إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ١

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ١

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٠

وبقي الحلبيون عند تمرتاش يحثونه على التوجه إلى حلب وهو يعدهم ولا يفعل ، وهم يقولون له : نريد منك أن تصل بنفسك والحلبيون يكفونك أمرهم ، فضاق الأمر بالحلبيين إلى حد يأكلون فيه الكلاب والميتات ، وقلت الأقوات ونفد ما عندهم وفشا المرض فيهم فكان المرضى يئنون من شدة المرض ، فإذا ضرب البوق لزحف الفرنج قام المرضى كأنما أنشطوا من عقال وزحفوا إلى الفرنج وردّوهم إلى خيامهم ، ثم يعودون إلى مضاجعهم. فكتب جدي أبو الفضل هبة الله بن القاضي أبي غانم كتابا إلى والده يخبره بما آل أمر حلب إليه من الجوع وأكل الميتات والمرض فوقع كتابه في يد تمرتاش فغضب وقال : انظر إلى هؤلاء يتجلدون عليّ ويقولون إذا وصلت فأهل حلب يكفونك أمرهم ويغرون بي حتى أصل في قلة وقد بلغ بهم الضعف إلى هذه الحالة.

ثم أمر بالتوكيل والتضييق عليهم فشرعوا في إعمال الحيلة والهرب إلى آقسنقر البرسقي ليستصرخوا به ، فاحتالوا على الموكلين بهم حتى ناموا وخرجوا هاربين ، فأصبحوا بدارا وساروا حتى أتوا الموصل فوجدوا البرسقي مريضا مدنفا والناس قد منعوا من الدخول عليه إلا الأطباء والفروج تدق له لشدة الضعف. ووصل إلى دبيس من أخبره بذلك فضرب البشارة في عسكره وارتفع عنده التكبير والتهليل ونادى بعض أصحابه : أهل حلب قد مات من أملتم نصره ، فكادت أنفس الحلبيين تزهق.

واستأذن الحلبيون على البرسقي فأذن لهم فدخلوا عليه واستغاثوا به وذكروا له ما أهل حلب فيه من الضر ، فأكرمهم رحمه‌الله وقال لهم : ترون ما أنا فيه الآن من المرض ، ولكن قد جعلت لله عليّ نذرا إن عافاني من مرضي هذا لأبذلن جهدي في نصرتكم والذب عن بلدكم وقتال أعدائكم.

قال القاضي أبو غانم قاضي حلب : فما مضى ثلاثة أيام بعد ذلك حتى فارقته الحمى فأخرج خيمته ونادى في العساكر بالتأهب للجهاد إلى حلب ، وبقي أياما وعمل العسكر أشغاله ، وخرج رحمه‌الله في عسكر قوي فوصل إلى الرحبة وكاتب أتابك طغتكين صاحب دمشق وصمصام الدين خير خان بن قراجا صاحب حمص ، ورحل إلى بالس وسار منها إلى حلب فوصلها يوم الخميس لثمان بقين من ذي الحجة من سنة ثمان عشرة.

٤٠١

ولما قرب من حلب رحل دبيس ناشرا أعلامه البيض إلى الفرنج عند قربه من حلب ، وتحولوا إلى جبل جوشن كلهم ، وخرج الحلبيون إلى خيامهم فنهبوها ونالوا منها ما أرادوا.

وخرج أهل حلب والتقوا قسيم الدولة عند وصوله وسار نحو الفرنج فانهزموا بين يديه من جبل جوشن وهو يسير وراءهم على مهل حتى أبعدوا عن البلد ، فأرسل الشاليشية وأمرهم أن يردوا العسكر ، فجعل القاضي ابن الخشاب يقول له : يا مولانا لو ساق العسكر خلفهم أخذناهم فإنهم منهزمون والعساكر محيطة بهم ، فقال له : يا قاضي تعلم أن في بلدكم ما يقوم بكم وبعسكري لو قدر علينا والعياذ بالله كسرة ، فقال : لا فقال : ما يؤمننا أن يرجعوا علينا ويكسرونا ويهلك المسلمون ، ولكن قد كفى الله شرهم وندخل إلى البلد ونقويه وننظر في مصالحه ونجمع لهم إن شاء الله ونخرج إليهم بعد ذلك.

ورجع ودخل البلد وتسلم قلعتها ونظر في مصالح البلد وقوّاه وأزال الظلم والمكوس وعدل فيهم عدلا شاملا وأحسن إليهم إحسانا كاملا. وكتب لأهل حلب توقيعا بإطلاق المظالم والمكوس نسخته موجودة بعد ما كان الحلبيون منوا به من الظلم والمصادرة من عبد الكريم والي القلعة وعمر الخاص والي البلد وتسليطهما الجند والأتراك على مصادرة الناس بحيث إنهم استصفوا أموال جماعة من الأكابر والصدور وغيرهم في حالة الحصار.

وأما الفرنج فإنهم توجهوا إلى الأثارب ودخلوا أنطاكية.

وشرع الناس في الزرع ببلد حلب في الثاني عشر من شباط وجعلوا يبلون الغلة بالماء ويزرعونها فنبتت وتداركت عليها الأمطار فأخصبت وجاءت الغلة من أجود الغلال وأزكاها.

زيادة بيان لأسباب استيلاء آقسنقر البرسقي على حلب

قال ابن الأثير : في هذه السنة في ذي الحجة ملك آقسنقر البرسقي مدينة حلب وقلعتها ، وسبب ذلك أن الفرنج لما ملكوا مدينة صور على ما ذكرنا طمعوا وقويت نفوسهم وتيقنوا الاستيلاء على بلاد الشام واستكثروا من الجمع ، ثم وصل إليهم دبيس بن صدقة صاحب الحلة [ من أعمال بغداد ] فأطمعهم طمعا ثانيا لا سيما في حلب وقال لهم : إن أهلها شيعة وهم يميلون إلي لأجل المذهب ، فمتى رأوني سلموا البلد إليّ ، وبذل لهم على

٤٠٢

مساعدته بذولا كثيرة وقال : إنني أكون ههنا نائبا عنكم ومطيعا لكم ، فساروا معه إليها وحصروها وقاتلوا قتالا شديدا ووطنوا نفوسهم على المقام الطويل وأنهم لا يفارقونها حتى يملكوها وبنوا البيوت لأجل البرد والحر. فلما رأى أهلها ذلك ضعفت نفوسهم وخافوا الهلاك وظهر لهم من صاحبهم تمرتاش الوهن والعجز وقلت الأقوات عندهم ، فلما رأوا ما دفعوا إليه من هذه الأسباب أعملوا الرأي في طريق يتخلصون به فرأوا أنه ليس لهم غير البرسقي صاحب الموصل ، فأرسلوا إليه يستنجدونه ويسألونه المجيء إليهم ليسلموا البلد إليه ، فجمع عساكره وقصدهم وأرسل إلى من في البلد وهو في الطريق يقول : إنني لا أقدر على الوصول إليكم والفرنج يقاتلونكم إلا إذا سلمتم القلعة إلى نوابي وصار أصحابي فيها ، فأنني لا أدري ما يقدره الله تعالى إذا أنا لقيت الفرنج ، فإذا انهزمنا منهم وليست حلب بيد أصحابي حتى أحتمي أنا وعسكري بها لم يبق منا أحد وحينئذ تؤخذ حلب وغيرها ، فأجابوه إلى ذلك وسلموا القلعة إلى نوابه. فلما استقروا فيها واستولوا عليها سار في العسكر التي معه ، فلما أشرف عليها رحل الفرنج عنها وهو يراهم ، فأراد من في مقدمة عسكره أن يحمل عليهم فمنعهم هو بنفسه وقال : قد كفينا شرهم وحفظنا بلدنا منهم والمصلحة تركهم حتى يتقرر أمر حلب وتصلح حالها وتكثر ذخائرها ثم حينئذ نقصدهم ونقاتلهم. فلما رحل الفرنج خرج أهل حلب ولقوه وفرحوا به وأقام عندهم حتى أصلح الأمور وقررها.

سنة ٥١٩ و٥٢٠

ذكر فتح البرسقي كفر طاب وانهزامه من الفرنج

وتولية البرسقي بابك ثم كافورا الخادم ثم ولده مسعودا على حلب

قال ابن العديم : في سنة تسع عشرة وخمسمائة في أواخر المحرم رحل البرسقي إلى تل السلطان ومنها إلى شيزر ، ثم أقام بأرض حماة أياما حتى وصل إليه أتابك طغتكين ، فرحل في عسكره التي لا تحد كثرة ونزل كفر طاب ، فسلمت إليه يوم الجمعة ثالث شهر ربيع الآخر وسلمها إلى صمصام الدين خير خان بن قراجا ، وكان قد وصل إليه من حمص والتقاه بتل السلطان ، وسار إلى عزاز وقاتلها ، ونقبت قلعتها فقصدهم الفرنج فالتقوا

٤٠٣

سادس عشر ربيع الآخر وكسر البرسقي كسرة عظيمة واستشهد جماعة من المسلمين من السوقة والعامة ، ولم يقتل من الأمراء والمقدمين أحد. ووصل آقسنقر البرسقي سالما إلى حلب وأقام على قنسرين أياما وتفرقت العساكر إلى بلدهم ، ووصل أمير حاجب صارم الدين بابك بن طلماس فولاه البرسقي حلب وبلدها وعزل عنها سوتكين واليا كان ولاه.

ووقعت الهدنة بين البرسقي والفرنج على أن يناصفهم في جبل السماق وغيره مما كان بأيدي الفرنج. وسار البرسقي إلى الموصل فلم يزل الفرنج يعللون الشحن والمقطعين بالمحال في مغلّ ما وقعت الهدنة عليه العشرين من شعبان من السنة.

وسار بغدوين إلى بيت المقدس والرسول خلفه يعلمه بأن الفرنج لا يمكنون أحدا من رفع شيء من الصيافي وأخذ بعض متصرفي المسلمين بعض ارتفاع من الأماكن والهدنة على حالها ، فتجمع الفرنج ونزلوا رفنية ، وخرج شمس الخواص صاحبها طالبا آقسنقر البرسقي مستصرخا به ، وسلمها إليهم ولده المستخلف فيها في آخر صفر من سنة عشرين وخمسمائة. وقصدوا بلد حمص فشعثوه فجمع البرسقي العساكر وحشد وسار نحو الشام لحربهم حتى وصل الرقة أواخر شهر ربيع الآخر ، وسار إلى أن نزل بالنقرة على الناعورة في الشهر المذكور وأقام بها أياما والفرنج يراسلونه ، فراسله جوسلين على أن يكون الضياع ما بين عزاز وحلب مناصفة وأن يكون الحرب بينهما على غير ذلك فاستقر هذا الأمر.

وكان بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار وسر باريك ابن عمه قد توجه مع جماعة من التركمان إلى المعرة فأوقعوا بعسكر الفرنج وقتل المسلمون منهم مائة وخمسين وأسروا جفري بلنك صاحب بسرفوث من جبل بني عليم وأودع في سجن حلب ، وكان قد سير البرسقي ولده عز الدين مسعودا منجدا لصاحب حمص ، فاندفع الفرنج عنها فعاد عز الدين إلى والده فتركه بحلب وعزل بابك عن ولايتها وولاها كافورا الخادم إلى أن ينظر فيمن يوليه إياها ولاية مستقلة.

ورحل قسيم الدولة إلى الأثارب في الثامن من جمادى الآخرة من سنة عشرين وسير بابك بن طلماس في جماعة من العسكر والنقابين إلى حصن الدير المجدد فوق سرمد ففتحه سلما وقتل من الخيّالة بعد ذلك خمسين فارسا ، ونهب العسكر الغلال والفلاحين من سائر البلد الذي وصلت الغارات إليه ورفعوا الغلة جميعها إلى حلب وزحفوا إلى قلعة الأثارب

٤٠٤

وخربوا الحوشين ولم يتيسر فتحها. ووصل بغدوين من القدس في جموع الفرنج ووصل إليه جوسلين ونزلوا عمّ وأرتاح وسيروا إلى البرسقي : ارحل عن هذا الموضع ونتفق على ما كنا عليه من العام الخالي ونعيد رفنية عليك ، فتجنب الحرب وخشي أن يتم على المسلمين ما تم على عزاز ، فصالحهم على أن يزيل الخناق عن الأثارب ويخرج صاحبها بماله ورجاله ، فغدر الفرنج وقالوا : ما نصالح إلا على أن تكون الأماكن التي ناصفنا فيها في العام الماضي لنا دون المسلمين ، فامتنع من ذلك وأقام على حلب أياما والرسل تتردد بينهم ، فلما لم يتفق حال عاد آقسنقر ونزل قنسرين ورحل إلى سرمين ، وامتدت العساكر إلى الفوعة ودانيث ، ونزل الفرنج على حوض معرة مصرين فأقاموا كذلك إلى نصف رجب ، ونفدت أزواد الفرنج فعادوا إلى بلادهم ، ثم عاد البرسقي وفي صحبته أتابك طغتكين وكان وصل إليه وهو على قنسرين فرحلوا مع العسكر ونزلوا باب حلب.

ومرض أتابك فعملت له المحفات وأوصى إلى البرسقي وتوجه إلى دمشق وسلم البرسقي حلب وتدبيرها إلى ولده عز الدين مسعود ، فدخل حلب وأجمل السيرة وتحلى بفعل الخير. وسار أبوه إلى الموصل فدخلها في ذي القعدة.

ترجمة آقسنقر البرسقي وخبر قتله على إثر عوده إلى الموصل :

قال ابن العديم : هو آقسنقر بن عبد الله البرسقي ، وقيل اسمه سنقر ، وكان مملوك الأمير برسق مملوك السلطان فترقت به الحال إلى أن ولاه السلطان محمد بن محمود الموصل وولاه شحنكية بغداد ، وتقدم عسكرها في أيام المسترشد ، ثم عزل عن شحنكية بغداد في سنة ثمان عشرة وخمسمائة ، فوصل إلى الموصل واستدعاه الحلبيون إلى حلب وقد حصرهم الفرنج وضاق بهم الأمر فوصل إليهم في سنة ثمان عشرة وخمسمائة ، ورحل الفرنج عنها وملك حلب وأحسن إلى أهلها وعدل فيهم وأزال المكوس والمظالم. ووقع إلي نسخة التوقيع الذي كتبه لأهل حلب بإزالة المكوس والضرائب وتعفية آثار الظلم والجور رحمه‌الله.

وكان على ما يحكى حسن الأحوال كثير الخير جميل النية كثير الصلاة والتهجد والعبادة والصوم ، وكان لا يستعين في وضوئه بأحد وقتل رحمه‌الله شهيدا وهو صائم.

٤٠٥

وكان من حديثه في ملك حلب واستيلائه عليها أن بلك بن بهرام بن أرتق لما قتل بمنبج ملك ابن عمه تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق حلب ، فباع تمرتاش بغدوين ملك الفرنج وكان أسيرا في يد بلك فباعه نفسه وهادنه وأطلقه ، ومات شمس الدولة بن إيلغازي صاحب ماردين فتوجه تمرتاش إليها واشتغل بملك ماردين ، فلما علم بغدوين بذلك غدر بالهدنة واتفق هو ودبيس بن صدقة وإبراهيم بن الملك رضوان بن تتش على أن نازلوا حلب ، واتفقوا على أن تكون البلاد للمسلمين وأن حلب لإبراهيم بن الملك رضوان لأنها كانت لأبيه ، وأن تكون الأموال للفرنج. وطال حصار حلب وأشرفت على الاستيلاء عليها وبلغ بهم الضر إلى حالة عظيمة حتى أكلوا الميتات والجيف ووقع فيهم المرض ، فحكى لي والدي أنهم كانوا في وقت الحصار مطرحين من المرض في أزقة البلد ، فإذا زحف الفرنج وضرب بوق الفزع قاموا كأنما أنشطوا من عقال وقاتلوا حتى يردوا الفرنج ، ثم يعود كل من المرضى إلى فراشه ، وما زالوا في هذه الشدة إلى أن أعانهم الله بقسيم الدولة آقسنقر البرسقي فأخلص النية لله في نصرهم ، ووصل إلى حلب في ذي الحجة من سنة ثمان عشرة وخمسمائة وأغاث أهلها ورحل العدو عنها.

وكانت رغبات الملوك إذ ذاك قليلة لمجاورة الفرنج لها وخراب بلدها وقلة ريعه واحتياج من يكون مستوليا عليها إلى الخزائن والأموال والنفقة في الجند ، فأخبرني والدي أبو الحسن أحمد وعمي أبو غانم محمد ، وحديث أحدهما ربما يزيد على الآخر ، قالا : سمعنا جدك يعنيان أباهما أبا الفضل هبة الله يقول : لما اشتد الحصار على حلب وقلت الأقوات بها وضاق الأمر بهم اتفق رأيهم على أن يسيروا أبا غانم قاضي حلب والشريف زهرة وابن الجلي إلى حسام الدين تمرتاش إلى ماردين ، وكان هو المستولي على حلب وهي في أيدي نوابه وقد تركها ومضى إلى ماردين واشتغل بملك تلك البلاد عن حلب ، قال : فاتفقوا على ذلك وأخرجوا أبي والشريف وابن الجلي ليلا من البلد ، فلما أصبح الصباح صاح الفرنج إلى أهل البلد : أين قاضيكم وأين شريفكم ؟ قال : فانقطعت ظهورنا وتشوشت قلوبنا وأيقنا أنهم ظفروا بهم ، فوصلنا منهم كتاب يخبر أنهم قد وصلوا إلى مكان آمن عليهم بالوصول ، فطابت قلوب أهل حلب لذلك ، قال عمي ووالدي : فسمعنا والدنا يقول : لما وصلنا إلى ماردين ودخلنا على حسام الدين تمرتاش وذكرنا له ما حل بأهل حلب وما هم فيه من ضيق

٤٠٦

الحصار والضر وعدنا بالنصر وأنه يتوجه إليه ويرحّل الفرنج عنها ، وأنزلنا في مكان بماردين وجعلنا نطالبه بما وعد وهو يدافعنا من يوم إلى يوم ، وكان آخر كلامه : خلوهم إذا أخذوا حلب عدت وأخذتها ، فقلنا في أنفسنا ما هذا إلا فرصة ، وقلنا : لا تفعل ولا تسلم المسلمين إلى الفرنج فقال : وكيف أقدر على لقائهم في هذا الوقت ؟ فقال له القاضي أبو غانم : وأيش هم حتى لا نقدر عليهم ونحن أهل البلد إذا وصلت إلينا نكفيك أمرهم ، قال القاضي أبو الفضل : فكتبت كتابا من حلب إلى والدي أبي غانم أخبره بما حل بأهل حلب من الضرر وأنه قد آل الأمر بهم إلى أكل القطاط والكلاب والميتة ، فوقع الكتاب في أيدي تمرتاش وشق عليه وغضب وقال : انظروا إلى جلد هؤلاء الفعلة الصنعة قد بلغ الأمر بهم إلى هذه الحالة وهم يكتمون ذلك ويتجلدون ويغرونني ويقولون : إذا وصلت إلينا نكفيك أمرهم ، قال القاضي غانم : فأمر تمرتاش بأن يوكل علينا من يحفظنا خوفا أن ننفصل عنه إلى غيره ، فأعملنا الحيلة في الهرب إلى الموصل وأن نمضي إلى البرسقي ونستصرخ به ونستنجده ، فتحدثنا مع من يهربنا ، وكان للمنزل الذي كنا فيه باب يصر صريرا عظيما إذا فتح أو أغلق ، فأمرنا بعض أصحابنا أن يطرح في صائر الباب زيتا ويعالجه ليفتح عند الحاجة ولا يعلم الجماعة الموكلون بنا إذا فتحناه بما نحن فيه ، وواعدنا الغلمان إذا جن الليل أن يسرحوا الدواب ويأتونا بها ونخرج خفية في جوف الليل ونركب ونمضي. قال : وكان الزمان شتاء والثلج كثير على الأرض.

قال القاضي أبو غانم : فلما نام الموكلون بنا جاء الغلمان بأسرهم إلا غلامي ياقوت وأخبر غلمان رفاقي أن قيد الدابة تعسر عليه فتحه وامتنع كسره ، فضاقت صدورنا لذلك وقلت لأصحابي : قوموا أنتم وانتهزوا الفرصة ولا تنتظروني ، فقاموا وركبوا والدليل معهم يدلهم على الطريق ولم يعلم الموكلون بنا بشيء مما نحن فيه ، وبقيت وحدي من بينهم مفكرا لا يأخذني نوم ، حتى كان وقت السحر فجاءني غلامي ياقوت بالدابة وقال : الساعة انكسر القيد ، قال : فقمت وركبت لا أعرف الطريق ومشيت في الثلج أقصد الجهة التي أقصدها ، قال : فما طلع الصبح إلا أنا وأصحابي الذين سبقوني في مكان واحد وقد ساروا من أول الليل وسرت من آخره ، وكانوا قد ضلوا عن الطريق ، فنزلنا جميعا وصلينا الصبح وركبنا وجثثنا دوابنا وأعملنا السير حتى وصلنا الموصل فوجدنا البرسقي مريضا وهو يسقى

٤٠٧

أمراق الفراريج المدقوقة ، فأعلم بمجيئنا فأذن لنا ، فدخلنا عليه ووجدناه مريضا مدنفا ، فشكونا إليه وطلبنا منه أن يغيث المسلمين وذكرنا له ما حل بهم من الحصار والضيق وقلة الأقوات وما آل إليه أمرهم فقال : كيف بالوصول إلى ذلك وأنا على ما ترون ؟ فقلنا له : يجعل المولى في نيته وعزمه إن خلصه الله من هذا المرض أن ينصر المسلمين ، فقال : إي والله ، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إني أشهدك على أنني إن عوفيت من مرضي لأنصرنهم ، قال : فما استتم ثلاثة أيام حتى فارقته الحمى واغتدى ونادى في عسكره للغزاة وبرز خيمته وخرجت عساكره وعملوا أشغالهم ، وتوجه بهم حتى أتى حلب ، فلما قاربها وأشرفت عساكره من الرتب رحل الفرنج ونزلوا على جبل جوشن وتأخروا عن المدينة ، وساق إلى أن قارب المدينة وخرج أهلها إلى لقائه ، فقصد نحو الفرنج وأهل البلد مع عسكره ، فانهزم الفرنج بين يديه وهو يسير وراءهم على مهل حتى أبعدوا عن البلد ، فأرسل الشاليشية وأمرهم برد العسكر. قال : فجعل القاضي أبو الفضل بن الخشاب يقول له : يا مولانا لو ساق المولى خلفهم أخذناهم بأسرهم فإنهم منهزمون ، قال : فقال له : يا قاضي كن عاقلا ، أ تعلم أن في بلدكم ما يقوم بكم وبعسكري لو قدر والعياذ بالله علينا كسرة من العدو ، فقال : لا ، فقال : فما يؤمننا أن يكسرونا وندخل البلد ويقووا علينا فلا ننفع أنفسنا والله تعالى قد دفع شرهم ، فنرجع إلى البلد ونقويه ونرتب أحواله وبعد ذلك نستعد لهم ويكون ما يقدره الله تعالى ونرجو إن شاء الله تعالى أننا نلقاهم ونكسرهم.

قال : ورجع ودخل البلد ورتب الأحوال وجلب إليه الغلال وأمن الناس واستقروا ، قال : وكان ذلك في آذار فجعل الناس يأخذون الحنطة والشعير ويبلونها بالماء ويزرعونها فاستغل الناس في تلك السنة مغلا صالحا. هذا معنى ما حدثني به والدي وعمي.

ونقلت من خط عبد المنعم بن الحسن بن اللعيبة الحلبي : دخلت سنة تسع عشرة وخمسمائة ووصلت العساكر من الشرق ومقدمها آقسنقر البرسقي وكان الإفرنج نزلوا على حلب في شهر رمضان سنة ثمان عشرة وخمسمائة وحاصروها وضيقوا على أهلها ، ومضى القاضي ابن العديم والأشراف وقوم من مقدمي أهلها مستصرخين لأنه ما كان بقي من أخذها شيء ، فوصل البرسقي معهم في محرم سنة تسع عشرة وخمسمائة ونزل بالس ، وكانت رسله مذ وصل الرحبة متواترة إلى حمص ودمشق يستدعي مالكيهما ، وسار الأمير

٤٠٨

صمصام الدين عن حمص في أول ربيع الأول ، فلقي الأمير قسيم الدولة البرسقي بتل السلطان بعد انفصاله عن حلب وانهزام الإفرنج عنها ، وكان سرى إليهم من بالس ووصل إلى حلب وفرح أهل حلب ونهبوا من خيام الإفرنج مقدار المائة خيمة من على جبل جوشن وما بقي من هلاكهم شيء ، لكن الله أمسك أيدي الترك عنهم بمشيئته.

وقرأت بخط أبي غالب عبد الواحد بن الحصين في تاريخه في حوادث سنة ثمان عشرة وخمسمائة : وفي ثاني عشر ذي حجتها دخل البرسقي إلى حلب وفي غده رحل الإفرنج عنها. قلت : وبعد أن أقام البرسقي بحلب ورتب أحوالها ترك ولده بها وعاد إلى الموصل فقتله الإسماعيلية على ما نذكره.

قال لي شيخنا أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجوزي : كان آقسنقر البرسقي خيّرا عادلا لين الأخلاق حسن العشرة مع أصحابه ، قال لي : أخبرني أبي محمد ابن عبد الكريم قال : حكى بعض الغلمان الذين كانوا يخدمون البرسقي قال : كان يصلي البرسقي كل ليلة صلاة كثيرة ، وكان يتوضأ هو بنفسه ولا يستعين بأحد ، قال : فرأيته في بعض ليالي الشتاء بالموصل وقد قام من فراشه وعليه فرجية وبر صغيرة وبيده إبريق نحاس وقد قصد دجلة ليأخذ ماء يتوضأ به ، قال : فلما رأيته قمت إليه لآخذ الإبريق من يده فمنعني وقال : يا مسكين ارجع إلى مكانك لأنه برد ، فاجتهدت به لآخذ الإبريق من يده فلم يفعل ، ولم يزل حتى ردني إلى مكاني ثم توضأ ووقف يصلي. قال : وذكر لي من أحواله الحسنة أشياء يطول ذكرها.

سمعت شيخنا الصاحب قاضي القضاة بهاء الدين أبا المحاسن يوسف بن رافع بن تميم يقول : كان البرسقي ديّنا عادلا ، قال : ومما يؤثر عنه أنه قال يوما لقاضي الموصل أظنه المرتضى الشهرزوري : أريد أن تساوي بين الرفيع والوضيع في مجلس الحكم وأن لا تخص أولي الهيئات والمراتب بزيادة احترام في مجلس الحكم ، فقال له القاضي : وكيف لي بذلك ؟ فقال : ما لهذا طريق إلا أن ترتاد خصما يخاصمني في قضية ويدعوني إلى مجلس الحكم وأحضر إليك وتلتزم معي ما تلتزمه مع خصمي ، وسوف أرسل إليك خصما لا تشك في أنه خصم لي ويدعي علي بدعوى ، فادعني حينئذ إلى مجلس الحكم لأحضر إليك ، وجاء إلى زوجته الخاتون ابنة السلطان محمود فيما أظن وقال لها : وكلي وكيلا

٤٠٩

يطالبني بصداقك ، فوكلت وكيلا ، ومضى الوكيل إلى مجلس الحكم وقال : لي خصومة مع قسيم الدولة البرسقي وأطلب حضوره إلى مجلس الحكم ، فسيّر القاضي إليه ودعاه فأجاب وحضر مجلس الحكم ، فلم يقم له القاضي وساوى بينه وبين خصمه في ترك القيام والاحترام ، وادعى عليه الوكيل وأثبت الوكالة واعترف البرسقي بالصداق ، فأمره القاضي بدفعه إليه فأخذه وقام إلى خزانته ودفع إليه الصداق.

ثم إنه أمر القاضي أن يتخذ مسمارا على باب داره يختم عليه بشمعة وعلى المسمار منقوش : أجب داعي الله ، وأنه من كان له خصم حضر وختم بشمعة على ذلك المسمار ويمضي بالشمعة المختومة إلى خصمه كائنا من كان ، فلا يجسر أحد على التخلف عن مجلس الحكم.

وقرأت بخط الحافظ أبي طاهر السلفي ( عالم الإسكندرية ) : وسنقر البرسقي ولي العراق سنتين وبلغ مبلغا عظيما ، ثم ولي ديار مضر ودار ملكه الموصل ثم حلب وكثيرا من مدن الشام ، وجاهد الفرنج ، ثم قتله بعض الملاحدة لعنهم الله ، وكان سيفا عليهم قلّ ما يرى في جيشه مثله رحمه‌الله ورضي عنه ، رأيته بالعراق في حال ولايته وبالشام قبل أن وليها.

وقال لي عز الدين أبو الحسن بن الأثير : في سنة عشرين وخمسمائة قتل آقسنقر البرسقي بالجامع العتيق بالموصل بعد الصلاة يوم الجمعة قتله باطنية ، وكان رأى تلك الليلة في منامه أن عدة من الكلاب ثاروا به فقتل بعضها ونال منه الباقون أذى شديدا ، فقص رؤياه على أصحابه فأشاروا عليه بترك الخروج من داره عدة أيام فقال : لا أترك الجمعة لشيء أبدا ، وكان يشهدها في الجامع مع العامة ، فحضر الجامع على عادته فثار به الباطنية ما يزيد عن عشرة أنفس فقتل بيده منهم ثلاثة وقتل رحمه‌الله.

قرأت بخط أبي الفوارس حمدان بن عبد الرحيم في تاريخه الذي جمعه ووقع إليّ منه أوراق نقلت منها في حوادث سنة عشرين وخمسمائة أن البرسقي سلم حلب وتدبيرها إلى ولده الأمير عز الدين مسعود ، فدخل حلب وأجمل السيرة وتحلى بفعل الخير ، وسار أبوه إلى الموصل والجزيرتين وما هو جار في مملكته حتى دخل شهر ذي القعدة من السنة ، فلما كان يوم الجمعة تاسع الشهر قصد الجامع بالموصل ليصلي جماعة ويسمع الخطيب كما جرت

٤١٠

عادته في أكثر الجمع وقصد المنبر ، فلما قرب منه وثب عليه ثمانية نفر في زيّ الزهاد فاخترطوا خناجر وقصدوه وسبقوا الحفظة الذين حوله فضربوه حتى أثخنوه وجرحوا قوما من حفظته ، وقتل الحفظة منهم قوما وقبضوا قوما ، وحمل البرسقي بآخر رمقه إلى بيته وهرب كل من في الجامع وبطلت صلاة الجمعة ومات الرجل من يومه ، وقتل أصحابه من بقي بأيديهم من الباطنية ، ولم يفلت منهم سوى شاب كان من كفر ناصح ضيعة من عزاز من شمالي حلب.

قال حمدان فيما نقلته من خطه : وحدثني رجل منها أنه كان له والدة عجوز لما سمعت بقتلة البرسقي وكانت تعرف أن ولدها من جملة من ندب لقتله فرحت واكتحلت وجلست مسرورة كأنه عندها يوم العيد ، وبعد أيام وصلها سالما فأحزنها ذلك وقامت وجزت شعرها وسودت وجهها. اه.

قال ابن خلكان في ترجمته : إن سبب قتل الباطنية له أنه كان تصدى لاستئصال شأفتهم وتتبعهم وقتل منهم عصبة كبيرة رحمه‌الله تعالى قال : والبرسقي بضم الباء والسين.

تتمة حوادث سنة ٥٢٠ و٥٢١

استيلاء عز الدين مسعود بن آقسنقر على حلب وتوليته عليها تومان

ثم توجهه إلى الرحبة وموته أمامها فجأة وتوليته حلب لختلغ أبه

ثم لسليمان بن عبد الجبّار

قال ابن العديم : ملك عز الدين مسعود حلب عند ورود الخبر عليه بقتل أبيه في سنة عشرين واستوزر المؤيد وزير أبيه وولى فيها من قبله الأمير تومان. وسار من حلب في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة إلى السلطان محمود وهو ببغداد فسأله أن ينعم عليه ببلاد أبيه ، فكتب له منشورا بذلك ، فوصل إلى الموصل وملكها ، ثم نزل إلى الرحبة قاصدا إلى الشام ، وكان يظن أن قاتلي أبيه قوم من أهل حماة ، فأضمر للشام وأهله شرا عظيما ورجع عما كان عليه من الأفعال المحمودة والإقبال على مجاهدة الفرنج. وبلغ طغتكين عنه أنه يقصده فتأهب له ، فلما نزل بظاهر الرحبة امتنع واليها من تسليمها فحاصرها أياما فسلمها

٤١١

الوالي إليه ونزل فوجده قد مات فجأة ، وقيل سقي سما فمات ، وندم الوالي على تسليم الرحبة ، وكان قد وصلت قطيعة من العسكر لتقوية حلب فمنعهم تومان من الدخول إليها فوقع الشر بينه وبين رئيس حلب فضايل بن بديع وأدخلهم إلى حلب ، فوصل إلى حلب ختلغ أبه السلطاني غلام السلطان محمود ومعه توقيع مسعود بن البرسقي بحلب كتبه قبل وصوله إلى الرحبة ، فلم يقبله تومان والي حلب ، فعاد ختلغ أبه إلى الرحبة وقد جرى فيها ما ذكرناه من موت مسعود ، فعاد ختلغ أبه على فوره إلى حلب فتسلمها من يد تومان آخر جمادى الآخرة ، وصعد إلى قلعتها بطالع اختاره له المنجمون فأخذه الطمع في أموال الناس وصادر جماعة من أهل حلب واتهمهم بودايع المجن الفوعي رئيس حلب المقتول في أيام رضوان ، وقبض على شرف الدين أبي طالب بن العجمي وعمه أبي عبد الله واعتقلهما بقلعة حلب ، وثقب كعاب أبي طالب وصادره فعاد فعله القبيح عليه بالبوار وضل رأي منجمه في ذلك الاختيار. وقام أهل حلب عليه فحصروه وقدموا عليهم بدر الدولة سليمان ابن عبد الجبار ، ونادى أهل حلب بشعار بدر الدولة ، وساعده على ذلك رئيس حلب فضايل بن صاعد بن بديع ، وقبض على أصحاب ختلغ أبه وذلك في الثاني من شوال ، وقصد في تلك الحال ملك أنطاكية جوسلين فصانعوه على مال حتى رحل وضايقوا القلعة وحرقوا القصر ، ودخل إليهم إلى المدينة الملك إبراهيم بن رضوان ووصل إليهم حسان صاحب منبج وصاحب بزاعة ودام الحصار إلى النصف من ذي الحجة.

ولاية عماد الدين زنكي على الموصل وأعمالها

واستيلاؤه على سروج والرها والبيرة وحران

قال ابن الأثير : لما توفي عز الدين مسعود بن البرسقي ولي السلطان عماد الدين زنكي الموصل وأعمالها ، فتوجه واستولى عليها وعلى بلاد الجزيرة.

وبسط ابن الأثير الخبر في ذلك إلى أن قال : ثم سار إلى حران وهي للمسلمين وكانت الرها وسروج والبيرة وتلك النواحي جميعها للفرنج وأهل حران معهم في ضرر عظيم وضيق شديد لخلو البلاد من حام يذب عنها وسلطان يمنعها ، فلما قارب حران خرج أهل

٤١٢

البلد وأطاعوه وسلموا إليه ، فلما ملكها أرسل إلى جوسلين صاحب الرها وتلك البلاد وراسله وهادنه مدة يسيرة ، وكان غرضه أن يتفرغ لاصلاح البلاد وجند الأجناد ، وكان أهم الأمور إليه أن يعبر الفرات إلى الشام ويملك مدينة حلب وغيرها من البلاد الشامية ، فاستقر الصلح بينهم وأمن الناس.

سنة ٥٢٢ ذكر ملك أتابك عماد الدين زنكي مدينة حلب

قال ابن الأثير : في هذه السنة أول محرم ملك عماد الدين زنكي بن آقسنقر مدينة حلب وقلعتها ، ونحن نذكر كيف كان سبب ملكها فنقول : قد ذكرنا ملك البرسقي لمدينة حلب وقلعتها سنة ثمان عشرة واستخلافه بها ابنه مسعودا ، ولما قتل البرسقي سار مسعود عنها إلى الموصل وملكها واستناب بحلب أميرا اسمه تومان. ثم إنه ولى عليها أميرا اسمه ختلغ أبه وسيره إلى تومان بتسليمها فقال : بيني وبين عز الدين علامة لم أرها ولا أسلم إلا بها ، وكانت العلامة بينهما صورة غزال ، وكان مسعود بن البرسقي حسن التصوير فعاد ختلغ أبه إلى مسعود وهو يحاصر الرحبة فوجده قد مات ، فعاد إلى حلب مسرعا ، وعرف الناس موته فسلم الرئيس فضايل ابن البديع البلد وأطاعه المقدمون به واستنزلوا تومان من القلعة بعد أن صح عنده وفاة صاحبه مسعود وأعطوه ألف دينار ، فتسلم ختلغ القلعة في الرابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين فظهر منه بعد أيام جور شديد وظلم عظيم ، ومد يده إلى أموال الناس لا سيما التركات فإنه أخذها ، وتقرب إليه الأشرار فنفرت قلوب الناس منه ، وكان بالمدينة بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار بن أرتق الذي كان قديما صاحبها فأطاعه أهلها ، وقاموا ليلة الثلاثاء ثاني شوال فقبضوا على كل من في البلد من أصحاب ختلغ أبه ، وكان أكثرهم يشربون في البلد صبحة العيد وزحفوا إلى القلعة فتحصن ختلغ أبه فيها بمن معه فحصروه.

ووصل إلى حلب حسان صاحب منبج وصاحب بزاعة لإصلاح الأمر فلم ينصلح ، وسمع الفرنج بذلك فتقدم جوسلين بعسكره إلى المدينة فصونع بمال فعاد عنها ، ثم وصل بعده صاحب أنطاكية في جمع من الفرنج فخندق الحلبيون حول القلعة فمنع الداخل

٤١٣

والخارج إليها من ظاهر البلد ، وأشرف الناس على الخطر العظيم إلى منتصف ذي الحجة من السنة.

وكان عماد الدين قد ملك الموصل والجزيرة والشام فسير إلى حلب الأمير سنقر دراز والأمير حسن قراقوش وهما من أكابر أمراء البرسقي وقد صاروا معه في عسكر قوي ومعه التوقيع من السلطان بالموصل والجزيرة والشام ، فاستقر الأمر أن يسير بدر الدولة بن عبد الجبار وختلغ أبه إلى الموصل إلى عماد الدين ، فسارا إليه ، وأقام حسن قراقوش بحلب واليا عليها ولاية مستعارة ، فلما وصل بدر الدولة وختلغ أبه إلى عماد الدين أصلح بينهما ولم يرد واحدا منهما إلى حلب وسير حاجبه صلاح الدين محمد الباغيسياني إليها في عسكر ، فصعد إلى القلعة ورتب الأمور وجعل فيها واليا.

وسار عماد الدين زنكي إلى الشام في جيوشه وعساكره فملك في طريقه مدينة منبج وبزاعة ، وخرج أهل حلب إليه فالتقوه واستبشروا بقدومه ، ودخل البلد واستولى عليه ورتب أموره وأقطع أعماله الأجناد والأمراء ، فلما فرغ من الذي أراده قبض على ختلغ أبه وسلمه إلى ابن بديع فكحله بداره بحلب فمات ختلغ أبه ، واستوحش ابن بديع فهرب إلى قلعة جعبر واستجار بصاحبها فأجاره.

وجعل عماد الدين في رياسة حلب أبا الحسن علي بن عبد الرزاق ، ولو لا أن الله تعالى منّ على المسلمين بملك أتابك ببلاد الشام لملكها الفرنج ، لأنه كانوا يحصرون بعض البلاد الشامية ، وإذا علم ظهير الدين طغتكين [ صاحب دمشق ] بذلك جمع عساكره وقصد بلادهم وحصرها وأغار عليها فيضطر الفرنج إلى الرحيل لدفعه عن بلادهم ، فقدر الله تعالى أنه توفي هذه السنة فخلا لهم الشام من جميع جهاته من رجل يقوم بنصرة أهله فلطف الله بالمسلمين بولاية عماد الدين ففعل بالفرنج ما نذكره إن شاء الله تعالى اه.

زيادة بيان في استيلاء عماد الدين زنكي على حلب سنة ٥٢٢

ثم استيلائه على حماة سنة ٥٢٣ وتوليته حلب سنة ٥٢٤

لسوار بن إيتكين

قال ابن العديم : وكان أتابك عماد الدين زنكي بن قسيم الدولة آقسنقر قد ملك

٤١٤

الموصل بتواقيع السلطان محمود ، فسير إليه شهاب الدين مالك بن سالم صاحب قلعة جعبر وأعلمه بأحوال حلب وحصارها ، فسير أتابك إليها عسكرا مع الأمير سنقر دراز والأمير الحاجب صلاح الدين حسن ودخل الأمير صلاح الدين فأصلح الحال ووفق بينهما على أن استدعيا أتابك زنكي من الموصل ، فتوجه بالجيوش إلى حلب ، وقيل إن بدر الدولة وختلغ سارا إليه ، وقيل إن ختلغ أبه لم يزل بالقلعة حتى وصل أتابك فنزل إليه وصعد أتابك إلى القلعة يوم الاثنين سابع عشر جمادى الآخرة من سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة.

وأما الملك إبراهيم بن رضوان فإنه هرب منه إلى نصيبين وكانت في إقطاعه إلى أن مات ، وأما ختلغ أبه فإنه سلمه إلى فضايل بن بديع فكحله بداره ثم قتله أتابك بعد ذلك ، وقيل إن بدر الدولة هرب منه عند ذلك وهرب فضائل بن بديع إلى قلعة ابن مالك خوفا من أتابك.

وولى أتابك رياسة حلب الرئيس صفي الدين أبا الحسن علي بن عبد الرزاق العجلاني البالسي ، فسلك أجمل طريقة مع الناس ، وخرج أتابك من حلب وسار حتى نزل أرض حماة فوصله صمصام الدين خير خان بن قراحا وتأكدت بينهما مودة لم تحمد عاقبتها فيما نذكره بعد ، ولذلك وصله سونج بن تاج الملوك.

ثم سار أتابك بعد ذلك فوطىء بساط السلطان في سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة وعاد بالتواقيع السلطانية بملك الغرب كله ، ودخل الموصل ثم فتح قلعة السن وتوجه إلى حلب ورعى عسكره زرع الرها ، وعبر أتابك الفرات إلى حلب بتوقيع السلطان محمود ، وقد كان السلطان آثر أن تكون البلاد لدبيس فقبح المسترشد ذلك وكاتب السلطان وقال له في ما قال : إن هذا أعان الفرنج على المسلمين وكثر سوادهم ، فبطل التدبير واستقر ملك أتابك بالموصل والجزيرة والرحبة وحلب والتوقيع له بجميع البلاد الشامية وغيرها. وتزوج أتابك خاتون بنت الملك رضوان وبنى بها في دير الزبيب ، وكانت معه إلى أن فتح الخزانة بحلب واعتبر ما فيها فرأى الذي كان على أبيه آقسنقر حين قتله تتش جدها وهو ملوث بالدم ، فهجرها من ذلك اليوم ، وقيل إنه هدم المشهد الذي على قبر رضوان عند ذلك. ودام أتابك مهاجرا لها إلى أن دخلت على القاضي أبي غانم قاضي حلب وشكت حالها ، فصعد إليه وكان جبارا إلا أنه ينقاد إلى الحق وإذا خوف بالله خاف ، فخرج ليركب ، فلما

٤١٥

ركب ذكر له القاضي ما ذكرته خاتون فساق أتابك دابته ولم يرد عليه جوابا ، فجذب القاضي أبو غانم بلجام دابته فوقفت وقال له : يا مولانا هذا الشرع لا ينبغي العدول عنه ، فقال له أتابك : اشهد علي أنها طالق ، فأرسل اللجام وقال : أما الساعة فنعم.

واستوحش الأمير سوار بن إيتكين من تاج الملوك بوري صاحب دمشق وكان في خدمته ، فورد إلى حلب إلى خدمة أتابك في سنة أربع وعشرين فأكرمه وشرفه وخلع عليه وأجرى له الإقطاعات الكثيرة وأعطاه ولاية حلب وأعمالها واعتمد عليه في قتال الفرنج ، وكان له بصيرة بالحرب وتدبير الأمور وله وقعات كثيرة مع الفرنج ومواقف مشهورة أبان فيها عن شجاعة وإقدام وصار له بسببها الهيبة في قلوبهم.

وعزم أتابك في هذه السنة على الجهاد ، وكتب إلى تاج الملوك بوري بن طغتكين صاحب دمشق يلتمس منه المساعدة فأجابه إلى ذلك وتحالفا على الصفاء. وكتب تاج الملوك إلى ولده بهاء الدين سونج بحماة يأمره بالخروج بعسكره وجهز إليه من دمشق خمسمائة فارس وجماعة من الأمراء مقدمهم شمس الخواص ، فخرجوا حتى وصلوا إلى مخيم أتابك على حلب فأكرمهم وتلقاهم وأقاموا عنده ثلاثا. ثم أظهروا الغارة على عزاز وركبوا وعطفوا على سونج وغدر به وبأصحابه ونهب خيامهم وأثقالهم وكراعهم ، وهرب بعضهم وقبض على سونج والباقين وحملهم إلى حلب فاعتقلهم ، وسار من يومه إلى حماة فأخذها يوم السبت ثامن شوال وأقام بها ، أياما وطلبها خير خان بن قراجا صاحب حمص وبذل عليها مالا فسلمها إليه بكرة الجمعة رابع عشر شوال وضربت بوفاته عليها وخطب له الخطيب على المنبر. فلما كان وقت العشي من ذلك اليوم قبض عليه ونهب خيامه وجميع ما فيها ، وسار فنزل حمص فقاتلها أربعين يوما لم يظفر فيها بطايل غير الربض ، وكان يربط خير خان على غراير التبن ويعاقبه ويعذبه أنواع العذاب ، وانتقم الله منه ببعض ظلمه في الدنيا وهو كان يحرض أتابك على الغدر بسونج فكافاه الله.

وهجم الشتاء فعاد أتابك إلى حلب في ذي الحجة.

٤١٦

سنة ٥٢٥

عود عماد الدين زنكي إلى الموصل

قال ابن العديم : وفي سنة خمس وعشرين وخمسمائة توجه أتابك إلى الموصل واستصحب معه سونج بن تاج الملوك وبعض المقدمين من عسكر دمشق وترك الباقين بحلب ، وترددت المراسلات في إطلاقهم فلم يفعل والتمس عنهم خمسين ألف دينار أجاب تاج الملوك إلى حملها فحملها.

ووقع في هذه السنة وقعة بين جوسلين وسوار بناحية حلب الشمالية فكانت الغلبة لجوسلين وقتل من المسلمين جماعة ، وخرج سوار بعد ذلك وهجم ربض الأثارب ونهبه اه.

فتح عماد الدين زنكي حصن الأثارب وهزيمة الفرنج

قال ابن الأثير في حوادث هذه السنة : لما فرغ عماد الدين زنكي من أمر البلاد الشامية حلب وأعمالها وما ملكه وقرر قواعده عاد إلى الموصل وديار الجزيرة ليستريح عسكره ، ثم أمرهم بالتجهز للغزاة فتجهزوا وأعدوا واستعدوا ، وعاد إلى الشام وقصد حلب فقوي عزمه على قصد حصن الأثارب ومحاصرته لشدة ضرره على المسلمين. وهذا الحصن بينه وبين حلب نحو ثلاثة فراسخ واقع بينها وبين أنطاكية ، وكان من به من الفرنج يقاسمون حلب على جميع أعمالها الغربية حتى على رحى لأهل حلب بظاهر باب الجنان بينها وبين البلد عرض الطريق [ هي طاحون عربية الآن ] وكان أهل البلد معهم في ضر شديد وضيق كل يوم قد أغاروا عليهم ونهبوا أموالهم ، فلما رأى الشهيد هذه الحال صمم العزم على حصر هذا الحصن فسار إليه ونازله ، فلما علم الفرنج بذلك جمعوا فارسهم وراجلهم وعلموا أن هذه وقعة لها ما بعدها ، فحشدوا وجمعوا ولم يتركوا من طاقتهم شيئا إلا واستنفدوه ، فلما فرغوا من أمرهم ساروا نحوه فاستشار أصحابه فيما يفعل ، وكل أشار بالعود عن الحصن فإن لقاء الفرنج في بلادهم خطر لا يدرى على أي شيء تكون العاقبة ، فقال لهم : إن الفرنج متى رأونا قد عدنا من أيديهم طمعوا وساروا في إثرنا وخربوا بلادنا ولا بد من لقائهم

٤١٧

على كل حال. ثم ترك الحصن وتقدم إليهم فالتقوا واصطفوا للقتال وصبر كل فريق لخصمه واشتد الأمر بينهم ، ثم إن الله تعالى أنزل نصره على المسلمين فظفروا وانهزم الفرنج أقبح هزيمة ووقع كثير من فرسانهم في الأسر وقتل منهم خلق كثير ، وتقدم عماد الدين إلى عسكره بالإنجاز وقال : هذا أول مصاف عملناه معهم فلنذقهم من بأسنا ما يبقي رعبه في قلوبهم ، ففعلوا ما أمرهم.

ولقد اجتزت بتلك الأرض سنة أربع وثمانين وخمسمائة ليلا فقيل لي : إن كثيرا من العظام باق إلى ذلك الوقت. فلما فرغ المسلمون من ظفرهم عادوا إلى الحصن فتسلموه عنوة وقتلوا وأسروا كل من فيه وأخربه عماد الدين وجعله دكا وبقي إلى الآن خرابا. ثم سار منه إلى قلعة حارم وهي بالقرب من أنطاكية فحصرها وهي أيضا للفرنج فبذل له أهلها نصف دخل حارم وهادنوه فأجابهم إلى ذلك ، وعاد عنهم وقد استدار المسلمون بتلك الأعمال وضعفت قوى الفرنج وعلموا أن البلاد قد جاءها ما لم يكن لهم في حساب وصار قصاراهم حفظ ما بأيديهم بعد أن كانوا قد طمعوا في ملك الجميع اه.

سنة ٥٢٦ و٢٧ و٢٨

قال ابن العديم : في سنة ست وعشرين وخمسمائة فتح الملك كليام ( رام حمدان ) ووقع بين الفرنج في هذه السنة فتن وقتل بعضهم بعضا وقتل صاحب زردنا ، ونزل التركمان على بلد المعرة وكفر طاب وقسموا المغلات ، فاجتمع الفرنج وهزموهم عن البلد وفتحوا حصن قبة ابن ملاعب (١) وأسروا منه بنت سالم بن مالك وحريم ابن ملاعب وخربوا الموضع ، وأوقع الأمير سيف الدين سوار بفرنج تل باشر وقتل منهم خلقا كثيرا ، ورتب قوم من أهل الجبل على حصن القدموس وأخذوه وسلموه إلى سيف الملك بن عمرون فاشتراه أبو الفتح الداعي الباطني منه ، ووصل صاحب القدموس إلى أنطاكية وجمع وخرج إلى سوار وسار إلى قنسرين في جموع الفرنج والتقوا بعسكر حلب وسوار في سنة ثمان وعشرين في ربيع الأول ، فكسروا المسلمين وقتلوا أبا القاسم التركمان وكان شجاعا ، وقتلوا القاضي أبا يعلى بن الخشاب وغيرهما ، وتحول الفرنج إلى النقرة فصالحهم سوار والعسكر فأوقعوا بسرية منهم فقتلوهم وعادوا برؤوسهم وأسرى منهم ، فسر الناس بذلك بعد مساءتهم بالأمس. وأغارت خيل

__________________

(١) هكذا في الأصل ولعله حصن رفنية وفيه ابن ملاعب.

٤١٨

الرها من الفرنج ببلد الشمال وهي عابرة إلى عساكر الفرنج فأوقع بهم سوار وحسان صاحب منبج وقتلوهم بأسرهم وحملوا الرؤوس والأسرى إلى حلب.

وأغار سوار في هذه السنة على الجزر وحصن زردنا وأوقع بالفرنج على حارم وشن الغارة على بلد المعرّتين وعاد بالغنائم إلى حلب.

ذكر الحرب بين صاحب البيت المقدس وبين أسوار نائب حلب

قال ابن الأثير : في هذه السنة ( سنة ٥٢٧ ) في صفر سار ملك الفرنج صاحب البيت المقدس في خيالته ورجالته إلى أطراف أعمال حلب ، فتوجه إليه الأمير أسوار النائب بحلب فيمن عنده بالعساكر ، وانضاف إليه كثير من التركمان فاقتتلوا عند قنسرين فقتل من الطائفتين جماعة كثيرة وانهزم المسلمون إلى حلب. وتردد ملك الفرنج في أعمال حلب فعاد أسوار وخرج إليه فيمن معه من العسكر فوقع على طائفة منهم فأوقع بهم وأكثر القتل فيهم والأسر ، فعاد من سلم منهزما إلى بلادهم وانجبر ذلك المصاب بهذا الظفر ، ودخل أسوار حلب ومعه الأسرى ورؤوس القتلى وكان يوما مشهودا.

ثم إن طائفة من الفرنج من الرها قصدوا أعمال حلب للغارة عليها ، فسمع بهم أسوار فخرج إليهم هو والأمير حسان البعلبكي فأوقعوا بهم وقتلوهم عن آخرهم في بلد الشمال وأسروا من لم يقتل ورجعوا إلى حلب سالمين.

سنة ٥٣٠

ذكر غزاة العسكر الأتابكي إلى بلاد الفرنج

قال ابن الأثير : في هذه السنة في شعبان اجتمعت عساكر أتابك زنكي صاحب حلب وحماة مع الأمير أسوار نائبه بحلب وقصدوا بلاد الفرنج على حين غفلة منهم ، وقصدوا أعمال اللاذقية ولم يتمكن أهلها من الانتقال عنها والاحتراز ، فنهبوا منها ما يزيد عن الوصف وقتلوا وأسروا وفعلوا في بلاد الفرنج ما لم يفعله بهم غيرهم. وكان الأسرى سبعة آلاف أسير ما بين رجل وامرأة وصبي ومائة ألف رأس من الدواب ما بين فرس وبغل وحمار

٤١٩

وبقر وغنم ، وأما ما سوى ذلك من الأقمشة والعين والحلي فيخرج عن الحد. وأخربوا بلد اللاذقية وما جاورها ولم يسلم منها إلا القليل ، وخرجوا إلى شيزر بما معهم من الغنائم سالمين منتصف رجب ، فامتلأ من الأسارى والدواب ، وفرح المسلمون بذلك فرحا عظيما ولم يقدر الفرنج على شيء يفعلونه مقابل هذه الحادثة عجزا منهم ووهنا وضعفا. اه.

سنة ٥٣١

محاصرة زنكي لحمص ثم لبارين

قال ابن العديم : في الرابع والعشرين من شهر رمضان من سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة وصل أتابك زنكي من الموصل إلى حلب وسير صلاح الدين في مقدمته ، فنزل حمص وسار أتابك إلى حماة وعيّد عيد الفطر في الطريق ، وأخذ من حلب معه خمسمائة راجل لحصار حمص.

ورحل أتابك من حماة إلى حمص في شوال وبها ( أنر ) من قبل صاحب دمشق فحصرها مدة ، وخرج الفرنج نجدة لحمص وغيلة لزنكي فرحل عن حمص ولقيهم تحت قلعة بارين فكسرتهم طلائع زنكي مع أسوار فأفنوا عامتهم قتلا وأسرا ، وقتل أكثر من ألفين من الفرنج ونجا القليل منهم ، فرحل إلى بارين مع ملكهم كندياجور صاحب القدس ، وأقام الحصار على بارين بعشر مجانيق ليلا ونهارا. ثم تقرر الصلح في العشر الأواخر من ذي القعدة على التسليم بعد خراب القلعة ، وخلع على الملك وأطلق وخرج الفرنج منها وتسلمها زنكي ، وعاد إلى حلب واستقر الصلح بين أتابك وصاحب دمشق. وتزوج أتابك خاتون بنت جناح الدولة حسين على يد الإمام برهان الدين البلخي ودخل عليها بحلب في هذه السنة.

زيادة بيان لهذه الحوادث واستيلاء زنكي على المعرة وكفر طاب

قال ابن الأثير : في هذه السنة في شوال سار أتابك زنكي من حمص وحصر قلعة بعرين وهي للفرنج تقارب مدينة حماة ، وهي من أمنع الحصون وأحصنها ، فلما نزل عليها قاتلها وزحف إليها ، فجمع الفرنج فارسهم وراجلهم وساروا في قضهم وقضيضهم وملوكهم

٤٢٠