مهلكه ، وأجرى المترجم به على رسمه بما طرق إليه الظّنّة بمداخلته في الواقع. ثم ساء ما بينه وبين الأمير أبي العباس ، وانصرف عنه ، واستوطن بسكرة ، متحوّلا إلى جوار رئيسها أبي العباس بن مزنى ، متعلّلا برفده إلى هذا العهد.

وخاطبته برسالة في هذه الأيام ، تنظر في اسم المؤلّف في آخر الديوان.

مولده : بمدينة تونس بلده ، حرسها الله ، في شهر رمضان من عام اثنين وثلاثين وسبعمائة(١).

عبد الرحمن بن الحاج بن القميي الإلبيري

حاله : كان شاعرا مجيدا ، هجا القاضي أبا الحسن بن توبة ، قاضي غرناطة ، ومن نصره من الفقهاء ، فضربه القاضي ضربا وجيعا ، وطيف به على الأسواق بغرناطة ، فقال فيه الكاتب أبو إسحاق الإلبيري الزاهد ، وكان يومئذ كاتبا للقاضي المذكور ، الأبيات الشهيرة : [البسيط]

السّوط أبلغ من قول ومن قيل

ومن نباح سفيه بالأباطيل

من الدّار كحرّ النار أبراه

يعقل التقاضي أي تعقيل

عبد الرحمن بن يخلفتن بن أحمد بن تفليت الفازازي (٢)

يكنى أبا زيد.

حاله : كان حافظا ، نظّارا ، ذكيا ، ذا حظّ وافر من معرفة أصول الفقه وعلم الكلام ، وعناية بشأن الرّواية ، متبذّلا في هيئته ولباسه ، قلّما يرى راكبا في حضر إلّا لضررة ، فاضلا ، سنيّا ، شديد الإنكار والإنحاء على أهل البدع ، مبالغا في التحذير منهم ، عامر الإتاء ، يطلب العلم شغفا به وانطباعا إليه وحبّا فيه وحرصا عليه ، آية من آيات الله في سرعة البديهة ، وارتجال النّظم والنّثر ، وفور مادّة ، وموالاة استعمال ، لا يكاد يقيد ، ولا يصرفه عنه إلّا نسخ أو مطالعة علم ، أو مذاكرة فيه ، حتى صار له

__________________

(١) كذا جاء في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٢٦). وفي الضوء اللامع للسخاوي (ج ٤ ص ١٤٥) والأعلام للزركلي (ج ٣ ص ٣٣٠) أن وفاته سنة ٨٠٨ ه‍.

(٢) ترجمة عبد الرحمن الفازازي في التكملة (ج ٣ ص ٤٧) والمقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ١٦٣) وبغية الوعاة (ص ٣٠٤) ونفح الطيب (ج ٦ ص ٢٢٥) و (ج ١٠ ص ٣٤٠) واختصار القدح المعلى (ص ٢٠٣) وجاء فيه أنه «الفزاريّ».

٣٩٥

ملكة. لا يتكلف معها الإنشاء ، مع الإجادة وتمكّن البراعة. وكان متلبّسا بالكتابة عن الولاة والأمراء ، ملتزما بذلك ، كارها له ، حريصا على الانقطاع عنه ، واختصّ بالسيد أبي إسحاق بن المنصور ، وبأخيه أبي العلاء ، وبملازمتهما استحقّ الذّكر فيمن دخل غرناطة ، إذ عدّ ممّن دخلها من الأمراء.

مشيخته : روى عن أبيه أبي سعيد ، وأبي الحسن جابر بن أحمد ، وابن عتيق بن مون ، وأبي الحسن بن الصائغ ، وأبي زيد السّهيلي (١) ، وأبي عبد الله التّجيبي ، وأبي عبد الله بن الفخّار ، وأبي محمد بن عبيد الله ، وأبي المعالي محمود الخراساني ، وأبي الوليد بن يزيد بن بقي (٢) وغيرهم. وروى عنه ابنه أبو عبد الله ، وأبو بكر بن سيّد الناس ، وابن مهدي ، وأبو جعفر بن علي بن غالب ، وأبو العباس بن علي بن مروان ، وأبو عمرو بن سالم ، وأبو القاسم عبد الرحيم بن سالم ، وابنه عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن سالم ، وأبو القاسم عبد الكريم بن عمران ، وأبو يحيى بن سليمان بن حوط الله ، وأبو محمد بن قاسم الحرار ، وأبو الحسن الرّعيني ، وأبو علي الماقري.

تواليفه ومنظوماته : له المعشّرات الزّهدية التي ترجمها بقوله : «المعشرات الزهدية ، والمذكرات الحقيقية الجدّية ، ناطقة بألسنة الوجلين المشفقين ، شائقة إلى مناهج السّالكين المستبقين ، نظمها متبرّكا بعبادتهم ، متيمنا بأغراضهم وإشاراتهم ، قابضا عنان الدّعوى عن مداناتهم ومجاراتهم ، مهتديا إهداء السّنن الخمس بالأشعّة الواضحة من إشاراتهم ، مخلّدا دون أفقهم العالي إلى حضيضه ، جامعا لحسن أقواله وقبح أفعاله بين الشّيء ونقيضيه عبد الرحمن». وله «المعشّرات الحبّية ، وترجمتها النّفحات القلبيّة ، واللّفحات الشّوقية ، منظومة على ألسنة الذاهبين وجدا ، الذّائبين كمدا وجهدا ، الذين غربوا وبقيت أنوارهم ، واحتجبوا وظهرت آثارهم ، ونطقوا وصمتت أخبارهم ، ووفّوا العبودية حقّها ، ومحضوا المحبّة مستحقّها ، نظم من نسج على منوالهم ، ولم يشاركهم إلّا في أقوالهم فلان». والقصائد ، في مدح النبيّ صلى الله عليه وسلم ، التي كل قصيدة منها عشرون بيتا ، وترجمتها الوسائل المتقبّلة ، والآثار المسلمة المقبلة ، مودعة في العشرنية النبوية ، والحقائق اللّفظية والمعنوية ، نظم من اعتقدها من أزكى الأعمال ، وأعدّها لما يستقبله من مدهش الأهوال ، وفرع خاطره لها على توالي القواطع وتتابع الأشغال ، ورجال بركة خاتم الرّسالة ، وغاية السّؤدد والجلالة ، محو ما

__________________

(١) في بغية الوعاة : «أبي القاسم السهيلي».

(٢) في التكملة : «عن أبي الوليد بن يزيد بن عبد الرحمن بن بقي».

٣٩٦

لسلفه من خطأ في الفعل ، وزلل في المقال ، والله سبحانه وليّ القبول للتّوبة ، والمنّان بتسويغ هذه المنّة المطلوبة ، فذلك يسير في جنب قدرته ، ومعهود رحمته الواسعة ومغفرته.

شعره : وشعره كثير جدا ، ونثره مشهور وموجود. فمن شعره في غرض الشكر لله عزّ وجلّ ، على غيث جاء بعد قحط : [الكامل]

نعم الإله بشكره تتقيّد

فالله يشكر في النّوال ويحمد

مدّت إليه أكفّنا محتاجة

فأنالها من جوده ما نعهد

وأغاثنا بغمائم وكّافة

بالبشر تشرق والبشائر ترعد

حملت إلى ظمإ البسيطة ريّة

فلها عليه منّة لا تجحد

فالجوّ برّاق والشّعاع مفضّض

والماء فيّاض الأثير معسجد

والأرض في حلي الأتيّ كأنما

نطف الغمام ولؤلؤ (١) وزبرجد

والرّوض مطلول الخمائل باسم

والقضب ليّنة الحمائل ميّد

تاهت عقول الناس في حركاتها

ألشكرها أم سكرها تتأوّد؟

فيقول أرباب البطالة تنثني

ويقول أرباب الحقيقة تسجد

وإذا اهتديت إلى الصواب فإنها

في شكر خالقها تقوم وتقعد

هذا هو الفضل الذي لا ينقضي

هذا هو الجود الذي لا ينفد

احضر فؤادك للقيام بشكره

إن كنت تعلم قدر ما تتقلّد

وانفض يديك من العباد فكلّهم

عجز الحلّ وأنت جهلا تعقد

وإذا افتقرت إلى سواه فإنما ال

لذي بخاطرك المجال الأبعد

نعم الإله كما تشاهد حجّة

والغائبات أجلّ مما يشهد

فانظر إلى آثار رحمته التي

لا يمترى فيها ولا يتردّد

يا ليت شعري والدليل مبلّغ

من أيّ وجه يستريب الملحد

من ذا الذي يرتاب أنّ إلهه

أحد وألسنة الجماد توحّد

كلّ يصرّح حاله ومقاله

أن ليس إلّا الله ربّ يعبد

ومن شعره أيضا قوله : [الكامل]

عجبا لمن ترك الحقيقة جانبا

وغدا لأرباب الصواب مجانبا

__________________

(١) في الأصل : «لؤلؤ» ، وكذا ينكسر الوزن.

٣٩٧

وابتاع بالحق المصحّح حاضرا

ما شاء للزّور المعلّل عائبا

من بعد ما قد صار أنفذ أسهما

وأشدّ عادية وأمضى قاضبا

لا تخدعنك سوابق من سابق

حتى ترى الإحضار منه عواقبا

فلربما اشتدّ الخيال وعاقه

دون الصّواب هوى وأصبح غالبا

ولكم إمام قد أضرّ بفهمه

كتب تعبّ من الضّلال كتائبا

فانحرف بأفلاطون وأرسطا

ليس ودونهما تسلك طريقا لاحبا (١)

ودع الفلاسفة الذّميم جميعهم

ومقالهم تأتي الأحقّ الواجبا

يا طالب البرهان في أوضاعهم

أعزز عليّ بأن تعمّر جانبا

أعرضت عن شطّ النّجاة ملجّجا

في بحر هلك ليس ينجي عاطبا

وصفا الدّليل فما نفعت بصفوه

حتى جعلت له اللّجين (٢) شائبا

فانظر بعقلك هل ترى متفلسفا

فيمن ترى إلّا دعيّا كاذبا؟

أعيته أعباء الشّريعة شدّة

فارتدّ مسلوبا ويحسب سالبا

والله أسأل (٣) عصمة وكفاية

من أن أكون عن المحجّة ناكبا

ومن شعره : [الطويل]

إليك مددت الكفّ في كلّ شدّة

ومنك وجدت اللّطف في كل نائب

وأنت ملاذ والأنام بمعزل

وهل مستحيل في الرّجا (٤) كرّآيب؟

فحقّق رجائي فيك يا ربّ واكفني

شمات (٥) عدوّ أو إساءة صاحب

ومن أين أخشى من عدوّ إساءة

وسترك ضاف من جميع الجوانب؟

وكم كربة نجّيتني من غمارها

وكانت شجا بين الحشا والتّرائب

فلا قوة عندي ولا لي حيلة

سوى حسن ظنّي بالجميل المواهب

فيا منجي المضطرّ عند دعائه

أغثني فقد سدّت عليّ مذاهبي (٦)

رجاؤك رأس المال عندي وربحه

وزهده (٧) في المخلوق أسنى المواهب

__________________

(١) هذا البيت مختل الوزن والمعنى.

(٢) في الأصل : «الحبر» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

(٣) في الأصل : «أسل» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

(٤) في الأصل : «الرجاء» ، وكذا ينكسر الوزن.

(٥) في الأصل : «شماتة» وكذا ينكسر الوزن.

(٦) في الأصل : «مذاهب» بدون ياء.

(٧) في الأصل : «وزهد» وكذا ينكسر الوزن.

٣٩٨

إذا عجزوا عن نفعهم في نفوسهم

فتأميلهم بعض الظّنون الكواذب

فيا محسنا فيما مضى أنت قادر

على اللّطف في حالي وحسن العواقب

وإنّي لأرجو منك ما أنت أهله

وإن كنت حطّا في كثير المعايب

فصلّ على المختار من آل هاشم

إمام الورى عند اشتداد النوائب

وقال في مدّعي قراءة الخطّ دون نظر : [الطويل]

وأدور ميّاس العواطف أصبحت

محاسنه في الناس كالنّوع في الجنس

يدير على القرطاس أنمل كفّه

فيدرك أخفى الخطّ في أيسر اللّمس

فقال فريق : سحر بابل عنده

وقال فريق : ليس هذا من الإنس

فقلت لهم لم تفهموا سرّ دركه

على أنه للعقل أجلى من الشمس

ستكفه حبّ القلوب فأصبحت

مداركها أجفان أنمله الخمس

وفاته : استقدمه المأمون (١) على حال وحشة ، كانت بينه وبينه ، فورد ورود الرّضا على مرّاكش في شعبان سنة سبع وعشرين وستمائة. وتوفي في ذي قعدة بعده (٢) ، ودفن بجبانة الشيوخ مع أخيه عبد الله وقرنائهما ، رحم الله جميعهم.

انتهى السفر التاسع بحمد الله

* * *

ومن السفر العاشر العمال الأثرا في هذا الحرف

عبد الرحمن بن أسباط

الكاتب المنجب ، كاتب أمير المسلمين ، يوسف بن تاشفين.

حاله : لحق به بالعدوة ، فاتّصل بخدمته ، وأغراه بالأندلس ، إذ ألقى إليه أمورها على صورتها ، حتى كان ما فرغ الله ، عزّ وجلّ ، من استيلائه على ممالكها ، وخلعه لرؤسائها. وكان عبد الرحمن ، قبل اتصاله به ، مقدورا عليه في رزقه ، يتحرّف بالنّسخ ، ولم يكن حسن الخطّ ، ولا معرّب اللفظ ، إلى أن تسيّر للكتابة في باب

__________________

(١) هو أبو العلاء إدريس بن المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن الموحدي ، وقد حكم المغرب والأندلس من سنة ٦٢٤ ه‍ إلى سنة ٦٢٩ ه‍. البيان المغرب ـ قسم الموحدين (ص ٢٧٤).

(٢) في نفح الطيب (ج ٦ ص ٢٢٥): «وتوفي بمراكش سنة ٦٣٧». وجاء في بغية الوعاة (ص ٣٠٤) ونفح الطيب (ج ٦ ص ٢٢٥) أنه ولد بعد الخمسين وخمسمائة.

٣٩٩

الدّيوان بألمريّة ، ورأى خلال ذلك ، في نومه ، شخصا يوقظه ، ويقول له : قم يا صاحب ربع الدّنيا ، وقصّ رؤياه على صاحب له بمثواه ، فبشّره ، فطلب من ذلك الحين السّموّ بنفسه ، فأجاز البحر ، وتعلّق بحاشية الحرّة العليا زينب (١) ، فاستكتبته ، فلمّا توفّيت الحرّة ، أقرّه أمير المسلمين كاتبا ، فنال ما شاء مما ترتمي إليه الهمم جاها ومالا وشهرة. وكان رجلا حصيفا ، سكونا ، عاقلا ، مجدي الجاه ، حسن الوساطة ، شهير المكانة.

وفاته : توفي فجأة بمدينة سبتة ، في عام سبعة وثمانين وأربعمائة. وتقلّد الكتابة بعده أبو بكر بن القصيرة. ذكره ابن الصّيرفي.

عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مالك المعافري (٢)

وتكرر مالك في نسبه.

أوليته : قالوا : من ولد عقبة بن نعيم الداخل إلى الأندلس ، من جند دمشق ، نزيل قرية شكنب من إقليم تاجرة الجمل من عمل بلدنا لوشة ، غرناطي ، يكنى أبا محمد.

حاله : كان (٣) أبو محمد هذا أحد وزراء الأندلس ، كثير الصّنائع ، جزل المواهب ، عظيم المكارم ، على سنن عظماء الملوك ، وأخلاق السادة الكرام (٤). لم ير بعده مثله في رجال (٥) الأندلس ، ذاكرا للفقه والحديث ، بارعا في الأدب (٦) ، شاعرا مجيدا وكاتبا بليغا ، حلو الكتابة والشعر ، هشّا مع وقار ، ليّنا على مضاء ، عالي الهمّة ، كثير الخدم والأهل (٧).

من آثاره الماثلة إلى اليوم الحمّام ، بجوفيّ الجامع الأعظم من غرناطة. بدأ بناءه (٨) أول يوم من جمادى الأولى سنة تسع وخمسمائة. وشرع في الزّيادة في سقف

__________________

(١) هي زينب النفزاوية التي كانت مضرب المثل في الجمال ؛ تزوجت أبا بكر بن عمر ، ابن عم يوسف بن تاشفين المرابطي ، في سنة ٤٦٠ ه‍ ، ثم طلقها فتزوجها يوسف بن تاشفين فأنجبت له ولده الفضل ، وكانت أحب ما لديه امرأة غالبة عليه. البيان المغرب (ج ٤ ص ١٨ ، ٣٠).

(٢) ترجمة عبد الرحمن بن محمد المعافري في التكملة (ج ٣ ص ١٨) وقلائد العقيان (ص ١٦٩) ونفح الطيب (ج ٤ ص ٢٠٣).

(٣) قارن بنفح الطيب (ج ٤ ص ٢٠٣ ـ ٢٠٥).

(٤) كلمة «الكرام» ساقطة في النفح.

(٥) في الأصل : «حال» والتصويب من النفح.

(٦) في النفح : «الآداب».

(٧) في الأصل : «الخادم والأمل» والتصويب من النفح.

(٨) في الأصل : «بناه».

٤٠٠