الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٣

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]

الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٣

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]


المحقق: الدكتور يوسف علي طويل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3319-5

الصفحات: ٤٥٦

وقد صافح الأدواح من صفحاته

وحتى (١) حباب بالنّسيم مكسّر

فما كان في عطف الخليج قلامة

وما كان في وجه الغدير فمغفر

وفي العقل والتّغرّب : [السريع]

ما أحسن العقل وآثاره

لو لازم الإنسان إيثاره

يصون بالعقل الفتى نفسه

كما يصوم الحرّ أسراره

لا سيما إن كان في غربة

يحتاج أن يعرف مقداره

ومن وصفه الجيش والسلاح : [الكامل]

وكتيبة بالدّارعين كثيفة

جرّت ديول الجحفل الجرّار

روض المنايا بينها القضب التي

زفّت بها الرّايات كالأزهار

فيها الكماة بنو الكماة كأنهم

أسد الشّرى بين القنا الخطّار

متهلّلين لدى اللّقاء كأنهم

خلقت وجوههم من الأقمار

من كلّ ليث فوق برق خاطف

بيمينه قدر من الأقدار

من كلّ ماض قد تقلّد مثله

فيصبّ آجالا على الأعمار

لبسوا القلوب على الدروع وأسرعوا

لأكفّهم نارا لأهل النار

وتقدّموا ولهم على أعدائهم

حنق العدا وحميّة الأنصار

فارتاع ناقوس بخلع لسانه

وبكى الصّليب لذلّة الكفّار

ثم انثنوا عنه وعن عبّاده و

قد أصبحوا خبرا من الأخبار

وفي السّيف : [البسيط]

وأبيض صيغ من ماء ومن لهب

على اعتدال فلم يخمد ولم يسل

ماضي الغرار يهاب العمر صولته

كأنما هو مطبوع من الأجل

أبهى من الوصل بعد الهجر منظره

حسنا وأقطع من دين على ملل (٢)

وأسمر ظنّ أن (٣) ما كل سابغة

فخاض كالأيم يستشفي من النّهل

هام الكماة به حبّا ولا عجب

من لوعة بمليح القدّ معتدل

إذا الطّعين تلقّاه وأرعفه

حسبته عاشقا يبكي على طلل

__________________

(١) في الأصل : «حتى» ، وكذا ينكسر الوزن.

(٢) في الأصل : «مال».

(٣) كلمة «أن» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها ليستقيم الوزن والمعنى.

٢٨١

ومن ذلك قوله في وصف قوس : [الوافر]

تنكّبها كحاجبه وسوّى

بأهداب الجفون لها نبالا

فلم أر قبله بدرا منيرا

تحمّل فوق عاتقه هلالا

ومن ذلك في وصف قلم : [المتقارب]

وأصفر كالصّبّ في رونق

تظنّ به الحبّ ممن نحل

بديع الصّفات حديد السّبات

يطول الرّماح وإن لم يطل

يعبّر عمّا وراء الضمير

ويفعل فعل (١) الظّبا والذّبل

ومن ذلك قوله فيما يظهر منها : [البسيط]

تفاخر السّيف فيما قيل والقلم

والفصل بينهما لا شكّ منفهم

كلاهما شرف لله (٢) درّهما

وحبّذ الخطّتان الحكم والحكم

ومن ذلك قوله في سكّين الدواة : [الخفيف]

أنا صمصامة الكتابة ما لي

من شبيه في المرهفات الرّقاق

فكأنّي في الحسن يوم وصال

وكأنّي في القطع يوم فراق

ومن ذلك قوله في المقصّ : [الوافر]

ومعتنقين ما اشتهرا بعشق

وإن وصفا بضمّ واعتناق

لعمر أبيك ما اعتنقا لمعنى

سوى معنى القطيعة والفراق

ومن ذلك قوله في الورد : [مخلع البسيط]

الورد سلطان كلّ زهر

لو أنّه دائم الورود

بعد خدود الملاح شيء

ما أشبه الورد بالخدود

ومن ذلك قوله في الخيريّ : [السريع]

وأزرق كمثل السماء

فيه لمن ينظر سرّ عجيب

شحّ مع الصّبح بأنفاسه

كأنما الصّبح عليه رقيب

وباح بالليل بأسراره

لمّا رأى اللّيل نهار الأريب

__________________

(١) في الأصل : «ما فعل» ، وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

(٢) في الأصل : «شرّف الله» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

٢٨٢

ومن ذلك قوله في الرّيحان : [الوافر]

وأخضر فستقيّ اللون غضّ

يروق بحسن منظره العيونا

أغار على التّرنج وقد حكاه

وزاد على اسمه ألفا ونونا

وقال من جملة قصائده المطوّلات التي تفنّن فيها ، رحمه الله : [الطويل]

وغانية يغني عن العود صوتها

وجارية تسقي وساقية تجري

بحيث يجرّ النهر ذيل مجرّة

يرفّ على حافاتها الزّهر كالزّهر

وقد هزّت الأرواح خصر كتائب

بألوية بيض على أسل سمر

رمى قزح نبلا إليها فجرّدت

سيوف سواقيها على دارع النّهر

وهبّت صبا نجد فجرّت غلائلا

تجفّف دمع الطّلّ عن وجنة الزّهر

كأنّ بصفح الرّوض وشي صحيفة

وكالألفات القضب والطّرس كالتّبر

كأنّ به الأقحوان خواتما

مفضّضة فيها فصوص من التّبر

كأنّ به النّرجس الغضّ أعيا

ترقرق في أجفانها أدمع القطر

كأنّ شذا الخيريّ زورة عاشق

يرى أنّ جنح اللّيل أكتم للسّرّ

وقال في وصف الرّمان : [البسيط]

لله رمّانة قد راق منظرها

فمثلها ببديع الحسن منعوت

القشر حقّ لها قد ضمّ داخله

والشّحم قطن لها (١) والحبّ ياقوت

ومن ذلك قوله في الجزر : [البسيط]

انظر إلى جزر (٢) في اللون مختلف

البعض من سبج والبعض من ذهب

إن قلت : قصب فقل : قصب بلا زهر

أو قلت : شمع فقل : شمع بلا لهب

وفي الاغتراب وما يتعلّق به مما يقرب من المطولات : [الوافر]

غريب كلّما يلقى غريب

فلا وطن لديه ولا حبيب

تذكّر أصله فبكى اشتياقا

وليس غريبا أن يبكي غريب

ومما هاج أشواقي حديث

جرى فجرى له الدّمع السّكوب

__________________

(١) كلمة «لها» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها ليستقيم الوزن والمعنى معا.

(٢) في الأصل : «جذر» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

٢٨٣

ذكرت به الشّباب فشقّ قلبي

ألم تر كيف تنشقّ القلوب؟

على زمن الصّبا فليبك مثلي

فما زمن الصّبا إلّا عجيب

جهلت شبيبتي حتى تولّت

وقدر الشيء يعرف إذ يغيب

ألا ذكر الإله بكل خير

بلادا لا يضيع بها أديب

بلاد ماؤها عذب زلال

وريح هوائها مسك رطيب

بها قلبي الذي قلبي المعنّى

يكاد من الحنين له يذوب

رزقت الصّبر بلين أبي وأمي

كلانا بعد صاحبه كثيب

ألا فتوخّ بعدي من أؤاخي

ودع ما لا يريب لما يريب

ولا تحكم بأول ما تراه

فإنّ الفجر أوله كذوب

ألا إنا خلقنا في زمان

يشيب بهوله من لا يشيب

وقد لذّ الحمام وطاب عندي

وعيشي لا يلذّ ولا يطيب

لحى الله الضّرورة فهي بلوى

تهين الحرّ والبلوى ضروب

رأيت المال يستر كلّ عيب

ولا تخفى مع الفقر العيوب

وفقد المال في التّحقيق عندي

كفقد الرّوح ذا من ذا قريب

وقد أجهدت نفسي في اجتهاد

وما أن كلّ مجتهد مصيب

وقد تجري الأمور على قياس

ولو تجري لعاش بها اللّبيب

كأنّ العقل للدّنيا عدوّ

فما يقضي بها أربا أريب

إذا لم يرزق الإنسان بختا

فما حسناته إلّا ذنوب

ومن نسيبه قوله في بادرة من حمّام : [الكامل]

برزت من الحمّام تمسح وجهها

عن مثل ماء الورد بالعنّاب

والماء يقطر من ذوائب شعرها

كالطّل يسقط من جناح غراب

فكأنها الشمس المنيرة في الضّحى

طلعت علينا من خلال سحاب

ومن مقطوعاته أيضا قوله : [الكامل]

ومتيّم لو كان صوّر نفسه

ما زادها شيئا سوى الإشفاق

ما كان يرضى بالصّدود وإنّما

كثرت عليه مسائل العشّاق

وقال : [مخلع البسيط]

وافى وقد زانه جمال

فيه لعشّاقه اعتذار

٢٨٤

ثلاثة ما لها مثال :

الوجه والخدّ والعذار

فمن رآه رأى رياضا :

الورد والآس والبهار

ومن ذلك قوله في ذمّ إخوة السوء : [الكامل]

ليس الأخوّة (١) باللّسان أخوّة

فإذا تراد أخوّتي لا تنفع

لا أنت في الدّنيا تفرّج كربه

عنّي ولا يوم القيامة تشفع

وقال كذلك : [الكامل]

ولقد عرفت الدّهر حين خبرته

وبلوت بالحاجات أهل زمان

فإذا الأخوّة باللسان كثيرة

وإذا الدّراهم ميلق الإخوان

ومن ذلك قوله في ثقيل : [المتقارب]

تزلزلت الأرض زلزالها

فقلت لسكانها : ما لها؟

فقالوا : أتانا أبو عامر

فأخرجت الأرض أثقالها

ومن ذلك قوله في الصّبر : [السريع]

الدهر لا يبقي على حالة

لكنه يقبل أو يدبر

فإن تلقّاك بمكروهه

فاصبر فإنّ الدّهر لا يصبر

ومن ذلك قوله في الموت : [السريع]

الموت سرّ الله في خلقه

وحكمة دلّت على قهره

ما أصعب الموت وما بعده

لو فكّر الإنسان في أمره

أيام طاعات الفتى وحدها

هي التي تحسب من عمره

لا تلهك الدنيا ولذّاتها

عن نهي مولاك ولا أمره

وانظر إلى من ملك الأرض هل

صحّ له منها سوى قبره؟

نثره : قال في كتاب «روضة الأنس» ما نصّه :

«ويتعلّق بهذا الباب ما خاطبني به الفقيه الكاتب الجليل أبو بكر البرذعي ، من أهل بلدنا ، أعزّه الله : أخبرك بعجاب ، إذ لا سرّ دونك ولا حجاب ، بعد أن أتقدّم إليك أن لا تعجل باللوم إليّ ، قبل علم ما لديّ ، فإنّ الدهر أخدع من كفّة الحابل ،

__________________

(١) في الأصل : «لإخوة» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

٢٨٥

وقلب الإنسان للآفات قابل. مشيت يوما إلى سوق الرّقيق ، لأخذ حقّ فؤاد عتيق ، فرأيت بها جارية عسجدية اللون ، حديثة عهد بالصّون ، متمايلة القدّ ، قائمة النّهد ، بلحظ قد أوتي من السّحر أوفر حظّ ، وفم كشرطة رشحت بدم ، داخله سمطان لولا هما ما عرف النّظم ، ولا حكم على الدّر للعظم ، في صدغها لامان ما خطّ شكلهما قلم ، ولا قصّ مثلهما حلم. لها جيد تتمنّاه الغيد ، وخصر هو قبضة الكفّ في الحصر ، وردف يظلمه من يشبه به بالحقف ، ويدان خلقا للوشي ، وقدمان أهلّتا للّثم لا للمشي ، فتطاولت إليه الأعناق ، وبذلت فيها الأعلاق ، والمياسير عليها مغرم في القوم ، وتسوّم أهل السّوم ، وكل فيها يزيد ، ليبلغ ما يريد ، إلى أن جاء فتى صادق في حبّه ، لا يبالي بفساد ماله في صلاح قلبه ، فعدّ المال عدّا ، ولم يجد غيره من التسليم بدّا. فلمّا فاتتني ، تركت الأشواق وأتتني ، وانتقضت عزائم صبري فما أتتني ، فالله الله ، تدارك أخاك سريعا ، قبل أن تلفيه من الوجد صريعا ، واستنزله خادما ، قبل أن تصبح عليه نادما ، ولن أحتاج أن أصفها إليك ، مع ما قصصته عليك ، وقد أهديتها دررا ، فخذها على جهة الفكاهة والدّعابة : [الوافر]

ولا تطلع أخا جهل عليها

فمن لم يدر قدر الشيء عابه

فأجبته : نعم نعم ، أنعم الله بالك ، وسنى آمالك ، أنا بحول الله أرتاد لك من نحو هاتيك ، ما يسليك ويؤاتيك ، وإلّا فبيضا كاللّجين ، هل القلب والعين ، زهرة غصن في روضة حسن ، ذات ذوائب ، كأنها الليل على نهار ، أو بنفسج في بهار. لها وجه أبهى من الغنا ، وأشهى من نيل المنى ، فيه حاجبان كأنهما قوس صنعت من السّبح ، ورصّعت بعاج من البلح ، على عينين ساحرتين ، بالعقل ساخرتين ، بهما تصاب الكبود ، وتشقّ القلوب قبل الجلود ، إلى فم كأنّه ختام مسك ، على نظام سلك ، سقاه الحسن رحيقه ، فأنبتت درره وعقيقه ، وجيد في الحسن وحيد على صدر كأنه من مرمر ، فيه حقّتا عاج طوّقتا بعنبر ، قد خلقتا للعضّ ، في جسم غضّ ، له خصر مدمج ، وردفه يتموّج ، وأطراف كالعنم ، رقمت رقم القلم ، من اللائي شهدن ابن المؤمّل ، وقال في مثلها الأول ، إن هي تاهت فمثلها تاها ، أو هي باهت فمثلها باها ، من أين للغصن مثل قامتها أو أين للبدر مثل مرآها ، ما فعلت في العقول صابية ما فعلت في العقول عيناها ، تملكني بالهوى وأملكها ، فهأنا عبدها ومولاها ، فأيّهما لست بذلت فيه الجهد ، وأرقيت للمجد والودّ إن شاء الله تعالى. وأنا فيما عرض لسيدي ، حفظه الله ، على ما يحبّ ، أعذره ولا أعذله ، وأنصره ولا أخذله ، لكني أقول كما قال بعض الحكماء : لا ينبغي لمن قلبه رقيق ، أن يدخل سوق الرّقيق ، إلّا أن يكون قد جمع بين المال ، والجمال يتنافس في العالي ،

٢٨٦

ويسترخص بالثمن الغالي ، ولا يبالي بما قال الأئمة ، إذا وجد من يلائمه ، كما قال الشاعر : [الخفيف]

ما انتفاع المحبّ بالمال إذ (١) لم

يتوصّل به لوصل الحبيب

إنما ينبغي بحكم الهوى أن

ينفق المال في صلاح القلوب

والسلام على سيدي ، ما كانت الفكاهة من شأن الوفاء ، والمداعبة من شيم الظّرفاء ، ورحمة الله وبركاته.

مولده : ولد في محرم سنة إحدى وستمائة.

وفاته : توفي في عام أربعة وثمانين وستمائة.

نقلت من خط صاحبنا الفقيه المؤرخ أبي الحسن بن الحسن ، قال : أنشدني الشيخ الرّاوية الأديب القاضي الفاضل أبو الحجاج يوسف بن موسى بن سليمان المنتشافري ، قال : أنشدني القاضي الفاضل أبو القاسم ابن الوزير أبي الحجاج ابن الحقالة ، قال : أنشدني الأديب أبو الطيب صالح بن أبي خالد يزيد بن صالح بن شريف الرّندي لنفسه ، ليكتب على قبره : [الطويل]

خليليّ ، بالودّ الذي بيننا اجعلا

إذا متّ قبري عرضة للتّرحّم

عسى مسلم يدنو فيدعو برحمة

فإني محتاج لدعوة مسلم

حرف العين

من ترجمة الملوك والأمراء

عبد الله بن إبراهيم بن علي بن محمد التجيبي

الرئيس أبو محمد بن إشقيلولة

أوليته : قد مرّ شيء من ذلك في اسم الرئيس أبي إسحاق أبيه.

حاله : كان أميرا شهما ، مضطلعا بالقضية ، شهير المواقف ، أبيّ النفس ، عالي العمة. انتزى على خاله أمير المسلمين الغالب بالله (٢) ، وكان أملك لما بيده من مدينة وادي آش وما إليها ، معزّزا بأخيه الرئيس أبي الحسن مظاهره في الأمر ، ومشاركه في

__________________

(١) في الأصل : «إذا» وكذا ينكسر الوزن.

(٢) الغالب بالله : هو أبو عبد الله محمد بن يوسف ، أول سلاطين بني نصر بغرناطة ؛ حكم غرناطة من سنة ٦٣٥ ه‍ إلى سنة ٦٧١ ه‍. اللمحة البدرية (ص ٤٢).

٢٨٧

السلطان. واستمرّت الحال مدة حياة خاله السلطان ، ولمّا صار الأمر إلى مخيفه ولي العهد (١) ، استشرى الداء ، وأعضل الأمر ، وعمّت الفتنة ، وزاحمه السلطان بالمنكّب ؛ انفجم ، واعتوره بالحيلة ، حتى تحيّف أطرافه ، وكان ما هو معلوم من إجازة أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق (٢) البحر إلى الجهاد ، ومال الحال بينه وبين السلطان أمير المسلمين أبي عبد الله بن نصر إلى التّقاطع ، وتصيّرت مالقة إلى الإيالة المغربية ، ثم عادت إلى السلطان.

وفي أخريات هذه الأحوال ، أحكم السلطان مع طاغية الرّوم السّلم ، وصرف وجهه إلى مطالبة الرئيس أبي محمد ، صاحب وادي آش ، فألجأه الحال إلى أن صرف الدعوة بوادي آش إلى السلطان بالمغرب ورفع شعاره ، فأقعد عنه. ووقعت مراسلات أجلت عن انتقال الرئيس أبي محمد إلى المغرب ، معوّضا عن مدينة وادي آش بقصر كتامة (٣) ، وذلك في عام تسعة وثمانين وستمائة.

وفاته : دخلت قصر كتامة يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من ذي قعدة عام خمسة وخمسين وسبعمائة في غرض الرسالة ، وزرت مقبرة الرؤساء بني إشقيلولة بظاهرها ، وفي قبّة ضخمة البناء رحيبة الفناء ، نسيجة وحدها بذلك البلد بين منازل البلى وديار الفناء ، وبها قبر الرئيس أبي محمد هذا ، عن يسار الداخل ، بينه وبين جدار القبلة قبر ، وسنامه رخام مكتوب عليه : [المجتث]

قبر عزيز علينا

لو أنّ من فيه يفدى

أسكنت قرّة عيني

وقطعة القلب لحدا

ما زال حكما عليه

وما القضاء تعدّى

فالصّبر (٤) أحسن ثوب

به العزيز تردّى

وعند رأس السّنام الرخامي ، مهد مائل من الرخام فيه :

«أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، صلّى الله على سيدنا محمد وآله ، وسلّم تسليما. هذا قبر الرئيس الجليل ، الأعلى الهمام ، الأوحد ،

__________________

(١) هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف بن نصر ، ثاني سلاطين غرناطة ، وقد حكم من سنة ٦٧١ ه‍ إلى سنة ٧٠١ ه‍. اللمحة البدرية (ص ٥٠).

(٢) هو المنصور يعقوب بن عبد الحق المريني ، سيد بني مرين بالمغرب ، توفي سنة ٦٨٥ ه‍.

الأعلام (ج ٨ ص ١٩٩) وفيه ثبت بأسماء مصادر ترجمته.

(٣) قصر كتامة : مدينة بالجزيرة الخضراء من أرض الأندلس. معجم البلدان (ج ٤ ص ٣٦٢).

(٤) في الأصل : «فللصبر» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

٢٨٨

الأسعد ، المبارك ، الأسنى ، الأسمى ، الأحفل ، الأكمل ، المجاهد ، المقدس ، المرحوم ، أبي محمد عبد الله ، ابن الرئيس الجليل ، الهمام ، الأوحد ، الأسعد ، المبارك ، الأمضى ، الأسنى ، الأسمى ، المعظم ، المرفّع ، المجاهد ، الأرضى ، المقدس ، المرحوم أبي إسحاق إبراهيم بن إشقيلولة ، رحمه الله وعفا عنه وأسكنه جنّته. ظهر ، عفا الله عنه ، بوادي آش ، أمّنها الله ، قاعدة من قواعد الأندلس ، وتسلطن ، ونشرت علامات سلطنته ، وضربت الطبول. وجاهد منها العدو ، قصمه الله ، وظهر على خاله سلطان الأندلس ، وأقام في سلطنته نحوا من ثلاث وعشرين سنة. ثم قام بدعوة الملك الأعلى ، السلطان المؤيد المنصور ، أمير المسلمين ، المؤيد بالله أبي يعقوب ، أيّده الله بنصره ، وأمدّه بمعونته ويسره ، وأمره ، أيّده الله ، أن يتخلّى عن وادي آش المذكورة ، ويصل للمغرب ، فتنحّى عن الأندلس للمغرب ، آنسه الله ، في جمادى الأولى من عام ستة وثمانين وستمائة ، فأعطاه ، أيّده الله ، قصر عبد الكريم ، أمّنه الله ، وأنعم عليه ، فأقام به مدة من ثمانية أعوام ، وجاز منه إلى الأندلس ، أمّنها الله ، وجاهد بها مرّتين ، ثم رجع إلى قصر عبد الكريم المذكور ، وتوفي ، شرّف الله روحه الطّيبة المجاهدة ، عشيّ يوم السبت العاشر من شهر محرم سنة خمس وتسعين وستمائة».

عبد الله بن بلقّين بن باديس بن حبّوس بن ماكسن

ابن زيري بن مناد الصّنهاجي (١)

أمير غرناطة.

أوليته : قد مرّ من ذلك في اسم جدّه ما فيه كفاية.

حاله : لقبه المظفّر بالله ، الناصر لدين الله. ولي بعد جدّه باديس في شوال سنة خمس وستين وأربعمائة ، وصحبه سماجة الصّنهاجي تسع سنين. قال الغافقي : وكان قد حاز حظّا وافرا من البلاغة والمعرفة ، شاعرا جيّد الشعر ، مطبوعه ، حسن الخطّ. كانت بغرناطة ربعة مصحف بخطّه في نهاية الصّنعة والإتقان. ووصفه ابن الصّيرفي

__________________

(١) ترجمة عبد الله بن بلقين في الأنيس المطرب (ص ٩٩) والمختصر في أخبار البشر (ج ٢ ص ١٩٨) وتتمة المختصر في أخبار البشر (ج ٢ ص ٨) وأعمال الأعلام (القسم الثاني ص ٢٣٣) وتاريخ قضاة الأندلس (ص ١٢٣ ، ١٢٨) والحلل الموشية (ص ٣٤) وكتاب العبر (م ٤ ص ٣٤٦) و (م ٦ ص ٣٧٠) وصبح الأعشى (ج ٥ ص ٢٤٢) ومذكرات الأمير عبد الله (ص ٢٠٥).

وهناك دراسة مستفيضة عنه للدكتورة مريم قاسم طويل في كتابها : مملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر (ص ١٧١ ـ ٢٣٩).

٢٨٩

فقال (١) : كان جبانا معمد (٢) السيف ، قلقا ، لا يثبت على الظّهر ، عزهاة (٣) لا أرب له في النساء (٤) ، هيّابة ، مفرط الجزع ، يخلد إلى الرّاحات ، ويستوزر الأغمار.

خلعه : قال : (٥) وفي عام ثلاثة وثمانين وأربعمائة ، تحرّك أمير المسلمين ، يوسف بن تاشفين ، لخلع رؤساء الأندلس ، فأجاز البحر ، ويمّم قرطبة ، وتواترت الأنباء عن حفيد باديس صاحب غرناطة ، بما يغيظه ويحقده ، حسبما تقدم في اسم مؤمّل مولى باديس. وقدّم إلى غرناطة أربع محلّات ، فنزلت بمقربة منها ، ولم تمتدّ يد إلى شيء يوجد ، فسرّ الناس واستبشروا ، وأمنت البادية ، وتمايل أهل الحاضرة إلى القوي. وأسرع حفيد باديس في المال ، وألحق السّوقة والحاكّة (٦) ، واستكثر من اللّفيف ، وألحّ بالكتب على أذفونش بما يطمعه. وتحقّق يوسف بن تاشفين استشراف الحضرة إلى مقدمه ، فتحرّك. وفي ليلة الأحد لثلاث عشرة خلت من رجب ، اجتمع إلى حفيد باديس صنائعه ، فخوّفوه من عاقبة التربّص ، وحملوه على الخروج إليه ، فركب وركبت أمّه وتركا القصر على حاله ، ولقي أمير المسلمين على فرسخين من المدينة ، فترجّل ، وسأله العفو ، فعفا عنه ، ووقف عليه ، وأمره بالرّكوب ، فركب ، وأقبل حتى نزل ب «المشايخ» من خارج الحضرة. واضطربت المحلّات ، وأمر مؤمّلا بثقافه في القصر ، فتولّى ذلك ، وخرج الجمّ من أهل المدينة ، فبايعوا أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ، فلقيهم ، وأنسهم ، وسكّن جأشهم ، فاطمأنوا. وسهّل مؤمّل إليه دخول الأعيان ، فأمر بكتب الصّكوك ، ورفع أنواع القبالات والخراج ، إلّا زكاة العين ، وصدقة الماشية ، وعشر الزّرع. واستقصي ما كان بالقصر ، فظهر على ما يحول الناظر ، ويروع الخاطر ، من الأعلاق والذّخيرة ، والحلى ، ونفيس الجوهر ، وأحجار الياقوت ، وقصب الزّمرد ، وآنية الذّهب والفضة ، وأطباق البلّور المحكم ، والجرداذنات ، والعراقيّات ، والثّياب الرّفيعة ، والأنماط ، والكلل ، والسّتائر ، وأوطية الدّيباج ، مما كان في ادّخار باديس واكتسابه. وأقبلت دوابّ الظّهر من المنكّب

__________________

(١) قارن بأعمال الأعلام (القسم الثاني ص ٢٣٥).

(٢) في أعمال الأعلام : «مغتمد».

(٣) عزهاة : عازف عن اللهو والنساء. محيط المحيط (عزه).

(٤) في أعمال الأعلام : «زاهدا في النساء».

(٥) قارن بمذكرات الأمير عبد الله (ص ١٥٤ وما بعدها) وتاريخ الأندلس لابن الكردبوس (ص ١٠٤ ـ ١٠٥).

(٦) الحاكّة : أصحاب الشّرّ. وهذا الجمع لم نلحظه في كتب اللغة ؛ فقد جاء فيها أن «الحكك» جمع «حاكّ» ، وهو صاحب الشرّ.

٢٩٠

بأحمال السّبيك والمسبوك ، واختلفت أمّ عبد الله لاستخراج ما أودع بطن الأرض ، حتى لم يبق إلّا الخرثى والثّقل والسّقط. وزّع ذلك الأمير على قوّاده ، ولم يستأثر منه بشيء. قال (١) : ورغب إليه مؤمّل في دخول القصر ، فركب إليه ، وكثر استحسانه إياه ، وأمر بحفظه. وتفقّد أوضاعه وأفنيته. ونقل عبد الله إلى مرّاكش ، وسنّه يوم خلع ، خمس وثلاثون سنة وسبعة أشهر ، فاستقرّ بها هو وأخوه تميم ، وحلّ اعتقالهما ، ورفّه عنهما ، وأجري المرتّب والمساهمة عليهما. وأحسن عبد الله أداء الطاعة ، مع لين الكلمة ، فقضيت مآربه ، وأسعفت رغباته ، وخفّ على الدولة ، واستراح واستريح منه ، ورزق الولد في الخمول ، فعاش له ابنان وبنت ، جمع لهم المال. فلمّا توفي ترك مالا جمّا.

مولده : ولد عبد الله سنة سبع وأربعين وأربعمائة.

عبد الله بن علي بن محمد التّجيبي ، الرئيس أبو محمد

ابن إشقيلولة

حاله : كان رئيسا شجاعا ، بهمة ، حازما ، أيّدا ، جلدا. تولّى مدينة مالقة عقب وفاة الرئيس واليها أبي الوليد بن أبي الحجاج بن نصر ، صنو أمير المسلمين ، الغالب بالله ، في أوائل عام خمسة وخمسين وستمائة. وكان صهر السلطان على إحدى بناته ، وله منه محلّ كبير ، ومكان قريب ، وله من ملكه حظّ رغيب. واستمرّت حاله إلى عام أربعة وستين وستمائة ، وفسد ما بينه وبين وليّ العهد ، الأمير أبي عبد الله محمد ابن أمير المسلمين أبي عبد الله الغالب بالله ، إذ وغر له صدره ، ولا بني أخيه الرئيسين ، أبي محمد وأبي الحسن ، ابني الرئيس أبي إسحاق بن إشقيلولة المتأمّرين بوادي آش ، فضايقهم وأخافهم بما أدّاهم إلى الامتناع والدّعاء لأنفسهم والاستمساك بما بأيديهم. وعمّت المسلمين الفتنة المنسوبة إليهم ، فانتزى هذا الرئيس بمدينة مالقة ، وكان أملك لما بيده ، واستعان بالنّصري ، وشمّر عن ساعد الجدّ ، فأباد الكثير من أعيان البلدة في باب توسّم التهم وتطرّق السعايات ، واستولى على أموالهم. واستمرت الحال بين حرب أجلت فيها غلبة الأمير مخيفه ، ولي العهد ، بجيش النّصري ، ونازل مالقة أربعين يوما ، وشعّث الكثير بظاهرها ، وتسمّى بعلم الأمير عند أهل مالقة ، وما بين سلم ومهادنة. وفي عام

__________________

(١) راجع المختصر في أخبار البشر (ج ٢ ص ١٩٨) والأنيس المطرب (ص ١٠٠) وتتمة المختصر في أخبار البشر (ج ٢ ص ٨) والاستقصاء (ج ٢ ص ٥٣).

٢٩١

ستين وستمائة ، نازله السلطان الغالب بالله صهره ، وأعيا عليه أمر مالقة ، لاضطلاع هذا الرئيس بأمره ، وضبط من لنظره ، واستمساكه بعروة حزمه.

وفي بعض الأيام ركب السلطان في ثلاثة من مماليكه ، متخفّيا ، كاتما غرضه ، وقعد بباب المدينة ، فلمّا بصر به الرجال القائمون به ، هالهم الأمر ، وأدهشتهم الهيبة ، فأفرجوا له ، موقّرين لجلاله ، آنسين لقلّة أتباعه ، فدخل ، وقصد القصبة ، وقد نذر به الرئيس أبو محمد ، فبادر إليه راجلا ، متبذّلا ، مهرولا ، حافيا. ولمّا دنا منه ترامى على رجليه يقبّلهما ، إظهارا لحقّ أبوّته ، وتعظيما لقدره ، ودخل معه إلى بنته وحفدته ، فترامى الجميع على أطرافه يلثمونها ، ويتعلّقون بأذياله وأدرانه ، وهو يبكي إظهارا للشّفقة والمودّة وتكلّم الجميل. وأقام معهم بياض يومه ، ثم انصرف إلى محلّته ، وأتبعه الرئيس ، فأمره بالاستمساك بقصبته وملازمة محلّ إمرته ، وما لبث أن شرع في الارتحال عن ألطاف ومهادات ، وتقدير جرايات ، وإحكام هديّة ، وتقرير إمارة ، إلى أن توفي السلطان ، رحمه الله ، فعادت الفتنة جزعة ، ووالى ولده أمير المسلمين بعده الضرب على مالقة ، إلى أن هلك الرئيس أبو محمد ، واستقرّ بالأمور ولده المذكور في المحمّدين ، وكان من الأمر ما ينظره في مكانه من أراد استيفاءه ، بحول الله.

عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد العزفي

يكنى أبا طالب ، الرئيس الفقيه ، الكبير الشّهير ، صاحب الأمر والرّئاسة والإمارة بسبتة ، نيابة عن أخيه الرئيس الصّالح أبي حاتم ، بحكم الاستقلال في ذلك ، والاستبداد التّام ، من غير مطالعة لأخيه ولا رجوع إليه في شيء من الأمور ، ولا تشوّف من أخيه إلى ذلك ، لخروجه البتّة عنه ، وإيثاره العزلة ، واشتغاله بنفسه.

حاله : قد تقدم من ذكر أوّليته ما فيه كفاية. وكان من أهل الجلالة والصّيانة ، وطهارة النّشأة ، حافظا للحديث ، ملازما لتلاوة كتاب الله ، عارفا بالتاريخ ، عظيم الهيبة ، كبير القدر والصّيت ، عالي الهمّة ، شديد البأو ، معظّما عند الملوك ، جميل الشّارة ، ممتثل الإشارة لديهم ، عجيب السّكينة والوقار ، بعيد المرمى ، شديد الانقباض ، مطاع السّلطان بموضعه ، مرهوب الجانب ، من غير إيقاع بأحد ، ولا هتك حرمة ، محافظا على إقامة الرّسوم الحسبيّة والدّينية.

مشيخته : قرأ على الأستاذ أبي الحسين بن أبي الربيع وغيره.

نكبته : تغلّب على بلده أيام إمارته ، وثار أهله إليه في السّلاح والعدّة ؛ ليحيطوا بمن في القصبة ، فخرج إليهم ، وشكر مساعيهم ، وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كن

٢٩٢

عبد الله المقتول ، ولا تكن عبد الله القاتل ، فانصرفوا ، ودخل منزله ملقيا بيده ، ومسلّما لقضاء الله سبحانه في كسره ، إلى أن قبض عليه وعلى سائر بنيه وقومه ، عند ارتفاع النهار وانتشار المتغلّبين على القصبة ، فنقفوا متحرّجين من دماء المسلمين ، وصرفوا إلى الأندلس ، في ضحو يوم الخميس الثاني عشر من ذي قعدة عام خمسة وسبعمائة ، بعد انقضاء خمسة عشر يوما من تملّك بلدهم ، فاستقرّ بغرناطة تحت ستر واحترام وجراية فيها كفاف. ثم لما خرجت سبتة عن طاعة أمير المسلمين ، انصرف القوم إلى فاس ، فتوفي بها.

وفاته : في شعبان المكرم من عام ثلاثة عشر وسبعمائة.

عبد الله بن الجبير بن عثمان بن عيسى بن الجبير اليحصبي (١)

من أهل لوشة ، وهو محسوب من الغرناطيين. قال الأستاذ (٢) : من أعيانها ذوي الشرف والجلالة. قلت : ينسب إليه بها معاهد تدلّ على قدم وأصالة.

حاله : قال أبو القاسم الملّاحي (٣) : كان أديبا بارع الأدب ، كاتبا ، بليغا ، شاعرا مطبوعا ، لسنا مفوّها ، عارفا بالنحو والأدب واللغات ، وقد مال في عنفوان شبيبته إلى الجندية لشهامته وعزّة نفسه ، فكان في عسكر المأمون بن عبّاد (٤) ، واشتمل عليه المأمون ، وكان من أظرف الناس ، وأملحهم شبيبة (٥) ، وأحسنهم شارة ، وأتمّهم معرفة.

مشيخته : أخذ (٦) عن أشياخ بلده غرناطة ، وأخذ بمالقة عن غانم الأديب ، وبقرطبة عن ابن سراج.

شعره : وله في إنشاده لدى المأمون مجال رحب ، فمن ذلك قوله (٧) : [البسيط]

يا هاجرين ، أضلّ الله سعيكم

كم تهجرون محبّيكم بلا سبب

__________________

(١) يكنى عبد الله بن الجبير أبا محمد ، وكانت وفاته في سنة ٥١٨ ه‍ ، وترجمته في بغية الملتمس (ص ٣٤٨) وفيه أنه عبد الله بن عثمان بن الجبير ، والتكملة (ج ٢ ص ٢٥٢) وبغية الوعاة (ص ٢٧٩) والذيل والتكملة (ج ٤ ص ١٨٩).

(٢) الأستاذ هو ابن الزبير ، وقوله هنا ورد في بغية الوعاة (ص ٢٧٩).

(٣) قارن ببغية الوعاة (ص ٢٧٩).

(٤) هو المأمون بن المعتمد بن عباد ، صاحب إشبيلية في عصر ملوك الطوائف.

(٥) في الأصل : «شيبة» والتصويب من بغية الوعاة.

(٦) قارن بالذيل والتكملة (ج ٤ ص ١٨٩).

(٧) الأبيات في بغية الوعاة (ص ٢٧٩).

٢٩٣

ويا مسرّين للإخوان غائلة

ومظهرين وجوه البرّ والرّحب

ما كان ضرّكم الإخلاص لو طبعت

تلك النفوس على علياء أو أدب

أشبهتم الدّهر لمّا كان والدكم

فأنتم شرّ أبناء لشرّ (١) أب

عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد

ابن علي السّلماني (٢)

والد المؤلف ، رضي الله عنه ، يكنى أبا محمد ، غرناطي الولادة والاستيطان ، لوشي الأصل ، ثم طليطليّه ، ثم قرطبيّه.

أوليته : كان سلفه يعرفون بقرطبة ببني وزير ، وهم بها أهل نباهة ، وبيتهم بيت فقه وخيريّة وماليّة ، ونجارهم نجار فرسان يمانيّة. ولمّا حدث على الحكم بن هشام الوقيعة الرّبضيّة ، وكان له الفلج ، وبأهل الرّبض الدّبرة ، كان أعلام هذا البيت من الجالية أمام الحكم ، حسبما امتحن به الكثير من أعلام المشيخة بها ، كالفقيه طالوت ، ويحيى بن يحيى ، وغيرهما (٣) ، ولحقوا بطليطلة ، فاستقرّوا بها ، ونبا بهم وطنهم ، ثم حوّموا على سكنى الموسّطة ، وآب إلى قرطبة قبلهم بعد عهد متقادم ، ومنهم خلف وعبد الرحمن ، وقد مرّ له ذكر في هذا الكتاب. وولّي القضاء بالكورة. ومنهم قوم من قرابتهم تملّكوا منتفريد (٤) ، الحصن المعروف الآن بالمنعة والخصب ، وتمدّن فيهم ، وبنيت به القلعة السّامية ، ونسب إليه ذلك المجد ، فهم يعرفون ببلدنا ببني المنتفريدين. واستقرّ منهم جدّنا الأعلى بلوشة خطيبا وقاضيا بالصّقع ومشاورا (٥) ، وهو المضاف إلى اسمه التّسويد بلوشة عرفا كأنه اسم مركّب ، فلا يقول أحد منهم في القديم إلّا سيّدي سعيد. كذا تعرّفنا من المشيخة ، وإليه النّسبة اليوم ، وبه يعرف خلفه ببني الخطيب ، وكان صالحا فاضلا ، من أهل العلم والعمل. حدّثني الشيخ المسنّ أبو الحكم المنتفريدي ، وقد وقفني على جدار برج ببعض أملاكنا بها ، على الطّريق الآتية من غرناطة إلى لوشة ، ثم إلى غيرها ، كإشبيلية وسواها ، فقال : كان جدّك يسكن بهذا البرج كذا من فصول العام ، ويتلو القرآن ليلا ، فلا يتمالك المارّون على الطّريق ، أن يقربوا إصغاء لحسن تلاوته

__________________

(١) في البغية : «كشرّ».

(٢) ترجمة عبد الله بن سعيد السلماني في نفح الطيب (ج ٧ ص ١٣).

(٣) في الأصل : «وغيرهم».

(٤) اسمه بالإسبانية : montefrio ، ويعني الجبل البارد.

(٥) المشاور : هو من كان يتقلّد خطة الشورى ، التابعة للقضاء.

٢٩٤

وخشوعا. وكان ولده عبد الله بعده ، على وتيرة حسنة من الخير والنّباهة وطيب الطّعمة ، ثم جدّه الأقرب سعيد على سننه ، مرب عليه بمزيد المعرفة ، وحسن الخطّ. ولما وقع بلوشة بلده ، ما هو معروف من ثورة أصهارهم من بني الطّنجالي ، وكان بينهم ما يكون بين الفحول في الهجمات من التّشاجر ، فرّ عنهم خيفة على نفسه ، وعلى ذلك فناله اعتقال طويل ، عدا به عليه عن تلك الثورة. ثم بان عذره ، وبرّئت ساحته ، واستظهر به السلطان ، وأقام بغرناطة ، مكرّما ، مؤثرا ، مؤتمنا ، وصاهر في أشراف بيوتاتها ، فكانت عنده بنت الوزير أبي العلى أضحى بن أضحى الهمداني ، وتوفيت تحته ، فأنجز له بسببها الحظّ في الحمّام الأعظم المنسوب إلى جدّها اليوم. ثم تزوج بنت القائد أبي جعفر أحمد بن محمد الجعدالة السّلمي ، أم الأب المترجم به ، ولها إلى السلطان ثاني ملوك بني نصر وعظيمهم (١) متات ببنوّة الخؤولة من جهة القوّاد الأصلاء القرطبيين بني دحون ، فوضح القصد ، وتأكدت الحظوة. وقد وقعت الإشارة إلى ذلك كله في محلّه. ثم رسخت لولده أبي ، القدم في الخدمة والعناية ، حسبما يتقرّر في موضعه.

حاله : كان ، رحمه الله ، فذّا في حسن الشكل والأبّهة ، وطلاقة اللسان ، ونصاعة الظّرف ، وحضور الجواب ، وطيب المجالسة ، وثقوب الفهم ، مشارا إليه في الحلاوة وعذوبة الفكاهة ، واسترسال الانبساط ، مغييا في ميدان الدّعابة ، جزلا ، مهيبا ، صارما ، متجنّدا ، رائق الخصل ركضا وثقافة ، وعدوا وسباحة وشطرنجا ، حافظا للمثل واللّغة ، أخباريا ، مضطلعا بالتاريخ ، ناظما نائرا ، جميل البزّة ، فاره المركب ، مليح الشّيبة. نشأ بغرناطة تحت ترف ونعمة ، من جهة أمّه وأبيه ، وقرأ على أبي إسحاق بن زرقال ، وأبي الحسن البلّوطي ، ثم على أستاذ الجماعة أبي جعفر بن الزّبير ، ظاهرة عليه مخيّلة النّجابة والإدراك. ثم أقصر لعدم الحامل على الدّؤوب ، وانتقل إلى بلد سلفه ، متحيّفا الكثير من الأصول في باب البذل وقرى الضّيوف ، ومداومة الصّيد ، وإيثار الراحة ، معتمدا بالتّجلّة ، مقصود الحلّة ، مخطوب المداخلة ، من أبناء أشراف الدولة ، منتجعا لأولي الكدية. ولما قام بالأمر السلطان ، أمير المسلمين أبو الوليد ، وأمّه بنت السلطان ثاني الملوك من بني نصر ، جزم ما تقدّم من المتات والوسيلة ، استنهضه للإعانة على أمره ، وجعل طريقه على بلده ، فحطب في حبله ، وتمسّك بدعوته ، واعتمده بنزله وضيافته ، وكان أعظم الأسباب في حصول الأمر بيده ، ودخوله

__________________

(١) الصواب ثاني سلاطين بني نصر ، وهو أبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف بن نصر ، الذي حكم غرناظة من سنة ٦٧١ ه‍ إلى سنة ٧٠١ ه‍. اللمحة البدرية (ص ٥٠).

٢٩٥

في حكمه ، وانتقل إلى حضرة الملك بانتقاله ، فنال ما شاء من اصطناعه وحظوته ، وجرى له هذا الرّسم في أيام من خلفه من ولده إلى يوم الوقيعة الكبرى بطريف تاريخ فقده.

وجرى ذكره في كتاب «الإكليل» بما نصه (١) : إن طال الكلام ، وجمحت الأقلام ، كنت كما قيل : مادح نفسه يقرئك السلام ، وإن أحجمت ، فما أسديت في الثّناء ولا ألحمت ، وأضعت الحقوق ، وخفت ومعاذ الله العقوق. هذا ، ولو أنّي زجرت طير البيان من أوكاره ، وجئته (٢) بعيون الإحسان وأبكاره ، لما قضيت حقّه بعد ، ولا قلت إلّا التي علمت سعد (٣). فقد كان ، رحمه الله ، ذمر (٤) عزم ، ورجل رخاء وأزم ، تروق أنوار خلاله الباهرة ، وتضيء مجالس الملوك من صورتيه الباطنة والظاهرة ، ذكاء يتوقّد ، وطلاقة يحسد نورها الفرقد. فقدته (٥) بكائنة طريف (٦) ، جبر الله عثارها ، وعجّل ثارها.

حدّث خطيب المسجد الأعظم ، وهو ما هو ، من وفور العقل ، وصحة النّقل ، قال : مررت بأبيك بعد ما تمت الكسرة ، وخذلت تلك الأسرة ، وقد كبا بأخيك الطّرف ، وعرض عليه الحمام للصّرف ، والشيخ رحمه الله لم تزلّ قدمه ، ولا راعه الموقف وعظمه. ولما آيس من الخلاص وطلّابه ، صرفني وقال : أنا أولى به ، فقضى سعيدا شهيدا ، لم يستنفره الهول ، ولم يثنه ولا رضي عار الفرار عن ابنه.

شعره : قال في «الإكليل» (٧) : وكان (٨) له في الأدب فريضة ، وفي النّادرة العذبة منادح عريضة. تكلّمت يوما بين يديه ، في مسائل من الطب ، وأنشدته أبياتا من شعري (٩) ، وقرأت عليه رقاعا من إنشائي ، فسرّ وتهلّل ، وعبّر عما أمل ، وما برح أن

__________________

(١) النص في نفح الطيب (ج ٧ ص ١٤).

(٢) في النفح : «وجئت بعون ...».

(٣) أخذه من قول الحطيئة [الطويل] :

وتعذلني أفناء سعد عليهم

ولا قلت إلّا بالتي علمت سعد

ديوان الحطيئة (ص ٣٢٩).

(٤) الذّمر ، بفتح الذال وكسر الميم : الشجاع والداهية. لسان العرب (ذمر).

(٥) من هنا حتى قوله : «عار الفرار عن ابنه» ساقط في النفح.

(٦) كائنة طريف أو موقعة طريف : هي الموقعة الشهيرة التي كانت بين الإسبان وبني مرين ، وكان مع بني مرين قوات الأندلس بقيادة السلطان أبي الحجاج يوسف بن إسماعيل النصري ، سنة ٧٤١ ه‍ ، وكانت الهزيمة فيها للمسلمين. اللمحة البدرية (ص ١٠٥ ـ ١٠٦).

(٧) النص نثرا وشعرا في نفح الطيب (ج ٧ ص ١٤ ـ ١٥).

(٨) في النفح : «وكانت».

(٩) في النفح : «شعري ورقاعا من إنشائي فتهلّل وما برح أن ارتجل».

٢٩٦

ارتجل قوله رحمة الله عليه : [مخلع البسيط]

الطبّ والشّعر والكتابه

سماتنا في بني النّجابه

هنّ ثلاث مبلّغات

مراتبا بعضها الحجابه

ووقّع لي يوما بخطّه على ظهر أبيات ، بعثتها إليه ، أعرض عليه نمطها : [الكامل]

وردت كما ورد النسيم بسحره (١)

عن روضة جاد الغمام رباها

فكأنما (٢) هاروت أودع سحره

فيها وآثرها به وحباها

مصقولة الألفاظ يبهر حسنها

فبمثلها (٣) افتخر البليغ وباهى

فقررت عينا عند رؤية حسنها

إني أبوك وكنت أنت أباها

ومن شعره (٤) قوله : [الوافر]

وقالوا قد نأوا (٥) : فاصبر ستشفى

فترياق الهوى بعد الدّيار

فقلت : هبوا بأنّ الحقّ هذا

فقلبي يمّموا فيم اصطباري (٦)؟

ومن قوله مما يجري مجرى الحكم والأمثال (٧) : [السريع]

عليك بالصمت فكم ناطق

كلامه أدّى إلى كلمه (٨)

إنّ لسان المرء أهدى إلى

غرّته والله من خصمه

يرى صغير الجرم مستضعفا

وجرمه أكبر من جرمه

وقال وهو من المستحسن في التّجنيس (٩) : [الخفيف]

أنا بالدّهر ، يا بنيّ ، خبير

فإذا شئت علمه فتعالى

كم مليك قد ارتغى (١٠) منه روضا

لم يدافع عنه الردى (١١) ما ارتغى لا

كلّ شيء تراه يفنى ويبقى

ربّنا الله ذو الجلال تعالى

أنشدني هاتين المقطوعتين.

__________________

(١) في النفح : «... كما صدر النسيم بسحرة».

(٢) في النفح : «وكأنما».

(٣) في الأصل : «بمثلها» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(٤) في النفح : «ومن نظمه قوله».

(٥) في النفح : «قد دنا».

(٦) في النفح : «بقلبي يمموا فبم اصطباري».

(٧) اكتفى في النفح بقوله : «وقال».

(٨) الكلم ، بفتح الكاف وسكون اللام : الجرح. القاموس المحيط (كلم).

(٩) اكتفى المقري بالقول : «وقال».

(١٠) في النفح : «ارتعى» بالعين غير المعجمة.

(١١) في الأصل : «الرحمن» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

٢٩٧

مولده : ولد بحضرة غرناطة في جمادى الأولى من عام اثنين وسبعين وستمائة.

وفاته : بعد (١) يوم الوقيعة الكبرى على المسلمين بظاهر طريف يوم الاثنين السابع لجمادى الأولى عام واحد وأربعين وسبعمائة.

من رثاه : قلت في رثائه من قصيدة أولها (٢) : [الطويل]

سهام المنايا لا تطيش ولا تخطي

وللدهر كفّ تستردّ الذي تعطي

وإنّا وإن كنّا على ثبج الدّنا

فلا بدّ يوما أن نحلّ على الشّطّ

وسيّان ذلّ الفقر أو عزّة الغنى

ومن أسرع السّير الحثيث ومن يبطي (٣)

تساوى على ورد الرّدى كلّ وارد

فلم يغن ربّ السّيف عن ربّة القرط

وقال شيخنا أبو زكريا بن هذيل من قصيدة يرثيه بها (٤) : [الطويل]

إذا أنا لم أرث الصديق فما عذري

إذا قلت أبياتا حسانا من الشعر؟

ولو كان شعري لم يكن غير ندبة

وأجريت دمعي لليراع (٥) عن الحبر

لما كنت أقضي حقّ صحبته التي

توخّيتها عونا على نوب الدّهر

رماني عبد الله يوم وداعه

بداهية دهياء (٦) قاصمة الظّهر

قطعت رجائي حين صحّ حديثه

فإن لم يوف دمعي فقد خانني صبري

وهل مؤنس كابن الخطيب لوحشتي

أبثّ له همّي وأودعه سرّي؟

عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن جزيّ (٧)

من أهل غرناطة ، يكنى أبا محمد ، وقد مرّ ذكر أبيه شيخنا وأخويه ، وتقرّرت نباهة بيتهم.

__________________

(١) في النفح : «وفقد يوم ...».

(٢) الأبيات في نفح الطيب (ج ٧ ص ١٥ ـ ١٦).

(٣) في الأصل : «يبط» بالكسر ، والتصويب من النفح. وترتيب هذا البيت في النفح بعد البيت التالي.

(٤) الأبيات في نفح الطيب (ج ٧ ص ١٦).

(٥) اليراع : القصب ، والمراد القلم. محيط المحيط (يرع).

(٦) الدهياء : الشديدة القاسية. لسان العرب (دها).

(٧) ترجمة ابن جزي في الكتيبة الكامنة (ص ٩٦) ونيل الابتهاج (ص ١٢٩) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٨٤).

٢٩٨

حاله : هذا (١) الفاضل قريع بيت نبيه ، وسلف شهير ، وأبوّة خيّرة (٢) ، وأخوّة بليغة ، وخؤولة تميّزت من السلطات بحظوة. أديب حافظ ، قام على فنّ العربيّة ، مشارك في فنون لسانيّة سواه ، طرف (٣) في الإدراك ، جيد النظم ، مطواع القريحة ، باطنه نبل ، وظاهره غفلة. قعد للإقراء ببلده غرناطة ، معيدا ومستقلّا ، ثم تقدّم للقضاء بجهات نبيهة ، على زمن الحداثة ، وهو لهذا العهد مخطوب رتبة ، وجار إلى غاية ، وعين من أعيان البلدة.

مشيخته : أخذ عن والده الأستاذ الشهير (٤) أبي القاسم حديث الرّحمة بشرطه ، وسمع عليه على صغر السّن ، أبعاضا من كتب عدة في فنون مختلفة ، كبعض صحيح مسلم ، وبعض صحيح البخاري ، وبعض الجامع للتّرمذي ، وبعض السّنن للنّسائي ، وبعض سنن أبي داود ، وبعض موطّأ مالك بن أنس ، وبعض الشّفاء لعياض ، وبعض الشّمائل للتّرمذي ، وبعض الأعلام للنّميري ، وبعض المشرع السّلس في الحديث المسلسل لابن أبي الأحوص ، وبعض كتاب التّيسير لأبي عمرو الدّاني ، وبعض كتاب التّبصرة للمكيّ ، وبعض الكافي لابن شريح ، وبعض الهداية للمهدي ، وبعض التّلخيص للطّبري ، وبعض كتاب الدّلالة في إثبات النبوّة والرسالة لأبي عامر بن ربيع ، وبعض كتاب حلبة الأسانيد وبغية التلاميذ لابن الكمّاد ، وبعض كتاب وسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم من تواليف والده ، وبعض القوانين الفقهية ، وبعض كتاب الدّعوات والأذكار ، وبعض كتاب النّور المبين في قواعد عقائد الدين من تأليفه ، وبعض تقريب الوصول إلى علم الأصول ، وبعض كتاب الصلاة ، وبعض كتاب الأنوار السّنية في الكلمات السّنية ، وبعض كتاب برنامجه. كل ذلك من تأليف والده ، رحمه الله. وأجاز له رواية الكتب المذكورة عنه ، مع رواية جميع مرويّاته وتواليفه وتقييداته ، إجازة عامة. ولقّنه في صغره جملة من الأحاديث النبوية والمسائل الفقهية ، والمقطوعات الشعرية.

ومنهم قاضي الجماعة أبو البركات بن الحاج ، حدّثه بألمرية حديث الرحمة بشرطه ، وسمع عليه بها وبغرناطة عدّة من أبعاض كتب ، وأجازه عامة ، وأنشده من شعره ، وشعر غيره. ومنهم قاضي الجماعة الشريف أبو القاسم ، لازمه مدة القراءة عليه ، واستفاد منه ، وتفقّه عليه بقراءة غيره في كثير من النّصف الثاني من كتاب سيبويه ، وفي كثير من النصف الثاني من كتاب الإيضاح لأبي علي الفارسي ، وفي

__________________

(١) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٨٤).

(٢) في النفح : «خير».

(٣) في النفح : «ظرف».

(٤) في النفح : «الشهير الشهيد».

٢٩٩

كثير من كتاب التّسهيل لابن مالك ، وفي القصيدة الخزرجية في العروض ، وسمع من لفظه الرّبع الواحد أو نحوه من تأليفه شرح مقصورة حازم ، وتفقّه عليه فيه ، وأنشده كثيرا من شعره وشعر غيره. ومنهم الأستاذ أبو عبد الله البيّاني ، لازمه مدة القراءة عليه ، وتفقّه عليه بقراءته في كتاب التّسهيل البديع في اختصار التّفريع إلّا يسيرا منه ، وتفقّه عليه بقراءة غيره في أبعاض من كتب فقهية وغيرها ، ككتاب التهذيب ، وكتاب الجواهر الثمينة ، وكتاب التفريع ، وكتاب الرسالة لابن أبي زيد ، وكتاب الأحكام لابن العربي ، وكتاب شرح العمدة لابن دقيق العيد ، وغير ذلك مما يطول ذكره. ومنهم الأستاذ الأعرف الشهير أبو سعيد بن لب ، تفقّه عليه بقراءته في جميع النصف الثاني من كتاب الإيضاح للفارسي ، وفي كثير من النصف الأول من كتاب سيبويه ، وتفقّه عليه بقراءة غيره في أبعاض من كتب عدة ، في فنون مختلفة ، كالمدوّنة والجواهر ، وكتاب ابن الحاجب ، وكتاب التّلقين ، وكتاب الجمل ، وكتاب التّسهيل والتنقيح ، والشّاطبيّة ، وكتاب العمدة في الحديث وغير ذلك. ومنهم الشيخ المقرئ المحدّث أبو عبد الله محمد بن بيبش ، سمع عليه بقراءة أخيه الكاتب أبي عبد الله محمد ، جميع كتاب الموطّأ ، وكتاب الشّفا إلّا يسيرا منه ، وأجازه روايتهما عنه ، ورواية جميع مرويّاته ، إجازة عامة ، وأنشده جملة من شعره وشعر غيره. وممن أجازه عامة ، رئيس الكتاب أبو الحسن بن الجيّاب ، وقاضي الجماعة أبو عبد الله بن يحيى بن بكر الأشعري ، والخطيب أبو علي القرشي ، والأستاذ أبو محمد بن سلمون ، والحاج الراوية أبو جعفر بن جابر ، والشيخ القاضي أبو جعفر أحمد بن عتيق الشّاطبي الأزدي ، والقاضي الكاتب البارع أبو بكر بن شبرين ، والقاضي الخطيب الأستاذ الراوية أبو بكر بن الشيخ الخطيب الصالح أبي جعفر بن الزيات ، والقاضي الخطيب أبو محمد بن محمد بن الصّايع. وممن كتب له بالإجازة من المشايخ ، شيخ المشايخ أثير الدين أبو حيّان محمد بن يوسف بن حيان ، وقاضي الجماعة بفاس محمد بن محمد بن أحمد المقري ، ورئيس الكتاب أبو محمد الحضرمي ، وجماعة سوى من ذكر من أهل المشرق والمغرب.

شعره : وشعره نبيل الأغراض ، حسن المقاصد. فمن ذلك قوله : [الطويل]

سنى الليلة الغرّاء (١) وافتك بالبشرى

وأبدى بها (٢) وجه القبول لك البشرا

__________________

(١) في الأصل : «الغرّا» ، وكذا ينكسر الوزن.

(٢) في الأصل : «منها» ، وكذا ينكسر الوزن.

٣٠٠