الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ١

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]

الإحاطة في أخبار غرناطة - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]


المحقق: الدكتور يوسف علي طويل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3319-5
ISBN الدورة:
2-7451-3319-5

الصفحات: ٣٤١

قال موسى بن غدرون : قال لي : تمنّ أنت ، فشققت لحيته بيدي ، واضطربت به وقلت قولا قبيحا من قول السفهاء. فلمّا ملك ابن أبي عامر الأندلس ، ولّى ابن عمّه المدينة ، وولّى ابن المرعزى أحكام السوق ، وولّى أبا الحسن المالقي قضاء ريّه ، وبلغ كل واحد ما تمنّى ، وأخذ منّي مالا عظيما أفقرني لقبح قولي : فبيت بني الحسن شهير ، وسيأتي من أعلامه ما فيه كفاية.

حاله : قال ابن الزّبير : كان طالبا نبيلا من أهل الدين والفضل والنّهى والنباهة.

نباهته : قال ابن الزبير في كتاب نزهة البصائر والأبصار : استقضي بغرناطة.

وفاته : توفي سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة ، ذكره ابن بشكوال في الصّلة ، وعرّف بولايته قضاء غرناطة ، وذكره ابن عسكر ، وتوهّم فيه الملّاحي ، فقال : هو من أهل إلبيرة.

حسن بن محمد بن حسن القيسي

من أهل مالقة ، يكنى أبا علي ، ويعرف بالقلنار.

حاله : كان ، رحمه الله ، بقيّة شيوخ الأطباء ببلده ، حافظا للمسائل الطّبية ، ذاكرا للدواء ، فسيح التّجربة ، طويل المزاولة ، متصرّفا في الأمور التي ترجع إلى صناعة اليدين صدلة وإخراعة ، محاربا ، مقدورا عليه في أخرياته ، ساذجا ، مخشوشنا ، كثير الصحة والسلامة ، محفوظ العقيدة ، قليل المصانعة ، بريّا من التشمّت ، يعالج معيشته بيده في صبابة فلاحة. أخذ صناعة الطب عن أبي الحسن الأركشي (١) ، ومعرفة أعيان النبات عن المصحفي وسرح معه ، وارتاد منابت العشب في صحبته ، فكان آخر السحّارين بالأندلس ، وحاول عمل التّرياق الفارق بالديار السلطانية عام اثنين وخمسين وسبعمائة مبرّزا في اختيار أجزائه ، وإحكام تركيبه ، وإقدام على اختبار مرهوب حياته ، قتلا وصنجا وتقريصا ، بما يعجب من إدلاله فيه ، وفراهته عليه.

حسن بن محمد بن باصة

يكنى أبا علي ، ويعرف بالصّعلعل ، رئيس المؤقّتين بالمسجد الأعظم من غرناطة ، أصله من شرق الأندلس.

__________________

(١) نسبة إلى أركش Arcos de la Frontera ؛ وهي حصن بالأندلس على وادي لكه. الروض المعطار (ص ٢٧).

٢٦١

حاله : كان فقيها إماما في علم الحساب والهيئة ، أخذ عنه الجلّة والنبهاء ، قائما على الأطلال والرّخائم والآلات الشعاعية ، ماهرا في التعديل ، مع التزام السّنّة ، والوقوف عند ما حدّ العلماء في ذلك ، مداوم النظر ، ذا مستنبطات ومستدركات وتواليف ، نسيج وحده ورحقة وقته.

وفاته : توفي بغرناطة عام ستة عشر وسبعمائة.

الحسن بن محمد بن علي الأنصاري

من أهل ... (١) ، يكنى أبا علي ويعرف بابن كسرى.

حاله : كان متقدّما في حفظ الأدب واللغة ، مبرّزا في علم النحو ، شاعرا مجيدا ، ممتع المؤانسة ، كثير المواساة ، حسن الخلق ، كريم النفس ، مثرّا (٢) في نظم الشعر في غير فن ، مدح الملوك والرؤساء ، مؤثرا للخمول على الظهور ، وفي تخامله يقول شعرا ثبت في موضعه.

مشيخته : روى عن أبي بكر بن عبد الله بن ميمون الكندي ، وأبي عبد الله الكندي ، وأبي الحكم بن هرودس ، وأبي عبد الله بن غالب الرّصافي.

ممّن روى عنه : روى عنه أبو الطاهر أحمد بن علي الهواري السّبتي ، وأبو عبد الله إبراهيم بن سالم بن صالح بن سالم.

نباهته وإدراكه : من كتاب نزهة البصائر والأبصار ، قال القاضي أبو عبد الله بن عسكر : نقلت من خط صاحبنا الفقيه القاضي ، رحمه الله ما معناه :

قال : حدّثني الفقيه الأديب أبو علي ، قال : كنت بإشبيلية ، وقد قصدتها لبعض الملوك ، فبينما أنا أسير في بعض طرقها ، لقيت الشيخ أبا العباس ، فسلّمت عليه ، ووقفت معه ، وكنت قد ذكر لي أنّ بها رجلا من الصالحين ، زاهدا ، فاضلا ، ينتقد من الشعر في الزهد والرقائق ، ببدائع تعجب. وكان بالمغرب قد قصّد الهربيّ والنادر ، فسألني أبو العباس عن مصيري ، فأعلمته بقصدي ، فرغب أن يصحبني إليه ، حتى أتيناه ، فرأيناه رجلا عاقلا ، قاعدا في موضع قذر ، فسلّمنا عليه ، فردّ علينا ، وسألناه عن قعوده في ذلك الموضع ، فقال : أتذكّر الدّنيا وسيرتها ، فزدنا به غبطة ؛ ثم استنشدناه في ذلك الغرض من كلامه ، ففكّر ساعة ثم أنشدنا كلاما قبيحا ، تضمّن من القبيح ومن الإقذاع والفواحش ما لا يحلّ

__________________

(١) بياض في الأصل.

(٢) مثرّا : مكثرا. لسان العرب (ثرر).

٢٦٢

سماعه ، فقمنا نلعنه ، وخجلت من أبي العباس ، واعتذرت له. ثم اتفق أن اجتمعنا في مجلس الأمير الذي كنت قد قصدته ، فقال أبو العباس : إن أبا علي قد حفظ لبعض الحاضرين شعرا في الزهد ، من أعذب الكلام وأحسنه ، فسألني الأمير وطلب مني إنشاده ، فخجلت ثم ثاب إليّ عقلي ، فنظمت بيتين ، فأنشدتهما إيّاه وهما : [المنسرح]

أشهد ألّا إله إلّا الله

محمد المصطفى رسول الله

لا حول للخلق في أمورهم

إنما الحول كلّه لله

قال : فأعجب الأمير ذلك واستحسنه.

ومن مقاماته بين يدي الملوك وبعض حاله ، نقلت من خط صاحبنا الفقيه القاضي أبي الحسن بن أبي الحسن ، قال : المروي منسوب إلى قرية بقرب مالقة ، وهو الذي قال فيه الشيخ أبو الحجاج بن الشيخ رضي الله عنه : [المجتث]

إذا سمعت من اسرى

ومن إلى المسجد أسرى

فقل ولا تتوقّف

أبا علي ابن كسرى

قال : وهو قريب الأستاذ الأديب أبي علي الإستجي ومعلّمه ، وأحد طلبة الأستاذ أبي القاسم السّهيلي ، وممّن نبع صغيرا ، وارتحل إلى غرناطة ومرسية. وهو الذي أنشد في طفولته السيد أبا إسحاق بإشبيلية : [الكامل]

قسما بحمص (١) وإنّه لعظيم

وهي المقام وأنت إبراهيم

وكان بالحضرة أبو القاسم السّهيلي ، فقام عند إتمامه القصيدة ، وقال : لمثل هذا أحسيك الحسا ، وأواصل في تعليمك الإصباح والإمساء ، وكان يوما مشهودا.

وأنشد الأمير أبا يعقوب حين حلّها : [الطويل]

أمعشر أهل الأرض في الطول والعرض

بهذا استنادي في القيامة والعرض

لقد قال فيك الله ما أنت أهله

فيقضي بحكم الله فيك بلا نقض

وإياك يعنى ذو الجلال بقوله

كذلك مكّنّا ليوسف في الأرض

وذكره ابن الزّبير ، وابن عبد الملك ، وابن عسكر ، وغيرهم.

__________________

(١) حمص : هي إشبيلية.

٢٦٣

ومن شعره في معنى الانقطاع والتسليم إلى الله تعالى ، وهي لزوميّة ، ولنختم بها ، ختم الله لنا بالحسنى : [الطويل]

إلهي أنت الله ركني وملجئي

وما لي إلى خلق سواك ركون

رأيت بني الأيام عقبى سكونهم

حراك وفي عقبى الحراك سكون

رضى بالذي قدّرت تسليم عالم

بأنّ الذي لا بدّ منه يكون

وفاته : توفي بمدينة مالقة في حدود ثلاث وستمائة.

الحسين بن عتيق بن الحسين بن رشيق التغلبي

يكنى أبا علي ، مرسيّ الأصل ، سبتيّ الاستيطان ، منتم إلى صاحب الثورة على المعتمد(١).

حاله : كان نسيج وحده ، وفريد دهره ، إتقانا ومعرفة ، ومشاركة في كثير من الفنون اللسانية والتعالميّة ، متبحّرا في التاريخ ، ريّانا من الأدب ، شاعرا مفلقا ، عجيب الاستنباط ، قادرا على الاختراع والأوضاع ، جهم المحيّا ، موحش الشكل ، يضمّ برداه طويّا لا كفاء له ، تحرّف بالعدالة ، وبرّز بمدينة سبتة ، وكتب عن أميرها ، وجرت بينه وبين الأديب أبي الحكم مالك بن المرحّل من الملاحات والمهاترات أشدّ ما يجري بين متناقضين ، آلت به إلى الحكاية الشهيرة ، وذلك أنه نظم قصيدة نصّها : [الكامل]

لكلاب سبتة في النّباح مدارك

وأشدّها دركا لذلك مالك (٢)

شيخ تفانى في البطالة عمره

وأحال فكّيه الكلام الآفك

كلب له في كلّ عرض عضّة

وبكلّ محصنة لسان آفك

متهمّم (٣) بذوي الخنا متزمّع

متهازل بذوي التّقى متضاحك

أحلى شمائله السّباب المفتري

وأعفّ سيرته الهجاء الماعك

وألذّ شيء عنده في محفل

لمز لأستار المحافل هاتك

__________________

(١) صاحب الثورة على المعتمد بن عباد ، صاحب إشبيلية ، هو عبد الله بن رشيق ، الذي قام على المعتمد بمرسية ـ إذ كانت مرسية آنذاك تابعة لمملكة إشبيلية وكان عليها ابن عمار من قبل المعتمد ـ فاستقل بها ابن رشيق وطرد منها ابن عمار ، ودعا إلى نفسه. ابن بلقين : مذكرات الأمير عبد الله (ص ١١٠ ـ ١١١) ، والمعجب (ص ١٩٢) ، ومملكة غرناطة (ص ٢١١ ـ ٢١٢).

(٢) هو أبو الحكم مالك بن المرحّل ، الذي تقدّم اسمه.

(٣) في الأصل : «متهم» وكذا لا يستقيم الوزن والمعنى معا.

٢٦٤

يغشى مخاطره اللئيم تفكّها

ويعاف رؤيته الحليم النّاسك

لو أن شخصا يستحيل كلامه

خرءا (١) للاك الخرء منه لائك

فكأنه التمساح يقذف جوفه

من فيه ما فيه ولا يتماسك

أنفاسه وفساؤه من عنصر

وسعاله وضراطه متشارك

ما ضرفا من معدّ الله (٢)

لو أسلمته نواجذ وضواحك

في شعره من جاهلية طبعه

أثقال أرض لم ينلها فاتك

صدر وقافية تعارضتا معا

في بيت عنس أو بعرس فارك

قد عمّ أهل الأرض بلعنه

فللأعنية في السماء ملائك

ولأعجب العجبين أنّ كلامه

لخلاله مسك يروح ورامك

إن سام مكرمة جثا متثاقلا

يرغو كما يرغو البعير البارك

ويدبّ في جنح الظلام إلى الخنا

عدوا كما يعدو الظّليم الراتك

نبذ الوقار لصبية يهجونه

فسياله فرش لهم وأرائك

يبدي لهم سوآته ليسوءهم

بمسالك لا يرتضيها سالك

والدهر باك لانقلاب صروفه

ظهرا لبطن وهو لاه ضاحك

واللسن تنصحه بأفصح منطق

لو كان ينجو بالنّصيحة هالك

تب يا ابن تسعين فقد جزت المدا

وارتاح للّقيا بسنّك مالك

أو ما ترى من حافديك نشابها

ابن يضاجع جدّه ويناسك

هيهات أيّة عشرة لهجت به

هنوات مملوك وطيّع مالك

يا ابن المرحّل لو شهدت مرحّلا

وقد انحنى بالرّحل منه الحارك

وطريد لوم لا يحلّ بمعشر

إلّا أمال قفاه صفع دالك

مركوب لهو لجاجة وركاكة

وأراك من ذاك اللجاج البارك

لرأيت للعين اللئيمة سحّة

وعلا بصفع عرك أذنك عارك

وشغلت عن ذمّ الأنام بشاغل

وثناك خصم من أبيك مماحك

قسما بمن سمك السماء مكانها

ولديه نفس رداء نفسك شائك

لأقول للمغرور منك بشيبة

بيضاء طيّ الصّحف منها حالك

لا تأمنن للذئب دفع مضرّة

فالذئب إن أعفيته بك فاتك

__________________

(١) الخرء : العذرة ، والغائط. القاموس المحيط (خرأ).

(٢) صدر هذا البيت لا يستقيم وزنه ولا معناه.

٢٦٥

عار على الملك المنزّه أن يرى

في مثل هذا للملوك مسالك

فكلامه للدّين سمّ قاتل

ودنوّه للعرض داء ناهك

فعليه ثم على الذي يصغى له

ويل يعاجله وحتف واشك

وأتاه من مثواه آت مجهز

لدم الخناجر بالخناجر سافك

وهي طويلة ، تشتمل من التعريض والصريح على كل غريب ، واتخذ لها كنانة خشبية كأوعية الكتب ، وكتب عليها : «رقاص معجّل ، إلى مالك بن المرحّل». وعمد إلى كلب ، وجعلها في عنقه ، وأوجعه خبطا حتى لا يأوي إلى أحد ، ولا يستقرّ ، وطرده بالزّقاق متكتّما بذلك. وذهب الكلب وخلفه من الناس أمّة ، وقرىء مكتوب الكنانة ، واحتمل إلى أبي الحكم ، ونزعت من عنق الكلب ، ودفعت إليه ، فوقف منها على كل فاقرة (١) كفّت من طماحه ، وغضّت عن عنان مجاراته ، وتحدّث بها مدة ، ولم يغب عنه أنها من حيل ابن رشيق ، فعوّق سهام المراجعة ، ثم أقصر مكبوحا ، وفي أجوبته عن ذلك يقول : [المتقارب]

كلاب المزابل آذينني

بأبوالهنّ على باب داري

وقد كنت أوجعها بالعصا

ولكن عوت من وراء الجدار

واستدعاه بآخرة أمير المغرب السلطان أبو يعقوب ، فاستكتبه ، واستكتب أبا الحكم صدقة ، فيقال إنه جرّ عليه خجلة كانت سبب وفاة أبي علي. ودخل الأندلس ، وحطّ بها بألمريّة ، وقد أصيب بأسر عياله ، فتوسّل إلى واليها من قرابة السلطان الغالب بالله ، بشعر مدحه فيه من قصيدة أولها : [الكامل]

ملقي النوى ملق لبعض نوالكا

فاشف المحبّ ولو بطيف خيالكا

ومنها :

لا تحسبنّي من فلان أو فلا

أنا من رجال الله ثم رجالكا

ومنها :

نصب العدوّ حبائلا لحبائبي

وعلقت في استخلاصها بحبالكا

وفي خاتمها :

وكفاك شرّ العين عيب واحد

لا عيب فيه سوى فلول نصالكا

__________________

(١) القاقرة : الداهية التي تكسر الفقار ، والجمع فواقر. محيط المحيط (فقر).

٢٦٦

ولحق بغرناطة ، ومدح السلطان بها ، ونجحت لديه مشاركة الرئيس بألمريّة. فجبر الله حاله ، وخلّص أسره.

ومما جمع فيه بين نثره ونظمه ما كتبه لمّا كتب إليه الأديب الطبيب صالح بن شريف بهاتين القصيدتين اللتين تنازع فيهما الأقوام ، واتفقوا على أن يحكم بينهما الأحلام ، وعبّر عن ذلك الأقلام ، ولينظرهما من تشوّق إليهما بغير هذا الموضع.

تواليفه : وأوضاعه غريبة ، واختراعاته عجيبة ، تعرّفت أنه اخترع في سفرة الشطرنج شكلا مستديرا. وله الكتاب الكبير في التاريخ ، والتلخيص المسمّى ب «ميزان العمل» وهو من أظرف الموضوعات ، وأحسنها شهرة.

وفاته : كان حيّا عام أربعة وسبعين وستمائة.

حبّوس بن ماكسن بن زيري بن مناد الصّنهاجي (١)

يكنى أبا مسعود ، ملك إلبيرة وغرناطة ؛ وما والاها.

حاله وأوّليّته : أما أوّليّته ، فقد مرّ ذلك بما فيه كفاية عند ذكر بلكّين. ولمّا دخل زاوي بن زيري على الأندلس غبّ إيقاعه بالمرتضى الذي نصبته الجماعة ، واستيلائه على محلّته بظاهر غرناطة ، خاف (٢) تمالؤ الأندلس عليه ، ونظر للعاقبة ، فأسند الأمر إلى ابن أخيه ، حبّوس بن ماكسن ، وكان بحصن آشر (٣) ، فلمّا ركب البحر من المنكّب ، وودّعه به زعيم البلدة وكبير فقهائها أبو عبد الله بن أبي زمنين ، ذهب إلى ابن أخيه المذكور واستقدمه ، وجرت بينه وبين ابن عمّه المتخلّف على غرناطة من قبل والده ، محاورة انجلت عن رحيله تبعا لأبيه ؛ حبّوس ، فاستبدّ بالملك ، ورأب الصّدع سنة إحدى (٤) عشرة وأربعمائة. قال ابن عذاري في تاريخه (٥) : فانحازت (٦) صنهاجة مع شيخهم ورئيسهم حبّوس بن ماكسن ، وقد كان أخوه حباسة هلك في

__________________

(١) ترجمة حبّوس في المغرب (ج ٢ ص ١٩٤) ، والمختصر في أخبار البشر (ج ٢ ص ١٩٨) ، وتتمة المختصر في أخبار البشر (ج ٢ ص ٨) ، وصبح الأعشى (ج ٥ ص ٢٤٢) ، والبيان المغرب (ج ٣ ص ٢٦٤) وأعمال الأعلام (القسم الثاني ص ٢٢٩) ، وكتاب العبر (م ٤ ص ٣٤٦) و (م ٦ ص ٣٦٩). وهناك دراسة مفصلة عنه في كتاب مملكة غرناطة في عهد بني زيري (ص ١٠٥) فلتنظر.

(٢) في الأصل : «وخاف».

(٣) في الأصل : «أشتر» ، وقد صوّبناه من مذكرات الأمير عبد الله (ص ١٩) حيث حدّد موقع حصن آشر في الغرب ، وهو بالإسبانيةIznajar.

(٤) في الأصل : «أحد عشر» وهو خطأ نحوي.

(٥) البيان المغرب (ج ٣ ص ٢٦٤).

(٦) في البيان المغرب : «وانحاز».

٢٦٧

الفتنة ، وبقي منهم معه بعد انصراف زاوي إلى إفريقية ، جماعة عظيمة ، فانحازوا إلى مدينة غرناطة ، وأقام حبّوس بها ملكا عظيما ، وحامى (١) رعيّته ممّن جاوره من سائر البرابرة (٢) المنتشرين حوله ، فدامت رئاسته.

وفاته : توفي بغرناطة سنة ثمان وعشرين وأربعمائة (٣).

الحكم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله

ابن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن

ابن معاوية (٤)

صفته وحاله : كان أصهب العين ، أسمر ، أقنى ، معسّل اللحية ، جهير الصوت ، طويل الصّلب ، قصير الساقين ، عظيم السّاعد ، أفصم ، وكان ملكا (٥) جليلا ، عظيم الصّيت ، رفيع القدر ، عالي الهمّة ، فقيها بالمذهب ، عالما بالأنساب ، حافظا للتاريخ ، جمّاعا للكتب ، محبّا في العلم والعلماء ، مشيرا للرجال من كل بلد ، جمع العلماء من كل قطر ، ولم يكن في بني أمية أعظم همّة ، ولا أجلّ رتبة في العلم وغوامض الفنون منه. واشتهر بهمّته بالجهاد ، وتحدّث بصدقاته في المحلول ، وأملته الجبابرة والملوك.

دخوله إلبيرة : قال ابن الفيّاض : كتب إليه من الثغر الجنوبي أن عظيم الفرنجة من النصارى حشدوا إليه وسألوه الممرة (٦) بطول المحاصرة ، فاحتسب شخوصه بنفسه إلى ألمرية في رجب سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة ، في جحفل لجب من نجدة الأولياء وأهل المراتب. ولما أحلّ إلبيرة ورد عليه كتاب أحمد بن يعلى من طرطوشة بنصر الله العزيز وصنعه الكريم على الرّوم. ووافى ألمريّة ، وأشرف على أمورها ، ونظر إلى أسطولها وجدّده ، وعدّته يومئذ ثلاثمائة قطعة ، وانصرف إلى قرطبة.

__________________

(١) في البيان المغرب : «وحمى».

(٢) في البيان المغرب : «سائر الأمراء المنتزين حوله ....».

(٣) تقدّم في «فصل فيمن تداول هذه المدينة» أن حبوس بن ماكسن مات سنة تسع وعشرين وأربعمائة.

(٤) ترجمة الحكم بن عبد الرحمن ، المعروف بالمستنصر في جذوة المقتبس (ص ١٣) ، وبغية الملتمس (ص ١٨) ، والحلّة السيراء (ج ١ ص ٢٠٠) ، والمغرب (ج ١ ص ١٨٦) ، والبيان المغرب (ج ٢ ص ٢٣٢) ، ونفح الطيب (ج ١ ص ٣٦٥) ، ورسائل ابن حزم الأندلسي (ج ٢ ص ١٩٤) ، وجمهرة أنساب العرب (ص ١٠٠).

(٥) كان المستنصر خليفة وليس ملكا ، حكم الأندلس من سنة ٣٥٠ ه‍ إلى سنة ٣٦٦ ه‍.

(٦) الممرة : الاستمرار.

٢٦٨

مولده : لستّ بقين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثمائة.

وفاته : لأربع (١) خلون من صفر سنة ستّ وستين وثلاثمائة ، وعمره نحو من ثلاث وستين سنة ، وهو خاتمة العظماء من بني أمية.

الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام

ابن عبد الملك بن مروان بن أمية (٢)

كنيته أبو العاصي.

صفته : آدم ، شديد الأدمة (٣) ، طويل ، أشمّ ، نحيف ، لم يخضب. بنوه تسعة عشر من الذكور ، منهم عبد الرحمن وليّ عهده.

بناته : إحدى وعشرون (٤) ، أمّه أمّ ولد اسمها زخرف.

وزراؤه وقوّاده : خمسة ، منهم إسحاق بن المنذر ، والعباس بن عبد الله ، وعبد الكريم بن عبد الواحد ، وفطيس بن سليمان ، وسعيد بن حسّان.

قضاته : مصعب بن عمران ، وعمر (٥) بن بشر ، والفرج بن كنانة. وبشر بن قطن ، وعبد (٦) الله بن موسى ، ومحمد بن تليد ، وحامد بن محمد بن يحيى.

كتابه : فطيس بن سليمان ، وعطاف (٧) بن زيد ، وحجّاج بن العقيلي (٨).

حاجبه : عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث.

حاله : كان الحكم شديد الحزم ، ماضي العزم ، ذا صولة تتّقى. وكان حسن التدبير في سلطانه ، وتولية أهل الفضل ، والعدل في رعيّته ، مبسوط اليد بالعطاء الكثير ، وكان فصيحا ، بليغا ، شاعرا مجيدا ، أديبا ، نحويّا.

__________________

(١) في الحلة السيراء (ج ١ ص ٢٠٠): «وتوفي لليلتين خلتا من صفر ...».

(٢) ترجمة الحكم بن هشام ، المعروف بالحكم الربضي ، في جذوة المقتبس (ص ١٠) ، وبغية الملتمس (ص ١٤) ، والحلّة السيراء (ج ١ ص ٤٣) ، والبيان المغرب (ج ٢ ص ٦٨) ، والمغرب (ج ١ ص ٣٨) ، ونفح الطيب (ج ١ ص ٣٢٦) ، ورسائل ابن حزم الأندلسي (ج ٢ ص ١٩٢) ، وجمهرة أنساب العرب (ص ٩٧).

(٣) الأدمة : السمرة. محيط المحيط (أدم).

(٤) في المغرب (ج ١ ص ٣٨) أنهنّ ثلاثون.

(٥) في البيان المغرب : «ومحمد بن بشير».

(٦) في المصدر نفسه : «وعبيد الله بن موسى».

(٧) في المصدر نفسه : «وخطّاب بن زيد».

(٨) في المصدر نفسه : «وحجاج العقيلي».

٢٦٩

قال ابن عذاري (١) : كانت فيه بطالة ، إلّا أنه كان شجاعا (٢) ، مبسوط اليد ، عظيم العفو ، وكان يسلّط قضاته وحكّامه على نفسه ، فضلا عن ولده وخاصّته. وهو الذي جرت على يده الفتكة العظيمة بأهل ربض قرطبة (٣) ، الذين هاجوا به وهتفوا بخلعانه ، فأظهره الله عليهم ، في خبر شهير. وهو الذي أوقع بأهل طليطلة أيضا ، فأبادهم بحيلة الدّعاء إلى الطعام بما هو معلوم.

دخوله غرناطة : قالوا : وبإلبيرة وأحوازها تلاقى مع عمّه أبي أيوب سليمان بن عبد الرحمن ، فهزمه وقتله حسبما ثبت في اسم أبي أيوب.

شعره : قالوا : وكان له خمس جوار قد استخلصهنّ لنفسه ، وملّكهنّ أمره ، فذهب يوما إلى الدخول عليهنّ ، فتأبّين عليه ، وأعرضن عنه ، وكان لا يصبر عنهنّ ، فقال (٤) : [البسيط]

قضب من البان ماست فوق كثبان

ولّين (٥) عنّي وقد أزمعن هجراني

ناشدتهنّ بحقّي فاعتزمن على ال

عصيان (٦) حتى خلا منهنّ همياني

ملكنني ملك من ذلّت عزيمته

للحبّ ذلّ أسير موثّق عاني

من لي بمغتصبات (٧) الرّوح من بدني

يغصبنني في الهوى عزّي وسلطاني

ثم عطفن عليه بالوصال فقال (٨) : [الخفيف]

نلت كلّ (٩) الوصال بعد البعاد

فكأنّي ملكت كلّ العباد

وتناهى السرور إذ نلت ما لم

يغن عنه تكاثف الأجناد

__________________

(١) البيان المغرب (ج ٢ ص ٧٩).

(٢) في البيان المغرب : «كان شجاع النفس ، باسط الكفّ».

(٣) لذلك سمّي بالحكم الرّبضي ، والمراد الربض الغربي من العاصمة قرطبة ، وهو محلّه بها. معجم البلدان (ج ٣ ص ٢٦). وخبر ثورة الربضي أولا سنة ١٨٩ ه‍ وثانيا سنة ٢٠٢ ه‍. البيان المغرب (ج ٢ ص ٧١ ، ٧٥) ، وتاريخ افتتاح الأندلس (ص ٦٨ ـ ٦٩) ، والحلّة السيراء (ج ١ ص ٤٤ ـ ٤٧) ، ونفح الطيب (ج ١ ص ٣٢٧).

(٤) الأبيات في البيان المغرب (ج ٢ ص ٧٩) ، والحلّة السيراء (ج ١ ص ٥٠) ، ونفح الطيب (ج ١ ص ٣٣٠).

(٥) في البيان المغرب : «أعرضن».

(٦) في المصدر نفسه : «الهجران».

(٧) في نفح الطيب : «بمقتضيات».

(٨) البيتان في البيان المغرب (ج ٢ ص ٧٩).

(٩) كلمة «كل» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من البيان المغرب.

٢٧٠

مناقبة : أنهى (١) إليه عباس بن ناصح وقد عاد من الثغر أن امرأة من ناحية وادي الحجارة سمعها تقول : وا غوثاه ، يا حكم ، ضيّعتنا ، وأسلمتنا ، واشتغلت عنّا ، حتى استأسد العدوّ علينا ، ورفع إليه شعر في هذا المعنى والغرض ، فخرج من قرطبة كاتما وجهته ، وأوغل في بلاد الشّرك ، ففتح الحصون ، وهدّم المنازل ، وقتل وسبى (٢) ، وقفل بالغنائم على الناحية التي فيها تلك المرأة ، فأمر لأهل تلك الناحية بمال من الغنائم يفدون به أسراهم (٣) ، ويصلحون به أحوالهم ، وخصّ المرأة وآثرها ، وأعطاها عددا من الأسرى ، وقال لها : هل أغاثك الحكم؟ قالت : إي والله ، أغاثنا وما غفل عنّا ، أعانه الله وأعزّ نصره.

وفاته : توفي لأربع بقين لذي الحجة سنة ست ومائتين ، وكان عمره اثنتين (٤) وخمسين سنة. وجرى ذكره في الرجز من نظمي في تاريخ دول الإسلام (٥) بما نصّه : [الرجز]

حتى إذا الدهر عليه احتكما

قام بها ابنه المسمّى حكما

واستشعر الثورة فيها وانقبض

مستوحشا كاللّيث أقعى وربض

حتى إذا فرصته لاحت تفض

فأفحش الوقعة في أهل الرّبض

وكان جبّارا بعيد الهمّه

لم يرع من آل بها أو ذمّه

حكم بن أحمد بن رجا الأنصاري

من أهل غرناطة ، يكنى أبا العاصي.

حاله : كان من قرّائها ونبهائها ، وكان من أهل الفضل والطلب ، وإليه ينسب مسجد أبي العاصي ، وحمام أبي العاصي ودربه بغرناطة ، وكفى بذلك دليلا على الأصالة والتأثّل. ذكره أبو القاسم ولم يذكر من أمره مزيدا على ذلك.

__________________

(١) قارن بالبيان المغرب (ج ٢ ص ٧٣).

(٢) في البيان المغرب : «وقتل كثيرا ، وأسر كذلك».

(٣) في المصدر نفسه : «سباياهم».

(٤) في الأصل : «اثنين» وهو خطأ نحوي.

(٥) هو كتاب «رقم الحلل في نظم الدول».

٢٧١

حاتم بن سعيد بن خلف بن سعيد بن محمد بن عبد الله

ابن سعيد بن الحسين بن عثمان بن سعيد بن عبد الملك

ابن سعيد بن عمّار بن ياسر (١)

أوّليّته : قد مرّ بعض ذلك ، وسيأتي بحول الله.

حاله : قال أبو الحسن بن سعيد في كتابه الموضوع في مآثر القلعة (٢) : كان صاحب سيف وقلم وعلم ، ودخل في الفتنة المردنيشيّة (٣) ، حسبما مرّ ذلك عند ذكر أخيه أبي جعفر ، فصار من جلساء الأمير أبي عبد الله محمد بن سعد بن مردنيش بمرسية ، وأرباب آرائه ، وذوي الخاصّة من وزرائه ، وكان مشهورا بالفروسية والشجاعة والرأي.

حكاياته ونوادره : قال : كان التّندير والهزل قد غلبا عليه ، وعرف بذلك ، فصار يحمل منه ما لا يحمل من غيره. قالوا : فحضر يوما مع الأمير محمد بن سعد ، يوم الجلاب (٤) من حروبه ، وقد صبر الأمير صبرا جميلا. ووالى الكرّ المرّة بعد المرة. وذلك بمرأى من حاتم ؛ فردّ رأسه إليه ، وقال : يا قائدا أبا الكرم ، كيف رأيت؟ فقال له حاتم : لو رآك السّلطان اليوم لزاد في مرتّبك ، فضحك ابن مردنيش ، وعلم أنه أراد بذلك : لا تليق به المخاطرة ، وإنما هو للثّبات والتدبير. وقال له يوما وقد جرى ذكر الجنّات : جنّ اليوم يا أبا الكرم على بستانك بالزّنقات. وأردت أن أكون من ضيافتك ، فقال عبد الرحمن بن عبد الملك ، وهو إذ ذاك وزير الأمير وبيده المجابي والأعمال : لعل الأمير اغترّ بسماع اسمه حاتم ، ما فيه من الكرم إلّا الاسم ، فقال الحاتم : ولعلّ الأمير اغترّ بسماع أمانة عبد الرحمن ، فقدّمه على وزرائه ، وما عنده من الأمانة إلّا الاسم ، فقال ابن مردنيش وقد ضحك : الأولى فهمت ، ولم أفهم الثانية ، فقال له كاتبه أبو محمد السلمي : إنما أشار إلى قول رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في عبد الرحمن بن عوف ، رضي الله عنه ، أمير هذه الأمة ، وأمين في أهل السماء ، وأمين في أهل الأرض ؛ فطرب ابن مردنيش ، وجعل يقول : أحسنتما.

__________________

(١) ترجمة حاتم بن سعيد في المغرب (ج ٢ ص ١٦٨) ، ونفح الطيب (ج ٥ ص ٤٧).

(٢) هي قلعة بني سعيد ، المسماة «يحصب» ، والكتاب هو «الطالع السعيد ، في تاريخ بني سعيد».

(٣) هي فتنة محمد بن سعد بن مردنيش.

(٤) فحص الجلاب : مكان على عشرة أميال من مرسية ، وفيه وقعت المعركة بين قوات الموحدين وابن مردنيش. تاريخ المن بالإمامة (ص ٢٧٩). وقد تحدّث ابن عذاري عن هذه المعركة دون أن يسمّيها. البيان المغرب ـ قسم الموحدين (ص ٨٨).

٢٧٢

شعره : قال أبو الحسن : ولم أحفظ من شعر حاتم ما أورده في هذا المكان إلّا قوله يخاطب حفصة الرّكّونية الشاعرة ، التي يأتي ذكرها ، حين فرّ إلى مرسية ، وتركها بغرناطة : [الوافر]

أحنّ إلى ديارك يا حياتي

وأبصر ذو وهد سيل الظّبات (١)

وأهوى أن أعود إليك لكن

خفوق البند (٢) عاق عن القنات

وكيف إلى جنابك من سبيل

وليس يحلّه إلّا عداتي!

مولده : في سنة خمس وثلاثين وخمسمائة ، وقال أبو القاسم الغافقي فيه عند ذكره : كان طالبا نبيها ، جميلا ، سريّا ، تامّ المروءة ، جميل العشرة.

وفاته : قال : مات بغرناطة سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة (٣).

حباسة بن ماكسن بن زيري بن مناد الصّنهاجي (٤)

كان شهما هيّبا ، بهمة من البهم ، كريما في قومه ، أبيّا في نفسه ، صدرا من صدور صنهاجة ؛ وكان أشجع من أخيه حبّوس.

وفاته : قال أبو مروان (٥) عند ذكر وقعة «رمداي» بطرف قرطبة في حروب البرابرة لأهلها في شوّال عام اثنين وأربعمائة ، قال (٦) : واستلحم حباسة بن ماكسن الصنهاجي ابن أخي زاوي بن زيري ، وهو فارس صنهاجة طرّا وفتاها ؛ وكان قد تقدّم إلى هذه الناحية ، زعموا لمّا بلغه اشتداد الأمر فيها ، فرمى بنفسه على طلّابها ، واتّفق أن ركب بسرج طري العمل متفتح اللّبد ، وخانه مقعده عند المجاولة ، لتقلّبه على الصّهوة ؛ وقيل إنه كان منتبذا على ذلك ، فتطارح على من بإزائه ، ومضى قدما بسكرى

__________________

(١) كذا ورد عجز البيت منكسر الوزن ، وغير مفهوم المعنى. والظّبات : جمع ظبة وهي حدّ السيف. محيط المحيط (ظبو).

(٢) البند : العلم الكبير ، فارسي معرّب ، والجمع بنود. محيط المحيط (بند).

(٣) في النفح (ج ٥ ص ٤٧): «توفي بغرناطة سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة».

(٤) حكم حباسة غرناطة من سنة ٤١٠ ه‍ إلى سنة ٤٢٩ ه‍ ، وترجمة حباسة بن ماكسن في المغرب (ج ٢ ص ١٠٧) ، والبيان المغرب (ج ٣ ص ٢٦٢ ، ٢٦٤) ، وأعمال الأعلام (القسم الثاني ص ٢٢٩) ، واللمحة البدرية (ص ٣١) واسمه في كل المصادر : «حبوس» مكان «حباسة». وفي كتاب مملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر ، للدكتورة مريم قاسم دراسة وافية عنه (ص ١٠٥ ـ ١١٧) فلتنظر.

(٥) هو المؤرّخ أبو مروان بن حيان.

(٦) قارن بالبيان المغرب (ج ٣ ص ١١١ ـ ١١٢) ، وأعمال الأعلام (القسم الثاني ص ٢٢٩). والنص في كتاب «المتين» لابن حيان.

٢٧٣

شجاعته ونشوته ، يصافح البيوت بصفحته ، ويستقبل القنا بلبّاته ، لا يعرض له شيء إلّا حطّه ، إلى أن مال به سرجه ، فأتيح حمامه لاشتغاله بذلك ، بطعنة من يد المسمّى النّبيه النصراني ، أحد فرسان الموالي العامريين ؛ فسقط لفيه ، وانتظمته رماح الموالي فأبادته ؛ وحامى أخوه حبّوس ، وبنو عمّه ، وغيرهم من أنجاد البرابرة على جثته ، فلم يقدروا على استنقاذها بعد جلاد طويل ، وغلب عليه الموالي فاحتزّوا رأسه ، وعجّلوا به إلى قصر السلطان ، وأسلموا جسده للعامّة ؛ فركبوه بكل عظيمة ، واجتمعوا إليه اجتماع البغاث على كبير الصّقورة ، فجرّوه في الطرق وطافوا به الأسواق ، وقطعوا بعض أعضائه ، وأبدوا شواره وكبده بكل مكروه من أنواع الأذى ، بأعظم ما ركب ميت ، فلمّا سئموا تجراره ، أوقدوا له نارا فحرقوه بها جريا على ذميم عادتهم ، في قبح المثلة ، ولؤم القدرة. وانجلت الحروب في هذا اليوم لمصابه ، عن أمر عظيم ، وبلغ من جميع البرابرة الحزن عليه مناله ، ورأت أن دماء أهل قرطبة جميعا لا تعدله.

من الكتاب «المتين».

حبيب بن محمد بن حبيب

من أهل النّجش (١) ، من وادي المنصورة (٢) أخوه مالك النّجشي ، دباب الحلقات ، ومراد أذناب المقرّبين.

حاله : كان على سجيّة غريبة من الانقباض المشوب بالاسترسال ، والأمانة مع الحاجة ، بادي الزّي واللسان ، يحفظ الغريب من اللغة ، ويحرّك شعرا لا غاية وراءه في الرّكاكة ، وله قيام على الفقه وحفظ القرآن ، ونغمة حسنة عند التّلاوة. قدم الحضرة غير ما مرة وكان الأستاذ ، إمام الجماعة ، وسيبويه الصناعة ، أبو عبد الله بن الفخّار ، المعروف بإلبيري ، أبا مثواه ومحطّ طيّته ، يطلب منه مشاركته بباب السلطان في جراية يرغب في تسميتها ، وحال يروم إصلاحها ، فقصدني مصحبا منه رقعة تتضمن الشّفاعة ، وعرض عليّ قصيدة من شعره يروم إيصالها إلى السلطان ، فراجعت الأستاذ برقعة أثبتها على جهة الإحماض وهي :

«يا سيدي الذي أتشرّف ، وبالانتماء إلى معارفه أتميّز ، وصل إليّ عميد حصن النجش ، وناهض أفراخ ذلك العشّ ، تلوح عليه مخايل أخيه المسمّى بمالك ، ويترجّج به الحكم في الغاية في أمثال تلك المسالك ، أشبه من الغراب بالغراب ، وإنها لمن

__________________

(١) هو حصن النجش ، كما سيرد بعد قليل.

(٢) ذكره ابن سعيد وقال : نهر المنصور ، مشهور بالحسن ، لما عليه من الحصون والضياع. المغرب (ج ٢ ص ٨١ ، ٨٤).

٢٧٤

عجائب الماء والتراب ، فألقى من ثنائكم الذي أوجبته السيادة والأبوّة ، ما يقصر عن طيب الألوّة ، وتخجل عند مشاهدته الغرر المجلوّة ، وليست بأولي برّ أسديتم ، ومكرمة أعدتم وأبديتم ، والحسنات وإن كانت فهي إليكم منسوبة ، وفي أياديكم محسوبة ، وبلوت من الرجل طلعة نتفة ، لم يغادر من صفات النبل صفة ، حاضر بمسائل من الغريب ، وقعد مقعد الذكي الأريب. وعرض عليّ حاجته وغرضه ، وطلب مني المشاركة ، وهي مني لأمثاله مفترضة ، ووعدني بإيقافي على قصيدة حبّرها ، وأنسى بالخبر خبرها ، وباكرني بها اليوم مباكرة الساقي بدهاقه ، وعرضها عليّ عرض التاجر نفائس أعلاقه ، وطلب مني أن أهذّب له ما أمكن من معانيها وألفاظها ، وأجلو القذى عن ألحاظها ، فنظرت منها إلى روض كثرت أثغابه ، وجيش من الكلام زاحم خواصّه أو شابه ، ورمت الإصلاح ما استطعت ، فعجزت عن ذلك وانقطعت ، ورأيت لا جدوى إلى ذلك الغرض ، ما لم تبدّل الأرض غير الأرض. وهذا الفنّ ، أبقى الله سيدي ، ما لم يمتّ إلى الإجادة بسبب وثيق ، وينتمي في الإحسان إلى مجد عريق ، وكان رفضه أحسن وأحمد ، واطّراحه بالفائدة أعود ، وإذا اعتبره من عدل وقسط ، وجده طريقين لا يقبل الوسط ، فمنهما مالّ يقتنى ويدّخر ، وسافل يهزأ به ويسخّر ، والوسط ثقيل لا يتلبّس به نبيل. قيل لبعضهم : ألا تقول الشعر؟ فقال : أريد منه ما لا يتأتّى لي ، ويتأتّى لي منه ما لا أريده. وقال بعضهم : فلان كمغنّ وسط لا يجيد فيطرب ، ولا يسيء فيسلّي. فاقتضى نظركم الذي لا يفارق السّداد والتوفيق ، وإرشادكم الذي رافقه الهدى ونعم الرفيق ، أن يشير عليه بالاستغناء عن رفعها ، والامتساك عن دفعها ، فهو أقوى لأمته (١) ، وأبقى على سكنته وسمته ، وأستر لما لديه ، قبل أن يمدّ أبو حنيفة رجليه ، وإن أصمّت عن هذا العذل مسامعه ، وهفت به إلى النجاح مطامعه ، فليعتمد على الاختصار ، فذو الإكثار جمّ العثار ، وليعدل إلى الجادة عن ثنيات الطّرق ، ويجتزئ عن القلادة بما أحاط بالعنق ، فإذا رتّبها وهذّبها ، وأوردها من موارد العبارة أعذبها ، تولّيت زفافها وإهداءها ، وأمطت بين يدي الكفوء الكريم رداءها ، والسلام».

حمدة بنت زياد المكتّب (٢)

من ساكني وادي الحمّة بقرية بادي من وادي آش.

__________________

(١) الأمت : المكان المرتفع ، والمراد مكانته. محيط المحيط (أمت).

(٢) ترجمتها في المطرب (ص ١١) ، ورايات المبرزين (ص ١٦٧) ، والمغرب (ج ٢ ص ١٤٥) ، وفوات الوفيات (ج ١ ص ٣٩٤) ، والذيل والتكملة (السفر الثامن ، القسم الأول ص ٤٨٥) ، ـ ـ والمقتضب في كتاب تحفة القادم (ص ٢١٤) ، والتكملة (ج ٤ ص ٢٦١) وفيه أنها «حمزة» ، وبغية الملتمس (ص ٥٤٦) ، ونفح الطيب (ج ٦ ص ٦٢).

٢٧٥

حالها : قال أبو القاسم : نبيلة ، شاعرة ، كاتبة ؛ ومن شعرها وهو مشهور (١) : [الوافر]

أباح الدّمع أسراري بوادي

له في الحسن (٢) آثار بوادي

فمن نهر (٣) يطوف بكلّ روض

ومن روض يطوف بكل وادي

ومن بين الظّباء مهاة إنس

سبت لبّي وقد سلبت فؤادي (٤)

لها لحظ ترقّده لأمر

وذاك الأمر يمنعني رقادي

إذا سدلت ذوائبها عليها

رأيت البدر في جنح السّواد (٥)

كأنّ الصّبح مات له شقيق

فمن حزن تسربل في الحداد (٦)

ومن غرائبها (٧) : [الطويل]

ولمّا أبى الواشون إلّا قتالنا

وما لهم عندي وعندك من ثار (٨)

__________________

(١) الأبيات في المغرب (ج ٢ ص ١٤٦) ورايات المبرزين (ص ١٦٧) وفوات الوفيات (ج ١ ص ٣٩٥) والمقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ٢١٤) والتكملة (ج ٤ ص ٢٦١) والمطرب (ص ١١) منسوبة إلى الوادي آشية دون تعيين الاسم ، ونفح الطيب (ج ٦ ص ٦٢) وبغية الملتمس (ص ٥٤٦) والذيل والتكملة (السفر الثامن ـ القسم الأول ص ٤٨٥).

(٢) في المقتضب : «أباح الدهر ... به للحسن ...». وفي المطرب والتكملة والذيل والتكملة : «به للحسن». وفي فوات الوفيات ونفح الطيب : «له للحسن».

(٣) في المقتضب : «فمن واد يطوف ...». وفي النفح : «يرفّ» بدل «يطوف».

(٤) في الأصل : «ومن بني الظّبا مهات إنس ...». وهكذا ينكسر الوزن. وفي المقتضب والتكملة وفوات الوفيات والذيل والتكملة : «... مهاة رمل سبت عقلي ...». وفي المغرب : «... مهاة رمل تبدّت لي ... قيادي». وفي النفح : «ملكت» بدل «سلبت».

(٥) في الأصل : «السوادي». وفي المقتضب : «ذؤابتها عليه كمثل البدر في الظّلم الدادي». وفي المطرب : «... رأيت الصبح أشرق في الدآدي». وفي النفح : «أفق» بدل «جنح». وفي التكملة والذيل والتكملة وفوات الوفيات : «الدآدي» بدل «السواد».

(٦) في الأصل : «في الحدادي». وفي المقتضب : «تخال الصبح مات له خليل فمن ...». وفي المطرب : «تخال البدر مات له خليل فمن ...». وفي الفوات والتكملة والذيل والتكملة والنفح : «... تسربل بالحداد».

(٧) الأبيات في رايات المبرزين (ص ١٦٨) والمغرب (ج ٢ ص ١٤٦) وفوات الوفيات (ج ١ ص ٣٩٥) ونفح الطيب (ج ٦ ص ٦٢).

(٨) في الرايات وفوات الوفيات والمغرب ونفح الطيب : «فراقنا» بدل «قتالنا». وفي الرايات : وليس لهم «بدل» : «وما لهم».

٢٧٦

وشنّوا على آذاننا (١) كلّ غارة

وقلّت حماتي عند ذاك وأنصاري

رميتهم (٢) من مقلتيك وأدمعي

ومن نفسي بالسّيف والسّيل والنار

وقال أبو الحسن بن سعيد في حمدة وأختها زينب (٣) : شاعرتان ، أديبتان ، من أهل الجمال ، والمال ، والمعارف والصّون ، إلّا أن حبّ الأدب كان يحملهما على مخالطة أهله ، مع صيانة مشهورة ، ونزاهة موثّق بها.

حفصة بنت الحاج الرّكوني (٤)

من أهل غرناطة ، فريدة الزمان في الحسن ، والظّرف ، والأدب ، واللّوذعيّة ؛ قال أبو القاسم : كانت أديبة ، نبيلة ، جيّدة البديهة ، سريعة الشعر.

بعض أخبارها : قال الوزير أبو بكر بن يحيى بن محمد بن عمر الهمداني : رغبت أختي إلى حفصة أن تكتب شيئا بخطها فكتبت (٥) : [البسيط]

يا ربّة الحسن ، بل يا ربّة الكرم

غضّي جفونك عمّا خطّه قلمي (٦)

تصفّحيه بلحظ الودّ منعمة

لا تحفلي بقبيح (٧) الخطّ والكلم

قال أبو الحسن بن سعيد ، وقد ذكر أنهما باتا بحوز مؤمّل (٨) في جنّة له هنالك على ما يبيت عليه أهل الظّرف والأدب ، قال (٩) : [الطويل]

__________________

(١) في المغرب وفوات الوفيات والنفح : «وشنّوا على أسماعنا ... وقلّ حماتي ...». وفي الرايات : «وشنوا على أسماعنا ...».

(٢) في المغرب وفوات الوفيات والنفح : «غزوتهم». وفي الرايات : «غزوتهم من ناظريك وأدمعي ...».

(٣) هذا النص لم يرد لا في المغرب ولا في رايات المبرزين ، برغم أن فيها ، كما مرّ ، ترجمة وشعر لحمدة المترجم لها.

(٤) ترجمة حفصة في المغرب (ج ٢ ص ١٣٨) ورايات المبرزين (ص ١٦١) والتكملة (ج ٤ ص ٢٦٠) والمقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ٢١٩) ومعجم الأدباء (ج ٣ ص ٢٢٨) والمطرب (ص ١٠) ونفح الطيب (ج ٤ ص ١٩٢) و (ج ٥ ص ٣٠٩). والركوني : نسبة إلى ركانة ، وهي بالإسبانيةRequena ، وهي مدينة من عمل بلنسية بالأندلس. معجم البلدان (ج ٣ ص ٦٣) ونصوص عن الأندلس (ص ١١ ، ١٤١). وجعلها ابن عذاري قرية من عمل طليطلة. البيان المغرب (ج ٢ ص ٥٨).

(٥) البيتان في نفح الطيب (ج ٥ ص ٣١٤).

(٦) في الأصل : «القلم» والتصويب عن النفح.

(٧) في النفح : «برديء».

(٨) تقدم الحديث عن حوز مؤمل في فصل «ذكر ما ينسب إلى هذه الكورة من الأقاليم التي نزلتها العرب بخارج غرناطة».

(٩) الحكاية وأبيات أبي جعفر بن سعيد اللامية وأبيات حفصة الدالية في رايات المبرزين ـ

٢٧٧

رعى الله ليلا لم يرع بمذمّم

رعانا ووارانا بحوز مؤمّل (١)

وقد نفحت (٢) من نحو نجد أريجة (٣)

إذا نفحت هبّت بريح (٤) القرنفل

وغرّد قمريّ على الدّوح وانثنى

قضيب من الرّيحان (٥) من فوق جدول

يرى (٦) الرّوض مسرورا بما قد بدا له :

عناق وضمّ وارتشاف مقبّل

فقالت : [الطويل]

لعمرك ما سرّ الرياض وصالنا (٧)

ولكنه أبدى لنا الغلّ والحسد

ولا صفّق النّهر ارتياحا لقربنا

ولا صدح (٨) القمريّ إلّا لما وجد (٩)

فلا تحسن (١٠) الظّنّ الذي أنت أهله

فما هو في كل المواطن بالرّشد

فما خلت هذا الأفق أبدى نجومه

لأمر سوى كي ما تكون (١١) لنا رصد

قال أبو الحسن بن سعيد : وبالله ما أبدع ما كتبت به إليه وقد بلغها أنه علق بجارية سوداء أسعت له من بعض القصور ، فاعتكف معها أياما وليالي ، بظاهر غرناطة ، في ظلّ ممدود ، وطيب هوى مقصور وممدود (١٢) : [مخلع البسيط]

يا أظرف الناس قبل حال

أوقعه نحوه (١٣) القدر

عشقت سوداء مثل ليل

بدائع الحسن قد ستر

__________________

ـ (ص ١٦٢ ـ ١٦٣) ومعجم الأدباء (ج ٣ ص ٢٢٩) ونفح الطيب (ج ٤ ص ١٩٢).

(١) في رايات المبرزين ومعجم البلدان : «... بمذمم عشية وارانا بحوز ...». وفي النفح : «بمذمم عشية وارانا بحور ...».

(٢) في الرايات ومعجم الأدباء والنفح : «وقد خفقت».

(٣) في الأصل : «أريجه» ، والتصويب من الرايات والنفح.

(٤) في الرايات والنفح : «بريّا». وفي معجم الأدباء : «... جاءت بريّا ...».

(٥) في الأصل : «ريحان» وهكذا ينكسر الوزن ، وقد صوّبناها من الرايات ومعجم البلدان والنفح.

(٦) في الرايات والنفح : «ترى».

(٧) في الرايات ومعجم الأدباء والنفح : «بوصلنا».

(٨) في الأصل : «مدح» والتصويب من الرايات والنفح. وفي المعجم : «غرّد».

(٩) في الرايات : «وما صفّق ... بقربنا ... إلّا بما وجد». والقمريّ : نوع من الحمام.

(١٠) في الأصل : «فلا تحسبنّ ...» وهكذا ينكسر الوزن. والتصويب من الرايات ومعجم الأدباء والنفح.

(١١) في الأصل : «يكون» والتصويب من الرايات والنفح ، وهكذا يكون الضمير عائدا إلى النجوم ، وهو أفضل للسياق.

(١٢) أبيات حفصة وجواب ابن سعيد لها في معجم الأدباء (ج ٣ ص ٢٢٩ ـ ٢٣٠).

(١٣) في المعجم : «وسطه».

٢٧٨

لا يظهر البشر في دجاها

كلّا ولا يبصر الخفر

بالله قل لي وأنت أدرى

بكلّ من هام في الصّور

من الذي هام في جنان (١)

لا نور (٢) فيه ولا زهر؟

فكتب إليها بأظرف اعتذار ، وألطف أنوار : [مخلع البسيط]

لا حكم إلّا لأمر ناه

له من الذنب يعتذر (٣)

له محيّا به حياتي

أعيذ مجلاه (٤) بالسّور

كضحوة (٥) العيد في ابتهاج

وطلعة الشّمس والقمر

بسعده (٦) لم أمل إليه إلّا

اطّرافا (٧) له خبر

عدمت صبحي فاسودّ عشقي (٨)

وانعكس الفكر والنّظر

إن لم تلح يا نعيم روحي

فكيف لا تفسد الفكر؟

قال : وبلغنا أنه خلا مع حاتم وغيره من أقاربهم ، لهم طرب ولهو ، فمرّت على الباب مستترة ، وأعطت البوّاب بطاقة فيها مكتوب (٩) : [الخفيف]

زائر قد أتى بجيد غزال

طامع من محبّه بالوصال (١٠)

أتراكم بإذنكم مسعفيه

أم لكم شاغل من الأشغال؟ (١١)

فلمّا وصلت الرّقعة إليه ، قال : وربّ الكعبة ، ما صاحب هذه الرّقعة إلّا الرّقيعة حفصة ؛ ثم طلبت فلم توجد ، فكتب إليها راغبا في الوصال والأنس

__________________

(١) رواية صدر البيت في معجم الأدباء هي :

من الذي حبّ قبل روضا

(٢) في الأصل : «نوّار» وهكذا ينكسر الوزن ، وقد صوّبناه من معجم الأدباء.

(٣) رواية البيت في الأصل هي :

لا حكم إلّا لآمر ناه

له من ذنبه معتذر

وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من معجم الأدباء.

(٤) في الأصل : «مداه» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من معجم الأدباء.

(٥) في الأصل : «كصحبة» ، وقد صوّبناه من المعجم لأنه هكذا يتلاءم والسياق.

(٦) في الأصل : «سعده» ، وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من معجم الأدباء.

(٧) في معجم الأدباء : «طريفا».

(٨) كذا في معجم الأدباء ، وفي كلا الحالتين ينكسر وزن صدر البيت.

(٩) البيتان في معجم الأدباء (ج ٣ ص ٢٣٠ ـ ٢٣١) ونفح الطيب (ج ٥ ص ٣١٦).

(١٠) في نفح الطيب : «... الغزال مطلع تحت جنحه للهلال».

(١١) رواية البيت في النفح هي :

ما ترى في دخوله بعد إذن

أو تراه لعارض في انفصال

٢٧٩

الموصول (١) : [الخفيف]

أيّ شغل عن الحبيب (٢) يعوق

يا صباحا (٣) قد آن منه الشّروق

صل وواصل فأنت أشهى إلينا

من جميع (٤) المنى فكم ذا نشوق

بحياة الرّضى يطيب صبوح

عرفا إن جفوتنا أو غبوق (٥)

لا وذلّ الهوى (٦) وعزّ التلاقي

واجتماع إليه عزّ الطريق

وذكرها الأستاذ في «صلته» ، فقال : وكانت أستاذة وقتها ، وانتهت إلى أن علّمت النساء في دار المنصور ؛ وسألها يوما أن تنشده ارتجالا فقالت (٧) : [المجتث]

امنن عليّ بصكّ (٨)

يكون للدّهر (٩) عدّه

تخطّ يمناك فيه :

الحمد لله وحده (١٠)

قال : فمنّ عليها ، وحرّز لها ما كان لها من ملك.

وفاتها : قالوا : توفيت بحضرة مرّاكش في آخر سنة ثمانين أو إحدى وثمانين وخمسمائة(١١).

__________________

(١) الأبيات في معجم الأدباء (ج ٣ ص ٢٣١).

(٢) في المعجم : «المحبّ».

(٣) في الأصل : «يا صاحبا» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من معجم الأدباء.

(٤) في المعجم : «لذيذ».

(٥) رواية البيت في المعجم هي :

لا وحبّيك لا يطيب صبوح

غبت عنه ولا يطيب غبوق

والصبوح : خمر الصباح ، والغبوق : خمر العشي.

(٦) في المعجم : «الجفا».

(٧) البيتان في رايات المبرزين (ص ١٦٢) والمغرب (ج ٢ ص ١٣٨) والمقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ٢١٩) ومعجم الأدباء (ج ٣ ص ٢٢٨) والتكملة (ج ٤ ص ٢٦١) ونفح الطيب (ج ٥ ص ٣٠٩). وقبل البيتين بيت آخر ورد في المقتضب ونفح الطيب وهو :

يا سيّد الناس يا من

يؤمّل الناس رفده

(٨) في الرايات والمغرب ومعجم الأدباء والنفح : «بطرس».

(٩) في المغرب : «في الدهر».

(١٠) في التكملة : «والحمد» بدل «الحمد». ورواية البيت في المقتضب هي :

خطّت يمينك فيه

والحمد لله وحده

وعجز البيت هو العلّامة السلطانية عند الموحدين ، كما جاء في نفح الطيب.

(١١) جاء في معجم الأدباء أنها توفيت سنة ست وثمانين وخمسمائة.

٢٨٠