تاريخ مدينة دمشق - ج ٤١

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٤١

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

وعيسى بن إدريس البغدادي ، والقاسم بن داود الكاتب ، وأبي أحمد موسى بن إسماعيل الحاسب ، وأبي جعفر محمّد بن صالح بن ذريح ، وجعفر بن محمّد الخلدي ، وعثمان بن أحمد بن السّماك.

روى عنه : أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن تمام بن حبان البعلبكي المقرئ ، وأبو القاسم تمام بن محمّد ، وعبد الوهاب الكلابي ، وعبد الرّحمن بن عمر بن نصر ، وأبو الحسين (١) عبيد الله بن الحسن الوراق.

أنبأنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، نا عبد العزيز بن أحمد [أنا تمام بن محمد](٢) ، نا أبو الحسن علي بن الحسين بن محمّد بن هاشم البغدادي الوراق ، نا أحمد بن عمر بن زنجويه القطان ببغداد ، نا إبراهيم بن المنذر الحزامي (٣) ، نا إبراهيم بن مهاجر بن يسار ، عن عمر بن حفص بن ذكوان ، عن عبد الرّحمن بن الحارث ، عن أبي هريرة قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الله عزوجل قرأ (طه) و (يس) قبل أن يخلق آدم بألف عام ، فلما سمع الملائكة القرآن قالوا : طوبى لأمة ينزل عليها هذا ، وطوبى لأجواف تحمل هذا ، وطوبى لألسن تتكلم بهذا» [٨٣١٤].

كذا قال ، وإنما هو عبد الرّحمن بن يعقوب مولى الحرقة.

أخبرنا (٤) أبو الحسن (٥) بن قبيس ، وأبو منصور بن خيرون قال لنا أبو بكر الخطيب (٦) : علي بن الحسين بن محمّد بن هاشم أبو الحسن الوراق البغدادي ، حدّث بدمشق عن القاسم بن زكريا المطرّز ، [وأحمد بن عمر بن زنجويه](٧) وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصّوفي ، ومحمّد بن هارون بن المجدّر ، وأحمد بن الحسن (٨) المقرئ المعروف بدبيس ، روى عنه تمام بن محمّد الرازي ساكن دمشق.

__________________

(١) كذا بالأصل و «ز» ، وفي م : أبو الحسن.

(٢) ما بين معكوفتين زيادة عن «ز» ، وم ، ومكانه بالأصل : «بن تمام» خطأ.

(٣) الأصل : الحمامي ، تصحيف ، والتصويب عن «ز» ، وم.

(٤) بالأصل : «قرأت بخط أبو الحسين» وفي م : «فلان» وفي «ز» : قال أنا أبو الحسن.

(٥) بالأصل : أبو الحسين ، تصحيف ، والتصويب عن م و «ز» ، والسند معروف.

(٦) تاريخ بغداد للبغدادي ١١ / ٤٠٠.

(٧) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن م ، و «ز» ، وتاريخ بغداد.

(٨) الأصل وم : الحسين ، تصحيف ، والمثبت عن «ز» ، وتاريخ بغداد.

٤٢١

٤٨٨٣ ـ علي بن الحسين بن محمّد المغربي ابن يوسف

ابن بحر بن بهرام بن المرزبان بن ماهان

ابن باذام بن ساسان الحرون بن بلاس (١) بن حاتناسف

ابن فيروز بن يزدجرد بن بهرام بن جور بن جرد

أبو القاسم المعروف بابن المغربي الوزير

ولد بحلب ، ونشأ بها ، ووزّر لأميرها أبي المعالي ابن (٢) سيف الدولة ابن حمدان المعروف بسعد الدولة ، ثم غضب عليه ، فهرب إلى مصر في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة ، ثم خرج إلى الشام مع بنجوتكين التركي حين ولّاه الملقب بالعزيز إمرة جيوش الشام ، ودخل معه دمشق سنة ثلاث وثمانين (٣) وثلاثمائة.

حدّث عن هارون بن عبد العزيز الاوارجي (٤) الكاتب.

روى عنه : عبد الغني بن سعيد.

أخبرنا أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة ، عن عبد الرحيم بن أحمد ، عن عبد الغني بن سعيد ، حدّثني علي بن الحسين المغربي الكاتب وزير سيف الدولة ، وعبد الرزاق بن أحمد بن شقير الجباس (٥) ، وطالب بن هجرس ـ واللفظ له ـ قالوا : نا هارون بن عبد العزيز الأوارجي ، نا عبد الله بن محمّد بن وهب الدينوري الحافظ ، نا عبيد الله بن محمّد الفريابي قال : سمعت محمّد بن إدريس الشافعي ببيت المقدس يقول : أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقتدوا بالّذين من بعدي : أبي بكر وعمر» [٨٣١٥].

أخبرنا (٦) أبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمّد الأسدي ، أنا أبو الفرج سهل بن بشر بن أحمد ، أنا القاضي أبو الحسن علي بن عبيد الله الهمذاني ـ إجازة ـ أنشدنا أبو الحسن بن الأتقوي لأبي القاسم بن المغربي (٧) علي بن الحسين :

__________________

(١) الأصل : ملاس ، والمثبت عن «ز» ، وم.

(٢) سقطت «بن» من «ز».

(٣) الأصل وم : «وثلاثين» تصحيف ، والمثبت عن «ز».

(٤) في «ز» : «الأوالجي».

(٥) كذا رسمها بالأصل ، وفي «ز» : الحناس.

(٦) كتب فوقها في «ز» : «ح أو» بحرف صغير.

(٧) الأصل وم : المقرئ ، والمثبت عن «ز».

٤٢٢

ونفسك فزبها إن خفت ضيما

وخلّ الدّار تندب من بكاها

بأنك واجد أرضا بأرض

ولست بواحد نفسا سواها

قال : وأنشدنا أبو الحسن بن الأنقوي لأبي القاسم علي بن الحسين المغربي (١) :

أيا وطني إن فاتني بك سابق

من الدهر فلينعم بساكنك الحال

ويا دارها بالحزن إنّ مزارها (٢)

قريب ولكنّ دون ذلك أهوال

وإن أستطع في الحشر آتيك زائرا

ولكنّ لي يوم القيامة أشغال

قال : وأنشدنا أبو الحسن بن الأنقوي لأبي القاسم :

خلّفت قلبي بمصر عند خائنة

على الذنوب فما ظني على البعد

أما الهواء فأحمي من لظى نفسي

والماء أغيض من صبري ومن جلدي

حرا كجفا لقد أثرت في جسدي

ولا كتأثير حرّ النار في كبدي

وبلي قطعت فلو موتي بدا بيدي

ما سرت إلّا اختيار أغير مضطهد

قال : وأنشدنا له أبو الحسن :

يا أهل مصر قد عاد ناسككم

بالكرخ بعد التقي (٣) إلى القسط (٤)

صاد فؤادي مفرطق غنج

بدا لقلبي يده من النشط (٥)

شك فؤادي بسهم مقلته (٦)

وسيف (٧) يخطئ مولد القرط

أخبرنا أبو القاسم الأسدي ، أنا سهل بن بشر ، أنا علي بن عبيد الله ـ إجازة ـ أنشدنا القاضي أبو الفرج محمّد بن رافع لأبي القاسم بن المغربي :

الله يعلم ما أثر ما (٨) لذذت به

إلّا ونقصه جوفي (٩) من النار

وإن نفسي ما همت بمعصية

إلّا وقلبي عليها عائب (١٠) داري

__________________

(١) الأصل : الغزي ، تصحيف ، والمثبت عن م ، و «ز».

(٢) الأصل : مرارها ، والمثبت عن م ، و «ز».

(٣) فوقها في الأصل : ضبة.

(٤) كذا بالأصل ، وفي م و «ز» : إلى الفتك.

(٥) كذا بالأصل ، وفي م ، و «ز» : من النسك.

(٦) الأصل : «بحبه» والمثبت عن م و «ز».

(٧) عجزه في م و «ز» :

وكيف يخطئ مولد الترك

(٨) «إثرما» عن «ز» ، واللفظة غير مقروءة بالأصل ، ومطموسة في م لسوء التصوير.

(٩) غير واضحة في م ، وفي «ز» : خوفي.

(١٠) في «ز» : عاتب زاري.

٤٢٣

قال : وأنشدنا القاضي أبو الفرج لأبي القاسم بن المغربي :

تجهّم العيد وانهلّت مدامعه

وكنت آلف منه البشر والضّحكا

كأنه جاء يطوي الأرض عن عجل

كيما يراك فلمّا لم يجدك بكا

أخبرنا أبو سعد بن الطّيّوري ، عن أبي عبد الله الصوري ، قال : أنشدني الماهر ـ يعني أحمد بن عبيد الله ـ لنفسه في أبي الحسن علي بن الحسين المغربي وقد اعتلّ علة ثم أفرق منها :

شكى لتشكيك يا ابن الحسين

جسم العلاء ونفس الكرم

وكادت صروف الليالي التي

صرفت تلمّ لذاك الألم

فلا فجع الله فيك الزّمان

فقد كان قطّب ثم ابتسم

وجدت بخط أبي (١) الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون : الوزير أبو القاسم علي بن الحسين المغربي بميافارقين الأحد (٢) الحادي عشر من شهر رمضان سنة ثمان عشرة وأربعمائة ـ يعني مات (٣) ـ وبلغني (٤) من وجه آخر : الملقب بالحاكم أمر بقتل علي ومحمّد ابني الحسين (٥) بن المغربي ، وكان ذلك بعد التسعين والثلاثمائة ، فالله أعلم.

٤٨٨٤ ـ علي بن الحسين بن محمّد بن السفاح بن نصر

أبو الحسن بن أبي طالب التغلبي الآمدي

حدّث عن أبي القاسم الحنّائي.

سمع منه أبو محمّد بن صابر سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.

٤٨٨٥ ـ علي بن الحسين بن محمّد بن مهدي

أبو الحسن بن أبي الفوارس البصري الصوفي

أحد شيوخ الصوفية الجوّالين.

سمع أبا الحسن علي بن الحسن الخلعي بمصر ، والقاضي أبا محمّد المثنى بن إسحاق بن عبيد القرشي بأرمينية.

__________________

(١) الأصل : «ابن» تصحيف ، والمثبت عن م ، و «ز».

(٢) بالأصل : الآخر ، والمثبت عن م و «ز».

(٣) أقحم بعدها بالأصل : يعني.

(٤) من قوله : الأحد .. إلى هنا استدرك على هامش م.

(٥) الأصل : الحسن ، تصحيف ، والتصويب عن م ، و «ز».

٤٢٤

وقدم دمشق وحدّث بها في المحرم سنة إحدى وتسعين وأربعمائة.

سمع منه أبو القاسم ، وأبو محمّد ابنا صابر ، وإبراهيم بن يونس الخطيب.

وأدركته ببغداد في آخر عمره ، وكتبت عنه أحاديث يسيرة.

أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين البصري الصّوفي بباب الأزج ، أنا أبو الحسن الخلعي بمصر ، أنا أبو محمّد عبد الرّحمن بن عمر بن محمّد بن النحاس ، أنا أبو طاهر أحمد بن محمّد بن عمرو المديني ، نا أبو موسى يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة الصّوفي ، نا عبد الله بن وهب ، أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبد الرّحمن أنّ أبا مسعود عقبة بن عمرو حدّثه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ثلاث هن سحت : ثمن الكلب ، ومهر البغي ، وحلوان الكاهن» [٨٣١٦].

دخلت على أبي الحسن (١) البصري ببغداد مع أبي المعمر الأنصاري في رباط العريحى (٢) بباب الأزج ، فاستأذنا عليه [وكان](٣) متمرضا (٤) ، فأذن لنا (٥) فقال له أبو المعمر : نريد أن نقرأ عليك خمسة أحاديث ، فأذن لنا فقرأت (٦) عليه خمسة وشرعت في السّادس ، فقال : ينبغي لصاحب الحديث أن يتعلّم الصّدق أولا ، فأتممت السادس وقمت ، وكان عسرا ، ومات بعد سماعنا منه بمدة يسيرة.

٤٨٨٦ ـ علي بن الحسين بن محمويه بن زيد

أبو الحسن النّيسابوري الصّوفي

رحل وسمع أبا عبد الملك محمّد بن أحمد الصّوري بمصر ، وأبا عبد الله محمّد بن يحيى البغدادي بأطرابلس ، وأحمد بن داود الحضرمي ، وعبد الجبار بن محمّد المصريين ، ومحمّد بن أحمد بن الليث.

روى عنه الحاكم أبو عبد الله.

قرأت (٧) على أبي القاسم زاهر بن طاهر ، عن أبي بكر البيهقي ، أنا الحاكم أبو

__________________

(١) في م : الحسين ، تصحيف.

(٢) كذا رسمها بدون إعجام بالأصل وم وفي «ز» : «العرسحى» وفوقها ضبة.

(٣) زيادة عن م و «ز».

(٤) الأصل : منصوصا ، وفي م : «متوضيا» والمثبت عن «ز» ، والمختصر.

(٥) الأصل : له ، والتصويب عن م و «ز».

(٦) الأصل : بقراءة ، والتصويب عن «ز».

(٧) كتب فوقها في «ز» : «ح» بحرف صغير.

٤٢٥

عبد الله ، حدّثني علي بن الحسين بن محمويه الصوفي ، أنا أبو عبد الملك محمّد بن أحمد الصوري ، نا هشام بن عمّار ، نا محمّد بن شعيب ، نا الأوزاعي ، نا قرّة بن عبد الرّحمن ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» [٨٣١٧].

أخبرناه عاليا أبو الحسن بن أبي العباس بن قبيس ، أنا أبو الحسن بن أبي الحديد ، أنا جدي أبو بكر ، أنا أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن بشر بن النّضر الهروي ، أنا العباس بن الوليد بن مزيد أن أباه أخبره : حدّثني الأوزاعي ، حدّثني قرّة بن عبد الرّحمن بن جبريل عن الزهري ، فذكر مثله.

قرأت (١) على أبي القاسم الشّحّامي ، عن أبي بكر الحافظ قال : قال لنا الحاكم أبو عبد الله.

علي بن الحسين بن محمويه بن زيد أبو الحسن الصوفي الزاهد من أعيان أهل البيوتات ومن العباد المجتهدين أنفق أموالا ورثها عن آبائه على العباد والمستورين ، وخرج إلى الشام وصحب أبا الخير الأقطع (٢) ، وأكابر المشايخ بالشام والحجاز ، ثم انصرف إلى نيسابور على التجريد ، وحدّث ولزم مسجد جده أبي علي بن زيد ـ ختن حيكان (٣) ـ والجامع (٤) على العبادة والفقر ، إلى أن توفي رحمه‌الله في ذي الحجة من سنة أربع وثمانين وثلاثمائة ، وهو ابن ثمان وثمانين سنة.

٤٨٨٧ ـ علي بن الحسين بن هندي

أبو الحسن الحمصي القاضي

أديب فاضل ، له شعر حسن.

سمع بدمشق : أبا بكر أحمد بن جرير بن أحمد بن خميس (٥) السّلماسي.

حكى عنه أبو الفضل بن الفرات.

وذكر أبو القاسم النسيب أن مولده في سنة أربعمائة.

__________________

(١) كتب فوقها في «ز» : «ح» بحرف صغير.

(٢) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : الأقطعي.

(٣) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : جيهان.

(٤) أي لزم الجامع أيضا.

(٥) رسمها وإعجامها مضطربان بالأصل وقد تقرأ : بالأصل : «حنيس» وفي «ز» : «حيس» والمثبت عن م.

٤٢٦

قرأت على أبي المكارم ابن أبي طاهر عن أبي الفضل بن الفرات ، أنشدني أبو الحسن بن هندي لنفسه يرثي جعفر بن ميسر :

الورد مهلكة فكيف المصدر

والأمر يقضى والمنون المعبر

لا يرسل الباغي عنان جواده

فلسوف يقصر تحته أو يعثر

وليرتقب يوما عقيما ماله

من ليلة أو ليلة لا تسحر

إن الذي هو بالسّوية بيننا

سيّان فيه مقدّم ومؤخّر

يا ضاحكا بمن استقلّ غباره

سيثور عن قدميك ذاك العثير (١)

متقارب إلّا متاح تعلّل

ركب إذا بكروا وركب هجّروا

أمد الحياة ولو تطاول رقدة

والمرء في حلم بها لا يعبر (٢)

يا منكر (٣) الأيام في بداوتها

راجع فإنك عارف ما تنكر

زمن بخيل يسترد هباته

أبدا ويطوي صرفه ما ينشر

لو أن آثار الليالي نطقت

صغر العظيم وقلّ ما يستكثر

تسطو بفرط (٤) في ديار معاشر

كانوا بها وهم أعزّ وأقدر (٥)

فاحفظ حياءك (٦) إن رأيت رسومهم

واسترع حسن حديثهم إن خبّروا (٧)

متبدّلا ما شئت إصغارا لهم

ولو أنّ أعينهم ترى لم يصغروا

قد خاطبوك وإن هم لم ينطقوا

ورأيتهم فيها وإن لم يحضروا

لا فرق عند ذوي البصائر بين مو

جود تراه وممكن يتصوّر (٨)

عمروا المنازل والزّمان خلاها

يوهي من الأعمار ما لا يعمر

لا فارس بجنودها منعت [حمى](٩)

كسرى ولا للروم خلّد قيصر

__________________

(١) الأصل : العثر ، وفي «ز» : الأغبر ، والمثبت عن م ، والعثير : الغبار والتراب.

(٢) بياض في «ز» ، وكتب على هامشها : مقصوص.

(٣) بالأصل : فاستكبر ، والمثبت عن م و «ز» ، والمختصر.

(٤) كذا بالأصل ، وفي م ، و «ز» ، والمختصر : بعزك.

(٥) بالأصل : «وأقدروا» والمثبت عن م و «ز» ، والمختصر.

(٦) الأصل : حياط ، والمثبت عن «ز» ، وم ، والمختصر.

(٧) «إن خبروا» مكانها بياض في «ز» ، وكتب على هامشها : مقصوص.

(٨) الأصل وم : «يتصوروا» والمثبت عن «ز» ، والمختصر.

(٩) سقطت من الأصل وم ، واستدركت عن «ز» ، وفي المختصر مكانها : ردى.

٤٢٧

جدد ، مضى عاد [عليه](١) وجرهم

وتلاه كهلان وعقّب حمير

وسطا بغسّان الملوك وكندة

فلها دماء عنده لا تثأر (٢)

حجر وعمرو والطريد وحارث

ومحرّق ومزيقياء الأكبر

وثنى إلى لخم سنانا شارعا

أودى بها نعمانها والمنذر

وخلت قرون بين (٣) ذلك ما لها

أثر يبين ولا حديث يؤثر

لعبت بهم فكأنهم لم يخلقوا

ونسوا بها فكأنهم لم يذكروا

أين الأولى ولدوك من لد آدم

وهلمّ حتى بعثم (٤) وميسّر

وإذا الأصول تهشّمت فلقلّما

يبقى على أغصانها ما يثمر

من ذا يرى شجرا تجذّ عروقها

ويغره ورق عليها أخضر

قد كنت تكثر في الحياة تعجبي

ولما بدا لي عند موتك أكثر

فرأيت رضوى (٥) وهو يستر بالثرى

والبحر في بحر المنية يغمر

ولربّما غمرت هباتك (٦) معشرا

حاروا بها أن يعرفوا أو ينكروا

فغدت عيونهم تحول تفرّسا

في جعفر فكأنّما هو جعفر

يا برمكيّ الجود إلّا أنه

قلب (٧) ويحيى كسروي أحمر

لا أدّعي بكما السواء وأنتما

عود (٨) صميميّ (٩) وعود أحور (١٠)

يا من تنزّل من صليبة قومه

وسطا بحيث يناط منها الأبهر

يا من تتيه به مساعيه كما

يزهى بتيجان الملوك الجوهر

يا من له صدر النديّ إذا احتبى

وله إذا عدّ الكرام الخنصر

__________________

(١) سقطت من الأصل وم ، واستدركت عن «ز» ، لإقامة الوزن ، وفي المختصر : عاد وجرهم بعدهم.

(٢) كذا عجز البيت بالأصل وم والمختصر ، وعجزه في «ز» :

فلها ذمام عنده لا يخفر

(٣) كذا بالأصل وم و «ز» ، وفي المختصر : بعد.

(٤) الأصل وم : «يغنم» وفي «ز» : «يعمر» والمثبت عن المختصر ، وبهامشه كتب محققه : بعثم والد عيان صاحب مسجد الحيرة.

(٥) رضوى : جبل بالمدينة (تاج العروس : بتحقيقنا).

(٦) الأصل : «حياتك معمرا» والمثبت عن م و «ز».

(٧) القلب : الخالص النسب (تاج العروس بتحقيقنا : قلب).

(٨) العود : المسن من الإبل والشاء.

(٩) الصميمي : الخالص والمحض. ويريد به هنا : الخالص النسب صحيحه.

(١٠) الأحور : الحور شدة بياض بياض العين وشدة سواد سوادها.

٤٢٨

ما لي ولليل البهيم يهيجني

ويشوقني وجه الصباح المسفر

عجبا لمعمور الفناء أنيسه

كيف اطمأنّ به العراء المقفر

ولعفر خدّك بالتراب وطال ما

عبق العبير به وصال العنبر

ما ذا (١) على بلد وقبرك جاره

أن لا يمرّ به السحاب الممطر

فلقد (٢) تضمّن راحة يجري بها

[ماء](٣) الندى فيفيض منه أبحر

أتزورني في النوم زورة عاتب

تبدي إليّ من الرضا ما تضمر

وجه تريد به القطوب وبشره

يطفو على ماء الحياء فيظهر

ويقول لي قولا يطيب بحرّه

قلبا يكاد من الصبابة يقطر

تمضي بباب الدار غير مسلّم

فترى بها أثري فلا تستعبر

من أين لي من بعد يومك مقلة

تجري عليك دموعها أو تبصر

كنت السواد لها إذا ما استيقظت

وإذا غفوت بها فأنت المحجر

بيني وبين الهمّ بعدك حرمة

لا تستباح وذمّة لا تخفر

أرتاح ساحة قبره (٤) فأزورها

والهجر من غير الزّيارة ينظر

لا أسمع الشكوى ولا أجلو القذى

وأراه مهضوما فلا أتذمّر

بأبي الأعزّة أصبحوا وأسيرهم

لا يفتدى ، وذليلهم لا ينصر

عهدي به غرضا (٥) بطول مقامه

كيف البراح ومن دمشق المحشر

يقف الفتى والحادثات تسوقه

والمرء يقدر والمنايا تسخر

فاختطّ منها منزلا من فوقه

يسفي أعاصير وتمضي أعصر

يرتاع آنسه ويرتع حوله

من نافرات الوحش ما لا ينفر

لم يخل ظهر الأرض ممن ذكره

من بين أثناء الصحائف يظهر

إن ستّرت تلك المحاسن بالثرى

فمن الحديث محاسن لا تستر

أو أسرعت في محوهنّ يد البلى

فيداك تملي والليالي تسطر

__________________

(١) الأصل : «فإذا» والمثبت عن م ، و «ز» ، والمختصر.

(٢) الأصل : «فقد» والمثبت عن م ، و «ز» ، والمختصر.

(٣) ما بين معقوفتين سقط من الأصل واستدركت لتقويم الوزن عن م ، و «ز».

(٤) الأصل وم : قبرها ، والمثبت عن «ز» ، والمختصر.

(٥) الغرض : الملول والضجر (راج تاج العروس بتحقيقنا : غرض).

٤٢٩

ولقد نظرت إلى الزمان وجوره

فأبيت عيشه من يضام ويقهر

ورغبت عن دار سحاب همومها

غدق ونكباء (١) النوائب صرصر

دار يسوؤك منعها وعطاؤها

وتذم فيها غبّ ما تتخيّر

تأتي فيؤلمك انتظار فراقها

وتروغ عنك إلى سواك فتحشر

فالناس إمّا حاذر مترقّب

أو حاصل منها على ما يحذر

وإذا رأيت العيش في إقبالها

نكدا فكيف تظنه إذ يدبر

إن ضنّت الدنيا عليك بقربها

فلقد علمنا أنّ حظك أكبر

فارقتها فأمنت هول فراقها

وتكرّمت عيناك مما تنظر

وهجرت (٢) قوما طال ما صاحبتهم

لك عاذر إن كان شيء يعذر

ما عفتهم حتى وردت حياضهم

وخبرتهم فصدقت عما تخبر

فثويت تأمن منهم ما يتّقى

وتنام عن غير الزمان وتسهر

من أصغر الدنيا فذاك عظيمها

لا من تراه بعزّها يستكبر

يبدي إذا افتقر الخضوع بقدر ما

يختال في ثوب الرخاء ويبطر

من لم يهن فيما لديه ما صفا

عزّ العزاء عليه فيما يكدر

يا حبذا أدب الحكيم فإنّه

لا عابس كزّ (٣) ولا مستبشر

يا من يرى ما لا تراه عينه

ويغيب بعض القوم عمّا يحضر

الحيّ من تلقاه حيا عقله

والموت (٤) موت الجهل لا من يقبر

من للخطوب إذا تدانى وردها

وبدا من الأمر الجناب الأزعر (٥)

كانت تسرّ وجوهها ووعيدها

فالآن تطّرح القناع وتجهر

فلربما أصدرتها فثنيتها

رغما وصدر الهول فيها موغر

ولمحضر أحسنت فيه خلافتي

حي اشرأبّ لما وصفت الحضّر

ردّيتني برداء فضلك فانثنى

أدبي به زهوا يميس ويخطر

__________________

(١) نكباء : هي الريح التي انحرفت بين ريحين ، ووقعت بينهما ، أو بين الصبا والشمال (راجع تاج العروس بتحقيقنا : نكب).

(٢) الأصل : هجرت ، والمثبت عن «ز» ، والمختصر.

(٣) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» : كمّ.

(٤) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» ، والمختصر : والميت ميت الجهل.

(٥) كذا بالأصل والمختصر ، وفي م : «الأوفر» وفي «ز» : الأوغر.

٤٣٠

ولمحفل ذو العلم بين شهوده

متحفظ وأخو البلاغة محصر

أسكتّ ناطقه بقول فيصل

أعيت نقائضه على من ينكر

لا جاهل الأقوام ثمّ مقدّم

وهو الكميّ ولا الوجيه موقّر

فيودّ من ترك التأدّب للغنى

لو أن أنقص مكسبيه الأوفر

وتراه إن لبس الكلام دروعه

يعتل في زرد الدلاص (١) فينحر

ولمرهف الجنبات يركب رأسه

فيظلّ ينظم في الطروس (٢) وينثر

يمضي بحيث المشرفية تنثني

ويطول حيث السمهرية تقصر

فكأنما المعنى الخفيّ معرّض

وكأنه لدن بكفّك أسمر

إن ضنّ طرف لا يراك بدمعه

فلأيّ يوم بعد يومك يدخر

يا صاحبيّ أرى الوفاء يشوبه

هفوات قلب محافظ لا يغدر

قولا لقلبي (٣) ما لوجدك حائرا (٤)

لا الشوق مغلوب ولا هو يظفر

قصر ارتياحك قيل : ما طول المدى

فإذا تطاول فارتياحك أقصر

يا من كأنّ الدهر يعشق ذكره

فلسانه من وصفه لا يفتر

بأبي ثراك وما تضمّنه الثّرى

كلّ يموت وليس كلّ يذكر

قرأت بخط أبي محمّد عبد الله بن محمّد بن سعيد بن سنان الشاعر ، أنشدني أبو القاسم سلمة بن علي بن سلمة قال : كتب القاضي أبو الحسن علي بن الحسين بن هندي الحمصي إلى أبي وكان القاضي مريضا رقعة ضمّنها هذه الأبيات :

لا متّعت عيني بطيف رقادها

إن لم تكن مذ غبت نصب عيانها

قد كان لي عنها عليك مكيدة

ما كان لي صبر على كتمانها

نظرت إليك فكنت ألطف من رأت

حسنا فأجلت من لطيف مكانها

حتى إذا نقلتك فيه (٥) صورة

بادرتها فضممت من أجفانها

فمتى دعا نفسي إليك نزاعها

فجرت وأرخى الشوق فضل عنانها

أخذت يدي المرآة فاستقبلتها

ونظرت من عيني إلى إنسانها

قد كنت أسأل ما البلاغة مرة

فأقر بالتقصير عن عرفانها

__________________

(١) الدلاص هي الدرع الملساء اللينة.

(٢) الطروس : الصحف.

(٣) كذا بالأصل وم و «ز» ، وفي المختصر : لقلبك.

(٤) بالأصل وم و «ز» : حائر.

(٥) «فيه» ليست في م.

٤٣١

ألا مرجعة تردد لفظها

وغريبة بالبعد عن أوطانها

فالآن أخبر أنني شاهدتها

وسمعت منطقها وحسن بيانها

ورأيت ناظر حسنها في روضها

وثمارها تهتز في أغصانها

نفسي فداؤك زائرا في ساعة

علقت رهان الشكر في إحسانها

لو كان للدهر المفضل ناصر

جاءت صميم سواد عين زمانها

مولاي أشكو عارض الحمى التي

ألقت عصاها وانتحت بجرانها

وصلت فواصلت القطيعة بيننا

من لي بروح الوصل في هجرانها

وأظنها رأت اعتذاري ناقصا

فأرتك ما بي من تزايد شأنها

وتلعبت (١) بيدي فحطت رقعة

هي لفظها والخط خط بنانها

فنثرت في أطرافها من بردها

ونظمت هذا الشعر من هذيانها

ولعلي بن الحسين بن هندي :

تخلّق حسن إن لم يكن خلق

تورّع حسن إن لم يكن ورع

فما أرى قيمة الدنيا وإن عظمت

أن يأتي الحرّ ما من نفسه يضع

وله أبيان قالها في الفخري الشاعر :

أرى لك يا فخري في كل معشر

حديثا إذا أبدوه أبدى مساويا

إذا جئت يوما تطلب الخط منهم

لقيت بهم حظّا من الصفع وافيا

أتصرف أولى فانصرفت كاتبا

وتحوم مداحا وتصفع هاجيا

فلا أنس من دهري مقاما حضرته

وقد أحضروه دره هي ماهيا

فلما أقاموه وجرد ظهره

وقائلها إلا من العار عاريا

رأته على بعد فكاد أديمها

يطير اشتياقي (٢) نحوه ويوافيا

فلو أرسلوها خلفه وتخلفوا

لسارت ولم تسأل عن الدار هاديا

فأي مكان صادفت منه صادفت

به أثرا منها جديدا وعافيا

تمر على آياتها ورسومها (٣)

وتعرف أطلالا لها ومغانيا

__________________

(١) تقرأ بالأصل : «وتلجت» وفي «ز» : «وتلعنت» وفوقها ضبة ، وعلى هامشها كتب : مقصوص. والمثبت عن م.

(٢) رسمها وإعجامها مضطربان في م وفوقها ضبة ، وبياض مكانها في «ز» ، وكتب على هامشها : طمس بالأصل.

(٣) الأصل : «وسرورها» والمثبت عن م و «ز».

٤٣٢

فجددت (١) الود الذي كان مخلقا

وأذكرت العهد الذي كان ناسيا

وجست مثاني أخدعيه وأوقعت

وعنت سرورا حين أحمس (٢) باكيا

ولما نزلنا منزلا ظله الندى

أنيقا وبستانا من النور خاليا

أجد لنا طيب الزمان وحسنه

متى فتمنينا فكنت الأمانيا

وذكر أبو محمّد بن الأكفاني فيما حكاه غيث بن علي عنه أن ابن هندي توفي سنة خمسين وأربعمائة بدمشق ، وأنه خلّف ستة عشر ألف دينار ، وكان من الإمساك والضبط على غاية.

أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني ـ قراءة ـ نا أبو (٣) محمّد الكتاني ، قال :

توفي القاضي أبو الحسن بن علي بن الحسين بن هندي الحمصي ـ قاضي حمص ـ بدمشق يوم الاثنين الخامس والعشرين من رجب سنة إحدى وخمسين وأربعمائة ، ودفن يوم الثلاثاء في غد يومه ، وصلى عليه أبو الحسن القابسي (٤) وكبّر عليه في كلّ موضع أربعا ، وكان ما رأينا في علمه وحسن ظنه بربّه عزوجل مثله.

وذكر أبو محمّد بن صابر ، عن أبي القاسم النسيب.

أن ابن هندي توفي سنة إحدى وخمسين ، ودفن في مقابر باب الفراديس ، وأنه ولد في سنة أربع مائة ، وكذلك ذكر أبو الحسن علي بن الخضر بن الحسن العثماني ، وزاد : في رجب.

آخر الجزء السّابع والأربعين بعد الثلاثمائة من أصل السماع.

٤٨٨٨ ـ علي بن الحسين الجعفري

حدّث بداريّا عن عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن أبي الحواري.

__________________

(١) من هنا يبدأ خرم في «ز».

وكتب على الصفحة التالية :

وقد كان الفراغ من نسخ هذا المجلد الذي هو الحادي عشر ، في يوم الأحد الثاني والعشرين من شهر صفر الخير من سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة بعد الألف من هجرة ولد آدم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم الصلاة والسلام.

وكان نسخها من نسخة مخطوطة بدار الكتب الأزهرية على ذمة دار الكتب السلطانية عبد أفقر الكتاب إليه تعالى محمود بن عبيد الملقب بخليفة ، المدرس بالمدارس المصرية غفر الله ذنوبه وستر عيوبه وإخوانه آمين.

(٢) بدون إعجام بالأصل وفوقها ضبة ، والمثبت عن م.

(٣) «أبو» سقطت من م.

(٤) تقرأ في م : الفاسي.

٤٣٣

حكى عنه أبو عبد الله بن باكوية الصّوفي الشيرازي.

أنبأنا أبو بكر محمّد بن أحمد بن الحسن البروجردي ، أنا أبو سعد علي بن عبد الله بن أبي صادق الحيري ، أنا محمّد بن عبد الله الشيرازي ، نا علي بن الحسين الجعفري ـ بداريّا ـ قال : سمعت عبد الله بن أحمد بن أبي الحواري يقول : نا محمّد بن هشام الدّاراني قال : سمعت أبا سليمان الداراني يقول : يوحي الله عزوجل إلى جبريل عليه‌السلام : اسلب عبدي ما رزقته من لذّة طاعتي ، فإن افتقدها فردّها إليه ، وإن لم يفتقدها فلا تردّها عليه أبدا أبدا.

المعروف : حميد بن هشام الدّاراني وقد تقدم ذكره.

٤٨٨٩ ـ علي بن الحسين

أبو الحسن القرشي الحرّاني

حدّث بدمشق عن أبي اليقظان بن عبد الرّحمن بن مسلم الحرّاني.

روى عنه أبو الحسن أحمد بن محمّد بن علي السّجستاني.

أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمّد الفقيه ، نا نصر بن إبراهيم ، أخبرني أبو بكر محمّد بن جعفر بن علي اليمامي في كتابه : أن أبا الحسن أحمد بن محمّد اليمني ثم السّجستاني أخبرهم في جامع مياس غرة يوم الجمعة مستهل ذي الحجة سنة خمس وسبعين وثلاثمائة ، نا أبو الحسن علي بن الحسين الحرّاني في جامع دمشق قال : سمعت ابن عبد الرّحمن بن مسلم أبو اليقظان الحرّاني يحدث عن أبيه عبد الرّحمن بن مسلم قال :

دخلت أنطاكية إلى مسجد الجامع ، فإذا أنا بشيخ جليل ، جميل ، فسلّمت وجلست ، فقال لي : من أين أنت؟ قال : قلت : أنا من أهل حرّان ، قال : أما إنّها (١) مدينة إبراهيم الخليل ، ولا يزال فيها رجل من الأبدال إلى أن تقوم السّاعة.

قال : قلت : حدثني ـ رحمك الله ـ بحديث أحدّث به عنك ، قال : إنّي لست أحدّثك حتى تعطيني عهد الله وميثاقه أنك لا جلست إلى قوم من أهل لا إله إلّا الله حدثتهم به ، قال : قلت : أفعل ذلك إن شاء الله ، قال :

أتيت البصرة ، فأقمت فيها أربع حجج في طلب العلم ، وكان العلماء متوافرين بالبصرة ،

__________________

(١) كذا بالأصل وم ، وفي المختصر : أما أنا فمن مدينة إبراهيم الخليل.

٤٣٤

فكتبت بها علما كثيرا فقال لي رجل : منذ كم تكتب معنا الحديث؟ لقد كتبت علما كثيرا ، ولقد فاتك كلام رجل والنظر إليه ، قد لقي أنس بن مالك خادم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال : قلت : وأين مسكنه؟ قال : في رحبة اليهود بالبصرة ، قال : فانطلقت حتى أتيت قصره ، فإذا أنا بقصر مشيد ، له باب من حديد ، وعلى باب القصر مشايخ ما رأيت ـ والله ـ أجمل منهم ، ولا أكمل جمالا ، فلما رأيتهم هالني أمرهم ، فقدمت فسلّمت ، فردّوا علي السّلام ، ورحبوا وقربوا وأدنوا ، ثم قالوا : هل لك من حاجة؟ قال : قلت : نعم ، أنا شيخ من أهل الشام ، خرجت إلى بلدكم هذا في طلب العلم ، وأنا مقيم فيه من أربع حجج ، وقد بلغني عن والدكم أنه لقي أنس بن مالك ، خادم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «طوبى لمن رآني ، ومن رأى من رآني» [٨٣١٨] ، وأبوكم قد رأى من رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وخدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا لي : نعم وكرامة ، إنّا ندخل عليه في كل غداة فنسلم (١) ولا ندخل إلّا من غد ، ولنا أخ هو أصغر منا سنا ، يكنى بأبي الطّيّب ، فنسأله يدخلك معه عليه ، على أنا نشرط عليك أن لا تتكلم ، تنظر إليه وهو لا ينظر إليك ، قال : فدعوت لهم ، فقالوا لي : أدخل إلى هذا المسجد ، فإذا صلّيت العصر ، فصر إلينا نسأله يدخلك.

قال : فنهضت ، فلما دخلت من باب المسجد شممت رائحة المسك ، وإنّ المسجد قد وزر بالخلوق والمسك والعنبر ، فسلّمت وصلّيت ركعتين ، وسألت الله عزوجل أن يسهّل لي النظر إلى وجه وليّه ، فلما فرغت من الدعاء فإذا بشيخ طويل القامة ، عظيم الهامة ، عليه جبّة صوف ، مقطوع الكمين ، مشدود وسطه بحبل من ليف ، على عاتقه مرّ ومجرفة وزنبيل (٢) ، فوضع المر [و](٣) المجرفة والزنبيل في زاوية المسجد ، ثم سلّم وكبّر وصلّى ركعة واحدة فقط ، قال : قلت : سبحان الله ، لعلّه قدسها ، فقال لي مجيبا : وبحمده ، قال : فقلت : رحمك الله ، إنّك لم تصلّ إلّا ركعة ، فقال : ركعة واحدة تجزئ تحية المسجد ، إنما هي تطوّع ، ليس هي فرض.

قال : قلت : رحمك الله ، من حدّثك أنّ ركعة تجزئ تحية المسجد؟ قال : مولاي صاحب هذا القصر.

قال : قلت : ومملوك أنت؟ قال : كنت مملوكا ، ولكن أعتق الله رقبتي منذ خمسين سنة

__________________

(١) بالأصل : «فنسلمه أو لا تدخل» والتصويب عن م والمختصر.

(٢) مكانها في المختصر : «ورسل» تصحيف ، وفي م كالأصل.

(٣) الزيادة عن م ، اقتضاها السياق.

٤٣٥

وأنا أحفر القبور منذ خمسين سنة.

قال : قلت : وما الذي حملك على حفر القبور؟ قال : لحديث حدّثني مولاي هذا عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من حفر قبرا لأخيه المسلم ولم يأخذ عليه جزاء بنى الله تعالى له بيتا في الفردوس الأعلى ، فيه قبة خضراء ، يرى باطنها من ظاهرها ، وظاهرها من باطنها» [٨٣١٩].

وسمعته يقول : من غسّل أخاه المسلم ولم يأخذ عليه أجرا وكتم ما يرى منه ، غفر الله عزوجل له ذنوبه في ظلمة قبره ووحشته ، إذا خلا فردا وحيدا مرتهنا بعمله (١) ، ووكل به ملك بيده مصباح من نور ، فهو يؤنسه في قبره إلى أن ينفخ الله في الصور.

فهو الذي حملني على حفر القبور ، وغسل الموتى ، وحرسي القبور.

قال : قلت : ما اسمك؟ قال : صالح.

قال : قلت : بالله يا صالح حدثني بأعجب شيء رأيت في ظلمات الليل وأنت تحفر القبور منذ خمسين سنة ، قال : إنّي لست أحدّثك أو تعطيني عهد الله وميثاقه ، أنك لا تجلس إلى قوم من أهل لا إله إلّا الله إلّا حدثتهم به ، قال : قلت : نفعل إن شاء الله.

قال : ماتت بنت القاضي ـ قاضي البصرة ـ ولم يكن بالبصرة امرأة هي أجمل منها ، ولا أكمل (٢) جمالا ، فجزع عليها أبوها جزعا شديدا ، فدخلت عليه وهو يبكي من أحرّ البكاء ، ودموعه تجري على وجنتيه ، فسلّمت ، فردّ عليّ السّلام ، قال : قلت : رحمك الله ، إنّ الموت حتم على الخلق ، وإن الله تبارك وتعالى قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)(٣).

فقال لي : يا صالح ، قد علمت أنه لم يكن بالبصرة امرأة هي أجمل من ابنتي ولا أكثر مالا ، مات عنها زوجها ولم ترزق منه ولدا ، وقد ورثت منه مالا عظيما ، وقد كنت رجوت أن ترثني أنا إذا متّ ، فلما أن ماتت دخل عليّ أمر عظيم ، وقد أوصت إليّ أن أخرج من ثلثها ثلاثة آلاف دينار أكفنها بألف دينار ، وأتصدّق عنها بألف دينار ، ويعطى لحرس قبرها ألف دينار ، يحرس سنة ، اثني عشر شهرا.

قال : قلت : أما أنا فقد أعطيت عهد الله وميثاقه يسألني عنه أني لا آخذ لحرس قبر ، ولا

__________________

(١) بياض في م.

(٢) عن م ، وبالأصل : أجمل ، وقوله : «ولا أجمل جمالا» ليس في المختصر.

(٣) سورة الزمر ، الآية : ٣٠.

٤٣٦

لحفر قبر ، ولا لغسل ميت شيئا أبدا ، فقال لي : يا سبحان الله ، ترزق رزقا حلالا وتردّه؟ قال : قلت : نعم أيها القاضي ، إنّي أريد أن أشير عليك بشيء يسعدك الله تعالى به ، ويدخل على ابنتك في قبرها السّرور والرحمة ، فقال : تكلم.

قال : قلت : إنّ الميت لا ينتفع أن يكفّن بألف دينار ، فإنّه يبلى في التراب والصديد والدّود ، ولكن تكفن بمائة دينار ، وتضيف تسع مائة إلى الألفين ، فتشتري بها الثياب والخبز والماء ، فتكسو العاري ، وتشبع الجائع ، وتروي الظمآن ، فإنّي أرجو أن يعتق الله ابنتك من النار ، ويدخل عليها في قبرها السرور والرحمة ، فقال لي : وفقت وأشرت بخير.

قال : فكفّنها بمائة ، وتصدّق عليها (١) بالباقي ، قال صالح : فحرست قبرها ثلاث ليال أصلّي عند قبرها ألف ركعة ، قال : فلما أن كان من الليلة الرابعة وقد طلع الفجر ، وأصبت في رأسي نعسة ، وأذّن المؤذن لطول شهر ثلاث ليال ، فأخذت لبنة فوضعتها تحت رأسي ثم نمت ، فو الله ما هو إلّا أن ذهب بي النوم ، فإذا ابنة القاضي قائمة بين يدي ، عليها ثياب أهل الجنة ، وحليّ أهل الجنة ، قال : قلت : يا هذه من أنت التي قد ألبسك الله البهاء والنور؟ قالت : صاحبة القبر بنت القاضي ، جئت أشكرك ، نوّر الله قبرك وجزاك عني أفضل الجزاء ، كما أشرت بالخير في الصدقة عنّي ، إنّ الله تبارك وتعالى قد نوّر قبري ، وأدخل قبري السرور والرحمة ، قم حتى أريك ما أعدّ الله تعالى لمن مات وهو يشهد أن لا إله إلّا الله.

قال : فنهضت معها وفي يدها مصباح من بلور ، والقبر روضة خضراء كأحسن ما يكون ، وإنّ القبور قد أقبل أهلها ، وقد جلس كلّ ميت على شفير قبره ، قد ألبسهم الله تعالى البهاء والنور ، قالت : هؤلاء الذين ماتوا وهم يشهدون أن لا إله إلّا الله ، ادن منهم وكلّمهم ، فإنهم يكلّمونك.

قال : قلت : يا سبحان (٢) الله ، موتى يكلمون الأحياء ، قالت : وأنا ميتة ، وقد أذن الله تعالى لي وكلّمتك.

قال : فلما أن دنوت منهم قالوا بأجمعهم : جزاك الله خيرا من مؤنس ، إنّا نسمع قراءتك (٣) ودعاءك ، لا نقدر نجيبك ، وأنتم يا معشر الأحياء تعملون الخيرات ، ولا تدرون ما لكم عند الله عزوجل من الدرجات ، فإذا أصبحت فائت المسجد الجامع فاقرئ (٤) أهالينا

__________________

(١) كذا بالأصل ، وفي م : «عنها» وفي المختصر : وتصدق بالباقي عنها.

(٢) بياض في م.

(٣) كذا بالأصل وم ، وفي المختصر : قرآنك.

(٤) الأصل وم : فاقرأ.

٤٣٧

السلام وقل لهم : إنّ موتاكم يقرءون عليكم السّلام ويقولون لكم : جزاكم الله عنا خيرا وأفضل الجزاء ، فإن هداياكم تأتينا بكرة وعشيا ، قال : فألهمني الله أن قلت : وما الهدايا؟ قالوا : الدعاء والصدقة ، إنّ الصّدقة شيء عظيم تطفئ غضب الرب ، ودعاء الأحياء يدعون لنا الله عزوجل فيستجيب الله لهم فينا ، فيدخل علينا في قبورنا السرور والرحمة.

قال : بينما أنا فرح بما قد ألبسهم الله من البهاء والنور إذ نظرت إلى رجل مشوّه الوجه ، رثّ الكفن ، في عنقه سلسلة من نار ، ورجل بيده سوط من نار يضرب حرّ وجهه وظهره وبطنه ، وهو يصيح : يا ويلاه من نار لا تطفأ (١) وعذاب لا يبلى.

قال : فتقطع والله قلبي له رحمة ، قال : قلت له : يا هذا أيش حالك من بين أصحابك هؤلاء الذين قد ألبسهم الله تعالى البهاء والنور؟ قال : جرمي عظيم ، قال : قلت : فأيش جرمك؟ قال : كان لي مال عظيم وكنت لا أزكّي فيه ، فنالني هذا بعقوق والدي في دار الدنيا ، قال : قلت : عقّت والدك في دار الدنيا ، قال : مات أبي وخلّف مالا عظيما ، ولم يكن بالبصرة امرأة هي أجمل من والدتي ولا أكثر مالا ، فرغبوا (٢) ملوك البصرة فيها ، فخطبها بعض الملوك ، فأجابته ، فبلغني ذلك ، فداخلتني (٣) الغيرة ، قال : فجئت فقلت : يا أمة ، بلغني أنك تريدين التزويج؟ قالت لي : التزويج حلال ، فرفعت يدي ، فلطمت حرّ وجهها ، فخرّت مغشيا عليها ، فسال من وجهها الدم ، فلما أفاقت من غشيتها رفعت يدها ورأسها إلى السماء فقالت : يا بني لا أقالك الله عثرتك ، ولا آنس في القبر وحشتك ، قال : فلما أن متّ صرت في قبري إلى نار لا تطفأ (٤) وعذاب لا يبلى ، وكذلك القبر من اليوم إلى يوم القيامة ، فإذا أصبحت سالما فائت والدتي وأقرئها السلام ، وأعلمها بما رأيت من سوء حال لعلها ترحمني.

قال : قلت : والله لأفعلنّ ، قال : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها)(٥) ، ثم انتبهت ، فإذا رائحة المسك في مسجدي ، وكأنه أضواء المصباح في مسجدي ، وبين عينيّ.

قال : قلت : هذا رؤيا من الله تعالى ، والله لآتينّ المسجد الجامع ، فلأؤدينّ الرسالة ، ولآتينّ أم المسكين ، فأخبرها بما رأيت من سوء حاله.

قال : فنهضت فأسبغت الوضوء وخرجت إلى المسجد ، فصلّيت الصلاة مع الإمام ، فلمّا أن سلّم قمت فقلت : السّلام عليكم يا أهل المسجد ورحمة الله وبركاته ، قالوا لي

__________________

(١) الأصل وم : تطفى.

(٢) كذا بالأصل ، على لغة : أكلوني البراغيث ، وفي المختصر : فرغب.

(٣) الأصل وم : فداخلني.

(٤) الأصل وم : تطفى.

(٥) سورة النساء ، الآية : ٥٨.

٤٣٨

بأجمعهم : عليك السلام ورحمة الله وبركاته ، قال : قلت : إنّي رأيت موتاكم في النوم بأحسن منظر ، وهم يقرءونكم (١) السلام ، ويقولون لكم : جزاكم الله عنا خيرا أفضل الجزاء ، فإنّ هداياكم تأتينا بكرة وعشيا ، قال : فلم يبق في المسجد شيخ ولا شاب إلّا علا نحيبه بالبكاء ، حتى سمعت المسجد ضجيجا وعجيجا ، ولم يبق أحد منهم إلّا تصدق عن حبيبه ذلك اليوم ، وكانت رؤيا رحمة على الأحياء والأموات.

قال : قلت : والله لآتينّ أم المسكين وأخبرها بما رأيت من سوء حاله ، قال : فما زلت أسعى إلى باب والدته ، فإذا على الباب شيخ جليل جميل بيده مصحف يقرأ فيه ، وحوله وصائف (٢) يقرئهم القرآن ، فلما رآني مقبلا أمر الوصائف يدخلن القصر ، قال : فتقدّمت وسلّمت ، فصافحني وعانقني وردّ عليّ السلام ثم قال لي : هل لك من حاجة؟ قال : قلت : أمّا إليك فلا ، ولكن إلى أهلك ، فقال لي : يا سبحان الله ما في مالي ، ولا ما (٣) خولني الله تعالى ما أقضي حاجتك ، قال : قلت : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) فقال لي : صدقت وأحسنت ، ثم قال : يا غلام ، ادخل إلى ستّك فقل لها تسبل الستر حتى تدخل صالح لتنظر أيش حاجته.

قال : فدخل الغلام ، فأسبل الستر ، وجلست من وراء الستر ، قال صالح : فدخل زوجها ودخلت معه ، فلمّا أن صرت في صحن الدار قال : قلت : السّلام عليك يا أمة الله ، قالت : وعليك السّلام يا صالح الحفار ، هل لك من حاجة؟ قلت : رحمك الله ، من لك في المقابر؟ قال : فبكت حتى خرّت مغشيا عليها ، وبكى زوجها وبكى جميع من كان في القصر معها من حرمها ، قال صالح : وبكيت أنا رحمة لها ، فلما أفاقت من غشيتها قالت : وما ذاك يا صالح؟ قال : قلت : إنّي رأيت في المنام أهل لا إله إلّا الله ، قد ألبسهم الله تعالى البهاء والنور ، ورأيت رجلا مشوّه الوجه ، رثّ الكفن ، في عنقه سلسلة من نار ، ورجل بيده سوط وهو يضرب وجهه وظهره وبطنه ، وهو يدعو بالويل والثبور ، فتقطّع قلبي والله له رحمة ، فقلت : يا هذا أيش حالك من بين أصحابك هؤلاء الذين قد ألبسهم الله تعالى البهاء والنور؟ قال : كان لي مال عظيم وكنت لا أزكّيه ومتّ ووالدتي ساخطة عليّ فإذا أصبحت سالما فائت والدتي فأقرئها مني السّلام وأعلمها بما رأيت من سوء حالي لعلّها ترحمني ، قال : فبكت بكاء

__________________

(١) الأصل : يقرءوكم ، والمثبت عن م.

(٢) الوصائف جمع وصيفة ، وهي الخادم ، للمذكر والمؤنث.

(٣) «ما» كتبت فوق الكلام بين السطرين بالأصل.

٤٣٩

شديدا ثم قالت : ذلك والله ولدي ، ومن نزل عن كبدي ، وا حسرتاه عليّ ما فرطت فيك يا حبيب قلبي ، ثم قالت : يا جارية ائتني بكيس مختوم ، فجاءت بكيس مختوم ، فقالت : خذه وانطلق إلى السوق واشتر بها فيه الثياب والخبز والماء ، فاكس العاري ، وأشبع الجائع ، وارو الظمآن ، ثم قالت : اللهم إنّ هذه صدقة عن ولدي ، اللهمّ فارض عنه.

قال لها زوجها : أحسنت وأصبت ووصلت رحمك ، الله ما كنا بالذي نتركك إلى أن تسبقينا إلى الخير. يا غلام ، ائتني بكيس مختوم ، فأتاه بكيس فقال : خذه وأضفه إلى الآخر ، اللهمّ إنّ هذه صدقة عن ابن العجوز ، اللهمّ فارض عنه وعن والديه ، وما ولدا وعن جميع المسلمين.

قال صالح : فأخذت كيسا بيدي اليمني وكيسا بيدي اليسرى ، فانطلقت فأشبعت الجائع ، وكسوت العاري ، وأرويت الظمآن حتى أنفذتها ، فهممت أن أقوم فسقط مني رغيف قال : فقلت : والله لا أبرح حتى أنفذه ، فإنّ قليل الأمانة وكثيرها عند الله تعالى سواء ، قال : فبينا أنا كذلك إذ خرج من بعض دروب البصرة شيخ كبير ، منحني (١) ما يرفع رأسه من الكبر ، يحرك شفتيه بالتسبيح والتحميد ، قال : فلما دنا (٢) مني وأنا أنظر إليه وهو لا ينظر إليّ وهو يقول : يا سيدي ومولاي قد خدمتك منذ ثلاثة أيام قال : فلما دنا قلت : يا شيخ ، قال لي : سعديك ، قال : قلت : ما أرى عن يمينك أحدا ولا عن شمالك أحدا ولا أمامك أحدا ولا خلفك أحدا ، فلمن تناجي؟ قال : يا أخي أناجي سيد السّادات ، ومالك الملوك ، ومولى الموالي (٣) ، قد عودني في كلّ ثلاثة أيام قرصا أفطر عليه ، وهذا حاجتي إليه ، قال : قلت : إنّ الله عزوجل قد أجاب دعوتك يا شيخ ، قال : فأخذت الرغيف فدفعته إليه ، فقال : رضي الله عنك وعن من تصدّق به وعن جميع المسلمين.

قال صالح : ومضيت في الليلة الرابعة لأحرس قبر ابنة القاضي ، فلما قرأت جزئي وصلّيت وردي اضطجعت ثم نمت ، فلما ذهب النوم أطيب ما كنت فإذا أنا بابن العجوز قد أقبل علي ، أحسن الناس وجها ، وأطيب رائحة ، فقال : نوّر الله قبرك ، وجزاك عني أفضل الجزاء ، كما أديت الرسالة والأمانة ، إنّ الله عزوجل قد نوّر قلبي ، وأدخل قبري السرور والرحمة بدعاء والدتي ، ودعاء الفقراء لي ، إنّ الصّدقة شيء عجيب ، تطفئ غضب الربّ ، فإذا أصبحت سالما فائت والدتي فأقرئها السلام وأعلمها أنّ الصدقة قد وصلت ، وقل لها : لا

__________________

(١) كذا بالأصل وم بإثبات الياء.

(٢) في م : دنا.

(٣) في المختصر : «مولى المولى» وفي م كالأصل.

٤٤٠