الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ١

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]

الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]


المحقق: الدكتور يوسف علي طويل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3319-5
ISBN الدورة:
2-7451-3319-5

الصفحات: ٣٤١

مائة دينار وازنة ؛ وكان يعقد لغيره إلى ستة أشهر ، ثم يدال بنظيره من غيرهم ؛ ولم يكن الدّيوان والكتبة إلّا في الشّاميين خاصّة ؛ وكانوا أحرارا من العشر ، معدّين للغزو ، ولا يلزمهم إلّا المقاطعة على أموال الرّوم التي كانت بأيديهم ؛ وكان العرب من البلديين يؤدّون العشر ، مع سائر أهل البلد ، وكان أهل بيوتات منهم يغزون كما يغزو الشاميّون ، بلا عطاء ، فيصيّرهم إلى ما تقدّم ذكره. وإنما كان يكتب أهل البلد في الغزو ؛ وكان الخليفة يخرج عسكرين ، إلى ناحيتين ، فيستنزلهم ؛ وكانت طائفة ثالثة يسمّون النّظراء من الشاميين والبلديين ، كانوا يغزون كما يغزو أهل البلد من الفريقين. وقد بيّنّا نبذة من أحوال هؤلاء العرب. والاستقصاء يخرج كتابنا عن غرضه ، والإحاطة لله سبحانه.

ذكر ما آل إليه حال من ساكن المسلمين بهذه الكورة من

النصارى المعاهدين (١) على الإيجاز والاختصار

قال المؤلّف : ولمّا استقرّ بهذه الكورة الكريمة أهل الإسلام ، وأنزل الأمير أبو الخطار قبائل العرب الشاميّين بهذه الكورة ، وأقطعهم ثلث أموال المعاهدين ، استمرّ سكناهم في غمار من الروم ؛ يعالجون فلاحة الأرض ، وعمران القرى ، يرأسهم أشياخ من أهل دينهم ، أولو حنكة ودهاء ومداراة ، ومعرفة بالجباية اللازمة لرؤوسهم. وأحدهم رجل يعرف بابن القلّاس ، له شهرة وصيت ، وجاه عند الأمراء بها. وكانت لهم بخارج الحضرة ، على غلوتين (٢) ، تجاه باب إلبيرة في اعتراض الطريق إلى قولجر ، كنيسة شهيرة ، اتخذها لهم أحد الزعماء من أهل دينهم ، استركبه بعض أمرائها في جيش خشن من الروم ، فأصبحت فريدة في العمارة والحلية ؛ أمر بهذمها الأمير يوسف بن تاشفين (٣) ، لتأكّد رغبة الفقهاء ، وتوجّه فتواهم. قال ابن الصّيرفي : خرج أهل الحضرة لهدمها يوم الاثنين عقب جمادى الآخرة من عام اثنين وتسعين وأربعمائة ، فصيّرت للوقت قاعا ، وذهبت كلّ يد بما أخذت من أنقاضها وآلاتها.

__________________

(١) النصارى المعاهدون هم المستعربون Los Mozarabes ، الذين عاشوا في غرناطة وغيرها من مدن الأندلس في ظل العرب المسلمين ، وقد أطلق عليهم العرب في بادئ الأمر اسم «عجم الأندلس». راجع : مملكة غرناطة في ظل بني زيري البربر للدكتورة مريم قاسم طويل (ص ٢٤٧ ـ ٢٥٠).

(٢) الغلوة : رمية سهم ، ويقال هي قدر ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة ، والجمع غلوات وغلاء. محيط المحيط (غلا).

(٣) يوسف بن تاشفين زعيم المرابطين ، بالمغرب والأندلس معا ، وسيترجم له ابن الخطيب في الجزء الرابع من الإحاطة.

٢١

قلت : ومكانها اليوم مشهور ، وجدارها ماثل ينبئ عن إحكام وأصالة ، وعلى بعضها مقبرة شهيرة لابن سهل بن مالك ، رحمه الله.

ولمّا تحرّكت لعدو الله الطّاغية ابن رذمير ريح الظّهور ، على عهد الدولة المرابطيّة ، قبل أن يخضد الله شوكته على إفراغة (١) بما هو مشهور ، أملت المعاهدة (٢) من النصارى لهذه الكورة إدراك الثّرّة ، وأطمعت في المملكة ، فخاطبوا (٣) ابن رذمير من هذه الأقطار ، وتوالت عليه كتبهم وتواترت رسلهم ، ملحّة بالاستدعاء مطمعة في دخول غرناطة (٤) ، فلمّا أبطأ عنهم ، وجّهوا إليه زماما يشتمل على اثني عشر ألفا من أنجاد مقاتليهم ، لم يعدّوا فيها شيخا ولا غرّا ، وأخبروه أنّ من سمّوه ، ممّن شهرت (٥) أعينهم لقرب مواضعهم ، وبالبعد من يخفى أمره ، ويظهر عند ورود شخصه ، فاستأثروا طمعه وابتعثوا جشعه ، واستفزّوه بأوصاف غرناطة ، وما لها من الفضائل (٦) على سائر البلاد وبفحصها الأفيح ، وكثرة فوائدها من القمح والشّعير ، والكتّان ، وكثرة المرافق ، من الحرير والكروم ، والزيتون ، وأنواع الفواكه ، وكثرة العيون والأنهار ، ومنعة قبّتها (٧) وانطباع رعيّتها ، وتأتي أهل حاضرتها ، وجمال إشرافها وإطلالها ، وأنّها المباركة التي يمتلك منها غيرها ، المسمّاة سنام الأندلس عند الملوك في تواريخها ، فرموا حتى أصابوا غربه ، فانتخب وأحشد ، وتحرّك أول شعبان من عام خمسة عشر وخمسمائة (٨) وقد أخفى مذهبه ، وكتم أربه ، فوافى (٩) بلنسية ، ثم إلى مرسية ، ثم إلى بيرة ، ثم اجتاز بالمنصورة ثم انحدر إلى برشانة ، ثم تلوّم إلى وادي ناطلة. ثم تحرّك إلى بسطة ، ثم إلى وادي آش ، فنزل بالقرية المعروفة بالقصر (١٠) وصافح المدينة بالحرب ، ولم يحل بطائل ، فأقام عليها شهرا.

__________________

(١) إفراغة ، بالإسبانيةFraga : وهي مدينة بغربي لاردة من الأندلس ، لها حصن منيع وبساتين كثيرة. الروض المعطار (ص ٤٨).

(٢) المعاهدة : هم النصارى المعاهدون.

(٣) قارن بما جاء في البيان المغرب (ج ٤ ص ٦٩ ـ ٧٣) وفيه يقول ابن عذاري إن أهل نظر أغرناطة خاطبوا في سنة ٥١٩ ه‍ ابن ردمير ملحّة عليه بدخول غرناطة. وفي النص بعض اختلاف عمّا هنا.

(٤) في البيان المغرب : «أغرناطة».

(٥) في البيان المغرب : «شهدت».

(٦) في المصدر نفسه : «الفضل».

(٧) في البيان المغرب : «قصبتها».

(٨) في البيان المغرب : أول شعبان سنة ٥١٩ ه‍.

(٩) في البيان المغرب : «إلى أن وصل بلنسية».

(١٠) القصر ، بالإسبانية : Alcazar ، وهي واقعة إلى الجنوب الشرقي من غرناطة.

٢٢

قال صاحب كتاب «الأنوار الجليّة» (١) : فبدأ (٢) بحث المعاهدة بغرناطة في استدعائه ، فافتضح تدبيرهم باجتلابه ، وهمّ أميرها (٣) بتثقيفهم (٤) ، فأعياهم ذلك ، وجعلوا يتسلّلون إلى محلّته على كل طريق ، وقد أحدقت جيوش المسلمين من أهل العدوة (٥) والأندلس بغرناطة ، حتى صارت كالدّائرة ، وهي في وسطها كالنّقطة ، لمّا أنذروا بغرضه ؛ وتحرّك من وادي آش فنزل بقرية دجمة (٦) ؛ وصلّى الناس بغرناطة صلاة الخوف ، يوم عيد النّحر من هذه السنة في الأسلحة والأبّهة ؛ وبعيد الظهر من غده ، ظهرت أخبية الرّوم بالقيل شرق المدينة ، وتوالى الحرب على فرسخين منها ، وقد أجلى السّواد ، وتزاحم الناس بالمدينة ، وتوالى الجليد ، وأظلّت الأمطار. وأقام العدو بمحلّته بضع عشرة ليلة لم تسرح له سارحة ، إلّا أنّ المعاهدة تجلب (٧) له الأقوات ؛ ثم أقلع وقد ارتفع طعمه عن المدينة ، لأربع بقين من ذي الحجة عام عشرين (٨) ، بعد أن تفرّغ مستدعيه إليها ، وكبيره يعرف بابن القلّاس ، فاحتجّوا ببطئه وتلوّمه حتى تلاحقت الجيوش ، وأنهم قد وقعوا مع المسلمين في الهلكة ، فرحل عن قرية مرسانة إلى بيش ، ومن الغد إلى السكة من أحواز قلعة يحصب (٩) ثم اتصل إلى لدوبيانة ، ونكب إلى قبرة واللسّانة (١٠) ، والجيوش المسلمة في أذياله. وأقام بقبرة (١١) أياما ، ثم تحرّك إلى بلاي والعساكر في أذياله ، وشيجة في فحص الرّنيسول (١٢) مكافحة في أثنائها ، مناوشة ، وظهورا عليه.

__________________

(١) هو كتاب «الأنوار الجليّة في أخبار الدولة المرابطية» ، وصاحبه هو أبو بكر يحيى بن محمد بن يوسف الأنصاري الغرناطي ، المتوفّى سنة ٥٥٧ ه‍ ، وسيترجم له ابن الخطيب في الجزء الرابع من الإحاطة.

(٢) في البيان المغرب : «فبدا نجيث المعاهدة في استدعائه».

(٣) في البيان المغرب : «وهمّ الأمير أبو الطاهر».

(٤) بتثقيفهم : باعتقالهم.

(٥) المراد العدوة المغربية.

(٦) دجمة ، بالإسبانية : Diezma ، وهي بلدة تقع غربي وادي آش ، بين وادي آش وغرناطة.

(٧) في البيان المغرب : «والمعاهدة تجتلب إليه الأقوات ...».

(٨) قارن بالكامل في التاريخ (ج ١٠ ص ٦٣١) سنة ٥٢٠ ه‍.

(٩) قلعة يحصب : بالإسبانيةAlcala la Real ، أي القلعة الملكية ، تنسب إلى قبيلة يحصب ، وتعرف أيضا بقلعة يعقوب ، أو القلعة السعدية ، أي قلعة بني سعيد ، وهي إحدى مدن غرناطة.

راجع مملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر (ص ٦٢).

(١٠) اليسّانة أو اللّسّانة ، بالإسبانيةLucena : هي مدينة اليهود ، ولها ربض يسكنه المسلمون. وهي من مدن غرناطة. المرجع السابق (ص ٦٣).

(١١) قبرة : بالإسبانيةCabra ، وهي من مدن غرناطة. المرجع السابق (ص ٦٢).

(١٢) فحص الرنيسول أو أرنسول : بالإسبانيةArnizol ، ويقع جنوب مدينة غرناطة. وقد ذكره ابن الأثير عند حديثه عن هزيمة المسلمين الأندلسيين على يد ابن ردمير سنة ٥٢٠ ه‍ ، باسم : ـ

٢٣

ولمّا جنّ الليل ، أمر أميرهم (١) برفع خبائه من وهدة كان فيها إلى نجدة ، فساءت الظنون ، واختلّ الأمر ، ففرّ الناس وأسلموا ، وتهيّب العدو المحلّة ، فلم يدخلها إلّا بعد هدأة من الليل واستولى عليها. وتحرّك بعد الغد منها إلى جهة الساحل فشقّ العمامة الآمنة من الإقليم والشّارّات (٢) ، فيقول بعض شيوخ تلك الجهة : إنه اجتاز بوادي شلوبانية المطلّ الحافّات ، والمتحصّن المجاز ، وقال بلغته : أيّ قبر هذا لو ألفينا من يصبّ علينا التراب! ثم عرّج يمنة حتى انتهى إلى بلّش ، وأنشأ بها جفنا (٣) صغيرا يصيد له حوتا ، أكل منه كأنه نذر كان عليه ، وفّى به ، أو حديث أراد أن يخلّد عنه ، ثم عاد إلى غرناطة ، فاضطرب بها محلته بقرية ذكر ، على ثلاثة فراسخ منها قبلة ، ثم انتقل بعد ذلك بيومين إلى قرية همدان (٤) ، وبرز بالكتب جاعرسطة (٥) من المدينة ، وكان بينه وبين عساكر المسلمين مواقعة عظيمة ؛ ولأهل غرناطة بهذا الموضع حدثان ينظرونه من القضايا المستقبلة.

قال ابن الصّيرفي : وقد ذكر في بعض كتب الجفر : «هذا الفحص ، بخراب يجبى عن يتامى وأيامى». وكان هذا اليوم معرّضا لذلك ، فوقى الله ؛ وانتقل بعد يومين إلى المرج مضيّقا عليه والخيل تحرجه ، فنزل بعين أطسة ، والجيوش محدقة به ، وهو في نهاية من كمال التّعبئة ، وأخذ الحذر ، بحيث لا تصاب فيه فرصة ؛ ثم تحرّك على البراجلات ، إلى اللقوق ، إلى وادي آش ، وقد أصيب كثير من حاميته ؛ وطوى المراحل إلى الشرق ؛ فاجتاز إلى مرسية ، إلى جوف شاطبة ، والعساكر في كل ذلك تطأ أذياله ، والتّناوش (٦) يتخطّر به ، والوباء يسرع إليه ، حتى لحق بلاده ، وهو ينظر إلى قفاه ، مخترما ، مفلولا من غير حرب ، يكاد الموت يستأصل محلّته وجملته.

ولمّا بان للمسلمين من مكيدة جيرانهم المعاهدين ، ما أجلت عنه هذه القضية ، أخذهم الإرجاف ، ووغرت لهم الصّدور. ووجّه إلى مكانهم الحزم ، ووجّه القاضي

__________________

ـ أرنيسول وقال : إنه حصن منيع. الكامل في التاريخ (ج ١٠ ص ٦٣١).

(١) في البيان المغرب : «فلما طفلت الشمس أمر الأمير تميم برفع خبائه».

(٢) الشّارات أو البشرّات : بالإسبانيةAlpujarras ، وهي المنطقة الجبلية الواقعة جنوب سفوح جبل شلير. راجع : مملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر (ص ٤٦).

(٣) الجفن : المركب أو السفينة الحربية. ملحق القواميس العربية لدوزي (ج ١ ص ٢٠١).

(٤) همدان : بالإسبانيةAlhendin ، سمّيت بذلك نسبة إلى قبيلة همدان لأنها نزلت بها. تأريخ المن بالإمامة (ص ١٩١) ، ومملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر (ص ٧١).

(٥) أغلب الظن أنه اسم أحد زعماء النصارى المعاهدين ، وهو : Inigo Arista.

(٦) في البيان المغرب : «وتناوشه وتصيب منه».

٢٤

أبو الوليد بن رشد الأجر ، وتجشّم المجاز (١) ، ولحق بالأمير علي بن يوسف بن تاشفين بمرّاكش ، فبيّن له أمر الأندلس ، وما منيت (٢) به من معاهدها ، وما جنوه عليها من استدعاء الرّوم ، وما في ذلك من نقض العهد ، والخروج عن الذّمة ، وأفتى بتغريبهم ، وإجلائهم عن (٣) أوطانهم وهو أخفّ ما يؤخذ به من عقابهم ؛ وأخذ بقوله ، ونفّذ بذلك عهده ، وأزعج منهم إلى برّ العدوة ، في رمضان من العام المذكور ، عدد جمّ ، أنكرتهم الأهواء ، وأكلتهم الطرق ، وتفرّقوا شذر مذر ، وأصاب كثير من الجلاء جمعتهم من اليهود ؛ وتقاعدت بها منهم طائفة ، هبّت لها بممالأة بعض الدول ريح ، فأمّروا وأكثروا إلى عام تسعة وخمسين وخمسمائة ، ووقعت فيهم وقيعة احتشّتهم ، إلّا صابة (٤) لهذا العهد قليلة ، قديمة المذلّة ، وحالفت الصّغار. جعل الله العاقبة لأوليائه.

ذكر ما ينسب إلى هذه الكورة من الأقاليم التي نزلتها العرب

بخارج غرناطة ، وما يتصل بها من العمالة

فصل

فيما اشتمل عليه خارج المدينة من القرى والجنّات والجهات

قال المؤلّف رحمه الله : ويحفّ (٥) بسور هذه المدينة المعصومة بدفاع الله تعالى ، البساتين العريضة المستخلصة ، والأدواح الملتفّة ، فيصير سورها من خلف ذلك كأنّه من دون سياج كثيفة ، تلوح نجوم الشّرفات (٦) أثناء خضرائه ، ولذلك ما قلت فيه في بعض الأغراض (٧) : [الكامل]

بلد تحفّ (٨) به الرّياض كأنّه

وجه جميل والرّياض عذاره

وكأنّما واديه معصم غادة

ومن الجسور المحكمات سواره

فليس تعرى عن جنباته من الكروم والجنّات جهة ، إلّا ما لا عبرة به مقدار غلوة ، أما ما حازه السّفل من جوفيه ، فهي عظيمة الخطر ، متناهية القيم ، يضيق جدّه

__________________

(١) في البيان المغرب : «وتجشم النهوض إلى حضرة مراكش».

(٢) في البيان المغرب : «وما بليت به من معاهدتها وما جرّوه إليها وجنوه عليها من استدعاء ابن ردمير ...».

(٣) في البيان المغرب : «من».

(٤) صابة : محدودة ، قليلة.

(٥) قارن باللمحة البدرية (ص ٢٤).

(٦) في اللمحة : «الشرفات البيض أثناء ...».

(٧) البيتان في نفح الطيب (ج ١ ص ٦٨) و (ج ٩ ص ٢٢١) ، وأزهار الرياض (ج ١ ص ٣ ـ ٤).

(٨) في الأصل : «يحفّ» ، والتصويب من نفح الطيب.

٢٥

من عدا أهل الملك ، عن الوفاء بأثمانها ، منها ما يغلّ في السنة الواحدة نحو الألف من الذّهب ، قد غصّت الدكاكين بالخضر الناعمة ، والفواكه الطيّبة ، والثمر المدّخرة ، يختصّ منها بمستخلص السلطان (١) ، المرور طوقا على ترائب بلده ما بينهن منية ؛ منها الجنّة (٢) المعروفة بفدّان الميسة ، والجنة المعروفة بفدّان عصام ، والجنة المعروفة بالمعروي ، والجنة إلى المنسوبة إلى قدّاح بن سحنون ، والجنة المنسوبة لابن المؤذّن ، والجنة المنسوبة لابن كامل ، وجنة النّخلة العليا ، وجنة النخلة السفلى ، وجنة ابن عمران ، والجنة التي إلى نافع ، والجرف الذي ينسب إلى مقبل ، وجنّة العرض ، وجنة الحفرة ، وجنة الجرف ، ومدرج نجد ، ومدرج السّبيكة (٣) ، وجنّة العريف (٤) : كلها لا نظير لها في الحسن والدّمانة (٥) والربيع ، وطيب التربة ، وغرقد (٦) السّقيا ، والتفاف الأشجار ، واستجادة الأجناس ، إلى ما يجاورها ويتخلّلها ، ممّا يختصّ بالأحباس الموقفة ، والجنّات المتملّكة ، وما يتصل بها بوادي سنجيل ما يقيّد الطّرف ، ويعجز الوصف ، قد مثلث منها على الأنهار المتدافعة العباب ، المنارة والقباب ، واختصّت من أشجار العاريات ذات العصير الثاني بهذا الصّقع ، ما قصرت عنه الأقطار. وهذا الوادي من محاسن هذه الحضرة ، ماؤه رقراق من ذوب الثلج ، ومجاجة الجليد ، وممرّه على حصى جوهرية ، بالنبات والظّلال محفوفة ، يأتي من قبلة علام البلد إلى غربه ، فيمرّ بين القصور النّجدية ، ذوات المناصب الرفيعة ، والأعلام الماثلة.

ولأهل الحضرة بهذه الجنّات كلف ، ولذوي البطالة فوق نهره أريك من دمث الرمل ، وحجال من ملتفّ الدّوح ، وكان بها سطر من شجر الحور ؛ تنسب إلى مامل (٧) ، أحد خدّام الدولة الباديسية ، أدركنا المكان ، يعرف بها.

__________________

(١) المراد بمستخلص السلطان أملاكه الخاصة.

(٢) الجنة بلغة أهل غرناطة تعني الحديقة أو البستان.

(٣) السبيكة : موضع خارج غرناطة ، كان الشعراء يتغنّون بها ، من أمثال أبي جعفر الإلبيري الرعيني وابن زمرك وغيرهما. راجع : مملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر (ص ٣٧). وقد ذكرها ابن صاحب الصلاة بدون ياء ، عند حديثه عن غدر إبراهيم بن همشك مدينة غرناطة فقال : «واحتل ابن همشك يوم دخوله غرناطة بالقصبة الحمراء التي في جبل السّبكة الموازية لقصبة غرناطة». تأريخ المن بالإمامة (ص ١٨٤).

(٤) جنة العريف أو جنان العريف : بستان في خارج غرناطة ، يقع في أسفل الربوة التي ما يزال يقوم عليها قصر جنة العريف ، إلى الشمال الشرقي من قصر الحمراء ، وتسمى بالإسبانيةGeneralife.

(٥) الدمانة : الخصوبة. لسان العرب (دمن).

(٦) الغرقد : شجر عظيم أو العوسج إذا عظم ، واحدته غرقدة. محيط المحيط (غرقد).

(٧) مامل أو مؤمّل ، أحد خدّام ملك غرناطة باديس بن حبوس الذي حكم غرناطة من سنة ٤٢٩ ه‍ إلى سنة ٤٦٧ ه‍. سمّي به شجر الحور ، فصار اسمه حور مؤمل أو حوز مؤمل ، وكان من ـ

٢٦

قال أبو الحجاج يوسف بن سعيد بن حسّان : [الطويل]

أحنّ إلى غرناطة كلما هفّت

نسيم الصّبا تهدى الجوى وتشوق

سقى الله من غرناطة كل منهل

بمنهل سحب ماؤهنّ هريق

ديار يدور الحسن بين خيامها

وأرض لها قلب الشّجيّ مشوق

أغرناطة العليا بالله خبّري

أللهائم الباكي إليك طريق؟

وما شاقني إلا نضارة منظر

وبهجة واد للعيون تروق

تأمّل إذا أمّلت حوز مؤمّل

ومدّ من الحمرا عليك شقيق

وأعلام نجد والسّبيكة قد علت

وللشّفق الأعلى تلوح بروق

وقد سلّ شنّيل (١) فرندا مهنّدا

نضى فوق درّ ذرّ فيه عقيق

إذا نمّ منه طيب نشر أراكه

أراك فتيت المسك وهو فتيق

ومهما بكى جفن الغمام تبسّمت

ثغور أقاح للرّياض أنيق

ولقد ولعت الشعراء بوصف هذا الوادي ، وتغالت الغالات فيه ، في تفضيله على النيل بزيادة الشّين (٢) ، وهو ألف من العدد ، فكأنه نيل بألف ضعف ، على عادة متناهي الخيال الشعري ؛ في مثل ذلك.

ولقد ألغزت فيه لشيخنا أبي الحسن بن الجيّاب (٣) ، رحمه الله ، وقد نظم في المعنى المذكور ما عظم له استطرابه وهو : [البسيط]

ما اسم إذا زدته ألفا من العدد

أفاد معناه لم ينقص ولم يزد

__________________

ـ أجمل متنزهات غرناطة وأظرفها. وسيذكره ابن الخطيب في هذا الجزء باسم «حوز مؤمل» وذلك في ترجمة حفصة بنت الحاج الركوني. راجع أيضا المغرب (ج ٢ ص ١٠٣) ، ونفح الطيب (ج ١ ص ٤٧٥) و (ج ٣ ص ٣١٥) ، ومملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر (ص ٣٥).

(١) شنيل : بالإسبانيةGenil ، وهو نهر غرناطة الكبير. المغرب (ج ٢ ص ١٠٣) ، وتقويم البلدان (ص ١٧٧) ، وكتاب العبر (م ٧ ص ٦٨٩) ، ونفح الطيب (ج ٥ ص ٨). وقد ذكره ابن صاحب الصلاة مكتفيا بالقول : «وادي شنيل على قرب من غرناطة». تأريخ المن بالإمامة (ص ١٩١). وفي كتاب مملكة غرناطة في عهد بني زيري للدكتورة مريم قاسم دراسة مستفيضة عن هذا النهر ، فليراجع (ص ٤٧ ـ ٤٩).

(٢) ورد شيء من هذا في نفح الطيب (ج ١ ص ١٤٧).

(٣) ترجمة أبي الحسن علي بن الجياب في الكتيبة الكامنة (ص ١٨٣) ، ونثير فرائد الجمان (ص ٢٣٩) ، ونيل الابتهاج طبعة فاس (ص ١٩٣) ، والديباج المذهب (ص ٢٠٧) ، ودرة الحجال في أسماء الرجال (ج ٢ ص ٤٣٥) ، ونفح الطيب (ج ٧ ص ٤٠٧) و (ج ٨ ص ٣٩٧). وسيترجم له ابن الخطيب في الجزء الرابع من الإحاطة.

٢٧

وإنما ائتلفا من بعد ما اختلفا

معنى بشين ومن نزر ومن بلد

ثم يتصل بالحسن العادي البديع ، وهو على قسمين ، خمس من محكم الكدان في نهاية الإبداع والإحكام ، يتّصل به بناء قديم محكم ، ويستقبل الملعب ، العيدي ، ما بين ذنابي الجسر إلى جدار الرابطة ، وملعب بديع الشكل ، عن يمينه جناح بديع ، عن ميدانه عدوات النهر ، وعن يساره الجنّات ، ويفضي بعد انتهائه إلى الرّابطة ، إلى باب القصر المنسوب إلى السّيد (١) ، وسيأتي ذكره ؛ ويرتفع من هذا النهر الزّلال جداول ، تدور بها أعداد من الأرحيّ لا نظير لها استعدادا وإفادة.

فصل

وتركب ما ارتفع من هذه المدينة من جهاتها الثلاث ، الكروم البديعة ، طوقا مرقوما ، يتصل بما وراءها من الجبال ، فتعمّ الرّبى والوهاد ، وتشمل الغور والنّجد ، إلّا ما اختصّ منها بالسّهل الأفيح ، متّصلا بشرقي باب إلبيرة ، إلى الخندق العميق ، وهو المسمّى «بالمشايخ» ، بسيط جليل ، وجوّ عريض ، تغمى على العدّ أمراجه ومصانيعه ، تلوح مبانيها ، ناجمة بين الثّمار والزيتون ، وسائر ذوات الفواكه ، من اللّوز والإجاص والكمثرى ، محدقة من الكروم المسحّة ، والرياحين الملتفّة ، ببحور طامية تأتي البقعة الماء ؛ ففيها كثير من البساتين والرّياض ، والحصون ، والأملاك المتّصلة السكنى ، على الفصول ؛ وإلى هذه الجهة يشير الفقيه القاضي ، أبو القاسم بن أبي العافية ، رحمه الله ، في قصيدة ، يجيب بها عروس الشعراء ، الأديب الرّحّال أبا إسحاق السّاحلي ، وكان ممّن نيطت عليه بهذا العهد ، التّمائم: [الكامل]

يا نازحا لعب المطيّ بكوره

لعب الرّياح الهوج بالأملود

ورمت به للطّية القصوى التي

ما وردها لسواه بالمورود

هلّا حننت إلى معاهدنا التي

كنت الحليّ لنحرها والجيد؟

ورياض أنس بالمشايخ (٢) طارحت

فيه الحمائم صوت سجع العود

ومبيتنا فيها وصفو مدامنا

صفو المودّة لابنة العنقود

والعيش أخضر والهوى يدني جنى

زهرات ثغر أو ثمار نهود

__________________

(١) هو أبو إسحاق بن يوسف الموحدي ، ولّي غرناطة سنة ٦١٥ ه‍ ، وبنى قصرا خارج مدينة غرناطة عرف باسمه. وفي عصر بني نصر استعمل هذا القصر للضيافة. وما يزال حتى اليوم بعض منه وقد زرته غير مرة ، وهو عبارة عن بهو مربع ذي قبّة عالية على جوانبها شعار بني نصر «ولا غالب إلا الله».

(٢) المراد بالمشايخ سهل غرناطة ، أو الخندق العميق ، السابق الذكر.

٢٨

والقضب رافلة يعانق بعضها

بعضا إذا اعتنقت غصون قدود

لهفي على ذاك الزمان وطيبه

وعلى مناه وعيشه المحسود

تلك الليالي لا ليالي بعدها

عطّلن إلّا من جوى وسهود

كانت قصارا ثم طلن ففيها (١)

تأتي على المقصور والممدود

وأما ما استند إلى الجبل ، فيتصل به البيازين في سفح الجبل ، المتصل بالكدية ابن سعد ، متّصلا بالكدية المبصلة ، المنسوبة لعين الدّمع (٢) ، منعطفة على عين القبلة ، متصلة بجبل الفخّار (٣) ، ناهلة في غمر الماء المجلوب على ذلك السّمت ؛ أوضاع بديعة ، وبساتين رائقة ، وجنّات لا نظير لها ، في اعتدال الهواء ، وعذوبة الماء ، والإشراف على الأرجاء ، ففيها القصور المحروسة ، والمنارة المعمورة ، والدّور العالية ، والمباني القصبيّة (٤) ، والرياحين النّضيرة ، قد فضّ فيها أهل البطالة ، من أولي الحبرة ، الأكياس ، وأرخصوا على النفقة عليها ، غالي النّشب (٥) ، تتنازع في ذلك غير الخادمين ، من خدّام الدولة على مرّ الأيام ، حتى أصبحت نادرة الأرض ، والمثل في الحسن. ولهذه البقعة ذكر يجري في المنظومات على ألسنة البلغاء من ساكنيها وزوّارها ؛ فمن أحسن ما مرّ من ذلك قول شيخنا أبي البركات(٦): [الطويل]

ألا قل لعين الدمع يهمي بمقلتي

لفرقة عين الدمع وقفا على الدّم

وذكرته في قصيدة فقلت : [الكامل]

يا عهد عين الدمع ، كم من لؤلؤ

للدمع جاد به عساك تعود!

تسري نواسمك اللّدان بليلة

فيهزّني شوق إليك شديد

__________________

(١) في الأصل : «فيها» وهكذا ينكسر الوزن.

(٢) كان عين الدمع من عجيب مواضع غرناطة ، وهو عبارة عن جبل فيه الرّياض والبساتين ، ويتصل بجبل الفخار. راجع مملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر (ص ٣٨) ففيه دراسة مفصّلة عن هذا الموضع.

(٣) جبل الفخار من شعب جبل سييرا نقادا المشرفة على مدينة غرناطة ، ويسمى اليوم Monte Alfacar. راجع : مملكة غرناطة (ص ٤٧).

(٤) المراد بالمباني القصبية : المباني المحصنة التي تشبه القصبة.

(٥) النشب : المال أو العقار. لسان العرب (نشب).

(٦) هو أبو البركات محمد بن محمد بن إبراهيم ، المعروف بابن الحاج ، البلفيقي الأصل ، من شيوخ ابن الخطيب ، وسيترجم له ابن الخطيب في الجزء الثاني من الإحاطة.

٢٩

وقلت من أبيات تكتب في قبّة بقصري الذي اخترعته بها : [الطويل]

إذا كان عين الدمع عينا حقيقة

فإنسانها ما نحن فيه ولادع

فدام لخيل الأنس واللهو ملعبا

ولا زال مثواه المنعّم مرتع

تودّ الثّريّا أن تكون له ثرى

وتمدحه الشّعرى وتحرسه ألمع

وقال صاحبنا الفقيه أبو القاسم بن قطبة (١) من قصيدة : [الطويل]

أجل إنّ عين الدمع قيد النّواظر

فسرّح عيونا في اجتلاء النّواظر

وعرّج على الأوزان إن كنت ذا هوى

فإنّ رباه مرتع للجآذر

وصافح بها كفّ البهار مسلّما

وقبّل عذار الأنس بين الأزاهر

وخذها على تلك الأباطح والرّبى

معتّقة تجلو الصّدا للخواطر

مدامة حان أنسى للدهر (٢) عمرها

فلم تخش أحداث الدّهور الدّوائر

تحدّث عن كسرى وساسان قبله

وتخبر عن كرم يخلّد داثر

وهي طويلة. وقال أيضا من قصيدة طويلة : [الطويل]

وليلا بعين الدمع وصلا قطعته

وأنجمه بين النّجوم سعود

ترى الحسن منشور اللواء بسرّه

وظلّ الأماني في رباه مديد

فبتنا ومن روض الخدود أزاهر

لدينا ومن ورد الرّياض خدود

وتفّاحنا وسط الرّياض مورّد

ورمّاننا وسط الصّدور نهود

وقد عرفت نصّ الهوى وذميله

تهائم من أكبادنا ونجود

وقال من قصيدة : [البسيط]

ومل بنا نحو عين الدمع نشربها

حيث السّرور بكأس الأنس يسقيني

حيث المنى وفنون اللهو راتعة

والطّير من طرب فيها تناجيني

وجدول الماء يحكي في أجنّته

صوارما جرّدت في يوم صفّين

وأعين الزهر في الأغصان جاحظة

كأنها بهوى الغزلان تغريني

__________________

(١) هو محمد بن أحمد بن قطبة الدّوسي الغرناطي ، وسيترجم له ابن الخطيب في الجزء الثاني من الإحاطة.

(٢) في الأصل : «الدهر» وهكذا ينكسر الوزن.

٣٠

ومن ذلك : [الطويل]

سهرت بعين الدمع أرعى ربوعه

وحسبي من الأحباب رعي المنازل

ينافحني عرف إذا هبّت الصّبا

ويقنعني طيف الحبيب المراسل

والأقاويل في ذلك أكثر من أن يحاط بها كثرة ، وما سوى هذه الجهة فغير لاحق بهذه الرّتبة ، مما معوّله على محض الفائدة وصريح العائدة. وتذهب هذه الغروس المغروسة قبلة ، ثم يفيض تيارها إلى غرب المدينة ، وقد تركت بها الجبال الشّاهقة ، والسّفوح العريضة ، والبطون الممتدة ، والأغوار الخائفة ، مكلّلة بالأعناب ، غاصّة بالأدواح ، متزاحمة بالبيوت والأبراج ، بلغ إلى هذا العهد عددها في ديوان الخرص (١) ، إلى ما يناهز أربعة عشر ألفا ، نقلت ذلك من خطّ من يشار إليه في هذه الوظيفة ؛ وقاها الله مضرّة السنين ، ودفع عنها عباب القوم الظّالمين ، وعدوان الكافرين.

فصل

ويحيط (٢) بما خلف السّور من المنى ، والجنّات ، في سهل المدينة ، العقار الثمين ، العظيم الفائدة ، المتعاقبة الغلّة ، الذي لا يعرف الجمام ، ولا يفارق الزّرع من الأرض البيضاء ، ينتهي ثمن المرجع منها العلي ، إلى خمسة وعشرين دينارا من الذهب العين ، لهذا العهد فيه مستخلص السلطان ، ما يضيق عنه نطاق القيمة ، ذرعا وغبطة وانتظاما ؛ يرجع إلى دور ناجمة ، وبروج سامية ، وبيادر فسيحة ، وقصاب (٣) للحمائم والدّواجن ماثلة ، منها في طوق البلد ، وحمى سورها ، جملة ؛ كالدّار المنسوبة إلى هذيل ، والدار المنسوبة إلى أم مرضى ، والدار البيضاء ، والدار المنسوبة إلى السّنينات ، والدار المعروفة بنبلة ووتر ؛ وبالمرج ما يساير جرية النّهر كقرية وكروبها حصن خريز ، وبستان وبشر عيون ، والدار المنسوبة إلى خلف ، وعين الأبراج ، والحشّ (٤) المنسوب إلى الصّحاب ؛ وقرية رومة وبها حصن وبستان ، والدار المنسوبة إلى العطشى ، وبها حصن ؛ والدار المنسوبة لابن جزي ، والحشّ المنسوب لأبي علي ؛ وقرية ناجرة ، ومنها فضل بن مسلمة الحسني ، وبها حصن ، وحوله

__________________

(١) الخرص : اسم من خرص ؛ يقال : كم خرص أرضك : أي كم قدرها وما خمّن فيها. والمراد بديوان الخرص : ديوان الأملاك وغلّاتها. لسان العرب (خرص).

(٢) قارن باللمحة البدرية (ص ٢٤ ـ ٢٥).

(٣) في الأصل : «ومصاب» والتصويب من اللمحة البدرية.

(٤) الحشّ : البستان ، محيط المحيط (حشش).

٣١

ربض ، فيه من الناس أمّة ؛ وقرية سنيانة وفيها حصن ؛ وقرية أشكر ؛ وقريتي بيبش وواط ، وبهما حصنان ؛ وقرية واط عبد الملك بن حبيب. وفي هذه القرى الجمل الضخمة من الرجال ؛ والفحول من الحيوان الحارث لآثار الأرض ؛ وعلاج الفلاحة ؛ وفي كثير منها الأرحى والمساجد. وما سوى هذه من القرى ، المستخلص من فضلة الإقطاع ، وقصرت به الشّهرة عن هذا النّمط ، فكثير.

ويتخلّل هذا المتاع الغبيط (١) الذي هو لباب الفلاحة ، وغير هذه المدرة (٢) الطيّبة ؛ سائر القرى التي بأيدي الرّعيّة ، مجاورة لهذه الحدود ، وبنات لهذه الأمهات. منها ما انبسط وتمدّد ، فاشترك فيه الألوف من الخلق ، وتعدّدت منه الأشكال ؛ ونحن نوقع الاسم منه على البقعة من غير ملاحظة للتّعدّد. ومنها ما انفرد بمالك واثنين فصاعدا ، وهو قليل ؛ وتنيف أسماؤها على ثلاثمائة قرية ما عدا ما يجاور الحضرة من كثير من قرى الإقليم أو ما استضافته حدود الحصون المجاورة (٣). فمن ذلك :

حوز الساعدين (٤) وفيه القرى. وحوز وتر (٥) ، ومنها إبراهيم بن زيد المحاربي. وقرية قلجار (٦). وقرية ياجر الشاميّين. وقرية ياجر البلديين (٧). وقرية قشتالة (٨) ، ومنها قاسم بن إمام من أصحاب سحنون ، ونزل بها جدّه عطية بن خالد المحاربي. وقرية أججر (٩). وقرية أرملة الكبرى. وقرية أرملة الصغرى (١٠). وقرية رقاق وهمدان (١١) ، منها الغريب بن يزيد الشّمر ، جدّ بني أضحى. وقرية الغيضون. وقرية لسّانة (١٢).

__________________

(١) الغبيط : الأرض المطمئنة أو الواسعة المستوية ، وغبيط المدرة : موضع. لسان العرب (غبط).

(٢) المدرة : القرية ، جمعها مدر. لسان العرب (مدر).

(٣) يورد ابن الخطيب أكثر من ١٤٠ قرية من قرى العاصمة غرناطة ، بعضها بقي محافظا على أسمائه العربية ، وبعضها استحال إلى أسماء أوروبية ، وقد استعنّا في تحديد هذه القرى على ما جاء به الأستاذ محمد عبد الله عنان في الطبعة المصرية.

(٤) اسمه بالإسبانيةEi Zaidin ، وهو مكان يقع إلى الجنوب من غرناطة.

(٥) اسمها بالإسبانيةHuetor de le Vega ، وهي قرية تقع جنوب شرقي غرناطة.

(٦) اسمها بالإسبانيةCojar ، وتقع جنوب غرناطة على ضفة نهر شنيل.

(٧) بالإسبانيةYajar ، وتقع بالقرب من الزاوية أحد متنزهات غرناطة المشهورة.

(٨) بالإسبانيةCastella ، وليس لها ذكر اليوم.

(٩) أججر أو أجيجر ، وهي بالإسبانيةUgijar ، وتقع جنوب شرقي غرناطة.

(١٠) بالإسبانيةArmilla ، وهما اليوم قرية واحدة تقع على ضفة نهر شنيل الجنوبية ، وبها بقية قصر السيد ، المعروف بقصر شنيل Alcazar Genil.

(١١) بالإسبانيةAlhendin ، وقد عدّها ابن الدلائي إقليما من أقاليم إلبيرة. وعدّها ابن سعيد قرية كبيرة في نطاق غرناطة. راجع مملكة غرناطة ص ٧١.

(١٢) لسّانة أو يسّانة : بالإسبانيةLucena ، وهي مدينة اليهود ، وكان أهلها أول من أطاعوا ليوسف بن ـ

٣٢

وحارة الجامع. وحارة الفراق. وقرية غرليانة. وحشّ البكر (١). وغدير الصغرى وغدير الكبرى ، من إقليم البلاط ، منها يربوع بن عبد الجليل ، ونزل بها جدّه يربوع بن عبد الملك بن حبيب. وقرية قولر (٢). وقرية جرليانة (٣). وقرية حارة عمروس (٤). وحشّ الطّلم (٥). وقرية المطار. وقرية الصّرمورتة (٦). وقرية بلسانة (٧). وقرية الحبشان. وقرية الشوش (٨). وقرية عرتقة. وقرية جيجانة (٩). وقرية السّيجة. وقنب قيس (١٠). وقرية برذنار (١١). وقرية دوير تارش. وقرية آقلة (١٢). وقرية أحجر (١٣). وقرية تجرجر (١٤). وقرية والة. وقرية أنقر. وقرية الغروم (١٥). وقرية دار وهدان. وقرية بيرة (١٦). وقرية القصيبة. وقرية أنطس. وقرية فنتيلان (١٧). وقرية سنبودة. وحش زنجيل. وقرية أشتر. وقرية غسّان (١٨) ، منها مطر بن عيسى بن الليث. وقرية شوذر (١٩). وقرية سنتشر (٢٠). وقرية ابن ناطح. وقرية الملّاحة (٢١) ، ومنها محمد بن عبد الواحد الغافقي أبو القاسم الملاحي. وقرية القمور ، منها أصبغ بن مطرّف. وقرية نفجر وغرنطلة (٢٢). وقرية بيرة ، وبها مسجد قراءة ابن حبيب. وقرية قولجر (٢٣) ، منها

__________________

ـ تاشفين عندما أرسل لهم كتبا يدعوهم فيها لعدم المقاومة في أثناء حصاره لمملكة غرناطة في عهد عبد الله بن بلقين. مملكة غرناطة (ص ٦٣).

(١) حشّ البكر : بالإسبانيةBucor ، وقد ذكر الدكتور عبد الهادي التازي أن هذا المكان هو نفسه قرية بزقر التي هي من نظر غرناطة على ضفة نهر ، وتقع جنوب غربي غرناطة. تاريخ المنّ بالإمامة (ص ٣٠٩ ، حاشية رقم ٣).

(٢) بالإسبانيةCullar Vega ، وتقع جنوب غربي غرناطة.

(٣) بالإسبانيةChuriana de la Vega ، وتقع جنوب غربي غرناطة.

(٤) بالإسبانيةAmbrox ، وتقع بجوار جرليانة.

(٥) بالإسبانيةMacharatalan ، وتقع في مرج غرناطة على ضفة شنيل.

(٦) بالإسبانيةSierra Murada ، وتقع شمال غربي غرناطة.

(٧) بالإسبانيةBelicena وتقع غربي غرناطة.

(٨) بالإسبانيةEi Jau ، وتقع في مرج غرناطة.

(٩) بالإسبانيةChauchina ، وتقع في مرج غرناطة.

(١٠) بالإسبانيةCambea.

(١١) بالإسبانيةBeznar وتقع جنوبي غرناطة على بعد نحو خمسين كيلومترا منها.

(١٢) بالإسبانيةAcula.

(١٣) بالإسبانيةLachar ، وتقع غربي غرناطة.

(١٤) بالإسبانيةTajarija ، وتقع غربي غرناطة قرب أحجر.

(١٥) بالإسبانيةAgron ، وتقع جنوب غربي غرناطة على بعد نحو أربعين كيلومترا منها.

(١٦) بالإسبانيةBaira.

(١٧) بالإسبانيةFontanar أوFuentallana.

(١٨) بالإسبانيةCacin ، وتقع في نهاية مرج غرناطة.

(١٩) بالإسبانيةJodar ، وتقع شمال غرناطة.

(٢٠) بالإسبانيةConchar ، وتقع جنوب غرناطة.

(٢١) بالإسبانيةLa Mala ، وتقع جنوب غرناطة على مقربة من همدان.

(٢٢) بالإسبانيةNaujar Grandilla.

(٢٣) بالإسبانيةGojar ، ويقع جنوبي غرناطة.

٣٣

سهل بن مالك. وقرية شون (١) ، منها محمد بن هانىء الأزدي الشاعر المفلق ، ومحمد بن سهل ، جدّ هذا البيت ، بني سهل بن مالك. وقرية بليانة (٢). وقرية برقلش (٣). وقرية ضوجر. وقرية البلّوط (٤). وقرية أنتيانة (٥). وقرية مرسانة (٦). وقرية الدّوير. وقرية الشّلان. وقرية طغنر (٧) ، منها الطّغنري صاحب الفلاحة. وقرية حش الدجاج. وقرية حش نوح. وقرية حش خليفة. وحش الكوباني. وحش المعيشة. وحش السلسلة. وقرية الطرف (٨). وقرية إلبيرة (٩). وقرية الشّكروجة (١٠) ، ومنها عيسى بن محمد بن أبي زمنين. وعين الحورة. وحش البومل. وقرية بلومال (١١). وقرية رقّ المخيض. وقرية الغيضون الحورة. وقرية أشقطمر. وقرية الدّيموس الكبرى. وقرية الديموس الصغرى (١٢). وقرية دار الغازي. وقرية سويدة. وحش قصيرة. وقرية الرّكن. وقرية ألفنت (١٣) ، ومنها صخر بن أبان. وقرية الكدية (١٤). وقرية لاقش (١٥). وقرية قربسانة (١٦). وقرية برسانة برياط. وقرية الولجة. وقرية ماس. وحش علي. وحش بني الرّسيلية. وحش رقيب. وحش البلّوطة. وحش الرّوّاس. وحش مرزوق. وقرية قبالة(١٧). وقرية نبالة. وقرية العيران. وبرج هلال (١٨). وقرية قلتيش (١٩). وقرية

__________________

(١) في الأصل : «شور» وشون ، بالإسبانيةJun ، وتقع شمال غرناطة.

(٢) بالإسبانيةPulianas ، وتقع بجوار قرية شور.

(٣) بالإسبانيةPeligros. وتقع بجوار قرية بليانة على مقربة من غرناطة.

(٤) بالإسبانيةAlbolote ، وتقع قبالة بليانة.

(٥) بالإسبانيةFontanar.

(٦) بالإسبانيةMaracena ، وتقع شمال غربي غرناطة.

(٧) بالإسبانيةTignar ، وكانت تقع شمال غربي غرناطة على مقربة من إلبيرة.

(٨) بالإسبانيةAtarfe ، وتقع شمال غربي غرناطة.

(٩) بالإسبانيةElvira ، وتقع على مقربة من الطرف.

(١٠) بالإسبانيةAsquerosa.

(١١) بالإسبانيةEi Palomar ، وتقع جنوبي غرناطة بقرب شاطىء البحر المتوسط.

(١٢) بالإسبانيةAdamuz ، وهما اليوم بلدة واحدة تقع على مقربة من مدينة غرناطة.

(١٣) بالإسبانيةDaifontes ، وتقع شمالي غرناطة على نحو عشرين كيلومتر منها.

(١٤) بالإسبانيةAlcudia ، وتقع جنوب شرقي وادي آش.

(١٥) بالإسبانيةLa Cruz de Lagos ، وهي اليوم حيّ من ضواحي غرناطة ، يبعد عنها نحو كيلومتر ونصف.

(١٦) بالإسبانيةCaparacena ، وتقع غربي غرناطة على نهر شنيل.

(١٧) بالإسبانيةCubillas.

(١٨) بالإسبانيةPurchil ، وتقع غربي غرناطة على بعد نحو ثلاثة كيلومترات منها.

(١٩) بالإسبانيةCortes ، وتقع غربي مدينة وادي آش.

٣٤

القنار (١). وقرية أربل. وقرية بربل. وقرية قرباسة. وقرية أشكن. وقرية قلنبيرة (٢). وقرية سعدى. وقرية قلقاجج (٣). وقرية فتن (٤). وقرية مرنيط. وقرية ددشطر. وقرية شتمانس (٥). وقرية أرنالش (٦). وقرية وابشر (٧). وقرية ققلولش (٨). وقرية النّبيل (٩). وقرية الفخّار (١٠). وقرية القصر (١١) ، ومنها محمد بن أحمد بن مرعياز الهلالي. وقرية بشر. وقرية بنوط (١٢). وقرية كورة. وقرية لص. وقرية بيش (١٣). وقرية قنتر (١٤). وقرية دور. وقرية قلنقر. وقرية غلجر (١٥) ، ومنها هشام بن عبد العظيم بن يزيد الخولاني. وقرية ذرذر (١٦). وقرية ولجر. وقرية قنالش (١٧). وقرية إبتايلس. وقرية سج. وقرية منشتال (١٨). وقرية الوطا (١٩). وقرية واني. وقرية قريش. وقرية الزّاوية (٢٠).

وقد ذكرنا أن أكثر هذه القرى أمصار ، فيها ما يناهز خمسين خطبة ، تنصب فيها لله المنائر ، وترفع الأيدي ، وتتوجّه الوجوه.

وجملة المراجع العلمية المرتفعة فيها ، في الأزمنة ، في العام بتقريب ، ومعظمها السقي الغبيط السّمين ، العالي ، مائتا ألف وثنتان (٢١) وستون ألفا ، وينضاف إلى ذلك مراجع الأملاك السلطانية ، ومواضع أحباس المساجد ، وسبل الخير ، ما

__________________

(١) بالإسبانيةCanar ، وتقع جنوبي مدينة غرناطة.

(٢) بالإسبانيةColomera ، وتقع إلى الشمال من غرناطة على بعد نحو ثلاثين كيلو مترا منها.

(٣) بالإسبانيةCalicasas ، وتقع شمال غرناطة.

(٤) بالإسبانيةFatinafar.

(٥) بالإسبانيةSietemanos ، وتعني الأيدي السبعة.

(٦) بالإسبانيةArnales.

(٧) بالإسبانيةGuejar ، وتقع شمال شرقي غرناطة.

(٨) بالإسبانيةGogollos ، وتقع شمال غرناطة.

(٩) بالإسبانيةNivar ، وتقع شمال غربي غرناطة.

(١٠) بالإسبانيةAlfacar ، وتقع شمال شرقي غرناطة. راجع : مملكة غرناطة (ص ٢٩٥).

(١١) بالإسبانيةAlcazar ، وتقع في الجنوب الشرقي من غرناطة.

(١٢) بالإسبانيةPinos Puente ، وتقع غربي غرناطة.

(١٣) بالإسبانيةBeas ، وتقع في شمال شرقي غرناطة.

(١٤) بالإسبانيةQuentar.

(١٥) بالإسبانيةCojar. وهي من ضواحي غرناطة الجنوبية.

(١٦) بالإسبانيةDudar ، وتقع شرقي غرناطة.

(١٧) بالإسبانيةCaniles ، وتقع جنوبي مدينة بسطة.

(١٨) بالإسبانيةMonachil. وهي من ضواحي غرناطة وتقع في جنوبها الشرقي.

(١٩) بالإسبانيةHuetor Vega ، وهي ضاحية غرناطة. وتقع في جنوبها الشرقي.

(٢٠) بالإسبانيةLa Zubia.

(٢١) في الأصل : «ثنتان» بدون واو.

٣٥

ينيف على ما ذكر ، فيكون الجميع باحتياط ، خمسمائة ألف وستّون ألفا ، والمستفاد فيها من الطعام المختلف الحبوب للجانب السلطاني ، ثلاثمائة ألف قدح ويزيد ، ويشتمل سورها وما وراءه من الأرحاء الطّاحنة بالماء ، على ما ينيف على مائة وثلاثين رحى (١) ، ألحفها الله جناح الأمنة ، ولا قطع عنها مادّة الرحمة ، بفضله وكرمه.

فصل

وقد فرغنا من ذكر رسوم هذا القطر ومعاهده ، وفرغنا من تصويره وتشكيله ، وذكر قراه وجنّاته (٢) ، وقصوره ومتنزّهاته ، فنحن الآن نذكر بعضا من سير أهله ، وأخلاقهم ، وغير ذلك من أحوالهم بإجمال واختصار ، فنقول (٣) :

أحوال هذا القطر في الدّين وصلاح العقائد أحوال سنيّة ، والنّحل فيهم معروفة (٤) ؛ فمذاهبهم (٥) على مذهب مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة جارية ، وطاعتهم للأمراء محكمة ، وأخلاقهم في احتمال المعاون الجبائيّة جميلة. وصورهم حسنة ، وأنوفهم (٦) معتدلة غير حادّة ، وشعورهم سود مرسلة ، وقدودهم متوسطة معتدلة ، إلى القصر ، وألوانهم زهر مشربة بحمرة ، وألسنتهم فصيحة عربية ، يتخلّلها غرب (٧) كثير ، وتغلب عليهم (٨) الإمالة ، وأخلاقهم أبيّة في معاني المنازعات ، وأنسابهم عربيّة ، وفيهم من البربر والمهاجرة كثير. ولباسهم الغالب على طرقاتهم (٩) ، الفاشي بينهم ، الملفّ المصبوغ (١٠) شتاء ، وتتفاضل (١١) أجناس البزّ (١٢) بتفاضل الجدّة ، والمقدار ، والكتّان والحرير ، والقطن ، والمرعزّى ، والأردية الإفريقيّة ، والمقاطع التونسية ، والمآزر المشفوعة صيفا ، فتبصرهم في المساجد ، أيّام الجمع ، كأنّهم الأزهار المفتّحة ، في البطاح الكريمة ، تحت الأهوية المعتدلة.

__________________

(١) كذا في اللمحة البدرية (ص ٢٥).

(٢) في الأصل : «وأجنّاته».

(٣) النص في اللمحة البدرية (ص ٣٨ ـ ٣٩).

(٤) في اللمحة : «معدومة».

(٥) في اللمحة : «ومذاهبهم».

(٦) في اللمحة : «معتدلة أنوفهم ، بيض ألوانهم ، مسودّة غالبهم شعورهم ، متوسطة قدودهم».

(٧) في اللمحة : «عرف».

(٨) في اللمحة : «عليها».

(٩) في اللمحة : «طبقاتهم».

(١٠) في اللمحة : «المصبغ».

(١١) في اللمحة : «تتفاضل».

(١٢) في اللمحة : «البزز منه بتفاضل الجدات والمقادير».

٣٦

وأنسابهم حسبما يظهر من الإسترعات (١) ، والبيعات السلطانية والإجازات ، عربية : يكثر فيها القرشي ، والفهري ، والأموي ، والأمّي ، والأنصاري ، والأوسي ، والخزرجي ، والقحطاني ، والحميري ، والمخزومي ، والتّنوخي ، والغسّاني ، والأزدي ، والقيسي ، والمعافري ، والكناني ، والتّميمي ، والهذلي ، والبكري ، والكلابي ، والنّمري ، واليعمري ، والمازني ، والثّقفي ، والسّلمي ، والفزاري ، والباهلي ، والعبسي ، والعنسي ، والعذري ، والحججي ، والضّبّي ، والسّكوني ، والتّيمي ، والعبشمي ، والمرّي ، والعقيلي ، والفهمي ، والصّريحي ، والجزلي ، والقشيري ، والكلبي ، والقضاعي ، والأصبحي ، والهواري ، والرّعيني ، واليحصبي ، والتّجيبي ، والصّدفي ، والحضرمي ، والحيّ ، والجذامي ، والسّلولي ، والحكمي ، والهمداني ، والمذحجي ، والخشني ، والبلوي ، والجهني ، والمزني ، والطّائي ، والغافقي ، والأسدي ، والأشجعي ، والعاملي ، والخولاني ، والأيادي ، واللّيثي ، والخثعمي ، والسّكسكي ، والزّبيدي ، والتّغلبي ، والثّعلبي ، والكلاعي ، والدّوسي ، والحواري ، والسّلماني.

هذا ، ويرد كثير في شهادتهم ، ويقلّ من ذلك السّلماني نسبا ، وكالدّوسي ، والحواري ، والزّبيدي ؛ ويكثر فيهم ، كالأنصاري ، والحميدي ، والجذامي ، والقيسي ، والغسّاني ، وكفى بهذا شاهدا على الأصالة ، ودليلا على العروبيّة.

وجندهم (٢) صنفان ؛ أندلسي وبربري ؛ والأندلسي (٣) منها يقودهم رئيس من القرابة أو حصيّ (٤) من شيوخ الممالك. وزيّهم في القديم شبه (٥) زيّ أقتالهم وأضدادهم من جيرانهم الفرنج ، إسباغ الدّروع ، وتعليق التّرسة ، وحفا (٦) البيضات ، واتخاذ عراض الأسنّة ، وبشاعة قرابيس السروج ، واستركاب حملة الرّايات خلفه (٧) ؛ كلّ منهم بصفة (٨) تختصّ بسلاحه ، وشهرة يعرف بها. ثم عدلوا الآن عن هذا الذي

__________________

(١) علّق عليها الأستاذ محمد عبد الله عنان في الإحاطة ، الطبعة المصرية (ج ١ ص ١٣٥) فقال : «لعلها «الإشراعات» ، ومفردها إشراع ، أو الاشتراعات بمعنى مرسوم أو ظهير. أو لعلها إن كانت صحيحة ، تعبير أندلسي قديم عن الإشراعات».

(٢) النص في اللمحة البدرية (ص ٣٩ ـ ٤٠).

(٣) في اللمحة : «الأندلسي منه يقوده».

(٤) في اللمحة : «أو أحظياء الدولة» والحصيّ : الرجل الوافر العقل. محيط المحيط (حصي).

(٥) في اللمحة : «شبيه بزيّ جيرانهم وأمثالهم من الروم في إسباغ». والمراد بالأقتال : الذين يقاتلونهم.

(٦) في اللمحة : «وجفاء».

(٧) في اللمحة : «خلفهم».

(٨) في اللمحة : «بسمة تخصّ سلاحه».

٣٧

ذكرنا (١) ، إلى الجواشن المختصرة ، والبيضات المرهفات (٢) ، والسّروج العربية ، والبيت (٣) اللّمطية ، والأسل العطفية (٤).

والبربري منه ، يرجع (٥) إلى قبائله المرينيّة ، والزّناتية ، والتّجانية ، والمغراوية (٦) والعجيسية ، والعرب المغربية إلى أقطاب ورؤوس ، يرجع أمرهم إلى رئيس ، على رؤسائهم ، وقطب لعرفائهم ، من كبار القبائل المرينيّة ، يمتّ إلى ملك المغرب بنسب.

والعمائم تقلّ في زيّ أهل هذه الحضرة ، إلّا ما شاد (٧) في شيوخهم وقضاتهم وعلمائهم ، والجند العربي (٨) منهم. وسلاح جمهورهم العصيّ الطويلة ، المثنّاة بعصيّ صغار ذوات (٩) عرى في أواسطها (١٠) ، تدفع بالأنامل عند قذفها تسمّى «بالأمداس» ؛ وقسيّ الإفرنجة (١١) يحملون على التّدريب (١٢) بها على الأيام. ومبانيهم متوسطة ، وأعيادهم حسنة ، مائلة إلى الاقتصاد ؛ والغنى (١٣) بمدينتهم فاش ، حتى (١٤) في الدكاكين التي تجمع صنائعها كثيرا من الأحداث ، كالخفّافين (١٥) ومثلهم.

وقوتهم الغالب ، البرّ الطيّب ، عامّة العام (١٦) ، وربما اقتات في فصل الشتاء الضّعفة والبوادي (١٧) والفعلة في الفلاحة ، الذّرة العربية ، أمثل أصناف القطاني (١٨) الطيبة. وفواكههم اليابسة عامّة العام ، متعددة ؛ يدّخرون العنب سليما من الفساد إلى شطر (١٩) العام ؛ إلى غير ذلك (٢٠) من التّين ، والزّبيب ، والتفاح ، والرّمّان ، والقسطل (٢١) ،

__________________

(١) في اللمحة : «عن هذا الزيّ».

(٢) في اللمحة : «المذهبة».

(٣) في اللمحة : «واليلب».

(٤) في اللمحة : «اللطيفة».

(٥) في اللمحة : «ترجع قبائله المرينية».

(٦) كلمة «والمغراوية» ساقطة في اللمحة.

(٧) في اللمحة : «شذّ».

(٨) في اللمحة : «الغربيّ».

(٩) في اللمحة : «ذات».

(١٠) في اللمحة : «أوساطها».

(١١) في اللمحة : «الفرنجة».

(١٢) في اللمحة : «التدرّب».

(١٣) في اللمحة : «والغناء».

(١٤) في اللمحة : «حتى بالدكاكين التي تجمع كثيرا من الأحداث».

(١٥) الخفافون : جمع خفّاف وهو بائع الأخفاف. والأخفاف جمع خفّ وهو ما يلبس في الرّجل.

محيط المحيط (خفف).

(١٦) كلمة «العام» ساقطة في اللمحة.

(١٧) في اللمحة : «الضعفة والفعلة الذرة العذبة».

(١٨) القطاني : جمع قطنية وهي ما يدّخر في البيت من الحبوب.

(١٩) في اللمحة : «إلى ثلثي العام».

(٢٠) في اللمحة : «إلى غيره».

(٢١) القسطل : هو ما يقال له بالأندلس : الكستنا. الحلل السندسية (ج ١ ص ٢٩٠).

٣٨

والبلّوط ، والجوز ، واللّوز ، إلى غير ذلك ممّا لا ينفد (١) ، ولا ينقطع مدده إلّا في الفصل الذي يزهد في استعماله.

وصرفهم فضّة خالصة ، وذهب إبريز طيّب محفوظ (٢) ، ودرهم مربّع الشّكل ، من وزن المهدي القائم بدولة الموحّدين ، في الأوقية منه سبعون درهما ، يختلف الكتب فيه. فعلى عهدنا ، في شقّ : «لا إله إلّا الله ، محمد رسول الله» ؛ وفي شقّ آخر : «لا غالب إلّا الله ، غرناطة». ونصفه وهو القيراط ، في شقّ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢) (٣). وفي شقّ : (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ)(٤). ونصفه وهو الرّبع ، في شقّ : (هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى)(٥). وفي شقّ : (وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى)(٦).

ودينارهم في الأوقية منه ، ستة دنانير وثلثا دينار ؛ وفي الدينار الواحد ثمن أوقية وخمس ثمن أوقية. وفي شقّ منه : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ ... بِيَدِكَ الْخَيْرُ)(٧). ويستدير به قوله تعالى : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) (١٦٣) (٨). وفي شقّ : «الأمير عبد الله محمد بن (٩) يوسف بن أمير المسلمين أبي الحجّاج بن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل بن نصر ، أيّد الله أمره». ويستدير به شعار هؤلاء الأمراء : «لا غالب إلّا الله». ولتاريخ تمام هذا الكتاب ، في وجّه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٢٠٠) (١٠). ويستدير به : «لا غالب إلا الله». وفي وجه : «الأمير عبد الله الغني بالله ، محمد بن يوسف بن إسماعيل بن نصر ، أيّده الله وأعانه». ويستدير بربع : «بمدينة غرناطة حرسها الله».

وعادة (١١) أهل هذه المدينة الانتقال إلى حلل (١٢) العصير أوان إدراكه ، بما تشتمل عليه دورهم ، والبروز إلى الفحوص (١٣)

__________________

(١) في اللمحة : «مما لا ينقطع مدده إلّا بفصل يزهد ...».

(٢) هنا ينتهي النص في اللمحة البدرية.

(٣) سورة الفاتحة ١ ، الآية ٢.

(٤) سورة آل عمران ، ٣ الآية ١٢٢.

(٥) سورة البقرة ٢ ، الآية ١٢٠.

(٦) سورة طه ٢٠ ، الآية ١٣٢.

(٧) سورة آل عمران ٣ ، الآية : ٢٦.

(٨) سورة البقرة ٢ ، الآية ١٦٣.

(٩) قوله : «محمد بن» ساقط في الأصل ، وقد أضفناه ليستقيم المعنى كما سيرد بعد أسطر.

(١٠) سورة آل عمران ٣ ، الآية ٢٠٠.

(١١) النص في اللمحة البدرية (ص ٤٠ ـ ٤١).

(١٢) في اللمحة : «حلال». والحلل : جمع حلّة وهي المحلّة.

(١٣) الفحوص : جمع فحص ، وقد عرّفه ياقوت بقوله : الفحص بمفهوم أهل الأندلس هو كل موضع يسكن ويزرع ، سواء كان سهلا أو جبلا ، ومع الزمن صار الفحص علما لعدة مواضع. معجم ـ

٣٩

بأولادهم (١) ، معوّلين في ذلك على شهامتهم وأسلحتهم ، وعلى كثب دورهم (٢) ، واتّصال أمصارهم بحدود أرضه. وحليهم في القلائد ، والدّمالج ، والشّنوف (٣) ، والخلاخل الذّهب الخالص ، إلى هذا العهد ، في أولي (٤) الجدّة ؛ واللجين في كثير من آلات الرّجلين ، فيمن عداهم. والأحجار النفيسة من الياقوت ، والزّبرجد والزّمرّد ونفيس الجوهر ، كثير ممّن (٥) ترتفع طبقاتهم المستندة إلى ظلّ دولة ، أو أصالة (٦) معروفة موفّرة.

وحريمهم ، حريم جميل ، موصوف بالسحر (٧) ، وتنعّم الجسوم ، واسترسال الشّعور ، ونقاء الثّغور ، وطيب النّشر (٨) ، وخفّة الحركات ، ونبل الكلام ، وحسن المحاورة ، إلّا أن الطّول يندر فيهنّ. وقد بلغن من التّفنّن في الزينة لهذا العهد ، والمظاهرة بين المصبغات ، والتّنفيس (٩) بالذّهبيّات والدّيباجيّات ، والتّماجن في أشكال الحلي ، إلى غاية نسأل الله أن يغضّ عنهنّ فيها ، عين الدهر ، ويكفكف الخطب ، ولا يجعلها من قبيل الابتلاء والفتنة ، وأن يعامل جميع من بها بستره ، ولا يسلبهم خفيّ لطفه ؛ بعزّته وقدرته.

فصل

فيمن تداول هذه المدينة

من لدن أصبحت دار إمارة باختصار واقتصار

قال المؤلّف (١٠) : أول من سكن هذه المدينة سكنى استبداد ، وصيّرها دار ملكه ومقرّ أمره ، الحاجب المنصور أبو مثنّى زاوي بن زيري (١١) بن مناد ، لمّا تغلّب جيش البربر مع أميرهم سليمان بن الحكم على قرطبة ، واستولى على كثير من كور الأندلس عام ثلاثة وأربعمائة فما بعدها ، وظهر على طوائف الأندلس ، واشتهر أمره ، وبعد صيته. ثم اجتاز البحر إلى بلد قومه بإفريقية ، بعد أن ملك غرناطة سبع سنين ، واستخلف ابن أخيه حبّوس بن ماكسن ، وكان حازما داهية ، فتوسّع النظر إلى أن مات

__________________

ـ البلدان (ج ٥ ص ٢٣٦). وانظر أيضا دراسة مستفيضة عنه في كتاب : مملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر (ص ٤١).

(١) في اللمحة : «بأولادهم وعيالهم».

(٢) في اللمحة : «على كثب عدوّهم».

(٣) في اللمحة : «والخلاخيل والشنوف».

(٤) في اللمحة : «ألي».

(٥) في اللمحة : «فيمن ترفّع من طبقاتهم».

(٦) في اللمحة : «أو أعرق أصالة موفورة».

(٧) في اللمحة : «باعتدال السّمن».

(٨) في اللمحة : «الشذا».

(٩) في اللمحة : «والتنافس في الذهبيّات».

(١٠) قارن باللمحة البدرية (ص ٣١).

(١١) ستأتي ترجمة زاوي بن زيري في هذا الجزء.

٤٠