الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٢

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]

الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]


المحقق: الدكتور يوسف علي طويل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3319-5

الصفحات: ٤٢٤

شعره : قال شيخنا أبو البركات : وكان أخذ من قرض جيد الشعر بالحظّ الوافر. فمن شعره ما نقله إلينا الحاج الحافظ المكتّب أبو جعفر بن غصن ، حسبما قيّده عنه بمصر (١) : [الكامل]

بعد المزار ولوعة الأشواق (٢)

حكما بفيض مدامع الآماق

وحفوق نجديّ النسيم إذا سرى

أذكى لهيب فؤادي الخفّاق

أمعلّلي إنّ التّواصل في غد

من ذا الذي لغد فديتك باق؟

إنّ الليالي سبّق قد (٣) أقبلت

وإذا تولّت لم تنل بلحاق

عج (٤) بالمطيّ على الحمى ، سقي الحما

صوب الغمام الواكف الرّقراق

فيه (٥) لذي القلب السليم وداده

قلب سليم يا (٦) له من راق (٧)

قلب غداة فراقهم فارقته

لا كان في الأيام يوم فراق (٨)

يا ساريا والليل ساج عاكف

يفري الفلا (٩) بنجائب (١٠) ونياق

عرّج على مثوى النّبيّ محمد

خير البريّة ذي المحلّ الراقي (١١)

ورسول ربّ العالمين ومن له

حفظ العهود وصحّة الميثاق

الظّاهر الآيات قام دليلها

والطّاهر الأخلاق والأعراق

بدر الهدى (١٢) البادي الذي (١٣) آياته (١٤)

وجبينه كالشمس في الإشراق

__________________

(١) القصيدة في الكتيبة الكامنة (ص ٨٨ ـ ٩٠) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٣٥٩ ـ ٣٦٣).

(٢) في الأصل : «ولوّعته أشواق» والتصويب من المصدرين.

(٣) في المصدرين : «إن».

(٤) في الأصل : «فصفح تمدّونه على ...». وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المصدرين.

(٥) في الكتيبة : «فبه».

(٦) في النفح : «ما له».

(٧) جاء في الكتيبة بدل عجز هذا البيت عجز البيت التالي. والسليم : المريض. والراقي : الذي يستعمل الرقية لمداواة المرض. لسان العرب (سلم) و (رقى).

(٨) هذا البيت غير وارد في الكتيبة.

(٩) في الأصل : «يفتري للعلا» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المصدرين.

(١٠) النجائب : الإبل السريعة. لسان العرب (نجب).

(١١) في الأصل : «المنخل البراق» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة. وفي النفح : «المقام» بدل «المحلّ».

(١٢) في الكتيبة : «الهوى».

(١٣) كلمة «الذي» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من المصدرين.

(١٤) في النفح : «... الهدى وهو الذي آياته».

٣٠١

الشّافع المقبول من عمّ الورى

بالجود والإرفاد والإرفاق

والصّادق (١) المأمون أكرم مرسل

سارت رسالته إلى الآفاق

أعلى الكرام ندى وأبسطهم يدا

قبضت عنان المجد باستحقاق

وأشدّ خلق الله إقداما إذا

حمي الوطيس وشمّرت عن ساق

أمضاهم والخيل تعثر في القنا (٢)

وتجول سبحا في الدّم المهراق

من صيّر الأديان دينا واحدا

من بعد إشراك (٣) مضى ونفاق

وأحلّنا من حرمة الإسلام في

ظلّ ظليل وارف الأوراق

لو أنّ للبدر المنير كماله

ما ناله (٤) كسف ونكس (٥) محاق

لو أنّ للبحرين جود يمينه

أمن السّفين غوائل الإغراق (٦)

لو (٧) أنّ للآباء رحمة قلبه

ذابت نفوسهم (٨) من الإشفاق

ذو العلم (٩) والحلم الخفيّ (١٠) المنجلي

والجاه والشّرف القديم الباقي

آياته شهب وغرّ بنانه

سحب النّوال تدرّ بالأرزاق

ماجت (١١) فتوح الأرض وهو غياثها

وربت ربى الإيمان وهو الساقي (١٢)

ذو رأفة بالمؤمنين ورحمة

وهدى وتأديب بحسن سياق

وخصال مجد أفردت بالخصل في

مرمى الفخار وغاية السّبّاق

ذو المعجزات الغرّ والآي التي

كم آية فقدت وهنّ بواقي

ثنت المعارض حائرا (١٣) لمّا حكت

فلق الصّباح وكان ذا إفلاق

يقظ الفؤاد سرى وقد هجع الورى

لمقام صدق فوق ظهر براق

وسما وأملاك السّماء تحفّه

حتى تجاوزهنّ سبع طباق

__________________

(١) في النفح : «الصادق».

(٢) في النفح : «الوغى».

(٣) في الأصل : «إشراق» ، والتصويب من المصدرين.

(٤) في الكتيبة : «ما طاله».

(٥) في الكتيبة : «وكشف».

(٦) في النفح : «الإيساق».

(٧) في الكتيبة : «أو».

(٨) في الكتيبة : «قلوبهم».

(٩) في الكتيبة : «ذو الحلم والعلم».

(١٠) في الأصل : «ذو العلم والخفيّ المنجلي» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المصدرين.

(١١) في الأصل : «فاحت فيوح الأرض ...» ، والتصويب من النفح.

(١٢) في الأصل : «وهو الشاق» والتصويب من النفح.

(١٣) في الأصل : «خيرا» والتصويب من النفح.

٣٠٢

منها :

يا ذا الذي اتصل الرّجاء (١) بحبله

وانبتّ من هذا الورى (٢) بطلاق

حبّي إليك وسيلتي وذخيرتي

إني من الأعمال ذو إملاق (٣)

وإليك أعملت الرّواحل ضمّرا

تختال بين الوخد والإعناق (٤)

نجبا إذا نشرت (٥) حلى (٦) تلك العلا (٧)

تطوي الفلا ممتدّة الأعناق

يحدو بهنّ من النّحيب مردّد

وتقودهنّ أزمّة الأشواق

غرض إليه فوّقتنا (٨) أسهما

وهي القسيّ برين كالأفواق

وأنختها (٩) بفنائك الرّحب الذي

وسع الورى بالنائل الدفّاق (١٠)

وقرى (١١) مؤمّلك الشفاعة في غد

وكفى بها هبة من الرزّاق

وعليك يا خير الأنام تحيّة

نحيى النفوس بنشرها الفتّاق

تتأرّج الأرجاء من نفحاتها (١٢)

أرج النّديّ بمدحك المصداق

منها (١٣) :

قسما بطيب تراب طيبة إنه

مسك الأنوف وإثمد (١٤) الأحداق

وبشأن (١٥) مسجدها الذي برحابه

لمعامل الرّحمن أيّ نفاق

لأجود فيه بأدمع أسلاكها

منظومة بترائب وتراق

__________________

(١) في الأصل : «الرجا» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المصدرين.

(٢) في الأصل : «للورى» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من المصدرين.

(٣) الإملاق : الفقر. لسان العرب (ملق).

(٤) الوخد والإعناق : ضربان من السير السريع. لسان العرب (وخد) و (عنق).

(٥) في النفح : «نشدت».

(٦) كلمة «حلى» ساقطة في الإحاطة ، وقد أضفناها من المصدرين.

(٧) في الأصل : «الفلا» والتصويب من المصدرين.

(٨) في الأصل : «فوّقنا» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح. وفي الكتيبة : «فوّقتها».

(٩) في المصدرين : «فأنختها».

(١٠) في الأصل : «الدّقّاق» ، والتصويب من المصدرين.

(١١) في الأصل : «وقوّى» والتصويب من المصدرين.

(١٢) في الأصل : «لفحاتها» والتصويب من المصدرين.

(١٣) الأبيات التالية غير واردة في الكتيبة.

(١٤) الإثمد : حجر يكتحل به. محيط المحيط (ثمد).

(١٥) في الأصل : «وأثبار مسجده» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

٣٠٣

أغدو بتقبيل على حصبائه

وعلى كرائم (١) جدره بعناق

وعليك ذا النّورين (٢) تسليم له

نور يلوح بصفحة المهراق

كفؤ (٣) النبيّ وكفؤ أعلى جنّة

حيزت له بشهادة وصداق

وعلى أبي السّبطين (٤) من سبق الألى

سبقوا إلى الإسلام أيّ (٥) سباق

الطاهر الصّهر (٦) ابن عمّ المصطفى

شرف على التّعميم (٧) والإطلاق

مبدي القضايا (٨) من وراء حجابها

ومفتّح الأحكام عن إغلاق

يغزو العداة بغلظة فيهدّهم (٩)

بصوارم تفري الفقار رقاق

راياته لا شيء من عقبانها

بمطار يوم وغى ولا بمطاق

وعلى كرام ستّة عثرت (١٠) بهم

عند النظام ليالي (١١) النّسّاق

ما بين أروع ماجد نيرانه

جنح الظلام تشبّ للطرّاق

وأخي حروب صدّه رشف (١٢) القنا

عمّا قدود مثلهنّ رقاق

ما غرّدت شجوا مطوّقة وما

شقّت كمام الرّوض (١٣) عن أطواق

وعلى القرابة والصّحابة كلّهم

والتابعين لهم ليوم تلاق

ولمّا سنّى الله في الرّوم الوقعة المبيرة والوقيعة الشهيرة التي أجلت عن قتل مليكهم معركتها ، وانتهت للفتح معركتها وحركتها ، وعمّت الإسلام بإتعاس فلّ الكفر بركتها ، قدم مع الوفود من أهل بلده ، وهنّأ أمير المسلمين (١٤) بفتحه ذلك ، وطلوع

__________________

(١) في الأصل : «كرام جدره» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(٢) ذو النورين : هو أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، تزوج بنتين من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم على التعاقب ، فلقّب بذي النورين.

(٣) في الأصل :

«كفوا لنبي وكفوا على جنة

خيّرت ...........»

والتصويب من النفح.

(٤) أبو السبطين : هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام.

(٥) في النفح : «يوم».

(٦) في النفح : «الطهر».

(٧) في النفح : «التخصيص».

(٨) في الأصل : «القضا» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(٩) في الأصل : «فيعيدهم» ، والتصويب من النفح.

(١٠) في النفح : «عشرت».

(١١) في المصدر نفسه : «لآلىء».

(١٢) في النفح : «رشق».

(١٣) في الأصل : «روض» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(١٤) هو السلطان أبو الوليد إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن محمد ، حكم غرناطة من سنة ٧١٣ ه‍ إلى سنة ٧٢٥ ه‍. راجع اللمحة البدرية (ص ٧٨).

٣٠٤

ولده ، فقال : [الكامل]

أمليك أم بدر الدّجى الوضّاح

وحسامه أم بارق لمّاح؟

أعلى المسالك ما بنته يد التّقى

وعمادها الأعلام والأرماح

وأحقّ من يدعى خليفة ربّه

ملك خلافته هدى ونجاح

كأمير أندلس وناصرها الذي

أفنى العداة حسامه السّفاح

أسمى الملوك أبو الوليد المرتضى

وأعزّ من شرفت به الأمداح

هو دوحة الملك العليّ فروعها

وبراحتيه ترزق الأدواح

وبمحو رسم عداته بلبانه (١)

نطق الكتاب وخطّت الألواح

بدر الكمال لو أنّ (٢) بدرا مثله

لم يبد خشية نوره الإصباح

بحر النّوال لو أنّ (٣) بدرا مثله

لارتاع خشية فيضه الملّاح

ولمثله قاد الجياد عدوّه

فخبا له قدح وخاب قداح

أهواه شيطان الهوى في لجّة

إنّ الهوى بأليفه طمّاح

طمع الشّقيّ أضلّه وأذلّه

كل المطالع للغبيّ فصاح

فأبادهم وملوكهم فتح بدا

وبسعد جدّك ربّنا فتّاح

وفواصل تبرى بهنّ مفاصل

وصفائح (٤) يفرى بهنّ صفاح

لم تفن كلّهم سيوف الهند بل

لسيوف جودك في النفوس جراح

ما زال حيّ عداك يحسد ميتهم

ويحثّ فوتا عاجلا فيراح

فاقتل كبيرهم وأحيى صغيرهم

واسب النّساء (٥) فما عليك جناح

تسبيح (٦) ما حاط العداة وما حموا

وحماك يا منصور ليس يباح

يا أمّة الكفران تفنيدا وهل

لجفون أعمى ينجلي مصباح؟

أتركتم بطرو (٧) وحيدا مفردا

يشدو عليه الطائر الصيّاح؟

وجوان (٨) يرتشف الندى فنديمه

غربانه ووساده الصّفّاح (٩)

__________________

(١) في الأصل : «بلبّاته» وكذا ينكسر الوزن.

(٢) في الأصل : «أنّ» وكذا ينكسر الوزن ، لذا جعلنا همزة القطع همزة وصل.

(٣) في الأصل : «أنّ» وكذا ينكسر الوزن ، لذا جعلنا همزة القطع همزة وصل.

(٤) في الأصل : «وصفاح» وكذا ينكسر الوزن.

(٥) في الأصل : «النسا» وكذا ينكسر الوزن.

(٦) في الأصل : «تستبيح» وكذا ينكسر الوزن.

(٧) هو بطره بن ألهونش بن هرانده بن شانجه ، صاحب قشتالة. راجع اللمحة البدرية (ص ١١٩).

(٨) هو الدون خوان Don Juan ، الوصيّ على ملك قشتالة.

(٩) الصّفّاح : حجارة عريضة رقيقة. محيط المحيط (صفح).

٣٠٥

وكذلك المطران جاد رسومه

قطر المنايا الصارم الطّفّاح

أرؤوس (١) تبيضّ النعام بمرجنا

أصنافكم هذي أم الأشباح؟

ما للمطامير اشتكت من ضيقها

بالمال والأسرى وهنّ فساح؟

جارت بكم أبطالنا فكأنكم

كشح وجيش المسلمين وشاح

تبّا لروميّ يهيم براحة

أيرام عن خيل الإله براح؟

قصّت قوادمكم فما إقدامكم

والليل (٢) جنح الكفر تغيض جناح

هذا فلا تستعجلوا ببلادكم

سترون كيف يكون الاستفتاح

قد انثنت (٣) بطحاؤنا بحطامكم

ونباتها الرّيحان والتفاح

تالله ما كنتم بأول عسكر

أمل النجاح وحينه يجتاح

القسّ غرّكم ليهلك نسلكم

بسيوفنا إن إفكه لصراح

كم ذا يسخّركم ويسخر منكم

غدرا ومكرا إنه لوقاح

منها :

وفوارس نشأوا لنهب فراس

طلبوا انتشاء للدّما لا الراح (٤)

أربوا على الأسد الهزبر بسالة

مع أنهم غرّ الوجوه صباح

خاضوا بحار الحرب يطمو بحرها

ووطيسها حامي الصّلى لفّاح

ما هم ببذل نفوسهم ونفيسهم

وعن (٥) النوال أو النّزال سجاح

وإذا هم ذكروا بناد فانتشق

مسكا تضوّع عرفه النفّاح

فغدا وراح النصر يقدم جمعهم

ويحفّهم حيث اعتدوا أو راحوا (٦)

سنّاك مولانا بسعد مقبل

خلصاء قد عمّتهم الأفراح (٧)

وبنجلك البدر الذي آفاقه

ملك وهالته هدى وصلاح

بدر البدور فلا بدار عليه

وبذا أنارت (٨) أربع وبطاح

__________________

(١) في الأصل : «أم تبيض» وكذا ينكسر الوزن ، لذا حذفنا كلمة «أم».

(٢) في الأصل : «ولليل» وكذا ينكسر الوزن.

(٣) في الأصل : «قد انثنت» وكذا ينكسر الوزن ، لذا جعلنا همزة الوصل همزة قطع.

(٤) في الأصل : «انتشاو الدّما للراح» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

(٥) في الأصل : «عن النوال والنزال ...» ، وكذا ينكسر الوزن.

(٦) في الأصل : «راح».

(٧) في الأصل : «له أفراح» وكذا لا يستقيم الوزن ولا المعنى.

(٨) في الأصل : «نارت» وكذا ينكسر الوزن. وأنارت ونارت : كلاهما بمعنى وهو أضاء.

٣٠٦

فلكم عدوّ ما (١) أفلّ بزوغه

خسفت به الأوجال والأتراح

وهنا ونالك بالأمير تجدّد

كلّ بحبّك نفسه ترتاح

قد جاء بعد العسر يسر شامل

قد جاء بعد الشّدة الإنجاح

فالحمد لله الذي قد خصّنا

ولنا بحمدك بعده إفصاح

وعلى المقام المولويّ تحيّة

كالزّهر إذ تهدي شذاه رياح

ما خطّ مدحك في الطّروس محبّر

ومحا (٢) دياجير الأصيل صباح

وقال يرثي الخطيب ببلده ، الشهير الفاضل ، أبا الحسن بن شعيب ، رحمه الله : [الطويل]

بوادي لقد حملت ما ليس لقواه

فراق ولا (٣) من شرف الأرض تقواه

بليت بذا التفريق فاصبر فربما

بلغت بحسن الصبر ما تتمنّاه (٤)

شجا كلّ نفس فقد أنفس جوهر

تعدّ ولا تحصى كرام سجاياه

بكى كلّنا حزنا عليه كما بكى

لفرقته محرابه ومصلّاه

فلله خطب جليل لقد رمى

أجلّ خطيب بالجلالة مصماه

فلولاكم يغلب تأسّينا الأسى

ولم يشمل الشّمل التفجّع لولاه

فلم يبق إلّا من جفا جفنه الكرى

ومن جانبت وصل المضاجع جنباه

وفاء (٥) المرّي وفّى فوفّي أجره

وأصفى بإصفاء الإله وصافاه

أبي الحسن العدل الرّضا المحسن الذي

أتته بأضعاف الزيادة حسناه

خطيب جلا فصل الخطاب بيانه

وأعدل قاض فاضل في قضاياه

وجسم الهدى الرّحب السبيل وروحه

ولفظ العلى الفخر الأصيل ومعناه

مطيع رفيع خاضع متواضع

كريم حليم طاهر القلب أوّاه

متى يمش (٦) هونا ليس إلّا لمسجد

تمد (٧) خجلا أرض بها حطّ نعلاه

تكلّمه عرف وذكر وحكمة

تلذّ بها الأسماع ما كان أحلاه

__________________

(١) كلمة «ما» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها لكي يستقيم الوزن.

(٢) في الأصل : «ومحي دجاجر» وكذا لا يستقيم لا المعنى ولا الوزن. والدياجير : جمع ديجور وهو الظلام. محيط المحيط (دجا).

(٣) في الأصل : «ولى شرف» وكذا ينكسر الوزن.

(٤) في الأصل : «ما تمناه» وكذا ينكسر الوزن.

(٥) في الأصل : «وفاة».

(٦) في الأصل : «يمشى» وكذا ينكسر الوزن.

(٧) في الأصل : «تميد» وكذا ينكسر الوزن. وهو فعل مجزوم لأنه جواب فعل الشرط.

٣٠٧

كذا صمته خوف وفكر وخشية

فما زال يخشى الله والكلّ يخشاه

يصوم وقد طال النهار مهجّرا

وتبحر بالليل التغمّض (١) عيناه

فكم دارس أحياه من أربع التّقا

وكم غاسق من حندس الليل أحياه

فيا طيّبا أصلا وذكرا وتربة

ومنه استفاد الطّيب أطيب ريّاه

وفي حرقة تحنو ومرأى وباطنا (٢)

وأمن سنا شمس الضحى من محيّاه

محيّا يروّي الناظرين تهلّلا

فتعرفه في الصالحين بسيماه

بحبّك هامت كلّ نفس منيبة

كذا من أحبّ الله حبّبه الله

فما أنعم الأرض التي بك قدّست

وآثر ذيّاك الضريح وأنداه

بشراك إنّا قد شغلنا بحزننا

ورضوان بشراه بذلك بشراه

عزا لأهليه الأهلة أنهم

لهم يعتري من بعده العزّ والجاه

نال شعيب في الزمان بدوره

ولم تكن الشمس المنيرة إلّاه

أعزّي أولي الإيمان كلّا بفقده

نعم وأسنّيه بحبّه مأواه

سقى الله وسميّ الحيا ذلك الثرى

وغاداه صوب الغاديات وميّاه

كما قد سقاه ليلة الدّفن ربّه

من الغيث وكّاف السحاب وأسخاه

ترضّوا عن القاضي الإمام خطيبكم

فقد رضي الرحمن عنه وأرضاه

وصلّوا على هادي الأنام نبيّكم

صلاة بها يمحو المسيء خطاياه

عليك سلام الله ما الروض فاح إن

سرت سحرا ريح الصّبا بخزاماه

وفاته : توفي ، رحمه الله ، في رمضان ، تحقيقا من سنة خمس (٣) على شكّ وسبعمائة ، أخبرني بذلك من يوثق به.

محمد بن عبد الله بن الحاج البضيعة

من أهل مالقة ، وتردّد كثيرا على الحضرة ، مسترفدا ومنشدا ، وفي غير ذلك من الأغراض ، يكنّى أبا عبد الله.

حاله وشعره : من الإكليل : شاعر اتخذ النظم بضاعة ، وما ترك السعي في مذاهبه ساعة ، أجرى في الملا ، لا في الخلا ، وجعل ذكره دلوه من الدّلا ، وركض

__________________

(١) في الأصل : «للتغمض» وكذا ينكسر الوزن.

(٢) في الأصل : «وفي حشرقة تحن ومرتجا وباطنا» وكذا لا يستقيم لا المعنى ولا الوزن.

(٣) الصواب أنه توفي سنة خمسين وسبعمائة كما جاء في بغية الوعاة (ص ٦٠). وجاء في الدرر الكامنة (ج ٤ ص ١٠٣) أنه مات بالطاعون عام ٧٤٩ ه‍.

٣٠٨

في حلبة النجبا النجائب ، ورمى في الخواطي بسهم صائب ، فخرج بهرجه ونفق ، وارتفد بسببه وارتفق. وهو الآن قد سالمته السنون ، وكأنّما أمن المنون ، من رجل مكفوف الأذى ، حسن الحالة إلّا إذا ، هذا قلت ، ثبت هذا والمذكور حيّ ، وقد مات ، رحمه الله.

ومن شعره : [الطويل]

رجائي (١) في المولى العظيم عظيم

غنيت به حيث الغناء مديم

وحسبي الرجا فيمن عليه معوّلي

حديث حديث لم يزل وخديم

وما عرفت نفسي سوى باب فضله

على ثقة أنّ الكريم كريم

فإن قيل عنّي مذنب قلت سيّد

كفيل بغفران الذنوب رحيم

وما اعتصم المملوك إلّا بحبله

فجانبه نعمى لنا ونعيم

رضاه سبيل للنجاة وحبّه

طريق لجنّات النّعيم قديم

وأنشد يوما الأمير ثالث الأمراء من بني نصر (٢) يهنيه بالملك ويعزّيه (٣) : [الوافر]

على من تنشر اليوم البنود؟

وتحت لواء من تسري الجنود؟

وقال (٤) : على هذا الكذا ، الذي بين يديك ، فخجل ، وعظم استظراف الحاضرين لذلك.

وفاته : توفي في كذا وسبعمائة.

محمد بن عبد الله بن فطيس

يكنى أبا عبد الله ، من أهل مالقة. وقال الأستاذ (٥) : من بيت فطيس الألبيريين.

__________________

(١) في الأصل : «رجاى» وهكذا ينكسر الوزن.

(٢) هو السلطان أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن نصر ، الملقب بالمخلوع ، وقد حكم من سنة ٧٠١ ه‍ حتى سنة ٧٠٨ ه‍. اللمحة البدرية (ص ٦٠).

(٣) الحكاية والبيت في اللمحة البدرية (ص ٦١).

(٤) في اللمحة البدرية أن ضمير «قال» يعود إلى السلطان أبي عبد الله المخلوع ، وجاء هناك هذه العبارة : «فقال له السلطان : على هذا الزبّلح الذي ترى قدّامك ـ يعني نفسه ـ فاستطرفها الناس ، وخجل الشاعر».

(٥) الأستاذ : هو أبو جعفر بن الزبير ، صاحب كتاب صلة الصلة.

٣٠٩

حاله : قال : طبيب ماهر ، وأديب شاعر ؛ كان في أيام بني حسّون ، يخفّ عليهم ، وله فيهم أمداح كثيرة. يذكر أنه دخل يوما على القاضي أبي مروان بن حسّون ، بعد انقطاع عن زيارته ، فعتبه القاضي ، فاعتذر ، ثم أنشد : [مخلع البسيط]

يا حاملا من علاه تاجا

ومن سنا وجهه سراجا

لو كان رودي عديل ودّي

لكنت من بابك الرّتاجا

إن لم يعرّج عليك شخصي

نفسي وروحي عليك عاجا

وذكره ابن عسكر في كتابه.

محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن يحيى بن محمد بن

فتوح بن محمد بن أيوب بن محمد بن الحكيم اللخمي

ذو الوزارتين (١)

يكنى (٢) أبا عبد الله ، رندي النشأة ، إشبيلي الأصل ، يرجع بيته ، وبيت بني حجاج ، وبيت بني عباد ، إلى جرثومة واحدة. وانتقل سلفه إلى رندة في دولة بني عباد ، ويحيى جدّ والده هو المعروف بالحكيم لطبّه. وقدم ذو الوزارتين على حضرة غرناطة أيام السلطان أبي عبد الله محمد بن محمد بن نصر ، إثر قفوله من الحج في رحلته التي رافق فيها العلّامة أبا عبد الله بن رشيد الفهري ، فألحقه السلطان بكتّابه ، وأقام يكتب له في ديوان الإنشاء ، إلى أن توفي هذا السلطان ، وتقلّد الملك بعده وليّ عهده أبو عبد الله المخلوع ، فقلّده الوزارة والكتابة ، وأشرك معه في الوزارة أبا سلطان عبد العزيز بن سلطان الدّاني ، فلمّا توفي أبو سلطان أفرده السلطان بالوزارة ، ولقّبه ذا الوزارتين ، وصار صاحب أمره ، إلى أن توفي بحضرة غرناطة قتيلا ، نفعه الله تعالى ، غدوة يوم الفطر ، مستهل شوال سنة ثمان وسبعمائة ، وذلك لتاريخ خلع سلطانه ، وخلافة أخيه أمير المسلمين ، أبي الجيوش ، مكانه.

حاله : كان (٣) ، رحمه الله تعالى ، علما في الفضيلة والسّراوة ، ومكارم الأخلاق ، كريم النفس ، واسع الإيثار ، متين الحرمة ، عالي الهمة ، كاتبا بليغا ، أديبا ،

__________________

(١) ترجمة أبي عبد الله ابن الحكيم في نفح الطيب (ج ٣ ص ٣٦٠) و (ج ٨ ص ٤٢) ضمن ترجمة ولده أبي بكر محمد بن أبي عبد الله بن الحكيم الرندي.

(٢) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٤٢ ـ ٤٣).

(٣) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٤٣).

٣١٠

شاعرا ، حسن الخطّ ، يكتب خطوطا على أنواع كلّها جميلة الانطباع ، خطيبا ، فصيح القلم ، زاكي الشّيم ، مؤثرا لأهل العلم والأدب ، برّا بأهل الفضل والحسب ، نفقت بمدته للفضائل أسواق ، وأشرقت بإمداده للفضائل آفاق (١). ومن «عائد الصلة» : كان (٢) ، رحمه الله ، فريد دهره سماحة ، وبشاشة ، ولوذعيّة ، وانطباعا ، رقيق الحاشية ، نافذ العزمة ، مهتزّا للمديح ، طلقا للأمل ، كهفا للغريب ، برمكي المائدة (٣) ، مهلّبي الحلوى (٤) ، ريّان من الأدب ، مضطلعا بالرواية ، مستكثرا من الفائدة. يقوم على المسائل الفقهية ، ويتقدم الناس في باب التّحسين والتّقبيح ، ورفع راية الحديث والتّحديث ، نفّق بضاعة الطلب ، وأحيا معالم الأدب ، وأكرم العلم والعلماء ، ولم تشغله السياسة عن النظر ، ولا عاقه تدبير الملك عن المطالعة والسماع والإفراط (٥) في اقتناء الكتب ، حتى ضاقت قصوره عن خزائنها ، وأثرت أنديته من ذخائرها. قام له الدّهر على رجل (٦) ، وأخدمه صدور البيوتات ، وأعلام الرّياسات ، وخوطب من البلاد النازحة ، وأمّل من (٧) الآفاق النائية.

رحلته ونباهته : رحل (٨) إلى الحجاز الشريف من بلده ، على فتاء سنّه ، أول عام ثلاثة (٩) وثمانين وستمائة ، فحجّ وزار ، وتجوّل في بلاد المشرق ، منتجعا عوالي الرواية في مظانّها ، ومنقّرا عنها عند مسنّي شيوخها ، وقيّد الأناشيد الغريبة ، والأبيات المرقصة ، وأقام بمكة شرّفها الله ، من شهر رمضان إلى انقضاء الموسم ، فأخذ بها عن جماعة يأتي ذكرهم في مشيخته. وانصرف إلى المدينة المشرّفة ، ثم قفل مع الرّكب الشامي إلى دمشق ، ثم كرّ إلى المغرب ، لا يمرّ بمجلس علم أو تعلّم إلّا روى أو روّي. واحتلّ رندة ، حرسها الله ، أواخر عام خمسة وثمانين وستمائة ، وأقام (١٠) بها عينا في قرابته ، وعلما في أهله ، معظّما عندهم (١١) ، إلى أن أوقع السلطان بالوزراء من بني حبيب ، الوقيعة البرمكيّة (١٢). وورد رندة في أثر ذلك ، في شهر جمادى الآخرة من عام ستة وثمانين وستمائة ، فتعرّض إليه ، ومدحه (١٣) ، وهنّأه بقصيدة طويلة

__________________

(١) هنا ينتهي النص في نفح الطيب.

(٢) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٤٧ ـ ٤٨).

(٣) برمكي المائدة : نسبة إلى البرامكة الذين كانوا مضرب المثل في الكرم والضيافة.

(٤) مهلبي الحلوى : نسبة إلى بني المهلب بن أبي صفرة ، وكانوا مضرب المثل في أكل الحلوى.

(٥) في النفح : «وأفرط».

(٦) قام له الدهر على رجل : كناية عن مطاوعة الدهر له.

(٧) في النفح : «في».

(٨) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٤٨ ـ ٤٩).

(٩) في الأصل : «ثلاث» ، وهو خطأ نحوي.

(١٠) في النفح : «فأقام».

(١١) في النفح : «لديهم».

(١٢) المراد وقيعة هارون الرشيد بالبرامكة.

(١٣) كلمة «ومدحه» غير واردة في النفح.

٣١١

من أوليات شعره ، أولها (١) : [الرمل]

هل إلى ردّ عشيّات الوصال

سبب أم ذاك من ضرب المحال؟

فلمّا أنشدها إياه ، أعجب به ، وبحسن خطّه ونصاعة ظرفه ، فأثنى عليه ، واستدعاه إلى الوفادة على حضرته ، فوفد (٢) إليها في آخر العام المذكور ، فأثبته في خواصّ دولته ، وأحظاه لديه ، إلى أن رقّاه إلى كتابة الإنشاء ببابه. واستمرّت حاله ، معظّم القدر ، مخصوصا بالمزية ، إلى أن توفي السلطان ، ثاني الملوك من بني نصر ، وتقلّد الملك بعده ، وليّ عهده أبو عبد الله ، فزاد في إحظائه وتقريبه ، وجمع له بين الكتابة والوزارة ، ولقّبه بذي الوزارتين ؛ وأعطاه العلامة ، وقلّده الأمر ، فبعد الصّيت ، وطاب الذّكر ، إلى أن كان من الأمر (٣) ما يأتي به الذكر قريبا إنشاء الله تعالى.

مشيخته : قرأ (٤) برندة على الشيخ النحوي أبي الحسن علي بن يوسف العبدري السّفاح ، القرآن العظيم بالروايات السّبع ، والعربية وغير ذلك. وعلى الخطيب بها أبي القاسم بن الأيسر ، وأخذ عن والده جميع مرويّاته. واستجاز له في صغره أعلام ذلك الزمان ، وأخذ في رحلته عن الجلّة من الجملة الذين يضيق عن أمثالهم الحصر.

فمنهم أبو اليمن جار الله ابن عساكر ، لقيه بالحرم الشّريف ، وانتفع به ، واستكثر من الرواية عنه. ومنهم الشيخ أبو العز عبد العزيز بن عبد المنعم الحرّاني ، المعروف بابن هبة الله الحراني. ومنهم الشيخ الشريف (٥) أبو العباس أحمد بن عبد الله بن عمر بن معطي ابن الإمام الجزائري ـ جزائر المغرب ـ نزيل بغداد. ومنهم الشيخ أبو الصفا خليل بن أبي بكر بن محمد المرادي الحنبلي ، لقيه بالقاهرة. ومنهم الشيخ رضي الدين القسطميني أبو بكر. ومنهم الشيخ شرف الدين الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدّمياطي ، إمام الديار المصرية ، في الحديث ومؤرخها وحافظها. ومنهم عبد المنعم بن محمد بن يوسف بن أحمد الخيمي ، شهاب الدين أبو عبد الله ، نزيل مشهد الحسين بن علي ، قرأ عليه قصيدته البائية الفريدة التي أولها (٦) : [البسيط]

يا مطلبا ليس لي في غيره أرب

إليك آل التّقصّي وانتهى الطلب

__________________

(١) هو مطلع قصيدة طويلة سترد في هذه الترجمة بعد قليل.

(٢) في النفح : «فوفد آخر عام ستة وثمانين».

(٣) في النفح : «من أمره ما كان».

(٤) النص في النفح (ج ٣ ص ٣٦١ ـ ٣٦٢).

(٥) في النفح : «الشرف».

(٦) البيت في نفح الطيب (ج ٣ ص ٣٦١) و (ج ٧ ص ٢٤٦) وجاء في الجزء السابع : «التقضي» بالضاد المعجمة.

٣١٢

ومنها البيت المشهور الذي وقع النزاع فيه (١) :

يا بارقا بأعالي الرّقمتين بدا

لقد حكيت ولكن فاتك السّبب (٢)

ومنهم عبد المولى يحيى بن حماد البعلبكي ؛ مولده سنة إحدى عشرة وستمائة. ومنهم محمد بن بكر بن خلف بن أبي القاسم الصّفار. ومنهم الشيخ أبو الفضل الأديب جمال الدين بن أبي الخير بن علي بن عبد الله بن رواحة. ومنهم محمد بن يحيى بن عبد الله القرشي جمال الدين أبو صادق ، ومن تخريجه «الأربعون المرويّة بالأسانيد المصرية» ، وسمع الحلبيّات من ابن عماد الحرّاني والشيخ أبي الفضل عبد الرحيم خطيب الجزيرة ، ومولده سنة ثمان وتسعين وخمسمائة. ومنهم الشيخ محمد بن عباس الأشعري تقي الدين الحافظ أبو القاسم. ومنهم الشيخ محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن عبد المجيد الأنماطي. ومنهم أبو البدر بن عبد الله بن أبي الزبير ، الكاتب المصري. ومنهم الشيخ عبد الرحيم بن عبد المنعم بن خلف التّدميري. ومن رؤساء شيوخه ؛ الشيخ محيي الدين أبو الفضل. ومنهم زينب بنت الإمام أبي محمد عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن علي البغدادي ، تكنّى أم الفضل ، وسمعت من أبيها. ومنهم محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الخراساني ، أبو عبد الله موقّر الدين ، وألبسه خرقة التصوف. ومنهم الشيخ محمد بن يحيى بن هبيرة الشّيباني شرف الدين. ومنهم الشيخ شهاب الدين أحمد بن عيسى بن عيسى بن يوسف بن إبراهيم بن إسماعيل السّلفي. ومنهم الشيخ علي بن عبد الكريم بن عبد الله الدّمشقي ، أبو الحسن ؛ ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة. ومنهم الشيخ غازي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب الجلاوي. ومنهم الشيخ نور الدين علي بن محمد أبي البركات الأنصاري المقرئ بحرم الخليل ، سمع من أبي الحسن علي بن شجاع. ومنهم يوسف بن داود بن عيسى بن أيوب الحنفي.

ومنهم الملك الأوحد يعقوب بن الملك الناصر صلاح الدين (٣) داود بن الملك المعظّم عيسى ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب. ومنهم عبد المنعم بن يحيى بن إبراهيم بن علي بن جعفر القرشي الزّهري خطيب القدس. ومنهم الشيخ عبد الحفيظ بن بدران ، ويدعى عليّ الدين من أهل بانياس ، سمع من ابن صيصرى. ومنهم الشيخ علي بن عبد الرحمن بن عبد المنعم المقدّسي. ومنهم الشيخ محمد بن

__________________

(١) البيت في نفح الطيب (ج ٣ ص ٣٦١).

(٢) في النفح : «الشّنب».

(٣) في الأصل : «صلاح الدين وداود» ، والتصويب من النفح.

٣١٣

محمد بن سالم بن يوسف بن أسلم القرشي ، جمال الدين. ومنهم عبد الواسع بن عبد الكافي شمس الدين. ومنهم الشيخ أحمد بن أحمد الزّجاجي البغدادي الإمام تقي الدين. ومنهم عبد الجميل بن أحمد بن الزّجاج. ومنهم فاطمة بنت إبراهيم بن محمد بن محمود بن جوهر البعلبكي ، الشيخة الكاتبة الخيّرة أم الخير. ومنهم الشيخ يوسف ابن أبي ناصر السفاوي. ومنهم الشيخ عبد السلام بن محمد بن مزروع ، أبو محمد عفيف الدين. ومنهم الشيخ أحمد بن عثمان بن محمد الشافعي البخاري شمس الدين. ومنهم الشيخ عبد الله بن خير بن أبي محمد بن خلف القرشي. ومنهم الشيخ محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الباقي بن علي الصّواف شرف الدين. ومنهم الشيخ علي بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن زريق الكاتب ، لقيه بتونس. ومنهم الشيخ سليمان بن علي بن عبد الله الكاتب التّلمساني عفيف الدين الصّوفي الأديب نزيل دمشق ، ومولده بتلمسان. ومنهم الشيخ محمد بن علي بن أحمد بن علي بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن أحمد الميموني البستي القسطلاني قطب الدين ، الإمام المفتي شيخ دار الحديث الكاملية بالقاهرة المعزّية. ومنهم الشيخ عبد الكريم بن علي بن جعفر القرشي جمال الدين.

ومنهم الشيخ أحمد بن محمد بن عبد الظاهر جمال الدين. ومنهم محمد بن محمد بن إبراهيم النجاشي. ومنهم الشيخ عبد الله بن محمد بن محمد بن أبي بكر الطبري ، إمام الروضة النبوية ثم الصخرة القدسية. ومنهم الشيخ فخر الدين عثمان بن أبي محمد بن إسماعيل بن جندرة. ومنهم الشيخ عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد العلي بن أنسكرت فخر الدين. ومنهم الشيخ ثابت بن علي بن عبد العزيز بن قاسم بن عبد الرازق ، سمع على ابن المغير البغدادي. ومنهم الشيخ أمين الدين أبو الهامات جبريل بن إسماعيل بن سيد الأهل الغساني. ومنهم الشيخ محمد بن أحمد بن عبد الله الأندلسي الأصل شرف الدين ، سمع من علم الدين الشيخوني وغيره. ومنهم الشيخ محمد بن محمد الشامي الشافعي الدمشقي ، إمام مسجد أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، يدعى شمس الدين ، سمع من الزبيدي. ومنهم الشيخ يحيى بن الخضر بن حاتم الأنصاري ، يعرف بابن عزّ الدولة.

وأجاز له جماعة ، منهم ابن عماد الحرّاني ، ومنهم ابن يحيى بن محمد بن محمد الهمداني كمال الدين ، وسمع من ابن الزّجّاج وابن رواح الحميري. ومنهم الشيخ عبد الملك أبو المعالي بن مفضل الواسطي ، عرف بابن الجوزي ، سمع على جماعة ، منهم شعيب الزعفراني. ومنهم الشيخ محمد بن أحمد بن ياسر بن شاكر الحاكمي. ومنهم الإمام مفتي المسلمين ، رضي الله عنه. ومنهم أبو عبد الله محمد بن

٣١٤

أبي بكر بن خليل العسقلاني المكّي. ومنهم الخطيب أبو عبد الله محمد بن صالح بن أحمد بن محمد بن رحيمة الكناني ، خطيب بجايه. ومنهم قاضي القضاة ببلاد إفريقية أبو العباس ابن الغمّاز البلنسي ، لقيه بتونس. ومنهم الفقيه العلّامة الوزير أبو القاسم محمد بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن جزي الكلبي. ومنهم الشيخ أبو محمد عبد الله بن يوسف الخلابي. ومنهم الشيخ المغربي أبو محمد الحجاج بن يوسف بن إبراهيم بن عتّاب ، لقيه بتونس. ومنهم الشيخ الفقيه أبو بكر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن يربوع السّبتي. ومنهم الإمام قدوة النحاة أبو الحسين عبيد (١) الله بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن عبد الله بن أبي الربيع القرشي. ومنهم الإمام أبو علي ناصر الدين منصور بن أحمد بن عبد الحق الزّواوي المشدالي ، من أهل بجاية. ومنهم الخطيب القاضي أبو عمرو إسحاق بن أبي إسحاق بن عبد الوهاب الرّندي ، إلى طائفة كبيرة من أهل المشرق والمغرب.

محنته : أغرى به الأمير ولي العهد ، بسبب أمور اختلف فيها ، منها أبيات في هجو الدولة النصرية ، الله أعلم بصحة نسبتها إليه ، فأوقع به ، وناله بين يديه نكال كبير أفلت منه برفق ، واختفى مدة في المآذن المقفلة والأماكن الخفية ، حتى أصحى له جوّ سخطه ، وقضى الله بردّ أمره إليه ، واستيلائه على ما وراء بابه.

من روى عنه : أخذ عنه الخطيب الصالح أبو إسحاق بن أبي العاصي ، وتدبّج معه رفيقه عبد الله بن رشيد وغير واحد. وكان ممدوحا ، وممن مدحه الرئيس أبو محمد عبد المهيمن الحضرمي ، والرئيس أبو الحسن بن الجيّاب ، وناهيك بهما. ومن بديع مدح ابن الجياب له ، قصيدة رائية رائقة ، يهنّئه فيها بعيد الفطر ، منها في أولها (٢) : [البسيط]

يا قادما عمّت الدنيا بشائره

أهلا بمقدمك الميمون طائره

ومرحبا بك من عيد تحفّ به

من السعادة أجناد تظاهره (٣)

قدمت فالخلق في نعمى وفي جذل

أبدى بك البشر باديه وحاضره (٤)

والأرض قد لبست أثواب سندسها

والرّوض قد بسمت منه أزاهره

حاكت يد الغيث في ساحاته حللا

لمّا ساقها دراكا منك باكره

فلاح فيها من الأنوار باهرها

وفاح فيها من النّوّار عاطره

__________________

(١) في النفح : (ج ٣ ص ٣٦٢): «عبد الله».

(٢) القصيدة في نفح الطيب (ج ٨ ص ٤٣ ـ ٤٥) وأزهار الرياض (ج ٢ ص ٣٤٢ ـ ٣٤٤).

(٣) في المصدرين : «تظافره».

(٤) أراد بحاضره سكان الحاضرة.

٣١٥

وقام فيها خطيب الطّير مرتجلا

والزّهر قد رصّعت منه منابره

موشيّ ثوب طواه الدّهر آونة

فها هو اليوم للأبصار ناشره

فالغصن من نشوة يثني معاطفه

والطّير من طرب تشدو مزاهره

وللكمام انشقاق عن أزاهرها

كما بدت لك من خلّ ضمائره

لله يومك ما أذكى فضائله

قامت لدين الهوى (١) فيه شعائره

فكم سريرة فضل فيك قد خبئت

وكم جمال بدا للناس ظاهره

فافخر بحقّ على الأيام قاطبة

فما لفضلك من ندّ يظاهره (٢)

فأنت في عصرنا كابن الحكيم إذا

قيست بفخر أولي العليا مفاخره

يلتاح منه بأفق الملك نور هدى

تضاءل الشمس مهما لاح زاهره

مجد صميم على عرش السّماك سما

طالت مبانيه واستعلت مظاهره

وزارة الدّين والعلم الذي رفعت

أعلامه والنّدى الفيّاض زاخره

وليس هذا ببدع من مكارمه

ساوت أوائله فيه أواخره

يلقى الأمور بصدر منه منشرح

بحر وآراؤه العظمى جواهره

راعى أمور الرّعايا معملا نظرا

كمثل علياه معدوما نظائره

والملك سيّر في تدبيره حكما

تنال ما عجزت عنه عساكره

سياسة الحكم (٣) لا بطش يكدّرها

فهو المهيب وما تخشى بوادره

لا يصدر الملك إلّا عن إشارته

فالرّشد لا تتعدّاه مصائره

تجري الأمور على أقصى إرادته

كأنما دهره فيه يشاوره

وكم مقام له في كل مكرمة

أنست موارده فيها مصادره

ففضلها طبّق الآفاق أجمعها

كأنه مثل قد سار سائره

فليس يجحده إلّا أخو حسد

يرى الصباح فيعشى منه ناظره

لا ملك أكبر من ملك يدبّره

لا ملك أسعد من ملك يؤازره

يا عزّ أمر به اشتدّت مضاربه

يا حسن ملك به ازدانت محاضره

تثني البلاد وأهلوها بما عرفوا

ويشهد الدهر آتيه وعابره (٤)

بشرى لآمله الموصول مأمله

تعسا لحاسده المقطوع دابره

فالعلم قد أشرقت نورا مطالعه

والجود قد أسبلت سحّا مواطره

__________________

(١) في المصدرين : «الهدى».

(٢) في أزهار الرياض : «يناظره».

(٣) في المصدرين : «الحلم».

(٤) في المصدرين : «وغابره» بالغين المعجمة.

٣١٦

والناس في بشر (١) والملك في ظفر

عال على كلّ عالي القدر قاهره

والأرض قد ملئت أمنا جوانبها

بيمن من خلصت فيها سرائره

والى (٢) أياديه من مثنى وواحدة (٣)

تساجل البحر إن فاضت زواخره

فكلّ يوم تلقّانا عوارفه

كساه أمواله الطّولى دفاتره

فمن يؤدّي لما أولاه من نعم

شكرا ولو أنّ سحبانا يظاهره

يا أيها العبد (٤) بادر لثم راحته

فلثمها خير مأمول تبادره

وافخر بأن قد (٥) لقيت ابن الحكيم على

عصر يباريك أو دهر تفاخره

ولّى الصيام وقد عظّمت حرمته

فأجره لك وافيه ووافره

وأقبل العيد فاستقبل به جذلا

واهنأ به قادما عمّت بشائره

ومن مدح الرئيس أبي محمد عبد المهيمن الحضرمي له قوله : [الطويل]

تراءى سحيرا والنسيم عليل

وللنّجم طرف بالصباح كليل

وللفجر نهر خاضه الليل فاعتلت

شوى أدهم الظّلماء منه خجول

بريق بأعلى الرّقمتين كأنه

طلائع شهب والسماء تجول

فمزّق ساجي الليل منه شرارة

وخرّق ستر الغيم منه نصول

تبسّم ثغر الروض عند ابتسامه

وفاضت عيون للغمام همول

ومالت غصون البان نشوى كأنها

يدار عليها من صباه شمول

وغنّت على تلك الغصون حمائم

لهنّ حفيف فوقها وهديل

إذا سجعت في لحنها ثم قرقرت

يطيح خفيف دونها وثقيل

سقى الله ربعا لا يزال يشوقني

إليه رسوم دونها وطلول

وجاد رباه (٦) كلّما ذرّ شارق

من الودق (٧) هتّان أجشّ هطول

وما لي أستسقي الغمام ومدمعي

سفوح على تلك العراص همول؟

وعاذلة باتت تلوم على السّرى

وتكثر من تعذالها وتطيل

تقول إلى كم ذا فراق وغربة

ونأي على ما خيّلت ورحيل

__________________

(١) في أزهار الرياض : «يسر».

(٢) في الأصل : «وإلى» والتصويب من المصدرين.

(٣) في المصدرين : «وموحدة».

(٤) في المصدرين : «العيد».

(٥) كلمة «قد» ساقطة في الإحاطة ، وقد أضفناها من المصدرين.

(٦) في الأصل : «ريّاه» وكذا ينكسر الوزن.

(٧) الودق : المطر. محيط المحيط (ودق).

٣١٧

ذريني أسعى للّتي تكسب العلا

سناء وتبقي الذّكر وهو جميل

فأمّا تريني من ممارسة الهوى

نحيلا فحدّ المشرفيّ نحيل

وفوق أنابيب اليراعة صفوة

تزين وفي قدّ القناة ذبول

ولو لا السّرى لم يحتل البدر كاملا

ولا بات منه للسّعود نزيل

ولو لا اغتراب المرء في طلب العلا

لما كان نحو المجد منه وصول

ولو لا نوال ابن الحكيم محمد

لأصبح ربع المجد وهو محيل

وزير سما فوق السّماك جلالة

وليس له إلّا نجوم قبيل

من القوم أمّا في النّديّ (١) فإنهم

هضاب وأمّا في النّدى فسيول

حووا شرف العلياء إرثا ومكسبا

وطابت فروع منهم وأصول

وما جونة هطّالة ذات هيدب

مرتها شمول مرجف وقبول

لها زجل من رعدها ولوامع

من البرق عنها للعيون كلول

كما هدرت وسط القلاص وأرسلت

شقاشقها عند الهياج فحول

بأجود من كفّ الوزير محمد

إذا ما توالت للسّنين محول

ولا روضة بالحسن طيّبة الشّذا

ينمّ عليها أذخر وجليل

وقد أذكيت للزّهر فيها مجامر

تعطّر منها للنسيم ذيول

وفي مقل النّوّار للطّلّ عبرة

تردّدها أجفانها وتحيل

بأطيب من أخلاقه الغرّ كلّما

تفاقم خطب للزمان يهول

حويت ، أبا عبد الإله ، مناقبا

تفوت يدي من رامها وتطول

فغرناطة مصر وأنت خصيبها

ونائل يمناك الكريمة نيل

فداك رجال حاولوا درك العلا

ببخل وهل نال العلاء بخيل؟

تخيّرك المولى وزيرا وناصحا

فكان له مما أراد حصول

وألقى مقاليد الأمور مفوّضا

إليك فلم يعدل يمينك سول

وقام بحفظ الملك منك مؤيّد

نهوض بما أعيا سواك كفيل

وساس الرعايا منك أشوس باسل

مبيد العدا للمعتفين منيل

وأبلج وقّاد الجبين كأنما

على وجنتيه للنّضار مسيل

تهيم به العلياء حتى كأنها

بثينة في الحبّ وهو جميل

له عزمات لو أعير مضاؤها

حسام لما نالت ظباه فلول

__________________

(١) النديّ : النادي للمجلس.

٣١٨

سرى ذكره في الخافقين فأصبحت

إليه قلوب العالمين تميل

وأغدى قريضي جوده وثناؤه

فأصبح في أقصى البلاد يجول

إليك أيا فخر الوزارة أرقلت

برحلي هوجاء الثّجاء ذلول

فليت إلى لقياك ناصية الفلا

بأيدي ركاب سيرهنّ ذميل

تسدّدني سهما لكل ثنيّة

ضوامر أشباه القسيّ نحول

وقد لفظتني الأرض حتى رمت إلى

ذراك برحلي هوجل وهجول

فقيّدت أفراسي به وركائبي

ولذّ مقام لي به وحلول

وقد كنت ذا نفس عزوف وهمّة

عليها لأحداث الزمان دحول

وتهوى العلا حظي وتغري بضدّه

لذاك اعترته رقّة ونحول

وتأبى لي الأيام إلّا إدالة

فصونك لي أنّ الزمان مديل

فكل خضوع في جنابك عزّة

وكل اعتزاز قد عداك خمول

شعره : وبضاعته في الشعر مزجاة ، وإن كان أعلم الناس بنقده ، وأشدّهم تيقّظا لمواقعه الحسنة وأضدادها. فمن ذلك قوله ، ورفعه إلى السلطان ببلده رندة ، وهو إذا ذاك فتى يملأ العين أبّهة ، ويستميل القلوب لباقة ، وهي ، ومن خطه نقلت (١) : [الرمل]

هل إلى ردّ عشيّات الوصال

سبب أم ذاك من ضرب المحال؟

حالة يسري بها الوهم إلى

أنها تثبت برءا باعتلال

وليال (٢) ما تبقّى بعدها

غير أشواقي إلى تلك اللّيالي

إذ مجال الوصل فيها مسرحي

ونعيمي آمر فيها ووال

ولحالات التّراضي جولة

مزجت (٣) بين قبول واقتبال

فبوادي الخيف خوفي مسعد

وبأكناف منى أسنى نوال (٤)

لست أنسى الأنس فيها أبدا

لا ولا بالعذل في ذاك أبالي

وغزال قد بدا لي وجهه

فرأيت البدر في حال الكمال

ما أمال التّيه من أعطافه

لم يكن إلّا على فضل (٥) اعتدال

__________________

(١) القصيدة في نفح الطيب (ج ٣ ص ٣٦٢ ـ ٣٦٣).

(٢) في الأصل : «وليالي» وهكذا ينكسر الوزن ، وهو خطأ نحوي ، لذلك صوبناه من نفح الطيب.

(٣) في النفح : «مرحت».

(٤) في النفح : «موال».

(٥) في النفح : «خصل».

٣١٩

خصّ بالحسن فما أنت ترى

بعده للناس حظّا في الجمال

من تسلّى عن هواه فأنا

بسواه عن هواه غير سال

فلئن أتعبني حبّي له

فكم نلت به أنعم حال

إذ لآلي (١) جيده من قبلي

ووشاحاه يميني وشمالي

خلّف النوم لي السّهد به

وترامى الشّخص لا طيف الخيال

فيداوى (٢) بلماه ظمئي

مزجك الصّهباء بالماء الزّلال

أو إشادات (٣) بناء الملك ال

أوحد الأسمى الهمام المتعالي

ملك إن قلت فيه ملكا

لم تكن إلّا محقا في المقال

أيّد الإسلام بالعدل فما

أن ترى رسما لأصحاب الضّلال

ذو أياد شملت كلّ الورى

ومعال يا لها خير معال

همّة هامت بأحوال التقى

وصفات بالجلالات حوال

وقف النّفس على إجهادها

بين صوم وصلاة ونوال

ومنها في ذكر القوم الموقع بهم (٤) :

وفريق من عتاة عاندوا

أمره فاستوجبوا سوء نكال

غرّهم طول التّجافي عنهم

مع شيطان لهم كان موال

فلقد كانت بهم رندة أو

أهلها في سوء تدبير وحال

ولقد كان النّفاق مذهبا

فاشيا بين هاتيك التلال

ما يعود اليوم إلّا بادروا

برواة ونكيرات ثقال

طوّقوا النّعمى فلمّا أنكروا

طوّقوا العدل بذي البيض العوال

ماطل الدهر بهم غريمه

فهو الآن وفي بعد المطال

ولقد كنت غريم الدهر إذ

شدّني جورهم شدّ عقال

ولكم نافرته مجتهدا

عندما ضاق بهم صدر احتمالي

أعقبوا جزاء ما قد أسلفوا

في الدّنا ويعقبوه في المآل

__________________

(١) في الأصل : «لآلىء» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(٢) في النفح : «فتداوى».

(٣) في الأصل : «أو أشادت ثنا الملك ...» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(٤) من هنا حتى آخر البيت : (في المآل) غير وارد في نفح الطيب.

٣٢٠