الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٣

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]

الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٣

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]


المحقق: الدكتور يوسف علي طويل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3319-5

الصفحات: ٤٥٦

بعض أخباره : قال : لقيت الشيخ وليّ الله أبا يعقوب بساحل بادس (١) ، قاصدا الأخذ عنه ، والتّبرّك به ، ولم يكن رآني قط ، وألفيت بين يديه عند دخولي عليه ، رجلا يقرأ عليه القرآن ، فلمّا فرغ أراد أن يقرأ عليه أسطرا من الرّسالة ، فقال له : اقرأها على هذا الفقيه ، وأشار إليّ ، ورأيت في عرصة له أصول خصّ ، فتمنيت الأكل منها ، وكان ربّاعها غير حاضر ، فقام عن سرعة ، واقتلع منها أصولا ثلاثة ، ودفعها إليّ ، وقال : كل. فقلت في نفسي ، تصرف في الخضرة قبل حضور ربّاعها ، فقال لي : إذا أردت الأكل من هذه الخضرة ، فكل من هذا القسم ، فإنّه لي. قلت : وخبرت من اضطلاع هذا المترجم به بعبارة الرّؤيا ما قضيت منه العجب في غير ما شيء جرّبته. وهو الآن بحاله الموصوفة. وأصابه لهذا العهد جلاء عن وطنه ؛ لتوفر الحمل عليه من الخاصّ والعامّ ، بما طال به نكده. ثم آلت حاله إلى بعض صلاح ، والله يتولّاه.

مولده : بمدينة فاس عام تسعين وستمائة.

محمد بن عبد المنعم الصّنهاجي الحميري (٢)

يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بابن عبد المنعم ، من أهل سبتة ، الأستاذ الحافظ.

حاله : من «العائد» : كان ، رحمه الله ، رجل صدق ، طيّب اللهجة ، سليم الصدر ، تام الرّجولة ، صالحا ، عابدا ، كثير القرب والأوراد في آخر حاله ، صادق اللسان. قرأ كثيرا ، وسنّه تنيف على سبع وعشرين ، ففات أهل الدّؤب والسّابقة ، وكان من صدور الحفّاظ ، لم يستظهر أحد في زمانه من اللّغة ما استظهره ، فكاد يستظهر كتاب التّاج للجوهري وغيره ، آية تتلى ، ومثلا يضرب ، قائما على كتاب سيبويه ، يسرده بلفظه. اختبره الفاسيون في ذلك غير ما مرة. طبقة في الشطرنج ، يلعبها محجوبا ، مشاركا في الأصول ، آخذا في العلوم العقلية ، مع الملازمة للسّنّة ، يعرب أبدا كلامه ويزينه.

مشيخته : أخذ ببلده عن الأستاذ أبي إسحاق الغافقي ، ولازم أبا القاسم بن الشّاط وانتفع به وبغيره من العلماء.

__________________

(١) بادس : مدينة بها نخل كثير وفواكه وعيون كثيرة. الروض المعطار (ص ٧٥).

(٢) هو صاحب كتاب «الروض المعطار ، في خبر الأقطار» وكانت وفاته في سنة ٧٢٧ ه‍. راجع مقدمة كتاب «الروض المعطار» ، ففيها ثبت بأسماء المصادر والمراجع التي ترجمت له.

١٠١

دخوله غرناطة : قدم غرناطة مع الوفد من أهل بلده عندما صارت إلى إيالة الملوك من بني نصر ، لما وصلوا بالبيعة.

وفاته : كان من الوفد الذين استأصلهم الموتان عند منصرفهم عن باب السلطان ملك المغرب ، بأحواز تيزى (١) ، حسبما وقع التّنبيه على بعضهم.

محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد بن إدريس

ابن سعيد بن مسعود بن حسن بن محمد بن عمر

ابن رشيد الفهري (٢)

من أهل سبتة ، يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بابن رشيد.

حاله : من «عائد الصلة» : الخطيب المحدّث ، المتبحّر في علوم الرّواية والإسناد. كان ، رحمه الله ، فريد دهره عدالة وجلالة ، وحفظا وأدبا ، وسمتا وهديا ، واسع الأسمعة ، عالي الإسناد ، صحيح النّقل ، أصيل الضّبط ، تام العناية بصناعة الحديث ، قيّما عليها ، بصيرا بها ، محققا فيها ، ذاكرا فيها الرجال ، جمّاعة للكتب ، محافظا على الطّريقة ، مضطلعا بغيرها من العربية واللغة والعروض ، فقيها أصيل النّظر ، ذاكرا للتفسير ، ريّان من الأدب ، حافظا للأخبار والتواريخ ، مشاركا في الأصلين ، عارفا بالقراءات ، عظيم الوقار والسّكينة ، بارع الخطّ ، حسن الخلق ، كثير التّواضع ، رقيق الوجه ، متجمّلا ، كلف الخاصة والعامّة ، مبذول الجاه والشّفاعة ، كهفا لأصناف الطّلبة. قدم على غرناطة في وزارة صديقه ، ورفيق طريقه ، في حجّه وتشريقه ، أبي عبد الله بن الحكيم ، فلقي برّا ، وتقدّم للخطابة بالمسجد الأعظم ، ونفع الله لديه بشفاعته المبذولة طائفة من خلقه ، وانصرف إثر مقتله إلى العدوة ، فاستقرّ بمدينة فاس ، معظّما عند الملوك والخاصّة ، معروف القدر عندهم.

مشيخته : قرأ ببلده سبتة على الأستاذ إمام النّحاة أبي الحسن بن أبي الربيع كتاب سيبويه. وقيّد على ذلك تقييدا مفيدا ، وأخذ عنه القراءات. وأخذ أيضا عن الأستاذ أبي الحسن بن الخطّار. ورحل من بلده سبتة لأداء الفريضة. حجّ ولقي

__________________

(١) جاء في الروض المعطار (ص ١٢٨): «تازا : من بلاد المغرب ، أول بلاد تازا حدّ ما بين المغرب الأوسط وبلاد المغرب ... وقد بني فيها في هذا العهد القريب مدينة الرباط ، أعني في جبال تازا».

(٢) ترجمة ابن رشيد في نفح الطيب (ج ٥ ص ٦٩) و (ج ٧ ص ٢١٤ ، ٢٥٧ ، ٣٦٣).

١٠٢

المشايخ عام ثمانية وثمانين وستمائة ، فوافى في طريقه الحاجّ المحدّث الرّاوية ، ذا الوزارتين بعد ، أبا عبد الله الحكيم ، وأخذ عن الجلّة الذين يشقّ إحصاؤهم ، فممّن لقي بإفريقية الرّاوية العدل أبا محمد عبد الله بن هارون ، يروي عن ابن بقيّ ، والأديب المتبحّر أبا الحسن حازم بن محمد القرطاجنّي. وروى بالمشرق عن العدد الكثير كالإمام جار الله أبي اليمن بن عساكر ، لقيه بباب الصّفا تجاه الكعبة المعظّمة ، وهو موضع جلوسه للسّماع ، غرّة شوال عام أربعة وثمانين وستمائة ، وعن غيره ، كأبي العزّ عبد الرحمن بن عبد المنعم بن علي بن نصر بن منظور بن هبة الله ، وغيرهم ممن ثبت في اسم مرافقة في السّماع والرّحلة أبي عبد الله بن الحكيم ، رحمه الله ، فلينظر هنالك.

تواليفه : ألّف فوائد رحلته في كتاب سمّاه «ملء العيبة ، فيما جمع بطول الغيبة ، في الوجهتين (١) الكريمتين إلى مكّة وطيبة». قال شيخنا أبو بكر بن شبرين : وقفت على مسوّدته ، ورأيت فيه فنونا وضروبا من الفوائد العلمية والتاريخ ، وطرفا من الأخبار الحسان ، والمسندات العوالي والأناشيد. وهو ديوان كبير ، ولم يسبق إلى مثله. قلت : ورأيت شيئا من مختصره بسبتة.

دخوله غرناطة : ورد على الأندلس في عام اثنين وتسعين وستمائة ، فعقد مجالس للخاصّ والعام ، يقرئ بها فنونا من العلم. وتقدّم خطيبا وإماما بالمسجد الأعظم منها. حدّثني بعض شيوخنا ، قال : قعد يوما على المنبر ، وظنّ أن المؤذّن الثالث قد فرغ ، فقام يخطب والمؤذّن قد رفع صوته بآذانه ، فاستعظم ذلك بعض الحاضرين ، وهمّ آخر بإشعاره وتنبيهه ، وكلّمه آخر ، فلم يثنه ذلك عمّا شرع فيه ، وقال بديهة : أيها الناس ، رحمكم الله ، إنّ الواجب لا يبطله المندوب ، وأن الأذان الذي بعد الأوّل غير مشروع الوجوب ، فتأهّبوا لطلب العلم ، وانتبهوا ، وتذكّروا قوله ، عزّ وجلّ : وما أتاكم الرّسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا ، وقد روّينا عنه صلّى الله عليه وسلّم ، أنه قال : من قال لأخيه والإمام يخطب ، اصمت ، فقد لغا ، ومن لغا فلا جمعة له. جعلنا الله وإيّاكم ممّن علم فعمل ، وعمل فقبل ، وأخلص فتخلّص. وكان ذلك مما استدلّ به على قوّة جنانه ، وانقياد لسانه لبيانه.

شعره : وله شعر يتكلفه ، إذ كان لا يزن أعاريضه إلّا بميزان العروض ، فمن ذلك ما حدّث به ، قال : لما حللت بدمشق ، ودخلت دار الحديث الأشرفيّة ، برسم رؤية النّعل الكريمة ، نعل المصطفى ، صلوات الله عليه ، ولثمتها ، حضرتني هذه

__________________

(١) في نفح الطيب (ج ٥ ص ٧٠): «في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة».

١٠٣

الأبيات : [الطويل]

هنيئا لعيني أن رأت نعل أحمد

فيا سعد ، جدّي قد ظفرت بأسعد

وقبّلتها أشفي الغليل فزادني

فيا عجبا زاد الظّما عند مورد

فلله ذاك اللّثم فهو ألذّ من

لمى شفة لميا وخدّ مورّد

ولله ذاك اليوم عيدا ومعلما

بتاريخه أرّخت مولد أسعد

عليه صلاة نشرها طيّب كما

يحبّ ويرضى ربّنا لمحمّد

وقال : وقلت في موسم عام ستة وثمانين وستمائة ، بثغر سبتة حرسها الله تعالى : [الطويل]

أقول إذا هبّ النّسيم المعطّر

لعلّ بشيرا باللقاء يبشّر

وعالي الصّبا مرّت على ربع جيرتي

فعن طيبهم عرف النّسيم يعبّر

وأذكر أوقاتي بسلمى وبالحمى

فتذكو لظى في أضلعي حين أذكر

ربوع يودّ المسك طيب ترابها

ويهوى حصى فيها عقيق وجوهر

بها جيرة لا يخفرون بذمّة

هم لمواليهم جمال ومفخر

إذا ما اجتلت زهر النجوم جمالهم

تغار لباهي نورهم فتغوّر

ومن جود جدواهم يرى اللّيث يعمر

ومن خوف عدواهم يرى الليث (١) يذعر

ومن سيب يمناهم يرى الرّوض يزهر

ومن فيض نعماهم يرى البحر يزخر

رعى الله عهدا بالمصلّى عهدته

وروض المنى غضّ يرقّ وينضر

زمانا نعمنا فيه والظلّ وارف

بجنّات عدن تحتها العذب يخضر

ولله أيام المصلّى وطيبها

وأنفسنا بالقرب والأنس تجبر

بحيث يرى بدر الكمال وشمسه

وروضته فردوس حوض (٢) ومنبر

أروم دنوّا من بهاء جمالها

ولثما فتأبى هيبة وتوقّر

خضعت وذلّي للحبيب تعزّز

فطرفي مغضوض وخدّي معفّر

ووجه سروري سافر متهلّل

وحالي بهم حلّ (٣) وعيشي أخضر

فطوبى لمن أضحى بطيبة ثاويا

يجرّ بأذيال (٤) الفخار وينشر

__________________

(١) قوله : «يرى الليث» ساقط في الأصل ، وقد أضفناها ليستقيم الوزن والمعنى معا.

(٢) في الأصل : «فردوس وحوض» ، وكذا ينكسر الوزن.

(٣) في الأصل : «حلل» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

(٤) في الأصل : «أذيال» ، وكذا ينكسر الوزن.

١٠٤

وإذ فات عيني أن تراهم فردّدوا

على مسمعي ذكر المصلّى وكرّروا

وردت فيا طيب الورود بطيبة

صدرت فواحزني فلا كان مصدر

رماني زماني بالفراق فغرّني

على مثل من فارقت عزّ التّصبّر

وأضمرت أشجاني ودمعي مظهّر

وأسررت هجراني وحالي تخبّر

فمن أدمعي ماء يفيض ويهمر

ومن أضلعي نار تفور وتسعر

فجسمي مصفرّ وفودي أبيض

وعيشي مغبرّ ودمعي أحمر

وحين دنا التّوديع ممّن أحبّه

وحان الذي ما زلت منه أحذّر

ونادى صحابي بالرّحيل وأزمعوا

وسارت مطاياهم وظلت أقهقر

وألوى إليه الجيد حتى وجعته

وظلّ فؤادي لوعة يتفطّر

وقفت لأقضي زفرة وصبابة

ولا أنثني فالموت أجدى وأجدر

ولو أنّني بعت الحياة بنظرة

لأبّت وحظّي فيه أوفى وأوفر

وما باختياري إنما قدر جرى

رضيت بما يقضي الإله ويقدر

حنيني إلى مغنى الجمال مواصل

وشوقي إلى معنى الجمال موفّر

وغير جميل أن يرى عن جمالها

فؤادي صبورا والمسير ميسّر

أيصبر ظمآن يغال بغلّة

وفي روضة الرّضوان شهد وكوثر؟

فيا عينها الزّرقاء إنّ عيونها

من الحزن فيض بالنّجيع تفجّر

سأقطع ليلي بالسّرى أو أزورها

وأحمي الكرى عينا لبعدك يظهر

وأنضي المطايا أو أوافي ربعها

فتنجدني طورا وطورا تغوّر

حظرت على نفسي الحذار من الرّدى

أتحذر نفس الحبيب تسيّر؟

أينكر تغرير المشوق بنفسه

وقد علموا أنّ المحبّ مغرّر؟

وقفت على فتوى المحبّين كلّهم

فلم أجد التّغرير في الوصل ينكر

وإني إذا ما خطرة خطرت قضت

بهمّي وعزمي همّة لا تؤطّر

أقيم فألفي بين عينيّ همّتي

وسيري في سبل العلا ليس ينكر

إذا ما بدت للعين أعلام طيبة

ولاحت قباب كالكواكب تزهر

وللقبّة الزّهراء سمك سما علا

وراق سنى كالشمس بل هو أزهر

لها منظر قيد النّواظر والنّهى

لها ساكن من نوره البدر يبدر

١٠٥

فأعرجوا (١) على أهل (٢) الكمال وسلّموا

سلمتم وبلّغتم مناكم فأبشروا

بنفسي لا بالمال أرضى بشارة

إذا لاح نور في سناها مبشّر

وما قدر نفسي أن تكون كفاء (٣)

ولكنها جهد المقلّ فأعذر

أقول إذا أوفيت أكرم مرسل

قراي عليكم أنّ ذنبي يغفر

وأحظى بتقريب الجوار مكرّما

وأصفح عن جور البعاد وأعذر

وأرتع في ظلّ الجنان منعّما

وأمني بقرب من حماك وأجبر

هناك هناك القرب فانعم بنيله

بحيث ثوى جسم كريم مطهّر

ودع عنك تطواف البلاد وخيّم (٤)

بطيبة طابت فهي مسك وعنبر

فخرت بمدحي للنّبيّ محمد

ومن مدحه المدّاح يزهى ويفخر

أطلت وإنّي في المديح مقصّر

فكلّ طويل في معاليك يقصر

ما بلغت كفّ امرئ متناول

بها المجد إلّا والذي نلت أكبر

وما بلغ المهدون في القول مدحة

وإن أطنبوا إلّا الذي فيك أفخر

عليك صلاة الله ما مرّ سبق

إليك وما هبّ النّسيم المعطّر

وقال يرثي ابنا نجيبا ثكله بغرناطة : [الطويل]

شباب ثوى شابت عليه المفارق

وغصن ذوى تاقت إليه الحدائق

على حين راق النّاظرين بسوقه

رمته سهام للعيون رواشق

فما أخطأت منه الفؤاد بعمدها

فلا أبصرت تلك العيون الرّوانق

وحين تدانى للكمال هلاله

ألمّ به نقص وجدّت مواحق

إلى الله أشكو فهو يشكى نوازعا

عظاما سطاها للعظام عوارق

ولا مثل فقدان البنيّ فجيعة

وإن طال ما لجّت وجلّت بوائق

محمد إنّ الصّبر صبر وعلقم

على أنه حلو المثوبة سابق

فإن جزعا فالله للعبد عاذر

وإن جلدا فالوعد لله صادق

وتالله ما لي بعد عيشك لذّة

ولا راقني مرأى لعيني رائق

__________________

(١) في الأصل : «فعرّجوا» وكذا ينكسر الوزن. وأعرجوا : ادخلوا في وقت غيبوبة الشمس. محيط المحيط (عرج).

(٢) في الأصل : «كمل» ، وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

(٣) في الأصل : «كفّا» ، وكذا ينكسر الوزن.

(٤) في الأصل : «وخيمن».

١٠٦

فأني به والمذكرات عديدة

فنبل وهمّ للعوائد خارق

فإن ألتفت (١) فالشخص للعين ماثل

وإن أستمع فالصّوت للأذن طارق

وإن أدع شخصا باسمه لضرورة

فإنّ أسمك المحبوب للنّطق سابق

وإن تقرع الأبواب راحة قارع

يطر (٢) عندها قلب لذكرك خافق

وكلّ كتاب قد حويت فمذكر

وآثاره كلّ إليك توائق

سبقت كهولا (٣) في الطّفولة لا تني

وأرهقت أشياخا وأنت مراهق

فلو لم يغلك الموت دمت مجلّيا

وأقبل سكّيتا وجيئا (٤) ولا حق

على مهل أحرزت ما شئت ثانيا

عنانك لا تجهد وأنت مسابق

رأتك المنايا سابقا فأغرتها

فجدّ طلابا إنّهن لواحق

لئن سلبت منّي نفيس ذخائر

فإنّي بمذخور الأجور لواثق

وقد كان ظنّي أنّني لك سابق

فقد صار علمي أنّني بك لاحق

غريبين كنّا فرّق البين بيننا

فأبرح ما يلقى الغريب المفارق

فبين وبعد بالغريب توكّلا

قد رعى بما حملت والله ضائق (٥)

عسى وطن يدنو فتدنو له (٦) منى

وأيّ الأماني والخطوب عوائق؟

فلولا الأسى ذاب الفؤاد من الأسى

ولو لا البكا لم يحمل الحزن طائق

فخطّ الأسى خطّا تروق سطوره

وتمحو البكا فالدّمع ماح وساحق

فيا واحدا قد كان للعين نورها

عليك ضياء (٧) بعد بعدك غاسق

عليك سلام الله ما جنّ ساجع

وما طلعت شمس وما ذرّ شارق

وما همعت سحب غواد روائح

وما لمعت تحدو الرّعود بوارق

وجاد على مثواك غيث مروّض

عباد (٨) لرضوان الإله موافق

__________________

(١) في الأصل : «فأين التفتّ» وكذا لا يستقيم المعنى والوزن.

(٢) في الأصل : «يطير» وكذا ينكسر الوزن ، والوجوب جزمه لأنه جواب الشرط.

(٣) في الأصل : «كهولة» وكذا لا يستقيم الوزن والمعنى.

(٤) في الأصل : «وجيية» وكذا لا يستقيم الوزن والمعنى.

(٥) عجز هذا البيت مختل الوزن والمعنى.

(٦) كلمة «له» ساقطة في الأصل.

(٧) في الأصل : «تل ضيا» وكذا ينكسر الوزن ولا معنى له.

(٨) في الأصل : «عبّاد» بتشديد الباء ، وكذا ينكسر الوزن.

١٠٧

محنته : تعرّض إليه قوم يوم قتل صديقه أبي عبد الله الحكيم بإذاءة قبيحة ، وأسمع كل شارق من القول على ألسنة زعانفة فجّر وترهم القتيل ، فتخلّص ولا تسل كيف ، وأزمع الرّحيل فلم يلبث بعد ذلك.

وفاته : كانت وفاته بمدينة فاس ، في اليوم الثامن من شهر المحرم مفتتح عام أحد وعشرين وسبعمائة. ودفن في الجبانة التي بخارج باب الفتوح بالرّوضة المعروفة بمطرح الجنّة ، التي اشتملت على العلماء والصلحاء والفضلاء ، من الغرباء الواردين مدينة فاس ، وكان مولده بسبتة عام سبعة وخمسين وستمائة.

محمد بن علي بن هاني اللّخمي السّبتي (١)

يكنى أبا عبد الله ، ويعرف باسم جدّه ، أصلهم من إشبيلية.

حاله : كان ، رحمه الله ، فريد دهره في سموّ الهمّة ، وإيثار الاقتصاد والتّحلّي بالقناعة ، وشموخ الأنف على أهل الرّئاسة ، مقتصرا على فائدة ربع له ببلده ، يتبلّغ مع الاستقامة ، مع الصّبر والعمل على حفظ المروءة ، وصون ماء الوجه ، إماما في علم العربيّة ، مبرّزا متقدّما فيه ، حافظا للأقوال ، مستوعبا لطريق الخلاف ، مستحضرا لحجج التّوجيه ، لا يشقّ في ذلك غباره ، ريّان من الأدب ، بارع الخطّ ، سهل مقادة الكلام ، مشاركا في الأصلين ، قائما على القراءات ، حسن المجلس ، رائق البزّة ، بارع المحاضرة ، فائق التّرسّل ، متوسط النّظم ، كثير الاجتهاد والعكوف ، مليح الخلق ، ظاهر الخشوع ، قريب الدّمعة ، بيته شهير الحسب والجلالة.

وجرى ذكره في «الإكليل الزاهر» بما نصّه (٢) : علم تشير إليه الأكفّ (٣) ، ويعمل إلى لقائه الحافر والخفّ (٤) ، رفع للعربيّة ببلده راية لا تتأخّر ، ومرج منها لجّة تزخر ، فانفسح مجال درسه ، وأثمرت أدواح غرسه ، فركض بما (٥) شاء وبرّح ، ودوّن وشرح ، إلى شمائل تملّك (٦) الظّرف زمامها ، ودعابة راشت الحلاوة سهامها. ولمّا أخذ المسلمون في منازلة الجبل (٧) وحصاره ، وأصابوا الكفر منه بجارحة

__________________

(١) ترجمة ابن هاني اللخمي في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٨١).

(٢) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٨١ ـ ٣٨٢).

(٣) قوله : تشير إليه الأكفّ : كناية عن الشهرة.

(٤) يعمل إلى لقائه الحافر والخفّ : كناية عن أنه مقصود من كل الناس.

(٥) في النفح : «ما».

(٦) في المصدر نفسه : «يملك».

(٧) يقصد جبل طارق أو جبل الفتح.

١٠٨

أبصاره ، ورموا بالثّكل فيه نازح أمصاره ، كان ممّن انتدب وتطوّع ، وسمع النّداء فأهطع (١) ، فلازمه إلى أن نفد لأهله القوت ، وبلغ من فسحة (٢) الأجل الموقوت ، فأقام الصّلاة بمحرابه ، وقد (٣) غيّر محيّاه طول اغترابه ، وبادره الطّاغية قبل أن يستقرّ نصل الإسلام في قرابه (٤) ، أو يعلق أصل الدّين في ترابه. وانتدب إلى الحصار به وتبرّع ، ودعاه أجله فلبّى وأسرع. ولمّا هدر عليه الفنيق (٥) ، وركعت إلى قبلته المجانيق (٦) ، أصيب بحجر دوّم عليه كالجارح المحلّق ، وانقضّ إليه انقضاض البارق المتألّق ، فاقتنصه واختطفه ، وعمد إلى زهره فقطفه (٧) ، فمضى إلى الله طوع نيّته ، وصحبته غرابة المنازع حتى في منيّته (٨).

مشيخته : قرأ على الأستاذ العلّامة أبي إسحاق الغافقي ، وعلى الأستاذ النحوي أبي بكر بن عبيدة ، واعتمد عليه ، وقرأ على الإمام الصالح أبي عبد الله بن حريث.

تواليفه : ألّف (٩) كتبا ، منها (١٠) كتاب «شرح التّسهيل لابن مالك» ، وهو أجلّ كتبه ، أبدع فيه ، وتنافس الناس فيه. ومنها (١١) «الغرّة الطّالعة في شعراء المائة السابعة» ، ومنها (١٢) «إنشاد الضّوّال ، وإرشاد السّوّال في لحن العامة» ، وهو كتاب (١٣) مفيد ، و (١٤) «قوت المقيم». ودوّن ترسّل (١٥) رئيس الكتّاب أبي المطرّف بن عميرة وضمّه في سفرين. وله رجز (١٦) في الفرائض مفيد.

شعره : حدّثنا (١٧) شيخنا القاضي الشّريف ، نسيج وحده ، أبو القاسم الحسني ، قال : خاطبت الأستاذ أبا عبد الله بن هانىء ، رحمه الله ، بقصيدة من نظمي أولها (١٨) :

__________________

(١) أهطع : أسرع. لسان العرب (هطع).

(٢) في الأصل : «فتحة» والتصويب من النفح.

(٣) في النفح : «وحيّاه وقد ...».

(٤) القراب : جفن السيف وغمده. لسان العرب (قرب).

(٥) في الأصل : «الفتيق» والتصويب من النفح. والفنيق : الفحل من الإبل. لسان العرب (فنق).

(٦) في النفح : «وركع إلى قبلة المنجنيق».

(٧) في النفح : «فاقتطفه».

(٨) في النفح : «أمنيته».

(٩) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٨٢).

(١٠) في النفح : «منها شرح «تسهيل الفوائد» لابن مالك ، مبدع تنافس الناس فيه ...».

(١١) في النفح : «وكتاب».

(١٢) في النفح : «وكتاب».

(١٣) في النفح : «وكتاب».

(١٤) كلمة «كتاب» ساقطة في النفح.

(١٥) في النفح : «ترسيل أبي المطرّف ...».

(١٦) في النفح : «جزء».

(١٧) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٨٢) وجاء فيه : «وحدّثني شيخنا الشريف القاضي أبو القاسم قال : خاطبت ابن هانىء بقصيدة ...».

(١٨) الشعر في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٨٢ ـ ٣٨٣).

١٠٩

[البسيط]

هات (١) الحديث عن الرّكب (٢) الذي شخصا

فأجابني عن ذلك بقصيدة في رويّها (٣) :

لو لا مشيب بفودي للفؤاد عصى

نضيت (٤) في مهمه التّشبيب لي قلصا (٥)

واستوقفت عبراتي وهي جارية

وكفاء توهم ربعا للحبيب قصا

مسائلا عن لياليه التي انتهزت

أيدي الأماني بها ما شئته فرصا

وكنت جاريت فيها من جرى طلقا

من الإجادة لم يحجم (٦) ولا نكصا

أصاب شاكلة المرميّ حين رمى

من الشّوارد ما لولاه ما اقتنصا

ومن أعدّ مكان النّبل نبل حجا

لم يرض إلّا بأبكار النّهى قنصا

ثم انثنى ثانيا عطف النّسيب إلى

مدح به قد غلا ما كان قد رخصا

فظلت أرفل فيها لبسة شرفت

ذاتا ومنتسبا أعزز به قمصا

يقول فيها وقد خولت منحتها

وجرّع الكاشح المغرى بها غصصا (٧)

هذي عقائل وافت منك ذا شرف

لو لا أياديه بيع الحمد مرتخصا

فقلت : هلّا عكست القول منك له

ولم يكن قابلا من (٨) مدحه الرّخصا؟

وقلت : ذي بكر فكر من أخي شرف

يردي ويرضي بها الحسّاد والخلّصا

لها حلى حسنيّات على حلل

حسنيّة تستبي من حلّ أو شخصا

خوّلتها وقد اعتزّت ملابسها

بالبخت ينقاد للإنسان ما عوصا (٩)

خذها أبا قاسم منّي نتيجة ذي

ودّ إذا شئت ودّا للورى خلصا

جاءت تجاوب عمّا قد بعثت به

إن كنت تأخذ من درّ النحور حصا

__________________

(١) في الأصل : «هلّت» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(٢) في الأصل : «الكرب» والتصويب من النفح.

(٣) في النفح : «فأجابني بقصيدة على رويّها أولها».

(٤) في النفح : «أنضيت».

(٥) القلص : جمع قلوص وهي الناقة. لسان العرب (قلص).

(٦) في النفح : «لم يجمح».

(٧) جرّع : سقي. والكاشح : المبغض. والغصص : جمع غصّة وهي عدم انسياغ الطعام في الحلق.

لسان العرب (جرع) و (كشح) و (غصص).

(٨) في النفح : «في».

(٩) عوص : صعب. لسان العرب (عوص).

١١٠

وهي طويلة. وممّا ينسب إليه ، وهو مليح في معناه (١) : [الكامل]

ما للنّوى مدّت لغير ضرورة

ولقبل ما عهدي بها مقصوره

إنّ الخليل وإن دعته ضرورة

لم يرض ذاك فكيف دون ضروره

وقال مضمّنا : [الرمل]

لا يلمني عاذلي حتى يرى (٢)

وجه من أهوى فلومي مستحيل

لو رأى وجه حبيبي عاذلي

لتفارقنا على وجه جميل

وقال في الفخر : [الكامل]

قل للموالي : عش بغبطة حامد

وللمعادي : بت بضغنة حاسد

المزن كفّي والثريّا همّتي

وذكاء (٣) ذكري والسّعود مقاصدي (٤)

وقال في غير ذلك : [البسيط]

غنيت بي دون غيري الدّهر عن مثل

بعضي لبعضي أضحى يضرب المثلا

ظهري انحنى لمشيب لاح وا عجبا

غضّ إذا أينعت أزهاره ذبلا

أذاك (٥) أم زهر لاحت تخبّر أن

يوم الصّبا والتّصابي آنس الطّفلا

ومما جمع فيه بين نظمه ونثره ، ما راجع به شيخنا القاضي الشريف أبا القاسم الحسني ، عن القصيدة الهمزية التي ثبتت في اسمه (٦) : [الكامل]

يا أوحد الأدباء أو يا أوحد ال

فضلاء أو يا أوحد الشّرفاء

من ذا تراه أحقّ منك إذا التوت

طرق الحجاج بأن يجيب ندائي (٧)

أدب أرقّ من الهواء وإن تشا

فمن الهوا والماء والصّهباء

وألذّ من ظلم (٨) الحبيب وظلمه

بالظّاء مفتوحا وضمّ الظّاء

ما السّحر إلّا ما تصوغ بنانه

ولسانه من حلية الإنشاء

[والفضل ما حلّيته وحبيته

وحبوتني منه بخير حباء

__________________

(١) هذان البيتان والبيتان التاليان في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٨٣).

(٢) في النفح : «لا تلمني عاذلي حين ترى».

(٣) في الأصل : «وذكا» وهكذا ينكسر الوزن.

(٤) في الأصل : «مقاصد» بدون ياء.

(٥) في الأصل : «أذلك» وهكذا ينكسر الوزن.

(٦) بعض أبيات هذه القصيدة في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٨٣ ـ ٣٨٤).

(٧) في الأصل : «نداء» ، والتصويب من النفح.

(٨) الظّلم ، بفتح الطاء وسكون اللام : الريق. لسان العرب (ظلم).

١١١

أبكار فكرك قد زفّت (١) بمدحتي

تمشي روائعها على استحياء

لا من قصور بل لتقصيها

من حيث لم يظفرن بالإرفاء

لكن جبرن وقد جبلن على الرضا

فالجبر للأبكار للآباء

هذا إلى الشّرف الذي قد فزت

علياءه (٢) بالعزّة القعساء

شرف السّليل من الرسول وسيلة

قامت بابن ) سنا وابن (٤) سناء

حسن أبو (٥) حسن وفاطمة ابنة ال

هادي البريّة خاتم النّبلاء

شرف على شرف إلى شرفين

من حائز (٦) ما حزت من علياء

هذي ثلاث أنت واحد فخرها

فاشمخ لها شرفا بأنف علاء

من رام رتبتك السّنيّة فليقف

دون المرام مواقف الإقصاء

هذي مآثر قد شأوت بصيتها

من كان من آب لها أو شاء

واللّيث يرهب زأره في موطن

ما كان من نقد به أو شاء

يكفيك من نكد المعاند أن يرى

متقلّد الأعضاء بالبغضاء

السّنّ يفنى بالأنامل قرعه

أو عضّه متوقّد الأحشاء

أتحفتني بقصيدة همزيّة

مقصورة ممدودة الآراء

كم بين تلك وهذه لكنّها

غطّى على هذي ذهاب فتائي (٧)

ذو الشيب يعذره الشّباب فما لهم

بذكاء (٨) نبل أو بنبل ذكاء

من قارب الخمسين خطوا سنّه

فمحاله مستوجب الإبطاء

أبنيّ ، إنك أنت أسدى من به

يتعاظم الآباء بالأبناء](٩)

لله نفثة سحر ما قد شدت لي

من نفث سحرك في مشاد ثناء

عارضت صفوانا بها فأريت ما

يستعظم الرّاوي له والرّائي (١٠)

لو راء لؤلؤك المنظّم لم يفز

في (١١) نظم لؤلؤه بغير عناء

__________________

(١) في الأصل : «زفّفت» وهكذا ينكسر الوزن.

(٢) في الأصل : «من عليائه» وهكذا ينكسر الوزن.

(٣) في الأصل : «بابن» وهكذا ينكسر الوزن ، لذا جعلنا همزة الوصل همزة قطع للضرورة الشعرية.

(٤) في الأصل : «بابن» وهكذا ينكسر الوزن ، لذا جعلنا همزة الوصل همزة قطع للضرورة الشعرية.

(٥) في الأصل : «وأبو» وهكذا ينكسر الوزن.

(٦) في الأصل : «من ذا حاز ...» وهكذا ينكسر الوزن.

(٧) في الأصل : «فتاء» بدون ياء.

(٨) في الأصل : «بذكا» وهكذا ينكسر الوزن.

(٩) ما بين قوسين ساقط في نفح الطيب.

(١٠) في الأصل : «والراء» والتصويب من النفح.

(١١) في النفح : «من».

١١٢

بوّأتني منها أجلّ مبوّإ

فلأخمصي مستوطن (١) الجوزاء

وسما بها اسمي سائرا (٢) فأنا بما

أسديت ذو الأسماء في الأسماء

وأشدت ذكري في البلاد فلي بها

طول الثّناء وإن أطلت ثوائي (٣)

ولقومي الفخر المشيد بنيته

يا حسن (٤) تشييد وحسن بناء

فليهن هانيهم يد بيضاء ما

إن مثلها لك من يد بيضاء

حلّيت أبياتا لهم (٥) لخميّة

تجلى على (٦) مضريّة غرّاء

فليشمخوا أنفا بما أوليتهم

يا محرز الآلاء بالإيلاء

هذا (٧) ، بنيّ ، وصل الله سبحانه (٨) لك ولي بك علوّ المقدار ، وأجرى وفق أو فوق إرادتك أو (٩) إرادتي لك جاريات الأقدار! ما سمح (١٠) به الذهن الكليل ، واللسان الفليل ، في مراجعة قصيدتك الغرّاء ، الجالية السّراء (١١) ، الآخذة بمجامع القلوب ، الآتية (١٢) بجوامع المطلوب ، الحسنة المهيع (١٣) والأسلوب ، المتحلّية بالحلى السّنيّة (١٤) ، العريقة المنتسب في العلى الحسنيّة ، الجالية صدأ (١٥) قلوب ران عليها الكسل ، وخانها المسعدان السّؤل والأمل ، فمتى حامت المعاني حولها ، ولو أقامت حولها ، شكت ويلها وعولها ، وحرمت من فريضة الفضيلة عولها ، وعهدي بها والزمان زمان ، وأحكامه (١٦) الماضية أمانيّ مقضيّة وأمان ، تتوارد ألّافها ، ويجمع إجماعها وخلافها ، ويساعدها من الألفاظ كلّ سهل ممتع ، مفترق مجمع (١٧) ، مستأنس غريب ، بعيد الغور قريب ، فاضح الحلا ، واضح العلا ، وضّاح الغرّة والجبين ، رافع عمود الصبح المبين ، أيّد من الفصاحة بأياد ، فلم يحفل بصاحبي طيّ وإياد ، وكسي

__________________

(١) في النفح : «مستوطئ».

(٢) في الأصل : «سائر» والتصويب من النفح.

(٣) في الأصل : «ثواء» والتصويب من النفح.

(٤) في الأصل : «بأحسن» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(٥) في النفح : «له».

(٦) في الأصل : «بحلا علا» والتصويب من النفح.

(٧) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٨٤ ـ ٣٨٧).

(٨) كلمة «سبحانه» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من النفح.

(٩) في النفح : «وإرادتي».

(١٠) في النفح : «ما سنح».

(١١) في الأصل : «الجالية للسّرّاء» ، والتصويب من النفح.

(١٢) في النفح : «الموفية».

(١٣) المهيع : الطريقة. لسان العرب (هيع).

(١٤) في الأصل : «الحسنية» والتصويب من النفح.

(١٥) في النفح : «لصدإ القلوب».

(١٦) في النفح : «وأحكامها».

(١٧) في النفح : «مجتمع».

١١٣

بضاعة (١) البلاغة ، فلم يعبأ بهمّام وابن المراغة (٢). شفاء المحزون ، وعلم السّرّ (٣) المخزون ، ما بين منثوره والموزون. والآن لا ملهج ولا مبهج ، ولا مرشد ولا منهج ، عكست القضايا فلم تنتج ، فتبلّد القلب الذّكي ، ولم يرشح القليب البكي (٤) ، وعمّ الإفحام ، وغمّ الإحجام ، وتمكّن الإكداء والإجبال ، وكوّرت الشّمس وسيّرت الجبال ، وعلت سآمة ، وغلبت ندامة ، وارتفعت ملامة ، وقامت لنوعي الأدب قيامة. حتى إذا ورد ذلك المهرق ، وفرّع غصنه المورق ، تغنّى (٥) به الحمام الأورق ، وأحاط بعداد عداته الغصص والشّرق ، وأمن من الغصب والسّرق ، وأقبل الأمن وذهب بإقباله الفرق ، نفخ في صور أهل المنظوم والمنثور ، وبعثر ما في القبور ، وحصّل ما في الصدور ، وتراءت للأدب صور ، وعمرت للبلاغة كور ، وهمت لليراعة درر ، ونظمت للبراعة درر ، وعندها يتبيّن (٦) أنك واحد حلبة البيان ، والسّابق في ذلك الميدان ، يوم الرّهان ، فكان لك القدم ، وأقرّ لك مع التأخر السّابق الأقدم ، فوحقّ نصاعة ألفاظ أجدتها ، حين أوردتها ، وأسلتها حين أرسلتها ، وأزنتها حين وزنتها ، وبراعة معان سلكتها حين ملكتها ، وأرويتها حين روّأتها (٧) وأرويتها ، وأصلتها حين فصّلتها ووصلتها (٨) ، ونظام جعلته لجسد (٩) البيان قلبا ، ولمعصمه قلبا (١٠) ، وهصرت حدائقه غلبا ، وارتكبت رويّه (١١) صعبا ، ونثار (١٢) أتبعته له خديما ، وصيّرته لمدير كأسه نديما ، ولحفظ (١٣) ذمامه المداميّ أو مدامه الذّماميّ مديما ، لقد فتنتني حين أتتني ، وسبتني حين نصبتني (١٤) ، فذهبت خفّتها بوقاري ، ولم يرعها بعد شيب عذاري ، بل دعت للتّصابي فقلت مرحبا ، وحللت لفتنتها الحبا ، ولم أحفل بشيب ، وألفيت ما ردّ نصابي نصيب (١٥) ، وإن كنّا فرسي رهان ، وسابقي حلبة ميدان ، غير أنّ الجلدة

__________________

(١) في النفح : «نصاعة».

(٢) همّام : هو الفرزدق. وابن المراغة : هو جرير بن عطية.

(٣) في النفح : «سرّ».

(٤) في النفح : «ولم يرشح القلم الذكي».

(٥) في النفح : «وتغنّى».

(٦) في النفح : «تبين».

(٧) في النفح : «رويتها أو روّيتها».

(٨) في النفح : «أو وصلتها».

(٩) في النفح : «بجسد».

(١٠) في الأصل : «والمعصمة قلما» والتصويب من النفح. والقلب : السوار. لسان العرب (قلب).

(١١) في الأصل : «روية» والتصويب من النفح. وهنا يشير إلى صعوبة القافية وإن كانت همزية ، وهي غير صعبة.

(١٢) في الأصل : «ونثارا» والتصويب من النفح.

(١٣) في النفح : «ولحفظه».

(١٤) في النفح : «اطّبتني».

(١٥) يشير هنا إلى قول نصيب [الوافر]

ولو لا أن يقال صبا نصيب

لقلت بنفسي النشء الصغار ـ

١١٤

بيضاء ، والمرجوّ الإغضاء ، بل الإرضاء. بنيّ ، كيف رأيت للبيان هذا الطّوع ، والخروج فيه من نوع إلى نوع؟ أين صفوان بن إدريس ، ومحلّ دعواه بين رحلة وتعريس (١)؟ كم بين ثغاء بقر (٢) هذا الفلا ، وبين زئير ليث العريس؟ كما أني أقطع (٣) علما ، وأعلم قطعا ، وأحكم مضاء وأمضى حكما ، أنه لو نظر إلى قصيدتك الرّائقة ، وفريدتك الحالية الفائقة ، المعارضة بها قصيدته ، المنتسخة بها فريدته ، لذهب عرضا وطولا ، ثم اعتقد لك اليد الطّولى ، وأقرّ بارتفاع (٤) النّزاع ، وذهبت له تلك العلالات (٥) والأطماع ، ونسي كلمته اللّؤلؤية ، ورجع عن دعواه الأدبيّة ، واستغفر الله ربّه من تلك الإلهية (٦). بنيّ ، وهذا من ذلك ، من الجري في تلك المسالك ، والتّبسّط في تلك المآخذ والمتارك ، أينزع غيري هذا المنزع؟ أم المرء بشعره (٧) وابنه مولع؟ حيّا الله الأدب وبنيه ، وأعاد علينا من أيّامه وسنيه! ما أعلى منازعه ، وأكبا منازعه ، وأجلّ مآخذه ، وأجهل تاركه وأعلم آخذه ، وأرقّ طباعه ، وأحقّ أشياعه وأتباعه ، وأبعد طريقه ، وأسعد فريقه ، وأقوم نهجه ، وأوثق نسجه ، وأسمح ألفاظه ، وأفصح عكاظه ، وأصدق معانيه وألفاظه ، وأحمد نظامه ونثاره ، وأغنى شعاره ودثاره ، فعائبه مطرود ، وعاتبه مصفود ، وجاهله محصود ، وعالمه محسود ، غير أن الإحسان فيه قليل ، ولطريق الإصابة فيه علم ودليل ، من ظفر بهما وصل ، وعلى الغاية القصوى منهما (٨) حصل ، ومن نكب عن الطريق ، لم يعدّ من ذلك الفريق ، فليهنك أيها الابن الذّكيّ ، البرّ الزّكيّ ، الحبيب الحفيّ (٩) ، الصّفيّ الوفيّ ، أنك حامل رايته ، وواصل غايته ، ليس أوّلوه وآخروه لذلك بمنكرين ، ولا تجد أكثرهم شاكرين. ولو لا أن يطول الكتاب ، وينحرف الشّعراء والكتّاب ، لفاضت ينابيع هذا الفصل (١٠) فيضا ، وخرجت إلى نوع آخر من البلاغة أيضا ، قرّت عيون أودّائك (١١) ، وملئت غيظا صدور أعدائك ، ورقيت درج الآمال ، ووقيت عين الكمال ، وحفظ منصبك العالي ، بفضل ربّك الكبير المتعالي. والسلام

__________________

ـ وترجمة نصيب في الأغاني (ج ١ ص ٣١٢) والشعر والشعراء (ص ٣٢٢).

(١) التعريس : النزول ليلا للراحة. لسان العرب (عرس).

(٢) في النفح : «بقر الفلاة وبين ليث الفريس».

(٣) في النفح : «أعلم قطعا ، وأقطع علما».

(٤) في النفح : «فارتفع».

(٥) في النفح : «العلاقات».

(٦) في النفح : «الأليّة».

(٧) في النفح : «بنفسه».

(٨) في النفح : «منه».

(٩) الحفيّ : الذي يبالغ في السؤال عن الشيء. لسان العرب (حفي).

(١٠) في النفح : «الفضل».

(١١) الأودّاء : جمع ودود وهو المحبّ. لسان العرب (ودد).

١١٥

الأتم (١) الأكمل الأعمّ ، يخصّك به من طال في مدحه إرقالك وإغذاذك (٢) ، وراد روض حمده (٣) طلّك ورذاذك ، وغدت مصالح سعيه في سعي مصالحك ، وسينفعك بحول الله وقوته وفضله ومنّته معاذك ، ووسمت نفسك بتلميذه فسمت نفسه بأنه أستاذك ، ابن هانىء ، ورحمة الله وبركاته.

دخوله غرناطة : دخل غرناطة مع الوفد من أهل بلده عند تصيّرها إلى الإيالة النّصرية ، حسبما ثبت في موضعه.

وفاته : توفي بجبل الفتح ، والعدوّ يحاصره ، أصابه حجر المنجنيق في رأسه ، فذهب به ، تقبّل الله شهادته ونفعه ، في أواخر ذي قعدة ، من عام ثلاثة وثلاثين وسبعمائة (٤).

وممّن رثاه قاضي الجماعة شيخنا القاضي أبو القاسم الحسني ، وهي القصيدة التي أولها (٥) : [الطويل]

سقى الله بالخضراء أشلاء سؤدد

تضمّنهنّ التّرب صوب الغمائم

وقد ثبت في «جهد المقل» في اسم المذكور ، فلينظر هنالك.

وممّن رثاه شيخنا القاضي أبو بكر بن شبرين ، رحمه الله بقوله (٦) : [مجزوء الكامل]

قد كان ما قال اليزيد (٧)

فاصبر فحزنك لا يفيد

أودى ابن هانىء الوضا

فاعتادني للثّكل عيد

بحر العلوم وصدرها

وعميدها إذ لا عميد

قد كان زينا للوجو

د ففيه قد فجع الوجود

العلم والتّحقيق والت

وفيق والحسب التّليد

تندى خلائقه فقل

فيها : هي الرّوض المجود

__________________

(١) في النفح : «الأتمّ الأتمّ الأكمل ...».

(٢) الإرقال والإغذاذ : ضربان من السير السريع. لسان العرب (رقد) و (غذذ).

(٣) في النفح : «حمدك وابلك وطلّك ورذاذك».

(٤) في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٨٨): «وكانت وفاته شهادة في أواخر ذي القعدة عام ثلاثة وسبعمائة».

(٥) البيت في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٨٨).

(٦) قصيدة ابن شبرين في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٨٨ ـ ٣٨٩).

(٧) في النفح : «البريد».

١١٦

مغض عن الإخوان لا

جهم اللقاء ولا كنود (١)

أودى شهيدا باذلا

مجهوده نعم الشّهيد

لم أنسه حين المعا

رف باسمه فينا تشيد

وله صبوب في طلا

ب العلم يتلوه صعود

لله وقت كان ين

ظمنا كما نظم الفريد

أيام نغدو أو نرو

ح وسعينا السّعي الحميد

وإذا المشيخة جثّم

هضبات حلم لا تبيد (٢)

ومرادنا جمّ النّبا

ت وعيشنا خضر برود (٣)

لهفي على الإخوان وال

أتراب كلّهم فقيد

لو جئت أوطاني لأن

كرني التّهائم والنّجود

ولراع نفسي شيب من

غادرته وهو الوليد

ولطفت ما بين اللّحو

د وقد تكاثرت اللّحود

سرعان ما عاث الحما

م ونحن أيقاظ هجود

كم رمت إعمال المسي

ر فقيّدت عزمي قيود

والآن أخلفت الوعو

د وأخلقت تلك البرود

ما للفتى ما يبتغي

والله (٤) يفعل ما يريد

أعلى القديم الملك يا

ويلاه يعترض العبيد

يا بين ، قد طال المدى

أرعد وأبرق يا يزيد (٥)

ولكل شيء غاية

ولربما لان الحديد

إيه أبا عبد الإل

ه ودوننا مرمى بعيد

أين الرسائل منك تأ

تينا كما نظم (٦) العقود؟

أين الرّسوم الصالحا

ت؟ تصرّمت ، أين العهود؟

__________________

(١) الكنود : كافر النعمة ، البخيل. لسان العرب (كند).

(٢) في النفح : «لا تميد».

(٣) في الأصل : «خضر البرود» والتصويب من النفح.

(٤) في النفح : «فالله».

(٥) في النفح : «أبرق وأرعد ...». وقد أخذ المعنى من قول الكميت [مجزوء الكامل] :

أرعد وأبرق يا يزي

د فما وعيدك بضائر

 (٦) في النفح : «نسق».

١١٧

أنعم مساء لا تخطّت

ك (١) البشائر والسّعود

وأقدم على دار الرّضا

حيث الإقامة والخلود

والق الأحبّة حيث دا

ر الملك والقصر المشيد

حتى الشّهادة لم تفت

ك فنجمك النّجم السّعيد

لا تبعدن وعدا (٢) لو أن

ن الميت (٣) في الدنيا يعود

ولئن (٤) بليت فإنّ ذكر

ك في الدّنا غضّ جديد

تالله لا تنساك أن

دية العلى ما اخضرّ عود

وإذا تسومح في الحقو

ق فحقّك الحقّ الأكيد

جادت صداك غمامة

يروى (٥) بها ذاك الصّعيد

وتعهّدتك من المهي

من رحمة أبدا وجود

محمد بن يحيى العبدري

من أهل فاس ، يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بالصّدفي.

حاله : قال الأستاذ في «صلته» (٦) : إمام في العربية ، ذاكر للّغات والآداب ، متكلم ، أصولي مفيد ، متفنّن ، حافظ ، ماهر ، عالم ، زاهد ، ورع ، فاضل. أخذ علم العربية والآداب عن النّحوي أبي الحسن بن خروف ، وعن النّحوي الأديب الضّابط أبي ذرّ الخشني ، وأكثر عنهما ، وأكمل الكتاب على ابن خروف ، تفقّها وتقييدا وضبطا. وكان حسن الإقراء ، جيّد العبارة ، متين المعارف والدّين ، شديد الورع ، متواضعا جليلا ، عالما عاملا ، من أجلّ من لقيته ، وأجمعهم لفنون المعارف ، وضروب الأعمال ، وكان الحفظ أغلب عليه ، وكان سريع القلم إذا كتب أو قيّد ، وسمعته يقول : ما سمعت شيئا من أحد من أشياخي ، من نكت العلم ، وتفسير مشكل ، وما يرجع إلى ذلك ، إلّا وقيّدته ، ولا قيّدت بخطّي شيئا إلّا حفظته ، ولا حفظت شيئا فنسيته. هذا ما سمعت منه.

__________________

(١) في النفح : «لا تخطّيك».

(٢) في الأصل : «وعد» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(٣) في النفح : «البدء».

(٤) في النفح : «فلئن».

(٥) في النفح : «يرمي».

(٦) الأستاذ هو أبو جعفر بن الزبير ، وكتابه هو : «صلة الصلة».

١١٨

مشيخته : أخذ العربيّة عن الأستاذ أبي الحسن بن خروف ، وعن النّحوي الأديب الضّابط أبي ذرّ الخشني ، وأكثر عنه ، وأخذ معهما عن أبي محمد بن زيدان ، ولازم ثلاثتهم ، وسمع وقرأ على الفقيه الصالح أبي محمد صالح ، وأخذ عن غير من ذكر.

دخوله غرناطة : قال : دخل الأندلس مرارا بيسير بضاعة كانت لديه ، يتّجر فيها ، ودخل إشبيلية ، وتردّد آخر عمره إلى غرناطة ومالقة إلى حين وفاته.

وفاته : توفي ، رحمه الله ، شهيدا بمرسى جبل الفتح. دخل عليهم العدوّ فيه ، فقاتل حين قتل ، وذلك سنة إحدى (١) وخمسين وستمائة. وسمعته يتوسل إلى الله ، ويسأله الشهادة.

المحدّثون والفقهاء والطلبة النجباء وأولا الأصليون

محمد بن أحمد بن إبراهيم بن الزّبير (٢)

من أهل غرناطة ، ولد الأستاذ الكبير أبي جعفر بن الزبير ، يكنى أبا عمرو.

حاله : هذا (٣) الشيخ سكّيت حلبة ، ولد أبيه في علوّ النّباهة ، إلّا أنه لوذعي فكه ، حسن الحديث ، رافض للتّصنّع ، ركض طرف الشّبيبة في ميدان الراحة ، منكبا عن سنن أبيه وقومه ، مع شغوف (٤) إدراك ، وجودة حفظ ، كانا يطمعان والده في نجابته ، فلم يعدم قادحا. ورحل إلى العدوة ، وشرّق ونال حظوة ، وجرت عليه خطوب. ثم عاد إلى الأندلس على معروف رسمه يتكوّر بها ، وهو الآن قد نال منه الكبر ، يزجي الوقت (٥) بمالقة ، متعلّلا بوقف (٦) من بعض الخدم المخزنيّة (٧) ، لطف الله به.

مشيخته : استجاز له والده الطّم والرّم ، من أهل المغرب والمشرق ، ووقف عليه منهم في الصّغر وقفا لم يغتبط به عمره ، وادّكره الآن بعد أمّة ، عندما نقر عنه لديه ، فأثرت به يده من علوّ رواية ، وتوفّر سبب مبرّة ، وداعية إلى إقالة عثرة ، وستر

__________________

(١) في الأصل : «أحد» وهو خطأ نحوي.

(٢) ترجمة ابن الزبير في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٣١).

(٣) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٣٢ ـ ٢٣٣).

(٤) في النفح : «شفوف».

(٥) في النفح : «لوقته».

(٦) في النفح : «برمق».

(٧) نسبة إلى المخزن. وجاء في النفح : «المخزونية».

١١٩

هيبة شيبة. فمن ذلك الشيخ الإمام أبو علي ناصر الدين منصور بن أحمد المشدالي ، إجازة ثم لقاء وسماعا ، والشيخ الخطيب الرّاوية أبو عبد الله بن غريون. وأجازه الأستاذ أبو إسحاق الغافقي ، وأبو القاسم بن الشّاط ، والشّريف أبو العباس أحمد الحسني ، والأستاذ الإمام أبو الحسين عبد الله بن أبي الربيع القرشي ، نزيل سبتة. ومحمد بن صالح بن أحمد بن محمد الكتّاني الشّاطبي ببجاية ، والإمام أبو اليمن بن عساكر بالمسجد الحرام ، وابن دقيق العيد وغيرهم. ومن أهل الأندلس أبو محمد بن أبي السّداد ، وأبو جعفر بن الزيات ، وأبو عبد الله بن الكمّاد ، وأبو عبد الله بن ربيع الأشعري ، وأبو عبد الله بن برطال ، وأبو محمد عبد المنعم بن سماك ، والعدل أبو الحسن بن مستقور. وأجازه من أهل المشرق والمغرب عالم كبير.

شعره : وبضاعته فيه مزجاة ، فمن ذلك ما خاطبني به عند إيابي من العدوة في غرض الرسالة عن السلطان (١) : [الوافر]

نوالي الشّكر للرحمن فرضا

علم نعم كست طولا وعرضا

وكم لله من لطف خفيّ

لنا منه الذي قد شا (٢) وأمضى (٣)

بمقدمك السّعيد أتت سعود

ننال (٤) بها نعيم الدّهر محضا

فيا بشرى لأندلس بما قد

به والاك بارينا وأرضى

ويا لله من سفر سعيد

قد أقرضت (٥) المهيمن فيه قرضا

نهضت (٦) بنيّة أخلصت فيها

فأبت (٧) بكل ما يبغي ويرضى

وثبت لنصرة الإسلام لمّا

علمت بأنّ الأمر إليك أفضى

لقد أحييت بالتّقوى رسوما

كما أرضيت بالتّمهيد أرضا

وقمت بسنّة المختار فينا

تمهّد سنّة وتقيم فرضا

ورضت (٨) من العلوم الصّعب حتى

جنيت ثمارها رطبا وغضّا

__________________

(١) القصيدة في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٣١ ـ ٢٣٢).

(٢) أصل القول : «شاء» ، فحذف الهمزة للضرورة الشعرية.

(٣) في الأصل : «الذي يشاء ... وأمضا» ، أي في الأصل بياض مكان كلمة «قد» ، والتصويب من النفح.

(٤) في الأصل : «تنال» والتصويب من النفح.

(٥) في النفح : «قد أقرضك».

(٦) في النفح : «ورحت».

(٧) في الأصل : «فأتت» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(٨) رضت : ذلّلت ومهّدت. لسان العرب (روض).

١٢٠