الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٢

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]

الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]


المحقق: الدكتور يوسف علي طويل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3319-5

الصفحات: ٤٢٤

وامسح لنا عن مقلتيك من الكرى

نوما تكابد من بكا وسهاد

هذا الصباح ولا تهبّ إلى متى

طال الرّقاد ولات حين رقاد

وكأنما قال الرّدى نم وادعا

سبقت إلى البشرى بحسن معاد

أموسّدا تلك الرخام بمرقد

أخشن به من مرقد ووساد

خصبت بقدرك حفرة فكأنها

من جوفها في مثل حرف الصّاد

وثّر لجنبك من أثاث مخيّم

ترب النّدى (١) وصفائح أنضاد

يا ظاعنا ركب السّرى في ليلة

طار الدليل بها وحاد الحادي

أعزز علينا إن حططت بمنزل

تبلى (٢) عن الزّوار والعوّاد

جار الأفراد هنالك جيرة (٣)

سقيا لتلك الجيرة الأفراد!

الساكنين إلى المعاد ، قبابهم

منشورة الأطناب والأغماد

من كل ملقية الجراب بمضرب

ناب البلى فيه عن الأوتاد

بمعرّس السّفر الألى ركبوا السّرى

مجهولة الغايات والآماد

سيّان فيهم ليلة ونهارها

ما أشبه التّأويب بالإسناد

لحق البطون من اللّعب على الطّوى (٤)

وعلى الرّواحل عنفوان الزاد

لله هم فلشدّ ما نفضوا من ام

تعة الحياة (٥) حقائب الأجساد

يا ليت شعري والمنى لك جنّة

والحال مؤذنة بطول بعاد

هل للعلا بك بعدها من نهضة

أم لانقضاء نواك من ميعاد؟

بأبي وقد ساروا بنعشك صارم

كثرت حمائله على الأكتاد (٦)

ذلّت عواتق حامليك فإنّهم

شاموك في غمد بغير نجاد

نعم الذّماء (٧) البرّ ما قد غوّروا

جثمانه بالأبرق المنقاد

علياء (٨) خصّ بها الضريح وإنما

نعم الغوير بأبؤس الأنجاد

__________________

(١) في الأصل : «ندّ» وكذا ينكسر الوزن.

(٢) في الأصل : «تبلّ» وكذا لا يستقيم لا الوزن ولا المعنى.

(٣) صدر البيت منكسر الوزن.

(٤) صدر البيت غير مستقيم الوزن والمعنى. والطّوى : الجوع. محيط المحيط (طوى).

(٥) في الأصل : «... الحياة في حقائب ...» وكذا ينكسر الوزن ، لذا حذفنا كلمة «في».

(٦) الأكتاد : جمع كتد وهو مجتمع الكتفين. لسان العرب (كتد).

(٧) أصل القول : «الذما» بدون همزة ، وكذا ينكسر الوزن.

(٨) أصل القول : «عليا» بدون همزة ، وكذا ينكسر الوزن.

٣٦١

أبني العباس ، أيّ حلاحل

سلبتكم الدّنيا وأيّ مصاد

هل كان إلّا العين وافق سهمها

قدرا فأقصد أيّما إقصاد؟

أخلل بمجد لا يسدّ مكانه

بالإخوة النّجباء والأولاد

ولكم يرى بك من هضاب لم يكن

لولاك غير دكادك ووهاد

ما زلت تنعشها بسيبك قابضا

منها على الأضباع والأعضاد

حتى أراك أبا محمد الرّدى

كيف انهداد بواذخ الأطواد

يا حرّها من جمرة مشبوبة

يلقى لها الأيدي على الأكتاد

كيف العزاء وإنها لرزيّة

خرج الأسى فيها عن المعتاد

صدع النّعاة بها فقلت لمدمعي

كيف انسكابك يا أبا الجوّاد؟

لك من دمي ما شئت غير منهنه

صب كيف شئت معصفر الأبراد

بقصير مجتهد وحسبك غاية

لو قد بلغت بها كبير مراد

أمّا الدموع فهنّ (١) أضعف ناصر

لكنّهنّ كثيرة التّعداد (٢)

ثم السّلام ولا أغبّ قراره

وأرتك صوب روائح وغواد

تسقيك ما سفحت عليك يراعة

في خدّ قرطاس دموع مداد

ومن غراميّاته وإخوانيّاته قوله من قصيدة (٣) : [البسيط]

عاد الحديث إلى ما جرّ أطيبه

والشيء يبعث ذكر الشيء عن سبب

إيه عن الكدية البيضاء إنّ لها

هوى بقلب (٤) أخيك الواله الوصب

راوح بها (٥) السّهل من أكنافها وأرح

ركابنا ليلنا (٦) هذا من التّعب

وانضح نواحيها (٧) من مقلتيك وسل

عن (٨) الكثيب الكريم العهد في الكتب (٩)

وقل لسرحته يا سرحة كرمت

على أبي عامر : عزّي عن السّحب

يا عذبة الماء والظلّ أنعمي طفلا

حيّيت ممسية ميّادة القضب (١٠)

ما ذا على ظلّك الألمى وقد قلصت

أفياؤه لو ضفا شيئا لمغترب

__________________

(١) في الأصل : «فهي» وكذا ينكسر الوزن.

(٢) في الديوان : «الأعداد».

(٣) القصيدة في ديوان الرصافي البلنسي (ص ٣١ ـ ٣٤).

(٤) في الأصل : «يغلب» وكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الديوان.

(٥) في الديوان : «بنا».

(٦) في الديوان : «ليلها».

(٧) في الديوان : «جوانبها».

(٨) في الأصل : «من» والتصويب من الديوان.

(٩) في الديوان : «الكثب» بالثاء المثلثة.

(١٠) في الأصل : «الغضب» والتصويب من الديوان.

٣٦٢

أهكذا تنقضي نفسي لديك ظما

الله في رمق من جارك الجنب (١)

لولاك يا سرح لم يبق (٢) الفلا عطلا

من السّرى ، والدّجى خفاقة الطّنب

ولم نبت نتقاضى من مدامعنا

دينا لتربك من رقراقها السّرب

إنّا (٣) إذا ما تصدّى من هوى طلل

عجنا عليه فحيّيناه عن كثب

مستعطفين سخيّات الشؤون له

حتى تحاك (٤) عليه نمرق (٥) العشب

سلي خميلتك الرّيّا بأيّة (٦) ما

كانت ترفّ بها ريحانة الأدب

عن فتية نزلوا عليا (٧) سرارتها

عفت محاسنهم إلّا من الكتب

محافظين على العليا وربّتما

هزّوا السجايا قليلا بابنة العنب

حتى إذا ما قضوا من كأسها وطرا

وضاحكوها إلى حدّ (٨) من الطّرب

راحوا رواحا وقد زيدت عمائمهم

حلما ودارت على أبهى من الشّهب (٩)

لا يظهر السّكر (١٠) حالا من (١١) ذوائبهم

إلّا التفاف (١٢) الصّبا في ألسن العذب

المنزلين القوافي من معاقلها

والخاضدين لديها شوكة العرب

ومن مقطوعاته قوله (١٣) : [الطويل]

دعاك خليل والأصيل كأنه

عليل يقضّي مدة الزمن الباقي (١٤)

إلى شطّ منساب كأنّك ماؤه

صفاء ضمير أو عذوبة أخلاق (١٥)

ومهوى جناح للصّبا يمسح الرّبى

خفيّ الخوافي والقوادم خفّاق

وفتيان صدق كالنجوم تألّفوا

على النّأي من شتّى بروج وآفاق

__________________

(١) الجار الجنب : الذي يجاور واحدا ونسبه في قوم آخرين ، فهو في الأصل غريب.

(٢) في الديوان : «لم نبق».

(٣) في الديوان : «أخا».

(٤) في الأصل : «يحاك» والتصويب من الديوان.

(٥) في الأصل : «مموّق» ، وكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الديوان.

(٦) في الديوان : «لأيّة».

(٧) في الأصل : «على» والتصويب من الديوان. والسرارة من الشيء : وسطه وأفضله.

(٨) في الأصل : «لدى جدّ» والتصويب من الديوان.

(٩) في الأصل : «أسفى من السّهب» والتصويب من الديوان.

(١٠) في الأصل : «الشكر» والتصويب من الديوان.

(١١) في الأصل : «في» والتصويب من الديوان.

(١٢) في الأصل : «التفات» والتصويب من الديوان.

(١٣) ورد منها في الديوان (ص ١١٧) فقط البيت الثاني.

(١٤) في الأصل : «الباق» بدون ياء.

(١٥) في الأصل : «صفا ضميرا وعذوبة أخلاق» وكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الديوان.

٣٦٣

على حين راح البرق في الجو مغمدا

ظباه ودمع المزن في جفنه راق

وجالت بعيني في الرياض التفاتة

حبست بها كأسي قليلا عن السّاقي (١)

على سطر خيريّ ذكرتك فانثنى

يميل بأعناق ويرنو بأحداق

وقف وقفة المحبوب منه فإنها

شمائل مشغوف بمرآك مشتاق

وصل زهرات منه صفر كأنها

وقد خضلت قطرا محاجر عشّاق

وقال ، وكلفها في حائك ، وهو بديع (٢) : [البسيط]

قالوا وقد أكثروا في حبّه عذلي (٣)

لو لم تهم بمذال (٤) القدر مبتذل

فقلت لو أنّ أمري في الصّبابة لي

لاخترت ذاك ولكن ليس ذلك لي

في كلّ قلب عزيزات مذلّلة

للحسن والحسن ملك حيث جلّ ولي

علّقته حببيّ (٥) الثّغر عاطره

درّيّ لون المحيّا أحور المقل (٦)

إذا تأمّلته أعطاك ملتفتا

ما شئت من لحظات الشّادن الوجل (٧)

هيهات أبغي به من غيره بدلا

أخرى الليالي وهل في الغير من بدل؟

غزيّل لم تزل في الغزل جائلة

بنانه جولان الفكر في الغزل

جذلان تلعب بالمحواك (٨) أنمله

على السّدى لعب الأيام بالأمل (٩)

ما إن يني تعب الأطراف مشتغلا

أفديه من تعب الأطراف مشتغل

ضربا (١٠) بكفّيه أو فحصا بأخمصه

تخبّط الظّبي في أشراك محتبل

وقال (١١) : [الكامل]

ومهفهف كالغصن إلّا أنّه

سلب التّثنّي النوم عن أثنائه

__________________

(١) في الأصل : «الساق» بدون ياء.

(٢) الأبيات في ديوان الرصافي البلنسي (ص ١٢١ ـ ١٢٢). وجاء في المغرب (ج ٢ ص ٣٥٢) : «وقوله في غلام حائك».

(٣) في الأصل : «عذل» والتصويب من الديوان.

(٤) في الأصل : «بمزال» بالزاي ، والتصويب من الديوان. والمذال : الممتهن ، المبتذل.

(٥) في الأصل : «حبيبيّ». وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

(٦) في الديوان : «ألمى المقبّل أحوى ساحر المقل».

(٧) في الديوان : «الغزل».

(٨) في الأصل : «بالمحراك» ، والتصويب من الديوان.

(٩) في الديوان : «بالدول».

(١٠) في الديوان : «جذبا».

(١١) البيتان في ديوان الرصافي البلنسي (ص ٢٨).

٣٦٤

أضحى ينام وقد تخدّد (١) خدّه

عرقا فقلت الورد رشّ بمائه

وقال (٢) : [الوافر]

أدرها فالغمامة قد أجالت

سيوف البرق في لمم البطاح

وراق الروض طاووسا بهيّا

تهبّ عليه أنفاس الرياح

تقول وقد ثنى قزح عليه

ثياب الغيم معلمة النواح

خذوا للصّحو أهبتكم فإني

أعرت المزن قادمتي جناح

وقال (٣) : [الطويل]

أدرها على أمر فما ثم من باس

وإن جدّدت آذانها ورق الآس

وما هي إلّا ضاحكات غمائم

لواعب من ومض البروق بمقياس

ووفد رياح زعزع النّهر مدّه

كما وطئت درعا سنابك أفراس

وقال في وصف مغنّ محسن (٤) : [الكامل]

ومطارح ممّا تجسّ (٥) بنانه

صوتا (٦) أفاض عليه ماء وقاره

يثني الحمام فلا يروح لوكره

طربا ورزق بنيه في منقاره

وقال يصف جدول ماء عليه سرحة ، ولها حكاية معروفة (٧) : [الكامل]

ومهدّل الشّطّين تحسب أنه

متسيّل من درّة لصفائه

فاءت عليه مع العشيّة (٨) سرحة

صدئت لفيئتها صفيحة مائه

فتراه أزرق في غلالة سمرة

كالدّراع استلقى بظلّ لوائه

نثره : قال من مقامة يصف القلم (٩) : [المتقارب]

قصير الأنابيب (١٠) لكنه

يطول مضاء (١١) طوال الرّماح

__________________

(١) في الديوان : «تحبّب».

(٢) الأبيات لم ترد في ديوان الرصافي البلنسي.

(٣) هذه الأبيات لم ترد أيضا في ديوان الرصافي البلنسي.

(٤) البيتان في ديوان الرصافي البلنسي (ص ١٠١).

(٥) في الأصل : «تحسّ» بالحاء المهملة ، والتصويب من الديوان.

(٦) في الديوان : «لحنا».

(٧) الأبيات في ديوان الرصافي البلنسي (ص ٢٦ ـ ٢٧).

(٨) في الديوان : «الهجيرة».

(٩) لم ترد هذه الأبيات في ديوان الرصافي البلنسي.

(١٠) في الأصل : «كالأنابيب» وكذا ينكسر الوزن.

(١١) في الأصل : «مضا».

٣٦٥

إذا عبّ للنفس في دامس

ودبّ من الطّرس فوق الصّفاح

تجلّت به مشكلات الأمور

ولان له الصّعب بعد الجماح

فلو لا هو (١) لغدت أغصان الاكتساب ذاوية ، وبيوت الأموال خاوية ، وأسرعت إليها البوسى ، وأصبحت كفؤاد أمّ موسى ، فهو لا محالة تجرها الأربح ، وميزانها الأرجح. به تدرّ ألبانها ، وتثمر أفنانها ، وتستمرّ أفضالها وإحسانها ، وهو رأس مالها ، وقطب عمّالها وأعمالها. وصاحب القلم قد حوى المملكة بأسرها ، وتحكّم في طيّها ونشرها ، وهو قطب مدارها ، وجهينة أخبارها ، وسرّ اختيارها واختبارها ، ومظهر مجدها وفخارها ، يعقد الرّايات لكل وال ، ويمنحهم من المبرّة كلّ صافية المقيل ضافية السّربال ، يطفي جمرة الحرب العوان ، ويكايد العدوّ بلا صارم ولا سنان ، يقدّ المفاصل ، ويتخلل الأباطح والمعاقل ، ويقمع الحواسد والعوذال.

وفاته : توفي بمالقة يوم الثلاثاء لإحدى عشرة بقيت من رمضان سنة اثنتين (٢) وسبعين وخمسمائة. وقبره مشهور بها.

محمد بن قاسم بن أبي بكر القرشي المالقي

من أهل مالقة ، وسكن غرناطة وتردد إليها.

حاله : كان لبيبا لوذعيّا ، جامعا لخصال ؛ من خطّ بارع ، وكتابة ، ونظم ، وشطرنج ، إلى نادر حار ، وخاطر ذكي ، وجرأة. توجّه إلى العدوة ، وارتسم بها طبيبا ؛ وتولّى النظر على المارستان بفاس في ربيع الثاني من عام أربعة وخمسين وسبعمائة.

شعره : أنشدني بمدينة فاس عام ستة وخمسين ، في وجهتي رسولا إلى المغرب ، قوله في رجل يقطع في الكاغد : [المجتث]

أبا عليّ حسينا

أين الوفا منك أينا؟

قد بيّن الدمع وجدي

وأنت تزداد بينا

بلّت لحاظك قلبي

تالله ما قلت مينا

قطّ المقصّ لهذا

سبب الصّبّ مينا

بقيت تفتر حسنا

ودمت تزداد زينا

__________________

(١) أي : فلولاه.

(٢) في الأصل : «اثنين» وهو خطأ نحوي.

٣٦٦

وقال أيضا : [البسيط]

فضل التجارات باد في الصناعات

لو لا الذي هو فيها هاجر عات

حاز الجمال فأعياني وأعجزني

وإن دعيت بوصّاف ونعّات

وكان شديد المغالطة ، ذاهبا أقصى مذاهب القحة ، يحرّك من لا يتحرك ، ويغضب من لا يغضب. عتب يوما جدّته على طعام طبخته له ، ولم يستطبه ، وكان بين يديه القط يصدعه بصياج طلبه ، فقال له : ضجرا ، خمسمائة سوط ، فقالت له جدّته : لم تعط هذه السياط للقط ، إنما عنيتني بها ، وأعطيتها باسم القط ، فقال لها : حاش لله يا مولاتي ، وبهذا البخل تدريني أو الزحام عليها ، بل ذلك للقط حلالا طيبا ، ولك أنت ألف من طيبة قلب ، فأرسلها مثلا ، وما زلنا نتفكّه بذلك ، وكان في هذا الباب لا يشقّ غباره.

مولده : بمالقة عام ثلاثة وسبعمائة.

وفاته : بعث إليّ الفقيه أبو عبد الله الشّديد ، يعرفني أنه توفي في أواسط عام سبعة وخمسين وسبعمائة.

محمد بن سليمان بن القصيرة (١)

أبو بكر ، كاتب الدولة اللّمتونية ، وعلم وقته.

حاله : قال ابن الصيرفي : الوزير الكاتب ، الناظم ، الناثر ، القائم بعمود الكتابة ، والحامل لواء (٢) البلاغة ، والسابق الذي لا يشقّ غباره ، ولا تخمد أبدا أنواره. اجتمع له براعة النثر ، وجزالة النظم ، رقيق النّسيج ، حصيف المتن ، رقعته ما شئت في العين واليد. قال ابن عبد الملك (٣) : وكان كاتبا مجيدا ، بارع الخطّ ، كتب عن يوسف بن تاشفين (٤).

مشيخته : روى عن أبي الحجاج الأعلم ، وأبي الحسن بن (٥) شريح ، وروى عنه أبو الوليد هشام بن يوسف بن الملجوم ، لقيه بمرّاكش (٦).

__________________

(١) ترجمة ابن القصيرة في الذخيرة (ق ٢ ص ٢٣٩) والمغرب (ج ١ ص ٣٥٠) والمطرب (ص ٧٦) والمعجب (ص ٢٢٧) والوافي بالوفيات (ج ٣ ص ١٢٨) والمحمدون من الشعراء (ص ٣٥٨) والذيل والتكملة (ج ٦ ص ٢٢٧) وقلائد العقيان (ص ١٠٣) والصلة (ص ٨٣٠) والبيان المغرب (ج ٤ ص ٦٠) ونفح الطيب (ج ٦ ص ١٣٠) و (ج ٩ ص ٢٥٧).

(٢) في الأصل : «للواء».

(٣) الذيل والتكملة (ج ٦ ص ٢٢٧).

(٤) في الذيل والتكملة : «كتب عن أبي يعقوب يوسف بن تاشفين اللمتوني».

(٥) في الذيل والتكملة : «وأبي الحسن شريح».

(٦) في الذيل والتكملة : «لقيه بمراكش سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة».

٣٦٧

شعره : وهو عندي في نمط دون ما وصف به. فمن ذلك قوله من قصيدة أنحى فيها على ابن ذي النّون ، ومدح ابن عباد ، عند خلع ابن جهور ، أبي الوليد ، وتصيير قرطبة إليه : [الطويل]

فسل عنه أحشاء ابن ذي النون هل سرى

إليها سكون منذ زلزلها الذّعر؟

وهل قدّرت مذ أوحشته طلائع ال

ظهور عليه أنّى (١) تؤنسه الخمر؟

ألم يجن يحيى من تعاطيك ظلّه

سجا لك هيهات السّهى منك يا بدر

لجاراك واستوفيت أبعد غاية

وآخره عن شأوك الكفّ والعثر

فأحرزت فضل السّبق عفوا وكفّه

على رغمه مما توهّمه صفر

ويا شدّ ما أغرته قرطبة وقد

أبشرتها خيلنا فكان لك الدّرّ

ومنها :

أتتك وقد أزرى ببهجة حسنها

ولا أنها (٢) من جور مالكها طمر

فألبستها من سابغ العدل حلّة

زهاها بها تيه وغازلها كبر

وجاءتك متفالا فضمّخ حيّها

وإزدانها (٣) من ذكرك المعتلي عطر

وأجريت ماء الجود في عرصاتها

فروّض حتى كاد أن يورق الصّخر

وطاب هواء (٤) أفقها فكأنها

تهبّ نسيما فيه أخلاقك الزّهر

وما أدركتهم في هواك هوادة

وما ائتمروا إلّا لما أمر البرّ

وما قلّدوك الأمر (٥) إلّا لواجب

وما (٦) جئته فيه المجرّب والغمر

وبوّأهم في ذروة المجد معقلا

حرام على الأيام إلمامه حجر

وأوردهم من فضل سيبك موردا

على كثرة الوارد مشرعه غمر

فلولاك لم تفصل عرى الإصر عنهم

ولا انفكّ من ربق الأذى لهم أسر

أعدت نهار ليلهم ولطالما

أراهم نجوم الليل في أفقه الظهر

ولا زلت تؤويهم إلى ظلّ دوحة

من العزّ في أرحابها النّعم الخضر

__________________

(١) في الأصل : «أن» وهكذا ينكسر الوزن.

(٢) في الأصل : «ولا لأنها» وهكذا ينكسر الوزن.

(٣) همزة الوصل هنا جعلناها همزة قطع لكي لا ينكسر الوزن.

(٤) في الأصل : «هوا» وهكذا ينكسر الوزن.

(٥) في الأصل : «لأمر» وهكذا ينكسر الوزن.

(٦) كلمة «وما» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها ليستقيم الوزن والمعنى.

٣٦٨

كتابته : وهي من قلّة التصنّع والإخشوشان ، بحيث لا يخفى غرضها ، ولكل زمان رجاله. وهي مع ذلك تزينها السذاجة ، وتشفع لها الغضاضة. كتب عن الأمير يوسف بن تاشفين ولاية عهده لولده :

«هذا كتاب تولية عظيم جسيم ، وتوصية حميم كريم ، مهدت على الرّضا قواعده ، وأكّدت بيد التقوى مواعده ومعاقده ، وسدّدت إلى الحسنى مقاصده ، وأبعدت عن الهوادة والهوى مصادره وموارده. أنفذه أمير المسلمين ، وناصر الدين ، أبو يعقوب يوسف بن تاشفين ، أدام الله أمره ، وأعزّ نصره ، وأطال فيما يرضيه منه ، ويرضى به عنه عمره ، غير محاب ، ولا تارك في النصيحة لله ولرسوله والمسلمين موضع ارتياب لمرتاب ، للأمير الأجل أبي الحسن عليّ ابنه ، المتقبّل هممه وشيمه ، المتأثّل حلمه وتحلّمه ، الناشىء في حجر تقويمه وتأديبه ، المتصرّف بين يدي تخريجه وتدريبه ، أدام الله عزّه وتوفيقه ، ونهج إلى كل صالح من الأعمال طريقه ، وقد تهمّم بمن تحت عصاه من المسلمين ، وهدى في انتقاء من يخلفه هدى المتّقين ، ولم ير أن يتركهم بعد سدى غير مدينين ، واعتام في النّصاب الرفيع واختار واستنصح أولي الرأي والدين ، واستشار فلم يوقع بعد طول تأمل ، وتراخي مدة ، وتمثل اختياره ، واختبار من فاوضه في ذلك من أولي التقوى والحنكة واستشارة الأعلية ، ولا صار بدونهم الارتياد والاجتهاد إلّا إليه ، ولا التقى روّاد الرأي والتشاور إلّا لديه. فولّاه عن استحكام بصيرة ، وبعد طول مشورة ، عهده ، وأفضى إليه الأمر والنهي ، والقبض والبسط عنده بعده ، وجعله خليفته السّاد في رعاياه مسّده ، وأوطأ عقبه جماهير الرجال ، وناط به مهمات الأمور والأعمال ، وعهد إليه أن يتّقي الله ما استطاع ، ولا يعدل عن سمت العدل وحكم الكتاب والسّنّة في أحد عصا أو أطاع ، ولا ينام عن حماه الحيف والخوف بالاضطجاع ، ولا يتليّن دون معلن شكوى ، ولا يتصام عن مستصرخ لذي بلوى ، وأن ينظم أقصى البلاد وأدناها في سلك تدبيره ، ولا يكون بين القريب والبعيد بون في إحصائه وتقديره. ثم دعا ، أدام الله تأييده ، لمبايعته ، أدام الله عزّه ونصره ، من حضر ودنا من المسلمين ، فلبّوا مسرعين ، وأتوا مهطعين ، وأعطوا صفقة إيمانهم متبرّعين متطوعين ، وبايعوه على السمع والطاعة ، والتزام سنن الجماعة ، وبذل النصيحة جهد الاستطاعة ، ومناصفة من ناصفه ، ومحاربة من حاربه ، ومكايدة من كايده ، ومعاندة من عانده ، لا يدّخرون في ذلك على حال المنشط مقدرة ، ولا يحتجون في حالتي الرضا والسخط إلى معذرة. ثم أمر بمخاطبة سائر أهل البلاد لمبايعته ، كل طائفة منهم في بلدها ، وتعطيه كما أعطاه من حضر صفقة يدها ، حتى ينتظم في التزام طاعته القريب والبعيد ، ويجتمع على الاعتصام بحبل دعوته الغائب

٣٦٩

والشهيد ، وتطمئنّ من أعلام الناس وخيارهم نفوس قلقة ، وتنام عيون لم تزل مخافة إقذائها مورقة ، ويشمل الناس كافة السرور والاستبشار ، وتتمكن لديهم الدّعة ويتمهّد القرار ، وتنشأ لهم في الصلاح آمال ، ويستقبلهم جدّ صالح وإقبال. والله يبارك لهم بيعة رضوان ، وصفقة رجحان ، ودعوة يمن وأمان ، إنه على ما يشاء قدير ، لا إله إلا هو ، نعم المولى ونعم النصير. شهد على إشهاد أمير المسلمين بكل ما ذكر عنه فوق هذا من بيعته ، ولقيه حملة عنه ممن التزم البيعة المنصوصة قبل ، وأعطي صفقته طائعا متبرعا بها. وبالله التوفيق. وكتب بحضرة قرطبة في ذي الحجة سنة ست وتسعين وأربعمائة».

دخل غرناطة غير ما مرّة ، وحده ، وفي ركاب أميره.

وفاته : توفي في جمادى الآخرة من عام ثمانية وخمسمائة.

محمد بن يوسف بن عبد الله بن إبراهيم التميمي المازني

من أهل سرقسطة ، ودخل غرناطة ، وروى عن أبي الحسن بن الباذش بها ، يكنى أبا الطاهر. وله المقامات اللّزوميات المعروفة.

حاله : كان كاتبا لغويا شاعرا ، معتمدا في الأدب ، فردا ، متقدما في ذلك في وقته ، وله المقامات المعروفة ، وشعره كثير مدوّن.

مشيخته : روى عن أبي علي الصّدفي ، وأبي محمد بن السيد ، وأبي الحسن بن الأخضر ، وأبي عبد الله بن سليمان ، المعروف بابن أخت غانم ، وأبي محمد بن عتّاب ، وأبي الحسن بن الباذش ، وأبي محمد عبد الله بن محمد التّجيبي الدّكلي ، وأبي القاسم بن صوابه ، وأبي عمران بن أبي تليد ، وغيرهم. أخذ عنه القاضي أبو العباس بن مضاء ، أخذ عنه الكامل للمبرّد ، قال : وعليه اعتمد في تقييده. وروى عنه المقرئ المسنّ الخطيب أبو جعفر بن يحيى الكتامي ، وذكره هو وابن مضاء.

وفاته : توفي بقرطبة ظهر يوم الثلاثاء ، الحادي والعشرين من جمادى الأولى ، سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة ، بزمانة (١) لازمته نحوا من ثلاثة أعوام ، نفعه الله.

شعره : [الوافر]

أيا قمر ، أتطلع من وشاح

على غض فاخر من كل راح؟

__________________

(١) الزمانة : العاهة. لسان العرب (زمن).

٣٧٠

أدار السّحر من عينيه خمرا

معتّقة فأسكر كلّ صاح

وأهدى إذ تهادى كلّ طيب

كخوط البان في أيدي الرياح

وأحيا حين حيّا نفس صبّ

غدت في قبضة الحبّ المتاح

وسوّغ منه عتبي بعد عتب

وعلّلني براح فوق راح

وأجناني الأماني في أمان

وجنح الليل مسدول الجناح

وقال أيضا : [الكامل]

ومنعّم الأعطاف معسول اللّمى

ما شئت من بدع المحاسن فيه

لمّا ظفرت بليلة من وصله

والصّبّ غير الوصل لا يشفيه

أنضحت وردة خدّه بنفسي

وظللت أشرب ماءها من فيه

وقال أيضا : [الكامل]

حكت السّلاف صفاته بحبابها

من ثغره ومذاقها من رشفه

وتورّدت فحكت شقائق خدّه

وتأرّجت فيسيمها من عرفه

وصفت فوق أديمها فكأنها

من حسن رونق وجنتيه ولطفه

لعبت بألباب الرجال وغادرت

أجسامهم صرعى كفعلة طرفه

«ومن الغرباء في هذا الحرف»

محمد بن حسن العمراني الشريف (١)

من أهل فاس.

حاله : كان جهويا ساذجا ، خشن البزة ، غير مرهف التّجند ، ينظم الشعر ، ويذكر كثيرا من مسائل الفروع ، ومعاناة الفرائض ، يجعجع بها في مجالس الدّروس ، فشقي به المدرسون ، على وتيرة من صحة السّجية ، وحسن العهد ، وقلّة التصنّع.

وجرى ذكره في الإكليل (٢) : كريم الانتماء ، مستظل (٣) بأغصان الشجرة الشّمّاء ، من رجل سليم الضمير ، ذي باطن أصفى من الماء النّمير ، له في الشعر طبع يشهد بعروبية أصوله ، ومضاء نصوله.

__________________

(١) ترجمة الشريف العمراني في الدرر الكامنة (ج ٤ ص ٤٦) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٣٧٤).

(٢) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٧٤).

(٣) في النفح : «متظلّل».

٣٧١

فمن ذلك قوله يخاطب السلطان أمير المسلمين ، وقد أمر له بكسوة : [الطويل]

منحت منحت النّصر والعزّ والرضا

ولا زلت بالإحسان منها (١) مقرّضا

ولا زلت للعليا جنى ومكارما (٢)

وللأمر ، للملك (٣) العزيز ، مقيّضا

ولا زالت الأملاك باسمك تتّقى

وجيشك وفرا يملأ الأرض والفضا

ولا زلت ميمون النّقيبة ظافرا

مهيبا ووهّابا وسيفك منتضى

تقرّ به الدّين الحنيف وأهله

وتقمع جبّارا وتهلك مبغضا

وصلت شريف البيت من آل هاشم

وخوّلته أسنى مراد ومقتضى

وجدت بإعطاء اللّجين وكسوة

ستكسى بها (٤) ثوبا من النور أبيضا

وما زالت الأنصار تفعل هكذا

فعال (٥) عليّ في الزمان الذي مضى

هم نصروا الهادي وآووا وجدّلوا

بحدّ ذباب السيف من كان معرضا

فخذ ذا أبا الحجاج من خير مادح

لخير مليك في البريّة مرتضى

فقد كان قبل اليوم غاض قريضه

فلمّا رأى الإحسان منك تفيّضا

ونظم الفتى يسمو على قدر ما يرى

من الجود مهما ينقضي نيله انقضى

ومن حكم القول اللهى متح اللهى

ومن مدح الأملاك يرجو التّعرّضا

فلا زال يهديك الشريف قصائدا

ينال بها منك المودة والرضى

وقال يخاطب من أخلفته بوارق الأمل فيه ، وخابت لديه وسائل قوافيه : [البسيط]

الشّعر أسنى كلام خصّ بالعرب

والجود في كل صنف خير مكتسب

وأفضل الشعر أبيات يقدّمها

في صدر حاجته من كان ذا أدب

فما يوفّي كريم حقّ مادحه

لو كان أولاه ما يحويه من نشب

المال يفنى إذا طال الثواء به

والمدح يبقى مدى الأزمان والحقب

وقد مدحت لأقوام ذوي (٦) حسب

فيما ظننت وليسوا من ذوي حسب

__________________

(١) في الأصل : «له» ، وكذا ينكسر الوزن.

(٢) في الأصل : «مكارما» ، وكذا ينكسر الوزن.

(٣) في الأصل : «الملك» ، وكذا ينكسر الوزن.

(٤) كلمة «بها» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها ليستقيم الوزن.

(٥) في الأصل : «نال» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

(٦) في الأصل : «ذي» وكذا ينكسر الوزن.

٣٧٢

مدحتهم بكلام لو مدحت به

دهري أمنت من الإملاق والنّصب

فعاد مدحي لهم هجوا يصدّقه

من لؤمهم عودتي عنهم بلا أرب

فكان ما قلت من مدحهم كذبا

أستغفر الله من زور ومن كذب

وقال في غرض يظهر من الأبيات ، يخاطب السلطان : [الكامل]

ما لي أرى تاج الملوك وحوله

عبدان لا حلم ولا آداب

فكأنه البازي الصّيود وحوله

نغر (١) يقلّب ريشه وغراب

يا أيها الملك الكرام جدوده

أسنى المحافل غيرها أتراب

أبدلهما بالبيض (٢) من صفّيهما

إن العبيد محلّها الأبواب

وفاته : توفي في حدود ثمانية وأربعين وسبعمائة أو بعد ذلك (٣).

محمد بن محمد بن إبراهيم بن المرادي ابن العشاب (٤)

قرطبي الأصل ، تونسي الولادة والمنشأ ، ابن نعمة وغذي جاه وحرمة.

حاله : كان حييّا فاضلا كريما ، سخيّا. ورد على الأندلس ، مفلتا من نكبة أبيه ، وقد عركته عرك الرّحى لثقالها ، على سنن من الوقار والدّيانة والحما ، يقوم على بعض الأعمال النبيهة.

وجرى ذكره في الإكليل بما نصّه (٥) : جواد لا يتعاطى طلقه ، وصبح فضل لا يماثل فلقه. كانت لوالده (٦) ، رحمه الله تعالى (٧) ، من الدول الحفصيّة منزلة لطيفة المحلّ ، ومفاوضة في العقد والحلّ ، ولم يزل تسمو (٨) به قدم النّجابة ، من العمل إلى الحجابة. ونشأ ابنه هذا مقضيّ الديون ، مفدّى بالأنفس والعيون. والدهر ذو ألوان ،

__________________

(١) النغر : البلبل. محيط المحيط (نغر).

(٢) في الأصل : «من البيض» وكذا ينكسر الوزن ، لذا حذفنا كلمة «من».

(٣) قال في النفح (ج ٨ ص ٣٧٤): «وذكر في الإحاطة أن الشريف المذكور توفي في حدود ثمانية وثلاثين وسبعمائة».

(٤) ترجمة ابن العشاب في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٢٤) وجاء فيه : «أبو عبد الله العشاب». وله ترجمة أخرى في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٧٤) وجاء فيه : «محمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم المرادي العشاب».

(٥) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٧٤ ـ ٣٧٥).

(٦) في النفح : «لأبيه».

(٧) كلمة «تعالى» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من النفح.

(٨) في الأصل : «يسمو» والتصويب من النفح.

٣٧٣

ومارق حرب عوان (١) ، والأيام كرات تتلقّف ، وأهوال (٢) لا تتوقّف ، فألوى بهم الدهر وأنحى (٣) ، وأغام جوّهم بعقب ما أصحى (٤) ، فشملهم الاعتقال ، وتعاورتهم (٥) النّوب الثقال ، واستقرّت بالمشرق ركابه ، وحطّت به أقتابه ، فحجّ واعتمر ، واستوطن تلك المعاهد وعمر ، وعكف على كتاب الله تعالى (٦) فجوّد الحروف ، وأحكم (٧) الخلف المعروف ، وقيّد وأسند ، وتكرّر إلى دور الحديث وتردّد ، وقدم على هذا الوطن قدوم النّسيم البليل ، على كبد العليل. ولمّا استقرّ به قراره ، واشتمل على جفنه غراره ، بادرت إلى مؤانسته ، وثابرت على مجالسته ، فاجتليت للسّرو (٨) شخصا ، وطالعت ديوان الوفاء مستقصا.

شعره : وشعره ليس بحايد عن الإحسان ، ولا غفل من النكت الحسان. فمن ذلك ما خاطبني به (٩) : [الطويل]

بيمن أبي عبد الإله (١٠) محمد

تيمّن هذا القطر وانسجم القطر

أفاض علينا من جزيل عطائه

بحورا تديم (١١) المدّ ليس لها جزر

وأنسنا لمّا عدمنا مغانيا

إذا ذكرت في القلب من ذكرها عبر (١٢)

هنيئا بعيد الفطر يا خير ماجد

كريم به تسمو السّيادة والفخر

ودمت مدى الأيام في ظلّ نعمة

تطيع لك الدنيا ويعنو (١٣) لك الدهر

وممّا خاطب به سلطانه في حال الاعتقال : [البسيط]

لعلّ عفوك بعد السّخط يغشاني

يوما فينعش قلب الوالد العاني (١٤)

__________________

(١) الحرب العوان : الشديدة التي قوتل فيها مرة بعد مرة. لسان العرب (عون).

(٢) في النفح : «وأحوال».

(٣) ألوى بهم الدهر ، وأنحى عليهم الدهر : أهلكهم. لسان العرب (لوى) و (نحا).

(٤) في الأصل : «ما أضحى» والتصويب من النفح.

(٥) تعاورتهم : تداولت عليهم. لسان العرب (عور).

(٦) كلمة «تعالى» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من النفح.

(٧) في النفح : «وقرأ المعروف».

(٨) في النفح : «للسّرّ». والسّرو : الفضل. محيط المحيط (سرو).

(٩) الأبيات في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٢٤).

(١٠) في الأصل : «عبد الله محمد يمن هدأ القطر ...» وهكذا ينكسر الوزن ، ولا معنى له ، والتصويب من النفح.

(١١) في الأصل : «بحور الدّيم ...» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(١٢) في النفح : «... القلب ليس لها ذعر».

(١٣) يعنو : يخضع. لسان العرب (عنا).

(١٤) في الأصل : «العان» بدون ياء.

٣٧٤

مولاي ، رحماك ، إني قد عهدتك ذا

حلم وعفو وإشفاق وتحنان

فاصرف حنانك ثمّ اعطف (١) عليّ وجد

برحمة منك تحيي جسمي الفاني (٢)

فقد تناهى الأسى عندي وعذّبني

وشرّد النوم عن عيني وأعياني (٣)

وحقّ آلائك الحسنى وما لك من

طول وفضل وإنعام وإحسان

إني ولو حلّت البلوى على كبدي

وأسكبت فوق خدّ دمعي القاني (٤)

لوائق بحنان منك يطرقني

عمّا قريب وعفو عاجل دان

دامت سعودك في الدنيا مضاعفة

تذلّ من دان (٥) طوعا كلّ سلطان

محمد بن محمد بن عبد الملك بن محمد بن سعيد

الأنصاري الأوسي (٦)

يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بابن عبد الملك ، من أهل مرّاكش ، وسكن غرناطة.

حاله : من عائد الصلة (٧) : كان ، رحمه الله ، غريب المنزع ، شديد الانقباض ، محجوب المحاسن ، تنبو العين عنه جهامة ، وغرابة شكل ، ووحشة ظاهر (٨) ، في طيّ ذلك أدب غضّ ، ونفس حرّة ، وحديث ممتع ، وأبوّة كريمة ، أحد الصابرين على الجهد ، المتمسكين (٩) بأسباب الحشمة ، الراضين بالخصاصة. وأبوه قاضي القضاة ، نسيج وحده ، الإمام العالم ، التاريخي ، المتبحّر في الأدب (١٠) ، تقلّبت به أيدي الدهر (١١) بعد وفاته لتبعة سلّطت على نسبه (١٢) ، فاستقرّ بمالقة ، متحارفا مقدورا عليه ، لا يهتدي لمكان فضله ، إلّا من عثر عليه جزافا.

شعره : (١٣) [السريع]

من لم يصن في أمل وجهه

عنك فصن وجهك عن ردّه

__________________

(١) في الأصل : «واعطف» وكذا ينكسر الوزن.

(٢) في الأصل : «الفان» بدون ياء.

(٣) في الأصل : «وأعيان» بدون ياء.

(٤) في الأصل : «القان» بدون ياء.

(٥) قوله : «من دان» ساقط في الأصل ، وقد أضفناه ليستقيم المعنى والوزن معا.

(٦) ترجمة محمد بن محمد بن عبد الملك في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٢٤).

(٧) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٢٥) بتصرف.

(٨) في النفح : «ظاهرة».

(٩) في النفح : «المستمسكين».

(١٠) في النفح : «الآداب». وهنا يشير إلى والد محمد ، القاضي ابن عبد الملك المراكشي ، صاحب كتاب «الذيل والتكملة».

(١١) في النفح : «الليالي».

(١٢) في النفح : «نشبه».

(١٣) البيتان في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٢٥).

٣٧٥

واعرف له الفضل وعرّف به (١)

حيث أحلّ النّفس من قصده

ومما خاطبني به قوله (٢) : [الوافر]

وليت ولاية أحسنت فيها

ليعلم أنها شرفت بقدرك

وكم وال أساء فقيل فيه

دنيّ القدر ليس لها بمدرك

وأنشدني في ذلك أيضا رحمة الله عليه (٣) : [الوافر]

وليت فقيل أحسن (٤) خير وال

ففاق (٥) مدى مداركها بفضله

وكم وال أساء فقيل فيه (٦)

دنا فمحا محاسنها بفعله

وممّا خاطب به السلطان يستعديه على من مطله من العمال ، وعذّر عليه واجبه من الطعام والمال : [مخلع البسيط]

مولاي نصرا (٧) ، فكم يضام

من ما له غيرك اعتصام

أمرت لي بالخلاص فامرر (٨)

لي عنده المال والطعام

فقال ما اعتاده جوابا

وحسبي الله والإمام

هذا مقام ولا فعال

بغير مولاي والسلام

وفاته : فقد في وقيعة على المسلمين من جيش مالقة بأحواز إستبّة (٩) في ذي قعدة من عام ثلاثة وأربعين وسبعمائة.

محمد بن خميس بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد

ابن خميس الحجري حجر ذي رعين التّلمساني

يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بابن خميس (١٠).

__________________

(١) في النفح : «له».

(٢) البيتان في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٢٤).

(٣) البيتان في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢٢٤).

(٤) في الأصل : «أحسّ» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(٥) في الأصل : «فعاق» ، والتصويب من النفح.

(٦) كلمة «فيه» ساقطة في الإحاطة ، وقد أضفناها من النفح.

(٧) في الأصل : «نصيرا» وهكذا ينكسر الوزن.

(٨) في الأصل : «فمر» وهكذا ينكسر الوزن.

(٩) إستبّة : كورة تابعة لقرطبة ، كما جاء في المغرب في حلى المغرب (ج ١ ص ٣٥). وأغلب الظن أن المراد هنا : إشتبونةEstepona ، الواقعة على البحر المتوسط على مقربة من مالقة.

(١٠) ترجمة ابن خميس في بغية الوعاة (ص ٨٦) وأزهار الرياض (ج ٢ ص ٣٠١) ونفح الطيب (ج ٧ ص ٣٣٤).

٣٧٦

حاله : من عائد الصلة (١) : كان ، رحمه الله ، نسيج وحده زهدا وانقباضا ، وأدبا وهمّة ، حسن الشّيبة ، جميل الهيئة ، سليم الصّدر ، قليل التّصنّع ، بعيدا عن الرّياء والهوادة (٢) عاملا على السياحة والعزلة ، عالما (٣) بالمعارف القديمة ، مضطلعا بتفاريق النّحل ، قائما على صناعة (٤) العربية والأصلين ، طبقة الوقت في الشعر ، وفحل الأوان في النظم (٥) المطوّل ، أقدر الناس على اجتلاب الغريب ، ومزج (٦) الجزالة بالسّلاسة ، ووضع الألفاظ البيانيّة مواضعها ، شديد الانتقاء والإرجاء ، خامد نار الرّوية ، منافسا في الطريقة منافسة كبيرة. كتب بتلمسان عن ملوكها من بني زيّان ، ثم فرّ عنهم ، وقد أوجس منهم خيفة ، لبعض ما يجري بأبواب الملوك. وبعد ذلك بمدة ، قدم غرناطة ، فاهتزّ الوزير ابن الحكيم لتلقّيه ، ومتّ إليه بالوسيلة العلمية ، واجتذبه بخطبة التلميذ ، واستفزّه بتأنيسه وبرّه ، وأقعده للإقراء بجواره. وكان يروم الرّحلة ، وينوي السفر ، والقضاء يثبّطه. حدّثني شيخنا الرئيس أبو الحسن بن الجياب ، قال : بلغ الوزير أبا عبد الله (٧) الحكيم أنه يروم السفر ، فشقّ ذلك عليه ، وكلّفنا (٨) تحريك الحديث بحضرته. وجرى ذلك ، فقال الشيخ : أنا كالدّم بطبعي ، أتحرّك في كل ربيع.

شعره : وشعره بديع ، فمن ذلك قوله يمدح أبا سعيد بن عامر ، ويذكر الوحشة الواقعة بينه وبين أبي بكر بن خطّاب (٩) : [الوافر]

مشوق زار ربعك يا إماما

محا آثار دمنتها التثاما (١٠)

تتبّع ريقة الطّلّ ارتشافا

فما (١١) نفعت ولا نقعت أواما

وقبّل خدّ وردتها جهارا

وما راعى لضرّتها ذماما

وما لحريم بيتك أن يدانى

ولا لعليّ (١٢) قدرك أن يساما

__________________

(١) النص في نفح الطيب (ج ٧ ص ٣٣٤) وأزهار الرياض (ج ٢ ص ٣٠١ ـ ٣٠٢).

(٢) هذه الكلمة غير واردة في النفح. وفي أزهار الرياض : «والهوى».

(٣) في النفح وأزهار الرياض : «عارفا».

(٤) كلمة «صناعة» ساقطة من المصدرين السابقين.

(٥) كلمة «النظم» غير واردة في المصدرين السابقين.

(٦) من هنا حتى قوله : «أبو الحسن بن الجياب» غير وارد في المصدرين السابقين.

(٧) في المصدرين السابقين : «أبا عبد الله بن الحكيم».

(٨) في المصدرين السابقين : «وكلّفه».

(٩) ورد فقط البيتان الأول والثاني في أزهار الرياض (ج ٢ ص ٣٠٥).

(١٠) في أزهار الرياض : «الشآما».

(١١) في المصدر السابق : «فلا».

(١٢) في الأصل : «لعلا» وهكذا ينكسر الوزن.

٣٧٧

ولكن عاش في رسم لمغنى (١)

تجشّمه سلاما واستلاما

تنفّس روضة المطلول وهنا

فحنّ وشمّ (٢) ريّاه فهاما

تلقى طيب ب ... ته (٣) حديثا

روت مسندا عنه النّعاما

فيا نفس الصّبا إن جئت ساحا

ولم تعرف لساكنها مقاما

وأخطأت الطريق إلى حماها

فردّتك العرادة والخزاما

فلا تبصر بسرحتها قضيبا

ولا تذعر بمسرحها سواما

وعانق قربانتها ارتباطا

وصافح كفّ سوسنها التزاما

ونافح عرف زهرتها كبا

تعاطك ماء ريقتها مداما

ويا برقا أضاء على أوال

يمانيّا متى جئت الشّآما

أثغر إمامة أنت ابتساما

أم الدّرّ الأوامى انتظاما؟

خفقت ببطن واديها لوا

ولحت على ثنيّتها حساما

أمشبه قلبي المضني احتداما

على م ذدت عن عيني المناما؟

ولم أسهرتني وطردت عني

خيالا كان يأتيني لماما؟

وأبلغ منه تأريقا لجفني

كلام أثخن الأحشا كلاما

تعرّض لي فأيقظت القوافي

ولو ترك القطا يوما لناما

وقيل وما أرى يومي كأمسي

جدعت رواطبا وقلبت هاما

وجرّعت العدوّ سمّا زعافا

فكان لحسد موتا زواما

دعوت زعيمهم ذاك ابتياسا

ورعت خميسهم ذاك اللّماما

نزعت شواه كبشهم نطاحا

ولم أترك لقرمهم سناما

أضام وفي يدي قلبي لماذا

أضام أبا سعيد أو علاما؟

به وبما أذلق من لساني

أفل الصارم العضب انهزاما

وغرام الوزير أبي سعيد

أصرفه إذا شئت انتقاما

به وبنجله البرّ انتصاري

لما أكلوه من لحمي حراما

أعثمن بن عامر لا تكلني

لدهر علّم الشحّ الغماما

وردت فلم أرد إلّا سرابا

وشمت فلم أشم إلّا جهاما

__________________

(١) في الأصل : «مغنى» وهكذا ينكسر الوزن.

(٢) في الأصل : «وشم» وهكذا ينكسر الوزن ، ولا يستقيم المعنى.

(٣) بياض في الأصل.

٣٧٨

قطعت الأرض طولا ثم عرضا

أزور بني ممالكها الكراما

وجاجاني على كرم نداهم

وأعجلت الخوافي والقداما

وذلّلت المطامع من إبائي

وقبّلت البراجم والسّلاما

ومن أدبي نصبت لهم حبالا

أصيد بها النّعام ولا النّعامى

فلم أر مثل ربعي دار أنس

ولم أر مثل عثمن إماما

ولا كأبيه أو كنى أبيه

أبيّ يحيي غيوثا أو رهاما

كفاني بابن عامر خفض عيش

ورفع مكاتبي إلّا أضاما

وإني من ولائك في يفاع

أقابل منهم بدرهم التّماما

ومن شعره ، رحمه الله ، قوله (١) : [الطويل]

تراجع من دنياك ما أنت تارك

وتسألها (٢) العتبى وها هي فارك (٣)

تؤمّل بعد التّرك رجع ودادها

وشرّ وداد ما تودّ التّرائك

حلا لك منها ما خلا (٤) لك في الصّبا

فأنت على حلوائه متهالك

تظاهر بالسّلوان عنها تجمّلا

فقلبك محزون وثغرك ضاحك

تنزّهت عنها نخوة لا زهادة

وشعر عذاري أسود اللون حالك

ليالي تغري بي وإن هي أعرضت

زنانب من ضوّاتها وعواتك

غصون قدود في حقاف روادف

تمايل من ثقل بين الأرائك

تطاعنني منهن في كل ملعب

ثديّ كأسنان الرماح فواتك

وكم كلّة فيها هتكت ودونها

صدور العوالي والسّيوف البواتك

ولا خدن إلّا ما أعدت ردينه

لطالبها أو ما تحيّر هالك

تضلّ فواد المرء عن قصد رشده

فواتر ألحاظ للظّبا الفواتك

وفي كل سنّ لابن آدم وإن تطل

سنوه طباع جمّة وعوائك

وإلّا فما لي بعد ما شاب مفرقي

وأعجز رأيي عجزهنّ (٥) الرّكارك

__________________

(١) بعض أبيات هذه القصيدة في نفح الطيب (ج ٧ ص ٣٣٧ ـ ٣٣٨) وأزهار الرياض (ج ٢ ص ٣٠٥ ـ ٣٠٦).

(٢) في الأصل : «وتسلها» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح وأزهار الرياض.

(٣) الفارك : المرأة التي تكره زوجها. العتبى : الاسترخاء. لسان العرب (فرك) و (عتب).

(٤) في النفح وأزهار الرياض : «ما حلا».

(٥) في الأصل : «عجز من» وهكذا ينكسر الوزن ، ويصبح في القافية عيب الإقواء.

٣٧٩

أجوب إليها كلّ بيداء مملق

ترافقني فيها الرجال الحواتك (١)

وأسترشد الشّهب الشوابك جار

إذا اشتبهت فيها عليّ المسالك

نهازز أمثال الجياد تؤودة

اغوارب أمثال الهضاب توامك

ظماء وما غير السّماوة مورد

وينحى وما دون الصآة مبارك

ذواهل عن عضّ الرجال ظهورها

إذا ما اشتكت عضّ السروج الموارك

إذا ما نبا عن سنبك الأرض سنبك

هلعن فلانت تحتهنّ السّنابك

تقدّ بنا في كل قاع وفدفد

بوائكها والمنغيات الدّراهك

فأمامها ريّ كالسحاب موالع

وأمامها ركّا كالرّياح بواشك

قلاص بأطواف الجديل بوالع

وجرد لأوساط الشّكيم عوالك

ترامى بها نياقها كلّ مرتمى

فهنّ نواح للرّدى أو هوالك

وكم منزل خلّيته لطلابها

تعفّيه تعدي السّافيات السّواهك

يمرّ به زوّاره وعفاته

وما إن به إلّا لصوق حبائك

وآثارتنا تقادم عهدهم

وهنّ عليه جاثيات بوارك

لوارب أفراس ونؤى حذاة

ثلاث أثاف كالحمام سوادك

تمرّ عليه نسمة الفجر مثلما

تمرّ على طيب العروس المداوك

وأركب كالشّهد ينفح برده

لمجهول حسيّ ما له للدّهر مبانك

ويطلبها منّي غريم مماحك

ويمطلني منها عديم مماعك (٢)

أحاول منها ما تعذّر في الصّبا

ومن دونه وقع الحمام المواشك

يسلّي الفتى منها وإن راق حسنها

حسائف لا تحصى هنا ومبارك

فمنها ملال دائم لا تملّه

تزوّر إفك عن رضى الحق آفك

تهاون بالإفك الرجال جهالة

وما أهلك الأحياء إلّا الأفايك

تزن طول تسهادي وقدري تململي

طوال الليالي والنجوم النّوابك

تغير على الدهر منه جحافل

كأن مدوّم الرّجم فيها نيازك

فليت الذي سوّدت فيها معوّض

بما بيّضت مني دجاها الحوالك

ألا لا تذكّرني تلمسان والهوى

وما دهكت منّا الخطوب الدّواهك

فإنّ ادّكار ما مضى من زمانها

لجسمي وللصّبر الجميل لناهك

__________________

(١) الحواتك : من حتك ، أي أسرع في السير. لسان العرب (حتك).

(٢) المماعك : «المماطل». لسان العرب (معك).

٣٨٠