إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ١

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ١

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٠

أقرب إلى الصواب من غير أن ننبه إلى ذلك في حواشي الكتاب ، إلا ما يقتضي وقوف القارىء عليه فأشرنا إليه برمز النجمة* لنميزه عن حواشي المؤلف نفسه.

أما ما قصر عنه وعينا القاصر وزادنا اليسير فنرجو أن يتداركه القارىء الكريم بعفوه وسماحه.

والله من وراء القصد وهو يهدي إلى سواء السبيل.

حلب في ١٥ رجب ١٤٠٨ ه

٣ آذار ١٩٨٨ م

محمد كمال

٢١
٢٢

إعلام النبلاء

بتاريخ

حلب الشهباء

٢٣

حمدا لمن جعل في أنباء من مضى عبرة لمن حضر وصلاة وسلاما على سيدنا محمد الذي أنار بسيرته وسيرة أصحابه بصائر البشر وبعد :

فإن علم التاريخ من أجل العلوم قدرا وأرفعها شأنا وأسماها رتبة ، تتطلع إليه أرباب الهمم العالية وتتشوق إليه النفوس الفاضلة ، وهو مرآة يبصر بها المرء ما كان في غابر الأعصار ويرى ما دونه الأقدمون من العلوم والفنون وما صنعته يد الإنسان من الأعمال والآثار ، فيدعو ذلك إلى الاتعاظ والاعتبار والتحلي بمحاسن المحسنين والأخيار والتخلي عن مساوي المسيئين والأشرار ، فتهذب بذلك نفسه وتظرف شمائله وتصفو مرآة فكره ويستنير لبه وتتوسع دائرة معارفه وعلمه وتستقيم أموره وتنتظم أحواله وشؤونه.

فالحاجة إليه أمر بديهي لا يحتاج إلى سرد الشواهد وإقامة البراهين والدلائل ، وحسبنا ما قصه الله على رسوله الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أنباء من مضى تثبيتا لفؤاده وإرشادا لأمته.

ومع شدة الحاجة إليه فإن فيه المهم والأهم ، فالأهم وقوف المرء على تاريخ بلدته التي ولد فيها والأمة التي ينتسب إليها والأماكن التي يجاورها والدولة التي هو من رعيتها.

والأمة التي تجهل تاريخ نشأتها وأحوال أسلافها وحوادث أوطانها وأسباب صعودها وهبوطها تظل هائمة في تيه التأخر هاوية في مهاوي الانحطاط ، تحيق بها الرزايا من كل صوب وتتقاذفها أمواج البلايا من كل جهة ، وتعبث بها أيدي الأغيار ولا حول لها ولا طول.

وعلى قدر معرفتها بتاريخ نشأتها وتضلعها بحوادث من تقدمها يكون رقيها وانتظامها ، إذا تقرر هذا فأقول :

لما كانت حلب الشهباء بلدتي فيها مسقط رأسي وبها مرتع أنسي وكان الكثيرون من فضلائها السابقين وعلمائها الماضين وضعوا لها تواريخ تنبىء بعظمة شأنها ورفيع مجدها ، وكانت الأيام قد شتتت شمل هذه التواريخ ونقلتها إلى غير هذه الديار خصوصا الديار الغربية والمصرية ولم يبق منها في الشهباء إلا نزر يسير وقل من كثير لا يشفي علة ولا يروي غلة.

٢٤

ووجدت غير واحد من أبناء وطني من ذوي النباهة وممن تلوح على أساريرهم مخايل النبالة تتطلع نفوسهم إلى معرفة تاريخ بلدهم والوقوف على مآثر أسلافهم ومفاخر آبائهم وما مر على الشهباء من أدوار التقدم والتأخر وما كانت عليه من الحضارة والعمران في العصور السالفة والأزمنة المتقادمة علما منهم بالأمور التي قدمناها والحقايق التي أوضحناها.

رأيت من المحتم عليّ على قلة بضاعتي وكثرة شواغلي وتوزع بالي أن أضع لها تاريخا يكشف النقاب عمن تولاها وينبىء عمن مضى من أعيانها ، فعزمت على ذلك بعد الاتكال على الله ذي الجلال المتفرد بالبقاء والكمال وشمرت عن ساعد الجد ووجهت لهذا المشروع الخطير ركائب الهمة ، مع علمي بصعوبة ذلك المرتقى وما يعترضه من المشاق ، إلا أن ذلك لم يثن من عزيمتي ولم يقصر من همتي ، وجعلت شعاري قول ذلك الشاعر العربي :

لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى

فما انقادت الآمال إلا لصابر

ولما قارب الكتاب الإتمام وكاد يفوح منه مسك الختام بعون الملك العلام وسمته ب

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء

وقسمته إلى مقدمة وقسمين ، وقسمت المقدمة إلى فصلين ، الفصل الأول في بيان ما وضعه فضلاء الشهباء من التواريخ الخاصة بها ، والفصل الثاني في بيان ما وضعوه من التواريخ العامة مرتبا ذلك على سني وفاة مؤلفيها ، وتكلمت على كل تاريخ بقدر ما أدى إليه بحثي ووصل إليه علمي ، وذكرت المكتبة التي يوجد فيها ذلك الكتاب قاصدا بذلك تسهيل السبيل إليه لمن رام الوقوف أو الحصول عليه :

٢٥

القسم الأول

وهو في ثلاثة مجلدات ، ذكرت فيه من ملك حلب ومن تولاها من حين الفتح الإسلامي [ فتح أبي عبيدة بن الجراح رضي‌الله‌عنه ] سنة ١٦ إلى نهاية سنة ١٣٢٥ وأخبار ملوكها وأمرائها والحوادث التي حصلت في زمنهم وما لهم من الآثار.

وقد وقفت فيه عند هذه السنة لأن السنة التي بعدها حصل الانقلاب العثماني حيث قام فيها نيازي وأنور وغيرهما من الضباط وثاروا مع الجيش العثماني في جهة سلانيك وقصدوا الأستانة وألزموا السلطان عبد الحميد الثاني إقامة حكومة دستورية وإعادة فتح المجلس النيابي الذي كان أغلقه قبل ذلك بسنين ، وحصل من ذلك الحين إلى السنة التي نحن فيها وهي سنة ١٣٤٢ حوادث كثيرة خطيرة يطول شرحها تصلح أن تجعل تاريخا على حدة ، ووجدت أني إذا تتبعتها وتتبعت ما له علاقة بهذه الحوادث بالشهباء وما حولها أضعت ما ألزمت به نفسي من التنقيب والبحث دائما عمّا يتعلق بالشهباء من حوادثها القديمة وتراجم أعيانها السابقين المبعثرة في بطون الكتب والأوراق المفردة الملقاة في زوايا الإهمال في الخزائن. وفي البحث عنها وعما جد من الحوادث الأخيرة إضاعة للجهيتن معا ، فإذا وجدت أن البحث قد بلغ حده وانقطع الأمل من العثور على حوادث الشهباء القديمة وتراجم أعيانها السابقين وكان في الأجل فسحة وفي الوقت متسع وجهت الهمة إلى تدوين ما كان من الحوادث في الشهباء من سنة ١٣٢٦ إلى المدة التي نكون فيها وجعلته ذيلا على حدة وبالله التوفيق.

خطتي في هذا القسم :

توخيت في هذا القسم خطة البسط ، فما رأيته من الحوادث في كتابين أخذت الأوسع منهما ، وإذا كان في الأقل زيادة مفيدة التقطتها وأضفتها إلى تلك لتكون الفائدة أتم. أردت بذلك أن يخرج الكتاب عن حد الفهرست التي يقل الاستفادة منها كما هو

٢٦

شأن بعض ما رأيته من التواريخ المتقدمة ، لأن في البسط تتجلى الحوادث وتظهر أسبابها وتستبين نتائجها خصوصا لمن كان ثاقب الفكر واسع المدارك.

وفي آخر ولاية كل ملك أو وال ذكرت ترجمته مع ماله من الآثار في هذه الديار ، ولم يشذ عني من هذه التراجم إلا القليل ، وقد تناول الكلام على هذا القسم ذكر حوادث البلاد التي كانت معدودة من معاملات حلب على عهد الدولة العثمانية.

والقسم الثاني

وهو في أربعة مجلدات ذكرت فيه تراجم أعيان الشهباء ما بين وزير وأمير كبير ومحدث وفقيه وشريف ووجيه وخطيب وطبيب وشاعر وأديب وتاجر وزعيم وغيرهم من ذوي المزايا وأرباب المناقب.

وقد ابتدأت فيه من أوائل القرن الثالث للهجرة لأني لم أقف على تراجم لأحد من أعيان الشهباء قبل ذلك ، ولعلك تجد لهم ذكرا في تاريخ ابن العديم ، وهذا القسم نقف فيه عند السنة التي ينتهي فيها الطبع إن شاء الله تعالى.

خطتي في هذا القسم :

توخيت في هذا القسم خطة البسط أيضا ، فما رأيته من التراجم في كتابين أخذت أوسعهما وأضفت إليه ما وجدته من الزوائد المفيدة في الثانية ، وانتهجت منهج الاستقصاء بقدر الإمكان ، فلم يقع نظري على ترجمة لحلبي في كتاب من الكتب التي اطلعت عليها إلا ونظمتها في عقد هذا التاريخ ، لأن في هذا الاستقصاء يتسنى لبعيدي النظر استجلاء سير العلم والاجتماع في العصور السالفة فيقايسون بينها وبين هذا العصر أو بين كل عصر وعصر ، وسيظهر لنا الزمان في المستقبل أن الكثير من هؤلاء المترجمين لهم آثار علمية وأوقاف خيرية لم تذكر في تراجمهم إلى غير ذلك من الفوائد.

٢٧

وقد التزمت أن لا أذكر إلا من كانت ولادته في الشهباء أو كان ممن توفي فيها ، وأما من نزلها ثم ارتحل عنها أو اجتاز بها فقد ضربت عنه صفحا لأن ذلك مما يطول شرحه ويحتاج إلى مجلدات كثيرة ، وجعلت أعيان كل قرن على حدة مبتدئا من القرن الثالث ( لأني لم أقف على تراجم لأحد منهم قبل ذلك ) إلى هذا العصر مرتبا لهم على مقتضى سني وفاتهم لتكون ترجمة المعاصر مقرونة مع معاصره تقريبا ، وسلسلة حوادثهم متصلة غير منفصلة أو قريبة الارتباط ببعضها ، وجدت أن ذلك أولى من ترتيبهم على حروف المعجم لأن ذلك يجعل من كان من أهل القرن الثالث مع من كان من أهل القرن الثالث عشر وهلمّ جرا فتختلط القرون ببعضها وتتبعثر سلسلة الحوادث فيصعب على القارىء التمييز ويحصل له من التشويش ما لا مزيد عليه. وما كان مطبوعا من مؤلفات علماء الشهباء أشرت إليه بذكره بين هلالين أثناء الترجمة أو في الذيل وأشرت إلى كثير مما هو غير مطبوع إلى المكتبة التي يوجد فيها هذا الكتاب ليسهل الاستحصال عليه لمن رام ذلك ، وهذا القسم في أربعة مجلدات تبلغ نحو ألفي صفحة ، وتنيف عدد التراجم فيه على ألف وخمسمائة ترجمة.

ومن مزايا تاريخي أني عزوت كل حادثة وكل ترجمة إلى الكتاب المنقولة عنه ، وما تجده غير معزو ، أو بعد كلمة أقول ، فإنه مما أملاه فهمي الفاتر وسطره قلمي القاصر ، قصدت بذلك أن يكون القارىء مطمئن البال وليسهل عليه الرجوع إلى الأصل عند اقتضاء الحال.

ويزيد ما تصفحته من الكتب عن ثلثمائة مجلد هذا غير المجاميع والأوراق المبعثرة التي ظفرت بها في الخزائن وما تلقيته من أفواه الرجال الذين أثق بهم ، ولا تسل عما تكبدته من المشاق وما تجشمته من المتاعب في سبيل الحصول على هذه المواد واقتناص شواردها وجمع شملها المتبدد حتى انتظم منها عقد هذا التاريخ وتراصفت مبانيه

و طالما واصلت ليلي بالسهر

أرعى النجوم لالتقاطي الدرر

كأنّ سلك عقدها المجره

أضم فيه درة فدره

على أن ما صرفته من ثمين الوقت وما لاقيته من المصاعب كنت أجده شرابا سائغا وموردا عذبا بجانب الغاية النبيلة التي كنت أقصدها وهي القيام بخدمة بلادي وأبناء وطني بكتاب يوقفهم على تاريخ أوطانهم ومآثر أسلافهم.

٢٨

هذا وإني لا أدعي الإحاطة بجميع حوادث الشهباء وجميع تراجم أعيانها في هذه القرون مع أني لم آل جهدا في الحصول على ما أمكن الحصول عليه في الديار السورية لأن ذلك من الأمور المستحيلة ، وعلى فرض إمكان ذلك فإنه موقوف على الحصول على جميع التواريخ التي ذكرناها في المقدمة وعلى مراجعة غيرها من التواريخ التي لم نذكرها في كتابنا. ومن رام الزيادة على ما وضعته فعليه أن يشد الرحال إلى الديار المصرية والرومية والغربية فهناك يجد باب الزيادة مفتوحا أمامه ، خصوصا إذا كان من الواقفين على اللغات الغربية المشهورة ويكون بذلك قد قام بخدمة جلى لمدينة الشهباء والله الهادي إلى سواء السبيل.

وكنت أود وضع قسمين آخرين يكونان متممين لهذا التاريخ أذكر في قسم محلات حلب ، وما في كل محلة من المدارس والجوامع والمساجد والرباطات والخانات وغير ذلك من الأماكن والآثار القديمة ، وأتكلم على كل مكان فأذكر اسم بانيه وواقفه وما وقفه وما هو نوع ذلك الوقف وحالة ذلك المكان الآن وحالة وقفه ، والقسم الثاني أذكر فيه أعمال الشهباء من البلاد والقرى وأحوالها الماضية والحاضرة وما هناك من الآثار القديمة وبقاياها.

ولا ريب أني أكون بذلك أحسنت الصنع وأكملت الوضع ووفيت تاريخ الشهباء حقه ، غير أني وجدت أن هذا العمل العظيم ليس في وسعي أن أقوم به وحدي ويحتاج إلى عدة أشخاص من الواقفين على اللغات الأجنبية والآثار القديمة يقومون بسياحة طويلة في هذه الأماكن ، ويقتضي لهؤلاء نفقات كثيرة لا يقوم بها إلا الحكومة ، فاكتفيت بما وضعته واقتنعت بما جمعته ، ولعل الله يلهم أولي الأمر بالقيام بهذا العمل الجليل في مستقبل الأيام.

هذا وإني أبسط يد الرجاء إلى الناقد البصير أن يسبل ذيل العفو ويصفح عما يجده من التقصير والسهو ، فإن الكمال لله جل جلاله والعصمة لأنبيائه العظام ورسله الفخام.

يا ناظرا فيما قصدت لجمعه

اعذر فإن أخا الفضيلة يعذر

و اعلم بأن المرء لو بلغ المدى

في العمر لاقى الموت وهو مقصّر

فإذا ظفرت بزلة فافتح لها

باب التجاوز فالتجاوز أجدر

و من المحال بأن يرى أحد حوى

كنه الكمال وذا هو المتعذر

غير النبي المصطفى الهادي الذي

يفنى الزمان وفضله لا يحصر

٢٩

والله أسأل وبنبيه الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتوسل أن يجعل سعيي مشكورا وعملي خالصا مقبولا ، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. وقد آن أن أشرع بالمقصود بعون الملك المعبود.

٣٠

المقدمة

وفيها فصلان :

الفصل الأول : فيما وضعه فضلاء الشهباء من التواريخ الخاصة بها :

(١) الكلام على بغية الطلب

قال العلامة رضي الدين محمد بن الحنبلي المتوفى سنة ٩٧١ في خطبة تاريخه « در الحبب في تاريخ حلب » : « اهتم بأمر تاريخ الشهباء جماعة من النبلاء وشرذمة من الفضلاء ، فكان ممن أقدم وكتب لها تاريخا حسنا فيما تقدم : المولى الصاحب صاحب المآثر والمناقب كمال الدين أبو حفص عمر بن أبي جرادة العقيلي المعروف بابن العديم الحلبي الحنفي ، وهو التاريخ الكبير الذي سماه « بغية الطلب في تاريخ حلب » وانتزع عنه تاريخه المسمى بزبدة الحلب في تاريخ حلب ، حتى انتزعنا منه وزدنا عليه سوى ما تلقيناه عنه سنة إحدى وخمسين وتسعماية مختصرنا الذي سميناه بالزبد والضرب في تاريخ حلب ، وكانت وفاته سنة ستين وستماية ». وقال في التاريخ المنسوب لابن الشحنة : « وقد رأيت جماعة من العلماء جمعوا تواريخ لبلادهم على أنحاء شتى بحسب اجتهادهم ولم أر لحلب تاريخا مختصا بذكرها منطويا على بث محاسنها ونشرها ، وهي خليقة بذلك لأنها واسطة عقد الممالك وزمامها الذي من ملكه تصرف فيها بكل الأمور التي تريدها نفسه وتشتهيها ، إلا ما جمعه تاريخا مستوعبا لها الإمام العلامة كمال الدين أبو القاسم عمر بن أحمد بن العديم الحلبي الحنفي فأتقن وأجاد وأطال ، ولم يبيض منه إلا اليسير ، وأطال فيه من ذكر الروايات

٣١

والطرف فجاء معنى قليلا في لفظ كثير ، ولم يسبقه أحد بتاريخ لها على الخصوص وسماه : « بغية الطلب بتاريخ حلب » رتبه على حروف المعجم ، كما أخبرني بذلك الأمير النقيب بدر الدين الحسيني نقيب السادة الأشراف في المملكة الحلبية رحمه‌الله أن مسودته كانت تبلغ نحو أربعين جزءا كبارا والمبيضة تجيء كذلك ، لكن اخترمته المنية قبل إكمال الأمنية وتفرقت أجزاؤه قبل الفتنة التيمورية ، فلا تجد الآن منها إلا نزرا لم أقف منها إلا على جزء واحد بخطه فيه بعض حرف الميم وفيه ترجمة الملك العادل نور الدين محمود وترجمة جدي الأمير حسام الدين محمود شحنة حلب وبعض تراجم غيرها ، وهو عندي ، وبلغني أنه ذكر في الجزء الأول من خصائص حلب وفضائلها ومعاملاتها ومضافاتها » انتهى.

أقول : إن هذا التاريخ أجل تواريخ الديار الحلبية وأعظمها شأنا وهو بالسند على نسق كثير من تواريخ المتقدمين طالما رأينا من الأجانب الذين يفدون إلى الشهباء يبحثون عنه توصلا إلى الحصول على نسخة أو قطعة منه.

قال صاحب مجلة المشرق في محاضرته التي ألقاها في حلب سنة ١٩٠٦ م ونشرها في السنة التاسعة من مجلته : وقد عني الأوربيون بنقل تاريخ كمال الدين إلى الإفرنسية ونشره لكثرة فوائده.

وهو مفقود منذ أعصار من هذه الديار ، غير أنا فيما سنتلوه عليك من القول والدلائل يظهر لك أنه قد بيض معظمه بل لم يبق منه في المسودة إلا النزر اليسير ، أعني من سنة ٦٤٠ إلى سنة ٦٦٠ وهي السنة التي توفي فيها المؤرخ رحمه‌الله خلافا لما ذكره في الدر المنتخب من أنه لم يبيض منه إلا اليسير.

يوجد منه جلدان في مكتبة الأمة في باريس رقمهما (٢١٣٨) ابتدأ فيهما بترجمة إسحق بن منصور وانتهى بترجمة أمين بن عبد الله الأموي ، وهما محرران من نحو ٥٠٠ سنة ويوجد جزء منه في المتحف البريطاني في لوندره ، ويوجد منه جلد واحد في مكتبة أياصوفيا في عاصمة السلطنة العثمانية ورقمه (٣٠٣٦) وهو في (٥٢٥) صحيفة بخط حسن وعدة صحف في آخره ممحوة يتعذر قراءتها ، ويغلب على الظن أن هذا الجلد أول التاريخ.

ويوجد في إحدى مكتبات باريس قطعة منه ترجمها إلى الإفرنسية ؟ أبلوش وطبعت سنة ١٩٠٠ م في مطبعة « ليرو » في (٢٥٥) صحيفة استحضر نسخة منها أندره

٣٢

ماركوبلي أحد الوجهاء الإيطاليين المتوطنين هنا ، وقد أطلعني عليها وترجم لي جانبا منها ، وحوت هذه القطعة المترجمة من سنة ٥٤٠ إلى سنة ٦٤٠ أعني إلى قبل وفاة المؤلف بعشرين عاما ، وفي أول هذه القطعة ترجمة نور الدين الشهيد وذكر ما له من الآثار ، وفي آخرها ترجمة جمال الدولة إقبال الخاتوني حينما أتى إلى حلب.

وقد عني مؤرخو الإفرنسيين بجمع ما كتبه مؤرخو الإسلام عن الحروب الصليبية في عشرة مجلدات ضخمة مع ترجمة ذلك إلى اللغة الإفرنسية رأيتها في المكتبة اليسوعية في بيروت ورأيت منها سبعة عند الخواجه هانري ماركوبلي أحد وجهاء الإيطاليين المتوطنين في حلب ذكروا تحت عنوان ( منتخبات من تاريخ حلب لكمال الدين ) حوادث حلب من سنة ٤٩٠ إلى سنة ٥٤١ وهي السنة التي توفي فيها زنكي والد نور الدين الشهيد ، وهي في ٥٧ ورقة ، ثم ذكروا بعدها تحت عنوان ( منتخبات من بغية الطلب ) ترجمة إسماعيل بن بوري المتوفى سنة ٥٢٩ وترجمة إسماعيل بن نور الدين الشهيد المتوفى سنة ٥٧٧ وترجمة آق سنقر بن عبد الله المتوفى سنة ٤٨٧ وترجمة آق سنقر البرسقي المتوفى سنة ٥٢٠ وترجمة آلب أرسلان بن رضوان المتوفى سنة ٥٠٨ وهي في ١٩ ورقة ، وقد أتيت على ما في القطعتين في محالها مما له علاقة بحلب ، وقد وجدت فيهما من التفصيل ما لم أجده في غيرهما ، وذلك مما يحتم علينا تطلب جميع هذا التاريخ والاستحصال عليه لعظيم فوائده.

وأخبرني الفاضل الرحالة خليل أفندي الخالدي من أهالي القدس الشريف في ٢٢ محرم الحرام سنة ١٣٢٨ حينما مر من الشهباء قاصدا ولاية ديار بكر معينا قاضيا بها أنه وجد في دار الخلافة في المكتبة السلطانية في سراي طوب قبو نسخة كاملة من تاريخ ابن العديم بخط مؤلفه وأن المجلد الموجود في مكتبة أياصوفيا هو بخط المؤلف أيضا وأنه كتب في آخر النسختين أنه سمع منه التاريخ شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن الدمياطي ، وعبد المؤمن هذا توفي سنة ٧٠٥ وهو من تلامذة ابن العديم ومن كبار أئمة الحديث ممن انتهت الرحلة إليه وله ترجمة حافلة في طبقات الشافعية لعبد الرحيم الأسنوي وهي موجودة في المكتبة الأحمدية بحلب.

٣٣

والصلاح الصفدي حينما سرد أسماء التواريخ في مقدمة تاريخه ذكر (١) تاريخ ابن العديم ولم يقل إن شيئا منه لم يزل في المسودة.

وقد عده الجلال السيوطي في أوائل تاريخه « بغية الوعاة في طبقات النحاة » من جملة التواريخ التي طالعها ، وقال إنه في عشرة مجلدات ، وقال في آخر تاريخه ما نصه :

وأما الشام فوقفنا على تاريخها لابن عساكر وأعظم به وتاريخ حلب لابن العديم ، ونقل عنه في ترجمة ابن خالويه النحوي ما نصه : رأيت في تاريخ حلب لابن العديم بخطه. قال : رأيت في جزء من أمالي ابن خالويه سأل سيف الدولة جماعة من العلماء بحضرته ذات ليلة : هل تعرفون اسما ممدودا وجمعه مقصور ؟ فقالوا : لا ، فقال لابن خالويه : ما تقول أنت ؟ قلت : أنا أعرف اسمين ، قال : ما هما ؟ قال : لا أقول لك إلا بألف درهم لئلا تؤخذ بلا شكر وهما صحراء وصحارى وعذراء وعذارى ، فلما كان بعد شهر أصبت حرفين آخرين ذكرهما الجرمي في كتاب التنبيه ، وهما صلفاء وصلافى : الأرض الغليظة وخبراء وخبارى وهي أرض فيها ندوّة ، ثم بعد عشرين سنة وجدت حرفا خامسا ذكره ابن دريد في الجمهرة وهي سبناء وسبانى وهي الأرض الخشنة. اه.

قال صاحب فوات الوفيات في ترجمة المؤلف : إنه مات قبل إكمال تبييضه ، وقال العلامة اليونيني في الذيل في حوادث سنة ٦٦٠ في ترجمة المؤلف ما نصه : « وجمع لحلب تاريخا أحسن فيه ما شاء ومات وبعضه مسودة لم يبيضه ولو تكمل تبييضه كان أكثر من أربعين مجلدا ».

(٢) الكلام على تاريخ حمدان بن عبد الرحيم الأثاربي المسمى بالقوت

(٣) وتاريخ ابن العظيمي

(٤) وتاريخ ابن حميدة المسمى بمعادن الذهب

صريح ما قدمناه عن در الحبب والدر المنتخب أن أول تاريخ وضع للشهباء هو بغية الطلب للكمال ابن العديم ، لكن قال في كشف الظنون : ومن تواريخ حلب كتاب أبي

__________________

(١) من مخطوطات المكتبة الأحمدية بحلب

٣٤

عبد الله محمد بن علي العظيمي ومعادن الذهب لابن أبي علي يحيى بن حميدة الحلبي ، وهو تاريخ كبير وذيله له أيضا ، وقال في الكشف أيضا في صحيفة ٢٢٨ « تاريخ العظيمي هو أبو عبد الله محمد بن علي رتبه على السنين وله تاريخ حلب أيضا » وقال الحافظ السخاوي في كتاب التوبيخ لمن ذم التاريخ (١) في الكلام على حلب مانصه « جمع تاريخها من سنة تسعين وأربعمائة يتضمن أخبار الفرنج وأيامهم وخروجهم إلى الشام من السنة المذكورة وما بعدها أبو الفوارس حمدان بن عبد الرحيم بن حمدان التميمي الأثاربي ثم الحلبي سماه القوت » اه. وقال ياقوت في معجم البلدان في الكلام على الأثارب « وحمدان بن عبد الرحيم الأثاربي طبيب متأدب وله شعر وأدب وصنف تاريخا كان في أيام طغندكين صاحب دمشق بعد الخمسماية اه ». وهذا يفيد أن أول من وضع تاريخا للشهباء هو حمدان الأثاربي ثم ابن العظيمي ثم ابن حميدة ثم ابن العديم ، لأن العظيمي على ما سيأتي في ترجمته كانت ولادته سنة ٤٨٣ أربعمائة وثلاث وثمانين ، ولم يذكر المؤرخون تاريخ وفاته ويظهر أنها كانت في أواسط القرن السادس وابن حميدة كانت وفاته سنة ٦٣٠ وابن العديم كانت وفاته سنة ( ٦٦٠ فالعظيمي على هذا له تاريخان تاريخ خاص بالشهباء وتاريخ عام رتبه على السنين ولم أقف على اسمي هذين التاريخين.

وتراجم هؤلاء المؤرخين والذين بعدهم سنذكرها جميعها في القسم الثاني حيث نجد ترجمة كل واحد في السنة التي توفي فيها فراجعها ثمة.

(٥) الكلام على زبدة الحلب في تاريخ حلب

هو لكمال الدين أبي القاسم عمر بن أبي جرادة المتوفى سنة ٦٦٠ انتزعه من تاريخه الكبير بغية الطلب المقدم ذكره وهو مرتب على السنين إلى سنة ٦٤١ يوجد منه نسخة في بطرسبرج في المكتبة العمومية ونسخة منه في باريس في المكتبة العمومية أيضا ورقمها (١٦٦٦) في ٢٦٨ صحيفة ، ويظهر أن هذه النسخة تامة وقد ترجم إلى اللغة الإفرنسية وطبع في باريس سنة (١٨٩٦) وسنة (١٨٩٨) ونشر في مجلة الشرق اللاتيني.

__________________

(١) من مخطوطات المكتبة الأحمدية

٣٥

ويوجد قطعة منه في المكتبة الخديوية في القاهرة ، ففي فهرستها الأولى في حرف الزاي ما نصه : « نبذة من زبدة الحلب في تاريخ حلب لأبي حفص عمر بن أحمد بن هبة الله الشهير بابن العديم المتوفي سنة ٦٦٠ طبع حروف بباريس سنة ١٨١٩ ومعها مقدمة تاريخية ، وترجمة النبذة المذكورة باللغة اللاتينية لمسيوفيرتيك » نس ج ان خ ١٠٦٧ ن ع ٢٤٥٨٠ اه.

انتحال الطبيب بيشوف لهذا الكتاب وتحقيق ذلك :

لما قرأت هذه العبارة في الفهرست كتبت إلى عبد اللطيف ابن أخي الشيخ محمد رحمه‌الله فاستنسخ هذه القطعة وأرسلها لي شكر الله سعيه ، وهي في ٤٨ صحيفة مفتتحة بمسير سيدنا خالد بن الوليد رضي‌الله‌عنه إلى حلب ومختتمة باستقرار ولاية حلب لسيف الدولة بن حمدان سنة ٣٣٦ ، وقد أدرجت تلك القطعة بتمامها في محالها كما ستراه.

وقد قابلتها على « تحف الأنباء في تاريخ حلب الشهباء » للطبيب بيشوف الجرماني المطبوع في المطبعة الأدبية في بيروت سنة ١٨٨٠ م فوجدتهما متحدتين في العبارة ليس بينهما من الفرق إلا ما يقع عادة من النساخ من تحريف حرف أو إسقاط كلمة أو تقديم جملة وتأخير أخرى.

فظهر لي من هذا ظهور الشمس في رابعة النهار أن الطبيب المذكور ظفر بنسخة تامة من زبدة الحلب الذي نحن في صدد الكلام عليه فأخذها برمتها ونسبها إلى نفسه ، لأن توارد الخواطر على ٤٨ صحيفة مما يستبعده العقل جدا ، وليس ببعيد أن يكون ما ذكره من الحوادث بعده سنة ٦٤١ إلى سنة ٩٢٢ هو أيضا لبعض مؤرخي الشهباء ظفر به فنسب الجميع إلى نفسه ، فعلى هذا لا يكون للطبيب المذكور في هذا الكتاب سوى المقدمة ، وأما الخطبة فإنها بلا ريب من إنشاء بعض أدباء الشهباء ، فقد حدثني من أثق به ممن يعرف الطبيب المذكور حق المعرفة وعاشره مدة غير قليلة أنه لم يكن من الواقفين على شيء من العلوم العربية ولا يعرف من العربية إلا اللغة العامية ، وهذا مما يزيدك برهانا على أن الكتاب المذكور ليس له فيه شيء. نعم ما ذكره في آخر الكتاب من الكتابات والنقوش التي على أبواب الجوامع والمساجد والمدارس والخانات هو له ، وقد حدثنا من شاهده وهو يدور في

٣٦

أزقة الشهباء ويقرأ ما كتب على تلك الأماكن ويحرر ذلك عنده ، وقد كانت وفاة الطبيب المذكور في أوائل هذا القرن ولم أقف على تاريخ مجيئه من بلاده إلى هنا.

وإقدام الطبيب المذكور على نسبة جميع الكتاب إلى نفسه وبخسه حق مؤلفه وناظم عقده أمر غريب في بابه جدا وهو خيانة كبرى للعلم لا ينبغي أن تصدر من أمثاله ، وكأنه ظن أن ذلك سيبقى تحت طي الخفاء والكتمان لا تظهره الأيام والأزمان ، ولو أنه عزا الكتاب إلى صاحبه وأدى الأمانة إلى أهلها وذكر ماله في هذا الكتاب من الزيادات لكنا من الشاكرين له والمقدرين لمساعيه.

ومما يجدر التنبيه عليه أن الطبيب المذكور لم يستقص في كتابه جميع الكتابات المنقوشة على أبواب وجدران الجوامع والمدارس والخانات والقساطل والمنارات والزوايا والرباطات والذي كاد يستقصي ذلك لجنة ألمانية حضرت إلى الشهباء سنة ١٣٢٦ مؤلفة من ثلاثة أشخاص يدعى أحدهم ( صوبرنهام ) والثاني ( برنهارد سوفير ) والثالث الطبيب ( إرنست هارتز فيلد ) بقيت تتجول في الشهباء وضواحيها مقدار ثلاثة أشهر ، إلا أنها لم تأخذ النقوش التي كتبت بعد الفتح السليمي ، وقد تعرفت بهؤلاء الثلاثة حينما أتوا إلى محلتنا ( باب قنسرين ) وأخذوا يقرؤون ما كتب على الحجر المدور الموضوع فوق باب المسجد المعروف الآن بمسجد الشيخ حمود الملاصق للبيمارستان الأرغوني ، فساعدتهم على قراءة ما كتب على ذلك الحجر بالخط الكوفي والكتابة مما يسر قراءتها وهي :

[ بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عمر ابتغاء ثواب الله تعالى أبو المكارم الأسكافي عفا الله عنه سنة اثنين وأربعين وخمسمائة ] وحينما وقفوا عند البيمارستان الأرغوني وأخذوا في قراءة ما كتب على بابه رأيتهم يقرؤون ثم يراجعون ذلك في كتاب بيشوف فلحظوا مني أمارة التعجب من ذلك فقال لي أحدهم : إنا لا نثق كثيرا بما كتبه بيشوف لأنه قد لا يقف على كلمة حق الوقوف فيثبتها محرفة والاختبار أيد عندنا ذلك ، فلهذا نحن مضطرون إلى القراءة ثم المراجعة ليكون علمنا يقينيا لا ريب فيه.

ورافقت هؤلاء في يوم ذهبوا فيه إلى تربة الصالحين فتساعدنا على قراءة ما كتب فوق باب قبلية المسجد بجانب المقام الذي فيه أثر قدم كبيرة يقال إنها أثر قدم سيدنا إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه ، وبعد مشقة ووقت غير قليل تمكنا من قراءة ما نقش

٣٧

عليه وهو أقدم كتابة عربية رأيناها في الشهباء بعد الكتابة التي على منارة الجامع الأعظم ، وهذا نصها :

السطر الأول : مما أمر بعمله ملك الملو

السطر الثاني : ك عضد الدولة أبو شجاع أحمد

السطر الثالث : ابن يمين أمير المؤمنين وجرى ذلك

السطر الرابع : على يد تاج الملوك أبي الغنائم في سنة

السطر الخامس : تسع وتسعين وأربع ماية

وأطلعني هؤلاء الثلاثة في اجتماع خاص في الفندق النازلين فيه على الجزء الثاني من كتاب آداب اللغة العربية في الألمانية تأليف ( بروكلن ) من مستشرقي الألمان فيه تراجم مؤرخي العرب مع الإشارة إلى المكتبة التي يوجد فيها شيء من هذه التواريخ واستخرجوا لي ما هو موجود من تواريخ الشهباء في المكتبات الأوربية ، وقد أثبت ما استخرجوه لي في محلاته ، والجزء الأول لم يكن معهم وأخبروني أن ( هوار ) من مستشرقي الإفرنسيين له كتاب في هذا الموضوع.

(٦) الكلام على حضرة النديم من تاريخ ابن العديم

هو مختصر من زبدة الحلب المتقدم ، قال في كشف الظنون : « وللشيخ طاهر بن حسن المعروف بابن حبيب الحلبي المتوفى سنة ٨٠٨ تاريخ منتزع منه أيضا أي من زبدة الحلب سماه حضرة النديم من تاريخ ابن العديم هكذا وجدته » ثم رأيت في درة الأسلاك لوالده حسن بن حبيب أنه يقول في ترجمة الكمال ابن العديم « جمعت من تاريخه ومن خطه كتابا لطيفا سميته حضرة النديم » اه.

(٧) الكلام على الزبد والضرب في تاريخ حلب

الذي هو مختصر من زبدة الحلب أيضا

هو لرضي الدين محمد بن الحنبلي صاحب در الحبب المتوفي سنة ٩٧١ ، قال في كشف الظنون : هو تاريخ مختصر انتخبه من زبدة الحلب وزاد من سنة ٦٦٠ إلى سنة

٣٨

٩٥١ اه. وهذه العبارة تفيد أنه زاد على الأصل حوادث من سنة ٦٦٠ إلى سنة ٩٥١ وليس كذلك ، فإن المؤلف لم يزد على الأصل شيئا بل وصل فيه إلى سنة ٦٤١ وقال في آخره : وإلى هذه السنة ( أي سنة ٦٤١ ) انتهى ما وجدته من نسخة الأصل وهي نسخة منقولة من نسخة كتبت من خط مؤلفها المولى الصاحب كمال الدين أبي حفص عمر بن أبي جرادة.

نعم زاد بعض حوادث في ضمن هذا المختصر لم تذكر في الأصل كما قال في خطبة كتابه ، وتأليفه هذا المختصر كان سنة ٩٥١ لا أنه زاد من سنة ٦٦٠ إلى سنة ٩٥١ كما توهمه صاحب الكشف. والذي أوقعه في هذا السهو غموض عبارة در الحبب التي قدمناها في ابتداء الكلام على بغية الطلب.

يوجد هذا المختصر في بطرسبرج عاصمة روسيا ورقمه (٢٠٣) وفي المتحف البريطاني في لوندرة ورقمه (٣٣٤) وفي أكسفورد ورقمه (٨٣٦) وفي المدينة المنورة في مكتبة عارف حكمة بك الشهيرة في ضمن مجموع رقمه (٥٩) ، وقد ذكره صاحب مجلة المقتبس في رحلته إلى المدينة المنورة المنشورة في مجلته ، وعلى إثر ذلك أرسلت فاستنسخته وهو في ثلاث كراريس تنتهي حوادثه إلى سنة ٦٤١ كما قدمنا ، وقال في آخره : وكان الفراغ من انتخابه في يوم الجمعة المبارك السابع والعشرين من ربيع الآخر من شهور سنة إحدى وخمسين وتسعماية اه. وقد أدرجنا جميع ما فيه في القسم الأول كما ستراه.

[ تنبيه ] : في فهرست مكتبة عارف حكمة بك الكائنة في المدينة المنورة ما نصه : ( نمرة ٩٤ تاريخ حلب مجهول في ورقة ١٤ ) وقد استنسخت هذه الأوراق فإذا هي ليست تاريخا لحلب بل هي موشح للشيخ أبي الفتوح علي الميقاتي الحلبي المتوفى سنة ١١٧٤ ذكر فيه منتزهات الشهباء ومدح فيها بعض وجهائها في عصره ، قال في مطلعه :

حلب الشهبا وهاد النظر

و مهاد قد تعالت عن نظير

بينها والمدن حسن من نظر

قال بالسبق لها دون النظير

ثم شرحه في عشرة أوراق ، وقد نبهنا عليه لئلا يغتر به من يقرأ تلك الفهرست

٣٩

(٨) الكلام على الدر المنتخب لابن خطيب الناصرية

قال في در الحبب : ثم ذيل عليه ( أي على بغية الطلب ) العلامة الأوحد الحافظ قاضي القضاة علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن سعد الطائي الجبريني ثم الحلبي الشافعي المشهور بابن خطيب الناصرية فوضع تاريخه المسمى بالدر المنتخب في تاريخ حلب ، وكانت وفاته بحلب سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة ، ولم يخلف بعده بها مثله من الشافعية كما ذكره الحافظ السخاوي في تاريخه الموسوم بالضوء اللامع في أعيان القرن التاسع ، وقد ضمن تاريخه هذا تراجم أعيانها ورتبهم على حروف المعجم لتسهيل بيانهم وبيانها ، ولما وصل إلى حلب حافظ العصر الشهاب ابن حجر العسقلاني المصري القاهري الشافعي سنة ست وثلاثين وثمانماية طالع هذا التاريخ من المبيضة ثم من المسودة وألحق فيه أشياء كثيرة ، كما تعرض لهذا في ديباجة تاريخه المشهور بأنباء الغمر وأثنى على صاحبه وأفاد أن كلا منهما سمع من صاحبه اه.

أقول : وهو في مجلدين يوجد نسخة منه في برلين ورقمها (٩٧٩١) وفي مدينة كوتاه ( غوطا ) ورقمها (٩٧٧٢) وفي لوندرة ورقمها (٤٣٦) ويوجد الجزء الثالث في مكتبة الأمة في باريس ورقمه (٢١٣٩) ابتدىء فيه بترجمة عبد الكريم بن أحمد المصري الأصل واختتم بترجمة محمد بن تمام بن يحيى الحميري وهو في ١٥٠ ورقة ، ويغلب على الظن أنه بخط المؤلف.

وفي سنة ١٣٣٩ ه‍ ١٩٢١ م حضر إلى الشهباء ( لويس ماسينيون ) المستشرق الإفرنسي وأتيح لنا الاجتماع به وتذاكرنا معه في عدة مسائل تتعلق بالآثار الشرقية فانساق معنا الحديث ( والحديث شجون ) إلى ذكر تواريخ حلب وما هو موجود منها في مكتبات باريس ، وذكرنا له هذا الجزء وأعربنا له عن رغبتنا في الاستحصال عليه ، فلما عاد إلى باريس تفضل بأخذه بالمصور الشمسي ( الفوتوغراف ) وأرسله إلينا.

فنحن نصوغ له عقود الثناء ونشكره على صنعه الجميل مزيد الشكر ، وسنقتطف ما في هذا الجزء من التراجم التي ليست عندنا ونثبتها في مكانها على شرطنا المتقدم.

٤٠