الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ١

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]

الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]


المحقق: الدكتور يوسف علي طويل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3319-5
ISBN الدورة:
2-7451-3319-5

الصفحات: ٣٤١

الاقتحام والتّسوّر ، قادر على اللّصوق بالأشراف. رمى بنفسه على مشيخة الوقت يطرقهم طروق الأمراض الوافدة ، حتى استوعب الأخذ عن أكثرهم ، يفكّ عن فائدته فكّ المتبرّم ، وينتزعها بواسطة الحيا ، ويسلّط على قنصها جوارح التبذّل والإطراء ، إلى أن ارتسم في المقرئين بغرناطة ، محوّلا عليه بالنّحب والملق ، وسدّ الترتيب المدني ؛ ولوثة تعتاده في باب الرّكوب والثّقافة (١) ، وهو لا يستطيع أن يستقرّ بين دفّتي السّرج ، ولا يفرق بين مبسوط الكف ، أخذ نفسه في فنون ، من قرآن ، وعربيّة ، وتفسير ، وامتحن مرّات لجرّ حركة القلقلة الذي لا يملك عنانه ، ثم تخلّص من ذلك ، وهو على حاله إلى الآن.

مشيخته : قرأ على الخطيب ببسطة ، وأبي الأصبغ بن عامر ، والخطيبين بها أبي عبد الله وأبي إسحاق ابن عمّه ، وأبي عبد الله بن جابر ، وعلى أبي عثمان بن ليون بألمريّة ، والخطيب أبي عبد الله بن الغربي بحمّة (٢). وتلا القرآن بقراءاته السبع على شيخنا أبي عبد الله بن الوالي العوّاد. وروى عن شيخنا أبي الحسن بن الجيّاب ، وعلى الحاج أبي الحجاج الساحلي ، فكتب الإقراء ، وأخذ الفقه عن الأستاذ أبي عبد الله البيّاني (٣). وقرأ على قاضي الجماعة أبي القاسم البيّاني ، وقرأ على قاضي الجماعة أبي القاسم الحسني. ولازم أستاذ الجماعة أبا عبد الله الفخّار ، وقرأ عليه العربية ، وصاهره على بنته الأستاذ المذكور ، وانتفع به ، إلى أن ساء ما بينهما عند وفاة الشيخ فرماه بترمية بيضاء تخلّقها ، مثيرة عجب ، مرّة. وحاله متصلة على ذلك ، وقد ناهز الاكتهال.

أحمد بن حسن بن باصة الأسلمي

المؤقّت بالمسجد الأعظم بغرناطة

أصله من شرق الأندلس ، وانتقل إليها والده ، يكنى أبا جعفر.

حاله : كان نسيج وحده ، وقريع دهره ، معرفة بالهيئة ، وإحكاما للآلة الفلكية ، ينحت منها بيده ذخائر ، يقف عندها النظر والخبر ، جمال خطّ ، واستواء صنعة ، وصحة وضع ، بلغ في ذلك درجة عالية ، ونال غاية بعيدة ، حتى فضل بما ينسب إليه

__________________

(١) الثّقافة : الطعن بالرماح. لسان العرب (ثقف).

(٢) الحمة أو الحامة : بالإسبانيةAlhama ، وهي من مدن غرناطة ، وتقع غربي غرناطة إلى الجنوب من مدينة لوشة. استولى عليها الإسبان سنة ٨٨٧ ه‍ ، أي قبل سقوط غرناطة بعشر سنين. راجع مملكة غرناطة (ص ٦٠).

(٣) البيّاني : نسبة إلى بيّانةBaena ، وهي مدينة من أعمال قرطبة. الروض المعطار (ص ١١٩).

٨١

من ذلك كثيرا من الأعلام المتقدمين ، وأزرت آلاته بالحمايريات والصّفاريّات وغيرها من آلات المحكمين ، وتغالى الناس في أثمانها ، أخذ ذلك عن والده الشيخ المتفنن شيخ الجماعة في هذا الفن.

وفاته : في عام تسعة (١) وسبعمائة.

أحمد بن محمد بن يوسف الأنصاري

من أهل غرناطة ؛ يكنى أبا جعفر ، ويعرف بالحبالي.

حاله : عكف صدرا من زمانه منتظما في العدول (٢) ، آويا إلى تخصيص وسكون ودماثة ، وحسن معاملة ، له بصر بالمساحة والحساب ، وله بصر بصناعة التعديل وجداول الأبراج ، وتدرّب في أحكام النجوم ، مقصود في العلاج بالرّقا والعزائم ، من أولي المسّ والخبال ، تعلّق بسبب هذه المنتحلات بأذيال الدول ، وانبتّ من شيمته الأولى ، فنال استعمالا في الشهادات المخزنية ، وخبر منه أيام قربه من مبادئ الأمور والنّواهي ، ومداخلة السلطان ؛ صمت وعقل ، واقتصار على معاناة ما امتحن به ، وهو الآن بقيد الحياة.

مشيخته : أخذ تلك الصناعة عن الشيخ أبي عبد الله الفخّار ، المعروف بأبي خزيمة ، أحد البواقع الموسومين بصحة الحكم فيها ، وعلى أبي زيد بن مثنى ؛ وقرأ الطب على شيخنا أبي زكريا بن هذيل ، رحمه الله ؛ ونسب إليه عند الحادثة على الدولة وانتقالها إلى يد المتغلّب ، اختيار وقت الثورة وضمان تمام الأمر ، وشهد بذلك بخطّ ، وغيب من إيثارها. فلما عاد الأمر إلى السلطان المزعج بسببها إلى العدوة ، أوقع به نكيرا كثيرا ، وضربه بالسّياط التي لم يخلّصه منها إلا أجله ، وأجلاه إلى تونس في جملة المغرّبين في أواخر عام ثلاثة وستين وسبعمائة.

وأخبرني السلطان المذكور أن المترجم به كتب إليه بمدينة فاس ، قبل شروعه في الوجهة ، يخبره بعودة الملك إليه ، وبإيقاعه المكروه الكبير به ، بما شهد بمهارته في الصنعة ، إن صحّ ذلك كله من قوانينها ، نسأل الله أن يضفي علينا لبوس ستره ، ويقينا شرّ عثرات الألسن بمنّه.

__________________

(١) في الأصل : «تسع» وهو خطأ نحوي.

(٢) العدول : جمع عدل وهو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم. لسان العرب (عدل).

٨٢

أحمد بن محمد الكرني

من أهل غرناطة.

حاله : شيخ الأطباء بغرناطة على عهده ، وطبيب الدار السلطانية. كان نسيج وحده ، في الوقار والنّزاهة ، وحسن السّمت ، والتزام مثلى الطريقة ، واعتزاز الصّنعة ؛ قائما على صناعة الطبّ ، مقرئا لها ، ذاكرا لنصوصها ، موفّقا في العلاج ، مقصودا فيه ، كثير الأمل والمثاب ، مكبوح العنان عمّا تثبت به أصول صناعته من علم الطبيعة ، سنيّا ، مقتصرا على المداواة ؛ أخذ عن الأستاذ أبي عبد الله الرّقوطي ، ونازعه بالباب السلطاني ، لمّا شدّ ، واحتيج إلى ما لديه في حكم بعض الأموال المعروضة على الأطبّاء ، منازعة أوجبت من شيخه يمينا أن لا يحضر معه بمكان ، فلم يجتمعا بباب السلطان بعد ، مع التمسّك بما لديهما ، وأخذ عن ابن عروس وغيره ، وأخذ عنه جملة من شيوخنا كالطبيب أبي عبد الله بن سالم ، والطبيب أبي عبد الله بن سراج وغيرهما.

حدّثني والدي بكثير من أخباره في الوقار وحسن الترتيب ، قال : كنت آنس به ، ويعجبني استقصاؤه أقوال أهل هذا الفن من صنعته ، على مشهوره ، فلقد عرض عليه ، لعليل لنا ، بعض ما يخرج ، وفيه حيّة ، فقال على فتور ، وسكونة ، ووقار كثير : هذا العليل يتخلص ، فقد قال الرئيس ابن سينا في أرجوزته : [الرجز]

إن خرج الخلط مع الحيّات

في يوم بحران فعن حياة

وهذا اليوم من أيام البحرانية ، فكان كما قال.

وفاته : كان حيّا سنة تسعين وستمائة.

أحمد بن محمد بن أبي الخليل ، مفرّج الأموي (١)

مولاهم ، من أهل إشبيلية ، يكنى أبا العباس ، وكناه ابن فرتون أبا جعفر وتفرّد بذلك ، يعرف بالعشّاب ، وابن الرّوميّة ، وهي أشهرهما وألصقهما به.

أوّليّته : قال القاضي أبو عبد الله (٢) : كان ولاء (٣) جدّه أحد أطباء قرطبة ، وكان قد تبنّاه ، وعن مولاه أخذ علم النبات.

__________________

(١) ترجمة أحمد بن محمد ابن الرومية في اختصار القدح المعلى (ص ١٨١) ، والذيل والتكملة (السفر الأول ص ٤٨٧) ، والتكملة (ج ١ ص ١٠٧) ، ونفح الطيب (ج ٣ ص ٣٤١).

(٢) هو ابن عبد الملك المراكشي ، وهذا النص في كتابه : الذيل والتكملة (السفر الأول ص ٤٨٨).

(٣) في الأصل «والد» والتصويب من الذيل والتكملة ، وجدّه هو : مفرج.

٨٣

حاله : كان نسيج وحده ، وفريد دهره ، وغرّة جنسه ، إماما في الحديث ، حافظا ، ناقدا ، ذاكرا تواريخ المحدّثين وأنسابهم وموالدهم ووفاتهم ، وتعديلهم ، وتجريحهم ؛ عجيبة نوع الإنسان في عصره ، وما قبله ، وما بعده ، في معرفة علم النبات ، وتمييز العشب ، وتحليتها ، وإثبات أعيانها ، على اختلاف أطوار منابتها ، بمشرق أو مغرب حسّا ، ومشاهدة ، وتحقيقا ، لا مدافع له في ذلك ، ولا منازع ، حجة لا تردّ ولا تدفع ، إليه يسلّم في ذلك ويرجع. قام على الصّنعتين ؛ لوجود القدر المشترك بينهما ، وهما الحديث والنبات ، إذ موادهما الرّحلة والتّقييد ، وتصحيح الأصول وتحقيق المشكلات اللفظية ، وحفظ الأديان والأبدان ، وغير ذلك. وكان زاهدا في الدنيا ، مؤثرا بما في يديه منها ، موسّعا عليه في معيشته ، كثير الكتب ، جمّاعا لها ، في كل فنّ من فنون العلم ، سمحا لطلبه العلم ، ربما وهب منها لملتمسه الأصل النفيس ، الذي يعزّ وجوده ، احتسابا وإعانة على التعليم ؛ له في ذلك أخبار منبئة عن فضله ، وكرم صنعه ، وكان كثير الشّغف بالعلم ، والدّؤوب على تقييده ومداومته ، سهر الليل من أجله ، مع استغراق أوقاته ، وحاجات الناس إليه ، إذ كان حسن العلاج في طبّه المورود ، الموضوع ، لثقته ودينه.

قال ابن عبد الملك (١) : إمام المغرب قاطبة فيما كان سبيله ، جال الأندلس ، ومغرب العدوة ، ورحل إلى المشرق ، فاستوعب المشهور من إفريقيّة ، ومصره ، وشامه ، وعراقه ، وحجازه ، وعاين الكثير ممّا ليس بالمغرب ؛ وعاوض كثيرا فيه ، كلّ ما أمكنه ، بمن يشهد له بالفضل في معرفته ، ولم يزل باحثا على حقائقه ، كاشفا عن غوامضه ، حتى وقف منه على ما لم يقف عليه غيره ، ممّن تقدّم في الملّة الإسلامية ، فصار واحد عصره فردا ، لا يجاريه فيه أحد بإجماع من أهل ذلك الشأن.

مذاهبه : كان (٢) سنّيّا ظاهريّ المذهب ، منحيا على أهل الرأي ، شديد التعصّب لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم ، على دين متين ، وصلاح تامّ ، وورع شديد ؛ انتشرت عنه تصانيف أبي محمد بن حزم ، واستنسخها (٣) ، وأظهرها ، واعتنى بها ، وأنفق عليها أموالا جمّة ، حتى استوعبها جملة ، حتى لم يشذّ له منها إلّا ما لا خطر ، متقدما ومقتدرا على ذلك بجدّته ويساره ، بعد أن تفقّه طويلا على أبي الحسن (٤) محمد بن أحمد بن زرقون في مذهب مالك.

__________________

(١) الذيل والتكملة (السفر الأول ص ٥١٢ ـ ٥١٣) والنقل عن ابن عبد الملك ليس حرفيّا.

(٢) النص في الذيل والتكملة (السفر الأول ص ٥١٢).

(٣) في الذيل والتكملة : «واستحسنها».

(٤) في الذيل والتكملة : «أبي الحسين».

٨٤

مشيخته : البحر الذي لا نهاية له ؛ روى (١) بالأندلس عن أبي إسحاق الدّمشقي (٢) ، وأبي عبد الله اليابري (٣) ، وأبي البركات بن داود (٤) ، وأبي بكر بن طلحة ، وأبي عبد الله بن الحر ، وابن العربي ، وأبي علي الحافظ ، وأبي زكريا بن مرزوق ، وابن يوسف ، وابن ميمون الشريشي ، وأبي الحسن بن زرقون ، وأبي ذرّ مصعب ، وأبي العباس ابن سيّد الناس ، وأبي القاسم البرّاق ، وابن جمهور ، وأبي محمد بن محمد بن الجنّان ، وعبد المنعم بن فرس ، وأبي الوليد بن عفير ؛ قرأ عليهم وسمع. وكتب إليه مجيزا من أهل الأندلس والمغرب ، أبو البقاء بن قديم ، وأبو جعفر حكم الجفّار ، وأبو الحسن الشّقوري ، وأبو سليمان بن حوط الله ، وأبو زكريا الدمشقي ، وأبو عبد الله الأندرشي ، وأبو القاسم بن سمجون ، وأبو محمد الحجري. ومن أهل المشرق جملة ، منهم أبو عبد الله الحمداني بن إسماعيل بن أبي صيف ، وأبو الحسن الحويكر نزيل مكة. وتأدّى إليه أذن طائفة من البغداديين والعراقيين له في الرواية ، منهم ظفر بن محمد ، وعبد الرحمن بن المبارك ، وعلي بن محمد اليزيدي ، وفناخسرو فيروز بن سعيد ، وابن سنيّة ، ومحمد بن نصر الصّيدلاني ، وابن تيميّة ، وابن عبد الرحمن الفارسي ، وابن الفضل المؤذّن ، وابن عمر بن الفخّار ، ومسعود بن محمد بن حسّان المنيغي ، ومنصور بن عبد المنعم الصاعدي ، وابن هوازن القشيري ، وأبو الحسن النّيسابوري.

وحجّ (٥) سنة اثنتي عشرة (٦) وستمائة ، فأدّى الفريضة سنة ثلاث عشرة (٧) ، ولقّب بالمشرق بحب الدّين. وأقام في رحلته نحو ثلاثة أعوام ، لقي فيها من الأعلام العلماء ، أكابر جملة ؛ فمنهم ببجاية أبو الحسن بن نصر (٨) ، وأبو محمد بن مكّي (٩) ؛ وبتونس أبو محمد المرجاني (١٠) ؛ وبالإسكندرية أبو الأصبغ بن عبد العزيز (١١) ، وأبو

__________________

(١) راجع الذيل والتكملة (السفر الأول ص ٤٨٨).

(٢) في الذيل والتكملة : هو أبو إسحاق بن خلف الدمشقي السنهوري.

(٣) في الذيل : «ابن عبد الله اليافري».

(٤) هو أبو البركات عبد الرحمن بن داود الزيزاري ، كما في الذيل والتكملة.

(٥) النص في الذيل والتكملة (السفر الأول ص ٤٨٩ ـ ٤٩١).

(٦) في الأصل : «اثني عشر» وهو خطأ نحوي.

(٧) في الأصل : «الفريضة ثلاث عشر».

(٨) في الذيل والتكملة : «أبو الحسن علي بن أبي نصر بن عبد الله».

(٩) في الذيل والتكملة : «يبكي».

(١٠) في الذيل والتكملة : «أبو محمد عبد الله بن المرجاني».

(١١) في الذيل والتكملة : «أبو الأصبغ عيسى بن عبد العزيز بن سليمان».

٨٥

الحسن بن جبير الأندلسي (١) ، وأبو الفضل بن جعفر بن أبي الحسن بن أبي البركات ، وأبو محمد عبد الكريم الربعي ، وأبو محمد العثماني أجاز له ولم يلقه ، وبمصر أبو محمد بن سحنون الغماري ولم يلقه ، وأبو الميمون بن هبة الله القرشي ؛ وبمكة أبو علي الحسن بن محمد بن الحسين ، وأبو الفتوح نصر بن أبي الفرج الحصري ؛ وببغداد (٢) أحمد بن أبي السعادات ، وأحمد بن أبي بكر ؛ وابن أبي (٣) خط طلحة ، وأبو نصر القرشي (٤) ، وإبراهيم بن أبي ياسر القطيعي ، ورسلان (٥) المسدي ، والأسعد بن بقاقا (٦) ، وإسماعيل بن باركش الجوهري ، وإسماعيل بن أبي البركات.

وبرنامج مرويّاته وأشياخه ، مشتمل على مئين (٧) عديدة ، مرتبة أسماؤهم على البلاد العراقية وغيرها ، لو تتبّعتها لاستبعدت الأوراق ، وخرجت عمّا قصدت.

قال القاضي أبو عبد الله المراكشي بعد الإتيان على ذلك (٨) : منتهى الثّقات أبو العباس النباتي ، من التّقييد الذي قيّد ، وعلى ما ذكره في فهارس له منوّعة ، بين بسط ، وتوسّط ، واقتضاب ، وقفت منها بخطّه ، وبخطّ بعض أصحابه ، والآخذين عنه.

من أخذ عنه : حدّث ببغداد برواية واسعة ، فأخذ عنه بها أبو عبد الله بن سعيد اللّوشي ؛ وبمصر الحافظ أبو بكر القط ، وبغيرها من البلاد أمّة وقفل برواية واسعة ، وجلب كتبا غريبة.

تصانيفه : له (٩) فيما ينتحله من هذين الفنّين تصانيف مفيدة ، وتنبيهات نافعة ، واستدراكات نبيلة بديعة (١٠) ، منها في الحديث ورجاله (١١) «المعلم بزوائد البخاري على مسلم» ، و «اختصار غريب (١٢) حديث مالك» للدّارقطني ، و «نظم الدّراري فيما

__________________

(١) في الذيل والتكملة : «أبو الحسن محمد بن أحمد بن جبير».

(٢) في الذيل والتكملة : «وببغداد ... الأحامد : ابن أبي السعادات أحمد بن أبي بكر أحمد بن كرم بن غالب».

(٣) في الذيل والتكملة : «وابن أبي في خط طلحة».

(٤) في الذيل والتكملة : «النّرسي».

(٥) في الذيل والتكملة : «وأرسلان ... السّيّدي».

(٦) في الذيل والتكملة : «بقا».

(٧) راجعها في الذيل والتكملة (في السفر الأول ص ٤٩٠ ـ ٥١٠).

(٨) الذيل والتكملة (السفر الأول ص ٥١٠).

(٩) النص في الذيل والتكملة (السفر الأول ص ٥١٣).

(١٠) في الذيل والتكملة : «بارعة ، وتعقبات لازمة».

(١١) في الأصل : «منها في الحديث : رجّالة المعلّم ...» ، والتصويب من الذيل.

(١٢) في الأصل : «غرائب».

٨٦

تفرّد به مسلم عن البخاري» ، و «توهين طرق حديث الأربعين» ، و «حكم الدّعاء في أدبار الصّلوات» ، و «كيفية الأذان يوم الجمعة» ، و «اختصار الكامل في الضّعفاء والمتروكين» لأبي محمد بن عدي ، و «الحافل في تذييل الكامل» ؛ و «أخبار محمد بن إسحاق».

ومنها في النبات (١) ، «شرح حشائش دياسقوريدوس وأدوية جالينوس» ، والتنبيه على أوهام ترجمتها (٢) ؛ و «التنبيه على أغلاط الغافقي (٣)» ، والرّحلة النّباتية والمستدركة ، وهو الغريب الذي اختصّ به ، إلّا أنه عدم عينه بعده ، وكان معجزة في فنّه ؛ إلى غير ذلك من المصنّفات الجامعة ، والمقالات المفيدة المفردة ، والتعاليق المنوّعة.

مناقبه : قال ابن عبد الملك وابن الزّبير ، وغيرهما (٤) : عني تلميذه ، الآخذ به ، الناقد ، المحدّث ، أبو محمد بن قاسم الحرّار ، وتهمم بجمع أخباره ، ونشر مآثره ، وضمّن ذلك مجموعا حفيلا نبيلا.

شعره : ذكره أبو الحسن بن سعيد في «القدح المعلّى» ، وقال (٥) : جوّال بالبلاد المشرقية (٦) والمغربية ، جالسته بإشبيلية بعد عوده (٧) من رحلته ، فرأيته متعلقا بالأدب ، مرتاحا إليه ارتياح البحتري لحلب ، وكان غير متظاهر بقول الشّعر ، إلّا أن أصحابه يسمعون منه ، ويروون عنه ، وحملت عنه (٨) في بعض الأوقات ، فقيّدت عنه هذه الأبيات : [البسيط]

خيّم بجلّق (٩) بين الكأس والوتر

في جنّة هي ملء السّمع والبصر

ومتّع الطّرف في مرأى محاسنها

تروض (١٠) فكرك بين الروض والزّهر

وانظر إلى ذهبيّات الأصيل بها

واسمع إلى نغمات الطّير في الشّجر (١١)

وقل لمن لام في لذّاته بشرا

دعني فإنّك عندي من سوى البشر

__________________

(١) في الذيل والتكملة : «ومنها في النبات شرحه حشائش ...».

(٢) في الذيل والتكملة : «مترجميها».

(٣) في الذيل والتكملة : «الغافقي في أدويته».

(٤) الذيل والتكملة (السفر الأول ص ٥١٣).

(٥) النص مع الأبيات في القدح المعلى (ص ١٨١).

(٦) في القدح المعلى : «بالبلاد المغربية والمشرقية».

(٧) في القدح المعلى : «عودته».

(٨) في القدح المعلى : «وحملته عليه».

(٩) في الأصل : «خيم تخلّق» ، والتصويب من القدح المعلى ، وجلق : هي دمشق.

(١٠) في الأصل : «بروض» والتصويب من القدح المعلى.

(١١) في الأصل : «السحر» والتصويب من القدح المعلى.

٨٧

قال : وكثيرا (١) ما يطنب على دمشق ، ويصف محاسنها ، فما انفصل (٢) عني إلّا وقد امتلأ خاطري من شكلها ، فأتمنّى أن أحلّ مواطنها ، إلى أن أبلغ (٣) الأمل قبل المنون : [الوافر]

ولو أني (٤) نظرت بألف عين

لما استوفت محاسنها العيون

دخوله غرناطة : دخلها غير ما مرّة لسماع الحديث ، وتحقيق النبات ؛ ونقر عن عيون النبات بجبالها ، أحد خزائن الأدوية ، ومظان الفوائد الغريبة ، يجري ذلك في تواليفه بما لا يفتقر إلى شاهد.

مولده : في محرم سنة إحدى وستين وخمسمائة.

وفاته : توفي بإشبيلية عند مغيب الشفق من ليلة الاثنين مستهل ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين وستمائة (٥). وكان ممّا رثي ، قال ابن الزّبير : ورثاه جماعة من تلامذته كأبي محمد الحرّار ، وأبي أمية إسماعيل بن عفير ، وأبي الأصبغ عبد العزيز الكبتوري (٦) وأبي بكر محمد بن محمد بن جابر السقطي ، وأبي العباس بن سليمان ؛ ذكر جميعهم الحرار المذكور في كتاب ألّفه في فضائل الشيخ أبي العباس ، رحمه الله.

أحمد بن عبد الملك بن سعيد بن خلف بن سعيد بن خلف

ابن سعيد بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن الحسن

ابن عثمان بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن عمّار بن ياسر

صاحب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم (٧)

أوّليّته : بيت بني سعيد العنسي ، بيت مشهور في الأندلس بقلعة يحصب ، نزلها جدّهم الأعلى ، عبد الله بن سعيد بن عمّار بن ياسر ؛ وكان له حظوة

__________________

(١) في القدح المعلى : «وكان كثيرا ما يطنب في الثناء على دمشق ...».

(٢) في القدح المعلى : «فلا انفصل عنه إلّا ...».

(٣) في القدح المعلى : «بلّغ الله الأمل والأماني قبل المنون».

(٤) في القدح : «وإني لو نظرت ...».

(٥) في القدح المعلى : «وكانت وفاته ببلده في سنة إحدى وثلاثين وستمائة». وفي الذيل والتكملة (السفر الأول ص ٥١٤): «توفي بين الظهر والعصر من يوم الأحد الموفّي ثلاثين من ربيع الأول ، واتفقوا أن ذلك كان سنة سبع وثلاثين وستمائة».

(٦) نسبة إلى كبتور. وضبطها الحميري بالقاف ، وقال : «قبتور : قرية من قرى إشبيلية». الروض المعطار (ص ٤٥٤).

(٧) يكنى أحمد بن عبد الملك بن سعيد بأبي جعفر ، وترجمته في المغرب (ج ٢ ص ١٦٤) ، ورايات المبرزين (ص ١٧٠) ، ونفح الطيب (ج ٥ ص ٣١٧) ، والحلل الموشية (ص ١١٨).

٨٨

لمكانه من اليمانيّة بقرطبة ؛ وداره بقرب قنطرتها ، كانت معروفة ؛ وهو بيت القيادة والوزارة ، والقضاء ، والكتابة ، والعمل ، وفيما يأتي ، وما مرّ كفاية من التنبيه عليه.

حاله : قال الملّاحي : كان من جلّة الطلبة ، ونبهائهم ؛ وله حظّ بارع من الأدب ، وكتابة مفيدة ، وشعر مدوّن. قال أبو الحسن بن سعيد في كتابه المسمّى ب «الطالع» (١) : نشأ محبّا في الأدب ، حافظا للشعر ، وذاكرا لنظم الشريف الرّضي ، ومهيار ، وابن خفاجة ، وابن الزّقاق ، فرقّت طباعه ، وكثر اختراعه وإبداعه ؛ ونشأت معه حفصة بنت الحاجّ الرّكوني ؛ أديبة زمانها ، وشاعرة أوانها ، فاشتدّ بها غرامه ، وطال حبّه وهيامه ؛ وكانت بينهما منادمات ومغازلات أربت على ما كان بين علوة وأبي عبادة ؛ يمرّ من ذلك إلمام في شعر حفصة ، إن شاء الله.

نباهته وحظوته : ولمّا وفدت الأندلس ، على صاحب أمر الموحّدين في ذلك الأوان ، وهو محتلّ بجبل الفتح (٢) ، واحتفل شعراؤها في القصائد ، وخطباؤها في الخطب بين يديه ، كان في وفد غرناطة ، أبو جعفر هذا المترجم به ، وهو حدث السنّ في جملة أبيه وإخوته وقومه ، فدخل معهم على الخليفة ، وأنشده قصيدة ؛ قال أبو الحسن بن سعيد ، كتبت منها من خط والده قوله (٣) : [الطويل]

تكلّم فقد أصغى إلى قولك الدّهر

وما لسواك اليوم (٤) نهي ولا أمر

ورم كلّ ما قد شئته فهو كائن

وحاول فلا برّ يفوت ولا بحر

وحسبك هذا البحر فألا (٥) فإنه

يقبّل تربا داسه جيشك الغمر (٦)

وما صوته (٧) إلّا سلام مردّد

عليك وعن بشر بقربك يفتر (٨)

بجيش لكي يلقى أمامك من غدا

يعاند أمرا لا يقوم له أمر

__________________

(١) هو كتاب «الطالع السعيد ، في تاريخ بني سعيد».

(٢) جبل الفتح : هو جبل طارق ، وهنا يشير ابن الخطيب إلى الحصن الذي بناه عبد المؤمن بن علي في هذا الجبل سنة ٥٥٥ ه‍ ، وقد تولّى بناءه ابنه السيد أبو سعيد عثمان صاحب غرناطة ، وشاور فيه الحاج يعيش المهندس. الحلل الموشية (ص ١١٨).

(٣) الأبيات في الحلل الموشية (ص ١١٨ ـ ١١٩) وفيه أن قائلها هو أبو حفص بن سعيد العنسي.

وورد منها في المغرب (ج ٢ ص ١٦٥) بيتان فقط هما الأول والرابع.

(٤) في المغرب : «الآن».

(٥) في الحلل الموشية : «بالا».

(٦) في الحلل الموشية : «النجر».

(٧) في المغرب : «صوتها».

(٨) في الحلل الموشية : «مفتر». ورواية صدر البيت في المغرب هي :

وفي كل قلب من تصعّدها ذعر

٨٩

أطلّ (١) على أرض الجزيرة سعدها

وجدّد فيها ذلك الخبر الخبر (٢)

فما طارق إلّا لذلك مطرق

ولا ابن نصير لم يكن ذلك النّصر

هما مهّداها كي تحلّ بأفقها

كما حلّ عند التّمّ بالهالة البدر

قال : فلمّا أتمّها أثنى عليه الخليفة ، وقال لعبد الملك أبيه : أيّهما خير عندك في ابنيك ؛ فقال يا سيّدنا : محمد دخل إليكم مع أبطال الأندلس وقوّادها ، وهذ مع الشعر ، فانظروا ما يجب أن يكون خيرا عندي ، فقال الخليفة : كلّ ميسّر لما خلق له ، وإذا كان الإنسان متقدّما في صناعة فلا يؤسف عليه ، إنما يؤسف على متأخّر القدر ، محروم الحظ. ثم أنشد فحول الشعراء والأكابر. ثم لمّا ولّي غرناطة ولده السيد أبو سعيد ، استوزر أبا جعفر المذكور ، واتصلت حظوته إلى أن كان ما يذكر من نكبته.

محنته : قال قريبه وغيره : فسد ما ببنه وبين السيد أبي سعيد لأجل حفصة الشاعرة ، إذ كانت محلّ هواه ، ثم اتصلت بالسيّد ، وكان له بها علاقة ، فكان كلّ منهما على مثل الرّضف (٣) للآخر ، ووجد حسّاده السبيل ، إلى إغراء السيّد به ، فكان مما نمي به عنه ، أن قال لحفصة يوما : وما هذا الغرام الشديد به ، يعني السيد ، وكان شديد الأدمة (٤) ، وأنا أقدر أن أشتري لك من المعرض أسودا خيرا منه بعشرين دينارا ؛ فجعل السيد يتوسّد له المهالك ، وأبو جعفر يتحفّظ كل التحفّظ. وفي حالته تلك يقول : [الكامل]

من يشتري مني الحياة وطيبها

ووزارتي وتأدّبي وتهذّبي

بمحلّ راع في ذرى ملمومة

زويت عن الدنيا بأقصى مرتب

لا حكم يأخذه بها إلّا لمن

يعفو ويرؤف دائما بالمذنب

فلقد سئمت من الحياة مع امرئ

متغضّب متغلّب مترتّب

الموت يلحظني إذا لا حظته

ويقوم في فكري أوان تجنّبي

لا أهتدي مع طول ما حاولته

لرضاه في الدنيا ولا للمهرب

__________________

(١) في الحلل الموشية : «أطيل».

(٢) رواية عجز البيت في الحلل هي :

ويمددها ذلك المخبر الخبر

(٣) الرّضف : الحجارة الممحاة يوغر بها اللّبن. والمراد أن كلّا منهما شديد الحقد على الآخر.

محيط المحيط (رضف).

(٤) الأدمة : اللون المشرب سوادا. محيط المحيط (أدم).

٩٠

وأخذ في أمره مع أبيه وإخوته ، وفتنة ابن مردنيش (١) مضطربة ؛ فقال له أخوه محمد وأبوه : إن حركنا حركة كنا سببا لهلاك هذا البيت ، ما بقيت دولة هؤلاء القوم ، والصبر عاقبته حميدة ، وقد كنّا ننهاك عن الممارجة (٢) ، فلم تركب إلّا هواك ؛ وأخذ مع أخيه عبد الرحمن ، واتفقا على أن يثورا في القلعة باسم ابن مردنيش ، وساعدهما قريبهما على ذلك حاتم بن حاتم بن سعيد ، وخاطبوا ابن مردنيش ، وصدر لهم جوابه بالمبادرة ، ووصلت منه خيل ضاربة ، وتهيّأ لدخول القلعة ؛ وتهيّأ الحصول في القلعة ، وخافوا من ظهور الأمر ؛ فبادر حاتم وعبد الرحمن إلى القلعة ، وتمّ لهما المراد ؛ وأخّر الجبن أبا جعفر ففاتاه ، وتوقّع الطلب في الطريق إلى القلعة ، فصار متخفّيا إلى مالقة ، ليركب منها البحر إلى جهة ابن مردنيش ؛ ووضع السيّد عليه العيون في كل جهة ، فقبض عليه بمالقة ، وطولع بأمره فأمر بقتله صبرا ، رحمه الله.

جزالته وصبره : قال أبو الحسن بن سعيد : حدّثني الحسين بن دويرة ، قال : كنت بمالقة لمّا قبض على أبي جعفر ، وتوصّلت إلى الاجتماع به ، ريثما استؤذن السيد في أمره حين حبس ، فدمعت عيني لما رأيته مكبولا ؛ قال : أعليّ تبكي بعد ما بلغت من الدنيا أطايب لذّاتها؟ فأكلت صدور الدجاج ، وشربت في الزّجاج ، وركبت كل هملاج (٣) ، ونمت في الديباج ، وتمتعت بالسّراري والأزواج ، واستعملت من الشمع السّراج الوهّاج ، وهأنا في يد الحجّاج ، منتظرا محنة الحلّاج ؛ قادم على غافر ، لا يحوج إلى اعتذار ولا احتجاج. فقلت : ألا أبكي على من ينطق بمثل هذا؟ ثم تفقّد ، فقمت عنه ، فما رأيته إلّا مصلوبا ، رحمه الله.

شعره (٤) : [الطويل]

أتاني كتاب منك يحسده الدّهر

أما حبره ليل ، أما طرسه فجر؟

به جمع الله الأمانيّ لناظري

وسمعي وفكري فهو سحر ولا سحر

ولا غرو أن أبدى العجائب ربّه

وفي ثوبه برّ ، وفي كفّه بحر

ولا عجب إن أينع الزّهر طيّه

فما زال صوب القطر يبدو به الزّهر

__________________

(١) هو أبو عبد الله محمد بن سعد بن مردنيش ، أمير شرق الأندلس (مرسية وبلنسية). توفي بمرسية سنة ٥٦٧ ه‍. أعمال الأعلام (القسم الثاني ص ٢٥٩) ، والمنّ بالإمامة (ص ١٠٩ ، ٢١٠) ، والحلّة السيراء (ج ٢ ص ٢٣١ ـ ٢٣٣).

(٢) الممارجة : الفساد والفتنة ؛ يقال : مرج السلطان رعيّته : خلّاها والفساد. محيط المحيط (مرج).

(٣) الهملاج هو الدابة الأصيلة الحسنة السير. لسان العرب (هملج).

(٤) البيت الأول فقط في المغرب (ج ٢ ص ١٦٥).

٩١

ومن شعره ما يجري مجرى المرقص ، وقد حضر مع الرّصافي والكتندي ومعهم مغنّ بروطة (١) : [مجزوء الكامل]

لله يوم مسرّة

أضوى وأقصر من ذباله

لما نصبنا للمنى

فيه من أوتار حباله

ظل (٢) النهار بها كمر

تاع ، وأجفلت الغزاله

وشعره مدوّن كما قلنا ، وهذا القدر عنوان على نبله.

غريبة في أمره مع حفصة

قال حاتم بن سعيد : وكان قد أجرى الله على لسانه ، إذا حرّكت الكأس بها غرامه ، أن يقول : والله لا يقتلني أحد سواك ؛ وكان يعني بالحبّ ، والقدر موكل بالمنطق ، قد فرغ من قتله بغيره من أجلها. قال : ولمّا بلغ حفصة قتله لبست الحداد ، وجهرت بالحزن ، فتوعّدت بالقتل ، فقالت في ذلك : [الخفيف]

هدّدوني من أجل لبس الحداد

لحبيب أردوه لي بالحداد

رحم الله من يجود بدمع

أو ينوح على قتيل الأعادي

وسقته بمثل جود يديه

حيث أضحى من البلاد الغوادي

ولم ينتفع بعد بها ، ثم لحقت به بعد قليل.

وفاته : توفي على حسب ما ذكر ، في جمادى الأولى من سنة تسع وخمسين وخمسمائة.

أحمد بن سليمان بن أحمد بن محمد بن أحمد القرشي ،

المعروف بابن فركون (٣)

يكنى أبا جعفر.

أوّليّته : قد مرّ ذلك في اسم جدّه قاضي الجماعة (٤) ، وسيأتي في اسم والده.

__________________

(١) الأبيات في المغرب (ج ٢ ص ١٦٧).

(٢) في المغرب : «طار».

(٣) ترجم له ابن الخطيب هنا فأثنى عليه ، وترجم له في الكتيبة الكامنة (ص ٣٠٥) فذمّه. وترجمته أيضا في نفح الطيب (ج ١٠ ص ١٤١).

(٤) جدّه قاضي الجماعة هو أحمد بن محمد بن أحمد بن هشام القرشي ، وقد تقدّمت ترجمته.

٩٢

حاله : شعلة من شعل الذكاء والإدراك ، ومجموع خلال حميدة على الحداثة ، طالب نبيل ، مدرك ، نجيب ، بذّ أقرانه كفاية ، وسما إلى المراتب ، فقرأ ، وأعرب ، وتمر (١) ، وتدرّب ، واستجاز له والده شيوخ بلده فمن دونهم ، ونظم الشعر ، وقيّد كثيرا ، وسبق أهل زمانه في حسن الخط سبقا أفرده بالغاية القصوى ؛ فيراعه اليوم المشار إليه بالظّرف والإتقان ، والحوا ، والإسراح ؛ اقتضى ذلك كله ارتقاؤه إلى الكتابة السلطانية. ومزية الشّفوف بها ، بالخلع والاستعمال ؛ واختصّ بي ، وتأدب بما انفرد به من أشياخ تواليفي ، فآثرته بفوائد جمّة ، وبطن حوضه من تحلّمه ، وترشّح إلى الاستيلاء على الغاية.

شعره : أنشد له بين يدي السلطان في الميلاد الكريم : [الكامل]

حيّ المعاهد بالكثيب وجادها

غيث يروي حيّها وجمادها

مولده : في ربيع الآخر من عام سبعة وأربعين وسبعمائة.

أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صفوان

من أهل مالقة ؛ يكنى أبا جعفر ، ويعرف بابن صفوان (٢).

حاله : بقيّة الأعلام ، أديب من أدباء هذا القطر ، وصدر من صدور كتّابه ، ومشيخة طلبته ، ناظم ، ناثر ، عارف ، ثاقب الذهن ، قويّ الإدراك ، أصيل النظر ، إمام الفرائض والحساب والأدب والتّوثيق ، ذاكر للتاريخ واللغة ، مشارك في الفلسفة والتصوّف ، كلف بالعلوم الإلهية ، آية الله في فكّ المعمّى ، لا يجاريه في ذلك أحد ممّن تقدّمه ، شأنه عجب ، يفكّ من المعمّيات والمستنبطات ، مفصولا وغير مفصول ؛ شديد التعصّب لذي ودّ ، وبالعكس ، تامّ الرّجولة ، قليل التّهيّب ، مقتحم حمى أهل الجاه والحمد والمضايقة ، إذا دعاه لذلك داع حبل نقده على غاربه ، راض بالخمول ، متبلّغ بما تيسّر ، كثير الدؤوب والنظر ، والتقييد والتصنيف ، على كلال الجوارح ، وعائق الكبرة (٣) ، متقارب نمطي الشعر والكتابة ، مجيد فيهما ، ولنظمه شفوف على نثره.

مشيخته : قرأ على الأستاذ أبي محمد الباهلي ، أستاذ الجملة من أهل بلده ، ومولى النّعمة عليهم ، لازمه وانتفع به ؛ ورحل إلى العدوة ، فلقي جملة ، كالقاضي

__________________

(١) تمر : أطعم التّمر ، والمراد أنه أثمر.

(٢) ترجمة ابن صفوان في الكتيبة الكامنة (ص ٢١٦) ، ونفح الطيب (ج ٨ ص ١٧٦).

(٣) الكبرة : الكبر في السّنّ. محيط المحيط (كبر).

٩٣

المؤرّخ أبي عبد الله بن عبد الملك ، والأستاذ التعالمي أبي العباس بن البنّاء (١) ، وقرأ عليهم بمرّاكش.

نباهته : استدعاه السلطان ، ثاني الملوك من بني نصر (٢) ، إلى الكتابة عنه مع الجلّة ، ببابه ، وقد نما عشّه ، وعلا كعبه ، واشتهر ذكاؤه وإدراكه. ثم جنح إلى العودة لبلده. ولمّا ولّي الملك السلطان أبو الوليد ، ودعاه إلى نفسه ، ببلده مالقة ، استكتبه رئيسا مستحقّا ، إذ لم يكن ببلده. فأقام به واقتصر على كتب الشروط ، معروف القدر ، بمكان من القضاة ورعيهم ، صدرا في مجالس الشّورى ؛ وإلى الآن يجعل إلى زيارة غرناطة ، حظّا من فصول بعض السنين ، فينصب بها العدالة ، ثم يعود إلى بلده في الفصل الذي لا يصلح لذلك. وهو الآن بقيد الحياة ، قد علقته أشراك الهرم ، وفيه بعد مستمتع ، بديع ، كبير.

تصانيفه : من تواليفه ، «مطلع الأنوار الإلهية» ؛ و «بغية المستفيد» ؛ و «شرح كتاب القرشي في الفرائض» ، لا نظير له. وأما تقاييده على أقوال يعترضها ، وموضوعات ينتقدها ، فكثيرة.

شعره : قال في غرض التّصوّف : وبلغني أنه نظمها بإشارة من الخطيب ، وليّ الله ، أبي عبد الله الطّنجالي ، كلف بها القوّالون والمسمّعون بين يديه (٣) : [الكامل]

بان الحميم فما الحمى والبان

بشفاء من عنه الأحبّة بانوا

لم ينقضوا عهدا بينهم ولا

أنساهم ميثاقك الحدثان

لكن جنحت لغيرهم فأزالهم

عن أنسهم بك موحش غيران

لو صحّ حبّك ما فقدتهم ولا

سارت بهم عن حبّك الأظعان

تشتاقهم ، وحشاك هالة بدرهم

والسّرّ منك لخلّهم (٤) ميدان

ما هكذا أحوال أرباب الهوى

نسخ الغرام بقلبك السّلوان

لا يشتكي ألم البعاد متيّم

أحبابه في قلبه سكّان

ما عندهم إلّا الكمال وإنما

غطّى على مرآتك (٥) النّقصان

__________________

(١) هو أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي المراكشي ، المشهور بابن البناء ، المتوفىّ سنة ٧٢١ ه‍.

أزهار الرياض (ج ٣ ص ٢٣). (ج ٥ ص ٦٨).

(٢) هو محمد بن محمد بن يوسف بن نصر ، حكم غرناطة من سنة ٦٧١ ه‍ إلى سنة ٧٠١ ه‍ ، اللمحة البدرية (ص ٥٠).

(٣) القصيدة في الكتيبة الكامنة (ص ٢٢٠ ـ ٢٢٢).

(٤) في الكتيبة : «لخيلهم».

(٥) في الكتيبة : «مرآتها».

٩٤

شغلتك بالأغيار عنهم مقلة

إنسانها عن لمحهم وسنان

غمّض جفونك عن سواهم معرضا

إنّ الصّوارم حجبها الأجفان

واصرف إليهم لحظ فكرك شاخصا

ترهم (١) بقلبك حيث (٢) كنت وكانوا

ما بان (٣) عن مغناك من ألطافه

يهمي عليها سحابها الهتّان

وجياد أنعمه ببابك ترتمي

تسري إليك بركبها الأكوان

جعلوا دليلا فيك (٤) منك عليهم

فبدا على تقصيرك البرهان

يا لا محا سرّ الوجود بعينه

السّرّ فيك بأسره والشّان

ارجع لذاتك إن أردت تنزّها

فيها لعيني ذي الحجا بستان

هي روضة مطلولة بل جنّة

فيها المنى والرّوح والرّيحان

كم حكمة صارت تلوح لناظر

حارت لباهر صنعها الأذهان

حجبت بشمسك (٥) عن عيانك شمسها

شمس محاسن ذكرها التّبيان (٦)

لولاك ما خفيت عليك آياتها (٧)

والجوّ من أنوارها ملآن

أنت الحجاب لما تؤمّل منهم

ففناؤك الأقصى لهم وجدان

فاخرج إليهم عنك مفتقرا لهم

إنّ الملوك بالافتقار تدان

واخضع لعزّهم ولذ بهم (٨) يلح

منهم عليك تعطّف (٩) وحنان

هم رشّحوك إلى الوصول إليهم

وهم على طلب الوصال عوان (١٠)

عطفوا جمالهم على أجمالهم

فحلى (١١) المشوق الحسن والإحسان

يا ملبسين عبيدهم حلل الضّنى

جسمي بما تكسونه يزدان

لا سخط عندي للذي ترضونه

قلبي بذاك مفرح (١٢) جذلان

فبقربكم عين الغنا وببعدكم

محض الفنا ومحبّكم ولهان (١٣)

__________________

(١) في الكتيبة : «ترسم».

(٢) في الكتيبة : «كيف».

(٣) في الكتيبة : «ما غاب».

(٤) في الكتيبة : «منك فيك».

(٥) في الكتيبة : «بشخصك».

(٦) في الكتيبة : «فمحا محاسن ذكرها النسيان».

(٧) في الأصل : «آياتها» وهكذا ينكسر الوزن.

(٨) في الأصل : «ولذلّهم» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.

(٩) في الكتيبة : «تلطّف».

(١٠) في الكتيبة : «أعانوا».

(١١) في الكتيبة : «فسبا».

(١٢) في الكتيبة : «فارح».

(١٣) رواية البيت في الكتيبة هي :

تقريبكم عين البقاء وبعدكم

محض الفناء وحبكم ولهان

٩٥

إني كتمت عن الأنام هواكم

حتى دهيت وخانني الكتمان

ووشت بحالي عند ذاك (١) مدامع

أدنى مواقع قطرها طوفان

وبدت عليّ شمائل عذريّة

تقضي بأني فيكم هيمان

فإذا نطقت فذكركم لي منطق

ما عن (٢) سواكم للّسان بيان

وإذا صمتّ فأنتم سرّي الذي

بين الجوانح في الفؤاد يصان

فبباطني وبظاهري لكم هوى

من جنده الإسرار والإعلان

وجوانحي (٣) وجميع أنفاسي وما

أحوي ، عليّ لحبّكم أعوان

وإليكم مني المفرّ فقصدكم

حرم به للخائفين أمان

وقال يذمّ الدنيا ويمدح عقبى من يقلّل منها : [الطويل]

حديث الأمان في الحياة شجون

إن ارضاك شأن أحفظتك شؤون

يميل إليها جاهل بغرورها

فمنه اشتياق نحوها وأنين

وذو الحزم ينبو عن حجاه فحالها

يقيه إذا شكّ عراه يقين

إليك صريع الأمن سنحة ناصح

على نصحه سيما الشّفيق تبين

تجاف عن الدّنيا ودن باطّراحها

فمركبها بالمطمعين حرون

وترفيعها خفض وتنعيمها أذى

ومنهلها للواردين أجون

إذا عاهدت خانت وإن هي أقسمت

فلا ترج برّا باليمين يمين

يروقك منها مطمع من وفائها

وسرعان ما إثر الوفاء تخون

وتمنحك الإقبال كفّة حابل

ومن مكرها في طيّ ذاك كمين

سقاه ، لعمر الله ، إمحاضك الهوى

لمن أنت بالبغضاء فيه قمين (٤)

ومن تصطفيه وهو يقطعك القلا

وتهدى له الإعزاز وهو يهين

ألا إنّها الدنيا فلا تغترر بها

ولود الدّواهي بالخداع تدين

يعمّ رداها الغرّ والخبّ ذا الدّها

ويلحق فيها بالكناس عرين

وتشمل بلواها نبيلا وخاملا

ويلقى مذال غدرها ومصون

أبنها ، لحاها الله ، كم فتنة لها

تعلّم صمّ الصّخر كيف يلين

__________________

(١) في الكتيبة : «في الغرام» بدل : «عند ذاك».

(٢) في الكتيبة : «لي».

(٣) في الكتيبة : «وجوارحي».

(٤) القمين : الخليق ، الجدير : محيط المحيط (قمن).

٩٦

فلا ملك سام أقالت عثاره

ولو أنه للفرقدين خدين

ولا معهد إلّا وقد نبهت به

بعيد الكرى للثّاكلات جفون

أبيت لنفسي أن يدنّسها الكرى

سكون إليها موبق وركون

فليس قرير العين فيها سوى امرئ

قلاه لها رأي يراه ودين

أبيت طلاق الحرص فالزّهد دائبا

خليل له مستصحب وقرين

إذا أقبلت لم يولها بشر شيّق

ولا خفّ للإقبال منه رزين

وإن أدبرت لم يلتفت نحوها بها

وأدّ (١) على ما لم توات حزين

خفيف المطا من حمل أثقال همّها

إذا ما شكت ثقل الهموم متون

على حفظه للفقر أبهى ملاءة

سنا حليها وسط الزريّ يدين

برجف تخال الخائفين منازل

لهنّ مكان حيث حلّ مكين

منازل نجد عندها وتهامة

سوى واستوى هند لديه وصين

يرود رياضا أين سار وورده

زلال اعتاض الورود معين

فهذا أثيل الملك لا ملك ثائر

لأعدائه حرب عليه زبون

وهذا عريض العزّ لا عزّ مترف

له من مشيدات القصور سجون

حوت شخصه أوصافها فكأنّه

وإن لم يمت فوق التّراب دفين

فيا خابطا عشواء والصّبح قد بدا

إلام تغطّي ناظريك دجون؟

أفق من كرى هذا التّعامي ولا تضع

بجهلك علق العمر فهو ثمين

إذا كان عقبى ذي جدّة إلى بلى

وقصارى ذي الحياة منون

ففيم التفاني والتنافس ضلّة؟

وفيم التّلاحي والخصام يكون؟

إلى الله أشكوها نفوسا عميّة

عن الرّشد والحقّ اليقين تبين

وأسأله الرّجعى إلى أمره الذي

بتوفيقه حبل الرّجاء متين

فلا خير إلّا من لدنه وجوده

لتيسير أسباب النّجاة ضمين

وجمعت (٢) ديوان شعره أيّام مقامي بمالقة عند توجّهي صحبة الرّكاب السلطاني إلى إصراخ الخضراء عام أربعة وأربعين وسبعمائة ؛ وقدّمت صدره خطبة ، وسمّيت الجزء ب «الدّرر الفاخرة ، واللّجج الزاخرة» ، وطلبت منه أن يجيزني ، وولدي عبد الله ، رواية ذلك عنه ، فكتب بخطّه الرائق بظهر المجموع ما نصّه :

__________________

(١) في الأصل : «واد» وهكذا ينكسر الوزن.

(٢) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ١٧٧).

٩٧

«الحمد لله مستحقّ الحمد ؛ أجبت سؤال الفقيه ، الأجلّ ، الأفضل ، السّري ، الماجد ، الأوحد ، الأحفل ، الأديب البارع ، الطّالع في أفق المعرفة والنّباهة ، والرّفعة المكينة والوجاهة ، بأبهى المطالع ، المصنّف ، الحافظ ، العلّامة ، الحائز في فنّي النظم والنثر ، وأسلوبي الكتابة والشّعر ، رتبة الرياسة (١) ؛ الحامل لراية التقدّم والإمامة ؛ محلّي جيد العصر بتواليفه (٢) الباهرة الرّواء ؛ ومجلّي محاسن بنيه ، الرائقة على منصّة الإشهاد (٣) والأنباء ؛ أبي عبد الله بن الخطيب ، وصل الله سعادته ومجادته (٤) ؛ وسنى من الخير الأوفر ، والصّنع الجميل (٥) الأبهر ، مقصده وإرادته ؛ وبلّغه في نجله الأسعد ، وابنه الراقي بمحتده الفاضل ، ومنشئه الأطهر ، محلّ الفرقد ، أفضل ما يؤمّل نحلته إياه في (٦) المكرمات وإفادته ؛ وأجزت له ولابنه عبد الله المذكور ، أبقاهما الله تعالى ، في عزّة سنيّة الخلال ، وعافية ممتدّة الأفياء ، وارفة الظّلال ؛ رواية جميع ما تقيّد في الأوراق ، المكتتب على ظهر أوّل ورقة منها ، من نظمي ونثري ؛ وما تولّيت إنشاءه ، واعتمدت بالارتحال (٧) والرواية ، اختياره وانتقاءه ، أيام عمري ؛ وجميع ما لي من تصنيف وتقييد ، ومقطوعة وقصيد (٨) ، وجميع ما أحمله عن أشياخي رضي الله عنهم ، من العلوم ، وفنون المنثور والمنظوم ؛ بأيّ وجه تأدّى (٩) إليّ ، وصحّ حملي له ، وثبت إسناده لديّ (١٠) إجازة تامّة ، في ذلك كله عامّة ، على سنن الإجازات الشّرعية (١١) ، وشرطها المأثور عند أهل الحديث المرعيّ ، والله ينفعني وإيّاهما بالعلم وحمله ، وينظمنا جميعا في سلك حزبه المفلحين (١٢) وأهله ، ويفيض علينا من أنوار بركته وفضله. قال ذلك وكتبه بخطّ يده الفانية ، العبد الفقير إلى الغني (١٣) به ، أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صفوان ، ختم الله له بخير ؛ حامدا لله تعالى ، ومصلّيا ومسلما على محمد نبيّه المصطفى الكريم ، وعلى آله الطاهرين ذوي المنصب العظيم ، وصحبه (١٤) البررة ، أولي (١٥) المنصب والأثرة والتقديم ؛ في سادس ربيع الآخر عام أربعة وأربعين وسبعمائة ، وحسبنا الله ونعم الوكيل».

__________________

(١) في النفح : «الرياسة والإمامة».

(٢) في النفح : «بتآليفه».

(٣) في النفح : «الإشارة».

(٤) في النفح : «سعادته ، وحرس مجادته».

(٥) كلمة «الجميل» غير واردة في النفح.

(٦) في النفح : «من».

(٧) في النفح : «بالارتجال».

(٨) في الأصل : «وقصيدة» والتصويب من النفح.

(٩) في الأصل : «تأتّى ذلك».

(١٠) في الأصل : «لي».

(١١) في النفح : «الشرعي».

(١٢) في النفح : «المفلح».

(١٣) في النفح : «إلى الله الغني».

(١٤) في النفح : «وصحابته».

(١٥) في النفح : «أولي الأثرة».

٩٨

واشتمل هذا الجزء الذي أذن بحمله عنه من شعره على جملة من المطوّلات ، منها قصيدة يعارض بها الرئيس أبا عليّ بن سينا في قصيدته الشهيرة في النّفس التي مطلعها : «هبطت إليك من المحلّ الأرفع» ، أولها : «أهلا بمسراك المحب الموضع». وأول قصيدة : [الطويل]

لمعناك في الأفهام سرّ مكتّم

عليه نفوس العارفين تحوم

وأول أخرى : [الكامل]

أزهى حجابك رؤية الأغيار

فامح الدّجى بأشعّة الأنوار

وأول أخرى : [الطويل]

ثناء وجودي في هواكم هو الخلد

ومحو رسومي حسن ذاتي به يبدو

ومطلع أخرى : [الطويل]

ألا في الهوى بالذّلّ ترعى الوسائل

ودمعي (١) أنادي مجيب وسائل

ومطلع أخرى : [الطويل]

هم القصد جادوا بالرّضى أو تمنّعوا

صلوا اللوم فيما أودعوا القلب أودعوا

ومن أخرى : [البسيط]

سقى زمان (٢) الرّضا هام من السّحب

إلهي (٣) العود من أثوابه القشب

ومن أخرى : [الكامل]

يا فوز نفسي في هواك هواؤها

رقّت معانيها وراق مناؤها

ومن أخرى : [الكامل]

أمّا الغرام فبالفؤاد غريم

هيهات منّي ما العذول يروم

ومن شعره في المقطوعات قوله (٤) : [الكامل]

رشق (٥) العذار لجينه بنباله

فغدا يدور (٦) على المحبّ الواله

__________________

(١) في الأصل : «ودمعي أن أنادي ...» وهكذا ينكسر الوزن.

(٢) في الأصل : «زمن» وهكذا ينكسر الوزن.

(٣) في الأصل : «والله» وهكذا ينكسر الوزن.

(٤) الأبيات في الكتيبة الكامنة (ص ٢٢٣).

(٥) في الكتيبة : «وشى».

(٦) في الكتيبة : «يرق».

٩٩

خطّ العذار بصفحتيه لامه

خطّا توعّده بمحو جماله

فحسبت أنّ جماله شمس الضّحى

حسنا وذاك الخطّ خطّ زواله

فدنا (١) إليّ تعجّبا وأجابني

والرّوع يبدو من خلال مقاله

إنّ الجمال اللام آخره (٢) فعج

عن رسمه واندب على أطلاله

ومن أبياته في التّورية بالفنون قوله (٣) : [الوافر]

كففت عن الوصال طويل شوقي

إليك وأنت للرّوح الخليل

وكفّك للطويل (٤) فدتك نفسي

قبيح ليس يرضاه الخليل

وقال في التّورية بالعروض (٥) : [الكامل]

يا كاملا شوقي إليه وافر

وبسيط خدّي في هواه عزيز

عاملت أسبابي لديك (٦) بقطعها (٧)

والقطع في الأسباب ليس يجوز

وقال في التّورية بالعربية (٨) : [الوافر]

أيا قمرا مطالعه جناني

وغرّته توارى (٩) عن عياني (١٠)

أأصرف في هواك عن اقتراحي (١١)

وسهدي وانتحابي علّتان؟

وقال أيضا : [الرجز]

لا تصحبن يا صاحبي غير الوفي

كلّ امرئ عنوانه من يصطفي

كم من خليل بشره زهر الرّبى

وطيّ ذاك البشر حدّ المرهف

ظاهره يريك سرّ من رأى

وأنت من إعراضه في أسف

ووقعت بينه وبين قاضي بلده أبي عمرو بن المنظور مقاطعة ، انبرى بها إلى مطالبته بما دعاه إلى التحوّل مضطرّا إلى غرناطة ، وأخذ بكظمه ، وطوّقه الموت

__________________

(١) في الكتيبة : «فرنا».

(٢) في الأصل : «آخره اللام ...» ، وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة.

(٣) البيتان في الكتيبة الكامنة (ص ٢٢٢).

(٤) في الكتيبة : «للوصال».

(٥) في الكتيبة : «إليك».

(٦) في الأصل : «فقطعتها» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من الكتيبة الكامنة.

(٨) البيتان في الكتيبة الكامنة (ص ٢٢٢).

(٧) في الكتيبة : «توارت».

(٨) في الأصل : «عيان» والتصويب من الكتيبة الكامنة.

(٩) في الكتيبة : «افتراقي».

١٠٠