الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٢

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]

الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]


المحقق: الدكتور يوسف علي طويل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3319-5

الصفحات: ٤٢٤

لله الذي أقرّ الحقّ في نصابه ، واسترجعه من أيدي غصّابه ، حمدا يجمع شمل النّعم ، ويلقحها كما تلقح الرياح الدّيم ، فشنّفوا الأسماع بهذه البشائر ، واملئوا الصّدور بما يرويه لكم من أحاديثها كل وارد وصادر ، فهو الفتح الذي تفتّحت له أبواب السماء ، وعمّ الخير واليمن به بسيطي الشّرق والماء ؛ فشكر الله عليه ، فرض ، في كل قطر من أقطار الأرض.

دخل غرناطة ، مرتادا ، ومتعلما ، ومجتازا.

مولده : ببرشانة بلده ، عام خمسين وخمسمائة.

وفاته : توفي بمراكش في شهر رجب (١) الفرد من عام ثمانية عشرة وستمائة ، رحمه الله.

محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد الهمداني

من أهل وادي آش ، يكنى أبا القاسم ويعرف بابن البرّاق (٢).

حاله : قال ابن عبد الملك (٣) : كان محدّثا حافظا ، راوية مكثرا ، ثقة ضابطا (٤) ، شهر بحفظ كتب كثيرة من الحديث وغيره ، ذا نظر صالح في الطّبّ (٥) ، أديبا بارعا ، كاتبا بليغا ، مكثرا لجيّده (٦) ، سريع البديهة في النظم والنثر ، والأدب أغلب عليه. قال أبو القاسم ابن المواعيني : ما رأيت في عباد الله أسرع ارتجالا منه.

مشيخته : روى (٧) عن أبي بحر يوسف بن أحمد بن أبي عيشون ، وأبي بكر بن زرقون ، وابن قيد (٨) ، وابن إبراهيم بن المل ، وابن النّعمة وصحبه (٩) ، ولقيه بمرّاكش ، ووليد بن موفق ، وأبي عبد الله بن يوسف بن سعادة ، ولازمه أزيد من ست سنين وأكثر عنه ، وابن العمرسي ، وأبي العباس بن إدريس ، والخرّوبي ، وتلا عليه بالسّبع ،

__________________

(١) في الذيل والتكملة (ج ٦ ص ٣٨٧): «وتوفي بمراكش لخمس بقين من جمادى الآخرة ...».

وفي التكملة (ج ٢ ص ١١٦): «توفي بمراكش في العشر الأواخر من جمادى الأخيرة ...».

(٢) ترجمة ابن البراق في رايات المبرزين (ص ١٦٦) والمقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ١٣٣) وزاد المسافر (ص ١٥١) والمطرب (ص ٢٤١) والتكملة (ج ٢ ص ٧٦) والذيل والتكملة (ج ٦ ص ٤٥٧) وبغية الملتمس (ص ١١٤) والمغرب (ج ٢ ص ١٤٩) وكنيته فيه : أبو عمرو ، ونفح الطيب (ج ٥ ص ٥٣).

(٣) الذيل والتكملة (ج ٦ ص ٤٦٧).

(٤) في الذيل والتكملة : «ضابطا ثقة».

(٥) في الأصل : «في الطلب» والتصويب من الذيل والتكملة.

(٦) في المصدر نفسه : «مكثرا مجيدا».

(٧) قارن بالذيل والتكملة (ج ٦ ص ٤٥٨).

(٨) في الذيل والتكملة : «وابن فيد».

(٩) في الذيل والتكملة : «ونجبة».

٣٤١

وأكثر عنه ، وعرض عليه من حفظه كثيرا ، وابن مضاء ، وأبي علي بن عرب (١) ، وأبي القاسم بن حبيش ، وابن عبد الجبار ، وأبي محمد بن سهل الضرير ، وعاشر وقاسم بن دحمان ، وأبي يوسف بن طلحة. وأجاز له أبو بكر بن العربي ، وابن خير ، وابن مندلة (٢) ، وابن تمارة (٣) ، وأبو الحسن شريح ، وابن هذيل ، ويونس بن مغيث ، وأبو الجليل (٤) مفرج بن سلمة ، وأبو عبد الله حفيد مكي ، وأبو عبد الرحمن بن مساعد ، وأبو عامر محمد بن أحمد السالمي ، وأبو القاسم ابن بشكوال ، وأبو محمد بن عبيد الله ، وأبو مروان البيّاضي ، وابن قزمان ، وأبو الوليد بن حجاج.

من روى عنه : روى (٥) عنه ابنه أبو القاسم ، وأبو الحسن بن محمد بن بقي الغسّاني ، وأبو عبد الله محمد (٦) بن يحيى السّكري ، وأبو العباس النّباتي ، وأبو عمرو بن عيّاد ، وهو أسنّ منه ، وأبو الكرم جودي.

تواليفه : صنّف (٧) في الأدب (٨) مصنّفات منها «بهجة الأفكار ، وفرجة (٩) التّذكار ، في مختار الأشعار» ، و «مباشرة ليلة السّفح» (١٠) ، ومقالة في الإخوان ، خرّجها من شواهد الحكم ، ومصنّف في أخبار معاوية ، و «الدّر المنظم في الاختيار (١١) المعظّم» ، و «مجموع في الألغاز» (١٢) ، و «روضة الحدائق ، في تأليف الكلام الرائق» ، مجموع نظمه ونثره ، وملقى (١٣) السبل في فضل رمضان ، وقصيدته في ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وخطرات الواجد في رثاء الواحد ، ورجوع (١٤) الإنذار بهجوم العذار ، إلى غير ذلك.

محنته : غرّبه الأمير ابن سعد (١٥) من وطنه ، وألزمه سكنى مرسية ، ثم بلنسية.

ولما مات ابن سعد آخر يوم من رجب سبع وستين وخمسمائة ، عاد إلى وطنه واستقرّ به يفيده الدّية ، إلى آخر عمره.

__________________

(١) في الذيل والتكملة : «عريب».

(٢) في الذيل والتكملة : «وابن فندلة».

(٣) في الذيل والتكملة : «وابن نمارة».

(٤) في الذيل والتكملة : «وأبو الخليل».

(٥) قارن بالذيل والتكملة (ج ٦ ص ٤٦٧).

(٦) كلمة «محمد» ساقطة في الذيل والتكملة.

(٧) قارن بالذيل والتكملة (ج ٦ ص ٤٦٨).

(٨) في الذيل والتكملة : «في الآداب».

(٩) في الأصل : «وفرصة» والتصويب من الذيل والتكملة.

(١٠) في الذيل والتكملة : «ومباشرة ليلة السفح ، من خبر أبي الأصبغ عبد العزيز ابن أبي الفتح ...».

(١١) في الأصل : «الإحسار» والتصويب من الذيل والتكملة.

(١٢) في الذيل والتكملة : «في ألغاز».

(١٣) في الذيل والتكملة : «ملتقى السبيل ...».

(١٤) في الأصل : «ورجوم» والتصويب من الذيل والتكملة.

(١٥) هو الأمير محمد بن سعد بن مردنيش الجذامي ، أمير بلنسية ومرسية ، وقد تقدمت ترجمته في هذا الجزء.

٣٤٢

شعره : وشعره كثير. فمن ذلك القصيدة الشهيرة في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر صحابته (١) : [الكامل]

بالهضب هضب زرود أو تلعاتها

شاقتك (٢) هاتفة على نغماتها

مصدورة تفتنّ في ترجيعها (٣)

فيبين نفث السّحر في نفثاتها

إن راقها (٤) رأد الضحى أو راعها

جنح الدّجى سيّان في ذكراتها

هذا يمتّعها وذاك يشوقها

والموت (٥) في يقظاتها وسناتها

ولو (٦) التّعلل بالكرى ينتابها

نضحت فزور (٧) الطّيف برح شكاتها

لكنّ بين جفونها ومنامها (٨)

حربا (٩) تثير النهب في كرّاتها

ولئن نطقت لها به فتقوّل

من للرّياح (١٠) بملتقى هبّاتها؟

مطلولة الفرعين تلحفها الرّبى

كنفا (١١) وتلثمها لمى زهراتها

ويسيغها (١٢) ماء النّخيلة جرعة

لغياضها (١٣) من مجتنى نخلاتها

منها :

يا من تبلّج نوره عن صادع

بالواضحات الغرّ من آياتها

يا شارعا في أمّة جعلت به

وسطا نالت (١٤) مستدام حياتها

__________________

(١) هي مخمسة ، وهي طويلة ، وقد وردت كاملة في الذيل والتكملة (ج ٦ ص ٤٦٩ ـ ٤٨٢) ومطلعها :

يا مسبلا من عينه عبراتها

أشجتك هاتفة على أثلاتها

أم شمت بارقة بعرض فلاتها

بالهضب هضب زرود أو تلعاتها؟

شاقتك هاتفة على نغماتها

(٢) في الأصل : «ساقتك» والتصويب من الذيل والتكملة.

(٣) في الأصل : «في جيعها» والتصويب من الذيل والتكملة.

(٤) في الأصل : «إن راغها راد» ، والتصويب من الذيل والتكملة.

(٥) في الذيل والتكملة : «فالموت».

(٦) في الأصل : «ولو لا» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الذيل والتكملة.

(٧) في الذيل والتكملة : «بزور».

(٨) في الأصل : «وهنامها» والتصويب من الذيل والتكملة.

(٩) في الأصل : «خرزا» والتصويب من الذيل والتكملة.

(١٠) في الأصل : «من يلقى الرياح بملتقى ...» وكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الذيل والتكملة.

(١١) في الأصل : «كتفا ويلثمها المنى ...» والتصويب من الذيل والتكملة.

(١٢) في الأصل : «وتسغيها» والتصويب من الذيل والتكملة.

(١٣) في الذيل والتكملة : «تعتاضها».

(١٤) في الأصل : «فغالت» والتصويب من الذيل والتكملة.

٣٤٣

في دار خلد لا يشيب وليدها

حيث الشّباب يرفّ في جنّاتها

وتسنّم (١) الرّضوان في أكنافها

وتنسّم (٢) الرّيحان من جنباتها

يا مصطفاها يا (٣) مرفّع قدرها

يا كهفها يا منتهى غاياتها (٤)

يا منتقاها من أرومة هاشم

يا هاشم الصّلبان في نزاوتها

يا خاضدا للشّرك شوكة حزبه

يا يافعا (٥) للعرب في جمراتها

قلت : نقل الشيخ (٦) أزيد من ذلك أو ضعفه أو نحوه. إلى أن قال : وهي طويلة ، قلت : وثقيلة الرّوح. ولقد صدق في قوله.

ومن شعره : [السريع]

يا بدر تمّ طالعا في الحشا

برّح بي منك أوان المغيب

حظّك من قلبي تعذيبه

وحظّه منك الأسى والوجيب

فمن يكن يزهى بلبس المنى

فإن زهوي بلحاس النّحيب

في ساعة قصر أنيابها

غيبته لي وحضور الرقيب

لعلّ من باعد ما بيننا

يفرّج الكربة عمّا قريب

وقال : [الكامل]

رشّوا (٧) القباب بأدمع مفضوضة

ذوى للفراق وأكبد تتصرّم

فللنّفس في تلك الرّبوع حبيبة

والقلب في إثر الوداع مقسّم

هل لي بهاتيك الظّبا إلماعة؟

أم هل لذاك السّرب شمل ينظم؟

حقّا فقدت الذّات عند فراقهم

فالشّخص يوجد والحقيقة تعدم

وفاته : توفي ببلده لثلاث بقين من رمضان ست وتسعين وخمسمائة (٨). قال أبو القاسم المواعيني : عثر في مشيه فسقط ، فكان سبب منيّته ، ودخل غرناطة في غير ما وجهة منها ، راويا عن أبي القاسم بن الفرس ، ومع ذلك فهو من أحوازها وبنيّاتها.

__________________

(١) في الأصل : «وتنسّم» والتصويب من الذيل والتكملة.

(٢) في الأصل : «وشيم» والتصويب من الذيل والتكملة.

(٣) كلمة «يا» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من الذيل والتكملة.

(٤) في الأصل : «بأكنفها ... علياتها» ، والتصويب من الذيل والتكملة.

(٥) في الذيل والتكملة : «يا نابغا».

(٦) هو الشيخ أبو الحسن الرعيني.

(٧) في الأصل : «رثوا» بالثاء.

(٨) في بغية الملتمس : توفي في سنة ٥٩٥ ه‍. وولادته في المصادر : سنة ٥٢٩ ه‍.

٣٤٤

محمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد

ابن خاتمة الأنصاري (١)

من أهل ألمريّة ، يكنى أبا عبد الله.

حاله : من كتاب الإكليل ما نصّه (٢) : ممن ثكلته اليراعة ، وفقدته البراعة ، تأدّب بأخيه (٣) ، وتهذّب ، وأراه في النظم المذهب ، وكساه من التفهّم والتعليم البرد (٤) المذهّب ، فاقتفى واقتدى ، وراح في الحلبة واغتدى ، حتى نبل وشدا ، ولو أمهله الدهر لبلغ المدى. وأما خطّه فقيد الأبصار ، وطرفة من طرف الأمصار ، واعتبط (٥) يانع الشّبيبة ، مخضرّ الكتيبة.

شعره : [البسيط]

كفّوا الملام فلا أصغي إلى العذل

عقلي وسمعي عن العذّال في شغل

يقول في هذه القصيدة :

هزل المحبّة جدّ والهوان هوى

والصّبّ يتلف بين الجدّ والهزل

من مسعدي وفؤادي لا يساعدني

أو من شفيعي وذلّي ليس يشفع لي

أعلّل النّفس بالآمال أطمعها

حتى وقعت من التّعليل في علل

لئن كنت تجهل ما في الحبّ من محن

أنا الخبير فغيري اليوم لا تسل

أنا الذي قد حلبت الحبّ أشطره

فلم يفدني لا حولي ولا حيل

لا أشرب الرّاح كي أحلو براحتها

لكن لأدفع ما بالنّفس من كسل

ولا أجول بطرفي في الرياض سوى

ذكري لأيامنا في ظلّها الأول

أنا العهد مضى ما كان أعذبه

لم يبق لي غير آيات من الخبل

كم فديتك يا قلبي وأنت على

تلك الغواية لم تبرح ولم تزل

فاختر لنفسك إما أن تصاحبني

حلوا وإلّا فدعني منك وارتحل

فقد تبعتك حتى سرت من شغفي

ولوعتي في الهوى أعجوبة المثل

__________________

(١) ترجمة ابن خاتمة الأنصاري في الدرر الكامنة (ج ٤ ص ٢٠١) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٣٦٤).

(٢) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٦٤ ـ ٣٦٥).

(٣) هو أبو جعفر أحمد بن علي بن محمد ، ويعرف أيضا بابن خاتمة ، المتوفى سنة ٧٧٠ ه‍ ، وترجمته تقدمت في الجزء الأول ، وله ديوان شعر مطبوع ، حققه الدكتور محمد رضوان الداية.

(٤) في النفح : «الرداء».

(٥) اعتبط : مات شابا. لسان العرب (عبط).

٣٤٥

ومن شعره (١) : [الرمل]

ومض البرق فثار القلق

ومضى النّوم وحلّ الأرق

وينعاني من غرامي قد شكا

ودموعي من ولوعي تنطق (٢)

ودليلي في غليلي زفرتي

وعذابي بانتحابي أصدق

وحسودي من وقودي رقّ لي (٣)

ضمّنا فيها الحمى والأبرق (٤)

وعشيّات تقضّت باللّوى

في محيّا (٥) الدهر منها رونق

إذ شبابي والتّصابي جمعا

ورياض الأنس غضّ مونق (٦)

شتّ (٧) يوم البين شملي ليت ما

خلق البين لقلب يعشق

آه من يوم قضى لي فرقة

شاب منّي يوم حلّت مفرق

ومن ذلك : [الطويل]

أيا جيرة الحيّ الممنّع جاره

سقى ريقكم دمعي إذا بخل الوبل

متى غبتم عنّي فأنتم بخاطري

وإن تقصدوا ذلّي فقد لذّني الذّلّ

عذابكم قرب وبخلكم ندى

وإذلالكم عزّ وهجرانكم وصل

وأنتم نعيمي لا نعمت بغيركم

وروضي لا ماء (٨) أريد ولا ظلّ

ومن ظريف نزعاته قوله (٩) : [البسيط]

الرّفع نعتكم لا خانكم (١٠) أمل

والخفض شيمة شأني (١١) والهوى دول

هل منكم لي عطف بعد بعدكم؟

إذ ليس لي منكم يا سادتي بدل

__________________

(١) ورد منها ستة أبيات في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٦٥).

(٢) هذا البيت والذي يليه لم يردا في نفح الطيب.

(٣) رواية صدر البيت في النفح هي : مذ تذكّرت لأيام خلت.

(٤) في الأصل : «والأيفق» ، والتصويب من النفح. و «الأبرق» : غلظ فيه حجارة ورمل وطين مختلطة ، والجمع أبارق. محيط المحيط (برق).

(٥) في الأصل : «مخيّلى» وكذا ينكسر الوزن والتصويب من النفح.

(٦) في النفح : «مورق».

(٧) شتّ : فرّق. لسان العرب (شتت).

(٨) في الأصل : «ما» وكذا ينكسر الوزن.

(٩) البيتان في الدرر الكامنة (ج ٤ ص ٢٠١) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٣٦٥).

(١٠) في الأصل : «خابكم» والتصويب من النفح.

(١١) في النفح : «مثلي».

٣٤٦

وفاته : اعتبط في الطاعون في أوائل ربيع الأول عام خمسين وسبعمائة. ورد إلى الحضرة غير ما مرة.

محمد بن عيسى بن عبد الملك بن قزمان الزّهري (١)

من أهل قرطبة ، يكنى أبا بكر.

حاله : نسيج وحده أدبا وظرفا ولوذعيّة وشهرة. قال ابن عبد الملك : كان أديبا بارعا ، محسنا ، شاعرا حلو الكلام ، مليح التّندير ، مبرّزا في نظم الطريقة الهزلية ، بلسان عوام الأندلس ، الملقب بالزّجل. قلت (٢) : وهذه الطريقة بديعة يتحكّم فيها ألقاب البديع ، وتنفسخ لكثير مما يضيق سلوكه على الشاعر. وبلغ فيها أبو بكر مبلغا حجره الله عن سواه ؛ فهو آيتها المعجزة ، وحجّتها البالغة ، وفارسها العلم ، والمبتدى فيها والمتمّم ، رحمه الله. وقال الفتح فيه (٣) : «مبرّز في البيان ، ومحرز السّبق (٤) عند تسابق الأعيان ، اشتمل عليه المتوكل (٥) على الله اشتمالا رقّاه (٦) إلى مجالس ، وكساه ملابس ، واقتطع (٧) أسمى الرّتب وتبوّأها ، ونال أسنى الخطط (٨) وما تمالأها».

شعره : قال الفتح (٩) : وقد أثبت له ما يعلم (١٠) به رفيع قدره ، ويعرف كيف أساء الزمن (١١) بغدره ، قوله (١٢) : [الكامل]

ركبوا السيول من الخيول وركّبوا

فوق العوالي السّمر زرق نطاف (١٣)

__________________

(١) ترجمة ابن قزمان في المغرب (ج ١ ص ١٠٠) والمقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ٩٥) ورايات المبرزين (ص ١٢٦) والوافي بالوفيات (ج ١ ص ٥٤) ونفح الطيب (ج ٥ ص ١٧٢) و (ج ٦ ص ٧٠) و (ج ٩ ص ٢٤١).

(٢) القول لابن الخطيب معلقا على قول ابن عبد الملك المراكشي.

(٣) يخلط ابن الخطيب هنا بين المترجم له وبين عمّه أبي بكر محمد بن عبد الملك بن عيسى بن قزمان القرطبي ، المتوفى سنة ٥٠٨ ه‍. وقول الفتح بن خاقان في قلائد العقيان (ص ١٨٦).

(٤) في القلائد : «الخصل».

(٥) هو المتوكل بن الأفطس ، صاحب بطليوس ، في عصر ملوك الطوائف ، وقد قتله المرابطون سنة ٤٨٨ ه‍.

(٦) في القلائد : «أرقاه».

(٧) في المصدر نفسه : «فاقتطع».

(٨) في المصدر نفسه : «الحظوظ».

(٩) قلائد العقيان (ص ١٨٦).

(١٠) في القلائد : «ما تعلم به حقيقة قدره ، وتعرف ...».

(١١) في المصدر نفسه : «الزمان».

(١٢) في المصدر نفسه : «فمن ذلك قوله» والبيتان في المغرب (ج ١ ص ١٠٠) منسوبين إلى أبي بكر محمد بن عبد الملك بن عيسى بن قزمان ، عمّ المترجم له.

(١٣) في الأصل : «قطاف» والتصويب من القلائد والمغرب.

٣٤٧

وتجلّلوا الغدران من ماذيّهم

مرتجّة إلّا على الأكتاف

وكتب إليه ذو الوزارتين أبو عبد الله بن أبي الخصال (١) يستدعيه إلى مجلس أنس : [البسيط]

إني أهزّك هزّ الصّارم الخذم

وبيننا كلّ ما تدريه من ذمم

ذا شاك (٢) من قطع أنس أنت واصله

بما لديك من الآداب والحكم

وشتّ شمل كرام أنت ناظمه

وردّ دعوة أهل المجد والكرم

ولو دعيت إلى أمثالها لسعت

إليك سعي مشوق هائم قدم

وإن نشطت لتصريفي صرفت له

وجهي وكنت من الأعوان والخدم

وما أريد سوى عفو تجود به

وفي حديثك ما يشفى من الألم

أنت المقدّم في فخر وفي أدب

فاطلع علينا طلوع السيّد العمم

فأجابه رحمه الله : [البسيط]

أتى من المجد أمر لا مردّ له

نمشي على الرأس فيه لا على القدم

لبّيك لبّيك أضعافا مضاعفة

إني أجبت ولكنّ داعي الكرم

لي همّة ولأهل العزّ مطمحها

لا زلت في كلّ مجد مطمح الهمم

وإنّ حقّك معروف وملتزم

وكيف يوجد عندي غير ملتزم؟

زفن (٣) ورقص وما أحببت من ملح

عندي وأكثر ما تدريه من شيم

حتى يكون كلام الحاضرين بها

عند الصّباح وما بالعهد من قدم

يا ليلة السّفح هلّا عدت ثانية

سقى زمانك هطّال من الدّيم

وقال في غرض النّسيب (٤) : [السريع]

يا ربّ يوم زارني (٥) فيه من

أطلع من غرّته (٦) كوكبا

ذو شفة لمياء معسولة

ينشع من خدّيه ماء الصّبا

__________________

(١) تقدمت ترجمة ابن أبي الخصال في هذا الجزء من الإحاطة.

(٢) في الأصل : «ذاك شاك» وكذا ينكسر الوزن.

(٣) الزّفن : الرقص. لسان العرب (زفن).

(٤) الأبيات في المقتضب (ص ٩٥) ونفح الطيب (ج ٥ ص ١٧٢).

(٥) في الأصل : «زادني» والتصويب من المصدرين.

(٦) في الأصل : «غربه» وكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المصدرين.

٣٤٨

قلت له هب (١) لي بها قبلة

فقال لي مبتسما : مرحبا

فذقت شيئا لم أذق مثله

لله ما أحلى وما أعذبا

أسعدني الله بإسعاده

يا شقوتي (٢) يا شقوتي لو أبى

وقال : [المنسرح]

جئت لتوديعه وقد ذرفت

عيناي من حسرة وعيناه

في موكب البين باكيين (٣) ولا

أصعب من موقف وقفناه

معانقا جيده على حذر

فمن رآني مقبّلا فاه

نغّص توديعه لعاشقه

ما كان من قبل قد تمنّاه

وقال يعتذر ارتجالا وأحسن ما أراد (٤) : [البسيط]

يا أهل ذا المجلس السّامي سراوته (٥)

ما ملت لكنني مالت بي الرّاح

وإن (٦) أكن مطفئا (٧) مصباح بيتكم

فكلّ من فيكم (٨) في البيت مصباح

وقال يهنّئ بعرس : [الكامل]

صرفت إليك وجوهها الأفراح

وتكنّفتك سعادة ونجاح

فاقض المآرب في زمان صالح

لا سدّ عنك من الزّمان صلاح

إن كان كالشمس المنيرة حسنها

فالبدر أنت وما عليك جناح

لا فرق بينكما لرأي فاستوى

زيّ النساء قلادة ووشاح

هل يوقد المصباح عندكما مهجا

وكلاكما ببهائه مصباح؟

أحرزت يا عبد العزيز محاسنا

كثرت فلم تستوفها الأمداح

يا من له كفّ تجود وأضلع

مطوي على حفظ الوداد سجاح (٩)

__________________

(١) في الأصل : «وهب» وكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المصدرين.

(٢) الشّقوة : الشقاء. لسان العرب (شقا).

(٣) في الأصل : «باكين» بياء واحدة ، وكذا ينكسر الوزن.

(٤) البيتان في المغرب (ج ١ ص ١٠٠) وجاء فيه أنه قالهما وقد رقص في مجلس شرب ، فأطفأ السراج بأكمامه.

(٥) في المغرب : «سرارته».

(٦) في المغرب : «فإن».

(٧) في الأصل : «مظعنا» والتصويب من المغرب.

(٨) في المغرب : «فكل من قد حواه البيت ...».

(٩) في الأصل : «شجاح» بالشين المعجمة. والسّجاح : الذي يحسن العفو. لسان العرب (سجح).

٣٤٩

ما ألقت الحاجات دوني قفلها

إلّا ويمن يمينك المفتاح

في كل ما تنحو إليه ملاحة

وكذاك أفعال المليح ملاح

ومن حكمه قوله (١) : [الوافر]

كثير المال تبذله فيبقى

ولا (٢) يبقى مع البخل القليل

ومن غرست يداه ثمار جود

ففي ظلّ الثناء له مقيل

وقال رحمه الله (٣) : [الوافر]

وعهدي بالشّباب وحسن قدّي

حكى ألف ابن مقلة في الكتاب (٤)

فصرت اليوم منحنيا كأني

أفتّش في التّراب على الشباب (٥)

وقال رحمه الله (٦) : [الرمل]

يمسك الفارس رمحا بيد (٧)

وأنا أمسك فيها قصبه

وكلانا (٨) بطل في حربه

إن الاقلام رماح الكتبه

قال ابن عبد الملك : أنشدت على شيخنا أبي الحسن الرّعيني ، قال : أخبرنا الراوية أبو القاسم بن الطّيلسان ، قال : سألته ، يعني أبا القاسم أحمد بن أبي بكر هذا ، أن ينشد شيئا من شعر أبيه المغرب ، فأخرج لي قطعة بخط أبيه وأنشده. وقال : أنشدني أبي رحمه الله لنفسه : [المنسرح]

أحسن ما نيط في الدّعاء (٩) لمن

رتّب في خطّة من الخطط

خلّصك الله من عوائقها

ودمت في عصمة من الغلط

مقرّبا منك ما تسرّ به

وكل مكروهة على شحط

الكلّ بالعدل منك مغتبط

وليس في الناس غير مغتبط

وليس يخليك من أنا لكها

من عمل بالنّجاة مرتبط

__________________

(١) البيتان في المقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ٩٥) ونفح الطيب (ج ٦ ص ٧١).

(٢) في المقتضب : «وقد يبقى من الذكر القليل».

(٣) البيتان في المقتضب من كتاب تحفة النادم (ص ٩٥ ـ ٩٦) ونفح الطيب (ج ٥ ص ١٧٢).

(٤) هو أبو علي محمد بن علي بن الحسين بن مقلة ، المتوفى سنة ٣٢٨ ه‍ ، يضرب به المثل بحسن خطّه. وفيات الأعيان (ج ٤ ص ٣٥٤ ، ٣٥٧).

(٥) في المصدرين : «على شبابي».

(٦) البيتان في المقتضب (ص ٩٦).

(٧) كلمة «بيد» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من المقتضب.

(٨) في المقتضب : «فكلانا».

(٩) في الأصل : «الدعا» وكذا ينكسر الوزن.

٣٥٠

فانفذ بعون لله (١) مجتهدا

بقلب صافي الضمير (٢) مرتبط

يا صاحب الأمر والذي يده

نائلها للعفاة غير بطي (٣)

رفعتم يا بني رفاعة ما

كان من المعلوات في هبط

ومنبر الحق من سواه بكم

فها هو الآن غير مختلط

وانضبط الأمر واستقام لكم

ولم يكن (٤) قبل ذا بمنضبط

أتيت في كل ما أتيت به

فالغيث بعد الرجاء (٥) والقنط

جللت عمّن سواك منزلة

فلست ممّن سواك في نمط

أنت من المجد والعلا طرف

وكلّهم في العلا من الوسط

كتابته : وقفت من ذلك على أفانين. منها في استهلال شهر رمضان قوله :

سلام على أنس المجتهدين ، وراحة المتهجّدين ، وقرّة أعين المهتدين ، والذي زيّن الله به الدّنيا وأعزّ به الدين. شرّف الله به الإسلام ، وجعل أيامه رقوما في عواتق الأيام ، وشهوره غررا في جباه الأعلام ، وحلّ به عن رقاب الأمة قلائد الآثام ، ونزّه فيه الأسماع عن المكاره وصان الأفواه من رفث الكلام. أشهد أن الله أثنى عليك ، وأدخل من شاء الجنّة على يديك ، وخصّك من الفضائل بما يمشي فيه التّفسير حتى يكلّ ، ويسأم ذلك اللسان ويملّ ، وأبادت ذنوب الأمة بمثل ما أبادت الشمس الظّلّ ، ذلك الذي يتهلل للسماء هلاله ، ويهتزّ العرش لجلاله ، وترتج الملائكة في حين إقباله ، وتدخل الحور العين في زينتها تكريما ، وتلتزم إجلاله وتعظيما ، ويهتدي فيه الناس إلى دينهم صراطا مستقيما ، وتغلّ الشياطين على ما خيّلت ، وتذوق وبال ما كادت به وتخيّلت ، ويشمّر التّقيّ لعبادة ربّه ذيلا ، وتهبط الملائكة إلى سماء الدنيا ليلا ، وينتظم المتّقون في ديوانه انتظام السّلك ، ويكون خلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك ، وتفتح الجنّة أبوابا ، ويغفر لمن صامه إيمانا واحتسابا ، جزاء من ربك عطاء حسابا ، وبما فضّلك الله على سائر الشهور ، وقضى لك بالشّرف والفضل المشهور. فرضك في كتابه ، ومدحك في خطابه ، حيث قال : شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان ، يعني تكبير الناس

__________________

(١) في الأصل : «الله» وكذا ينكسر الوزن.

(٢) في الأصل : «صفيّ بالضمير» وكذا ينكسر الوزن.

(٣) في الأصل : «بط».

(٤) في الأصل : «ولم يكن من قبل ...» ، وكذا ينكسر الوزن ، لذا حذفنا كلمة «من».

(٥) في الأصل : «الرجا» وكذا ينكسر الوزن.

٣٥١

عليك ، وتقليب أحداقهم بالنظر إليك ، حين لثمت بالسحاب ، ونظرت من تحت ذلك النّقاب ، وقد يمتاز الشّيب وإن استتر بالخضاب ، حتى إذا وقف الأئمّة منك على الصّحيح ، وصرّحوا برؤيتك كلّ التصريح ، نظرت كل جماعة في اجتماعها ، وتأهّبت القرّاء لإشفاعها ، واندفعت الأصوات باختلاف أنواعها ، وتضرعت الألباب ، وطلبت المواقف أواخر الأعشار والأحزاب ، وابتدئت ألم ذلك الكتاب ، عند ما أوقدت قناديل كأنما قد بدت من الصباح ، ورقصت رقص النواهد عند هبوب الرياح ، والله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ، فأمّلك المسلمون في سرّ وجهر ، وحطّت أثقال السيئات عن كل ظهر ، والتمست الليلة التي هي خير من ألف شهر ، فنشط الصالحون بك صوما ، وهجر المتهجّدون في ليلك نوما ، وأكملناك إن أذن الله ثلاثين يوما. فيا أيها الذي رحل ، رحل بعد مقامه ، وقام للسّفر من مقامه ، ورأى من قضى حقّه ومن قصّر في صيامه ، فمشى الناس إلى تشييعه ، وبكوا لفراقه وتوديعه ، وندم المضيّع على ما كان من تضييعه ، ولم يثق بدوام العيش إلى وقت رجوعه ، فعضّ على كفّه ندما ، وبكت عينه ماء وكبده دما. رويدا حتى أمرح في ميدان فراقك ، وأتضرّع إلى حنانك وإشفاقك ، وأتشفى من تقبيلك وعناقك ، وأسأل منك حاجة إن أراد الله قضاءها ، وشاء نفوذها وإمضاءها ، إذا أنت وقفت لربّ العالمين ، فقبلك من قوم وردّك في وجوه آخرين. إن تثني جميلا ، فعسى يصفح لعهده وإن أساء ، فعلم الله أني نويت التوبة أولا وآخرا ، وأملت الأداء باطنا وظاهرا ، وكنت على ذلك لو هدى الله قادرا ، وإنما علم ، من تقصير الإنسان ما علم ، وللمرء ما قضي عليه به وحكم ، وإن النفس لأمّارة بالسّوء إلّا من رحم ، فإن غفر فبطوله وإحسانه ، وإن عاقب فيما قدّمت يد العبد من عصيانه ، فيا وحشة لهذه الفرقة ، ويا أسفا على بعد الشّقة ، ويا شدّ ما خلّفته لنا بفراقك من الجهد والمشقة ، ولطالما هجر الإنسان بك ذنبه ، وراقب إعظاما لكربه ، وشرحت إلى أعمال البرّ قلبه. ومع هذا أتراك ترجع وترى ، أم تضمّ علينا دونك أطباق الثّرى؟ فيا ويلتا إن حلّ الأجل ، ولم أقض دينك ، ورجعت وقد حال الموت بيني وبينك ، فأغرب ، لا جعله الله آخر التوديع ، وأيّ قلب يستطيع.

وقال في استهلال شوال :

ولكل مقام مقال. الله أكبر هذا هلال شوّال قد طلع ، وكرّ في منازله وقطع ، وغاب أحد عشر شهرا ثم رجع. ما لي أراه رقيق الاستهلال ، خفيّ الهلال ، وروحا تردّد في مثل انملال؟ ما باله أمسى الله رسمه ، وصحّح جسمه ، ورفع في شهور العام اسمه؟ على وجهه صفرة بيّنة ، ونار إشراقه ليّنة ، وأرى السحاب تعتمده وتقف ،

٣٥٢

وتغشاه سويعة وتنصرف ، ما أراه إلّا بطول ذلك المقام ، وتوالي الأهوال العظام ، أصابه مرض في فصل من فصول العام ، فعادته كما يعاد المريض ، وبكته الأيام الغرّ والليالي البيض ، وقلن : كلأك الله وكفاك ، وحاطك وشفاك ، وقل : كيف نجدك لا فضّ فاك ، هذا على الظّن لا على التحقيق ، ومجاز لا يحكم التّصديق. وليبعد مثل هذا المقدار ، أن يقدح فيه طول الغيب وتواتر الأسفار. أليس هو قد ألف مجالي الرّياح ، وصحب برد الصّباح ، وشاهد الأهوية مع الغدو والرّواح ، وطواها بتجربته طيّ الوشاح؟ ما ذاك إلّا أنّه رأى الشمس في بعض الأيام ماشية ، والحسن يأخذ منها وسطا وحاشية ، ودلائل شبابها ظاهرة فاشية ، فوقع منها في نفسه ما وقع ، وثبت على قلبه من النّظر ما زرع ، ووقع في شركها وحقّ له أن يقع. فرثت هي لحاله وأشفقت ، ونهجت بوصالها وتأنّقت ، وقطعت من معدن نيلها وأنفقت ، ورأت أنها له شاكلة يبلغ أملها ، وتبلغ مأمله ، ولذلك ما مدّت لذيذ السّماح ، فتعرّضت بالعشيّ وارتصدها في الصباح ، مع ما أيقنّا به من الانقطاع ، ويمسّنا من الاجتماع ، كما نفد القدر ، وصدر الخبر ، وقال : تعلن لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ، فوجد لذلك وجدا شديدا ، وأذاقه مع الساعات شوقا جديدا ، وأصبح بها دنفا ، وأمسى عميدا ، حتى سلب ذلك بهاه ، وأذهب سناه ، وردّه النحول كما شاه ، ولقي منها مثل ما لقي غيلان من ميّته ، وجميل من بثينته ، وحنّ إليها حنين عروة إلى عفراء ، وموعدهما يوم وهب ناقته الصّفراء. على رسلك أني وهمت ، وحسبت ذلك حقّا وتوهّمت ، والآن وقد فطنت ، وأصبت الفصّ فيما ظننت ، إنه لقي رمضان في إقباله ، وضمّه نقصان هلاله ، وصامه فجأة ولم يك في باله ، فأثّر ذلك في وجهه الطّلق ، وأضعفه كما فعل بسائر الخلق ، وها هو قد أقبل من سفره البعيد ، فقل هو هلال الفطر أو قل هو هلال العيد ، فلقه صباح مشى الناس فيه مشي الحباب ، ولبسوا أفضل الثياب ، وبرزوا إلى مصلّاهم من كل باب ، فارتفعت همّة الإسلام ، وشرفت أمة محمد عليه السلام ، وخطب بالناس ودعا للإمام ، عندما طلعت الشمس بوجه كدور المرآة ، ولون كصفا المهراة ، وخرج لا ينسيها ريم الفلاة. وقضوا السّنّة ، وبذلوا الجهد في ذلك والمنّة ، وسألوا من الله أن يدخلهم الجنّة ، ثم خطبوا حمدا لله وشكرا ، وذكروه كذكرهم آباءهم أو أشدّ ذكرا ، ثم انصرفوا راشدين ، وافترقوا حامدين ، وشبك الشيخ بيديه ، ونظر الشّاب في كفّيه ، ورجعوا على غير الطريق الذي أتوا عليه ، فلقد استشفى من الرّؤية ذو عينين ، وتذكّر العاشق موقف البين ، وشقّ المتنزّه بين الصّفين ، فنقل عينيه من الوشي إلى الدّيباج ، ووجوه كضوء السّراج ، وعيون أقتل من سيف الحجّاج ، ونظرات لا يدفع داؤها بالعلاج ، وقد زيّنت العيون بالتكحيل ، والشعور بالتّرجيل ، وكرّر السّواك على مواضع التّقبيل ، وطوّقت الأعناق بالعقود ، وضرب الفكر في صفحات الخدود ، ومدّ بالغالية

٣٥٣

على مواضع السجود ، وأقبلت صنعاء بأوشيتها ، وعنت بأرديتها ، ودخلت العروس في حليتها ، ورقمت الكفوف بالحنّاء ، وأثني على الحسن وهو أحقّ بالثناء ، وطلّقت التّوبة ثلاثا بعد البناء ، وغصّ الذّراع بالسّوار ، وتختّم في اليمين واليسار ، وأمسكت الثياب بأيدي الأبكار ، ومشت الإماء أمام الأحرار ، وتقدمت الدّايات بالأطفال الصّغار ، وامتلأت الدّنيا سرورا (١) ، وانقلب الكلّ إلى أهله مسرورا. وبينما كانت الحال كما نصصت ، والحكاية كما قصصت ، إذ تلألأت الدنيا برقا ، وامتدّ مع الأفقين غربا وشرقا ، وردّ لمعانه عيون الناظرين زرقا ، ولو لا أنه جرّب حتى يدرى ، لقيل قد طلعت مع الشمس شمس أخرى ، حتى أقبل من شرفت العرب بنسبه ، وفخر الإسلام بسببه ، من انتسب إلى زهرة وقصيّ ، وازدانت به آل غالب وآل لؤي ، من إذا ذكر المجد فهو ممسك بعده ، أو الفضل فهو لابس برده ، أو الفخر فهو واسطة عقده ، أو الحسن فهو نسيج وحده ، الذي رفع لواء العليا ، وعارضت مكارمه صوب الحيا ، وحكت محاسنه زهرة الحياة الدنيا. فأما وجهه فكما شرقت الشمس وأشرقت ، وغربت كواكب سمائها وشرقت ، وتفتّحت أطواق الليل عن غرر مجده وتشقّقت. ولو لا حيا يغلب عليه ، وخفر يصحبه إذا نظرت إليه ، لاستحال النهار ، وغارت لنوره كواكب الأسحار ، ولكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ، لا يحفل بالصبح إذا انفلق ، ولا بالفجر إذا عمّ آفاق الدّجا وطبّق ، ولو بدا للمسافر في ليله لطرق ، وقد عجم الأبنوس على العاج ، وأدار جفنا كما عطف على أطفالها النّعاج ، يضرب بها ضرب السيف ، ويلمّ بالفؤاد إلمام الطّيف ، ويتلقّاها السّحر تلقّي الكريم للضيف. لو جرّدها على الرّيم لوقف ، أو على فرعون ما صرف من سحره ما صرف ، أو على بسطام ابن قيس لألقى سلاحه وانصرف. وأما أدواته فكما انشقّت الأرض عن نباتها ، وأخذت زخرفها في إنباتها ، ونفح عرف النّسيم في جنباتها ، يتفنّن أفانين الزهر ، ويتقلب تقلّب الدهر ، وتطلع له نوادر كالنجوم الزهر ، لو أبصره مطرّف ما شهر بخطّه ، ولا جرّ من العجب ذيل مرطه ، ولا كان المخبر معه من شرطه. وأما أنه لو قرىء على سحبان كتابه ، وانحدر على نهره عبابه ، وملأت مسامعه أطنابه وأسبابه ، ما قام في بيانه ولا قعد ، ولنزل عن مقامه الذي إليه صعد ، ولا خلّف من بلاغته ما وعد. لعمرك ما كان بشر بن المعتمر يتفنّن للبلاغة فنونا ، ولا يتقبّلها بطونا ومتونا ، ولا أبو العتاهية ليشرطها كلاما موزونا ، ولا نمّق الحسن بن سهل الألفاظ ، ولا رفع قسّ بن ساعدة صوته بعكاظ ، ولا أغاظ زيد بن علي هشاما بما أغاظ ، وأما مكارمه

__________________

(١) في الأصل : «سررا».

٣٥٤

فكما انسكب الغيث عن ظلاله ، وخرج الودق من غلاله ، فتدارك النّعمة عن فوتها ، وأحيا الأرض بعد موتها ، ذلك الشريف الأجلّ ، الوزير الأفضل ، أبو طالب ابن القرشي الزّهري ، أدام الله اعتزازه ، كما رقم في حلل الفخر طرازه ، فاجتمعت به السيادة بعد افتراقها ، وأشرق وجه الأرض لإشراقها ، والتفّت الثياب بالثياب ، وضمّ الرّكاب بالرّكاب ، ولا عهد كأيام الشباب ، فوصل القريب البعيد ، وهنّوه كما جرت العادة بالعيد ، فوقف مع ركابه وسلّمت ، وجرت كلاما وبه تكلّمت ، فقلت : تقبّل الله سعيك ، وزكّى عملك ، وبلّغك فيما تودّه أملك ، ولا تأمّلت وجها من السّرور إلّا تأمّلك ، ونفعك بما أوليت ، وأجزل حظّك على ما صمت وصلّيت ، ووافقتك لعلّ وساعدتك ليت ، وهنّاك عيد الفطر وهنّأته ، وبدأك بالمسرات وبدأته ، وتبرّأ لك الدهر مما تحسد وبرّأته. وهكذا بحول الله أعياد واعتياد ، وعمر في دوام وعزّ في ازدياد ، والسّنّة تفصح بفضلك إفصاح الخطباء من إياد ، وأقرأ عليك سلام الله ما أشرق الضّحى ، ودام الفطر والأضحى.

دخوله غرناطة : دخل غرناطة ، وتردّد إليها غير ما مرة ، وأقام بها ، وامتدح ابن أضحى (١) وابن هاني ، وابن سعيد وغيرهم من أهلها. قال ابن سعيد في «طالعه» : وقد وصف وصول ابن قزمان إلى غرناطة ، واجتماعه بجنّته بقرية الزاوية من خارجها ، بنزهون القليعية الأديبة ، وما جرى بينهما ، وأنها قالت له بعقب ارتجال بديع ، وكان لبس غفارة صفراء : أحسنت يا بقرة بني إسرائيل ، إلّا أنّك لا تسرّ النّاظرين ، فقال لها : إن لم أسرّ الناظرين ، فأنا أسرّ السامعين ، وإنما يطلب سرور الناظرين منك ، يا فاعلة يا صانعة. وتمكّن السّكر من ابن قزمان ، وآل الأمر إلى أن تدافعوا معه حتى رموه في البركة ، فما خرج منها إلّا وثيابه تقطر ، وقد شرب كثيرا من الماء ، فقال : اسمع يا وزير ثم أنشد (٢) : [السريع]

إيه أبا بكر ولا حول لي

بدفع أعيان وأنذال

وذات فرج (٣) واسع دافق

بالماء يحكي حال أذيالي (٤)

غرّقتني في الماء يا سيدي

كفّره بالتغريق في المال

__________________

(١) هو الوزير أبو الحسن علي بن عمر بن أضحى ، من بيت عظيم بغرناطة ، ثار بها ودعا لنفسه بعد مقتل تاشفين بن يوسف بن تاشفين المرابطي سنة ٥٣٩ ه‍. توفي سنة ٥٤٠ ه‍. وقد تقدم التعريف به في الجزء الأول من الإحاطة في ترجمة أبي بكر المخزومي الأعمى. وسيترجم له ابن الخطيب في الجزء الرابع من الإحاطة.

(٢) الأبيات في نفح الطيب (ج ٦ ص ٧١).

(٣) في الأصل : «جرح» والتصويب من النفح.

(٤) في الأصل : «أذيال» والتصويب من النفح.

٣٥٥

فأمر بتجريده ، وخلع عليه ما يليق به ، ولم يمرّ لهم بعد عهدهم بمثله.

ولم ينتقل ابن قزمان من غرناطة ، إلّا بعد ما أجزل له من الإحسان ، ومدحه بما هو في ديوان أزجاله.

محنته : جرت عليه بابن حمدين (١) محنة كبيرة عظم لها نكاله ، بسبب شكاسة أخلاق كان موصوفا بها ، وحدّة شقي بسببها. وقد ألمّ الفتح في قلائده بذلك ، واختلّت حاله بآخرة ، واحتاج بعد انفصال أمر مخدومه الذي نوّه به.

وفاته : توفي بقرطبة لليلة بقيت من رمضان سنة خمس وخمسين وخمسمائة ، والأمير ابن سعد يحاصر قرطبة رحمه الله.

محمد بن غالب الرّصافي (٢)

يكنى أبا عبد الله ، بلنسي الأصل ، سكن غرناطة مدة ، ثم مالقة.

حاله : قال الأستاذ (٣) : كان فحلا من فحول الشعراء ، ورئيسا في الأدباء ، عفيفا ، ساكنا ، وقورا ، ذا سمت وعقل. وقال القاضي (٤) : كان شاعرا مجيدا ، رقيق الغزل ، سلس الطبع ، بارع التّشبيهات ، بديع الاستعارات ، نبيل المقاصد والأغراض ، كاتبا بليغا ، ديّنا ، وقورا ، عفيفا ، متفقها ، عالي الهمة ، حسن الخلق والخلق والسّمت ، تام العقل ، مقبلا على ما يعنيه من التّعيش بصناعة الرّفي التي كان يعالجها بيده ، لم يبتذل نفسه في خدمة ، ولا تعرض لانتجاع بقافية ، خلا وقت سكناه بغرناطة ، فإنه امتدح واليها حينئذ ، ثم نزع عن ذلك ، راضيا بالخمول حالا ، والقناعة مالا ، على شدّه الرغبة فيه ، واغتنام ما يصدر عنه.

أخبار عقله وسكونه : قال الفقيه أبو الحسن شاكر بن الفخّار المالقي ، وكان خبيرا بأحواله : ما رأيت عمري رجلا أحسن سمتا ، وأطول صمتا ، من أبي عبد الله الرصافي. وقال غيره من أصحابه : كان رفّاء ، فما سمع له أحد من جيرانه كلمة في أحد. وقال أبو عمرو بن سالم : كان صاحبا لأبي ، ولقيته غير ما مرة ، وكان له

__________________

(١) هو أبو جعفر بن حمدين ، قاضي قرطبة ، الذي ثار بها في رمضان من العام ٥٣٩ ه‍. وتمّ له الأمر إلى أن ثار عليه ابن غانية في شعبان من عام ٥٤٠ ه‍. راجع الجزء الرابع من الإحاطة في ترجمة يحيى بن علي بن غانية.

(٢) ترجمة ابن غالب الرصافي في مقدمة ديوانه بقلم محققه الدكتور إحسان عباس ، وفيها ثبت بأسماء المصادر التي ترجمت له.

(٣) المراد بالأستاذ أبا جعفر ابن الزبير صاحب كتاب : صلة الصلة.

(٤) المراد بالقاضي : ابن عبد الملك المراكشي صاحب كتاب : الذيل والتكملة.

٣٥٦

موضع يخرج إليه في فصل العصير ، فكنت أجتاز عليه مع أبي فألثم يده ، فربما قبّل رأسي ، ودعا لي ، وكان أبي يسأله الدعاء فيخجل ، ويقول : أنا والله أصغر من ذلك. قال : وكان بإزائه أبو جعفر البلنسي ، وكان متوقّد الخاطر ، فربما تكلم مع أحد التجار ، فكان منه هفوة ، فيقول له جلساؤه : شتّان والله بينك وبين أبي عبيد الله في العقل والصمت ، فربما طالبه بأشياء ليجاوبه عليها ، فما يزيد على التبسم. فلما كان أحد الأيام ، جاء البلنسي ليفتح دكانه ، فتعمّد إلقاء الغلق من يده ، فوقع على رأس أبي عبد الله ، وهو مقبل على شغله ، فسال دمه ، فما زاد على أن قام ومسح الدم ، ثم ربط رأسه ، وعاد إلى شغله. فلمّا رأى ذلك منه أبو جعفر ترامى عليه ، وجعل يقبّل يديه ، ويقول : والله ما سمعت برجل أصبر منك ، ولا أعقل.

شعره : وشعره لا نهاية فوقه رونقا ومائية ، وحلاوة وطلاوة ، ورقّة ديباجة ، وتمكّن ألفاظ ، وتأصّل معنى. وكان ، رحمه الله ، قد خرج صغيرا من وطنه ، فكان أبدا يكثر الحنين إليه ، ويقصر أكثر منظومه عليه. ومحاسنه كثيرة فيه ، فمن ذلك قوله (١) : [الطويل]

خليليّ ، ما للبيد قد عبقت نشرا؟

وما لرؤوس الرّكب قد رنّحت (٢) سكرا؟

هل المسك مفتوقا (٣) بمدرجة الصّبا

أم القوم أجروا من بلنسية ذكرا؟

خليليّ ، عوجا بي قليلا (٤) فإنه

حديث كبرد الماء في الكبد الحرّى

قفا غير مأمورين ولتتصدّيا (٥)

على ثقة للمزن (٦) فاستسقيا القطرا

بجسر معان والرّصافة أنه

على القطر أن يسقي الرّصافة والجسرا (٧)

بلادي التي ريشت قويدمتي (٨) بها

فريخا وأورثتني قرارتها وكرا

مبادئ (٩) أنيق (١٠) العيش في ريّق الصّبا

أبى الله أن أنسى اغتراري بها غرّا (١١)

__________________

(١) القصيدة في ديوان الرصافي البلنسي (ص ٦٨ ـ ٧١).

(٢) في الأصل : «رجحت» والتصويب من الديوان.

(٣) في الأصل : «مفتوتا» والتصويب من الديوان.

(٤) في الديوان : «عليها».

(٥) في الديوان : «ولتصديا بها».

(٦) في الديوان : «للغيث».

(٧) الرصافة : من أبدع منازه بلنسية تقع بين بلنسية والبحر. الروض المعطار (ص ٢٦٩) ، والمغرب في حلى المغرب (ج ٢ ص ٢٩٨). وجسر معان : أغلب الظن أنه جسر نهر معان ، وهو نهر ببلنسية ؛ يذكر الحميري أن بلنسية تقع على نهر جار ينتفع به ، وتدخله السفن.

(٨) القويدمة : تصغير القادمة وهى إحدى القوادم أربع ريشات في مقدّم الجناح. لسان العرب (قدم).

(٩) في الأصل : «فبادى» والتصويب من الديوان.

(١٠) في الديوان : «لين».

(١١) في الديوان : «... أنسى لها أبدا ذكرا».

٣٥٧

لبسنا بها ثوب الشباب لباسها

ولكن عرينا من حلاه ، ولم تعرا (١)

أمنزلنا عصر الشبيبة ما الذي

طوى دوننا تلك الشبيبة والعصرا؟

محلّ أغرّ العهد لم نبد ذكره

على كبد إلا امترى أدمعا حمرا

أكلّ مكان كان (٢) في الأرض مسقطا

لرأس الفتى يهواه ما عاش مضطرّا (٣)

ولا مثل مدحوّ من المسك تربة

تملّي الصّبا فيه حقيبتها (٤) عطرا

نبات كأنّ الخدّ يحمل نوره

تخال لجينا في أعاليه أو تبرا

وماء (٥) كترصيع المجرّة جلّلت

نواحيه (٦) الأزهار واشتبكت (٧) زهرا

أنيق كريّان (٨) الحياة التي خلت (٩)

طليق كريعان (١٠) الشّباب الذي مرّا

وقالوا : هل الفردوس ما قد وصفته؟

فقلت : وما الفردوس في الجنّة الأخرى (١١)

بلنسية تلك الزّمرّدة (١٢) التي

تسيل عليها كلّ لؤلؤة نهرا

كأنّ عروسا أبدع الله حسنها

فصيّر من شرخ الشّباب لها عمرا

توبّد (١٣) فيها شعشعانيّة الضّحى (١٤)

مضاحكة الشمس البحيرة والبحرا (١٥)

تزاحم (١٦) أنفاس الرياح بزهرها

نجوما فلا شيطان يقربها (١٧) ذعرا

وإن كان قد مدّت يد البين بيننا

من الأرض ما يهوى المجدّ به شهرا (١٨)

__________________

(١) هذا البيت والبيتان التاليان لم ترد في الديوان.

(٢) في الديوان : «راح».

(٣) مضطرّا : أي أنه يهوى مسقط رأسه اضطرارا دون حاجة إلى إقناع.

(٤) في الأصل : «حقيقتها» والتصويب من الديوان.

(٥) في الأصل : «وما» والتصويب من الديوان.

(٦) في الأصل : «نواحيه» والتصويب من الديوان.

(٧) في الديوان : «فاشتبكت».

(٨) في الديوان : «كريعان».

(٩) في الديوان : «حلت» بالحاء المهملة.

(١٠) في الديوان : «كريّان».

(١١) هذا البيت غير وارد في الديوان.

(١٢) في الديوان : «الزّبرجدة».

(١٣) في الأصل : «يؤيّد منها» والتصويب من الديوان. وتؤبّد فيها : تقيم فيها ولا تبرح.

(١٤) شعشانية الضحى : أي أن أنوارها مشعشعة كشمس الصباح.

(١٥) في الديوان : «إذا ضاحك الشمس ...». والبحيرة : هي بحيرة بلنسية التي تزيد في ضياء بلنسية صحو الشمس عليها. المغرب (ج ٢ ص ٢٩٧).

(١٦) في الأصل : «تراجم» والتصويب من الديوان.

(١٧) في الأصل : «يغرّبها» وكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الديوان.

(١٨) هذا البيت لم يرد في الديوان.

٣٥٨

هي الدّرّة البيضاء من حيث جئتها (١)

أضاءت ومن للدّرّ أن يشبه البدرا؟ (٢)

خليليّ ، أن أصدر لها فإنها (٣)

هي الوطن المحبوب أوكله (٤) الصّدرا (٥)

ولم أطو عنها الخطو هجرا لها إذا

فلا لثمت نعلي مساكنها الخضرا

ولكنّ إجلالا لتربتها التي

تضمّ فتاها النّدب أو كهلها الحرّى

أكارم ، عاث الدهر ما شاء فيهم

فبادت لياليهم فهل أشتكي الدهرا؟

هجوع ببطن وارض قد ضرب الرّدى

عليهم قبيبات فويق الثّرى غبرا

تقضّوا فمن نجم سالك ساقط (٦)

أبى الله أن يرعى السّماك أو النّشرا

ومن سابق هذا إذا شاء (٧) غاية

وغير محمود جياد العلا خضرا (٨)

أناس إذا لاقيت من شئت منهم

تلقّوك لا غثّ الحديث ولا غمرا

وقد درجت أعمارهم فتطلّعوا

هلال ثلاث لو شفا رقّ أو بدرا

ثلاثة أمجاد من النّفر الألى

زكوا خبرا بين الورى وزكوا خبرا

أثكّلتهم (٩) ثكلا دهى العين والحشا

فعجّر ذا أمّا وسجّر ذا جمرا؟

كفى حزنا أني تباعدت عنهم

فلم ألق من سرّي منها ولا سرّا

وإلّا (١٠) متى أسلو (١١) بهم كلّ راكب

ليظهر لي خيرا تأبّط لي شرّا

أباحثه عن صالحات عهدتها

هناك فيسبيني (١٢) بما يقصم الظّهرا

محيّا خليل غاض ماء حياته

وساكن قصر ضرّ (١٣) مسكنه القبرا

وأزهر كالإصباح قد كنت أجتلي

سناء كما يستقبل الأرق الفجرا

فتى لم يكن خلو الصّفات من النّدى

ولم يتناس الجود أصرم أم أثرا

يصرّف ما بين اليراعة والقنا

أنامله لا بل هواطله الغرّا

طويل نجاد السيف لان كأنما

تخطّى به في البرد خطّيّة سمرا

سقته على ما فيك من أريحية

خلائق هنّ الخمر أو تشبه الخمرا

__________________

(١) في الأصل : «جدّتها» وكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الديوان.

(٢) في الأصل : «الدرّا» والتصويب من الديوان.

(٣) صدر هذا البيت منكسر الوزن.

(٤) في الأصل : «أوكلته» وكذا ينكسر الوزن.

(٥) من هنا حتى آخر الأبيات غير وارد في الديوان.

(٦) صدر البيت مختل الوزن والمعنى.

(٧) في الأصل : «شا» وكذا ينكسر الوزن.

(٨) عجز البيت مختل الوزن والمعنى.

(٩) في الأصل : «ثكلتهم» وكذا ينكسر الوزن.

(١٠) في الأصل : «وإلى» وكذا ينكسر الوزن.

(١١) في الأصل : «أسل» وكذا ينكسر الوزن.

(١٢) في الأصل : «فيسّبني» وكذا ينكسر الوزن.

(١٣) في الأصل : «أضرّ» وكذا ينكسر الوزن.

٣٥٩

ونشر محيّا للمكارم لو سرت

حميّاه في وجه الأصيل لما اصفرّا

هل السّعد إلّا حيث حطّ صعيده

لمن بلّ في شفري ضريح له شفرا؟

طوين الليالي طيّهنّ وإنما

أطوين (١) عنّي التّجلّد والصّبرا

فلا حرمت سقياه أدمع مزنة

ترى مبسم النّوار عنبر معترّا

وما دعوتي للمزن عذرا لدعوتي

إذا ما جعلت البعد عن قربه عذرا

وقال يرثي أبا محمد بن أبي العباس بمالقة (٢) : [الكامل]

أبني البلاغة ، فيم حفل النادي؟

هبها عكاظ ، فأين قسّ إياد؟

أما البيان ، فقد أجرّ لسانه

فيكم بفتكته الحمام العادي

عرشت سماء (٣) علاكم (٤) ما أنتم

من بعد ذلكم الشّهاب الهادي

حطّوا على عمد الطريق فقد خبا (٥)

لألاء (٦) ذاك الكوكب الوقّاد

ما فلّ لهذمه (٧) الصّقيل وإنما

نثرت كعوب قناكم المنآد

إيه عميد الحيّ غير مدافع

إيه فدى لك غابر الأمجاد

ما عذر سلك كنت عقد نظامه

إن لم يصر بردا إلى الآباد؟

حسب (٨) الزمان عليك ثكلا أن يرى

من طول ليل في قميص حداد

يومي بأنجمه لما قلّدته

من درّ ألفاظ وبيض أياد

كثف الحجاب فما ترى متفضلا

في ساعة تصغي به وتنادي (٩)

ألمم بربعك غير مأمور فقد

غصّ الفناء (١٠) بأرجل القصّاد

خبرا يبلّغه إليك ودونه

أمن العداة وراحة الحسّاد

قد طأطأ الجبل المنيف قذاله

للجار بعدك واقشعرّ الوادي (١١)

أعد التفاتك نحونا وأظنّه

مثل الحديث لديك غير معاد

__________________

(١) في الأصل : «طوين» وكذا ينكسر الوزن.

(٢) هو الفقيه الأديب عبد الله بن أبي العباس الجذامي المالقي ، وله شعر في مدح يوسف بن عبد المؤمن الموحدي. المغرب (ج ١ ص ٤٢٦). والبيت الأول في المغرب (ج ١ ص ٤٢٦) وبعض أبيات هذه القصيدة في ديوان الرصافي البلنسي (ص ٦٠ ـ ٦١).

(٣) في الأصل : «سما» وكذا ينكسر الوزن.

(٤) في الأصل : «علايكم» وكذا ينكسر الوزن.

(٥) في الأصل : «خبت».

(٦) في الأصل : «لآلىء» وكذا ينكسر الوزن.

(٧) في الأصل : «لهزمه» بالزاي. واللهذم : اتحاد القاطع من الأسنّة. محيط المحيط (لهذم).

(٨) في الأصل : «حيث» والتصويب من الديوان.

(٩) في الأصل : «وتناد» بدون ياء.

(١٠) في الأصل : «الفنا» بدون همزة وكذا ينكسر الوزن.

(١١) في الأصل : «الواد» بدون ياء.

٣٦٠