المدينة المنوّرة بين الأدب والتاريخ

الدكتور عاصم حمدان علي حمدان

المدينة المنوّرة بين الأدب والتاريخ

المؤلف:

الدكتور عاصم حمدان علي حمدان


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: نادي المدينة المنوّرة الأدبي
الطبعة: ١
الصفحات: ١٤٢

وقال ـ رحمه‌الله تعالى ـ ذاكرا ما جرى في أيام العهد الكائن من أهل المدينة من الفتنة والحرب بينهم وبين أغوات الحرم النبوي : وسبب صدور العهد المذكور مجملا ، قد كرر سيف العهد السيد محمد بن علي أبي العزم ـ رحمه‌الله تعالى ـ في سنة أربع وثلاثين ومائة وألف». (٧)

ثم ذكر القصيدة التي نظمها الشاعر تحت تأثير أحداث فتنة ١١٣٤ ه‍ ـ ١٧٢١ م ، وتتكون القصيدة من أربعة وستين بيتا ، من بحر الكامل ، ويفتتحها الشاعر قائلا :

المجد تحت ظلال سمر الذبل

وظبا القواضب والجياد القفل

الموريات العاديات ضوابحا

الصافنات الزافرت الجفل

والخوض في غمرات بطنان النوى

يوم التصادم في القتام المسبل

وتواترت العزمات في طلب العلا

والفوز في أقصى فيافي الهوجل

والفخر ما ترك الأعادي خشعا

رفل المحازم كالجياد العزل

بين القنا وورود أحواض الردى

لقوا العلاقم في تراقي الحوصل

لا عاش من ترضى المذلة نفسه

طوعا ، وعن شأو المفاخر يأتلي

تعست حياة لا تشاب بعزة

غبراء بين مهابة وتذلل

العز أجمل ما اقتناه أولو النهى

والذل بالأحرار ليس بمجمل (٨)

وتحت عنوان : «ذكر الفتنة التي وقعت بالمدينة بين الأغوات وأهل المدينة سنة ١١٣٤ ه‍» ذكر أحمد دحلان أنه : «في مدة ولاية الشريف مبارك ابن أحمد بن زيد ، سنة أربع وثلاثين ومائة وألف ، وقع بالمدينة فتنة عظيمة شهيرة بين الأغوات وأهل المدينة ، ونشأ عنها قتل السيد عبد الكريم البرزنجي

١٠١

المدفون بجدة ، المشهور بالمظلوم وتلك الفتنة الكلام على تفصيلها طويل». (٩)

وأشار «دحلان» في مصدر آخر ، إلى عواقب هذه الفتنة ، وذلك عند ترجمته للسيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي. ومن أولاده : السيد عبد الكريم المدفون بجدة المشهور بالمظلوم ، وسبب ذلك أنه في سنة ١١٣٣ ـ ثلاث وثلاثين ومئة وألف ، في دولة الشريف مبارك بن أحمد بن زيد ـ أمير مكة ـ وقعت فتنة بين أهل المدينة وأغوات الحرم ، ووقع فيها قتال يوما وبعض يوم ، وانتشر فساد وشر كثير ، ثم عرض ذلك على الدولة العلية ، وذكروا أن السيد المذكور ، وولده السيد حسن ، وبعض أعيان أهل المدينة حرضوا الناس في تلك الفتنة ، فصدر الأمر من الدولة العلية بقتل بعض الأشخاص ، ونفي آخرين ، وكان السيد عبد الكريم المذكور من جملة المأمور بقتلهم ، وكذلك ولده السيد حسن». (١٠)

وأورد الأنصاري في كتابه «التحفة» (١١) إشارات موجزة عن هذه الفتنة ، عند ترجمته لبعض وجهاء المدينة في فترة القرن الثاني عشر الهجري ، والذين كانوا طرفا في هذه الواقعة ، فنجده ـ مثلا ـ يقول عند حديثه عن بيت العادلي أو بيت أبي العزم ، كما هو مشهور عنهم : (١٢) «فأما السيد حسن فمولده سنة ١٠٩٩ ه‍ ، وخرج من المدينة المنورة مختفيا في الفتنة المذكورة أعلاه ـ أي : فتنة العهد ودخل مصر المحروسة ، وبقي مختفيا بها في بيت السيد محمد النحال ، إلى أن توفي سنة ١١٨٤ ه‍ ، وله تصانيف ورسائل وخطب وغير ذلك». (١٣)

وتؤكد بعض المصادر التي عنيت بتاريخ جدة ، في القرن الثاني عشر الهجري ، ومنها كتاب (١٤) الحضراوي (١٥) الذي تولى نشره الشيخ حمد الجاسر في مجلة العرب (١٦) وجود قبر عبد الكريم البرزنجي في ناحية مدينة جدة ، يقول الحضراوي في هذا الشأن : «وبها ـ أي بجدة ـ قبر الإمام الشهير المعروف بالمظلوم ، وهو أحد أجداد السيد جعفر البرزنجي ، واسمه : السيد عبد الكريم ابن السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي». (١٧)

ويرى المؤرخ السيد عبيد عبد الله مدني ـ رحمه‌الله ـ أن فتنة العهد كانت سببا لفتن أخرى أعقبتها ، ومآس عديدة نتجت عن رواسبها ، وكان ميدان هذه الفتن جميعا هو المدينة التي حرمها رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ودعا

١٠٢

لأهلها بالخير والبركة.

يقول السيد المدني عند تقديمه لإحدى القصائد التي أرخ فيها لهذه الحوادث الأليمة : «نسب مؤرخو المدينة المنورة هذه الفتنة إلى عبد الرحمن أغا الكبير ، شيخ الحرم النبوي الشريف ، لأنه هو الذي تولى كبرها ، ونفخ في بوقها ، وهاجتها بالاضافة إلى أسبابها رواسب من فتنة العهد سنة ١١٣٤». (١٨)

١٠٣

الاحالات :

__________________

(١) عند بعض المؤرخين أنه توفي سنة ١١٥٧ ه‍ ، محمد خليل المرادي ـ سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر ، طبعة بولاق ، ١٣٠١ ه‍ ، ج ٣ ، ١٨٣ ـ ١٨٤.

(٢) عبد الرحمن الأنصاري : تحفة المحبين والأصحاب في معرفة ما للمدنيين من أنساب ، تحقيق : محمد العروسي المطوي ، تونس ١٣٩٠ ه‍ ـ ١٩٨٠ م ، ص ٢٧٢ ـ ٢٧٣. (٣) سلك الدرر ، ج ٣ ، ١٨٤.

(٤) محمد أبو الطاهر ابن الملا إبراهيم الكوراني الشافعي ، ولد بالمدينة سنة ١٠٨١ ه‍ ، ونشأ بها وطلب العلوم ، وتولى إفتاء الشافعية مدة إلى أن توفى ٩ رمضان سنة ١١٤٥ ه‍ ، انظر : تراجم أعيان المدينة المنورة في القرن «١٢» الهجري : تحقيق وتعليق الدكتور محمد التونجي ـ دار الشروق ، ١٤٠٤ ه‍ ـ ١٩٨٤ م ، ص ١٠٤.

(٥) علي بن عبد الله بن أحمد الحسني الشافعي : مؤرخ المدينة المنورة ومفتيها ، ولد في سمهود ، ونشأ في القاهرة ، واستوطن المدينة سنة ٨٧٣ ه‍ ، توفى بها. من كتبه «وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى» انظر : خير الدين الزركلي : الأعلام ط ٧ ، ١٩٨٦ م ، ج ٤ ، ص ٣٠٧.

(٦) THE LITERATIUR OF MEDINA IN THE TWELFTH CENTURY A. H. (EXAMINED FROM CONTEMPORRY SOURCES, WITH ACRTITICAL EDITON OF ONE OF THESE SOURCES : Al ـ AKHABR AL ـ GHARIBA FI DHIKR MAWAQA A BI TAYBA AL ـ HABBA.

BY : JAFAR HASHIM AL ـ HUSAYNI

ATHESIS, FOR THE DEGREE PH. D.

BY : ASIM HAMDAN, PART TWO, P. ٤.

(٧) مخطوطة ديوان السيد جعفر البيتي العلوي السقاف المدني:نسخة مكتبة المتحف العراقي ببغداد : ص ٢٠٥.

(٨) عاصم حمدان : شعراء المدينة المنورة والشعر الملحمي في القرن الثاني عشر الهجري ، صحيفة المدينة المنورة ، العدد ٧٥٩٣ (٢٣ جمادى الآخرة ١٤٠٨) «ملحق التراث» ص ٤.

(٩) أحمد زيني دحلان:خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام القاهرة ، ١٣٠٥ ه‍ ـ ١٨٨٧ م ، ص ١٧٣.

(١٠) أحمد دحلان : أسنى المطالب ـ القاهرة ١٣٢٣ ه‍ ـ ١٩٠٥ م ، ص ٤٠.

(١١) تحفة المحبين ، ص ٣٥٨.

(١٢) المصدر السابق ، ص ٨٨.

(١٣) المصدر السابق ، ص ٨٨.

(١٤) توجد نسختان من كتاب الحضراوي «الجواهر المعدة في فضائل جدة» إحداهما بمكتبة الشيخ عبد الستار الدهلوي ، المضافة إلى مكتبة الحرم المكي ـ بخط المؤلف ـ ورقمها ٢٧ ، والثانية في خزانة «جستر بيتي» في مدينة دبلن في إيرلندا ، رقمها ٣٧٢٢. وقد أفادني بهذه المعلومات الزميل الفاضل محمد حبيب : الأستاذ بقسم الجغرافيا بكلية الآداب بجامعة الملك عبد العزيز بجدة.

(١٥) «أحمد بن محمد بن أحمد الحضراوي المكي الهاشمي» مؤرخ ولد بالإسكندرية ، ونشأ بمكة ، وتوفي بها سنة ١٣٢٧ الأعلام : ج ١ ، ٢٤٩.

(١٦) العرب (رجب ، شعبان سنة ١٣٩٩) ص ١١٠ ـ ١١١.

(١٧) أوصل نسبه في «الجواهر المعدة» إلى سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهما.

(١٨) عبيد مدني : شعراء المدينة المنورة والشعر الملحمي في القرن الثاني عشر الهجري. بحوث المؤتمر الأول للأدباء السعوديين جدة ، ١٩٧٤ م ، ص ٧٣١.

١٠٤

الخليفتي وكتابه نتيجة الفكر

في خبر مدينة سيد البشر

المؤلف وشخصيته العلمية :

** محمد بن زين العابدين بن عبد الله بن عبد الكريم المدني ، ينتسب إلى أسرة الخليفتي (نسبة إلى الخليفة) المجاورين بالمدينة ، منذ أواخر القرن العاشر الهجري ، حيث قدم الشيخ عبد الوهاب الخليفتي العباسي من مصر سنة ٩٩٠ ه‍ ، واستقرت أسرته بالمدينة ، فكان منها العلماء ، والأئمة والخطباء.

أما المؤلف نفسه فتتباين المصادر التي ترجمت له في تاريخ ولادته ، فبينما يحددها الأنصاري (١) وهو معاصر له بعام ١١٣١ ه‍ ، نجد كلا من المرادي (٢) وإسماعيل باشا (٣) يذكر أن ولادته تمت في سنة ١١٣٠ ه‍ ، وينفرد (المرادي) بذكر مشايخه ، الذين تلقى العلم عنهم ، كالشيخ محمد حياة السندي ، والسيد إبراهيم أسعد ، كما تجمع المصادر ، التي ترجمت له على مكانته الدينية ، فلقد تولى الخطابة والإمامة ، وصار شيخ الخطباء في المدينة ، كما تولى منصب الإفتاء فيها.

أما من حيث إنتاجه العلمي فنجد مصدرا ككتاب تراجم أعيان المدينة المنورة في القرن الثاني عشر (٤) يذكر أنه كان نظاما وناثرا ، أما (البغدادي) فإنه الوحيد بين المصادر التي ترجمت له نجده ينفرد بذكر مؤلفه في تاريخ المدينة ، ولا نجد ذكرا لهذا الكتاب عند معاصره «عبد الرحمن الأنصاري» وهو أمر غريب ، فلقد عني الأخير بتدوين معظم الآثار العلمية التي دونها أصحابها ، إبان القرن الثاني عشر الهجري.

أما تاريخ وفاته فلقد اتفق الجميع أنها حدثت في سنة ١١٨٢ ه‍ ، إلا أن الأستاذ عبد السلام هاشم حافظ (٥) يرى أن الخليفتي قد توفى سنة ١١٧١ ه‍.

١٠٥

كتاب نتيجة الفكر :

** لم أطلع على مخطوطة أصلية لهذا الكتاب ، ولكن الشيخ جعفر إبراهيم فقيه ـ أمد الله في عمره ـ زودني بنسخة منه ، مطبوعة على الآلة الكاثبة ، ولم يذكر لي عن الأصل شيئا.

في مقدمة هذه النسخة نجد المؤلف يذكر أنه وضع مؤلفه هذا استجابة لرغبة قاضي المدينة ، وابن قاضي البلد الحرام «محمد أمين أفندي» ابن المرحوم «صالح أفندي» الذي طلب منه أن يجمع له نبذة عن محاسن المدينة الزاهرة ، وآثارها الفائقة ، فكان هذا الكتاب الذي رتبه على خمسة أبواب وخاتمة :

* الأول : في فضل المدينة.

* الثاني : في فضل مسجدها الأنور ، وروضتها الشريفة.

* الثالث : في من يزار بها من الصحابة والأخيار.

* الرابع : في مشاهدها ، ومآثرها.

* الخامس : في فضل المجاورة بها.

** في الباب الأول : يسرد من فضائل المدينة ، من نحو : فضل الإقامة ، والموت بها ، والصبر على لأوائها. وشدتها معضّدا قوله بجملة من الأحاديث ، من صحيحي البخاري ومسلم ، كما يشير إلى بعض القصص التاريخية التي لم يذكر مصادرها كقصة المهدي العباسي ، عند ما قدم إلى زيارة المدينة ، واستقبله الإمام مالك ـ رحمه‌الله ـ وجملة من أشرافها على أميال ، فلما أبصر «المهدي» مالكا انحرف إليه ، وعانقه ، وسلم عليه ، وسايره ، فالتفت مالك إلى المهدي قائلا : يا أمير المؤمنين إنك تدخل ـ الآن ـ المدينة فتمر بقوم عن يمينك ويسارك ، وهم عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقرابته ، وأولاد المهاجرين والأنصار ، فسلم عليهم ، فإن ما على وجه الأرض قوم خير من أهل المدينة ، ولا خير من المدينة.

فسأله «المهدي» قائلا :

ـ من أين قلت ذلك يا أبا عبد الله؟

فقال : لأنه لا يعرف قبر نبي ـ اليوم ـ غير قبر سيدنا محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ومن كان قبر محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عندهم ، فينغي أن يعرف فضلهم على غيرهم ، إذ من معرفة فضلهم ، واحترامهم ، سرور خاطره

١٠٦

ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كما يورد المؤلف في هذا الباب جملة من دعاء الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ للمدينة كالذي ورد في البخاري ومسلم ، «اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة».

ويستشهد المؤلف ـ في هذا الكتاب ـ أيضا بمن سبقه من العلماء ، كاستشهاده بالمجد «الفيروزآبادي» ولكنه لا يذكر المصدر الذي نقل منه الاستشهاد ، إلا أن يكون ذلك من باب الاعتماد على ثقافة القارىء ، الذي يعرف أن للفيروزآبادي كتابا في تاريخ المدينة ، وهو كتاب «المغانم المطابة في معالم طابة» ولقد قام الشيخ حمد الجاسر بتحقيق قسم المواضع منه. (٦)

** وفي الباب الثاني يتعرض المؤلف لتفسير الآية التي وردت في فضل مسجد قباء [لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ، فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين](٧) ويورد رأيا آخر يذكر أن المراد بالمسجد في هذه الآية ، هو مسجد المدينة «أي المسجد النبوي».

كما يتعرض لبعض الآثار الواردة في فضل الروضة المطهرة بالمسجد النبوي الشريف ، مفصلا الحديث في المعنى الوارد في فضل هذه الروضة من أنها روضة من رياض الجنة ، ثم ينتقل إلى الحديث عن حدود الروضة ناقلا عن المؤرخين «ابن النجار» و «المراغي» (٨) قولهما إن حدود الروضة هي حدود المسجد كلها ، ويختم «الخليفتي» بحثه في مسألة الروضة قائلا : «وأما بيان الروضة من هذا المسجد فللعلماء في ذلك مجال ، أوله أنها المسجد الموجود في زمنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ الثاني : أنها ما سامت المنبر والحجرة فقط.

ويصل حديثه ـ بعد ذلك ـ عن الاسطوانات المعروفة في المسجد النبوي ، كاسطوانة السيدة عائشة ـ رضي‌الله‌عنها ـ واسطوانة التوبة ، واسطوانة الحرس ، واسطوانة السرير ، وأسطوانة مقام جبريل ، واسطوانة التهجد ، واسطوانة الوفود ، ويحدد مواضع هذه الاسطوانات من مسجد الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مستشهدا ببعض آراء المؤرخين من قبله ، «كابن زبالة» (٩) و «المطري» (١٠)

** وفي الباب الثالث يتحدث عن زيارة مشاهد الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ كما يحدد مواضع بعض هذه المشاهد ، وعند الحديث عن مشهد

١٠٧

سيدنا عثمان بن عفان ـ رضي‌الله‌عنه ـ يروي «الخليفتي» عن «ابن زبالة» أنه ـ رضي‌الله‌عنه ـ دفن بمقبرة كان اشتراها وزادها وهي التي تسمى «حشّ كوكب» وينقل عن «المراغي» تحديده لهذا المصطلح بأن «الحش» هو : البستان و «كوكب» اسم امرأة ، وأن الناس كانوا يتوقفون أن يدفنوا موتاهم فيه ، فكان عثمان ـ رضي‌الله‌عنه ـ يقول : «يوشك أن يهلك رجل صالح ، فيدفن هناك ، فيتأسّى به الناس» قال : فكان هو أول من دفن به. (١١)

** ويخصص «الخليفتي» الباب الرابع للحديث عن مساجد المدينة المنورة ، والآبار المعلومة بها ، فأول المساجد مصلاه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الذي لازمه في العيدين ، وينقل قول المؤرخ «المطري» : لم يعرف من المساجد ، التي ذكرها لصلاة العيد إلا هذا المسجد الذي يصلى فيه اليوم ، ومسجد شماليه وسط الحديقة المعروفة «بالعريضية» (١٢) المتصلة بقبة عين الأزرق ، ويعرف ـ اليوم ـ بمسجد سيدنا أبي بكر الصديق ـ رضي‌الله‌عنه.

ثم يعقب المؤلف قائلا : ومسجد كبير شمالي الحديقة متصل بها يسمى بمسجد سيدنا علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ ولم يرد أنه ـ رضي‌الله‌عنه ـ أي : عليّ صلى بالمدينة عيدا في خلافته ، فتكون هذه المساجد الموجودة ـ اليوم ـ من الأماكن التي صلى فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة العيد ، سنة بعد سنة ، وعيدا بعد عيد إذ لا يختص أبو بكر وعلي ـ رضي‌الله‌عنهما ـ بمسجدين لأنفسهما ، ويتركان المسجد الذي صلى فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وينقل عن مؤرخ المدينة «السمهودي» قوله في الوفاء : «إن رسمهما بحيث يعلمان أنهما مآثر ومساجد كانت في زمن الخليفة ـ عمر بن عبد العزيز ـ رضي‌الله‌عنه.

ثم يتحدث المؤلف عن مسجد قباء وفضل زيارته ، تأسيا بالنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ويذكر أن أول من بنى هذا المسجد بعد بناء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو : عمر بن عبد العزيز (١٣) رضي‌الله‌عنه ـ في زمن الوليد ، ثم جدد عمارته «جمال الدين الأصفهاني» وزير «ابن زنكي» أحد ملوك بلاد الموصل سنة ٥٥٥ ه‍ ، وجدده كذلك : الناصر بن قلاوون سنة ٧٣٣ ه‍.

وبعد مسجد قباء يأتي المؤلف على ذكر عدد من المساجد ، منها : مسجد الجمعة (١٤) ويسمى ـ أيضا ـ بمسجد الوادي ، ومسجد الفضيخ ، ويعرف ـ

١٠٨

أيضا ـ بمسجد الشمس ، وهو شرقي مسجد قباء ، ومسجد مشربة أم إبراهيم (١٥) ومسجد بني ظفر ، ومسجد الفتح ، ويقال له : مسجد الأحزاب ، ومسجد ذباب ، ويعرف بمسجد الراية ، وهو على يسار الداخل إلى المدينة من طريق الشام ، وذباب ، اسم جبل.

وأما الآبار المشهورة بها ، فهي سبع ، وهي : بئر أريس ، بفتح الهمزة وكسر الراء ، وتسمى ـ أيضا ـ بئر الخاتم ، وبئر الغرس ، بضم الغين ، وبئر العهن وبئر البصّة ، بضم الباء وفتح الصاد المشددة ، والمعروف بين أهل المدينة ـ التخفيف ، وبئر حاء ، وبئر رومة ـ بضم الراء وسكون الواو ـ وبئر بضاعة ـ بضم الباء ، وحكي كسرها.

** أما الباب الخامس ، الخاص بفضل المجاورة بها ، فإن المؤلف يفتتحه قائلا : يتعين على من قصد المجاورة بها أن يخلص نيته وطويته ، فإنما الأعمال بالنيات ، فينوي المجاور التقرب إلى الله تعالى بالإقامة بداره ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والدخول في سلك جيرانه ، ويغتنم مع زيارته ومجاورته الاعتكاف بمسجده ، مع الاشتغال بذكر الله ، وتلاوة القرآن وختمه ، وملازمته ، ودراسته ، وإكثار الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وينوي اجتناب الآثام والمعاصي والمكروهات ، مع التصميم وعقد التوبة النصوح على عدم العودة ، ويلاحظ بفعله ـ مدة إقامته ـ جلالتها ، وأنها البلدة التي اختارها الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الحياة وبعد الوفاة».

كما يذكر بعض الاستشهادات الشعرية في فضل المدينة النبوية ، وفضل المجاورة بها.

ولقد ورد في ختام هذا الكتاب ـ تاريخ الانتهاء من جميع مادته ، وهو يوم الاثنين الثامن عشر من شهر جمادى من عام ١١٧١ ه‍.

١٠٩

الاحالات :

__________________

(١) عبد الرحمن الأنصاري : تحفة المحبين والأصحاب في معرفة ما للمدنيين من أنساب ـ تحقيق : محمد العروسي المطوي ص ٢٠٣ ، تونس ، ١٣٩٠ ه‍ ـ ١٩٨٠ م.

(٢) محمد خليل المرادي : سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر ـ طبعة بولاق ج ٤ ، ص ٦٠ ، ١٣٠١ ه‍.

(٣) إسماعيل باشا البغدادي : إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون ، طبعة استانبول ، المجلد الثاني ، ص ٦٢٣ ، ١٣٦٦ ه‍ ، ١٩٤٧ م.

(٤) المؤلف مجهول ، تراجم أعيان المدينة المنورة في القرن الثاني عشر الهجري ـ تحقيق الدكتور محمد التونجي ، ط ١ ، ص ٧٦ ، جدة ١٤٠٤ ه‍ ـ ١٩٨٤ م.

(٥) عبد السلام هاشم حافظ : المدينة المنورة في التاريخ ـ ط ٢ ، ص ١٩٨ ، القاهرة ١٣٨١ ه‍.

(٦) صدر عن منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر ، ويحمل رقم ١١ في سلسلة نصوص وأبحاث جغرافية وتاريخية عن جزيرة العرب ، وكانت الطبعة الأولى منه سنة ١٣٨٩ ه‍ ـ ١٩٦٩ م.

(٧) سورة التوبة آية رقم ١٠٨.

(٨) قال «زين الدين أبو بكر الحسين المراغي» في كتابه «تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة» :

وينبغي اعتقاد كون الروضة الشريفة لا يختص بما هو معروف ـ الآن ـ بل تتسع إلى حد بيوته ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من ناحية الشام ، وهو آخر المسجد في زمنه ، فيكون كله روضة ، انظر مخطوطة هذا الكتاب ، نسخة مكتبة جامعة اكسفورد بالمملكة المتحدة رقم ٥٢٧ ص ١٦ / ١٧.

(٩) محمد بن الحسن بن زبالة ، ألف كتابه في تاريخ المدينة سنة ١٩٩ ه‍ ، ٨١٤ م ، انظر : فرانز روزنثال علم التاريخ عند المسلمين ، ترجمة الدكتور صالح أحمد العلي ، بغداد ١٩٦٣ م ، ص ٦٤٢.

(١٠) جمال الدين محمد المطري الأنصاري الخزرجي ، صاحب كتاب «التعريف بما آنست الهجرة من معالم دار الهجرة» انظر كارل بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي ، ترجمة د. عبد الحليم النجار ، ج ٦ ص ٢١١ ـ ٢١٢ ، دار المعارف ، ١٩٧٧ م.

(١١) قال ابن شبة : «حدثنا علي ، عن أبي دينار ، أحد بني دينار بن النجار ـ عن مخلد بن خفاف ، عن عروة ابن الزبير ، قال منعهم من دفن عثمان بالبقيع أسلم بن أوس بن بحرة الساعدي ، قال : فانطلقوا به إلى حش كوكب ، فصلى عليه حكيم بن حزام ، وأدخل بنو أمية حش كوكب في البقيع «انظر : أبو زيد عمر بن شبة النميري البصري ، أخبار المدينة النبوية» تحقيق : فهيم شلتوت ط ٢ ، ص ١١٣ ، جدة ١٣٩٣ ه‍.

(١٢) ما زال الحي الذي يقع فيه مسجد سيدنا أبي بكر الصديق ـ رضي‌الله‌عنه ـ يحمل اسم «العريضية».

(١٣) يبدو أن بناء عمر بن عبد العزيز لمسجد قباء حدث إبان ولايته على المدينة في خلافة الوليد بن عبد الملك.

(١٤) يذكر مؤرخ المدينة الشريف العياشي : أن مسجد الجمعة هو الأثر الثالث من المساجد بعد مسجد مصبح ومسجد قباء ، ثم هو أول مسجد صليت فيه الجمعة ، وفيه أول خطبة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأصبح هذا المسجد الآن في وسط مزرعة السيد حسن شربتلي على يسار النازل من شارع قباء ـ انظر : إبراهيم بن علي العياشي ، المدينة بين الماضي والحاضر ص ١٠٣.

(١٥) تقع المشربة في الجنوب الشرقي عن المسجد النبوي بنحو ثلاثة كيلومترات ، وبالقرب منه أي : من مسجد المشربة من جهة الشرق حرة زهرة. انظر المصدر السابق ص ٤٢٨.

١١٠

تحفة الدهر ونفحة الزهر في أعيان المدينة من أهل العصر

لعمر بن عبد السلام الداغستاني

** يعتبر كتاب التحفة (١) أحد المصادر التي اهتمت بأدباء المدينة المنورة خلال القرن الثاني عشر الهجري ، إلا أن نسبة هذا الكتاب لمؤلفه المعروف عمر بن عبد السلام الداغستاني (٢) قضية اختلف حولها بعض الذين تعرضت دراساتهم لهذا المؤلف ، ومن بينهم الدكتور صلاح الدين المنجد (٣) الذي نسب الكتاب بعد اطلاعه على نسخة منه في جامعة كمبردج (٤) لمؤلف آخر ، هو محمد بن خليل المرادي (٥) «١١٧٣ ه‍ ـ ١٢٠٦ م» وتبعه ـ في ذلك ـ كل من عمر كحالة (٦) وأسامة العانوتي. (٧)

ولقد رجعت إلى نسخة «كمبردج» التي كانت سببا في هذا الاختلاف المتصل بنسبة الكتاب إلى أكثر من مؤلف واحد ، وفي هذه النسخة الخطية من الكتاب نجد اسم «الداغستاني» ورد فيها كناسخ له ، بينما نسب تأليف الكتاب إلى «المرادي» إلا أن النسخ الخطية الأخرى من الكتاب اتفقت على نسبة الكتاب للداغستاني.

***

الكتاب بين الداغستاني والمرادي :

وتفسير ذلك أن المرادي كان في فترة القرن الثاني عشر يعمل على تأليف كتابه المعروف «سلك الدرر» والمتخصص في تراجم أدباء وشعراء البلاد العربية ، وكان كما يذكر الدكتور إسحاق الحسيني (٨) يقوم ـ أيضا ـ بمراسلة رجال الفكر والأدب ، وحثهم على تزويده بما يحتاج من معلومات ، ومن بينهم العالم اليمني السيد محمد مرتضى الزبيدي (٩) الذي كان على صلة وثيقة بأدباء المدينة المنورة ، في تلك الحقبة فيفترض أن «الزبيدي» قام بتقديم نسخة من كتاب «التحفة» للمرادي ، فتوهم من اطلع على الكتاب أنه من تأليف «المرادي» فقام بنسخه ، ونسبه إليه ، وهذا الافتراض يدفعنا إليه تلك الدلائل الأكيدة التي تقوم على صحة نسبه الكتاب للداغستاني.

١١١

ومن بين هذه الدلائل :

أن شهرة نسبة هذا الكتاب للداغستاني دفعت بعض معاصرية (أي الداغستاني) من الأدباء أن يقرنوا بينهما في بعض القصائد الشعرية التي نظمت إشادة بمجهود هذه الشخصية الأدبية في التأريخ لأدباء المدينة في تلك الفترة ، ومن هؤلاء الأدباء السيد زين العابدين بن محمد بن علي البرزنجي الذي يقول في قصيدة له :

إمام بدا للناس ، والدهر تحفة

همام ، نمى من طيبة نفحة الزهر

أما الشاعر «يحيى بن هاشم المدني» الذي أهدى قصيدة للمؤلف ليضمنها كتاب «تحفة الدهر» فإنه يذكره باسمه قائلا :

فلأنت حسان الزمان فكن به

بسما طباق الشعر بدرا نيرا

واسلم لنا «عمرا» لملة قصدنا

تحمي بسيف لانتقادك أخضرا

كما تقوم دلائل أخرى من الكتاب نفسه ، من بينها اشتماله على ترجمة لأبي بكر ابن المدرس عبد السلام الداغستاني ، ولقد أشير في مقدمة هذه الترجمة أنه أخ للمؤلف نفسه.

كما نجد أديبا كعبد الرزاق البيطار ، في القرن الثالث عشر الهجري ، يؤكد عند تدوينه لترجمة «عمر الداغستاني» نسبة هذا المؤلّف إليه.

الكتاب : قسم المؤلف كتابه إلى أربعة فصول :

الفصل الأول : في السادة الأشراف.

الفصل الثاني : في العلماء الطيبين الأوصاف.

الفصل الثالث : في العلماء الكرام.

الفصل الرابع : في الأدباء الفخام.

ويبدو أن القاعدة التي اتبعها المؤلف في تجزئته لكتابه تستند إلى النظام الاجتماعي السائد في تلك الفترة ، أكثر من استنادها على مقاييس أدبية محددة. كما أننا نلاحظ عدم قدرته على توضيح الأسس العلمية التي انطلق منها في التمييز بين أدباء الفصلين الثاني والثالث ، وكان بالإمكان أن

١١٢

يخصهم بفصل واحد ، ما داموا جميعا ـ حسب عبارته ـ من طائفة العلماء. ولربما كان المؤلف في تقسيمه لفصول الكتاب ، حسب هذا النظام ، مدفوعا بالرغبة في اتباع من سبقه من المؤلفين كابن معصوم (١٠) في كتابه السلافة ، (١١) مع أن الأسس الأدبية التي انطلق منها «ابن معصوم» في ترتيبه لأجزاء كتابه تختلف عنها عند «الداغستاني» في كتاب «التحفة».

أشار المؤلف في مقدمة كتابه إلى قضية تدهور حال الأدب في عصره ، ولربما كان من الأولى أن نثبت ، من هذه المقدمة ، ما يكون دليلا على تنبه «الداغستاني» لهذه القضية التي لم يشغل المؤلفون ـ حينئذ ـ بمناقشتها.

يقول المؤلف :

مضى الزمن الذي كان فيه

لأهل الشعر عز وارتفاع

فإن الشعر في ذا العصر علم

قليل الحظ ، ملفوظ ، مضاع

ولئن هجر الأدب مليا ، وأصبح نسيا منسيا ، فإن لزنده وريا يلتمع سقطه ، ولمزنه ودقا يستدر نقطه ، والمرتدي بفاخر مطارفه بين الأخدان والأقران يشار إلى مجده بالسلام والبنان ، خصوصا أن نظم في سلك التحايف زبرجده ، وسلك في قالب الظرايف عسجده. (١٢) ويرى الدكتور عبد الرحمن الشامخ أنه على الرغم مما في إشارة «الداغستاني» هذه من تنبيه إلى طبيعة الذوق الأدبي من صحة وسلامة ، إلا أن شكاته لم تكن إلا استجابة لروح الحنين إلى الماضي ، لما يتضمنه كتابه من نصوص مفتقرة إلى الروح الأدبية والموهبة الفنية. (١٣)

ولئن أظهر المؤلف قدرة أدبية في تدوين الإنتاج الفني لأدباء المدينة ، في فترة القرن الثاني عشر ، فإنه استطاع ـ أيضا ـ أن يدلل على ثقافته بما عقده من مقارنات بين هذا الإنتاج ، وما يماثله ـ من ناحية المعنى ـ عند بعض شعراء العصر العباسي ، كأبي نواس والبحتري ، وبعض شعراء العصر المملوكي ، مثل : مجير الدين بن تميم ، وصفي الدين الحلّى ، وجمال الدين ابن نباتة ، وهذه الدراسة المقارنة التي توصل إليها «الداغستاني» هي مما يزيد في أهمية الكتاب ، من حيث اعتباره مصدرا رئيسيا للبحث في النواحي الفنية

١١٣

للشعر ، في تلك الفترة الزمنية ، والتي يجب أن تحظى باهتمامات النقاد ودراساتهم العلمية.

١١٤

الاحالات :

__________________

(١) يقوم كاتب هذه الدراسة بالاشتراك مع سعادة الدكتور بكري شيخ أمين بتحقيق هذا الكتاب. اعتمادا على مصادره الخطية الموجودة في مكتبات العالم.

(٢) عمر بن عبد السلام الداغستاني الأنصاري المتوفى بعد عام ١٢٠١ ه‍ / ١٧٨٦ م ، انظر ترجمته في تحفة المحبين والأصحاب فيما للمدنيين من أنساب لعبد الرحمن الأنصاري ، ص ٢٢٩ ـ ٢٣١ ، والمنهل «عدد أبريل» ١٩٦٩ م ، ص ٢٥٢ ـ ٢٥٦. مقالة الشيخ محمد سعيد دفتردار ـ رحمه‌الله ـ عن آل الداغستاني. وحلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر ، لعبد الرزاق البيطار ، ط : مجمع اللغة العربية بدمشق ، ١٩٦١ م ، ج ٢ ، ص ١١١٥ ـ ١١٢٩.

(٣) المؤرخون الدمشقيون في العهد العثماني ـ لصلاح الدين المنجد ، ١٩٦٤ م ، ص ٧٤.

(٤) E. G. Browne Ahand List OFth Muhamaden Manu Scripts Preserved In The University Of Camgridge Camgridge / ٠٠٩١ / P. ٨٣

(٥) محمد خليل بن علي بن محمد بن محمد مراد الحسنى ١١٧٣ ه‍ ـ ١٢٠٦ ه‍ ولد ونشأ في دمشق ، وتوفى في حلب : من أشهر كتبه «سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر» انظر الأعلام للزركلي ، ط ١ دار العلم ، ج ٦ ، ص ١١٨.

(٦) معجم المؤلفين ، لعمر رضا كحالة (دمشق) ١٩٥٧ ـ ١٩٦١ م ، ج ٦ ص ٢٩٠.

(٧) الحركة الأدبية في بلاد الشام ، لأسامة العانوتي ـ بيروت ١٩٧١ ، ص ٢١١.

(٨) مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة الجزء الحادي والأربعون ، جمادى الأولى ، ١٣٩٨ ـ ص ٤٣ ـ ٤٧.

بحث الدكتور إسحاق موسى الحسينى عن موسوعة أعيان القرن الثاني عشر.

(٩) محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسنى الزبيدي ١١٤٥ ـ ١٢٠٥ ه‍ ، علامة باللغة والحديث ، والرجال والأنساب ، أصله من واسط مدينة بالعراق ومولده بالهند في (بلجرام) ، ومنشؤه في زبيد باليمن ، رحل إلى الحجاز وأقام بمصر وتوفى بها ، انظر الأعلام للزركلي ، ط ، دار العلم ، ج ٧ ، ص ٧٠.

(١٠) علي بن أحمد بن محمد معصوم الحسنى الحسيني المعروف بعلي خان ، الشهير بابن معصوم «١٠٥٢ ـ ١١١٩ ه‍» من كتبه : سلافة العصر في محاسن أعيان العصر ـ الأعلام للزركلي ، ج ٤ ، ص ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

(١١) THE LITERATURE OF MEDINAIN IN THE TWELFTH CENTURY A. H. EXAMINED FROM CONTEMPORARY SOURCES A thesis Presented Forth Degree of Ph. D ـ By : A Sim. H. A. Hamdan Man Che stre University / ٦٨٩١ / Part / one / PP ـ ٧٦ ـ ١٧.

(١٢) مخطوطة تحفة الدهر للداغستاني ، ص ٢.

(١٣) النثر الأدبي في المملكة العربية السعودية (١٩٠٠ ـ ١٩٤٥) للدكتور محمد عبد الرحمن الشامخ ، الرياض ، ١٣٩٥ ه‍ ـ ١٩٧٥ م ص ٣٦ ـ ٣٧.

١١٥

عبد الرحمن الأنصاري وكتابه تحفة المحبين

** من الكتب الهامة في تاريخ أسر المدينة المنورة وتراجم رجالها ، كتاب «تحفة المحبين والأصحاب في معرفة ما للمدنيين من أنساب» لمؤلفه عبد الرحمن بن عبد الكريم الأنصاري. (١)

يذكر المؤلف في المقدمة التي وضعها لكتابه أنه رغب في تخصيصه «بذكر أنساب أهالي المدينة المنورة الموجودين من حين تاريخ هذا الكتاب». (٢) كما يذكر في الجزء الخاص بترجمة الأنصاري ـ الذين ينتسب إليهم ـ أنه ألف كتابا خاصا بتراجمهم دعاه «نشر كمائم الأزهار المستطابة في نشر تراجم أنصار طابة». (٣)

وقد علل الأنصاري وضعه لهذه المؤلفات لأن المؤرخ «السخاوي» (٤) في كتابيه «الضوء اللامع» (٥) و «التحفة اللطيفة» (٦) ، أهمل كثيرا من فروع هذا المجموع «أي آل الأنصاري» وذلك من قلة العلم بأصولهم وعدم تفصيلهم (٧) ، ولهذا جاء وعد الأنصاري بتكملة ما أهمله السخاوي في العبارات التوكيدية التالية «وسنتتبع ـ إن شاء الله تعالى ـ ما أهمله ونلحقه بما أجمله ، وأيضا نلحق من ولد وحدث بعد وفاته ـ أي : السخاوي ـ إلى تاريخ هذا الكتاب وإثباته على نمط حسن وضبط مستحسن». (٨)

** ويؤكد الأستاذ محمد العروسي المطوي على أهمية كتاب التحفة «وأنه ليس مجرد كتاب أنساب فقط ، كما يدل عليه عنوانه ، بل هو بالإضافة إلى ذلك يصور مجتمع المدينة المنورة في القرن الثاني عشر للهجرة في مختلف أوضاعه السياسية والاجتماعية والاقتصادية». (٩)

لقد رتّب الأنصاري أسماء الأسر المدنية في كتابه التحفة حسب حروف المعجم ، مزودا القارىء بالمعلومات الضرورية عن الموطن الأصلي لكل أسرة من الأسر ـ قبل هجرتها إلى المدينة ـ كما أنه يعلل ألقابها الناتج بعضها عن الحرف التي كان يقوم بها بعض أفراد هذه الأسر.

١١٦

ولقد عمل الأنصاري في كتابه على تسجيل المعلومات الخاصة بأفراد كل أسرة من ناحية الوظائف التي شغلوها ، إضافة إلى محاولة تقييمه للسلوك الشخصي لهؤلاء الأفراد وخصوصا فيما يتعلق بطرق معاملاتهم مع نظرائهم في المجتمع. وقد شمل هذا الأسلوب التقييمي أفرادا من أسرة الأنصاري التي ينتمي إليها المؤلف.

كما نجد اهتمامات المؤلف تدفعه من خلال تقصيه لبعض الحوادث التي كان ضحيتها بعض الأفراد من إعطاء صورة محددة الملامح للحالة الأمنية التي كانت تعيشها المجتمعات خلال القرن الثاني عشر الهجري ، فهو مثلا يذكر أنّ شخصا قتل على يد الأعراب في مكة سنة ١١٧٦ ه‍ (١٠) ، وشخصا آخر من أفراد المجتمع المدني قتل في استانبول سنة ١١٣٦ ه‍ (١١) ، وآخر اغتيل في مصر سنة ١١٧٢ ه‍ (١٢) ، بينما اغتيل أشخاص في المدينة نفسها ، وقد تمت بعض عمليات الاغتيال هذه في أحوال مختلفة ، ولعله من أغربها هو ما حدث لأحدهم من اعتداء على حياته أثناء أدائه للصلاة.

ولكن المؤلف الذي اهتم بتسجيل هذه الحوادث التي وقع بعضها داخل المجتمع المدني ، والبعض الآخر خارجه ، لم يعطنا تفسيرا لوقوع هذه الحوادث الأليمة ، وإن شذّ أحيانا في ذكر سبب القتل ـ وخصوصا عند ما يتعلق الأمر بإصدار أمر من حاكم البلدة بقتل أحد الاشخاص ، فإن السبب لا يكون مقنعا. فلقد ذكر المؤلف أن رجلا صدر أمر بقتله لأن الأهالي تضايقوا من سلوكه الشخصي. (١٤)

من حيث النواحي الاقتصادية للمدينة في القرن الثاني عشر الهجري لا نجد وصفا دقيقا يمكن الاعتماد عليه أو الرجوع إليه فيما يتصل بهذه الحياة ، إلا أن المؤلف لم يغفل ذكر الوظائف التقليدية التي كانت بعض الأسر تعتمد عليها في تسيير شؤون حياتها ، كوظائف الخطابة في المسجد النبوي الشريف (١٥) ، أو الكتابة في ديوان الحاكم أو الأمير. (١٦) بينما اشتغل البعض بالتجارة ، ومنها التجارة في العطارة وبيع الأقمشة ، (١٧) وانصرف البعض إلى استغلال الأراضي وزراعتها والاستفادة من محصولها. (١٨)

كما لا ينسى المؤلف أن يشير ـ عرضا ـ إلى نظرة المجتمع ـ حينذاك ـ إلى الاشتغال بالمهن والصناعات. وهي نظرة يشوبها شيء من الازدراء. (١٩)

١١٧

كتاب الأنصاري يعتبر دليلا واقعيا على خطأ الرأي الذي ذهب إليه بعض الباحثين ، وخصوصا المستشرق فرانز روزنتال (٢٠) من أن كتابة تاريخ المدينة المنورة لم تحظ بالجانب السّيري ، ويعتبر مؤلف الأنصاري حلقة في سلسلة الكتب التي عنيت بتدوين تراجم رجال البلدة الطاهرة بدءا من القرن الثامن الهجري ، وكان من أهمها كتاب ابن فرحون (٢١) المعروف باسم «نصيحة المشاور وتعزية المجاور» وكتابه «الإعلام فيمن دخل المدينة من الأعلام» للمطري ، (٢٢) ثم تبع هذين المؤلفين المؤرخ السخاوي فألف كتابه «التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة» ، وعني فيه بتراجم رجال المدينة منذ عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى عهد المؤلف ، وهو القرن التاسع الهجري.

١١٨

الاحالات :

__________________

(١) عبد الرحمن بن عبد الكريم بن يوسف الأنصاري ، ينتسب إلى أنس بن مالك الأنصاري الخزرجي ، ولد في المدينة سنة ١١٢٤ ه‍ ـ ١٧١٢ م ، تلقى تعليمه في مدرسة الحديث بالمدينة ، وأصبح مؤرخ المدينة في عصره ، توفى بالمدينة سنة ١١٩٧ ه‍ ـ ١٧٨٢ م ، انظر ترجمته في المصادر التالية.

تحفة الدهر ونفحة الزهر في شعراء المدينة من أهل العصر ، لعمر بن عبد السلام الداغستاني «مخطوط» ص : ٦١ ، وفي معجم المؤلفين لكحالة ، ص ١٦٤ ، وفي المدينة المنورة في التاريخ لعبد السلام هاشم حافظ ، ط ٢ ، ١٣٨١ ه‍ ـ ١٩٧٢ م ، ص ١٥٣ ، وفي سلك الدرر للمرادي ، ج ٢ ، ص ٣٠٣ ، وفي هدية العارفين للبغدادي ، ج ١ ، ص ٥٥٥ ، وفي الأعلام للزركلي ج ٦ ، ص ٨٣.

(٢) تحفة المحبين والأصحاب في معرفة ما للمدنيين من أنساب ، لعبد الرحمن الأنصاري ، تحقيق : محمد العروسي المطوي ، تونس ، ١٣٩٠ ه‍ ـ ١٩٧٠ م ، ص ٢.

(٣) لا نعلم شيئا عن هذا الكتاب الذي خصصه الأنصاري لتراجم آل الأنصاري ، وذكر اسمه في كتابه التحفة.

(٤) محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي ، ولد في القاهرة ٨٣١ ه‍ ، ١٤٢٧ م ، وتوفى بالمدينة ٩٠٢ ه‍ ـ ١٤٩٧ م.

انظر : علم التاريخ عند المسلمين ، لفرانز روزنثال ترجمة الدكتور أحمد صالح العلي ، بغداد ، ١٩٦٣ ، ص ٣٧١.

(٥) الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ، نشر في القاهرة سنة ١٣٥٣ ه‍ ـ ١٩٣٤ م.

(٦) التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة ، نشر في القاهرة سنة ١٣٧٦ ه‍ ، بتقديم الدكتور طه حسين ، وعناية «أسعد طرابزوني» ثم في طبعة ثانية سنة ١٣٩٩ ه‍ ـ ١٩٧٩ م.

(٧) تحفة المحبين ، ص ١٤.

(٨) المصدر السابق : ص ١٤.

(٩) المصدر السابق : تقديم المحقق «و».

(١٠) المصدر السابق : ص ١٢٦. (١١) المصدر السابق : ص ١٩.

(١٢) المصدر السابق : ص ١٣٥. (١٣) المصدر السابق : ص ٨٠.

(١٤) المصدر السابق : ص ١١٨. (١٥) المصدر السابق : ص ١٧.

(١٦) المصدر السابق : ص ١٢٣.

(١٧) المصدر السابق : ص ١٠٦.

(١٨) المصدر السابق : ص ١١٦.

(١٩) المصدر السابق : ص ١٦٩.

(٢٠)F. Rosental : History of Muslim Historiogrphy (Lelden, ٢٥٩١, P. ٢٤١)

(٢١) عبد الله بن محمد بن فرحون اليعمري المالكي ، ولد في سنة ٦٩٣ ه‍ ، وكانت وفاته سنة ٧٦٩ ه‍ ، انظر ترجمته في : الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ، لشهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني (تحقيق محمد جاد الحق) ط ٢ ، ١٣٨٥ ه‍ ، ج ٢ ، ص ٤٠.

(٢٢) عفيف الدين عبد الله بن محمد بن أحمد المطري ، المتوفى سنة ٧٦٥ ه‍ ـ ديسمبر ١٣٦٣ ه‍.

انظر : علم التاريخ عند المسلمين لروزنتال ، ص ٥٥٦.

١١٩

الأخبار الغريبة فيما وقع بطيبة الحبيبة

** المؤلف : السيد جعفر بن حسين بن يحيى بن هاشم المدني ، المنتسب إلى السيد إبراهيم الموسوي الرومي. الذي استقر بالمدينة مجاورا ، في القرن الحادي عشر الهجري ، وعلى وجه التحديد ـ كما يذكر المؤرخ عبد الرحمن الأنصاري ـ سنة ١٠٧٠ ه‍ (١) ويبدو أن أسرة آل هاشم عرفت بتوجهها العلمي والأدبي فمنهم : السيد هاشم ، الذي تولى كتابة المحكمة الشرعية بالمدينة. كما تولى أمانة مدينة ينبع. (٢)

ومن هذه الأسرة أيضا : السيد حسين ، والذي يصف «الأنصاري» إنتاجه الأدبي بقوله : «كان له نظم رائق ، ونثر فائق». (٣)

أما السيد يحيى ، الذي تولى وظيفة كاتب المحكمة ، فهو صاحب مؤلف مخطوط في الأدب يعرف ب «الفلك المشحون» ، وقد اطلعت على هذا الكتاب في نسخته الأصلية المحفوظة بمكتبة عارف حكمت بالمدينة. (٤)

** أما بالنسبة لمؤلف «كتاب الأخبار الغريبة» (*) السيد جعفر فلم أتمكن من العثور على معلومات كافية عن حياته ، إلا أن الأستاذ عبد السلام هاشم حافظ يصفه بأنه كان واحدا من أدباء المدينة ، وأن وفاته كانت بالمدينة سنة ١٣٤٢ ه‍ ـ ١٩٢٣ م ، وأنه ترك مؤلفا في تاريخ المدينة ، (٥) ولعله هو الكتاب الذي نحن ـ هنا ـ بصدد دراسته.

المادة العلمية في الكتاب :

** يبدو ـ من مقدمة كتاب «الأخبار» أن المؤلف رغب في تسجيل الحوادث الاجتماعية ، التي برزت أثناء القرن الثاني عشر الهجري ، في المدينة المنورة ، وهذا ـ بطبيعة الحال ـ يستدعي الإشارة إلى الحالة السياسية للمدينة ، وصلتها بالبلاد العربية الأخرى ، كما يشير ـ في الوقت نفسه ـ إلى مركز المدينة ضمن إطار الدولة العثمانية ، التي كانت تحكم

١٢٠