الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٣

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]

الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٣

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]


المحقق: الدكتور يوسف علي طويل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3319-5

الصفحات: ٤٥٦

إليك خطابي والحديث لغائب

كنيت بلفظي عن مغيبك بالعمد

عليك سلامي إنني متشوّق

للقياك لي أو من جوابك بالرّدّ

وفاته : توفي بغرناطة تحت جراية من أمرائها ؛ لاختصاصه بقراءة القرآن على قبورهم ، في التاسع عشر من شعبان عام ستة وثلاثين وسبعمائة.

محمد بن عبد الولي الرّعيني

من أهل غرناطة ، يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بالعوّاد.

حاله : من «عائد الصلة» : الشيخ المكتّب ، الأستاذ الصالح ، سابق الميدان ، وعلم أعلام القرآن ، في إتقان تجويده ، والمعرفة بطرق روايته ، والاضطلاع بفنونه ، لا يشقّ غباره ، ولا يتعاطى طلقه ، ولا تأتي الأيّام بمثله ، تستقصر بين يديه مدارك الأعلام ، وتظهر سقطات الأئمة ، مهتديا إلى مكان الحجج على المسائل ، مصروف عنان الأشغال إليه ، مستندا إلى نغمة رخيمة ، وإتقان غير متكلّف ، وحفظ غزير. وطلب إلى التّصدّر للإقراء ، فأبى لشدّة انقباضه ، فنبّهت (١) بالباب السلطاني على وجوب نصبه للناس ، فكان ذلك في شهر شعبان من عام وفاته ، فانتفع به ، وكان أدأب الناس على سنّة ، وألزمهم لميقات ورد ، يجعل جيرانه حركته إلى ذلك ليلا ، ميقاتا لا يختلف ولا يكذب ، في ترحيل الليل ، شديد الطرب ، مليح الترتيب ، لا تمرّ به ساعة ضياعا إلّا وقد عمرها بشأن ديني أو دنياوي ضروري مما يسوّغه الورع. يلازم المكتب ناصح التعليم ، مسوّيا بين أبناء النّعم ، وحلفاء الحاجة ، شامخ الأنف على أهل الدّنيا ، تغصّ السّكك عند ترنّمه بالقرآن ، مساوقا لتلاوة التجويد ، ومباشرا أيام الأخمسة والأثانين العمل في موئل كان له ، على طريقة القدماء من الإخشيشان عند المهن ونقل آلة الخدمة ، غير مفارق للظّرف والخصوصية. ويقرأ أيام الجمعات كتب الوعظ والرّقائق على أهله ، فيصغي إليه الجيران عادة لا تختلف. وكان له لكل عمل ثوب ، ولكل مهنة زيّ ، ما رأيت أحسن ترتيبا منه. وهو أستاذي وجاري الألصق ، لم أتعلّم الكتاب العزيز إلّا في مكتبه ، رحمة الله عليه.

مشيخته : قرأ على بقيّة المقرئين الأستاذ أبي جعفر بن الزبير ، ولازمه وانتفع به ، وعلى الأستاذ أبي جعفر الجزيري الضرير ، وأخذ عن الخطيب المحدّث أبي عبد الله بن رشيد.

__________________

(١) تاء الضمير هنا تعود إلى ابن الخطيب ، مؤلف هذا الكتاب.

٢١

مولده : في حدود عام ثمانين وستمائة.

وفاته : توفي رحمة الله عليه في ... (١) الموفي ثلاثين لذي قعدة من عام خمسين وسبعمائة.

محمد بن علي بن أحمد الخولاني (٢)

يكنى أبا عبد الله ، أصله من مجلقر ، ويعرف بابن الفخّار وبالبيري ، شيخنا رحمه الله.

حاله : من «عائد الصلة» : أستاذ الجماعة ، وعلم الصناعة ، وسيبويه العصر ، وآخر الطبقة من أهل هذا الفن. كان ، رحمه الله ، فاضلا ، تقيّا ، منقبضا ، عاكفا على العلم ، ملازما للتدريس ، إمام الأئمّة من غير مدافع ، مبرّزا أمام أعلام البصريّين من النّحاة ، منتشر الذكر ، بعيد الصّيت ، عظيم الشهرة ، مستبحر الحفظ ، يتفجّر بالعربية تفجّر البحر ، ويسترسل استرسال القطر ، قد خالطت دمه ولحمه ، لا يشكل عليه منها مشكل ، ولا يعوزه توجيه ، ولا تشذّ عنه حجّة. جدّد بالأندلس ما كان قد درس من لسان العرب ، من لدن وفاة أبي علي الشلوبين ، مقيم السوق على عهده. وكانت له مشاركة في غير صناعة العربية من قراءات وفقه ، وعروض ، وتفسير. وتقدم خطيبا بالجامع الأعظم ، وقعد للتدريس بالمدرسة النّصرية (٣) ، وقلّ في الأندلس من لم يأخذ عنه من الطّلبة. واستعمل في السّفارة إلى العدوة ، مع مثله من الفقهاء ، فكانت له حيث حلّ الشّهرة وعليه الازدحام والغاشية ، وخرّج ، ودرّب ، وأقرأ ، وأجاز ، لا يأخذ على ذلك أجرا وخصوصا فيما دون البداية ، إلّا الجراية المعروفة ، مقتصدا في أحواله ، وقورا ، مفرط الطّول ، نحيفا ، سريع الخطو ، قليل الالتفات والتعريج ، متوسط الزّي ، متبذلا في معالجة ما يتملّكه بخارج البلد ، قليل الدّهاء والتّصنّع ، غريب النّزعة ، جامعا بين الحرص والقناعة.

__________________

(١) بياض في الأصل.

(٢) ترجمة محمد بن علي الخولاني ، المعروف بابن الفخار ، في الكتيبة الكامنة (ص ٧٠) ونفح الطيب (ج ٧ ص ٣٣٠).

(٣) هذه المدرسة أنشأها السلطان أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل النصري ، ومكانها ما يزال معروفا إلى اليوم بغرناطة ، ويقع قبالة الكنيسة العظمى التي أنشئت على موقع المسجد الجامع. اللمحة البدرية (ص ١٠٩).

٢٢

مشيخته : قرأ (١) بسبتة على الشيخ الإمام أبي إسحاق الغافقي ، ولازمه كثيرا ، وأخذ عنه ، وأكثر عليه. وقرأ على الإمام الصالح أبي عبد الله بن حريث ، والمقرئ الشريف الفاضل أبي العبّاس الحسني ، والشيخ الأستاذ النظّار أبي القاسم بن الشّاط ، وأخذ عن الخطيب المحدث أبي عبد الله بن رشيد ، والقاضي أبي عبد الله بن القرطبي وغيرهم. وهو أستاذي ، قرأت عليه القرآن ، وكتابي الجمل والإيضاح ، وحضرت عليه دولا من الكتاب ، ولازمته مدة ، وعاشرته ، وتوجّه صحبتي في الرسالة إلى المغرب.

وفاته : توفي بغرناطة ليلة الاثنين الثاني عشر من رجب عام أربعة وخمسين وسبعمائة ، وكانت جنازته حافلة. وخمدت قرائح الآخذين عنه ، ممن يدلي دلو أدب ، فيأتي بماء أو حمأة ، على كثرتهم ، تقصيرا عن الحق ، وقدحا في نسب الوفاء ، إلّا ما كان من بعض من تأخّر أخذه عنه ، وهو محمد بن عبد الله اللّوشي ، فإنه قال : وعين هذه الأبيات قرارها (٢) : [الطويل]

ويوم نعى النّاعي شهاب المحامد

تغيّرت الدنيا لمصرع (٣) واحد

فلا عذر للعينين إن لم تسامحا (٤)

بدمع يحاكي الوبل يشفي لواجد

مضى من بني الفخّار أفضل ماجد

جميل المساعي للعلا جدّ شاهد (٥)

طواه الرّدى ما كلّ حيّ يهابه

وما ورده عارا يشين لوارد

لقد غيّبت منه المكارم في الثّرى

غداة ثوى (٦) وانسدّ باب الفوائد

فيا حاملي أعواده ، ما علمتم

بسؤدده الجمّ الكريم المحاتد؟

ويا حفرة خطّت له اليوم مضجعا ،

سقتك الغوادي الصادقات (٧) الرّواعد

ألا يا حمام الأيك ساعدن (٨) بالبكا (٩)

على علم (١٠) الدّنيا وزين المشاهد

__________________

(١) راجع نفح الطيب (ج ٧ ص ٣٣٠ ـ ٣٣١).

(٢) ترجمة محمد بن عبد الله اللوشي في الكتيبة الكامنة (ص ٢١١). والقصيدة الدالية في الكتيبة الكامنة (ص ٢١٢ ـ ٢١٣).

(٣) في الكتيبة الكامنة : «لمهلك».

(٤) في الأصل : «تسايحا» والتصويب من الكتيبة.

(٥) في الكتيبة : «شائد».

(٦) في الأصل : «نوى» والتصويب من الكتيبة.

(٧) في الكتيبة : «الغاديات».

(٨) في الأصل : «ساعدني» ، وكذا ينكسر الوزن والتصويب من الكتيبة.

(٩) في الكتيبة : «في البكا».

(١٠) في الكتيبة : «عالم».

٢٣

على أن لو اسطعت الفداء فديته (١)

بأنفس مال (٢) من طريف وتالد

محمد ، ما النّعمى (٣) لموتك غضّة (٤)

تروق (٥) ولا ماء الحياة ببارد

وكيف وباب العلم بعدك مغلق

ومورده (٦) المتروك بين الموارد

أأستاذنا كنت الرّجاء (٧) لآمل

فأصبحت مهجور الفناء (٨) لقاصد

فلا تبعدن شيخ المعارف والحجا (٩)

أليس (١٠) الذي تحت التّراب بباعد؟

لتبك العلوم (١١) بعدك اليوم (١٢) شجوها

ويقفر (١٣) لها ربع العلا والمعاهد

ليبك عليك الجود والدين (١٤) والتّقى

وحسب البكا أن صرت ملحود لاحد

أمولاي ، من للمشكلات يبينها

فيجلي (١٥) عمى كلّ القلوب الشّواهد

ومن ذا يحلّ المقفلات صعابها؟

ومن ذا الذي يهدي السبيل لحائد

فيا راحلا عنّا فزعنا لفقده

لقد أونست منك القبور بوافد

ويا كوكبا غال النهار (١٦) ضياءه

وشيكا ، وهل هذا الزمان بخالد؟

سأبكيك ما لاحت بروق لشائم

وأرعاك ما كان الغمام بعائد (١٧)

عليك سلام الله ما دامت (١٨) الصّبا

تهبّ (١٩) بغصن في الأراكة مائد

قلت (٢٠) : العجب من الشيخ ابن الخطيب ، كيف قال : وخمدت قرائح الآخدين عنه ، وهو من أجلّ من أخذ عنه ، حسبما قرره آنفا ، بل أخصّ من ذلك المعاشرة

__________________

(١) في الأصل : «على أني لو استطعت الفدا فديته» وكذا ينكسر الوزن. وفي الكتيبة : «... الفدا لفديته».

(٢) في الأصل : «آل» والتصويب من الكتيبة.

(٣) في الأصل : «للنعمى» ، وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى. والتصويب من الكتيبة.

(٤) في الكتيبة : «غبطة».

(٥) في الأصل : «توقف» وكذا لا يستقيم المعنى ولا الوزن ، والتصويب من الكتيبة.

(٦) في الكتيبة : «وموردك».

(٧) في الأصل : «الرجا» ، وكذا ينكسر الوزن. والتصويب من الكتيبة.

(٨) في الأصل : «القنا» ، وكذا ينكسر الوزن. والتصويب من الكتيبة.

(٩) في الكتيبة : «والحمى».

(١٠) في الأصل : «ليس» والتصويب من الكتيبة.

(١١) في الكتيبة : «العيون».

(١٢) كلمة «اليوم» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من الكتيبة.

(١٣) في الكتيبة : «ويعف ... والمحامد».

(١٤) في الكتيبة : «والحلم».

(١٥) في الكتيبة : «فتجلو».

(١٦) في الكتيبة : «الزمان».

(١٧) في الأصل : «بعابد» ، والتصويب من الكتيبة.

(١٨) في الكتيبة : «هبّت».

(١٩) كلمة «تهبّ» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من الكتيبة.

(٢٠) الكلام من هنا حتى آخر الترجمة ليس لابن الخطيب ، بل هو للناسخ.

٢٤

والسفارة للعدوة. وهو مع ذلك أقدرهم على هذا الشأن ، وأسخاهم قريحة في هذا الميدان ، وإن أتى غيره بماء أو حمأة ، أتى هو بالبحر الذي لا ساحل له. ولعمري لو قام هو بما يجب من ذلك ، لزال القدح في نسب وفاء الغير ، فعين ما نسبه من التقصير عن الحق في ذلك ، متوجّه عليه ، ولا حقّ له ، ولا يبعد عنده أن يكون وقع بينهما ما أوجب إعراضه مما يقع في الأزمان ، ولا سيما من أهل هذ الشان ، فيكون ذلك سببا في إعراض الغير مشيا في غرضه ، ومساعدة له. والله أعلم بحقيقة ذلك كله.

محمد بن علي بن محمد البلنسي

من أهل غرناطة ، يكنى أبا عبد الله.

حاله : طالب هشّ ، حسن اللّقاء ، عفيف النشأة ، مكبّ على العلم ، حريص على استفادته ، مع زمانة أصابت يمنى يديه ، نفعه الله. قيّد بأختها وانتسخ ، قائم على العربية والبيان ، ذاكر الكثير من المسائل ، حافظ متقن ، على نزعة عربية من التّجاذع في المشي وقلّة الالتفات إلّا بجملته ، وجهوريّة الصوت ، متحلّ بسذاجة ، حسن الإلقاء والتقرير ، متّ للمتغلّب على الدولة بضنّ أفاده جاها واستعمالا في خطّة السوق ، ثمّ اصطناعا في الرسالة إلى ملك المغرب ، جرّ عليه آخرا النّكبة ، وقاد المحنة ، فأرصد له السلطان أبو عبد الله في أخرياتها رجالا بعثهم في رندة ، فأسروه في طريقه ، وقدموا به سليبا قدوم الشّهرة والمثلة ، موقنا بالقتل. ثم عطف عليه حنينا إلى حسن تلاوته في محبسه ليلا ، فانتاشه لذلك من هفوة بعيدة ونكبة مبيرة. ولما عاد لملكه ، أعاده للإقراء.

مشيخته : جلّ انتفاعه بشيخ الجماعة أبي عبد الله بن الفخّار ، لازمه وانتفع به ، وأعاد دول تدريسه ، وقرأ على غيره. وألّف كتابا في تفسير القرآن ، متعدّد الأسفار ، واستدرك على السّهيلي في أعلام القرآن كتابا نبيلا ، رفعه على يدي للسّلطان. وهو من فضلاء جنسه ، أعانه الله وسدّده.

محمد بن سعد بن محمد بن لب بن حسن بن حسن

ابن عبد الرحمن بن بقيّ (١)

يكنى أبا عبد الله ، ويعرف باسم جدّه.

__________________

(١) ترجمة ابن بقي في الكتيبة الكامنة (ص ٩٤) ونيل الابتهاج (ص ٢٧٩) طبعة فاس.

٢٥

أوليته : كان القاضي العدل أبو عبد الله بن هشام ، قاضي الجماعة بالأندلس ، يجلّ سلفه ، وبنسبه إلى بقيّ بن مخلد ، قاضي الخلافة بقرطبة ، وابن هشام ممّن يحتجّ به.

حاله : هذا الرّجل فاضل ، حسن الخلق ، جميل العشرة ، كريم الصحبة ، مبذول المشاركة ، معروف الذكاء والعفّة ، مبسوط الكنف مع الانقباض ، فكه مع الحشمة ، تسع الطوائف أكناف خلقه ، ويعمّ المتضادّين رحب ذرعه ، طالب محصل ، حصيف العقل ، حسن المشاركة في فنون ؛ من فقه ، وقراءات ، ونحو ، وغير ذلك. تكلّم للناس بجامع الرّبض ثمّ بمسجد البكري المجاور للزاوية والتربة اللتين أقمتهما بأخشارش من داخل الحضرة ، وحلّق به لتعليم العلم ، فانثال عليه المتعلم والمستفيد والسامع ، لإجادة بيانه ، وحسن تفهيمه.

مشيخته : قرأ القرآن بجرف نافع ، على أبيه ، وعلى الشيخ الخطيب المكتّب أبي عبد الله بن طرفة ، والخطيب أبي عبد الله بن عامور. وقرأ العربية على إمام الجماعة الأستاذ أبي عبد الله بن الفخّار ، وجوّد عليه القرآن بالقراءات السبع ، وقرأ على الأستاذ أبي سعيد بن لب.

شعره : أنشدني من ذلك قوله بعد الانصراف من مواراة جنازة (١) : [الرمل]

كم أرى مدمن لهو ودعه

لست أخلي ساعة من تبعه

كان لي عذر لدى عهد الصّبا

وأنا آمل في العمر سعه

أو ما يوقظنا من كلّنا

آنفا (٢) لقبره قد شيّعه

سيّما إذ قد (٣) بدا في مفرقي

ما إخال الموت قد جاء معه

فدعوني ساعة أبكي على

عمر أمسيت ممّن ضيّعه

ومن شعره في النوم ، وهو كثيرا ما يطرقه : [الوافر]

أباد البين أجناد التّلاقي

وحالت بيننا خيل الفراق

فجودوا وارحموا وارثوا ورقّوا

على من جفنه سكب المآقي

__________________

(١) الأبيات في الكتيبة الكامنة (ص ٩٥) ونيل الابتهاج (ص ٢٧٩) ، طبعة فاس.

(٢) في الأصل : «أنفا» والتصويب من الكتيبة.

(٣) في الأصل : «وقد بدا» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة الكامنة.

٢٦

ومن ذلك ما أنشد في النّوم على لسان رجل من أصحابه : [مخلع البسيط]

يا صاحبيّ ، قفا المطايا

وأشفقا فالعبيد عبده

إذا انتهى وانقضى زمان

هل يرسل الله من يردّه؟

مولده : في الثاني عشر لصفر من عام اثنين وعشرين وسبعمائة.

محمد بن سعيد بن علي بن يوسف الأنصاري

من أهل غرناطة ، يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بالطّرّاز.

حاله : من صلة ابن الزّبير : كان ، رحمه الله ، مقرئا جليلا ، ومحدّثا حافلا ، به ختم بالمغرب هذا الباب البتّة. وكان ضابطا متقنا ، ومقيّدا حافلا ، بارع الخطّ ، حسن الوراقة ، عارفا بالأسانيد والطّرق والرّجال وطبقاتهم ، مقرئا ، عارفا بالأسانيد والقراءات ، ماهرا في صناعة التّجويد ، مشاركا في علم العربية والفقه الأصول وغير ذلك ، كاتبا نبيلا ، مجموعا فاضلا متخلّقا ، ثقة فيما روّى ، عدلا ممن يرجع إليه فيما قيّد وضبط ، لإتقانه وحذقه. كتب بخطه كثيرا ، وترك أمّهات حديثيّة ، اعتمدها الناس بعده ، وعوّلوا عليها. وتجرّد آخر عمره ، إلى كتاب «مشارق الأنوار» تأليف القاضي أبي الفضل عياض ، وكان قد تركه في مبيّضة ، في أنهى درجات النسخ والإدماج والإشكال وإهمال الحروف حتى اخترمت منفعتها ، حتى استوفى ما نقل منه المؤلف ، وجمع عليها أصولا حافلة وأمّهات جامعة من الأغربة وكتب اللّغة ، فتخلّص الكتاب على أتمّ وجه وأحسنه ، وكمل من غير أن يسقط منه حرف ولا كلمة. والكتاب في ذاته لم يؤلف مثله.

مشيخته : روى عن القاضي أبي القاسم بن سمحون ، والقاضي ابن الطبّاع ، وعن أبي جعفر بن شراحيل ، وأبي عبد الله بن صاحب الأحكام والمتكلم ، وأبي محمد بن عبد الصمد بن أبي رجا ، وأبي القاسم الملّاحي ، وأبي محمد الكوّاب وغيرهم ، أخذ عن هؤلاء كلهم ببلده ، وبقرطبة عن جماعة ، وبمالقة كذلك ، وبسبتة. وبإشبيلية عن أبي الحسن بن زرقون ، وابن عبد النور. وبفاس وبمرسية عن جماعة.

قلت : هذه الترجمة في الأصل المختصر منه هذا طويله ، واختصرتها لطولها.

وفاته : توفي بغرناطة ثالث شوال عام خمسة وأربعين وستمائة ، وكانت جنازته من أحفل جنازة ، إذ كان الله قد وضع له ودّا في قلوب المؤمنين.

٢٧

محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيّان النّفزي

(١) من أهل غرناطة ، يكنى أبا حيان ، ويلقب من الألقاب المشرقية بأثير الدين.

حاله : كان (٢) نسيج وحده في ثقوب الذهن ، وصحّة الإدراك والحفظ (٣) ، والاضطلاع بعلم العربية ، والتفسير وطريق الرواية ، إمام النّحاة في زمانه غير مدافع ، نشأ ببلده (٤) غرناطة ، مشارا إليه في التبريز بميدان الإدراك ، وتغيير السوابق في مضمار التّحصيل. ونالته نبوة (٥) لحق بسببها بالمشرق ، واستقرّ بمصر ، فنال ما شاء من عزّ وشهرة ، وتأثّل وبرّ (٦) وحظوة ، وأضحى لمن حلّ بساحته من المغاربة ملجأ وعدّة. وكان شديد البسط ، مهيبا ، جهوريا ، مع الدّعابة والغزل ، وطرح السّمت (٧) ، شاعرا مكثرا ، مليح الحديث ، لا يملّ وإن أطال ، وأسنّ جدّا ، وانتفع (٨) به. قال بعض أصحابنا : دخلت عليه ، وهو يتوضّأ ، وقد استقرّ على إحدى رجليه لغسل الأخرى ، كما تفعل البرك والإوزّ ، فقال (٩) : لو كنت اليوم جار شلير (١٠) ، ما تركني لهذا العمل في هذا السّن (١١).

مشيخته : قرأ ببلده على الأستاذ حائز الرياسة أبي جعفر بن الزّبير ولازمه ، وانتسب إليه ، وانتفع به ، وشاد له بالمشرق ذكرا كبيرا. ويقال إنه نادى في الناس عندما بلغه نعيه ، وصلّى عليه بالقاهرة ، وله إليه مخاطبات أدبية اختصرتها ، وعلى الأستاذ الخطيب أبي جعفر علي بن محمد الرّعيني الطبّاع ، والخطيب الصالح وليّ الله أبي الحسن فضل بن محمد بن علي بن إبراهيم بن فضيلة المعافري. وروى عن القاضي المحدّث أبي علي الحسين بن عبد العزيز بن أبي الأحوص الفهري ،

__________________

(١) ترجمة أبي حيان محمد بن يوسف النفزي الغرناطي في الوافي بالوفيات (ج ٥ ص ٢٦٧) والكتيبة الكامنة (ص ٨١) وبغية الوعاة (ص ١٢١) والبدر السافر (ص ١٧٨) ونكت الهميان (ص ٢٨٠) والدرر الكامنة (ج ٥ ص ٧٠) وغاية النهاية (ج ٢ ص ٢٨٥) وشذرات الذهب (ج ٦ ص ١٤٥) والنجوم الزاهرة (ج ١٠ ص ١١١) ونفح الطيب (ج ٣ ص ٢٨٠). والنفزي : نسبة إلى نفزة قبيلة من البربر. بغية الوعاة (ص ١٢١).

(٢) النص في نفح الطيب (ج ٣ ص ٣٢٤ ـ ٣٢٥).

(٣) كلمة «والحفظ» غير واردة في النفح.

(٤) في النفح : «في بلده».

(٥) النّبوة : الجفوة. لسان العرب (نبا).

(٦) في النفح : «وتأثّل ، وافر وحظوة».

(٧) في النفح : «التسمّت».

(٨) في النفح : «فانتفع».

(٩) في النفح : «فقال لي».

(١٠) هو جبل شلير المطلّ على غرناطة والذي تغطيه الثلوج على مدار السنة. وهناك دراسة مفصلة عنه في كتاب مملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر (ص ٤٣ ـ ٤٦) فلتنظر.

(١١) لهنا ينتهي النص في نفح الطيب.

٢٨

والمكتّب أبي سهل اليسر بن عبد الله بن محمد بن خلف بن اليسر القشيري ، والأستاذ أبي الحسن بن الصايغ ، والأديب الكاتب أبي محمد عبد الله بن هارون الطائي بتونس ، وعلى المسند صفي الدين أبي محمد عبد الوهاب بن حسن بن إسماعيل بن مظفر بن الفرات الحسني بالإسكندرية ، والمسند الأصولي وجيه الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن عمران الأنصاري بالثغر ، والمحدّث نجيب الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن المؤيّد الهمداني بالقاهرة ، وغيرهم ممن يشقّ إحصارهم ، كالإمام بهاء الدين محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي نصر بن النّحاس الشافعي. قرأ عليه جميع كتاب سيبويه في سنة ثمان وثمانين وستمائة ، وقال له عند ختمه : لم يقرأه على أحد غيره.

تواليفه : وتواليفه كثيرة ، منها شرحه كتاب «تسهيل الفوائد لابن مالك». وهو بديع ، وقد وقفت على بعضه بغرناطة في عام سبعة وخمسين وسبعمائة. وكتابه في تفسير الكتاب العزيز ، وهو المسمّى ب «البحر المحيط» تسمية ، زعموا ، موافقة للغرض. وألف كتابا في نحو اللّسان التّركي ، حدّثنا (١) عنه الجملة الكثيرة من أصحابنا ، كالحاجّ أبي يزيد خالد بن عيسى ، والمقري الخطيب أبي جعفر الشّقوري ، والشّريف أبي عبد الله بن راجح ، وشيخنا الخطيب أبي عبد الله بن مرزوق. وقال (٢) : حدّثنا شيخنا أثير الدّين (٣) في الجملة سنة خمس وثلاثين وسبعمائة بالمدرسة الصالحية بين القصرين بمنزلة منها (٤). قال (٥) : حدّثنا الأستاذ العلّامة المتفنن (٦) أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزّبير ، سماعا من لفظه ، وكتبا (٧) من خطّه بغرناطة ، عن الكاتب أبي إسحاق بن عامر الهمداني الطّوسي بفتح الطاء ، حدّثنا أبو عبد الله بن محمد العنسي القرطبي ، وهو آخر من حدّث عنه ، أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد الحافظ الجيّاني ، أنبأنا (٨) حكم بن محمد ، أنبأنا (٩) أبو بكر بن المهندس ، أنبأنا (١٠) عبد الله بن محمد ، أنبأنا (١١) طالوت بن عياد (١٢) بن بصّال بن جعفر ، سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : اكفلوا لي بستّ أكفل (١٣) لكم في

__________________

(١) راجع نفح الطيب (ج ٣ ص ٣٢٥).

(٢) في النفح : «قال».

(٣) في النفح : «شيخنا أبو حيان».

(٤) كلمة «منها» ساقطة في النفح.

(٥) كلمة «قال» ساقطة في النفح.

(٦) قوله : «العلامة المتفنن» ساقط في النفح.

(٧) في النفح : «وكتبه».

(٨) في الأصل : «نا» والتصويب من النفح.

(٩) في الأصل : «نا» والتصويب من النفح.

(١٠) في الأصل : «نا» والتصويب من النفح.

(١١) في الأصل : «نا» والتصويب من النفح.

(١٢) في النفح : «عباد بن نصال».

(١٣) في الأصل : «لي بيت أهل لكم في الجنة» وهذا لا معنى له ، وقد صوّبناه من النفح.

٢٩

الجنة (١) ، إذا حدّث أحدكم بلا كذب ، وإذا ائتمن فلا يخن ، وإذا وعد فلا يخلف. غضّوا أبصاركم ، وكفّوا أيديكم ، واحفظوا فروجكم (٢).

وقال : أنشدنا الخطيب أبو جعفر الطبّاع ، قال : أنشدنا ابن خلفون ، قال : أنشدنا أبو عبد الله محمد بن سعيد ، قال : أنشدنا أبو عمران موسى بن أبي تليد لنفسه : [المنسرح]

حالي مع الدهر في تقلّبه

كطائر ضمّ رجله الشّرك

فهمّه في خلاص مهجته

يروم تخليصها فيشتبك

ومن ملحه : قال : قدم علينا الشيخ المحدث أبو العلاء محمد بن أبي بكر البخاري الفرضي بالقاهرة في طلب الحديث ، وكان رجلا حسنا طيّب الأخلاق ، لطيف المزاج ، فكنّا نسايره في طلب الحديث ، فإذا رأى صورة حسنة قال : هذا حديث على شرط البخاري ، فنظمت هذه الأبيات (٣) : [الطويل]

بدا كهلال العيد (٤) وقت طلوعه

وماس (٥) كغصن الخيزران المنعّم

غزال رخيم الدّلّ وافى مواصلا

موافقة منه على رغم لوّم

مليح غريب الحسن أصبح معلما

بحمرة (٦) خدّ بالمحاسن معلم

وقالوا : على شرط البخاريّ قد أتى

فقلنا (٧) : على شرط البخاريّ ومسلم

فقال البخاري : فمن هو مسلم (٨)؟

فقلت له : أنت البخاري ومسلم (٩)

محنته : حملته (١٠) حدّة الشيبة على التّعريض (١١) للأستاذ أبي جعفر الطّبّاع ، وقد وقعت بينه وبين أستاذه ابن الزّبير الوحشة فنال منه ، وتصدّى للتأليف في الرّد عليه ، وتكذيب روايته ، فرفع أمره إلى (١٢) السلطان ، فامتعض له ، ونفّذ الأمر بتنكيله ، فاختفى ، ثم أجاز البحر مختفيا ، ولحق بالمشرق يلتفت خلفه.

__________________

(١) في النفح : «بالجنة».

(٢) لهنا ينتهي النص في النفح.

(٣) الأبيات ، عدا البيت الأخير ، في الكتيبة الكامنة (ص ٨٢).

(٤) في الكتيبة : «الأفق».

(٥) في الكتيبة : «ومال».

(٦) في الأصل : «بخمرة» بالخاء ، والتصويب من الكتيبة.

(٧) في الكتيبة : «فقلت».

(٨) رواية صدر البيت في الأصل هكذا : فقال مولاي أنا البخاري فمن مسلم ، وكذا ينكسر الوزن.

(٩) في الأصل : «وأنا مسلم» وكذا ينكسر الوزن.

(١٠) النص في نفح الطيب (ج ٣ ص ٣٢٥).

(١١) في النفح : «التعرّض».

(١٢) في النفح : «للسلطان».

٣٠

شعره : وشعره كثير بحيث يتّصف بالإجادة وضدّها. فمن مطوّلاته ، رحمه الله ، قوله (١) : [البسيط]

لا تعذلاه فما ذو الحبّ معذول

العقل مختبل والقلب متبول

هزّت له أسمرا من خوط قامتها

فما انثنى الصّبّ (٢) إلّا وهو مقتول

جميلة فصّل الحسن البديع لها

فكم لها جمل منه وتفصيل

فالنّحر مرمرة والنّشر عنبرة

والثّغر جوهرة والرّيق معسول (٣)

والطّرف ذو غنج والعرف ذو أرج

والخصر مختطف ، والعنق (٤) مجدول

هيفاء ينبس (٥) في الخصر الوشاح لها

درماء (٦) تخرس في الساق الخلاخيل

من اللواتي غذاهنّ النّعيم فما

يشقين ، آباؤها الصّيد البهاليل (٧)

نزر الكلام غميّات الجواب إذا

يسلن بعد الصحا حصر مكاسيل

من حليها وسناها مونس وهدى

فليس يلحقها ذعر وتضليل

حلّت بمنعقد الزّوراء زارة

شوسا غيارى فعقد الصّبر محلول

فصدّ عن ذكر ليلى إنّ ذكراها (٨)

على التّنائي لتعذيب وتعليل

أتاك منك نذير فأنذرن به

وبادر التّوب إنّ التّوب مقبول

وآمل العفو واسلك مهمها قدفا

إلى رضى الله إنّ العفو مأمول

إن الجهاد وحجّ البيت مختتما

بزورة المصطفى للعفو تأميل

فشقّ حيزوم هذا الليل ممتطيا

أخا خرام به قد يبلغ السّول

أقبّ أعوج يعزى للوجيه له

وجه أغرّ وفي الرجلين تحجيل

جفر حوافره ، معر قوائمه

ضمر أياطله ، وللذيل عثكول (٩)

__________________

(١) الأبيات السبعة الأوائل في نفح الطيب (ج ٣ ص ٣٢٥ ـ ٣٢٦).

(٢) في الأصل : «للصّبّ» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(٣) في الأصل : «... مرمره ... عنبره ... جوهره ...» والتصويب من النفح.

(٤) في النفح : «والمتن».

(٥) في النفح : «ينطق».

(٦) في الأصل : «ردما» وكذا ينكسر الوزن ، ولا معنى لها. والتصويب من النفح. والمرأة الدّرماء : هي التي لا تستبين كعوبها ومرافقها من الشحم واللحم. محيط المحيط (درم).

(٧) الصّيد ، بكسر الصاد وسكون الياء : جمع أصيد وهو الرجل الذي يرفع رأسه كبرا. البهاليل : جمع بهلول وهو السيّد الجامع لكل خير. محيط المحيط (صيد) و (بهلل).

(٨) في الأصل : «ذكرها» وهكذا ينكسر الوزن.

(٩) العثكول : العذق أو الشّمراخ ، وهو في النخل بمنزلة العنقود في الكرم. محيط المحيط (عثكل).

٣١

إذا توجّه أصغى وهو ملتفت

مساعر (١) أعتقا فيهنّ تأليل

وإن تعارض به هوجاء (٢) هاج له

جري (٣) يرى البرق عنه وهو مخذول

يحمي به (٤) حوزة الإسلام ملتقيا

كتائبا غصّ منها العرض والطّول

كتائبا قد عموا عن كل واضحة

من الكتاب وغرّتهم أباطيل

في ماقط (٥) ضرب الموت الزؤام (٦) به

سرادقا فعليهم منه تخييل

هيجاء (٧) يشرف فيها المشرفيّ (٨) على

هام العدوّ ويصحى (٩) النّقع تضليل

تدير كأس شعوب (١٠) في شعوبهم

فكلّهم منهل بالموت معلول

وإذ (١١) قضيت غزاة فالتفت عملا

للحجّ فالحجّ للإسلام تكميل

واصل بسرّ معدّ (١٢) يا ابن أندلس

والطّرف أدهم بالأشطان مغلول

يلاطم الريح منه أبيض نفق

له من السحب المزبد إكليل

يعلو حضارين (١٣) منه شامخ جلل

سام طفا وهو بالنّكباء محمول

كأنّما هو في طخياء (١٤) لجّته

أيم (١٥) يعرو أديم السّيل شمليل

ما زالت الموج تعليه وتخفضه

حتّى بدا من منار الثّغر قنديل

وكبّر الناس أعلاه الرنيم (١٦)

وكلّهم طرفه بالشهد مكحول

وصافحوا البيد بعد اليمّ وابتدروا

سبلا بها لجناب الله توصيل

__________________

(١) مساعر البعير : أباطله. محيط المحيط (سعر).

(٢) في الأصل : «هو جا» وكذا ينكسر الوزن. والهوجاء : الريح التي لا تستوي في هبوبها وتقلع البيوت ، والجمع هوج.

(٣) في الأصل : «جريء» بهمزة ، وهو ما لا يتفق مع الوزن والمعنى.

(٤) كلمة «به» ساقطة في الأصل.

(٥) في الأصل : «رماقط» ، وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى. والماقط : أضيق المواضع في الحرب. محيط المحيط (مقط).

(٦) الموت الزؤام : الموت الكريه أو السريع. محيط المحيط (زأم).

(٧) في الأصل : «هيجا» وهكذا ينكسر الوزن.

(٨) أي السيف المشرفي ، نسبة إلى مشارف اليمن ، لسان العرب (شرف).

(٩) في الأصل : «ويصحب» ، وكذا ينكسر الوزن.

(١٠) شعوب : اسم للمنيّة غير منصرف للعلمية والتأنيث. محيط المحيط (شعب).

(١١) في الأصل : «وإذا» وكذا ينكسر الوزن.

(١٢) كلمة «معد» ساقطة في الأصل.

(١٣) في الأصل : «حضارة» وكذا ينكسر الوزن ولا معنى له.

(١٤) في الأصل : «طحيّا» وكذا لا يستقيم الوزن والمعنى.

(١٥) الأيم : الحيّة وذكر الأفعى. محيط المحيط (أيم).

(١٦) صدر البيت مختل الوزن والمعنى.

٣٢

على نجائب تتلوه أجنابها (١)

خيل بها الخير معقود ومعقول

في موكب تزحف الأرض الفضاء به

أضحت وموحشها بالناس مأمول

يطارد الوحش منه فيلق لجب

حتى لقد ذعرت في بيدها الغول

سيوفهم طرب نحو الحجاز فهم

ذوو ارتياح على أكوارها ميل

شعث رؤوسهم ، يبس شفاههم

خوص عيونهم ، غرب مهازيل

حتى إذا لاح من بيت الإله لهم

نور إذا هم على الغبرا أراحيل

يعفّرون وجوها طالما سمّت

باكين حتى أديم الأرض مبلول

حفّوا بكعبة مولاهم فكعبهم

عال بها لهم طوف وتقبيل

وبالصّفا وقتهم صاف بسعيهم

وفي منى لمناهم كان تنويل

تعرّفوا عرفات واقفين بها

لهم إلى الله تكبير وتهليل

لمّا قضينا من الغرّاء منكسنا

ثرنا وكلّ بنار الشوق مشمول

شدنا إلى الشّدقميات التي سكنت

أبدانهنّ وأفناهنّ تنقيل

إلى الرسول تزجّى كلّ تعلمة

أجلّ من نجوة تزجي المراسيل

من أنزلت فيه آيات مطهّرة

وأورثت فيه توراة (٢) وإنجيل

وعطّرت من شذاه كلّ ناحية

كأنّما المسك في الأرجاء محلول

سرّ من العالم العلويّ ضمّنه

جسم من الجوهر الأرضي محمول

نور تمثّل في أبصارنا بشرا

على الملائك من سيماه تمثيل

لقد تسامى وجبريل مصاميه

إلى مقام رخيّ (٣) فيه جبريل

أوحى إليه الذي أوحاه من كثب

فالقلب واع بسرّ الله مشغول

يتلو كتابا من الرحمن جاء به

مطهّرا طاهر منه وتأويل

جار على منهج الأعراب أعجزهم

باق مع الدّهر لا يأتيه تبديل

بلاغة عندها كعّ البليغ فلم

ينطق وفي هديه صاحت أضاليل

ومنها :

وطولبوا أن يجيبوا حين رابهم

بسورة مثله فاستعجز القيل

__________________

(١) صدر البيت مختل الوزن والمعنى.

(٢) في الأصل : «تورته» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

(٣) في الأصل : «راخى» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى. والرّخيّ : الواسع.

٣٣

لا ذوا بذوبان خطّيّ (١) وبتر ظبى

يوم الوغى واعتراهم منه تنكيل

فمونف في جبال الوهد منحدر

وموثق في حبال الغد مكبول

ما زال بالعضب هتّاكا سوابغهم

حتى انثنى العصب منهم وهو مفلول

وقد تحطّم في نحر العدا قصد

صمّ الوشيج (٢) وخانتها العواميل

من لا يعدّله القران كان له

من الصّفاد وبيض البتر تعديل

وكم له معجزا غير القران (٣) أتى

فيه من الحقّ منقول ومعقول

فللرسول انشقاق البدر نشهده

كما لموسى انفلاق البحر منقول

ونبع ماء فرات من أنامله

كالعين ثرّت فجا الهتّان ما (٤) النيل

روّوا الخميس وهم زهاء سبع مي

مع الرّكاب فمشروب ومحمول

وميّ عين بكفّ جاء يحملها

قتادة وله شكوى وتعويل

فكان (٥) أحسن عينيه ولا عجب

مسّت أناميل فيها اليمن مجعول

والجذع حنّ إليه حين فارقه

حنين ولهى لها للرّوم مثكول

وأشبع الكثر من قلّ الطعام ولم

يكن ليعوزه بالكثر تقليل

وفي جراب ولا (٦) هنّ عجائب كم

يمتار منه فمبذول ومأكول

وفي ارتواء إلى ذرء (٧) بزمزم ما

يكفي تبدّن منه وهو مهزول

والعنكبوت بباب الغار قد نسجت

حتى كأنّ رداء منه مسدول

وفرّخت في حماه الورق ساجعة

تبكي وما دمعها في الخدّ مطلول

هذا وكم معجزات للرسول أتت

لها من الله أمداد وتأصيل

غدت من الكثر أعداد النجوم فما

يحصي لها عددا كتب ولا قيل

قد انقضت معجزات الرّسل منذ قضوا

نحبا وأعجم منها ذلك الجيل

ومعجزات رسول الله باقية

محفوظة ما لها في الدّهر تحويل

__________________

(١) الخطّيّ : الرمح نسبة إلى الخطّ ، والخطّ : مرفأ السفن بالبحرين. لسان العرب (خطط).

(٢) في الأصل : «أصمّ الوشج» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى. والوشيج : شجر الرماح. لسان العرب (وشج).

(٣) في الأصل : «القرآن» وكذا ينكسر الوزن ، لذا خففنا همزة المد.

(٤) في الأصل : «ماء» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

(٥) في الأصل : «فكانت» وكذا ينكسر الوزن.

(٦) في الأصل : «لي» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

(٧) في الأصل : «لي ذرّ» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

٣٤

تكفّل الله هذا الذّكر يحفظه

وهل يضيع الذي بالله مكفول؟

هذي المفاخر لا يحظى الملوك بها

للملك (١) منقطع والوحي موصول

ومن مطولاته في غرض يظهر منها : [الطويل]

هو العلم لا كالعلم شيء تراوده

لقد فاز باغيه وأنجح قاصده

وما فضّل الإنسان إلّا بعلمه

وما امتاز إلّا ثاقب الذّهن واقده

وقد قصرت أعمارنا وعلومنا

يطول علينا حصرها ونكابده

وفي كلّها خير ولكنّ أصلها

هو النّحو فاحذر من جهول يعانده

به يعرف القرآن والسّنّة التي

هما أصل دين الله ذو أنت عابده

وناهيك من علم عليّ مشيد

مبانيه أعزز بالذي هو شائده

لقد حاز في الدنيا فخارا وسؤددا

أبو الأسود الديلي (٢) فللجرّ سانده

هو استنبط العلم الذي جلّ قدره

وطار به للعرب ذكر نعاوده

وساد عطا نجله وابن هرمز

ويحيى ونصر ثم ميمون ماهده

وعنبسة قد كان أبرع صحبه

فقد قلّدت جيد المعالي قلائده

وما زال هذا العلم تنميه سادة

جهابذة تبلى به وتعاضده

إلى أن أتى الدّهر العقيم بواحد

من الأزد تنميه إليه فرائده

إمام الورى ذاك الخليل بن أحمد

أقرّ له بالسبق في العلم حاسده

وبالبصرة الغرّاء (٣) قد لاح فجره

فنارت أدانيه وضاءت أباعده

ذكيّ (٤) الورى ذهنا وأصدق لهجة

إذا ظنّ أمرا قلت ما هو شاهده

وما أن يروّي بل جميع علومه

بدائه (٥) أعيت كلّ حبر تجالده

هو الواضع الثاني الذي فاق أولا

ولا ثالث في الناس تصمى قواصده

فقد كان ربّانيّ أهل زمانه

صويم قويم (٦) راكع الليل ساجده

يقيّم منه دهره في مثوبة

وثوقا بأنّ الله حقّا مواعده

__________________

(١) في الأصل : «الملك» ، وكذا ينكسر الوزن.

(٢) هو أبو الأسود الدؤلي ، واضع علم النحو.

(٣) في الأصل : «الغرا» ، وكذا ينكسر الوزن.

(٤) في الأصل : «يا ذكيّ» ، وكذا ينكسر الوزن ، لذا حذفنا حرف النداء «يا».

(٥) في الأصل : «بداية» ، وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

(٦) في الأصل : «صوّم قوّم» ، وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

٣٥

فعام إلى حجّ وعام لغزوة

فيعرفه البيت العتيق ووافده

ولم يثنه يوما عن العلم والتّقى

كواعب حسن تنثني ونواهده

وأكثر سكناه بقفر بحيث لا

تناغيه إلّا عفره وأوابده

وما قوته إلّا شعير يسيغه

بماء قراح ليس تغشى موارده

عزوبا عن الدنيا وعن زهراتها

وشوقا إلى المولى وما هو واعده

ولمّا رأى من سيبويه نجابة

وأيقن أنّ الحين أدناه باعده

تخيّره إذ كان وارث علمه

ولاطفه حتّى كأن هو والده

وعلّمه شيئا فشيئا علومه

إلى أن بدت سيماه واشتدّ ساعده

فإذ ذاك وافاه من الله وعده

وراح وحيد العصر إذ جاء واحده

أتى سيبويه ناشرا لعلومه

فلولاه أضحى النحو (١) عطلا شواهده

وأبدى كتابا كان فخرا وجوده

لقحطان إذ كعب بن عمرو محاتده

وجمّع فيه ما تفرّق في الورى

فطارفه يعزى إليه وتالده

بعمرو بن عثمان بن قنبر الرّضا

أطاعت عواصيه وتابت شوارده

عليك قران (٢) النحو نحو ابن قنبر

فآياته مشهودة وشواهده

كتاب أبي بشر (٣) فلا تك قارئا

سواه فكلّ ذاهب الحسن فاقده

هم خلج بالعلم مدّت فعندما

تناءت غدت تزهى وليست تشاهده

ولا تعد عمّا حازه إنه الفرا

وفي جوفه كلّ الذي أنت صائده (٤)

إذا كنت يوما محكما في كتابه

فإنّك فينا نابه القدر ماجده

ولست تبالي إن فككت رموزه

أعضّك دهر أم عرتك ثرائده

هو العضب إن تلق الهياج شهرته

وإن لا تصب حربا فإنّك غامده

تلقّاه كلّ بالقبول وبالرّضى

فذو الفهم من تبدو إليه مقاصده

ولم يعترض فيه سوى ابن طراوة

وكان طريّا لم تقادم معاهده

وجسّره طعن المبرّد قبله

وإنّ الثّمالي بارد الذّهن خامده

__________________

(١) في الأصل : «للنحو عطلا» ، وكذا ينكسر الوزن.

(٢) في الأصل : «قرآن» ، وكذا ينكسر الوزن ، لذا خففنا همزة المد.

(٣) أبو بشر : هو نفسه سيبويه.

(٤) يشير هنا إلى المثل : «كل الصيد في جوف الفرا» يضرب لمن يفضّل على أقرانه. والفرا : أصلها : الفراء وهو الحمار الوحشي. مجمع الأمثال (ج ٢ ص ١٣٦).

٣٦

هما ما هما صارا مدى الدهر ضحكة

يزيّف ما قالا وتبدو مفاسده

تكون صحيح العقل حتى إذا ترى

تباري أبا بشر ، إذا أنت فاسده

يقول امرؤ قد خامر الكبر رأسه

وقد ظنّ أنّ النحو سهل مقاصده

ولم يشتغل إلّا بنزر مسائل

من الفقه في (١) أوراقه هو راصده

وقد نال بين الناس جاها ورتبة

وألهاك عن نيل المعالي ولابده

وما ذاق للآداب طعما ولم يبت

يعنّى بمنظوم ونثر يجاوده

فينكح أبكار المعاني ويبتغي

لها الكفو من لفظ بها هو عاقده

رأى سيبويه فيه بعض نكادة

وعجمة لفظ لا تحلّ معاقده

فقلت : أما أتى (٢) ما أنت أهل لفهمه

وما أنت إلّا غائض الفكر راكده

لعمرك ما ذو لحية وتسمّت

وإطراق رأس والجهات تساعده

فيمشي على الأرض الهوينا كأنما

إلى الملإ الأعلى تناهت مراصده

وإيهامك الجهّال أنّك عالم

وأنّك فرد في الوجود وزاهده

بأجلب للنّحو الذي أنت هاجر

من الدّرس بالليل الذي أنت هاجده

أصاح ، تجنّب من غويّ مخذّل

وخذ في طريق النّحو أنّك راشده

لك الخير فادأب ساهرا في علومه

فلم تشم إلّا ساهر الطّرف ساهده

ولا ترج في الدنيا ثوابا فإنما

لدى الله حقا أنت لا شكّ واجده

ذوو النحو في الدنيا قليل حظوظهم

وذو الجهل فيها وافر الحظّ زائده

لهم أسوة فيها على لاغد (٣) مضى

ولم يلق في الدنيا صديقا يساعده

مضى بعده عنها الخليل فلم ينل

كفافا ولم يعدم حسودا يناكده

ولاقى أبا بشر خليل (٤) سفيهها

غداة تمالت في ضلال يمادده

أتى نحو هارون (٥) يناظر شيخه

فنفحته (٦) حتّى تبدّت مناكده

فأطرق شيئا ثم أبدى جوابه

بحقّ ولكن أنكر الحقّ جاحده

وكاد علي عمرا إذا صار حاكما

وقدما عليّ كان عمرو يكايده

سقاه بكأس لم يفق من خمارها

وأورده الأمر الذي هو وارده

__________________

(١) في الأصل : «وفي» وكذا ينكسر الوزن.

(٢) في الأصل : «أتيت» وكذا ينكسر الوزن.

(٣) في الأصل : «لغد» وكذا لا يستقيم الوزن.

(٤) كلمة «خليل» ساقطة في الأصل. وأبو بشر : هو سيبويه. وخليل : هو الخليل بن أحمد الفراهيدي.

(٥) هو اليهودي النحوي هارون بن موسى.

(٦) في الأصل : «فنفحة» ، وكذا ينكسر الوزن.

٣٧

ولابن زياد شركة في مراده

ولابن رشيد شرك (١) القلب رائده

هما جرّعا إلى عليّ وقنبر

أفاويق سمّ لم تنجّد أساوده

أبكي على عمرو ولا عمر مثله

إذا مشكل أعيا وأعور ناقده

قضى نحبه شرخ الشّبيبة لم يرع

بشيب ولم تعلق بذامّ معاقده

لقد كان للناس اعتناء بعلمه

بشرق وغرب تستنار فوائده

والآن فلا شخص على الأرض قارىء

كتاب أبي بشر ولا هو رائده

سوى معشر بالغرب فيهم تلفّت

إليه وشوق ليس يخبو مواقده

وما زال منّا أهل أندلس له

جهابذ تبدي فضله وتناجده

وإنّي في مصر على ضعف ناصري

لناصره ما دمت حيّا وعاضده

أثار أثير الغرب للنّحو كامنا

وعالجه حتّى تبدّت قواعده

وأحيا أبو حيّان ميت علومه

فأصبح علم النحو ينفق كاسده

إذا مغربي حطّ بالثّغر رحله

تيقّن أنّ النحو أخفاه لاحده

منينا بقوم صدّروا في مجالس

لإقراء علم ضلّ عنهم مراشده

لقد أخّر التصدير عن مستحقّه

وقدّم غمر خامد الذهن جامده

وسوف يلاقي من سعى في جلوسهم

جزاء (٢) وعقبى أكنّت عقائده

علا عقله فيهم هواه فما درى

بأنّ هوى الإنسان للنار قائده

أقمنا بمصر نحو (٣) عشرين حجة

يشاهدنا ذو أمرهم ونشاهده

فلمّا ننل منهم مدى الدهر طائلا

ولمّا نجد فيهم صديقا نوادده

لنا سلوة فيمن سردنا حديثهم

وقد يتسلّى بالذي قال سارده

أخي إن تصل يوما وبلّغت سالما

لغرناطة فانفذ لما أنا عاهده

وقبل ثرى أرض بها حلّ ملكنا

وسلطاننا الشّهم الجميل عوائده

مبيد العدا قتلا وقد عمّ (٤) شرّهم

ومحيي النّدى فضلا وقد رمّ هامده

أفاض على الإسلام جودا ونجدة

فعزّ مواليه وذلّ معانده

__________________

(١) في الأصل : «بشرك للقلب» ، وكذا ينكسر الوزن.

(٢) كلمة «جزاء» ساقطة في الأصل ، فأضفناها مع حرف العطف في كلمة «عقبى» ، ليستقيم الوزن والمعنى معا.

(٣) كلمة «نحو» ساقطة في الأصل.

(٤) في الأصل : «عمر» ، وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

٣٨

وعمّ بها إخواننا بتحيّة

وخصّ بها الأستاذ لا عاش كائده

جزى الله عنّا شيخنا وإمامنا

وأستاذنا (١) الحبر الذي عمّ فائده

لقد أطلعت جيّان أوحد عصره

فللغرب فخر أعجز الشرق خالده

مؤرخة نحوية وإمامة

محدّثة جلّت وصحّت مسانده

جاه عظيم من ثقيف وإنما

به استوثقت منه العرى ومساعده

وما أنس لا أنسى سهادي ببابه

بسبق وغيري نائم الليل راقده

فيجلو بنور العلم ظلمة جهلنا

ويفتح علما مغلقات رصائده

وإنّي وإن شطّت بنا غربة النّوى

لشاكر له في كل وقت وحامده

بغرناطة روحي وفي مصر جثّتي

ترى هل يثنّي الفرد من هو فارده؟

أبا جعفر ، خذها قوافي من فتى

تتيه على غرّ القوافي قصائده

يسير بلا إذن إلى الأذن حسنها

فيرتاح سمّاع لها ومناشده

غريبة شكل كم حوت من غرائب

مجيدة أصل أنتجتها أماجده

فلولاك يا مولاي ما فاه مقولي

بمصر ولا حبّرت ما أنا قاصده

لهذّبتني حتّى أحوك مفوّقا

من النظم لا يبلى مدى الدهر آبده

وأذكيت فكري بعد ما كان خامدا

وقيّد شعري بعد ما ندّ شارده

جعلت ختاما فيه ذكرك إنه

هو المسك بل أعلى وإن عزّ ناشده

ومما دون من (٢) المطولات قوله رحمه الله (٣) : [الطويل]

تفرّدت لمّا أن جمعت بذاتي (٤)

وأسكنت لما أن بدت حركاتي (٥)

فلم أر في الأكوان غيرا (٦) لأنني

أزحت عن الأغيار روح حياتي (٧)

وقدّستها عن رتبة لو تعيّنت

لها دائما دامت لها حسراتي (٨)

فها أنا قد أصعدتها عن حضيضها

إلى رتبة تقضي لها بثبات

__________________

(١) يشير هنا إلى أستاذه أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي ، المتوفّى سنة ٧٠٨ ه‍ ، وقد ترجم له ابن الخطيب في الجزء الثاني من الإحاطة.

(٢) كلمة «من» ساقطة في الأصل.

(٣) الأبيات في الكتيبة الكامنة (ص ٨٢ ـ ٨٣).

(٤) في الأصل : «بذات» والتصويب من الكتيبة.

(٥) في الأصل : «حركات» والتصويب من الكتيبة.

(٦) في الكتيبة : «غيري».

(٧) في الأصل : «حيات» والتصويب من الكتيبة.

(٨) في الأصل : «حسرات» والتصويب من الكتيبة.

٣٩

تشاهد معنى روضة أذهب العنا

وأيقظني للحقّ بعد سنات (١)

أقامت زمانا في حجاب فعندما

تزحزح عنها رامت الخلوات

لنقضي بها ما فات من طيب أنسنا

بها وننال الجمع بعد شتات

ومن النسيب قوله (٢) : [الكامل]

كتم اللسان ومدمعي قد باحا

وثوى الأسى عندي وأنسي (٣) راحا

إني لصبّ (٤) طيّ ما نشر الهوى

نشرا وما زال الهوى إفصاحا (٥)

ومهجتي من لا أصرّح باسمه

ومن الإشارة ما يكون صراحا

ريم أروم حنوّه وجنوحه

ويروم عني جفوة وجماحا

أبدى لنا من شعره وجبينه

ضدّين ذا ليلا وذاك صباحا (٦)

عجبا له يأسو الجسوم بطبّه

ولكم بأرواح أثار جراحا

فبلفظه (٧) برء الأخيذ ولحظه

أخذ البريّ فما يطيق براحا

ناديته (٨) في ليلة لا ثالث

إلّا أخوه البدر غار فلاحا (٩)

يا حسنها من ليلة لو أنها

دامت ومدّت للوصال (١٠) جناحا

وقال (١١) : [الكامل]

نور بخدّك أم توقّد نار؟

وضنى بجفنك أم فتور (١٢) عقار؟

وشذا بريقك أم تأرّج مسكة؟

وسنى بثغرك أم شعاع دراري (١٣)؟

جمعت معاني الحسن فيك فقد غدت (١٤)

قيد القلوب وفتنة الأبصار

__________________

(١) في الكتيبة : «سناتي».

(٢) الأبيات في الكتيبة الكامنة (ص ٨٣).

(٣) في الأصل : «وأسى» وكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.

(٤) في الأصل : «أحب» وهكذا ينكسر الوزن. والتصويب من الكتيبة.

(٥) في الكتيبة : «فضاحا».

(٦) في الكتيبة : «خدين ... وذا إصباحا».

(٧) في الأصل : «فبلقطه» بالقاف ، والتصويب من الكتيبة.

(٨) في الكتيبة : «نادمته».

(٩) في الأصل : «عارف لاحا» ، والتصويب من الكتيبة.

(١٠) في الأصل : «لتوصال» والتصويب من الكتيبة.

(١١) الأبيات في الكتيبة الكامنة (ص ٨٣ ـ ٨٤) ونفح الطيب (ج ٣ ص ٣٢٦).

(١٢) في الكتيبة الكامنة : «كؤوس».

(١٣) في الأصل : «درار» ، وقد صوبناه ؛ لأن أصل القول هو : «درارىء» وهي الكواكب العظام التي لا تعرف أسماؤها.

(١٤) في الكتيبة : «... فيك فأصبحت».

٤٠