الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٢

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]

الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]


المحقق: الدكتور يوسف علي طويل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3319-5

الصفحات: ٤٢٤

القلوب بفتونه ، ونفث بجفنه (١) الأطراف ، وعبث من الكلام المشقّق الأطراف (٢) ، وعلم كيف يلخّص (٣) البيان ، ويخلّص العقيان. فمن الحقّ أن أشكره على أياديه البيض ، وأن آخذ لفظه (٤) من معناه في طرف النقيض. تالله أيها الإمام الأكبر ، والغمام المستمطر ، والخبر (٥) الذي يشفي سائله ، والبحر الذي لا يرى ساحله ، ما أنا المراد بهذا المسلك ، ومن أين حصل (٦) النور لهذا الحلك؟ وصحّ أن يقاس بين الحدّاد والملك؟ إنه لتواضع الأعزّة ، وما يكون للأكارم (٧) عند المكارم من العزّة ، وتحريض الشيخ للتلميذ ، في (٨) إجازة الوضوء بالنّبيذ. ولو حضر الذي قضي له بجانب الغربيّ أمر البلاغة ، وارتضى ما له في هذه الصناعة ، من حسن السّبك لحليتها (٩) والصّياغة ، وأطاعته فيما أطلعته طاعة القوافي الحسان ، وأتبعته فيما جمعته لكن بغير إحسان ، لأذعن كما أذعنت ، وظعن عن محلّ دعوى (١٠) الإجادة كما ظعنت ، وأنّى يضاهى الفرات المعين (١١) بالنّغبة (١٢) ، ويباهى بالفلوس من أوتي من الكنوز ما أنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة ، وأي حظّ للكلالة في النّشب (١٣) ، وقد اتصل للورثة عمود النّسب. هيهات والله بعد (١٤) المطلب ، وشتّان الدّرّ والخشلب (١٥) ، وقد سيم الغلب ، ورجع إلى قيادة السّلب ، وإن كنّا ممّن تقدّم لشدّة الظمإ إلى المنهل ، وكمن أقدم إلى عين تبوك بعد النّهي للعل والنّهل. فقد ظهرت بذلك (١٦) المعجزة عيانا ، وملئ ما هناك (١٧) جنانا ، وما تعرّضنا بإساءة الأدب واللّوم ، ولكن علمنا أن آخر الشّرب (١٨) ساقي القوم ، وإن أسهبنا فما نلنا رتبة ذلك الإيجاز ، وإن أعرقنا فهوانا في الحجاز ، فلكم قصيرات الحجال ، ولنا قصيرات الخطا في هذا المجال ، وإكثارنا في قلّة ، وجارنا من الفقر في فقر وذلّة. ومن لنا بواحدة يشرق ضياؤها ، ويخفي النجوم خجلها منها وحياؤها؟ إن لم تطل فلأنها للفروع كالأصل ، وفي المجموع (١٩) كليلة الوصل. فلو سطع نورها الزاهر ، ونورها الذي تطيب منه

__________________

(١) في النفح : «بخفية».

(٢) في النفح : «بالأطراف».

(٣) في النفح : «يمحض».

(٤) في النفح : «وإن أخذ لفظة ...».

(٥) في النفح : «والحبر».

(٦) في النفح : «حصل ذلك النور».

(٧) في النفح : «عند الكرام من الهزّة».

(٨) في النفح : «وترخيص في ...».

(٩) في النفح : «لحليها».

(١٠) كلمة «دعوى» ساقطة في النفح.

(١١) كلمة «المعين» ساقطة في النفح.

(١٢) النّغبة : الجرعة من الماء. لسان العرب (نغب).

(١٣) في النفح : «بالنشب».

(١٤) كلمة «بعد» ساقطة في النفح.

(١٥) في النفح : «والمخشلب».

(١٦) في النفح : «بعد ذلك».

(١٧) في النفح : «وملأ ما هنالك».

(١٨) في الأصل : «الشرّاب» والتصويب من النفح.

(١٩) في النفح : «الجموع».

٢٤١

الأنوار الأزاهر ، لسجدت النّيران ليوسف ذلك الجمال ، ووجدت نفحات ريّاها في أعطاف الجنوب والشمال ، وأسرعت نحوها النفوس إسراع الحجيج يوم النّفر ، وسار خبرها وسرى فصار حديث المقيمين والسّفر. وما أظن (١) تلك السّاخرة في تدلّيها (٢) ، إلّا السّاحرة بتجنّيها ، إذ كانت ربيبتها ، بل ربيئتها ، هذه التي سبقتني لمّا سقتني بسينها (٣) ، ووجدت ريحها ، لما فصلت من مصرها غيرها (٤) وحين وصلت لم يدلني على سابقها (٥) إلّا عبيرها ، وكم رامت أن تستتر عني بليل حبرها في هذه المغاني ، فأغراني بهاؤها وكل مغرم مغرى ببياض صبح الألفاظ والمعاني. وهل كان ينفعها تلفّحها بمرطها وتلفّعها؟ إذ نادتها المودّة ، فقد عرفناك يا سودة. فأقبلت على شمّ نشرها وعرفها ، ولثم سطرها وحرفها ، وقريتها الثناء الحافل ، وقرأتها فزيّنت بها المحاضر والمحافل (٦). ورمت أمر الجواب ، فغرّتني (٧) في الخطاب ، لكن رسمت هذه الرّقعة التي هي لديكم بعجزي واشية ، وإليكم منيّ على استحياء ماشية ، وإن رقّ وجهها فما رقّت لها حاشية ، فمنوا بقبولها على علّاتها (٨) ، وانقعوا بماء سماحتكم حرّ غللها ، فإنها وافدة من استقرّ قلبه عندكم وثوى ، وأقرّ بأنه يلقط في هذه الصناعة ما يلقى للمساكين من النّوى. بقيتم ، سيدي الأعلى (٩) للفضل والإغضاء ، ودمتم غرّة في جبين السّمحة البيضاء ، واقتضيتم السعادة المتّصلة مدّة الاقتضاء ، بيمن الله سبحانه. انتهى.

ومحاسنه عديدة ، وآماده بعيدة.

دخوله غرناطة : دخلها مع المتوكل مخدومه ، أو وجده بها.

من روى عنه : روي عن أبي الحسن سهل بن مالك.

وفاته : قال الأستاذ في الصلة (١٠) : انتقل إلى بجاية فتوفي بها في عشر الخمسين وستمائة(١١).

__________________

(١) في النفح : «وما ضرّ تلك».

(٢) في النفح : «في تجلّيها ، الساحرة بتجنّيها ، أن كانت بمنزلة ربيبتها بل تربها ، هذه ...».

(٣) في النفح : «بسيبها».

(٤) في النفح : «من مصر عيرها».

(٥) في النفح : «ساريها».

(٦) في النفح : «فزيّنت بها المحافل».

(٧) في النفح : «فعزّني».

(٨) في النفح : «عللها».

(٩) كلمة «الأعلى» ساقطة في النفح.

(١٠) المراد «صلة الصلة» لابن الزبير.

(١١) كذا ورد في نفح الطيب (ج ١٠ ص ٢٧٦).

٢٤٢

محمد بن محمد بن أحمد بن شلبطور الهاشمي (١)

من أهل (٢) ألمريّة ، يكنى أبا عبد الله ، من وجوه بلده وأعيانه ، نشأ نبيه البيت ، ساحبا بنفسه وبماله ذيل الحظوة ، متحلّيا بخصل من خطّ وأدب ، وزيرا ، متجنّدا ، ظريفا ، دربا على ركوب البحر وقيادة الأساطيل. ثم انحطّ في هواه انحطاطا أضاع مروءته ، واستهلك عقاره ، وهدّ بيته ، وألجأه أخيرا إلى اللّحاق بالعدوة فهلك بها.

وجرى ذكره في الإكليل بما نصّه (٣) : مجموع شعر وخطّ ، وذكاء عن درجة الظّرفاء غير منحطّ ، إلى مجادة أثيلة البيت ، شهيرة الحيّ والميت. نشأ في حجر التّرف والنعمة ، محفوفا بالماليّة الجمّة ، فلما غفل (٤) عن ذاته ، وترعرع بين لداته ، أجرى خيول لذّاته ، فلم يدع منها ربعا إلّا أقفره ، ولا عقارا إلّا عقره ، حتى حطّ بساحلها ، واستولى بسعر (٥) الإنفاق على جميع مراحلها ، إلّا أنه خلص بنفس طيّبة ، وسراوة سماؤها صيّبة ، وتمتّع ما شاء من زير وبمّ (٦) ، وتأنّس لا يعطي (٧) القياد لهمّ.

وفي عفو الله سعة ، وليس مع التوكل على الله ضعة.

شعره : من شعره (٨) قوله يمدح السلطان ، وأنشدها إياه بالمضارب من وادي الغيران عند قدومه من ألمرية (٩) : [الطويل]

أثغرك أم سمط من الدّرّ ينظم؟

وريقك أم مسك به الرّاح تختم؟

ووجهك أم باد من الصّبح نيّر؟

وفرعك أم داج من الليل مظلم؟

أعلّل منك النفس والوجد متلفي

وهل ينفع التّعليل والخطب أعظم (١٠)؟

وأقنع من طيف الخيال يزورني (١١)

لو أنّ جفوني بالمنام تنعم

حملت الهوى حينا فلمّا علمته

سلوت لأني بالمكارم مغرم

__________________

(١) ترجمة ابن شلبطور في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢١٥) وجاء فيه «ابن سلبطور» بالسين المهملة.

وشلبطور : بالإسبانيةSalvador ، ما يدل على أنه من أصل مولّدي.

(٢) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣١٧).

(٣) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣١٧).

(٤) في النفح : «عقل».

(٥) في النفح : «بسفر».

(٦) الزّير والبمّ : من أوتار العود. لسان العرب (زير) و (بمم).

(٧) في النفح : «لم يعط».

(٨) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢١٨).

(٩) ورد من هذه القصيدة في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢١٨) فقط الأبيات الأربعة الأول ، وجاء هناك : «عند قدومه ألمرية».

(١٠) في النفح : «... منك الوجد والليل مظلم وهل ... والخطب مؤلم».

(١١) في النفح : «بزورة».

٢٤٣

ولي في أمير المسلمين محبّة

فؤادي مشغوف بها ومتيّم

بلغت المنى لما لثمت يمينه

فها أنذا في جنّة الخلد أنعم

يصوغ قومي الشّعر في طيب ذكره

ويحسن فيه النّظم من ليس ينظم

فاستمسك الدّين الحنيف زمانه

وقام منار الحقّ والشّرك مغرم

له نظر في المشكلات مؤيّد

والله مهد إلى الرشد ملهم

ويستغرق طارحا فيه وابل جوده

فمن فعله في جوده يتعلم

فلو أن أملاك البسيطة أنصفوا

لألقوا إليه الأمر طوعا وسلّموا

وفي الدّين والدنيا وفي البأس والنّدى

لكم يا بني نصر مقام معظّم

ومنها :

إليك أمير المسلمين اقتضيتها

حمائل شكر طيرها مترنّم

تنمّ بعرف المسك أنفاسها

إذا يفوه لراو في الندى بها فم

فباسمك سيّرت في المسامع ذكرها

ويغزى في أقصى البلاد ويشمم

ولو أنني في المدح سحبان وائل

وأنجدني فيه حبيب ومسلم

لما كنت إلّا عن علاك مقصّر

ومن بعض ما نشدت وتولي وتنعم

بقيت ملاذا للأنام ورحمة

وساعدك الإسعاد حيث يتمّم

ومن شعره مذيّلا على البيت الأخير حسبما نسب إليه (١) : [البسيط]

نامت جفونك يا سؤلي ولم أنم

ما ذاك إلّا لفرط الوجد والألم (٢)

أشكو إلى الله ما بي من محبّتكم

فهو العليم بما نلقى من السّقم (٣)

«إن كان سفك دمي أقصى مرادكم

فما غلت نظرة منكم بسفك دمي»

وممّا نسب إليه كذلك (٤) : [السريع]

قف بي وناد بين تلك الطّلول

أين الألى كانوا عليها نزول

أين ليالينا بهم والمنى

نجنيه غضّا بالرضا والقبول

لا حمّلوا بعض الذي حمّلوا

يوم تولّت بالقباب الحمول

إن غبتم يا أهل نجد ففي

قلبي أنتم وضلوعي حلول

__________________

(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢١٨).

(٢) في النفح : «والسّقم».

(٣) في النفح : «... بما ألقى من الألم».

(٤) الأبيات في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢١٨).

٢٤٤

وممّا خاطبني (١) به : [الرجز]

تالله ما أورى زناد القلق

سوى ريح ) لاح لي بالأبرق (٣)

أيقنت بالحين (٤) فلو لا نفحة

نجديّة منكم تلافت رمقي

لكنت أقضي بتلظّي زفرة

وحسرة بين الدموع (٥) تلتقي

فآه من هول النّوى وما جنى

على القلوب موقف التّفرّق

يا حاكي الغصن انثنى متوّجا

بالبدر تحت لمّة من غسق

الله في نفس معنّى أقصدت

من لاعج الشّوق بما لم تطق

أتى على أكثرها برح (٦) الأسى

دع ما مضى منها وأدرك ما بقي

ولو بإلمام خيال في الكرى

إن ساعد الجفن رقيب الأرق

فربّ زور من خيال زائر

أقرّ عينيّ وإن لم يصدق

شفيت (٧) من برح الأسى لو أنّ من

أصبح رقّي في يديه معتقي

ففي معاناة الليالي عائق

عن التّصابي وفنون القلق

وفي ضمان ما يعاني المرء من

نوائب الدهر مشيب المفرق

هذا لعمري مع أني لم أبت

منها بشكوى روعة أو فرق (٨)

فقد أخذت من خطوب غدرها

بابن الخطيب الأمن ممّا أتّقي (٩)

فخر الوزارة الذي ما مثله

بدر علا في مغرب أو مشرق

ومذ أرانيه زماني لم أبل (١٠)

من صرفه من مرعد (١١) أو مبرق

لا سيما منذ (١٢) حططت في حمى

جواره (١٣) الأمنع رحل أينقي

أيقنت أني في رجائي لم أخب

وأنّ مسعى بغيتي لم يخفق

ندب له في كلّ حسن آية

تناسبت في الخلق أو في (١٤) الخلق

__________________

(١) القصيدة في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢١٥ ـ ٢١٧).

(٢) في النفح : «بريق».

(٣) الأبرق : اسم مكان.

(٤) الحين : الهلاك. لسان العرب (حين).

(٥) في النفح : «الضلوع».

(٦) البرح : الشدّة. لسان العرب (برح).

(٧) في النفح : «شقيت».

(٨) الفرق ، بالفتح : الخوف. لسان العرب (فرق).

(٩) في الأصل : «إلّا من ممّا أتّق». والتصويب من النفح.

(١٠) لم أبل : أصله : لم أبال ، أي لم أكترث.

(١١) في النفح : «بمرعد».

(١٢) في الأصل : «مذ» وكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(١٣) في النفح : «مقامه».

(١٤) كلمة «في» ساقطة في الإحاطة ، وقد أضفناها من النفح.

٢٤٥

في وجهه مسحة بشر إن بدت

تبهرجت أنوار شمس الأفق

تعتبر الأبصار في لألئها (١)

عليه من نور السّماح المشرق

كالدهر في استينائه وبطشه

كالسيف في حدّ الظّبا والرونق

إن بخل الغيث استهلّت يده (٢)

بوابل من غيث جود غدق

وإن وشت صفحة طرس انجلى

ليل دجاها عن سنى مؤتلق

بمثلها من حبرات أخجلت

حواشي الرّوض خدود المهرق

ما راق في الآذان أشناف سوى

ملتقطات لفظه المفترق

تودّ أجياد الغواني أن يرى

حليّها من درّ ذاك المنطق

فسل به هل آده (٣) الأمر الذي

حمّل في شرخ الشباب المونق؟

إذا رأى الرّأي فلا يخطئه

يمن اختيار للطريق الأوفق

إيه أبا عبد الإله هاكها

عذراء تحثو في وجوه السّبق

خذها إليك بكر فكر يزدري

لديك بالأعشى لدى المحلّق (٤)

لا زلت مرهوب الجناب مرتجى

موصول عزّ في سعود ترتقي

مبلّغ الآمال فيما تبتغي

مؤمّن الأغراض فيما (٥) تتّقي

ناب (٦) في القيادة البحرية عن خاله القائد أبي علي الرّنداحي ، وولّي أسطول المنكّب برهة. توفي (٧) بمراكش في (٨) عام خمسة وخمسين وسبعمائة رحمه الله.

محمد بن محمد بن جعفر بن مشتمل الأسلمي

من أهل ألمرية ، يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بالبلياني.

__________________

(١) في الأصل : «لألأتها» وكذا ينكسر الوزن. وفي النفح : «في اللألأ ما».

(٢) استهلّت يده : كثر إغداقها ، وهنا يشبّه اليد بالديمة التي اشتدّ انصبابها على سبيل الاستعارة.

(٣) آده : ثقل عليه. لسان العرب (أدي).

(٤) الأعشى : هو الأعشى ميمون بن قيس. والمحلّق : رجل فقير استضاف الأعشى ونحر له وسقاه ، ثم شكا له أن له بنات لم يتزوّجن ، فأنشد الأعشى في عكاظ قصيدته الكافية بمدح المحلّق ومنها [الطويل] :

تشب لمقرورين يصطليانها

وبات على النار الندى والمحلّق

فلم يحل الحول حتى تزوجت بنات المحلق كلهنّ. لسان العرب (حلق).

(٥) في النفح : «ممّا».

(٦) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٢١٩).

(٧) في النفح : «وتوفي».

(٨) كلمة «في» غير واردة في النفح.

٢٤٦

حاله : قال شيخنا أبو البركات : ناب عني في بعض الأعمال بألمريّة ، وخطب بنحانس من غربيها ، ثم خطب بحمة مرشانة ، وهو الآن بها ، وعقد الشروط قبل بألمريّة. عفيف طاهر الذّيل ، نبيل الأغراض ، مهذّب الأخلاق ، قيّم على القراءات والنحو والأدب ، جيّد الشعر والكتابة ...... (١) من الضبط ، وإجادة العبارة عن المعنى المراد.

تواليفه : قال : له رجز في علم الكلام جيد ، ورجز آخر في ألفاظ فصيح ثعلب ، عريّ عن الحشو ، على تقعير فيه يغتفر لما جمع من اقتصاره ، وله تأليف في الوباء (٢) سماه بإصلاح النّيّة في المسألة (٣) الطاعونية.

مشيخته : قال : أخذ عنّي وعن أبيه جملة من الدواوين ، وعن غيري من أهل بلده.

شعره : قال : ومما أنشدني من شعره قوله : [الطويل]

هفا بي من بين المغاني عقيقها

ومن بينه انفضّت لعيني عقيقها

ومالت من البيداء عنها قبابه (٤)

وأشرقني بالدمع منها شروقها

يهيّج أنفاسي غراما نسيمها

وتقدح نار الشوق عندي بروقها

ومن دون واديها ظباء (٥) خوادل (٦)

حكى لحظها ماضي الشّفار رقيقها

فلو برزت للشمس (٧) منهنّ في الضحى

مخدّرة أضحت كمالا تفوقها

نسيم الصّبا ، إن سيّرت نحو الحمى

تحيّي (٨) الدّيار النّازحات تشوقها

غريب كئيب مستهام متيّم

جريح الجفون السّاهرات عريقها

فهل عطفة ترجى وهل أمل يرى

بعودة أيام تقضّى أنيقها؟

سقتنا ومن أدمع الصّبّ جودها (٩)

ومن (١٠) ديم الغيث الملتّات ريقها

__________________

(١) بياض في الأصل.

(٢) في الأصل : «الوبا».

(٣) في الأصل : «المسلة».

(٤) قوله : «من البيداء عنها» ساقط في الأصل ، وقد أضفناه ليستقيم الوزن والمعنى معا.

(٥) في الأصل : «ظبا» وكذا ينكسر الوزن.

(٦) الخوادل : جمع خدلاء وهي المرأة الممتلئة الأعضاء لحما في دقة عظام. محيط المحيط (خدل).

(٧) في الأصل : «الشمس» وكذا ينكسر الوزن.

(٨) في الأصل : «فقل تحي الديار ...» وكذا ينكسر الوزن.

(٩) في الأصل : «سقى وتعلم من أدمع الصب جودها» وكذا ينكسر الوزن.

(١٠) في الأصل : «من».

٢٤٧

قال : وأنشدني أيضا ، وقال : كلفت إجازة هذا البيت الأول من هذه القصيدة ، إذ ليس لي : [الكامل]

من عادلي؟ من ناصري أو منصفي (١)؟

هذا دمي (٢) سفكته بنت المنصف

أو من يخلّصني وقد أوهى صحي

ح الجسم منّي لحظ طرف مدنف

جفن تحيّر والهوى يهديه

لفؤاد كلّ من الهوى لم يألف

متناعس يهدي السّهاد ويصرع ال

بطل الكميّ بلحظه المتضعّف

تبدو وتشدو للعيون وللمسا

مع فهي بين مكحّل ومشنّف

ملكت بصنعتها عنان عنانها

وعدت عليها كأنّها (٣) لم تعرف

تغني إذا غنّت بطيب صوتها

عن أن يزوّد لحنها بالمعزف

أمّا تغنّت أو تثنّت تهتف

قمريّ نغمتها وغضّ المعطف

يأتي على تكرار (٤) ما غنّت به

صدقا بكلّ غريب مستطرف (٥)

تهدي النفوس (٦) على اختلاف طباعها

من نبلها ما تشتهي بتلطّف

كنّا وجفن الدهر عنّا ناعس

من (٧) خلف ستر للأمان مسجّف

حتى وشى بالسّر دهر حاسد

كلف بتنغيص الكريم الأشرف

واخجلتا إن لم أمت يوم النّوى

لهفا وما إن كنت بعد بمنصف

لكنني مما نحلت وذبت لم

يرني الحمام فكنت عنه أختفي (٨)

كم ذا أبيت وليس لي من مسعد

في حالتي غير الدموع الذّرف

يا هل ترى هذا الزمان وصرفه

هل يسمحان بعودة وتألّف؟

صبرا أبا يعقوبهم فهي النّوى

لو لا همت شوقا للقيا يوسف

قال : وأنشدني أيضا لنفسه ، والبيت الأخير لغيره : [البسيط]

ما للأحبّة في أحكامهم جاروا؟

نأوا جميعا فلا خلّ ولا جار

__________________

(١) في الأصل : «من عادى ومن ناصري ومنصفي» وكذا يختل الوزن والمعنى معا.

(٢) في الأصل : «دمعي» وكذا ينكسر الوزن.

(٣) في الأصل : «كأن» وكذا ينكسر الوزن.

(٤) في الأصل : «تكرّر» وكذا ينكسر الوزن.

(٥) في الأصل : «أو مستطرف» وكذا ينكسر الوزن.

(٦) في الأصل : «للنفوس» وهكذا يختل الوزن والمعنى معا.

(٧) كلمة «من» ساقطة في الأصل.

(٨) في الأصل : «أختف» بدون ياء.

٢٤٨

كيف البقاء (١) وقد بانت قبابهم

وقد خلت منهم وا أسفي الدّار؟

حداة تمسهم بالقلب قد رحلوا

يا ليتهم حملوا الجثمان إذ ساروا (٢)

جار الزمان علينا في فراقهم

من قبل أن تنقضي للصّبّ أوطار

ساروا فخيّمت الأشواق بعدهم

ما لي عليها سوى الآماق أنصار

تراك يا ربعهم ترجو رجوعهم؟

يا ليت لو ساعدت في ذاك أقدار

ودّعت منهم شموسا ما مطالعها

إلّا من الوشي أطواق وأزرار

أستودع الله من فاز الفراق بهم

وخلّفونا (٣) ودمع العين مدرار

قلت : ولا خفاء بتخلّف هذا النمط عن الإجادة ، والله يقبض ويبسط ، وشافعنا عرض الإكثار.

وفاته : توفي في آخر أربعة وستين وسبعمائة.

محمد بن محمد بن حزب الله (٤)

من أهل وادي آش ، يكنى أبا عبد الله ، ويعرف باسم جدّه.

حاله : دمث ، متخلق ، سهل الجانب ، كثير الدّعابة ، خفيف الروح ، له خطّ حسن ، ووراقة بديعة ، وإحكام لبعض العملية ، واقتدار على النظم. اتصل بباب السلطان ملك المغرب ، وارتسم كاتبا مع الجملة ، فارتاش ، وحسنت حاله.

وجرى ذكره في الإكليل الزاهر بما نصّه : راقم (٥) واشي ، رقيق الجوانب والحواشي ، تزهى بخطّه المهارق والطروس ، وتتجلّى في حلل بدائعه كما تتجلّى العروس ، إلى خلق كثير التجمل ، ونفس عظيمة التحمّل. ودود سهل الجانب ، عذب المذانب. لمّا قضيت الوقيعة بطريف (٦) ، أقال الله عثارها ، وعجّل ثارها ، قذف به موج ذلك البحر ، وتفلّت إفلات الهدي المقرب إلى النحر ، ورمى به إلى رندة القرار ، وقد عرى من أثوابه كما عرى الغرار ، فتعرّف للحين بأديبها المفلق ، وبارقها المتألق

__________________

(١) في الأصل : «البقا» وكذا ينكسر الوزن.

(٢) في الأصل : «سار».

(٣) في الأصل : «وخلّفوا» وكذا ينكسر الوزن.

(٤) ترجمة ابن حزب الله في الكتيبة الكامنة (ص ٢٧٤).

(٥) قارن بالكتيبة الكامنة (ص ٢٧٤).

(٦) كانت موقعة طريف الشهيرة بين الإسبان وبني مرين ، وكان مع بني مرين قوات الأندلس بقيادة سلطان غرناطة أبي الحجاج يوسف بن إسماعيل النصري ، سنة ٧٤١ ه‍ ، وكانت الهزيمة فيها للمسلمين. اللمحة البدرية (ص ١٠٥).

٢٤٩

أبي الحجاج المنتشافري ، فراقه ببشر لقائه ، ونهل على الظمأ في سقائه ، وكانت بينهما مخاطبات ، أنشدنيها بعد إيابه ، وأخبرني بما كان من ذهاب زاده وسلب ثيابه.

وخاطبني من شرح حاله في ارتحاله بما نصّه : ولما دخلت رندة الأنيقة البطاح ، المحتوية على الأدب والسّماح ، والعلم والصلاح ، أبرز القدر أن لقيت بها شيخنا المعمّر رئيس الأدباء ، وقدوة الفقهاء ، أبا الحجاج المنتشافري ، وكنت لم أشاهده قبل هذا العيان ، ولا سمح لي بلقائه صرف الزمان ، ولم أزل أكلف بمقطوعاته العجيبة ، وأولع بضرائبه الغريبة ، وتأتي منه مخاطبات تزري بالعقود بهجة ، وتطير لها العقود لهجة. نظم كما تنفّس الصبح عن تسيمه ، ونثر كما تأسس الدّر بتنظيمه ، فأحلّني منه محلّ الروح من الجسد ، وشهد لي أني أعزّ من عليه ورد ، ورآني قد ظهرت على مضاضة الاكتئاب ، لكوني قريب عهد بالإياب ، مهزوما انهزام الأحزاب ، خالي الوطاب (١) ، نزر الثياب ، فقال : فيم الجزع ، ذهب بحول الله الخوف وأمن الفزع ، فأجبته عجلا ، وقلت أخاطبه مرتجلا : [الكامل]

لا تجزعي ، نفسي ، لفقد معاشري

وذهاب مالي في سبيل القادر

يا رندة (٢) ، ها أنت خير بلاده

وبها أبو حجاج المنتشافري

سيريك حسن فرائد من نظمه

فتزيل كل كآبة في الخاطر

فأجابني مرتجلا : [الكامل]

سرّاي ، يا قلبي المشوق ، وناظري ،

بمزار ذي الشّرف السّنيّ الطاهر

روض المعارف زهرها الزّاهي

أوصافه (٣) أعيت ثناء (٤) الشاكر

ولواد آش من (٥) فخار لم يزل

من كابن حزب الله نور النّاظر

وافى يشرّف رندة بقدومه

فغدت به أفقا لبدر زاهر

من روضة الأدباء أبدى زهرة

قد أينعت عن فكر حبر ماهر

جمع المآثر بالسّناء (٦) وبالسّنا

أعظم به من صانع لمآثر

ما زلت أسمع من ثناه مآثرا

كانت لسامعها معا والذّاكر

__________________

(١) الوطاب : جمع وطب وهو سقاء اللبن وهو جلد الجذع فما فوقه. وقوله : خالي الوطاب : أي انهزم أو قتل. محيط المحيط (وطب).

(٢) في الأصل : «ورندة» وكذا ينكسر الوزن.

(٣) في الأصل : «ومن أوصافه» وكذا ينكسر الوزن.

(٤) في الأصل : «ثنا» وكذا ينكسر الوزن.

(٥) كلمة «من» ساقطة في الأصل.

(٦) في الأصل : «السناة».

٢٥٠

حتى رأى بصري حقائق وصفه

فتنعّمت كالأقمار نواظري (١)

لا زال محبوّا بكل مسرّة

تجري له بالحظّ حكم مغادر

ثم خاطبه القاضي المنتشاقري بعد انصرافه إلى وطنه بقوله : [المتقارب]

أبى الدّمع بعدك إلّا انفجارا

لدهر ببعدك في الحكم جارا

أذاق اللقاء الحلو لو لم يصل (٢)

به للنّوى جرعات مرارا

رعى الله لمح ذاك اللقاء

وإن يك أشواقنا قد أثارا

قصاراي شكواي طول النوى

وفقدي أناة وصل قصارا

سقتني القداح ومن بعده

فؤادي (٣) القريح قد اذكت أوارا

ألا يا صبا ، هبّ من أربعي

إلى وادي آشي (٤) تحي الدّيارا

ألا خصّ من ربعها منزلا

بأربابه الأكرمين استنارا

وهم إلى حزب الإله الألى (٥)

تساموا فخارا وطابوا نجارا

فأجابه بأبيات منها (٦) :

تألّق برق العلا واستنارا

فأجّج إذ لاح في القلب نارا

وذكّرني وقت (٧) أنس مضى

برندة حيث الجلال استشارا (٨)

وكانت لنفسي سنا (٩) في حماها

طوالا فأصبحت (١٠) لديها قصارا

فأجريت دمع العيون اشتياقا

ففاضت لأجل فراقي بحارا

وقالت لي النّفس من لم يجد

نصيرا سوى الدّمع قلّ انتصارا

قطعت المنى عندها لمحة

وودّعتها وامتطيت القفارا

وضيّعت تلك المنى غفلة

ووافيت أبغي المنى (١١) ديارا (١٢)

ومنها :

أرقت لذاك السّنا ليلة

وما نومها ذقت إلّا غرارا

__________________

(١) عجز هذا البيت منكسر الوزن.

(٢) صدر هذا البيت منكسر الوزن.

(٣) في الأصل : «فوادي القريح قد أذكت ...» وكذا ينكسر الوزن.

(٤) في الأصل : «واد آش» وكذا ينكسر الوزن.

(٥) صدر هذا البيت منكسر الوزن.

(٦) القصيدة في الكتيبة الكامنة (ص ٢٧٥).

(٧) في الكتيبة الكامنة : «أنس وقت».

(٨) في الكتيبة : «استنارا».

(٩) في الكتيبة : «منى».

(١٠) في المصدر نفسه : «فأضحت».

(١١) في الأصل : «نابس». ولا معنى لها.

(١٢) هذا البيت ساقط في الكتيبة الكامنة.

٢٥١

وجسمي أجلّ الجسوم التهابا

وقلبي أشدّ القلوب انكسارا

إلى أن تجرّعت كأس النّوى

وقلت زماني على الشّمل جارا

وصبّرت نفسي لفقدانها

هنالك بالرّغم ليس اختيارا

وقال من قصيدة (١) : [الطويل]

حننت (٢) لبرق لاح من سرحتي نجد

حنين تهاميّ (٣) يحنّ (٤) إلى نجد

وقلت لعلّ القلب تبرا كلومه

ومن ذا يصدّ النار عن شيمة الوقد؟

لكن (٥) شاركتني في المحبّة فرقة

فها أنا في وجدي وفي كلفي وحدي (٦)

وهو إلى هذا العهد بالحال الموصوفة.

محمد بن إبراهيم بن عيسى بن داود الحميري (٧)

من أهل مالقة ، يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بابن عيسى.

حاله : كان أديبا ، حسن الخطّ ، جيّد النظم ، متظرّفا ، لوذعيّا ، مطبوعا ، منحطّا في هواه ، جامحا في ميدان بطالته ، معاقرا للنّبيذ ، على حفظ للرسم ، واضطلاع بالخدمة ، وإيثار للمروءة ، ومعرفة بمقادير الأمور ، وتشبّث بأذيال الحظوة. كتب للرئاسة السّعيدية بمالقة ، ونظر على ألقاب جبايتها ، وانتفع الناس بجاهه وماله ، ووقع الثناء على حسن وساطته. ثم سافر عنها ، وقد سمت مجادة السلطان في غرض انتقالها إلى العدوة ، معوّضة بمدينة سلا من مالقة. وكان ما كان من معاجلة الأمر ، والقبض على الريّس ، وقيام ولده بالأمر ، فانبتّ المذكور بالعدوة ، وكانت بها وفاته.

وجرى ذكره في الإكليل الزاهر بما نصه (٨) : علم من أعلام هذا الفن ،

__________________

(١) الأبيات في الكتيبة الكامنة (ص ٢٧٥ ـ ٢٧٦).

(٢) في الأصل : «حللت» والتصويب من الكتيبة.

(٣) التهامي : نسبة إلى تهامة وهي من اليمن. معجم البلدان (ج ٢ ص ٦٣).

(٤) في الأصل : «تحنّ» والتصويب من الكتيبة.

(٥) في الأصل : «إن» وكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة الكامنة.

(٦) في الأصل : «وجد» بالجيم ، والتصويب من الكتيبة الكامنة.

(٧) ترجمة محمد الحميري في الكتيبة الكامنة (ص ١٥٨) وجاء فيه أنه أبو عبد الله محمد بن محمد بن عيسى الحميري ، ونفح الطيب (ج ٨ ص ٣٦٥) وجاء فيه أنه : أبو عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم بن عيسى بن داود الحميري.

(٨) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٦٥ ـ ٣٦٦) والكتيبة الكامنة (ص ١٥٨ ـ ١٥٩) والدرر الكامنة (ج ٤ ص ٢٧١).

٢٥٢

ومشعشعي (١) راح هذا الدّن ، بمجموع (٢) أدوات ، وفارس يراعة ودواة (٣) ، ظريف المنزع ، أنيق المرأى والمسمع ، اختصّ بالرئاسة وأدار (٤) فلك إمارتها ، واتّسم باسم كتابتها ووزارتها ، ناهضا بالأعباء ، راقيا (٥) في درج (٦) التقريب والاجتباء ، مصانعا دهره في راح وراحة ، آويا إلى فضل وسماحة ، وخصب ساحة ، كلما فرغ من شأن خدمته ، وانصرف عن ربّ نعمته ، عقد شربا ، وأطفأ من الاهتمام بغير الأيام حربا ، وعكف على صوت يستعيده ، وظرف يبديه ويعيده. فلما تقلّبت (٧) بالرئاسة الحال ، وقوّضت منها الرحال ، استقرّ بالمغرب غريبا ، يقلّب طرفا مستريبا ، ويلحظ الدنيا تبعة عليه وتثريبا (٨) ، وإن كان لم يعدم من أمرائها (٩) حظوة وتقريبا ، وما برح يبوح بشجنه ، ويرتاح إلى عهود وطنه.

شعره وكتابته : ممّا كتبه ، وبيّن فيه أدبه قوله (١٠) : [الكامل]

يا نازحين ولم أفارق منهم

شوقا تأجّج في الضّلوع (١١) ضرامه

غيّبتم عن ناظري وشخصكم

حيث استقرّ من الضلوع مقامه

رمت النّوى شملي فشتّت نظمه

والبين رام لا تطيش سهامه

وقد اعتدى فينا وجدّ مبالغا

وجرت بمحكم جوره أحكامه

أترى الزمان مؤخّرا في مدّتي

حتى أراه قد انقضت أيّامه

تحملها (١٢) يا نسيم نجديّة النّفحات ، وجديّة اللّفحات ، يؤدي (١٣) عني نغمها إلى الأحبّة سلاما ، ويورد (١٤) عليهم لفحها بردا وسلاما ، ولا تقل كيف تحمّلني نارا ، وترسل على الأحبّة مني إعصارا ، كلّا إذا أهديتهم تحية إيناسي ، وآنسوا من جانب هبوبك نار ضرام أنفاسي ، وارتاحوا إلى هبوبك ، واهتزّوا في كفّ مسرى جنوبك ،

__________________

(١) في النفح : «ومشعشع».

(٢) في النفح والكتيبة : «مجموع».

(٣) كلمة «ودواة» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من المصادر الثلاثة.

(٤) في النفح : «فأدار».

(٥) في النفح : «صاعدا».

(٦) في الكتيبة : «درجات».

(٧) في الأصل : «تقليت» والتصويب من المصادر.

(٨) التثريب : اللوم. لسان العرب (ثرب).

(٩) في النفح : «أمرائه».

(١٠) الأبيات في الكتيبة (ص ١٦١) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٣٦٦). والبيتان الأول والثاني في الدرر الكامنة (ج ٤ ص ٢٧٢).

(١١) في الكتيبة : «في الفؤاد».

(١٢) النص مع الشعر في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٦٦ ـ ٣٦٧).

(١٣) في النفح : «تؤدي إلى الأحبة نفحها سلاما».

(١٤) في النفح : «وتورد».

٢٥٣

وتعللّوا بها تعليلا ، وأوسعوا آثار مهبّك تقبيلا ، أرسلها عليهم بليلا ، وخاطبهم بلطافة تلطفّك تعليلا. ألم تروني كيف جئتكم بما حملني عليلا (١) : [الوافر]

كذاك (٢) تركته ملقى بأرض

له فيها التعلّل بالرّياح

إذا هبّت إليه صبا إليها

وإن جاءته من كلّ النواحي

تساعده الحمائم حين يبكي

فما ينفكّ موصول النّياح (٣)

يخاطبهنّ مهما طرن شوقا

أما فيكنّ واهبة (٤) الجناح؟

ولو لا (٥) تعلّله بالأماني ، وتحدّث نفسه بزمان التّداني ، لكان قد قضى نحبه ، ولم أبلّغكم إلّا نعيه أو ندبه ، لكنه يتعلّل من الآمال بالوعد الممطول ، ويتطارح باقتراحاته على الزمن المجهول ، ويحدّث نفسه وقد قنعت من بروق الآمال بالخلّب (٦) ، ووثقت بمواعيد الدهر القلّب (٧) ، فيناجيها بوحي ضميره ، وإيماء تصويره : كيف أجدك يوم الالتقاء بالأحباب ، والتخلّص من ربقة الاغتراب؟ أبائنة الحضور أم بادية الاضطراب؟ كأنّي بك وقد استفزّك وله السرور ، فصرفك عن مشاهدة الحضور ، وعاقتك غشاوة الاستعبار للاستبشار ، عن اجتلاء محيّا ذلك النهار (٨) : [البسيط]

يوم يداوي زماناتي من ازماني

أزال (٩) تنغيص أحياني فأحياني

جعلت لله نذرا صومه أبدا

أفي به وأوفّي شرط إيماني

إذا ارتفعنا وزال البعد وانقطعت

أشطان دهر قد التفّت بأشطاني (١٠)

أعدّه (١١) خير أعياد الزمان إذا

أوطاني السّعد فيه ترب أوطاني

أرأيت (١٢) كيف ارتياحي إلى التّذكار ، وانقيادي إلى معلّلات توهّمات الأفكار؟ كأنّ البعد باستغراقها قد طويت شقّته ، وذهبت عني مشقّته ، وكأنّي بالتّخيّل بين تلك

__________________

(١) الأبيات أيضا في الكتيبة الكامنة (ص ١٦٢).

(٢) في الكتيبة : «غريب بعدكم ملقى ...».

(٣) في الكتيبة : «التياح». وفي النفح : «النّواح».

(٤) في الأصل : «واهية» والتصويب من النفح والكتيبة.

(٥) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٦٧).

(٦) البرق الخلّب : البرق الذي يظنّ فيه سحابة المطر وليس فيه مطر. لسان العرب (خلب).

(٧) الدهر القلّب : الكثير التقلّب. لسان العرب (قلب).

(٨) الأبيات في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٦٧).

(٩) في الأصل : «أزبر» والتصويب من النفح.

(١٠) الأشطان : جمع شطن وهو الحبل. لسان العرب (شطن).

(١١) في الأصل : «أعدّده» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(١٢) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٦٧ ـ ٣٧١).

٢٥٤

الخمائل أتنسّم صباها ، وأتسنّم رباها (١) ، وأجتني أزهارها ، وأجتلي أنوارها ، وأجول في خمائلها ، وأتنعّم ببكرها وأصائلها ، وأطوف بمعالمها ، وأتنشّق أزهار كمائمها ، وأصيخ بأذن الشّوق (٢) إلى سجع حمائمها ، وقد داخلتني الأفراح ، ونالت منّي نشوة الارتياح ، ودنا السّرور لتوسّم (٣) ذهاب الأتراح. فلمّا أفقت من غمرات سكري ، ووثبت من هفوات فكري ، وجدت (٤) مرارة ما شابه لبّي (٥) في استغراق دهري ، وكأنّي من حينئذ عالجت وقفة الفراق ، وابتدأت منازعة الأشواق ، وكأنما أغمضتني (٦) للنّوم ، وسمح لي بتلك الفكرة الحلم (٧) : [الكامل]

ذكر الدّيار فهاجه تذكاره

وسرت به من حينه أفكاره

فاحتلّ منها حيث كان حلوله

بالوهم فيها واستقرّ قراره

ما أقرب الآمال من غفواته

لو أنها قضيت بها أوطاره (٨)

فإذا جئتها أيها القادم ، والأصيل قد خلع عليها بردا مورّسا ، والربيع قد مدّ على القيعان منها سندسا ، اتّخذها (٩) فديتك معرّسا (١٠) ، واجرر ذيولك فيها متبخترا (١١) ، وبثّ فيها من طيب نفحاتك عنبرا ، وافتق عليها من نوافج (١٢) أنفاسك مسكا أذفرا ، واعطف معاطف (١٣) بانها ، وأرقص قضب ريحانها ، وصافح صفحات نهرها ، ونافح (١٤) نفحات زهرها. هذه كلّها أمارات ، وعن أسرار مقاصدي عبارات ، هنالك تنتعش بها صبابات ، تعالج صبابات ، تتعلّل بإقبالك ، وتعكف على لثم أذيالك ، وتبدو لك في صفة الفاني المتهالك ، لاطفها بلطافة

__________________

(١) أتسنّم رباها : أعلوها وأرتفع إليها. لسان العرب (سنم).

(٢) في الأصل : «الشون» والتصويب من النفح.

(٣) في النفح : «لتوهّم».

(٤) في الأصل : «وجدّدت» والتصويب من النفح.

(٥) في النفح : «لي».

(٦) في النفح : «أغمضني النوم».

(٧) الأبيات في نفح الطيب (ج ٨ ص ٣٦٨ ـ ٣٦٩).

(٨) رواية البيت في أصل الإحاطة هي :

يا لقرب الآمال من هفواته

لو أنه قضت بها أوطاره

وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(٩) في النفح : «فاتّخذها».

(١٠) المعرّس : مكان النزول ليلا. لسان العرب (عرس).

(١١) في الأصل : «تبخترا» والتصويب من النفح.

(١٢) في الأصل : «نوافح» بالحاء المهملة ، والتصويب من النفح. والنوافج : جمع نافجة وهي وعاء المسك. لسان العرب (نفج).

(١٣) في الأصل : «بعاطف» والتصويب من النفح.

(١٤) المراد ب «نافح» المغالبة في إظهار الريح ليظهر أيهما أظهر أريحا. لسان العرب (نفح).

٢٥٥

اعتلالك ، وترفّق بها ترفّق أمثالك ، فإذا مالت (١) بهم إلى هواك الأشواق ، ولووا إليك الأرؤس والأعناق ، وسألوك عن اضطرابي في الآفاق ، وتقلّبي بين الإشآم والإعراق ، فقل لهم : عرض له في أسفاره ، ما يعرض للبدر في سراره ، من سرّ (٢) السّرار ، وطاق (٣) المحاق ، وقد تركته وهو يسامر الفرقدين ، ويساير النّيّرين ، وينشد إذا راعه البين (٤) : [البسيط]

وقد نكون وما يخشى تفرّقنا

واليوم (٥) نحن وما يرجى تلاقينا

لم يفارق وعثاء (٦) الأسفار ، ولا ألقى من يده عصا التّسيار ، يتهاداه الغور (٧) والنّجد ، ويتداوله الإرقال (٨) والوخد ، وقد لفحته الرّمضاء ، وسئمه (٩) الإنضاء. فالجهات تلفظه ، والآكام تبهظه ، تحمل (١٠) همومه الرّواسم ، وتحفى (١١) به النّواسم : [البسيط]

لا يستقرّ بأرض حين يبلغها

ولا له غير حدو العيس إيناس

ثم إذا استوفوا سؤالك عن حالي ، وتقلّبي بين (١٢) حلّي وترحالي ، وبلغت القلوب منهم الحناجر ، وملأت الدموع المحاجر ، وابتلّت ذيولك بمائها ، لا بل تضرّجت بدمائها ، فحيّهم عنّي تحيّة منفصل ، وودّعهم (١٣) وداع مرتحل. ثم اعطف عليهم ركابك ، ومهّد لهم جنابك ، وقل لهم إذا سألني عن المنازل بعد سكانها ، والرّبوع بعد ظعن أظعانها ، بماذا أجيبه ، وبماذا يسكن وجيبه (١٤). فسيقولون لك هي البلاقع (١٥) المقفرات ، والمعارف (١٦) التي أصبحت نكرات : [السريع]

صمّ صداها وعفا (١٧) رسمها

واستعجمت عن منطق السائل

__________________

(١) في الأصل : «أمالت» والتصويب من النفح.

(٢) في النفح : «من سرار».

(٣) في النفح : «ولحاق».

(٤) البيت لابن زيدون وهو في ديوانه (ص ٩).

(٥) في النفح : «فاليوم».

(٦) الوعثاء : المشقّة والتعب. محيط المحيط (وعث).

(٧) في الأصل : «للغور» والتصويب من النفح.

(٨) الإرقال والوخد : ضربان من السير السريع. لسان العرب (رقل) و (وخد).

(٩) في الأصل : «وسيّمه» والتصويب من النفح.

(١٠) في النفح : «يحمل».

(١١) في النفح : «وتحياته».

(١٢) في الأصل : «بين حالي حلّي ...» ، والتصويب من النفح.

(١٣) كلمة «وودّعهم» غير واردة في النفح.

(١٤) الوجيب : الخفقان. لسان العرب (وجب).

(١٥) البلاقع : جمع بلقع وهو الأرض الخالية. لسان العرب (بلقع).

(١٦) كلمة «والمعارف» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من النفح.

(١٧) في الأصل : «وعفّى» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

٢٥٦

قل لهم : كيف الرّوض وآسه؟ وعمّاذا (١) تتأرّج أنفاسه؟ عهدي به والحمام يردّد أسجاعه ، والذّباب يغني به هزجا فيحكّ بذراعه ذراعه ، وغصونه تعتنق ، وأحشاء جداوله تصطفق ، وأسحاره تتنسّم وآصاله تغتبق (٢) ، كما كانت بقية نضرته ، وكما عهدتها أنيقة خضرته ، وكيف التفاته (٣) عن أزرق نهره ، وتأنّقه في تكليل إكليله بيانع زهره. وهل رقّ نسيم أصائله (٤) ، وصفت موارد جداوله؟ وكيف انفساح ساحاته ، والتفاف دوحاته؟ وهل تمتدّ كما كانت مع العشيّ فينانة سرحاته؟ عهدي بها ، المديدة الظّلال ، المزعفرة السّربال ، لم تحدّق الآن به عيون نرجسه ، ولا صدّ (٥) بساط سندسه. وأين منه مجالس لذّاتي ، ومعاهد غدواتي وروحاتي؟ إذ أباري في المجون لمن أباري ، وأسابق إلى اللّذات كلّ من يجاري (٦). فسيقولون لك : ذوت أفنانه ، وانقصفت أغصانه ، وتكدّرت غدرانه ، وتغيّر ريحه (٧) وريحانه ، وأقفرت معالمه ، وأخرست حمائمه ، واستحالت به (٨) حلل خمائله ، وتغيّرت وجوه بكره وأصائله ، فإن صلصل حنين رعد فعن قلبي لفراقه خفق ، وإن تلألأ برق فعن حرّ حشاي ائتلق ، وإن سحّت السّحب فمساعدة لجفني ، وإن طال بكاؤها فعنّي ، حيّاها الله تعالى (٩) منازل ، لم تزل بمنظوم الشّمل أواهل. وحين انتثرت (١٠) نثرت أزهارها أسفا ، ولم تثن الريح من أغصانها معطفا ، أعاد الله تعالى (١١) الشّمل فيها إلى محكم نظامه ، وجعل الدهر الذي فرّقه يتأنّق في أحكامه. وهو سبحانه يجبر الصّدع ، ويعجّل الجمع ، إنه بالإجابة جدير ، وعلى ما يشاء قدير. إيه بنيّ ، كيف حال من استودعتهم أمانتك ، وألزمتهم صونك وصيانتك ، وألبستهم نسبك ، ومهّدت لهم حسبك؟ الله في حفظهم فهو اللّائق بفعالك ، والمناسب لشرف خلالك ، ارع لهم الاغتراب لديك ، والانقطاع إليك ، فهم أمانة الله تعالى في يديك ، وهو سبحانه يحفظك بحفظهم ، ويوالي بلحظك أسباب لحظهم ، وإن ذهبتم إلى معرفة الأحوال ، فنعم الله ممتدّة الظّلال ، وخيراته ضافية (١٢) السّربال ؛ لو لا الشوق الملازم ، والوجد الذي سكن الحيازم.

__________________

(١) في النفح : «وعمّ».

(٢) في النفح : «تتوسّم».

(٣) في الأصل : «التفاتة» والتصويب من النفح.

(٤) في الأصل : «آصاله» والتصويب من النفح.

(٥) في النفح : «ويمدّ».

(٦) في النفح : «أجاري».

(٧) في النفح : «روحه».

(٨) كلمة «به» غير واردة في النفح.

(٩) كلمة «تعالى» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من النفح.

(١٠) في الأصل : «انتثر» ، والتصويب من النفح.

(١١) كلمة «تعالى» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من النفح.

(١٢) في النفح : «وارفة».

٢٥٧

ووقفت من شعره على قصيدة من جملة رسالة ، أثبتها وهي (١) : [الطويل]

أللبرق يبدو تستطير (٢) الجوانح

وللورق تشدو تستهلّ (٣) السّوافح (٤)

وقلبي (٥) للبرق الخفوق مساعد

ووجدي (٦) للورق الثكالى مطارح

إذا البرق أورى في الظلام زنادي (٧)

فللوجد في زند الصّبابة قادح

وكم وقفة لي حيث مال بي الهوى

أغادي (٨) بها شكوى الجوى وأراوح

تنازعني منها الشّجون (٩) فأشتكي

ويكثر بثّي عندها فأسامح

أبثّ شجوني والحمام يصيخ لي

ويسعدني فيما تبيح (١٠) التّبارح

وتطرب أغصان الأراك فتنثني

إلى صفحة النهر الصّقيل (١١) تصافح

فتبتسم الأزهار منها تعجّبا

فتهدي إليها عرفها وتنافح

كذلك حتى ماد عطف مثقّفي (١٢)

وطرفي أبدى هزّة وهو مارح

فلمّا التظى وجدي ترنّم صاهلا

فقلت : أمثلي يشتكي الوجد نابح (١٣)؟

صرفت عدوّ البيد أرخو عنانه (١٤)

وقلت له : شمّر فإنّي (١٥) سابح (١٦)

تهيّأ لقطع البيد واعتسف السّرى

سيلقاك غيظان بها وممايح (١٧)

فحمحم لو يسطيع (١٨) نطقا لقال له (١٩)

بمثلي تلقى هذه وتكافح

وحمّلته عزما تعوّد مثله

فقام به مستقبلا من يناطح

__________________

(١) القصيدة في الكتيبة الكامنة (ص ١٥٩ ـ ١٦١).

(٢) في الأصل : «تسطير» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.

(٣) في الأصل : «وتستهل» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.

(٤) في الأصل : «السوابح» والتصويب من الكتيبة.

(٥) في الكتيبة : «فقلبي».

(٦) في الكتيبة : «وجدّي».

(٧) في الكتيبة : «زناده».

(٨) في الأصل : «أغاد» ، والتصويب من الكتيبة.

(٩) في الأصل : «للشجون» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.

(١٠) في الكتيبة : «تهيج».

(١١) في الأصل : «الثقيل» والتصويب من الكتيبة.

(١٢) في الأصل : «شغفي» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.

(١٣) في الكتيبة : «سابح».

(١٤) في الكتيبة : «صرفت إلى البيداء رخو عنانه».

(١٥) في الأصل : «فإنني» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.

(١٦) في الكتيبة : «سائح».

(١٧) في الكتيبة : «سيلقاك غيطان بها وضحاضح».

(١٨) في الأصل : «يستطيع» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.

(١٩) في الكتيبة : «لي».

٢٥٨

ويمّمت بيدا لم أصاحب لجوّها (١)

سوى جلد لا يتّقى منه فاضح (٢)

وماضي الغرارين (٣) استجدت مضاءه (٤)

إذا جرّدت يوم الجلاد الصّفائح

ومندمج صدق الأنابيب نافذ به

عند كرّي في الحروب أفاتح

وسرت فلا ألقى سوى الوحش نافرا

وقد شردت عنّي الظّباء (٥) السوانح

تحدّق نحوي (٦) أعينا لم يلح لها

هنالك إنسيّ (٧) ولا هو لائح

وقد زأرت أسد تقحّمت غيلها

فقلت : تعاوت إنها لنوابح

وكم طاف بي للخبر (٨) من طائف بها (٩)

فلم أصغ سمعا نحوها وهو صائح

ويعرض لي وجها دميما ومنظرا

شنيعا له تبدو عليه القبائح

فما راعني منه تلوّن حاله

بل ايقظ عزمي فانثنى وهو كالح

فلمّا اكتست شمس العشيّ شحوبها

ومالت إلى أفق الغروب تنازح (١٠)

تسربلت للإدلاج جنح دجنّة

فها (١١) أنذا غرسي إلى القصد جانح

فخضت (١٢) ظلام الليل والنّجم شاخص

إليّ بلحظ (١٣) طرفه لي لامح

يردّده (١٤) شزرا إليّ كأنما

عليّ له حقد به لا يسامح

وراقب من شكل (١٥) السّماك نظيره

خلا أنّ شكلي (١٦) أعزل وهو رامح

يخطّ وميض البرق لي منه أسطرا

على صفحة الظّلماء فهي لوائح

إذا خطّها ما بين عينيّ لم أزل (١٧)

أكلّف دمعي نحوها فهو طامح

وما زلت سرّا في حشا النبل (١٨) كامنا

إلى أن بدا من ناسم الصّبح فاتح (١٩)

__________________

(١) في الكتيبة : «لجوبها».

(٢) في الكتيبة : «باطح».

(٣) الغرار : حدّ السيف.

(٤) في الأصل : «مضاه» والتصويب من الكتيبة.

(٥) في الأصل : «في الظّبا» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة الكامنة.

(٦) في الكتيبة : «عندي».

(٧) في الأصل : «سنا لك أسنى ...» والتصويب من الكتيبة.

(٨) في الكتيبة : «للجنّ». والخبر : الناقة الغزيرة اللبن. محيط المحيط (غزر).

(٩) في الكتيبة : «لها».

(١٠) في الكتيبة : «تبارح».

(١١) في الكتيبة : «فما أبدا عزمي إلى ...».

(١٢) في الكتيبة : «وخضت».

(١٣) في الكتيبة : «بطرف لحظه لي ...».

(١٤) في الأصل : «يردّه» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.

(١٥) في الأصل : «شكلي» والتصويب من الكتيبة.

(١٦) في الأصل : «الخلا لزمكلي» والتصويب من الكتيبة.

(١٧) في الكتيبة : «لم يزل».

(١٨) في الكتيبة : «الليل».

(١٩) في الكتيبة : «نافح».

٢٥٩

وهبّ نسيم الصبح فانعطفت (١) له

قدود غصون قد رقتها صوادح (٢)

تجاذبن (٣) من ذكري أحاديث لم تزل

يردّدها منها (٤) مجدّ ومازح

وملت إلى التّعريس لما انقضى السّرى

أروض له نفسي وعزمي جامح

ومال الكرى بي ميلة سكنت لها

على نصب الوعثاء منّي الجوارح (٥)

كم (٦) أخذت منه الشّمول بثارها

فبات يسقّى (٧) وهو ريّان طافح

وقرّبت الأحلام لي كلّ مأمل (٨)

فأدنته منيّ وهو في الحقّ نازح

أرتني وجوها لو بذلت لقربها

حياتي لمن بالقرب منه يسامح

لقلّ لها عمري وما ملكت يدي

وحدّثت (٩) نفسي أنّ تجري (١٠) رابح

وما زلت أشكو بيننا غصص (١١) النّوى

وما طوّحت بي في الزمان الطوائح

فمنها ثغور للسّرور بواسم

لقربه (١٢) ومنها للفراق نوائح

تقرّبها الأحلام منّي ودونها

مهامه فيها للهجير لوافح

وبحر طمت أمواجه وشآبيب (١٣)

وقفر به للسّالكين جوامح (١٤)

قضيت حقوق الشوق في زورة الكرى (١٥)

فإنّ زيارات الكرى لموانح

يقرّبن (١٦) آمالا تباعد بينها

وتعبث فيها بالنفوس الطّوامح (١٧)

فلمّا تولّى عنّي النوم أعقبت (١٨)

هموم أثارتها الشّجون فوادح

وعدت إلى شكوى البلاء (١٩) ولم أزل

أردّدها والعذر منّي واضح

وما بلّغت عني مشافهة الكرى

تبلّغها عنّي الرياح اللّواقح (٢٠)

وحسبك قلب في إسار اشتياقه

وقد أسلمته في يديه الجوانح

__________________

(١) في الكتيبة : «فانقطعت».

(٢) في الكتيبة : «الصوادح».

(٣) في الأصل : «تجاذب ذكرى أحاديث لم أزل» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.

(٤) في الأصل : «مني» والتصويب من الكتيبة.

(٥) في الكتيبة : «الجوانح».

(٦) في الكتيبة : «وكم».

(٧) في الأصل : «يشقى» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.

(٨) في الكتيبة : «الأحلام كلّ مؤمّل».

(٩) في الكتيبة : «وصدفت».

(١٠) التّجر : من تجر يتجر تجرا وتجارة أي باع وشرى. لسان العرب (تجر).

(١١) في الكتيبة : «مضض».

(١٢) في الكتيبة : «لقربي منها».

(١٣) في الكتيبة : «وسباسب».

(١٤) في الكتيبة : «جوائح».

(١٥) في الأصل : «للكرى» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.

(١٦) في الأصل : «يقرنّ» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.

(١٧) في الأصل : «للنفوس الطوايح» والتصويب من الكتيبة.

(١٨) في الكتيبة : «أقبلت».

(١٩) في الكتيبة : «البعاد».

(٢٠) في الكتيبة : «النوافح».

٢٦٠