الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٢

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]

الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]


المحقق: الدكتور يوسف علي طويل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3319-5

الصفحات: ٤٢٤

وغنّى (١) : [المتقارب]

شقيقك غيّب في لحده

وتشرق يا بدر من بعده

فهلّا خسفت وكان الخسوف (٢)

حدادا لبست على فقده؟

وجعل يردّدها ، ويخاطب البدر ، فلم يتمّ ذلك إلّا واعترضه الخسوف ، وعظم من الحاضرين التعجّب. قال (٣) : وكان مني في صباه بصبية من الرّوم ، نصرانية ، ذهبت بلبّه وهواه ، تسمّى نويرة ، افتضح بها ، وكثر نسيبه.

شعره : قال في الغرض المذكور (٤) : [الطويل]

حديثك ما أحلى! فزيدي وحدّثي

عن الرّشإ الفرد الجمال المثلّث

ولا تسأمي ذكراه فالذّكر مؤنسي

وإن بعث الأشواق من كلّ مبعث

وبالله فارقي خبل نفسي بقوله

وفي عقد وجدي بالإعادة فانفثي (٥)

أحقّا وقد صرّحت ما بي أنه

تبسّم كاللاهي ، بنا ، المتعبّث

وأقسم بالإنجيل إنّي شابق (٦)

وناهيك دمعي من محقّ محنّث

ولا بدّ من قصّي على القسّ قصّتي

عساه مغيث المذنف المتغوّث

ولم (٧) يأتهم عيسى بدين قساوة

فيقسو على بثّي (٨) ويلهو بمكرث

وقلبي من حلي التجلّد عاطل

هوى في غزال الواديين المرعّث (٩)

سيصبح سرّي كالصباح (١٠) مشهّرا

ويمسي حديثي عرضة المتحدّث

ويغرى بذكري بين كأس وروضة

ويشدو (١١) بشعري فوق مثنى ومثلث

__________________

(١) البيتان في ديوان ابن الحداد الأندلسي (ص ٢٠٧).

(٢) رواية صدر البيت في الديوان هي : فهلّا خسفت وكان الخسوف.

(٣) القول لابن بسام وهو في الذخيرة (ق ١ ص ٦٩٣) ولكن ببعض اختلاف عمّا هنا. كذلك ورد النص في مسالك الأبصار ، (ج ١١ ، الورقة ٤٠١).

(٤) القصيدة في ديوان ابن الحداد الأندلسي (ص ١٦٩ ـ ١٧٢).

(٥) في الأصل : «فابعث» والتصويب من الديوان.

(٦) في الديوان : «لمائن».

(٧) في الديوان : «فلم».

(٨) في الديوان : «مضنى».

(٩) في الديوان : «غزال ذي نفار مرعّث».

(١٠) في الأصل : «كالصبح» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الديوان.

(١١) في الديوان : «وينشد شعري بين مثنى ...».

٢٢١

ومن شعره في الأمداح الصّمادحية (١) : [الطويل]

لعلّك بالوادي المقدّس شاطىء

وكالعنبر الهنديّ ما أنت واطئ (٢)

وإنّي في ريّاك واجد ريحهم (٣)

فروح الجوى بين الجوانح ناشئ

ولي في السّرى من نارهم ومنارهم

هداة حداة والنجوم طوافىء

لذلك ما حنّت ركابي (٤) وحمحمت

عرابي وأوحى سيرها المتباطىء

فهل هاجها ما هاجني؟ أو لعلّها

إلى الوخد من نيران وجدي لواجىء

رويدا فذا وادي لبيني وإنه

لورد لباناتي وإني لظامىء

ميادين تهيامي ومسرح ناظري

فللشّوق غايات لها (٥) ومبادئ

ولا تحسبوا غيدا حمتها مقاصر

فتلك قلوب ضمّنتها جآجىء

ومنها :

محا ملّة السّلوان مبعث حسنه

فكلّ إلى دين الصّبابة صابىء

فكيف أرفّي كلم طرفك في الحشا

وليس لتمزيق المهنّد رافىء؟

وما لي لا أسمو مرادا وهمّة

وقد كرمت نفس وطابت ضآضىء؟

وما أخّرتني عن تناه مبادئ

ولا قصّرت بي عن تباه مناشئ

ولكنّه الدّهر المناقض فعله

فذو الفضل منحطّ وذو النقص نامئ

كأنّ زماني إذ رآني جذيله

يلابسني منه (٦) عدوّ ممالئ

فداريت إعتابا ودارأت عاتبا

ولم يغنني أني مدار مدارىء

فألقيت أعباء الزمان وأهله

فما أنا إلّا بالحقائق عابىء

ولازمت سمت الصّمت لاعن فدامة (٧)

فلي منطق للسّمع والقلب صابىء (٨)

ولو لا علا الملك ابن معن محمد

لما برحت أصدافهنّ اللآلئ

لآلىء إلا أنّ فكري غائص

وعلمي ذو ماء (٩) ونطقي شاطىء

__________________

(١) القصيدة في ديوان ابن الحداد الأندلسي (ص ١٤٠ ـ ١٤٩).

(٢) في الديوان : «فكالعنبر الهندي ما أنا واطئ».

(٣) في الأصل : «... واجد عرف ريحهم» ، وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الديوان.

(٤) في الأصل : «ركايبي» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الديوان.

(٥) في الديوان : «به».

(٦) في الديوان : «قلاني فلي منه».

(٧) في الأصل : «مذامة» والتصويب من الديوان. والفدامة : قلّة الفهم والفطنة.

(٨) في الديوان : «مالئ».

(٩) في الديوان : «دأماء».

٢٢٢

تجاوز حدّ الوهم واللّحظ والمنى

وأعشى الحجا لألاؤه المتلالىء

فتنعكس الأبصار (١) وهي حواسر

وتنقلب الأفكار وهي خواسىء

وقال من أخرى (٢) : [الكامل]

أقبلن في الحبرات يقصرن الخطا

ويرين في (٣) حلل الوراشين (٤) القطا

سرب الجوى لا الجوّ عوّد حسنه

أن يرتعي حبّ القلوب ويلقطا

مالت معاطفهنّ من سكر الصّبا

ميلا يخيف قدودها أن تسقطا

وبمسقط العلمين أوضح معلم

لمهفهف سكن الحشا (٥) والمسقطا

ما أخجل البدر المنير إذا مشى

يختال والخوط النضير إذا خطا

ومنها في المدح :

يا وافدي شرق البلاد وغربها

أكرمتما خيل الوفادة فاربطا

ورأيتما ملك البريّة فاهنآ

ووردتما أرض المريّة فاحططا

يدمي نحور الدّارعين إذا ارتأى

ويذلّ عزّ العالمين إذا سطا

وإحسانه كثير. دخل غرناطة ، ومن بنات عملها وطنه ، رحمه الله.

محمد بن إبراهيم بن خيرة (٦)

يكنى أبا القاسم. ويعرف بابن المواعيني (٧) ، حرفة أبيه ، من أهل قرطبة. واستدعاه السيد أبو سعيد الوالي بغرناطة إليه ، فأقام عنده مدة من عامين في جملة من الفضلاء مثله.

حاله : قال ابن عبد الملك (٨) : كان كاتبا بليغا ، شاعرا مجيدا ، استكتبه أبو حفص بن عبد المؤمن ، وحظي عنده حظوة عظيمة ، لصهر كان بينهما بوجه ما ،

__________________

(١) في الديوان : «الأنصار وهي خواسر وتنقلب الأبصار ...».

(٢) القصيدة في ديوان ابن الحداد الأندلسي (ص ٢٣٢ ـ ٢٣٣).

(٣) كلمة «في» ساقطة في الإحاطة ، وقد أضفناها من الديوان.

(٤) في الأصل : «الوارشين» والتصويب من الديوان. والوراشين : طيور تشبه الحمام ، واحدها ورشان. لسان العرب (ورش).

(٥) في الأصل : «الحسا» بالسين المهملة ، والتصويب من الديوان.

(٦) ترجمة ابن المواعيني في التكملة (ج ٢ ص ٤٣) واسمه فيه : «محمد بن إبراهيم بن خير».

والذيل والتكملة (ج ٦ ص ٩١) والمغرب (ج ١ ص ٢٤٧) وتأريخ المن بالإمامة (ص ٣١١).

(٧) في التكملة : «يعرف بالمواعيني».

(٨) الذيل والتكملة (ج ٦ ص ٩١).

٢٢٣

ونال (١) فيه جاها عظيما ، وثروة واسعة. وكان حسن الخطّ رائقه ، سلك فيه (٢) في ابتدائه مسلك المتقن أبي بكر بن خيرة (٣).

مشيخته : روى (٤) عن أبي بكر بن عبد العزيز ، وابن العربي ، وأبي الحسن شريح ، ويونس بن مغيث ، وأبي عبد الله حفيد مكّي ، وابن أبي الخصال ، وابن بقيّ (٥).

تواليفه : له (٦) تصانيف تاريخية وأدبية منها «ريحان الآداب (٧) ، وريعان الشباب» لا نظير له. و «الوشاح المفضّل» (٨). وكتاب في الأمثال السائرة. وكتاب في الأدب (٩) نحا فيه (١٠) منحى أبي عمر بن عبد البرّ في «بهجة المجالس».

وفاته : توفي بمرّاكش سنة أربع وستين وخمسمائة (١١).

محمد بن إبراهيم بن علي بن باق الأموي (١٢)

مرسي الأصل ، غرناطي النشأة ، مالقي الإسكان ، يكنى أبا عبد الله.

حاله : من عائد الصلة (١٣) : كان ، رحمه الله تعالى (١٤) ، كاتبا أديبا ذكيّا ، لوذعيّا ، يجيد الخطّ ، ويرسل النادرة ، ويقوم (١٥) على العمل ، ويشارك في الفريضة. وبذّ السّبّاق في الأدب الهزلي المستعمل بالأندلس. عمر (١٦) زمانا من عمره ، محارفا للفاقة ، يعالج بالأدب الكدية ، ثم استقام له الميسم ، وأمكنه البخت من امتطاء غاربه ، فأنشبت الحظوة فيه أناملها بين كاتب وشاهد ومحاسب ومدير تجر ، فأثرى ونما ماله ، وعظمت حاله ، وعهد (١٧) عندما شارف الرحيل بجملة تناهز الألف من العين ، لتصرف في وجوه من البرّ ، فتوهّم أنها كانت زكاة امتسك (١٨) بها.

__________________

(١) في الذيل والتكملة : «ونال باختصاص أبي حفص إياه جاها عريضا وغزوة واسعة».

(٢) في المصدر نفسه : «به».

(٣) في المصدر نفسه : «خير».

(٤) الذيل والتكملة (ج ٦ ص ٩١).

(٥) جاء في الذيل والتكملة أنه أبو القاسم أحمد بن محمد بن بقي.

(٦) الذيل والتكملة (ج ٦ ص ٩١).

(٧) في التكملة : «الألباب».

(٨) في الذيل والتكملة : «المفصل» بالصاد المهملة.

(٩) في المصدر نفسه : «في الآداب».

(١٠) في المصدر نفسه : «به».

(١١) قال ابن الأبار في التكملة : «وتوفي في نحو السبعين وخمسمائة».

(١٢) ترجمة ابن باق الأموي في الدرر الكامنة (ج ٣ ص ٣٧٦) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٤٠٠).

(١٣) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٤٠١).

(١٤) كلمة «تعالى» ساقطة في الإحاطة ، وقد أضفناها من النفح.

(١٥) في النفح : «ويقدم».

(١٦) في النفح : «غبر».

(١٧) في النفح : «عهد».

(١٨) في النفح : «أمسك».

٢٢٤

وجرى ذكره في التاج بما نصّه (١) : مدير أكواس (٢) البيان المعتّق ، ولعوب بأطراف الكلام المشقّق ، انتحل لأول أمره الهزل من أصنافه ، فأبرز درّ معانيه من أصدافه ، وجنى ثمرة الإبداع لحين قطافه. ثم تجاوزه إلى المعرّب (٣) وتخطّاه ، فأدار كأسه المترع وعاطاه ، فأصبح لفنّيه (٤) جامعا ، وفي فلكيه شهابا لامعا ، وله ذكاء يطير شرره ، وإدراك تتبلّج غرره ، وذهن يكشف الغوامض ، ويسبق البارق الوامض (٥) ، وعلى ذلاقة لسانه ، وانفساح أمد إحسانه ، فشديد الصّبابة بشعره (٦) ، مغل لسعره.

شعره : أخبرني الكاتب أبو عبد الله بن سلمة ، أنه خاطبه بشعر أجابه عنه بقوله ، في رويّه (٧) : [الخفيف]

أحرز الخصل من بني سلمه

كاتب تخدم الظّبا قلمه

يحمل الطّرس عن (٨) أنامله

أثر الطّرس (٩) كلّما رقمه (١٠)

وتمدّ البيان فكرته (١١)

مرسلا حيث يمّمت ديمه

خصّني متحفا بخمس إذا

بسم الرّوض فقن مبتسمه

قلت أهدى زهر الرّبا خضلا

فإذا كلّ زهرة كلمه

أقسم الحسن لا يفارقها

فأبرّ انتقاؤها قسمه

خطّ أسطارها ونمّقها

فأتت كالقعود منتظمه

كاسيا من حلاه لي حللا

رسمها من بديع ما رسمه

طالبا عند عاطش نهلا

ولديه الغيوث منسجمه

يبتغي الشّعر من أخي بله

أخرس العيّ والقصور فمه

أيها الفاضل الذي حمدت (١٢)

ألسن المدح والثّنا شيمه

لا تكلّف أخاك مقترحا

نشر عار لديه قد كتمه

__________________

(١) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٤٠٠ ـ ٤٠١).

(٢) في النفح : «أكؤس».

(٣) في النفح : «المغرب».

(٤) أي فنّي النظم والنثر.

(٥) الوامض : المضيء. لسان العرب (ومض).

(٦) في الأصل : «الضنانة يشعره» والتصويب من النفح.

(٧) الأبيات في نفح الطيب (ج ٨ ص ٤٠١ ـ ٤٠٢).

(٨) في النفح : «من».

(٩) في النفح : «الحسن».

(١٠) في الأصل : «رقّه» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(١١) في الأصل : «ويمدّ البيان بفكرته» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(١٢) في النفح : «حفظت».

٢٢٥

وابق في عزّة وفي دعة

صافي (١) العيش واردا شبمه (٢)

ما ثنى الغصن عطفه طربا

وشدا الطير فوقه (٣) نغمه

مشيخته : قرأ (٤) على الأستاذ أبي جعفر بن (٥) الزّبير ، والخطيب أبي عثمان بن عيسى.

وفاته : توفي (٦) بمالقة في اليوم الثامن والعشرين لمحرم (٧) عام اثنين وخمسين وستمائة (٨) ، وأوصى بعد أن حفر قبره بين شيخيه الخطيبين أبي عبد الله الطّنجالي وأبي عثمان بن عيسى ، أن يدفن به (٩) ، وأن يكتب على قبره هذه الأبيات : [الطويل]

ترحّم على قبر ابن باق وحيّه

فمن حقّ ميت الحيّ تسليم حيّه

وقل آمن الرحمن روعة خائف

لتفريطه في الواجبات وغيّه

قد اختار هذا القبر في الأرض راجيا

من الله تخفيفا بقرب (١٠) وليّه

فقد يشفع الجار الكريم لجاره

ويشمل بالمعروف أهل نديّه

وإني بفضل الله أوثق واثق

وحسبي وإن أذنبت حبّ نبيّه

محمد بن إبراهيم بن سالم بن فضيلة المعافري (١١)

من أهل ألمرية ، يدعى بالبيوّ (١٢) ، ويكنى أبا عبد الله.

حاله : من الإكليل الزاهر : شيخ (١٣) أخلاقه ليّنة ، ونفسه كما قيل هيّنة ، ينظم الشعر سهلا مساقه ، محكما اتّساقه ، على فاقة ما لها من إفاقة. أنشد السلطان (١٤)

__________________

(١) في النفح : «ضافي».

(٢) الشّبم : البارد. لسان العرب (شبم).

(٣) في الأصل : «فوق» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(٤) النص مع الشعر في نفح الطيب (ج ٨ ص ٤٠٢ ـ ٤٠٣).

(٥) كلمة «بن» ساقطة في الإحاطة ، وقد أضفناها من النفح.

(٦) في النفح : «وتوفي».

(٧) في النفح : «لمحرم فاتح عام ...».

(٨) في النفح : «وسبعمائة».

(٩) كلمة «به» ساقطة في الإحاطة ، وقد أضفناها من النفح.

(١٠) في النفح : «بقدر».

(١١) ترجمة ابن فضيلة المعافري في الدرر الكامنة (ج ٣ ص ٣٦٧) ونفح الطيب (ج ٨ ص ٤٠٣).

(١٢) في النفح : «المدعوّ بالتنوء».

(١٣) النص مع بعض أبيات القصيدة في نفح الطيب (ج ٨ ص ٤٠٣ ـ ٤٠٤).

(١٤) في النفح : «أنشد المقام السلطاني».

٢٢٦

بظاهر بلده قوله : [الطويل]

سرت ريح نجد من ربى أرض بابل

فهاجت إلى مسرى سراها بلابلي (١)

وذكّرني عرف النّسيم الذي سرى

معاهد أحباب سراة أفاضل

فأصبحت مشغوفا بذكرى منازل

ألفت ، فوا شوقي لتلك المنازل

فيا ريح هبّي بالبطاح وبالرّبا

ومرّي على أغصان زهر الخمائل

وسيري بجسمي للتي الروح عندها

فروحي لديها من أجلّ الوسائل

وقولي لها عني معنّاك بالهوى (٢)

له شوق معمود وعبرة ثاكل (٣)

فيا بأبي هيفاء كالغصن تنثني (٤)

بقدّ يقدّ (٥) كاد ينقدّ مائل

فتاة براها الله من فتنة فمن

رآها ولم يفتن فليس بعاقل

لها منظر كالشمس في رونق الضّحا

ولحظ كحيل ساحر الطّرف بابلي (٦)

بطيب شذاها عطّرت كلّ عاطر

كما بحلاها زيّنت كلّ عاطل

رمتني بسهم من سهام جفونها

فصادف ذاك السّهم مني مقاتلي (٧)

فظلت غريقا في بحار من الهوى

وما الحبّ إلّا لجّة دون ساحل

فيا من سبت عقلي وأفنت تجلّدي

صليني فإنّ البعد لا شكّ قاتلي (٨)

فلي كبد شوقي إليك تفطّرت

وقلب بنيران الجوى في مشاعلي (٩)

ولي أدمع تحكي ندا كف يوسف

أمير العلى الأرضي الجميل الفضائل

إذا مدّ بالجود الأنامل لم تزل

بحور النّدى تهمي بتلك الأنامل

ومن شعره قوله من قصيدة (١٠) : [الكامل]

بهرت كشمس في غلالة عسجد

وكبدر تمّ في قضيب زبرجد

ثم انثنت كالغصن هزّته الصّبا

طربا فتزري بالغصون الميّد

__________________

(١) في الأصل : «بلابل» والتصويب من النفح.

(٢) في النفح : «بالنوى».

(٣) المعمود : اسم مفعول من قولهم : عمده الحب إذا أحزنه. والثاكل : الفاقد. والعبرة : الدمعة.

لسان العرب (عمد) و (ثكل) و (عبر).

(٤) في الأصل : «تثنّى» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(٥) في النفح : «تقدّ بقدّ».

(٦) في الأصل : «بابل».

(٧) في الأصل : «مقاتل».

(٨) في الأصل : «قاتل».

(٩) في الأصل : «مشاعل».

(١٠) الأبيات في نفح الطيب (ج ٨ ص ٤٠٣ ـ ٤٠٤).

٢٢٧

حوراء بارعة الجمال غريرة (١)

تزهى فتزري بالقضيب الأملد

إن أدبرت لم تبق عقل مدبّر

أو أقبلت قتلت ولكن لا تدي (٢)

تواليفه : قال شيخنا أبو البركات : وابتلي (٣) باختصار كتب الناس ، فمن ذلك مختصره المسمّى ب «الدّرر المنظومة الموسومة ، في اشتقاق حروف الهجا المرسومة» (٤) ، وكتاب في حكايات تسمى «روضة الجنان» (٥) ، وغير ذلك.

وفاته : توفي في أواخر رمضان من عام تسعة وأربعين وسبعمائة ، ودخل غرناطة غير مرة.

محمد بن إدريس بن علي بن إبراهيم بن القاسم

من أهل جزيرة شقر (٦) ، يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بابن مرج الكحل (٧).

حاله : كان شاعرا مفلقا (٨) غزلا ، بارع التّوليد ، رقيق الغزل. وقال الأستاذ أبو جعفر : كان (٩) شاعرا مطبوعا ، حسن الكفاية ، ذاكرا للأدب ، متصرّفا فيه. قال ابن عبد الملك : وكانت بينه وبين طائفة من أدباء عصره مخاطبات ، ظهرت فيها إجادته. وكان مبتذل اللباس ، على هيئة أهل البادية ، ويقال إنه كان أمّيّا.

__________________

(١) في الأصل : «غريدة» والتصويب من النفح.

(٢) في الأصل : «تد» والتصويب من النفح. وتدي : تدفع الدّيّة. لسان العرب (ودى).

(٣) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٤٠٤).

(٤) في النفح : «الدرر الموسومة ، في اشتقاق الحروف المرسومة».

(٥) في النفح : «وكتاب حكايات يسمى دوحة الجنان وراحة الجنان ...».

(٦) شقر ، بالإسبانيةJucar : جزيرة بالأندلس ، قريبة من شاطبة ؛ كثيرة الأشجار والأنهار. الروض المعطار (ص ٣٤٩).

(٧) ترجمة ابن مرج الكحل في المغرب (ج ٢ ص ٣٧٣) واسمه فيه : محمد بن الدمن ، المعروف بمرج الكحل. وزاد المسافر (ص ٢٧) والوافي بالوفيات (ج ٢ ص ١٨١) وأعمال الأعلام (القسم الثاني ص ٢٧٨) في ترجمة محمد بن يوسف بن هود الجذامي ، وبرنامج شيوخ الرعيني (ص ٢٠٨) ورايات المبرزين (ص ٢٢٠) والمقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ١١٤ ، ١٥٢) والتكملة (ج ٢ ص ١٣٦) وجاء فيه أنه يعرف بمرج الكحل. والذيل والتكملة (السفر السادس ص ١١٠) ونفح الطيب (ج ٧ ص ٤٧). والترجمة هنا مع الشعر في نفح الطيب (ج ٧ ص ٤٧ ـ ٥١) ووفيات الأعيان (ج ٢ ص ٣٣١) في ترجمة سكينة بنت الحسين.

(٨) في التكملة «كان شاعرا مغلقا بديع التوليد والتجويد ...».

(٩) في النفح : «شاعر مطبوع ، حسن الكتابة ذاكر للأدب متصرف فيه».

٢٢٨

من أخذ عنه : روى عنه أبو جعفر بن عثمان الورّاد ، وأبو الربيع بن سالم ، وأبو عبد الله بن الأبّار ، وابن عسكر ، وابن أبي البقاء ، وأبو محمد بن عبد الرحمن بن برطلة ، وأبو الحسن الرعيني.

شعره ودخوله غرناطة

قال في عشيّة بنهر الغنداق ، خارج (١) بلدنا لوشة بنت الحضرة ، والمحسوب من دخلها فقد دخل إلبيرة ، وقد قيل : إن (٢) هذا النهر من أحواز برجة ، وهذا الخلاف داع إلى ذكره (٣) : [الكامل]

عرّج بمنعرج الكثيب الأعفر

بين الفرات وبين شطّ الكوثر

ولنغتبقها (٤) قهوة ذهبيّة

من راحتي أحوى المراشف (٥) أحور

وعشيّة قد (٦) كنت أرقب وقتها

سمحت بها الأيام بعد تعذّر

نلنا بها آمالنا (٧) في روضة

تهدي لناشقها (٨) شميم العنبر

والدّهر من ندم (٩) يسفّه رأيه

فيما مضى منه بغير تكدّر

والورق تشدو والأراكة تنثني

والشمس ترفل في قميص أصفر

والرّوض بين مفضّض ومذهّب (١٠)

والزّهر بين مدرهم ومدنّر

والنهر مرقوم الأباطح والرّبى (١١)

بمصندل من زهره ومعصفر

وكأنّه وكأنّ خضرة شطّه

سيف يسلّ على بساط أخضر

وكأنما ذاك الحباب فرنده

مهما طفا في صفحة كالجوهر

وكأنّه ، وجهاته محفوفة

بالآس والنّعمان ، خدّ معذّر

__________________

(١) في النفح : «من خارج».

(٢) في النفح : «إن نهر الغنداق».

(٣) في النفح : «لذكره». والشعر في الذيل والتكملة (السفر السادس ص ١١١ ـ ١١٢) ورايات المبرزين (ص ٢٢١) وأزهار الرياض (ج ٢ ص ٣١٥ ـ ٣١٦) ، ونفح الطيب (ج ٧ ص ٤٦ ـ ٤٩) والمغرب (ج ٢ ص ٣٧٣ ـ ٣٧٤) والمقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ١١٤ ـ ١١٥).

(٤) في النفح والمغرب والمقتضب والذيل والتكملة : «ولتغتبقها».

(٥) في المغرب والمقتضب والذيل والتكملة : «المدامع».

(٦) في الذيل والنفح : «كم كنت». وفي رايات المبرزين والمقتضب والمغرب : «كم بتّ».

(٧) في النفح : «فلنا بهذا ما لنا في ...». وفي المغرب ورايات المبرزين : «في جنّة أهدت ...».

(٨) في الأصل : «لنا بشقّها» وهكذا ينكسر الوزن. والتصويب من النفح. وفي المقتضب : «شفها نسيم العنبر».

(٩) في أزهار الرياض : «قدم».

(١٠) في أزهار الرياض : «ومعسجد».

(١١) رواية صدر البيت في رايات المبرزين هي : والنهر فيها والنبات يحفّه.

٢٢٩

نهر يهيم بحسنه من لم يهم

ويجيد فيه الشّعر من لم يشعر

ما اصفرّ وجه الشمس عند غروبها

إلّا لفرقة حسن ذاك المنظر

ولا خفاء ببراعة هذا النظم (١). وقال منها (٢) :

أرأت جفونك مثله من منظر

ظلّ وشمس مثل خدّ معذّر (٣)

وهذا تتميم عجيب لم يسبق إليه. ثم قال منها :

وقرارة كالعشر بين خميلة

سالت مذانبها بها كالأسطر

فكأنّها مشكولة بمصندل

من يانع الأزهار أو بمعصفر

أمل بلغناه بهضب حديقة

قد طرّزته يد الغمام الممطر

فكأنه والزّهر تاج فوقه

ملك تجلّى في بساط أخضر

راق النّواظر منه رائق منظر

يصف النّضارة عن جنان الكوثر

كم قاد خاطر خاطر مستوفز

وكم استفزّ جماله من مبصر

لو لاح لي فيما تقدّم (٤) لم أقل

(عرّج بمنعرج الكثيب الأعفر)

قال أبو الحسن الرّعيني ، وأنشدني لنفسه (٥) : [الكامل]

وعشيّة كانت قنيصة فتية

ألفوا من الأدب الصّريح شيوخا

فكأنما العنقاء قد نصبوا لها

من الانحناء إلى الوقوع فخوخا

شملتهم آدابهم فتجاذبوا

سرّ السّرور محدّثا ومصيخا

والورق تقرأ سيرة (٦) الطرب التي

ينسيك منها ناسخا (٧) منسوخا

والنهر قد صفحت به نارنجة

فتيمّمت من كان فيه منيخا

فتخالهم حلل (٨) السّماء كواكبا

قد قارنت بسعودها المرّيخا

خرق العوائد في السّرور نهارهم

فجعلت أبياتي لهم (٩) تاريخا

__________________

(١) في النفح : «هذا الشعر».

(٢) في الأصل : «أيضا» والتصويب من النفح.

(٣) المعذّر : الذي نبت عذاره وهو شعر الخدّ. لسان العرب (عذر). وجاء في النفح بيت آخر لم يرد في الإحاطة وهو :

وجداول كأراقم حصباؤها

كبطونها وحبابها كالأظهر

(٤) في النفح : «تقادم».

(٥) الأبيات في نفح الطيب (ج ٧ ص ٤٩).

(٦) في النفح والذيل : «سورة».

(٧) في الذيل والنفح : «ناسخ».

(٨) في الذيل والنفح : «خلل» ، بالخاء المعجمة.

(٩) في النفح والذيل والتكملة : «له».

٢٣٠

ومن أبياته في البديهة (١) : [الوافر]

وعندي من مراشفها (٢) حديث

يخبّر أنّ ريقتها مدام

وفي أجفانها (٣) السّكرى دليل

وما (٤) ذقنا ولا زعم الهمام

تعالى الله ما أجرى دموعي

إذا عنّت (٥) لمقلتي الخيام

وأشجاني إذا لاحت بروق

وأطربني إذا غنّت حمام (٦)

ومن قصيدة (٧) : [الطويل]

عذيري من الآمال خابت قصودها

ونالت جزيل الحظّ منها الأخابث

وقالوا : ذكرنا بالغنى ، فأجبتهم

خمولا وما ذكر مع البخل ماكث

يهون علينا أن يبيد أثاثنا

وتبقى علينا المكرمات الأثائث (٨)

وما ضرّ أصلا طيّبا عدم الغنى

إذا لم يغيّره من الدهر حادث

وله يتشوق إلى أبي (٩) عمرو بن أبي غياث : [الوافر]

أبا (١٠) عمرو متى تقضى الليالي

بلقياكم وهنّ قصصن ريشي

أبت نفسي هوى إلّا شريشا

وما (١١) بعد الجزيرة من شريش

وله من قصيدة (١٢) : [الكامل]

طفل المساء وللنسيم تضوّع

والأنس ينظم (١٣) شملنا ويجمّع

والزّهر يضحك من بكاء غمامة

ريعت لشيم سيوف برق تلمع

والنّهر من طرب يصفّق موجه

والغصن يرقص والحمامة تسجع

فانعم أبا عمران واله بروضة

حسن المصيف بها وطاب المربع

__________________

(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ٧ ص ٤٩) وأزهار الرياض (ج ٢ ص ٣١٦). وورد البيتان الأول والثاني في المغرب (ج ٢ ص ٣٧٤).

(٢) في المغرب : «معاطفها».

(٣) في المغرب : «ألحاظها».

(٤) في المغرب : «ولا».

(٥) في أزهار الرياض : «عرضت».

(٦) في أزهار الرياض : «إذا غنّى الحمام».

(٧) الأبيات في نفح الطيب (ج ٧ ص ٤٩).

(٨) في الأصل : «الأثابت» ، والتصويب من نفح الطيب.

(٩) في النفح (ج ٧ ص ٤٩) «إلى عمرو بن أبي غياث». والبيتان في المصدر المذكور.

(١٠) في النفح : «أيا».

(١١) في المصدر نفسه : «ويا».

(١٢) القصيدة في نفح الطيب (ج ٧ ص ٥٠).

(١٣) في النفح : «يجمع».

٢٣١

يا شادن البان الذي دون النقا

حيث التقى وادي الحمى والأجرع

الشمس يغرب نورها ولربما

كسفت ونورك كلّ حين يسطع

إن غاب نور الشمس بتنا (١) نتقي

بسناك ليل تفرّق يتطلّع

أفلت فناب سناك عن إشراقها

وجلا من الظلماء ما يتوقّع

فأمنت يا موسى الغروب ولم أقل

«فوددت يا موسى لو أنّك يوشع» (٢)

وقال (٣) : [الطويل]

ألا بشّروا بالصبح من كان باكيا

أضرّ به الليل الطويل مع البكا

ففي الصبح للصّبّ المتيّم راحة

إذا الليل أجرى دمعه وإذا شكا

ولا عجب أن يمسك الصبح عبرتي

فلم يزل الكافور للدّم ممسكا

ومن بديع مقطوعاته قوله (٤) : [الرمل]

مثل الرّزق الذي تطلبه

مثل الظّلّ الذي يمشي معك

أنت لا تدركه متّبعا

فإذا ولّيت عنه أتبعك (٥)

وقال (٦) : [الطويل]

دخلتم فأفسدتم قلوبا بملككم (٧)

فأنتم على ما جاء في سورة النّمل (٨)

وبالعدل (٩) والإحسان لم تتخلّقوا

فأنتم على ما جاء في سورة النحل (١٠)

__________________

(١) في النفح : «لسنا».

(٢) عجز هذا البيت للرصافي البلنسي ، والبيت بتمامه هو :

سقطت ولم تملك يمينك ردّها

فوددت يا موسى لو أنّك يوشع

ديوان الرصافي البلنسي (ص ١٠٥).

(٣) الأبيات في نفح الطيب (ج ٧ ص ٥٠).

(٤) البيتان في نفح الطيب (ج ٧ ص ٥٠) ووفيات الأعيان (ج ٢ ص ٣٣١) والتكملة (ج ٢ ص ١٣٦).

(٥) في النفح والوفيات : «تبعك».

(٦) البيتان في نفح الطيب (ج ٧ ص ٥٠ ـ ٥١).

(٧) في النفح : «بملكها».

(٨) يشير هنا إلى قول الله تعالى : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها)[النمل : ٣٤].

(٩) في النفح : «وبالجود».

(١٠) يشير هنا إلى ما جاء في سورة النحل ١٦ ، الآية ٧٦ : (أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ).

٢٣٢

وقال أبو بكر محمد بن محمد بن جهور : رأيت لابن مرج الكحل مرجا أحمر قد أجهد نفسه في خدمته فلم ينجب ، فقلت (١) : [البسيط]

يا مرج كحل ومن هذي المروج له

ما كان أحوج هذا المرج للكحل

يا حمرة (٢) الأرض من طيب ومن كرم

فلا تكن طمعا في رزقها العجل

فإنّ من شأنها إخلاف آملها

فما تفارقها كيفيّة الخجل

فقال مجيبا بما نصّه (٣) : [البسيط]

يا قائلا إذ رأى مرجي وحمرته

ما كان أحوج هذا المرج للكحل

هو احمرار دماء الرّوم سيّلها

بالبيض من مرّ من آبائي الأول

أحببته أن حكى (٤) من فتنت به

في حمرة الخدّ أو إخلافه أملي

وفاته : توفي ببلده يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول سنة (٥) أربع وثلاثين وستمائة ، ودفن في اليوم بعده.

محمد بن محمد بن أحمد الأنصاري

من أهل مرسية ، يكنى أبا عبد الله ، ويعرف بابن الجنّان (٦).

حاله : كان (٧) محدّثا راوية ، ضابطا ، كاتبا بليغا ، شاعرا بارعا ، رائق الخطّ ، ديّنا فاضلا ، خيّرا ، زكيّا (٨). استكتبه بعض أمراء الأندلس ، فكان يتبرّم من ذلك ، ويقلق منه. ثم خلّصه الله تعالى (٩) منه. وكان من أعاجيب الزمان في إفراط القماءة (١٠) ، حتى يظنّ رائيه إذا (١١) استدبره أنه طفل ابن ثمانية أعوام أو نحوها ، متناسب الخلقة ، لطيف الشمائل ، وقورا. خرج من بلده حين تمكّن العدو من بيضته (١٢) عام أربعين.

__________________

(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ٧ ص ٥١).

(٢) في النفح : «ما حمرة».

(٣) قوله : «بما نصّه» ساقط من النفح (ج ٧ ص ٥١).

(٤) في الأصل : «أحببته إنّ من فتنت به» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.

(٥) في النفح : «عام أربعة ...».

(٦) ترجمة ابن الجنان في عنوان الدراية (ص ٢١٣) ونفح الطيب (ج ١٠ ص ٢٥٩).

(٧) النص في نفح الطيب (ج ١٠ ص ٢٦٠ ـ ٢٦١).

(٨) في النفح : «ذكيّا».

(٩) كلمة «تعالى» ساقطة في الإحاطة ، وأضفناها من النفح.

(١٠) القماءة : القصر. لسان العرب (قمأ).

(١١) في النفح : «الذي».

(١٢) في النفح : «قبضته سنة ٦٤٠».

٢٣٣

وستمائة ، فاستقرّ بأوريولة (١) ، إلى أن استدعاه (٢) إلى سبتة الرئيس بها (٣) ، أبو علي بن خلاص (٤) ، فوفد عليه ، فأجلّ وفادته ، وأجزل إفادته ، وحظي عنده حظوة تامة. ثم توجّه إلى إفريقية ، فاستقرّ ببجاية. وكانت بينه وبين كتّاب عصره مكاتبات ظهرت فيها براعته.

مشيخته : روى (٥) ببلده وغيرها (٦) عن أبي بكر عزيز بن خطّاب ، وأبي الحسن (٧) سهل بن مالك ، وابن قطرال ، وأبي الرّبيع بن سالم ، وأبي عيسى بن أبي السّداد ، وأبي علي الشّلوبين ، وغيرهم.

من روى عنه : روى عنه صهره أبو القاسم بن نبيل ، وأبو الحسن محمد بن رزيق.

شعره : قال القاضي أبو عبد الله بن عبد الملك : وكان له في الزّهد ، ومدح النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بدائع ، ونظم في المواعظ للمذكّرين كثيرا. فمن ذلك قوله في توديع رمضان وليلة القدر : [الطويل]

مضى رمضان كأن (٨) بك قد مضى

وغاب سناه بعد ما كان أومضا

فيا عهده ما كان أكرم معهدا

ويا عصره أعزر عليّ أن انقضا

ألمّ بنا كالطيف في الصيف زائرا

فخيّم فينا ساعة ثم قوّضا

فياليت شعري إذ نوى غربة النّوى

أبالسّخط عنّا قد تولّى أم الرّضا؟

قضى الحقّ فينا بالفضيلة جاهدا

فأي فتى فينا له الحق قد قضا؟

وكم من يد بيضاء أسدى لذي تقى

بتوبته فيه الصحائف بيّضا

وكم حسن قد زاده حسنا وسنا

محاه وبالإحسان والحسن عوّضا

فلله من شهر كريم تعرّضت

مكارمه إلّا لمن كان أعرضا

__________________

(١) في النفح : «بأريولة». وهي بالإسبانيةOrihuela ، من بلاد شرقي الأندلس ، تقع على نهر شقوره. الروض المعطار (ص ٦٧).

(٢) في النفح : «دعاه».

(٣) كلمة «بها» ساقطة في النفح.

(٤) هو أبو علي الحسن بن خلاص البلنسي ، تولّى سبتة سنة ٦٣٧ ه‍ ، ثم ثار فيها على عهد السعيد أبي الحسن علي بن إدريس بن المنصور الموحدي سنة ٦٤١ ه‍ ، وبايع الأمير أبا زكريا الحفصي ، صاحب تونس. توفي سنة ٦٤٦ ه‍. البيان المغرب ـ قسم الموحدين (ص ٣٥٩ ـ ٣٦٠).

(٥) النص في نفح الطيب (ج ١٠ ص ٢٦١).

(٦) في النفح : «وغيره».

(٧) في الأصل : «وأبي الحسن بن سهل ...» والتصويب من النفح.

(٨) في الأصل : «وكأن» وكذا ينكسر الوزن ، لذا حذفنا حرف الواو.

٢٣٤

نفى بينه وبين شجوك (١) معلما

وفي إثره أرسل جفونك فيّضا

وقف بثنيّات الوداع فإنها

تمحّص مشتاقا إليها وتمحضا

وإن قضيت قبل التفرّق وقفة

فمقضيها من ليلة القدر ما قضى

فيا حسنها من ليلة جلّ قدرها

وحضّ عليها الهاشميّ وحرّضا

لعلّ بقايا الشهر وهي كريمة

تبيّن سرّا للأواخر أغمضا

وقد كان أضفى ورده كي يفيضه

ولكن تلاحى من تلاحى فقيّضا

وقال اطلبوها تسعدوا بطلابها

فحرّك أرباب القلوب وأنهضا

جزى الله عنّا أحمدا للجزاء (٢)

على كرم أضفاه بردا وفضفضا

وصلّى عليه من نبيّ مبارك

رؤوف رحيم للرسالة مرتضى

له عزّة أعلى من الشمس منزلا

وعزمته أمضى من السّيف منتضى

له الذّكر يهمي فضّ مسك ختامه

تأرّج من ريّا فضائله الفضا

عليه سلام الله ما انهلّ ساكب

وذهّب موشيّ الرياض وفضّضا

ومن ذلك قصيدة في الحج : [الطويل]

مذاكرة الذّكرى تهيج اللّواعجا (٣)

فعالجن أشجانا يكاثرن عالجا (٤)

ركابا سرت بين العذيب وبارق

نوافيج (٥) في تلك الشّعاب نواعجا (٦)

تيمّمن من وادي الأراك منازلا

يطرّينها في الأراك سجاسجا (٧)

لهنّ من الأشواق حاد فإن ونت

حداه يرجّعن الحنين أهازجا

ألا بأبي تلك الركاب إذا سرت

هوادي يملأن الفلاة هوادجا

__________________

(١) في الأصل : «شجونك» وكذا ينكسر الوزن.

(٢) في الأصل : «أحمد الجزا» وكذا ينكسر الوزن.

(٣) في الأصل : «تذاكر الذكر وتهيج اللواعجا» وكذا ينكسر الوزن.

(٤) عالج : رمال بالبادية ، سمي بذلك تشبيها له بالبعير العالج وهو الذي يأكل العلجان. معجم البلدان (ج ٤ ص ٦٩).

(٥) في الأصل : «نواريج».

(٦) الرّكاب : الإبل ، واحدتها راحلة. الشّعاب : جمع شعب وهو الطريق في الجبل. النواعج : جمع ناعجة وهي الناقة البيضاء والسريعة والتي يصاد عليها. محيط المحيط (ركب) و (شعب) و (نعج). والعذيب : ماء بين القادسية والمغيثة. معجم البلدان (ج ٤ ص ٩٢). وبارق : ماء بالعراق وهو الحد بين القادسية والبصرة. معجم البلدان (ج ١ ص ٣١٩).

(٧) في الأصل : «يطرنها إلّا في الأراك سجاسجا» وكذا ينكسر الوزن. والأراك : شجر يستاك به وترعاه الإبل.

٢٣٥

براهم سوامح أو سراهم فأصبحوا

رسوما على تلك الرسوم عوالجا

لهم في منّى أسنى المنا ولدى الصّفا

يرجّون من أهل الصّفاء (١) المناهجا

سما بهم طوف ببيت طامح

أراهم قبابا للعلى ومعارجا

فأبدوا من اللّوعات ما كان كامنا

وأذروا دموعا بل قلوبا مناضجا

ولمّا دنوا نودوا هنيّا وأقبلوا

إلى الرّكن من كل الفجاج أدراجا

وقضّوا بتقبيل الجدار ولثمه

حقوقا تقضّي للنفوس حوائجا

إذا اعتنقوا تلك المعالم خلتهم

أساور في إيمانها وجهالجا

فلله ركب يمّموا نحو مكة

لقد كرموا قصدا وحلّوا مناسجا

أناخوا بأرجاء الرّجاء وعرّسوا

فأصبح كلّ مايز (٢) القدح فالجا

فبشرى (٣) لهم كم خوّلوا من كرامة

فكانت لما قدّموه نتائجا

بفتحهم باب القبول وللرّضا (٤)

ووفدهم أضحى على الباب والجا

تميّز أهل السّبق لكنّ غيرهم

غدا همجا بين الخليقة هامجا

أيلحق جلس (٥) للبيوت مداهم

ولم يله (٦) في تلك المدارج دارجا؟

ألا ليت شعري للضرورة هل أرى

إلى الله والبيت المحجّب خارجا؟

له الله من ذي كربة ليس يرتجى

لمرتجّها (٧) يوما سوى الله فارجا

قد أسهمت شتّى المسالك دونه

فلا نهج يلقى فيه لله ناهجا

يخوض بحار الذّنب ليس يهابها

ويصعق ذعرا إن يرى البحر هائجا

جبان إذا عنّ الهدى وإذا الهوى

يعنّ له كان الجريء المهارجا

يتيه ضلالا في غيابة همّه

فلا حجر تهديه لرشد ولا حجا

فواحربا لاح الصباح لمبصر

وقلبي لم يبصر سوى الليل إذ سجا

لعلّ شفيعي أن يكون معاجلا

لداء ذنوب بالشّفاء معالجا

فينشقني بيت الإله نوافحا

ويعبق لي قبر النّبيّ نوافجا

__________________

(١) في الأصل : «الصفا» وكذا ينكسر الوزن.

(٢) في الأصل : «ما بزّ» وكذا يختل الوزن والمعنى معا.

(٣) في الأصل : «فبشروا» وكذا ينكسر الوزن.

(٤) في الأصل : «بفتح باب للقبول وللرضا» وكذا ينكسر الوزن.

(٥) الجلس : الجليس. محيط المحيط (جلس).

(٦) في الأصل : «ولم يلعب» وكذا ينكسر الوزن ولا يستقيم المعنى.

(٧) في الأصل : «لمرتجيها» وكذا ينكسر الوزن ولا يستقيم المعنى.

٢٣٦

فما لي لإمالتي (١) سوى حبّ أحمد

وصلت له من قرب قلبي وشائجا

عليه سلام الله من ذي صبابة

حليف شجا يكنّى من البعد ناشجا

ولو أنصفت أجفانه حقّ وجده

سفكت دما للدموع موازجا

كتابته : وكتابته شهيرة ، تضرب بذكره فيها الأمثال ، وتطوى عليه الخناصر. قالوا : لما عقد أمير المسلمين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن هود البيعة لابنه الواثق بالإمارة من بعده ، تولّى إنشاءها ، وجعل الحاء المهملة سجعها مردفا إياها بالألف ، نحو «صباحا» و «صلاحا» ، وما أشبه ذلك ، طال مجموعها فناهزت الأربعين ، وطاب مسمعها ، فأحرزت بغية المستمعين ، فكتب إليه أبو المطرّف ابن عميرة ، رسالته الشهيرة ، يداعبه في ذلك ، وهي التي أولها :

«تحييك الأقلام تحيّة كسرى ، وتقف دون مداك حسرى». ومنها في الغرض : «وما لك أمنت تغيّر الحالات ، فشننت غارتك على الحاءات ، ونفضت عنها المهارق ، وبعثت في طلبها السّوابق ، ولفظتها من الأفواه ، وطلبتها بين الشّفاه ، حتى شهد أهل اللسان بتزحزحها عن ذلك المكان ، وتوارت بالحلوق ، ولو تغلغلت إلى العروق ، لآثرتها جيادك ، واقتنصها قلمك ومدادك». وهي طويلة.

فراجعه بقوله : «ما (٢) هذه التحية الكسرويّة؟ وما هذا الرأي وما (٣) هذه الرويّة؟ أتنكيت من الأقلام؟ أم (٤) تبكيت من الأعلام؟ أم (٥) كلا الأمرين توجّه القصد إليه ، وهو الحق مصدّقا لما بين يديه؟ وإلّا فعهدي بالقلم يتسامى عن عكسه (٦) ، ويترامى إلى الغاية البعيدة بنفسه ، فمتى لانت أنابيبه للعاجم ، ودانت أعاربه (٧) بدين الأعاجم؟ وا عجبا لقد استنوق الجمل (٨) ، واختلف القول والعمل ، لأمر ما جدع أنفه قصير (٩) ، وارتدّ على عقبه الأعمى أبو بصير. أمس أستسقي من سحابه فلا يسقيني ، وأستشفي بأسمائه فلا يشفيني. واليوم يحلّني محلّ أنو شروان ، ويشكو مني شكوى اليزيديّة (١٠)

__________________

(١) في الأصل : «لإمالني» وكذا ينكسر الوزن. والإملة : الأمل. محيط المحيط (أمل).

(٢) النص في نفح الطيب (ج ١٠ ص ٢٦١ ـ ٢٦٧).

(٣) في النفح : «وهذه».

(٤) في النفح : «وهذه».

(٥) في النفح : «أو».

(٦) عكس القلم هو : الملق.

(٧) في النفح : «أعاريبه للأعاجم».

(٨) أخذه من المثل : «قد استنوق الجمل» أي صار ناقة ، يضرب هذا المثل في التخليط ، والمراد : تغيّرت الطباع. مجمع الأمثال (ج ٢ ص ٩٣) ومحيط المحيط (نوق).

(٩) هو مثل آخر ، قيل في قصة احتيال قصير بن سعد القضاعي على الزبّاء ملكة تدمر حتى أخذ منها بالثأر. محيط المحيط (زبأ).

(١٠) في النفح : «الزيدية».

٢٣٧

من بني مروان ، ويزعم أني أبطلت سحره (١) كما أبطل سحر بردوران ، ويخفي في نفسه ما الله مبديه (٢) ، ويستجدي بالأثر ما عند مستجديه. فمن أين جاءت هذه الطريقة المتّبعة ، والطّريفة (٣) المبتدعة ، أيظنّ أنّ معمّاه لا يفكّ (٤) ، وأنه لا يتجلّى (٥) هذا الشّك؟ هل هذا (٦) منه إلّا إمحاض التّيه ، وإحماض تفتّيه ، ونشوة من خمرة (٧) الهزل ، ونخوة من ذي ولاية آمن العزل؟ تالله لو لا محلّه من القسم ، وفضله في تعليم النّسم ، لأسمعته (٨) ما ينقطع به صلفه ، وأودعته ما ينصدع به صدفه ، وأشدت (٩) بشرف المشرقي ومجده (١٠) ، وأشرت إلى تعاليه عن اللّعب بجدّه. ولكن هو القلم الأول ، فقوله على أحسن الوجوه يتأوّل ، ومعدود في تهذيبه ، كلّ ما لسانه يهذي به. وما أنسانيه (١١) ، إلّا الشيطان أياديه ، أن أذكرها (١٢) ، وأنما أقول : [البسيط]

ليت التحيّة كانت لي فأشكرها (١٣)

ولا عتب إلّا على الحاء (١٤) ، المبرّحة بالبرحاء ، فهي التي قيّمت (١٥) قيامتي في الأندية ، وقامت عليّ قيام المعتدية (١٦) ، يتظلّم وهو عين الظالم ، ويلين القول وتحته سمّ الأراقم (١٧) ، ولعمر البراعة وما نصعت (١٨) ، واليراعة وما صنعت ، ما خامرني هواها (١٩) ، ولا كلفت بها دون سواها. ولقد عرضت نفسها عليّ مرارا ، فأعرضت عنها ازورارا ، ودفعتها عني بكل وجه ، تارة بلطف وأخرى بنجه (٢٠) ،

__________________

(١) في النفح : «سحره ببئر ذروان».

(٢) أخذه من قوله تعالى : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ)[الأحزاب : ٣٧].

(٣) في النفح : «والشريعة».

(٤) في النفح : «لا ينفكّ».

(٥) في النفح : «لا ينجلي».

(٦) في النفح : «ذلك».

(٧) في النفح : «خمر».

(٨) في النفح : «لأسلمته».

(٩) في النفح : «وأشرت».

(١٠) في النفح : «المشرفي وحدّه».

(١١) في النفح : «وما أنساني».

(١٢) أخذه من قوله تعالى : (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ)[الكهف : ٦٣].

(١٣) هو صدر بيت لكثير عزّه ، والبيت بتمامه هو : [البسيط]

ليت التحيّة كانت لي فأشكرها

مكان يا جمل حيّيت يا رجل

الأغاني (ج ٩ ص ٤٣) والشعر والشعراء (ص ٤١٨).

(١٤) قد تكون قصيدة حائية ، أو رسالة بنيت على تكرير حرف الحاء في كل كلمة.

(١٥) في النفح : «أقامت».

(١٦) في النفح : «المتعدية».

(١٧) الأراقم : جمع أرقم وهو الثعبان. لسان العرب (رقم).

(١٨) في النفح : «ولعمر اليراعة وما رضعت».

(١٩) هاء الضمير يعود إلى «الحاء».

(٢٠) النّجه : الردّ القبيح. لسان العرب (نجه).

٢٣٨

وخفت منها السآمة ، وقلت انكحي أسامة. فرضيت منها (١) بأبي جهم (٢) وسوء سلكته (٣) ، وابن أبي سفيان وصعلكته ، وكانت أسرع من أمّ خارجة للخطبة ، وأسمج من سجاح (٤) في استنجاح تلك الخطبة. ولقد كنت أخاف من انتقال الطباع في عترتها (٥) ، واستثقال الاجتماع من عشرتها (٦) ، وأرى من الغبن والسّفاه ، أخذها وترك بنات الأفواه والشّفاه (٧) ، إذ هي أيسر مؤونة ، وأكثر (٨) معونة ، فغلطي (٩) فيها أن كانت بمنزل تتوارى صونا عن الشمس ، ومن نسوة خفرات لا ينطقن إلّا بالهمس ، ووجدتها أطوع من البنان للكفّ ، والعنان للوكف (١٠) ، والمعنى للاسم ، والمغنى للرّسم ، والظّلّ للشخص ، والمستبدل (١١) للنصّ. فما عرفت منها إلّا خبرا (١٢) أرضاه ، حتى حسبتها من الحافظات للغيب بما حفظ الله ، فعجبت لها الآن كيف زلّت نعلها ، ونشزت فنشرت ما استكتمها بعلها ، واضطربت في رأيها اضطراب المختار بن (١٣) أبي عبيد ، وضربت في الأرض تسعى عليّ بكلّ مكر وكيد ، وزعمت أنّ حرف (١٤) الجيم خدعها ، وألان (١٥) أخدعها ، وأخبرها أن سيبلّغ بخبرها الخابور (١٦) ، وأحضرها لصاحبها كما أحضر بين يدي قيصر سابور (١٧) ، فقد جاءت إفكا وزورا ، وكثرت من أمرها شزورا (١٨) ، وكانت كالقوس أرنّت وقد أصمت القنيص ، والمراودة قالت (ما جَزاءُ)(١٩) وهي التي قدّت

__________________

(١) في النفح : «مني».

(٢) يشير هنا إلى قصة فاطمة بنت قيس ، أخت الضحاك ، حين خطبها معاوية بن أبي سفيان وأبو جهم ، فتزوجت أسامة بن زيد ؛ لأن معاوية وصف بأنه صعلوك لا مال له ، وأبو جهم كان لا يضع عصاه عن عاتقه ، أي أنه كان يضرب النساء.

(٣) في النفح : «ملكته».

(٤) في النفح : «وأسمح من سجاح». وأخبار سجاح مع مسيلمة الكذاب معروفة ، وقد ضرب بها المثل في الإسماح.

(٥) في النفح : «عشرتها».

(٦) في النفح : «عترتها».

(٧) بنات الأفواه والشفاه : الحروف مثل الباء والميم وغيرهما.

(٨) في النفح : «وأكبر».

(٩) في النفح : «فغلطني».

(١٠) في النفح : «للكفّ».

(١١) في النفح : «والمستدلّ».

(١٢) في النفح : «خيرا أرضاه ، وحسبتها».

(١٣) كلمة «بن» ساقطة من الإحاطة. وهو المختار بن أبي عبيد الثقفي ، الذي ثار عام ٦٥ ه‍ ، مطالبا بدم الحسين بن علي ، عليهما الصلاة والسلام.

(١٤) في النفح : «أن الجيم».

(١٥) في الأصل : «والآن» والتصويب من النفح.

(١٦) الخابور : من روافد نهر الفرات ؛ يريد أن يقول : إنه سيبلغ خبرها إلى مكان ناء.

(١٧) هو سابور ذو الأكتاف ، يقال إنه تنكّر ودخل بلاد الروم فوقع في يدي قيصر.

(١٨) في النفح : «منزورا».

(١٩) سورة يوسف ١٢ : الآية ٢٥.

٢٣٩

القميص (١) ، وربما يظنّ بها الصدق ، وظنّ الغيب ترجيم ، ويقال : لقد خفضت الحاء بالمجاورة لهذا الأمر الجسيم (٢) ، وتنتصر لها أختها (٣) التي خيّمت بين النرجسة والرّيحانة ، وختمت السورة باسم جعلت ثانيه أكرم نبيّ على الله سبحانه ، فإن امتعضت لهذه المتظلّمة (٤) ، تلك التي سبقت بكلمتها بشارة المتكلّمة (٥) ، فأنا ألوذ بعدلها ، وأعوذ بفضلها ، وأسألها أن تقضي قضاء مثلها ، وتعمل بمقتضى : (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها)(٦) على أنّ هذه التي قد أبدت مينها (٧) ، ونسيت الفضل بيني وبينها ، أن قال الحكمان : منها كان النشوز ، عادت حرورية (٨) العجوز ، وقالت : التّحكّم (٩) في دين الله لا يجوز ، فعند ذلك يحصحص (١٠) الحقّ ، ويعلم من الأولى بالحكم والأحقّ ، ويصيبها ما أصاب أروى ، من دعوة سعيدة (١١) حين الدّعوى ، ويا ويحها أن (١٢) أرادت أن تجني عليّ فجنت لي ، وأناخت لي مركب السعادة وما ابتغت إلّا ختلي ، فأتى شرّها بالخير ، وجاء النّفع من طريق ذلك الضّير. أتراها علمت بما يثيره اعوجاجها ، وينجلي عنه عجاجها؟ فقد أفادت عظيم الفوائد ، ونظيم الفرائد ، ونفس الفخر ، ونفيس الذّخر (١٣) ، وهي لا تنكر (١٤) أن كانت من الأسباب ، ولا تذكر إلّا يوم الملاحاة والسّباب. وإنما يستوجب الشكر جسيما ، والثناء الذي يتضوّع نسيما ، الذي شرّف إذ أهدى أشرف السّحاءات ، وعرّف بما كان من انتحاء تلك الحاء المذمومة في الحاءات ، فإنه وإن ألمّ بالفكاهة ، فما أملى (١٥) من البداهة ، وسمّى باسم السابق السّكيت ، وكان من أمر مداعبته كيت وكيت ، وتلاعب بالصّفات (١٦) ، تلاعب السّيل بالصفاة ، والصّبا بالبانة ، والصّبا بالعاشق ذي اللّبانة ، فقد أغرب بفنونه ، وأغرى

__________________

(١) إشارة إلى قصة امرأة العزيز في قوله تعالى : (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ)[يوسف : ٢٣]. وعندما انفضح أمرها قالت : (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) الآية.

(٢) في النفح : «لهذا الجيم».

(٣) كلمة «أختها» ساقطة في النفح.

(٤) في النفح : «التكملة».

(٥) في النفح : «الكلمة».

(٦) سورة النساء ٤ ، الآية ٣٥.

(٧) المين : الكذب. لسان العرب (مين).

(٨) حرورية : أي ترفض التحكيم وتقول : لا حكم إلّا لله.

(٩) في النفح : «التحكيم».

(١٠) يحصحص الحقّ : يظهر ويبين. لسان العرب (حصحص).

(١١) في النفح : «سعدية».

(١٢) كلمة «أن» ساقطة في النفح.

(١٣) في النفح : «الدرّ».

(١٤) في النفح : «لا تشكر».

(١٥) في النفح : «بما أملّ».

(١٦) في النفح : «في الصفات تلاعب الصفاح والصّبا بالبانة».

٢٤٠