الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٣

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]

الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٣

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]


المحقق: الدكتور يوسف علي طويل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3319-5

الصفحات: ٤٥٦

فيه : [الطويل]

لقد طمّح المهر الجموح لغاية

فقطّع أعناق الجياد السّوابق

جرى وجرت رجلاه لكنّ رأسه

أتى سابقا والجسم ليس بسابق

وكانت ثورته ببعض جهات درعة من بلاد السّوس.

مشيخته : أخذ عن صهره القاضي أبي محمد عبد المنعم بن عبد الرحيم ، وعن غيره من أهل بلده ، وتفقّه بهم ، وبهر في العقليّات والعلوم القديمة ، وقرأ على القاضي المحدّث أبي بكر بن أبي زمنين ، وتلا على الأستاذ الخطيب أبي عبد الله بن عروس ، والأدب والنحو على الأستاذ الوزير أبي يحيى بن مسعدة. وأجازه الأستاذ الخطيب أبو جعفر العطّار. ومن شعره في الثورة (١) : [البسيط]

قولوا لأولاد (٢) عبد المؤمن بن علي

تأهّبوا لوقوع الحادث الجلل

قد جاء (٣) فارس (٤) قحطان وسيّدها (٥)

ووارث الملك (٦) والغلّاب للدول

ومن شعره القصيدة الشهيرة وهي : [الكامل]

الله حسبي لا أريد سواه

هل في الوجود الحق إلّا الله؟

ذات الإله بها تقوم دولتنا (٧)

هل كان يوجد غيره لولاه؟

يا من يلوذ بذاته أنت الذي

لا تطمع الأبصار في مرآه

لا غرو أنّا قد رأيناه بها

فالحقّ يظهر ذاته وتراه

يا من له وجب الكمال بذاته

فالكل غاية فوزهم لقياه

أنت الذي لمّا تعالى جدّه

قصرت خطا الألباب دون حماه

أنت الذي امتلأ الوجود بحمده

لمّا غدا ملآن من نعماه

أنت الذي اخترع الوجود بأسره

ما بين أعلاه إلى أدناه

__________________

(١) البيتان ضمن أربعة أبيات ، في المغرب (ج ٢ ص ١١١) وجاء فيه أنه يخاطب فيها بني عبد المؤمن. وهي كذلك في كتاب العبر (م ٦ ص ٥٢٣) والحلة السيراء (ج ٢ ص ٢٧١).

(٢) في كتاب العبر والحلة السيراء : «لأبناء».

(٣) في الحلة السيراء : «أتاكم».

(٤) في كتاب العبر والمغرب : «سيد». وفي الحلة السيراء : «خير».

(٥) في المغرب والحلة السيراء «وعالمها» : وفي كتاب العبر : «وعاملها».

(٦) في كتاب العبر والمغرب : «ومنتهى القول». وفي الحلة السيراء : «وصاحب الوقت».

(٧) كذا ينكسر الوزن ، ولو قال : «دولة» لصحّ الوزن.

٣٦١

أنت الذي خصّصتنا بوجودنا

أنت الذي عرّفتنا معناه

أنت الذي لو لم تلخ أنواره

لم تعرف الأضداد والأشباه

لم أفش ما أودعتنيه إنّه

ما صان سرّ الحقّ من أفشاه

عجز الأنام عن امتداحك إنه

تتضاءل الأفكار دون مداه

من كان يعلم أنك الحقّ الذي

بهر العقول فحسبه وكفاه

لم ينقطع أحد إليك محبّة

إلّا وأصبح حامدا عقباه

وهي طويلة .................................................................................................................... (١) من أهل غرناطة ، يكنى أبا ورد ، ويعرف بابن القصجة.

عديم رواء الحسّ ، قريب العهد بالنجعة ، فارق وطنه وعيصه ، واستقبل المغرب ... الوفادة ، وقدم على الأندلس في أخريات دولة الثاني (٢) من الملوك النصريين ، فمهد جانب البر له ، وقرب مجلسه ، ورعى وسيلته ، وكان على عمل بر من صوم واعتكاف وجهاد.

نباهته : ووقف بي ولده الشريف أبو زيد عبد الرحيم ، على رسالة كتب بها أمير مكة على عهده إلى سلطان الأندلس ثاني الملوك النصريين ، رحمهم الله ، وعبّر فيها عن نفسه : من عبد الله ، المؤيّد بالله ، محمد بن سعد الحرسني ، في غرض المواصلة والمودة والمراجعة عن بر صدر عن السلطان ، رحمه الله ، من فصولها : «ثم أنكم ، رضي الله عنكم ، بالغنم في الإحسان للسيد الشريف أبي القاسم الذي انتسب إلينا ، وأويتموه من أجلنا ، وأكرمتموه ، ورفعتموه احتراما لبيته الشريف ، جعل الله عملكم معه وسيلة بين يدي جدّنا عليه السلام». وهي طويلة وتحميدها ظريف ، من شنشنة أحوال تلك البال بمكة المباركة.

وفاته : توفي شهيدا في الوقيعة بين المسلمين والنصارى بظاهر ألمرية عندما وقع الصريخ لإنجادها ، ورفع العدو البرجلوني عنها في السادس والعشرين من شهر ربيع الأول عام عشرة وسبعمائة.

__________________

(١) مكان البياض عنوان المترجم له ، واسمه ، كما سيأتي ، محمد بن سعد الحرسني.

(٢) ثاني سلاطين بني نصر هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف بن نصر ، وقد حكم غرناطة من سنة ٦٧١ ه‍ إلى سنة ٧٠١ ه‍. اللمحة البدرية (ص ٥٠).

٣٦٢

ومن ترجمة المقرئين والعلماء والطلبة النجباء

من ترجمة الطارئين منهم

عبد الرحمن (١) بن عبد الله بن أحمد بن أبي الحسن

أصبغ بن حسن (٢) بن سعدون بن رضوان بن فتّوح الخثعمي

مالقي ، يكنى أبا زيد ، وأبا القاسم ، وأبا الحسين ، وهي قليلة ، شهر بالسّهيلي.

حاله : كان مقرئا مجوّدا ، متحققا بمعرفة التفسير ، غواصا على المعاني البديعة ، ظريف التّهدّي إلى المقاصد الغريبة ، محدّثا ، واسع الرّواية ، ضابطا لما يحدّث به ، حافظا متقدما ، ذاكرا للأدب والتواريخ والأشعار والأنساب ، مبرّزا في الفهم ، ذكيّا ، أديبا ، كاتبا بليغا ، شاعرا مجيدا ، نحويا ، عارفا ، بارعا ، يقظا ، يغلب عليه علم العربية والأدب. استدعي آخرا إلى التدريس بمرّاكش ، فانتقل إليها من مالقة ، محلّ إقرائه ، ومتبوّأ إفادته ، فأخذ بها الناس عنه ، إلى حين وفاته.

مشيخته : تلا (٣) بالحرمين على خال أبيه الخطيب أبي الحسن بن عباس ، وبالسّبع على أبي داود بن يحيى ، وعلى أبي علي منصور بن علاء ، وأبي العباس بن خلف بن رضي ، وروى عن أبي بكر بن طاهر ، وابن العربي ، وابن قندلة ، وأبي الحسن شريح ، وابن عيسى ، ويونس بن مغيث ، وأبي الحسن بن الطّراوة ، وأكثر عنه في علوم اللسان ، وأبي عبد الله حفيد مكّي ، وابن أخت غانم ، وابن معمّر ، وابن نجاح ، وأبي العباس بن يوسف بن يمن الله ، وأبوي القاسم ابن الأبرش ، وابن الرّماك ، وأبوي محمد بن رشد ، والقاسم بن دحمان ، وأبوي مروان بن بونة ، وأبي عبد الله بن بحر. وناظر في «المدوّنة» على ابن هشام. وأجاز له ولم يلقه أبو العباس عبّاد بن سرحان ، وأبو القاسم بن ورد.

__________________

(١) ترجمة عبد الرحمن الخثعمي في بغية الملتمس (ص ٣٦٧) والتكملة (ج ٣ ص ٣٢) والمطرب (ص ٢٣٠) والمغرب (ج ١ ص ٤٤٨) ووفيات الأعيان (ج ٣ ص ١١٩) وزاد المسافر (ص ٩٦) والديباج المذهب (ص ١٥٠) وشذرات الذهب (ج ٤ ص ٢٧١) والفلاكة والمفلوكون (ص ١١٥) وبغية الوعاة (ص ٢٩٨) والنجوم الزاهرة (ج ٦ ص ١٠٠) ونفح الطيب (ج ٢ ص ٣١٦).

(٢) في وفيات الأعيان : «حسين».

(٣) قارن بالتكملة (ج ٣ ص ٣٢) وبغية الوعاة (ص ٢٩٩).

٣٦٣

من روى عنه : روى عنه أبو إسحاق الزّوالي ، وأبو إسحاق الجاني ، وأبو أمية بن عفير ، وأبو بكر بن دحمان ، وابن قنتوال ، والمحمدون ابن طلحة ، وابن عبد العزيز ، وابن علي جو يحمات ، وأبو جعفر بن عبد المجيد ، والحفّار وسهل بن مالك ، وابن العفّاص ، وابن أبي العافية ، وأبو الحسن السّراج ، وأبو سليمان بن حوط الله ، والسمائي ، وابن عياش الأندرشي ، وابن عطية ، وابن يربوع ، وابن رشيد ، وابن ناجح ، وابن جمهور ، وأبو عبد الله بن عيّاش الكاتب ، وابن الجذع ، وأبو علي الشّلوبين ، وسالم بن صالح ، وأبو القاسم بن بقي ، وأبو القاسم بن الطّيلسان ، وعبد الرحيم بن الفرس ، وابن الملجوم ، وأبو الكرم جودي ، وأبو محمد بن حوط الله ، إلى جملة لا يحصرها الحدّ.

دخل غرناطة ، وكان كثير التأميل والمدح لأبي الحسن بن أضحى ، قاضيها وريّسها (١) ، وله في مدحه أشعار كثيرة ، وذكر لي من أرّخ في الغرناطيين ، وأخبرني بذلك صاحبنا القاضي أبو الحسن بن الحسن كتابة عمّن يثق به.

تواليفه : منها كتاب «الشّريف (٢) والإعلام ، بما أبهم في القرآن من أسماء الأعلام». ومنها شرح آية الوصية ، ومنها «الرّوض الآنف (٣) والمشرع الرّوا ، فيما اشتمل عليه كتاب السيرة واحتوى». وابتدأ إملاءه في محرم سنة تسع وستين وخمسمائة ، وفرغ منه في جمادى منها. ومنها «حلية النّبيل ، في معارضة ما في السّبيل». إلى غير ذلك.

شعره : قال أبو عبد الله بن عبد الملك : أنشدني أبو محمد القطّان ، قال : أنشدني أبو علي الرّندي ، قال : أنشدني أبو القاسم السّهيلي لنفسه (٤) : [الطويل]

أسائل عن جيرانه من لقيته

وأعرض عن ذكراه والحال تنطق

__________________

(١) هو الوزير أبو الحسن علي بن عمر بن أضحى ، من بيت عظيم بغرناطة ، ثار بها ودعا لنفسه بعد مقتل تاشفين بن يوسف بن تاشفين المرابطي سنة ٥٣٩ ه‍. توفي سنة ٥٤٠ ه‍. وسيترجم له ابن الخطيب في الجزء الرابع من الإحاطة.

(٢) في وفيات الأعيان (ج ٣ ص ١١٩): «التعريف ... من الأسماء الأعلام». وفي التكملة (ج ٣ ص ٣٣): «التعريف ... القرآن العزيز من الأسماء الأعلام». وفي بغية الوعاة (ص ٢٩٩) : «التعريف ... من الأسماء والأعلام».

(٣) هكذا في التكملة ، وفي وفيات الأعيان وبغية الوعاة والمغرب : «الأنف».

(٤) البيتان في بغية الملتمس (ص ٣٦٧) ونفح الطيب (ج ٢ ص ٣١٧).

٣٦٤

وما لي إلى جيرانه من صبابة

ولكنّ قلبي (١) عن صبوح يوفّق (٢)

ونقلت من خطّ الفقيه القاضي أبي الحسن بن الحسن ، من شعر أبي القاسم السّهيلي ، مذيّلا بيت أبي العافية في قطعة لزوميّة : [الطويل]

ولمّا رأيت الدّهر تسطو خطوبه

بكل جليد في الورى أو هداني (٣)

ولم أر من حرز ألوذ بظلّه

ولا من له بالحادثات يداني

فزعت إلى من ملّك (٤) الدهر كفّه

ومن ليس ذو ملك له بمران

وأعرضت عن ذكر الورى متبرّما

إلى الرّب من قاص هناك ودان

وناديته سرّا ليرحم عبرتي

وقلت : رجائي قادني وهداني

ولم أدعه حتى تطاول مفضلا

عليّ بإلهام الدّعاء وعان

وقلت : أرجّي عطفه متمثّلا

ببيت لعبد صائل بردان (٥)

تغطّيت من دهري بظلّ جناحه

عسى أن ترى (٦) دهري وليس يراني

قلت : وما ضرّه ، غفر الله له ، لو سلمت أبياته من «بردان» ، ولكن أبت صناعة النحو إلّا أن تخرج أعناقها.

ومن شعره قوله : [المتقارب]

تواضع إذا كنت تبغي العلا

وكن (٧) راسيا عند صفو الغضب

فخفض الفتى نفسه رفعة

له واعتبر برسوب الذّهب

وشعره كثير ، وكتابته كذلك ، وكلاهما من نمط يقصر عن الإجادة.

وقال ملغزا في محمل الكتب ، وهو مما استحسن من مقاصده : [الخفيف]

حامل للعلوم غير فقيه

ليس يرجو أمرا ولا يتّقيه

يحمل العلم فاتحا قدميه

فإذا انضمّتا (٨) فلا علم فيه

__________________

(١) في النفح : «نفسي».

(٢) في بغية الملتمس : «يرقّق». وفي النفح : «ترقّق».

(٣) في الأصل : «وهدان» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

(٤) في الأصل : «تملّك» ، وكذا ينكسر الوزن.

(٥) عجز هذا البيت منكسر الوزن.

(٦) في الأصل : «فعسى ترى ...» وكذا ينكسر الوزن.

(٧) في الأصل : «وكنت» ، وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

(٨) في الأصل : «التقتا» وكذا ينكسر الوزن. وكلاهما بمعنى.

٣٦٥

ومن ذلك قوله في المجبنات (١) : [الكامل]

شغف الفؤاد نواعم أبكار

بردت فؤاد الصّبّ وهي حرار

أذكى من المسك الفتيق (٢) لناشق

وألذّ من صهباء حين تدار

وكأنّ (٣) من صافي اللّجين بطونها

وكأنّما ألوانهنّ نضار

صفت البواطن والظواهر كلها (٤)

لكن حكت ألوانها الأزهار

عجبا (٥) لها وهي النعيم تصوغها

نار ، وأين من النّعيم النار؟

ومن شعره وثبت في الصّلة : [المتقارب]

إذا قلت يوما : سلام عليك

ففيها شفاء وفيها سقام

شفا إذ قلتها مقبلا

وإن قلتها مدبرا فالحمام

فاعجب لحال اختلافيهما

وهذا سلام وهذا سلام

مولده : عام سبعة أو ثمانية وخمسمائة (٦).

وفاته : وتوفي في مرّاكش سحر ليلة الخامس والعشرين من شعبان أحد وثمانين وخمسمائة (٧) ، ودفن لظهره بجبّانة الشيوخ خارج مراكش ، وكان قد عمي سبعة عشر (٨) عاما من عمره.

عبد الرحمن بن هانىء اللخمي

يكنى أبا المطرف ، من أهل فرقد من قرى إقليم غرناطة.

__________________

(١) الأبيات في المطرب (ص ٢٣٧). والمجبنات : نوع من القطائف يضاف إليه الجبن ويقلى بالزيت.

(٢) في الأصل : «العتيق لنا نشقا وألذّ من صبا ...» ، وكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المطرب.

(٣) في المطرب : «فكأنما صافي اللجين قلوبها».

(٤) في المطرب : «مثلها».

(٥) في المطرب : «عجب».

(٦) في التكملة (ج ٣ ص ٣٣) : ولد سنة ٥٠٩ ، وقيل : عام سبعة أو ثمانية وخمسمائة. وفي وفيات الأعيان (ج ٣ ص ١٢٠): «ومولده سنة ثمان وخمسمائة بمدينة مالقة». ومثله جاء في المطرب (ص ٢٣).

(٧) في بغية الملتمس : توفي سنة ٥٨٣ ه‍.

(٨) في الأصل : «عشرة» وهو خطأ نحوي. وفي بغية الوعاة (ص ٢٩٩): «وكف بصره وهو ابن سبع عشرة سنة».

٣٦٦

حاله : كان فقيها فاضلا ، وتجوّل في بلاد المشرق. قال : أنشدني إمام الجامع بالبصرة : [الوافر]

بلاء ليس يشبهه بلاء

عداوة غير ذي حسب ودين

ينيلك منه عرضا لم يصنه

ويرتع منك في عرض مصون

عبد الرحمن بن أحمد بن أحمد بن محمد الأزدي (١)

من أهل غرناطة ، يكنى أبا جعفر ، ويعرف بابن القصير (٢).

حاله : كان (٣) فقيها [مشاورا ، رفيع القدر جليلا](٤) ، بارع الأدب ، عارفا بالوثيقة ، نقّادا لها ، صاحب رواية ودراية ، تقلّب ببلاد الأندلس ، وأخذ الناس عنه بمرسية وغيرها. ورحل إلى مدينة فاس ، وإفريقية ، وأخذ بها ، وولّي القضاء بتقرش (٥) من بلاد الجريد.

مشيخته : روى (٦) عن أبيه القاضي أبي الحسن بن أحمد ، وعن عمّه أبي مروان ، وعن أبوي الحسن بن درّي ، وابن الباذش ، وأبي الوليد بن رشد ، وأبي إسحاق بن رشيق الطليطلي ، نزيل وادي آش ، وأبي بكر بن العربي ، وأبي الحسن بن وهب (٧) ، وأبي محمد عبد الحق بن عطيّة ، وأبي عبد الله بن أبي الخصال ، وأبي الحسن يونس بن مغيث ، وأبي القاسم بن ورد ، وأبي بكر بن مسعود الخشني ، وأبي القاسم بن بقيّ ، وأبي الفضل عياض بن موسى بن عياض ، وغيرهم.

تواليفه (٨) : له تواليف وخطب ورسائل ومقامات ، وجمع مناقب من أدركه من أهل عصره ، واختصر كتاب الجمل (٩) لابن خاقان الأصبهاني ، وغير ذلك ، وألّف برنامجا يضم رواياته.

من روى عنه : روى عنه ابن الملجوم (١٠) ، واستوفى خبره.

__________________

(١) ترجمة عبد الرحمن بن أحمد الأزدي في التكملة (ج ٣ ص ٣٠) والديباج المذهب (ص ١٥٢) وأزهار الرياض (ج ٣ ص ١٤) وجذوة الاقتباس (ج ٢ ص ٣٩٤ رقم ٣٩٨).

(٢) في جذوة الاقتباس : «ابن النصير».

(٣) قارن بأزهار الرياض (ج ٣ ص ١٥).

(٤) ما بين قوسين ساقط في الأصل ، وقد أضفناه من أزهار الرياض.

(٥) في الأزهار : «وولّي قضاء تقيوس ، ببلاد الجريد».

(٦) قارن بالتكملة (ج ٣ ص ٣٠) وأزهار الرياض (ج ٣ ص ١٥).

(٧) في المصدرين : «موهب».

(٨) قارن بأزهار الرياض (ج ٣ ص ١٥).

(٩) في أزهار الرياض : «الحيل».

(١٠) في أزهار الرياض : «أبو القاسم بن الملجوم».

٣٦٧

وفاته : ركب (١) البحر قاصدا الحج ، فتوفي شهيدا في البحر ؛ قتله الرّوم بمرسى تونس مع جماعة من المسلمين ، صبح يوم الأحد ، في العشر الوسط من شهر ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمسمائة (٢).

عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد الأنصاري

يكنى أبا بكر ، ويعرف بابن الفصّال.

حاله : هذا الرجل فاضل عريق في العدالة ، ذكيّ ، نبيل ، مختصر الجرم ، شعلة من شعل الإدراك ، مليح المحاورة ، عظيم الكفاية ، طالب متقن. قرأ على مشيخة بلده ، واختصّ منهم بمولى النعمة على أبناء جنسه ، أبي سعيد ابن لب ، واستظهر من حفظه كتبا كثيرة ، منها كتاب التفريع في الفروع ، وارتسم في العدول ، وتعاطى لهذا العهد الأدب ، فبرّز في فنّه.

أدبه : مما جمع فيه بين نظمه ونثره ، قوله يخاطب الكتّاب ، ويسحر ببراعته الألباب : [الطويل]

لعلّ نسيم الريح يسري عليله

فأهدي صحيح الودّ طيّ سقيم

لتحملها عنّي وأزكى تحية

لقيت (٣) ككهف مانع ورقيم

ويذكر ما بين الجوانح من جوى

وشوق إليهم مقعد ومقيم

يا كتّاب المحلّ السامي ، والإمام المتسامي ، وواكف الأدب البسّامي ، أناشدكم بانتظامي ، في محبّتكم وارتسامي ، وأقسم بحقّكم عليّ وحبّذا إقسامي ، ألا ما أمددتم بأذهانكم الثاقبة ، وأسعدتم بأفكاركم النّيرة الواقبة ، على إخراج هذا المسمّى ، وشرح ما أبهمه المعمّى ، فلعمري لقد أحرق مزاجي ، وفرّق امتزاجي ، وأظلم به وهاجي ، وغطّى على مرآة ابتهاجي ، فأعينوني بقوة ما استطعتم ، وأقطعوني من مددكم ما قطعتم ، وآتوني بذلك كلّه إعانة وسدّا وإلّا فها هو بين يديكم ففكّوا غلقه ، واسردوا خلقه ، واجمعوا مضغه المتباينة وعلقه ، حتى يستقيم جسدا قائما بذاته ، متّصفا بصفاته المذكورة ولذّاته ، قائلا بتسلّيه أسلوبا ، مصحفا كان أو مقلوبا. وإن تأبّى عليكم وتمنّع ، وأدركه الحياء فتستّر وتقنّع ، وضرب على آذان الشّهدا ، وربط على قلوبهم من الإرشاد له والاهتداء ، فابعثوا أحدكم إلى

__________________

(١) قارن بالتكملة (ج ٣ ص ٣٠).

(٢) في التكملة : «فاستشهد بمرسى تونس في آخر سنة ٥٧٦).

(٣) في الأصل : «لقيته كهف» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

٣٦٨

المدينة ، ليسأل عنه خدينه : [المتقارب]

أحاجي ذوي العلم والحلم ممن

ترى شعلة الفهم من زنده

عن اسم هو الموت مهما دنا

وإن بات يبكى على فقده

لذيذ وليس بذي طعم

ويؤمر بالغسل من بعده

وأطيب ما يجتنيه الفتى

لدى ربّة الحسن أو عبده

مضجّعه عشر الثلث في

حساب المصحّف من خدّه

وإن شئت قل : مطعم ذمّه الر

رسول وحضّ على بعده

وقد جاء في الذّكر إخراجه

لقوم نبيّ على عهده

وتصحيف ضدّ له آخر

يبارك للنّحل في شهده

وتصحيف مقلوبه ربّه

تردّد من قبل في ردّه

فهاكم معانيه قد بدت

كنار الكريم على نجده

وكتب للولد ، أسعده الله ، يتوسّل إليه ، ويروم قضاء حاجته : [الخفيف]

أيها السيد العزيز ، تصدّق

في المقام العليّ لي بالوسيلة

عند ربّ الوزارتين أطال ال

له أيامه حسانا جميلة

علّه أن يجيرني من زمان

مسّني الضّرّ من خطاه الثّقيلة

واستطالت عليّ بالنّهب جورا

من يديه الخفيفة المستطيلة

لم تدع لي بضاعة غير مزجا

ة ونزر أهون به من قليله

وإذا ما وفّى لي الكيل يوما

حشفا ما يكيله سوء كيله

فشفى بي غليله لا شفى بي

دون أبنائه الجميع غليله

من لهذا الزمان مذ نال منّي

ليس لي بالزمان والله حيله

غير أن يشفع الوزير ويدعو (١)

عبده أو خديمه أو خليله

دمت يا ابن الوزير في عزّك السا

مي ودامت به الليالي كفيله

سيدي الذي بعزّة جاهه أصول ، وبتوسّلي بعنايته أبلغ المأمول والسّول ، وأروم لما أنا أحوم عليه الوصول ، ببركة المشفوع إليه والرسول ، المرغوب من مجدك السّامي الصريح ، والمؤمّل من ذلك الوجه السّنيّ الصبيح ، أن تقوم بين يدي نجوى الشّفاعة ، هذه الرّقاعة ، وتعين بذاتك الفاضلة النفّاعة ، من لسانك مصقاعة ، حتى

__________________

(١) في الأصل : «ويدعى».

٣٦٩

ينجلي حالي عن بلج ، وأتنسّم من مهبّات القبول طيب الأرج ، وتتطلع مستبشرات فرحتي من ثنيّات الفرج ، فإنّ سيّد الجماعة الأعلى ، وملاذ هذه البسيطة وفحلها الأجلى ، فسح الله تعالى في ميدان هذا الوجود بوجوده ، وأضفى على هذا القطر ملابس السّتر برأيه السديد وسعوده ، وبلّغه في جميعكم غاية أمله ومقصوده ، قلّما تضيع عنده شفاعة الأكبر من ولده ، أو يخيب لديه من توسّل إليه بأزكى قطع كبده ، وبحقك ألا ما أمرت هذه الرّقعة ، بالمثول بين يدي ذلك الزّكي الذّات الطاهر البقعة ، وقل لها قبل الحلول بين يدي هذا المولى الكريم ، والموئل الرحيم ، بعظيم التوقير والتّبجيل ، واعلمي يا أيتها السائل ، أن هذا الرجل هو المؤمّل ، بعد الله تعالى في هذا الجيل ، والحجّة البالغة في تبليغ راجيه أقصى ما يؤملونه بالتعجيل ، وخاتمة كلام البلاغة وتمام الفصاحة الموقف عليه ذلك كله بالتّسجيل ، وغرّة صفح دين الإسلام المؤيدة بالتّحجيل. وهذا هو مدبّر فلك الخلافة العالية بإيالته ، وحافظ بدر سمائها السامية بهالته ، فقرّي بالمثول بين يديه عينا ، ولقد قضيت على الأيام بذلك دينا ، وإذا قيل ما وسيلة مؤمّلك ، وحاجة متوسّلك ، فوسيلته تشيّعه في أهل ذلك المعنى ، وحاجته يتكفّل بها مجدكم الصميم ويعنى ، وليست تكون بحرمة جاهكم من العرض الأدنى ، وتمنّ فإنّ للإنسان هنالك ما تمنّى ، وتولّى تكليف مرسلي بحسب ما وسعكم ، وأنتم الأعلون والله معكم. ثم اثن العنان ، والله المستعان ، وأعيدي السلام ، ثم عودي بسلام.

وخاطب قاضي الحضرة ، وقد أنكر عليه لباس ثوب أصفر :

أبقى الله المثابة العليّة ومثلها أعلى ، وقدحها في المعلوّات المعلّى ، ما لها أمرت لا زالت بركاتها تنثال ، ولأمر ما يجب الامتثال ، بتغيير ثوبي الفاقع اللون ، وإحالته عن معتاده في الكون ، وإلحاقه بالأسود الجون أصبغه حدادا وأيام سيدي أيام سرور ، وبنو الزمان بعدله ضاحك ومسرور ، ما هكذا شيمة البرور ، بل لو استطعنا أن نزهو له كالميلاد ، ونتزيّا في أيامه بزيّ الأعياد ، ونرفل من المشروع في محبر وموروس ، ونتجلّى في حلل العروس ، حتى تقرّ عين سيدي بكتيبة دفاعه ، وقيمة نوافله وإشفاعه ، ففي علم سيدي الذي به الاهتداء ، وبفضله الاقتداء ، تفضيل الأصفر الفاقع ، حيثما وقع من المواقع ، فهو مهما حضر نزهة الحاضرين ، وكفاه فاقع لونها تسرّ الناظرين. ولقد اعتمّه جبريل عليه السلام ، وبه تطرّز المحبرات والأعلام ، وإنه لزيّ الظّرفاء ، وشارة أهل الرّفاء ، اللهمّ إلا إن كان سيدي دام له البقاء ، وساعده الارتقاء ، ينهي أهل التّبريز ، عن مقاربة لون الذهب الإبريز ، خيفة أن تميل له منهم ضريبة ، فيزنّوا بريبة ، فنعم إذا ونعمى عين ، وسمعا وطاعة لهذا الأمر الهيّن اللّين ، أتبعك لا زيدا وعمرا ،

٣٧٠

ولا أعصى لك أمرا ، ثم لا ألبس بعدها إلّا طمرا ، وأتجرّد لطاعتك تجريدا ، وأسلك إليك فقيرا ومزيدا ، ولا أتعرّض للسّخط بلبس شفيف أستنشق هباه ، وألبس عباه ، وأبرأ من لباس زي ينشئ عتابا ، يلقى على لسان مثل هذا كتابا ، وأتوب منه متابا ، ولو لا أني الليلة صفر اليدين ، ومعتقل الدّين ، لباكرت به من حانوت صبّاغ رأس خابية ، وقاع مظلمة جابية ، فأصيّره حالكا ، ولا ألبسه حتى أستفتي فيه مالكا ، ولعلي أجدّ فأرضي سيدي بالتّزييّ بشارته ، والعمل بمقتضى إشارته ، والله تعالى يبقيه للحسنات ينبّه عليها ، ويومي بعمله وحظّه إليها ، والسلام.

وخاطبني وقد قدم في شهادة المواريث بحضرة غرناطة : [السريع]

يا منتهى الغايات دامت لنا

غايتك القصوى بلا فوت

طلبت إحيائي بكم فانتهى

من قبله حالي إلى الموت

وحقّ ذاك (١) الجاه جاه العلا

لا متّ إلّا أن أتى وقتي (٢)

مولاي الذي أتأذّى من جور الزمان بذمام جلاله ، وأتعوّذ من نقص شهادة المواريث بتمام كماله ، شهادة يأباها المعسر والحيّ ، ويودّ أن لا يوافيه أجله عليها الحيّ ، مناقضة لما العبد بسبيله ، غير مربح قطميرها من قليله ، فإن ظهر لمولاي إعفاء عبده ، فمن عنده ، والله تعالى يمتّع الجميع بدوام سعده ، والسلام الكريم يختص بالطاهر من ذاته ومجده ، ورحمة الله وبركاته. من عبد إنعامكم ابن الفصّال لطف الله به : [البسيط]

قد كنت أسترزق الأحياء ما رزقوا

شيئا ولا ما (٣) وفوني بعض أقوات

فكيف حالي لمّا أن شكوتهم

رجعت أطلب قوتي عند أمواتي (٤)

والسلام يعود على جناب مولاي ، ورحمة الله وبركاته.

وخاطب أحد أصحابه ، وقد استخفى لأمر قرف به ، برسالة افتتحها بأبيات على حرف الصاد ، أجابه المذكور عن ذلك بما نصّه ، وفيه إشارة لغلط وقع في الإعراب : [البسيط]

يا شعلة من ذكاء أرسلت شررا

إلى قريب من الأرجاء بعد قص

وشبهة حملت دعوى السّفاح على

فحل يليق به مضمونها وخص

__________________

(١) في الأصل : «ذلك» ، وكذا ينكسر الوزن.

(٢) في الأصل : «وقت» بدون ياء.

(٣) كلمة «ما» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها ليستقيم الوزن.

(٤) في الأصل : «أموات» بدون ياء.

٣٧١

رحماك بي فلقد جرّعتني غصصا

أثار تعريضها المكتوم من غصّ

بليتني بنكاة (١) القرح في كبدي

كمثل مرتجف المجذوم بالبرص

أيها الأخ الذي رقى ومسح ، ثم فصح ، وغشّ ونصح ، ومزّق ثم نصح ، وتلاهب بأطراف الكلام المشقّق فما أفصح ، ما لسحّاتك ذات الجيد المنصوص ، توهم سمة الودّ المرصوص ، ثم تعدل إلى التأويلات عن النّصوص ، وتؤنس على العموم ، وتوحش على الخصوص ، لا درّ درّه من باب برّ ضاع مفتاحه ، وتأنيس حرّ سبق بالسجن استفتاحه ، ومن الذي أنهى إلى أخي خبر ثقافي ، ووثيقة تحبيسي وإيقافي ، وقد أبى ذلك سعد فرعه باسق ، وعزّ عقده متناسق. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ)(٢) ، بل المثوى والحمد لله جنّات وغرف ، والمنتهى مجد وشرف ، فإن كان وليّي مكترثا فيحقّ له السّرور ، أو شامتا فلي الظّل وله الحرور. أنا لا أزنّ والحمد لله بها من هناه ، ولما أدين بها من عزّي ومناه ، ولا تمرّ لي ببال فلست بذي سيف ولست بنكال نفسي أرقّ شيمة ، وأكرم مشيمة ، وعيني أغزر ديمة ، لو كان يسأل لسان عن إنسان ، أو مجاولته بملعبه خوان ، أوقفني إخوان لا بمأزق عدوان ، لارتسمت منه بديوان ، لا يغني في حرب عوان. عين هذا الشكل والحمد لله فراره ، وعنوان هذا الحدّ غراره. وأما كوني من جملة الصّفرة ، وممن أجهز سيدي الفقار على ذي الفقرة ، فأقسم لو ضرب القتيل ببعض البقرة ، لتعين مقدار تلك الغفرة. اللهمّ لو كنت مثل سيدي ممن تتضاءل النخلة السّحوق لقامته ، ويعترف عوج لديه بقماءته ودمامته ، مقبل الظّعن كالبدور في سحاب الخدور ، وخليفة السّيد الذي بلغت سراويله تندوة العدوّ الأيّد ، لطلت بباع مديد ، وساعدني الخلق بساعد شديد ، وأنا لي جسم شحت ، يحف به بخت ، وحسب مثلي أن يعلم في ميدان هوى تسلّ فيه سيوف اللّحاظ ، على ذوي الحفاظ ، وتشرع سيوف القدود ، إلى شكاة الصّدود ، وتسطو أولو الجفون السّود بالأسود ، فكيف أخشى تبعة تزلّ عن صفاتي ، وتنافي صفاتي ، ولا تطمع أسبابها في التفاتي ، ولا تستعمل في حربها قنا ألفاتي. والله يشكر سيدي على اهتباله ، ويحلّ كريم سباله ، على ما ظهر لأجلي من شغف باله ، إذ رفع ما ينصب ، وغيّر ما لو غيّره الحجاج لكان مع الهيبة يحصب ، ونكّت بأن نفقت بالحظ سوقي ، وظهر لأجله فسوقي ، ويا حبّذا هو من شفيع رفيع ووسيلة لا يخالفها الرّعي ، ولا

__________________

(١) أصل القول : «بنكأة» ، وكذا ينكسر الوزن ، فاقتضى حذف الهمزة ، والنّكأة : من نكأ القرحة إذا قشرها قبل أن تبرأ.

(٢) سورة الحجرات ٤٩ ، الآية ٦.

٣٧٢

يخيب لها السّعي. ولله درّ القائل : [الكامل]

لله بالإنسان في تعليمه

بوساطة القلم الكريم عنايه

فالخطّ خطّ والكتابة لم تزل

في الدهر عن معنى الكمال كنايه

وما أقرب ، يا سيدي ، هذه الدعوى لشهامتك ، وكبر هامتك : [الكامل]

لو كنت حاضرهم بخندق بلج

ولحمل ما قد أبرموه فصال

لخصصت بالدعوى التي عمّوا بها

ولقيل : فصل جلاه الفصال

وتركت فرعون بن موسى عبرة

تتقدّ منه بسيفه الأوصال

فاحمد الله الذي نجّاك من حضور وليمتها ، ولم تشهد يوم حليمتها. وأما اعتذارك عما يقلّ من تفقّد الكنز ، ومنتطح العنز ، فورع في سيدي أتمّ من أن يتّهم بغيبة ، ولسانه أعفّ من أن ينسب إلى ريبة ، لما اتّصل به من فضل ضريبة ، ومقاصد في الخير غريبة ، إنما يستخفّ سيدي أفرط التّهم ، رمي العوامل بالتّهم ، فيجري أصحّ مجرى أختها ، ويلبسها ثياب تحتها ، بحيث لا إثم يترتّب ، ولا هو ممن تعتب (١) ، وعلى الرجال فجنايته عذبة الجنا ، ومقاصده مستطرفة لفصح أو كنى. أبقاه الله رب نفاضة وجرادة ، ولا أخلى مبرده القاطع من برادة ، وعوّده الخير عادة ، ولا أعدمه بركة وسعادة ، بفضل الله. والسلام عليه من وليّه المستزيد من ورش وليه ، لا بل من قلائد حليه ، محمد بن فركون القرشي ، ورحمة الله وبركاته.

فراجعه المترجم بما نصه ، وقد اتّهم أن ذلك من إملائي : [البسيط]

يا ملبس النّصح ثوب الغشّ متّهما

يلوي النّصيحة عنه غير منتكص

وجاهلا باتخاذ الهزل مأدبة

أشدّ ما يتوقّى محمل الرّخص

نصحته فقصاني فانقلبت إلى

حال يغصّ بها من جملة الغصص

بالأمس أنكرت آيات القصاص له

واليوم يسمع فيه سورة القصص

ممّن استعرت يا بابليّ هذا السّحر ، ولم تسكن بناصية السحر ، ولا أعملت إلى بابل هاروت امتطاء ظهر ، ومن أين جئت بقلائد ذلك النّحر؟ أمن البحر ، أو مما وراء النهر؟ ما لمثل هذه الأريحيّة الفاتقة ، استنشقنا مهبّك ولا قبل هذه البارقة الفائقة ، استكثرنا غيّك ، يا أيها الساحر ادع لنا ربّك. أأضغاث أحلام ما تريه الأقلام ، أم في لحظة تلد الأيام فرائد الأعلام؟ لقد عهدت بربعك محسن دعابة ، ما فرعت شعابه ، أو

__________________

(١) في الأصل : «تعتبه» وقد صوبناه لتستقيم السجعة.

٣٧٣

مصيبا في صبابة ، ما قرعت بابه ، ولا استرجعت قبل أن أعبر عبابه. اللهمّ إلّا أن تكون تلك الآيات البيّنات من بنات يراعتك ، لا براعتك ، ومغترس تلك الزّهر ، الطالعة كالكواكب الزّهر ، مختلس يد استطاعتك ، لا زراعتك ، وإلّا فنطّرح مصائد التعليم والإنشاء ، وننتظر معنى قوله عزّ وجلّ يؤتي الحكمة من يشاء ، أو نتوسّل في مقام الإلحاح والإلحاف ، أن ننقل من غائلة الحسد إلى الإنصاف ، وحسبي أن أطلعت بالحديقة الأنيقة ، ووقفت من مثلى تلك الطّريقة على حقيقة ، فألفيت بها بيانا ، قد وضح تبيانا أو أطلق عنانا ، ومحاسن وجدت إحسانا ، فتمثّلت إنسانا ، سرّح لسانا ، وأجهد بنانا ، إلّا أنّ صادح أيكتها يتململ في قيظ ، ويكاد يتميّز من الغيظ ، فيفيض ويغيض ، ويهيض وينهض ثم يهيض ، ويأخذ في طويل وعريض ، بتسبيب وتعريض ، ويتناهض في ذلك بغير مهيض ، وفاتن كمائمها تسأل عن الصّادح ، ويتلقّف عصا استعجاله ما يفكّه المادح ، ويحرق بناره زند القادح ، ويتعاطى من نفسه بالإعجاب ، ويكاد ينادي من وراء حجاب ، إن هذا لشيء عجاب. إيه بغير تمويه رجع الحديث الأول ، إلى ما عليه المعوّل ، لا درّ درّها من نصيحة غير صحيحة ، ووصيّة مودّة صريحة ، تعلقت بغير ذي قريحة ، فهي استعجلتني بداهية كاتب ، واستطالة ظالم عاتب ، قد سلّ مرهفه ، واستنجد مترفه ، وجهّزها نحو كتيبته تسفر عن تحجيل ، بغير تبجيل ، وسحابة سجلّ ترمي بسجّيل ، ما كان إلّا أن استقلّت ، ورمتني بدائها وانسلّت ، وألقت ما فيها وتخلّت ، فحسبي الله تغلّب على فهمي ، ورميت بسهمي ، وقتلت بسلاحي ، وأسكرت براحي ، برئت برئت ، مما به دهيت ، أنت أبقاك الله لم تدن بها مني منالا وعزّا ، فكيف بها تنسب إليّ بعدك وتعزى؟ نفسي التي هي أرقّ وأجدر بالمعالي وأحقّ ، وشكلي أخفّ على القلوب وأدقّ ، وشمائلي أملك فلا تسترق ، ولساني هو الذي يسأل فلا يفلّ ، وقدري يعزّ ويجلّ ، عما فخرت أنت به من ملعب مائدة ، ومجال رقاب متمايدة ، فحاشى سيدي أن يقع منه بذلك مفخر ، إلا أن يكون يلهو ويسخر ، وموج بحره بالطّيّب والخبيث تزخر ، وعين شكلي هي بحمد الله عين الظّرف ، المشار إليه بالبنان والطّرف. وأما تعريض سيدي بصغر القامة ، وتكبيره لغير إقامة ، فمطّرد قول ، ومدامة غول ، وفريضة نشأ فيها عول ، إذ لا مبالاة تجسم كائنا ما كان ، أو ما سمعت أنّ السّر في السّكان ، وإنما الجسد للرّوح مكان ، ولم يبق إليه فقد يروح ، وقد قال ويسألونك عن الرّوح ، والمرء بقلبه ولسانه ، لا بمستظهر عيانه ، ولله درّ القائل : [الكامل]

لم يرضني أني بجسم هائل

والرّوح ما وفّت له أغراضه

ولقد رضيت بأنّ جسمي ناحل

والروح سابغة به فضفاضه

٣٧٤

ولما وقّع سيدي بمكتوبي على المرفوع والمنصوب ، وظفرت يده بالمغضوب ، والباحث المعصوب ، لم يقلها زلّة عالم ، وإني وقد وجدتها منية حالم ، فعدّد وأعاد ، وشدّد وأشاد. هلّا عقل ما قال ، وعلم أن المقيل سيكون مقال ، وزلّة العالم لا تقال ، وأن الحرب سجال ، وقبضة غيره هو المتلاعب في الحجال؟ وبالجملة فلك الفضل يا سيدي ما اعتني بمعناك ، وارتفع بين مغاني الكرام مغناك ، فمدة ركوبك الحمران لا تجارى ، ولا يشقّ أحد لك غبارا. أبقاك الله تحفظ عرى هذا الوداد ، ويشمل الجميع بركة ذلك النّاد ، والسلام عليك من ابن الفصّال ، ورحمة الله وبركاته.

وجعلا إليّ التّحكيم ، وفوّضا لنظري التّفضيل فكتبت : [البسيط]

بارك عليها بذكر الله من قصص

واذكر لها (١) ما أتى في سورة القصص

حيث اغتدى السّحر يلهو بالعقول وقد

أحال بين حؤول (٢) كيده وعصي (٣)

عقائل العقل والسحر الحلال قوت

من كافل الصّون بعد الكون جحر وصي (٤)

وأقبلت تتهادى كالبدور إذا

بسحر من فلك النّذور في حصص

من للبدور وربّات الخدور بها

المثل غير مطيع والمثيل (٥) عصي (٦)

ما قرصة البدر والشّمس المنيرة أن

قيست بمن قاسها (٧) من جملة القرض

تالله ما حكمها يوما بمنتقض

كلّا ولا بدرها يوما بمنتقص

إن قال حكمي فيها بالسّواد فقد

أمنت ما يحذر القاضي من الغصص

__________________

(١) كلمة «لها» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها ليستقيم الوزن والمعنى معا.

(٢) في الأصل : «حال» وكذا ينكسر الوزن.

(٣) في الأصل : «وعص» بدون ياء.

(٤) في الأصل : «وص» بدون ياء.

(٥) في الأصل : «والمثلان» وكذا ينكسر الوزن.

(٦) في الأصل : «عص» بدون ياء.

(٧) في الأصل : «سوى» وكذا ينكسر الوزن.

٣٧٥

أو كنت أرخصت في التّرجيح مجتهدا

لم يقبل الورع الفتيا مع الرّخص

يا مدلج ليل التّرجيح ، قف فقد خفيت الكواكب ، ويا قاضي طرف التّحسين والتّقبيح ، تسامت والحمد لله المناكب ، ويا مستوكف خبر الوقيعة من وراء أقتام القيعة تصالحت المواكب. حصحص الحقّ فارتفع اللّجاج ، وتعارضت الأدلّة فسقط الاحتجاج ، ووضعت الحرب أوزارها فسكن العجاج ، وطاب نحل الأقلام بأزهار الأحلام فطاب المجاج ، وقلّ لفرعون البيان وإن تألّه ، وبلّد العقول وبلّه ، وولّى بالغرور ودلّه. أوسع الكنائن نثلا ، ودونك أيّدا شثلا ، وشحرا حثلا ، لا خطما ولا أثلا. إن هذان لساحران إلى قوله : ويذهبا بطريقتكم المثلى وإن أثرت أدب الحليم ، مع قصّة الكليم ، فقل لمجمل جياد التّعاليم ، وواضع جغرافيا الأقاليم ، أندلسا ما علمت بلد الأجم ، لا سود العجم ، ومداحض السّقوط ، على شوك قتاد القوط ، ولم يذر إن محل ذات العجائب والأسرار التي تضرب إليها أباط النّجاب في غير الإقليم الأول ، وهذا الوطن بشهادة القلب الحوّل ، إنما هو رسم دارس ليس عليه من معوّل. فهنالك يتكلم الحق فيفصح ويعجم ، ويرد المدد على النفوس الجريئة من مطالع الأضواء فيحدّث ويلهم ، ويجود خازن الأمداد ، على المتوسّل بوسيلة الاستعداد ، فيقطع ويسهم. وأما إقليمنا الرابع والخامس ، بعد أن تكافأت المناظر والملامس ، وتناصف الليل الدّامس واليوم الشّامس ، باعتدال ربيعي ، ومجرى طبيعي ، وذكيّ بليد ، ومعاش وتوليد ، وطريف في البداوة وتليد ، ليس به برباه ولا هرم ، يخدم بها درب محترم ، ويشبّ لقرياته حرم ، فيفيد روحانيا يتصرف ، ورئيسا يتعرّض ويتعرّف ، كلما استنزل صاب ، وأعمل الانتصاب ، وجلب المآرب وأذهب الأوصاب ، وعلم الجواب ، وفهم الصواب. ولو فرضنا هذه المدارك ذوات أمثال ، أو مسبوقة بمثال ، لتلقينا منشور القضاء بامتثال ، لكنّا نخاف أن نميل بعض الميل ، فنجني بذلك أبخس الجري وإرضاء الذّميل ، ونجرّ تنازع الفهري مع الصّميل. فمن خيّر ميّز ، ومن حكم أزري به وتهكّم ، وما سلّ سيوف الخوارج ، في الزمن الدّارج ، إلّا التّحكيم ، حتى جهل الحكيم ، وخلع الخطام ونزع الشّكيم ، وأضرّ بالخلق نافع ، وذهب الطفل لجراه واليافع ، وذم الذّمام وردّ الشّافع ، وقطر سيف قطري ، بكل نجيع طري ، وزار الشّيب الأسد الهصور ، وصلّت الغزالة بمسجد الثّقفي وهو محصور ، وانتهبت المقاصير والقصور ، إلّا أن مستأهل الوظيفة الشّرعية عند الضرورة يجبر ، والمنتدب للبرّ محيي عند الله ويجبر ، واجعلني على خزائن الأرض وهو الأوضح والأشهر ، فيها به يستظهر. وأنا فإن حكمت على التّعجيل ،

٣٧٦

فغير مشهد على نفسي بالتّسجيل ، إنما هو تلفيق يرضى وتطفيل ، يعتب عليه من تصدّع بالحق ويمضى ، إلّا أن يغضى ، ورأيي فيها المراضاة والاستصلاح ، وإلّا فالسّلاح والرّكاب الطلّاح ، والصلح خير ، وما استدفع بمثل التّسامح ضير. ومن وقف عليه ، واعتبر ما لديه ، فليعلم أني صدعت وقطعت ، والحقّ أطعت ، وإن أريد إلّا الإصلاح ما استطعت ، والسلام.

عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن

ابن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن محمد

ابن عبد الرحمن بن خلدون الحضرمي (١)

من ذرّية (٢) عثمان أخي كريب المذكور في نبهاء ثوار الأندلس. وينتسب (٣) سلفهم إلى وائل بن حجر ، وحاله عند القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، معروف (٤).

أوليته : قد ذكر بعض منها. وانتقل (٥) سلفه من مدينة إشبيلية عن نباهة وتعيّن وشهرة (٦) عند الحادثة بها ، أو قبل ذلك ، واستقرّ (٧) بتونس منهم ثالث (٨) المحمدين ؛ محمد بن الحسن ، وتناسلوا على سراوة (٩) وحشمة ورسوم حسنة ، وتصرّف جدّ المترجم به لملوكها (١٠) في القيادة.

حاله : هذا (١١) الرجل الفاضل حسن الخلق ، جمّ الفضائل باهر الخصل ، رفيع القدر ، ظاهر الحياء ، أصيل المجد ، وقور المجلس ، خاصّيّ الزّيّ ، عالي الهمّة ، عزوف عن الضّيم ، صعب المقادة ، قوي الجأش ، طامح لقنن (١٢) الرئاسة ، خاطب للحظّ ، متقدّم في فنون عقلية ونقلية ، متعدّد المزايا ، سديد البحث ، كثير الحفظ ، صحيح التّصوّر ، بارع الخطّ ، مغرى بالتجلّة ، جواد الكفّ (١٣) ، حسن العشرة ، مبذول

__________________

(١) ترجمة ابن خلدون في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٠٦ وما بعدها) ، وجاء فيه أنه «عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن ...» والضوء اللامع (ج ٤ ص ١٤٥) والأعلام (ج ٣ ص ٣٣٠).

(٢) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٠٦).

(٣) في النفح : «وينسب».

(٤) في النفح : «معروفة».

(٥) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٠٦).

(٦) كلمة «وشهرة» غير واردة في النفح.

(٧) في النفح : «فاستقرّ».

(٨) في النفح : «ثاني».

(٩) في النفح : «على حشمة وسراوة».

(١٠) كلمة «لملوكها» غير واردة في النفح.

(١١) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٠٦ ـ ٣٠٧).

(١٢) القنن : جمع قنّة وهي أعلى الجبل. لسان العرب (قنن).

(١٣) كلمة «الكف» غير واردة في النفح.

٣٧٧

المشاركة ، مقيم لرسوم التّعين ، عاكف على رعي خلال الأصالة ، مفخرة (١) من مفاخر التّخوم المغربية.

مشيخته : قرأ (٢) القرآن ببلده على المكتّب ابن برال ، والعربية على المقرئ الزواوي (٣) ، وابن العربي ، وتأدّب بأبيه ، وأخذ عن المحدّث أبي عبد الله بن جابر الوادي آشي. وحضر مجلس القاضي أبي عبد الله بن عبد السلام ، وروى عن الحافظ عبد الله (٤) السّطي ، والرئيس أبي محمد عبد المهيمن الحضرمي ، ولازم العالم الشهير أبا عبد الله الآبلي ، وانتفع به.

توجّهه إلى المغرب : انصرف (٥) عن (٦) إفريقية منشئه ، بعد أن تعلّق بالخدمة السلطانية على الحداثة وإقامته لرسم العلامة بحكم الاستنابة عام ثلاثة وخمسين وسبعمائة. وعرف فضله ، وخطبه السلطان منفّق سوق العلم والأدب أبو عنان فارس بن علي بن عثمان ، واستقدمه (٧) ، واستحضره بمجلس المذاكرة ، فعرف حقّه ، وأوجب فضله ، واستعمله في (٨) الكتابة أوائل عام ستة وخمسين ، ثم عظم عليه حمل الخاصّة من طلبة الحضرة لبعده عن حسن التأنّي ، وشفوفه بثقوب الفهم ، وجودة الإدراك ، فأغروا به السلطان إغراء عضّده ما جبل عليه عندئذ (٩) من إغفال التّحفّظ ، ممّا يريب لديه ، فأصابته شدّة تخلّصه منها أجله ؛ كانت مغربة في جفاء ذلك الملك ، وهناة جواره ، وإحدى العواذل لأولي الهوى في القول بفضله ، [واستأثر به الاعتقال باقي أيام دولته على سنن الأشراف من الصّبر](١٠) وعدم الخشوع ، وإهمال التوسّل ، وإبادة المكسوب في سبيل النّفقة ، والإرضاخ على زمن المحنة ، وجار المنزل الخشن ، إلى أن أفضى الأمر إلى السّعيد ولده ، فأعتبه قيّم الملك لحينه ، وأعاده إلى رسمه. ودالت الدولة إلى السلطان أبي سالم ، وكان له به الاتصال ، قبل تسوّغ المحنة ، بما أكد حظوته ، فقلّده ديوان الإنشاء مطلق الجرايات ، محرّر السّهام ، نبيه الرّتبة ، إلى آخر أيامه. ولمّا ألقت الدولة مقادها بعده إلى الوزير عمر بن عبد الله ، مدبّر الأمر ، وله إليه قبل ذلك (١١) وسيلة ، وفي حليه شركة ، وعنده حقّ ، رابه تقصيره عمّا ارتمى إليه أمله ، فساء ما بينهما إلى أن آل إلى انفصاله عن الباب المريني.

__________________

(١) في النفح : «مفخر».

(٢) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٠٧).

(٣) في النفح : «الزواوي وغيره».

(٤) في النفح : «أبي عبد الله».

(٥) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٠٧ ـ ٣٠٨).

(٦) في النفح : «من».

(٧) كلمة «واستقدمه» غير واردة في النفح.

(٨) في النفح : «على».

(٩) في النفح : «عهدئذ».

(١٠) ما بين قوسين غير وارد في النفح.

(١١) قوله : «قبل ذلك» غير وارد في النفح.

٣٧٨

دخوله غرناطة : ورد (١) على الأندلس في أوائل (٢) شهر ربيع الأول من عام أربعة وستين وسبعمائة ، واهتزّ له السلطان ، وأركب خاصّته لتلقّيه ، وأكرم وفادته ، وخلع عليه ، وأجلسه بمجلسه الخاص (٣) ، ولم يدّخر عنه برّا ومؤاكلة ومطايبة وفكاهة.

وخاطبني لما حلّ بظاهر الحضرة مخاطبة لم تحضرني الآن ، فأجبته عنها بقولي (٤) : [الطويل]

حللت حلول الغيث في البلد المحل

على الطائر الميمون والرّحب والسّهل

يمينا بمن تعنو الوجوه لوجهه

من الشّيخ والطفل المهدّإ (٥) والكهل

لقد نشأت عندي للقياك غبطة

تنسّي اغتباطي بالشّبيبة والأهل (٦)

أقسمت (٧) بمن حجّت قريش لبيته ، وقبر صرفت أزمّة الأحياء لميته ، [ونور ضربت الأمثال بمشكاته (٨) وزيته ، لو خيّرت أيها الحبيب](٩) الذي زيارته الأمنية السّنيّة ، والعارفة الوارفة ، واللطيفة المطيفة ، بين رجع الشّباب يقطر ماء ، ويرفّ نماء ، ويغازل عيون الكواكب ، فضلا عن الكواعب ، إشارة وإيماء ، بحيث لا الوخط (١٠) يلمّ بسياج لمّته ، أو يقدح ذبالة (١١) في ظلمته ، أو يقوم حواريّه في ملّته (١٢) ، من الأحابش وأمّته ، وزمانه روح وراح ، ومغدى في النّعيم ومراح ، وقصف صراح (١٣) ، [ورقّى (١٤) وجراح ،](١٥) وانتحاب (١٦) واقتراح ، وصدور ما بها إلّا انشراح ، ومسرّات تردفها أفراح. وبين قدومك خليع الرّسن ، ممتّعا والحمد

__________________

(١) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٠٨).

(٢) في النفح : «أول ربيع الأول عام ...».

(٣) كلمة «الخاص» غير واردة في النفح.

(٤) الرسالة ، بما فيها الأبيات ، في التعريف بابن خلدون (ص ٨٢) وريحانة الكتاب (ج ٢ ص ١٨٥ ـ ١٨٦) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٣٠٨ ـ ٣٠٩).

(٥) في ريحانة الكتاب : «المعصّب».

(٦) جاء في الريحانة بعد هذا البيت البيت التالي :

وودّي لا يحتاج فيه لشاهد

وتقريري المعلوم ضرب من الجهل

(٧) في الريحانة : «يمينا بربّ حجّت ...».

(٨) المشكاة هنا : المصباح.

(٩) ما بين قوسين ساقط في الأصل ، وقد أضفناه من المصادر.

(١٠) الوخط : الشّيب. لسان العرب (وخط).

(١١) الذّبالة : الفتيلة. لسان العرب (ذبل).

(١٢) في الريحانة : «لمتّه».

(١٣) في الريحانة : «ونصب وصراح».

(١٤) في الأصل : «ورفى» ، والتصويب من النفح والتعريف.

(١٥) ما بين قوسين ساقط في الريحانة.

(١٦) في الأصل : «وانتخاب» ، وكذلك في الريحانة ، والتصويب من النفح.

٣٧٩

لله (١) باليقظة والوسن ، محكما في نسك الجنيد أو فتك الحسن ، ممتعا بظرف المعارف ، مالئا أكفّ الصّيارف ، ماحيا بأنوار البراهين شبه الزّخارف ـ لما اخترت الشّباب وإن شاقني (٢) زمنه ، وأعياني ثمنه ، وأجرت سحاب (٣) دمعي دمنه. فالحمد لله الذي رقى (٤) جنون اغترابي ، وملّكني أزمة آرابي ، وغبّطني بمائي وترابي ، [ومألف أترابي ،](٥) وقد أغصّني بلذيذ شرابي ، ووقّع على سطوره المعتبرة إضرابي ، وعجّلت هذه مغبّطة بمناخ المطيّة (٦) ، ومنتهى الطّيّة ، وملتقى السّعود (٧) غير البطيّة ، وتهنّي الآمال الوثيرة الوطيّة ، فما شئت من نفوس عاطشة إلى ريّك ، متجمّلة بزيّك ، عاقلة خطى مهريّك ، ومولى مكارمه نشيدة أمثالك ، ومظانّ (٨) مثالك ، وسيصدق الخبر ما هنالك ، ويسع (٩) فضل مجدك في (١٠) التخلّف عن الإصحار (١١) ، لا بل اللقاء من وراء البحار ، والسّلام.

ولما (١٢) استقرّ بالحضرة ، جرت بيني وبينه مكاتبات أقطعها الظّرف جانبه ، وأوضح الأدب فيها (١٣) مذاهبه. فمن ذلك ما خاطبته به ، وقد تسرّى جارية روميّة اسمها هند صبيحة الابتناء بها : [السريع]

أوصيك بالشيخ أبي بكره

لا تأمنن في حالة مكره

واجتنب الشّكّ إذا جئته

جنّبك الرحمن ما تكره

سيدي ، لا زلت تتّصف بالوالج ، بين الخلاخل والدّمالج (١٤) ، وتركض فوقها ركض الهمالج (١٥) أخبرني كيف كانت الحال ، وهل حطّت بالقاع من خير البقاع الرّحال ، وأحكم بمرود (١٦) المراودة الاكتحال ، وارتفع بالسّقيا الإمحال ، وصحّ

__________________

(١) قوله : «والحمد لله» ساقط في الريحانة.

(٢) في النفح : «راقني».

(٣) في النفح : «سحائب».

(٤) في الريحانة : «وقى».

(٥) ما بين قوسين ساقط في الريحانة.

(٦) في الريحانة : «الطّية».

(٧) في الأصل : «للسعود» والتصويب من المصادر.

(٨) في الريحانة : «ومطابق».

(٩) في الريحانة : «ويسمعني».

(١٠) في الريحانة : «عن».

(١١) الإصحار : الخروج إلى الصحراء. محيط المحيط (صحر).

(١٢) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٠٩ ـ ٣١٥).

(١٣) كلمة «فيها» غير واردة في النفح.

(١٤) الخلاخل : جمع خلخال وهو حلية تلبسها المرأة في ساقها. والدمالج : جمع دملج وهي حلية تلبسها المرأة في ساعدها. وأراد هنا : بين الأيدي والأرجل. لسان العرب (خلخل) و (دملج).

(١٥) الهمالج : جمع هملاج وهو الدابّة الحسنة السّير والسريعة. لسان العرب (هملج).

(١٦) المرود : الميل يكتحل به. محيط المحيط (رود).

٣٨٠