إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ١

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ١

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٠

يده إليك فأعطه ، وكان مع ذلك طائش السيف ، قال القضاعي : يقال إنه أحصى من قتله ابن طولون صبرا ومن مات في حبسه فكان عددهم ثمانية عشر ألفا ، وكان يحفظ القرآن الكريم ، ورزق حسن الصوت ، وكان من أدرس الناس للقرآن ، وبنى الجامع المنسوب إليه الذي بين القاهرة ومصر ، شرع فيه سنة أربع وخمسين ومائتين ، وتوفي في ذي القعدة سنة سبعين ومائتين وزرت قبره في تربة عتيقة بالقرب من الباب المجاور للقلعة على طريق المتوجه إلى القرافة الصغرى بسفح المقطم. اه.

أقول : وقد ألف أحمد بن يوسف كتابا مخصوصا في سيرته وأحواله ، ورأيت في الخطط للمقريزي كثيرا من أخباره وآثاره في الديار المصرية ، وهي تدل على تقدم مصر على عهد ولايته وتوسعها في الثروة والحضارة والعمران رحمه‌الله تعالى ، وبعد وفاته تولى مصر ابنه [ أبو الجيش خمارويه ].

ولاية محمد بن العباس بن سعيد الكلابي

سنة ٢٧١ من طرف خمارويه

قال في زبدة الحلب : لما ولي أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون مصر بعد وفاة أبيه ولى حلب أبا موسى محمد بن العباس بن سعيد الكلابي في سنة إحدى وسبعين ومائتين ، ونزل أبو الجيش من مصر إلى حلب وكاتب أبا أحمد الموفق بن المتوكل بأن يولى حلب ومصر وسائر البلاد التي في يده ويدعى له على منابرها ، فلم يجبه لذلك فاستوحش من الموفق وولى في حلب القائد أحمد بن دعباش وصعد إلى مصر.

ولاية أحمد بن دعباش سنة ٢٧١ من طرف خمارويه

قال ابن الأثير : فيها كانت وقعة بين إسحق بن كنداجيق وبين ابن دعباش ، وكان ابن دعباش بالرقة عاملا عليها وعلى الثغور والعواصم لابن طولون وابن كنداجيق على الموصل للخليفة.

٢٠١

قال ابن الأثير : لما توفي أحمد بن طولون كان إسحق بن كنداجيق على الموصل والجزيرة ، فطمع هو وابن أبي الساج في الشام واستصغر أولاد أحمد وكاتبا الموفق بالله في ذلك واستمداه فأمرهما بقصد البلاد ووعدهما إنفاذ الجيوش ، فجمعا وقصدا ما يجاورهما من البلاد فاستوليا عليه وأعانهما النائب بدمشق لأحمد بن طولون فوعدهما الانحياز إليهما ، فتراجع من بالشام من نواب أحمد بأنطاكية وحلب وحمص وعصى متولي دمشق واستولى إسحق على ذلك.

ولاية إسحق بن كنداجيق ثم محمد بن ديوداد

ابن أبي الساج سنة ٢٧١ من طرف الموفق

قال في زبدة الحلب : لما استولى إسحق على هذه الديار ولاه الموفق حلب وأعمالها ، ثم وليها محمد بن ديوداد بن أبي الساج سنة إحدى وسبعين ومائتين.

قال ابن الأثير : ولما بلغ الخبر إلى أبي الجيش خمارويه بن أحمد سير الجيوش إلى الشام فملكوا دمشق وهرب النائب الذي كان بها وسار عسكر خمارويه من دمشق إلى شيزر لقتال إسحق بن كنداجيق وابن أبي الساج فطاولهم إسحق ينتظر المدد من العراق ، وهجم الشتاء على الطائفتين وأضر بأصحاب ابن طولون فتفرقوا في المنازل بشيزر ، ووصل العسكر العراقي إلى كنداجيق وعليهم أبو العباس أحمد بن الموفق وهو المعتضد بالله ، فلما وصل سار مجدا إلى عسكر خمارويه بشيزر فلم يشعروا حتى كبسهم في المنازل ووضع السيف فيهم فقتل منهم مقتلة عظيمة ، وسار من سلم إلى دمشق على أقبح صورة ، فسار أبو العباس أحمد بن الموفق إليهم فجلوا عن دمشق إلى الرملة وملك هو دمشق ودخلها في شعبان سنة إحدى وسبعين ومائتين وأقام عسكر ابن طولون بالرملة فأرسلوا إلى خمارويه يعرفونه الحال فخرج من مصر في عساكره قاصدا الشام.

ذكر وقعة الطواحين بين أبي العباس المعتضد وبين خمارويه

قال ابن الأثير : وفي هذه السنة كانت وقعة الطواحين بين أبي العباس المعتضد وبين خمارويه بن أحمد بن طولون ، وسبب ذلك أن المعتضد سار من دمشق بعد أن ملكها نحو

٢٠٢

الرملة إلى خمارويه فأتاه الخبر بوصول خمارويه إلى عساكره وكثرة من معه من الجموع ، فهم بالعود فلم يمكنه من معه من أصحاب خمارويه الذين صاروا معه ، وكان المعتضد قد أوحش ابن كنداجيق وابن أبي الساج ونسبهما إلى الجبن حيث انتظراه ليصل إليهما ففسدت نياتهما معه ، ولما وصل خمارويه إلى الرملة نزل على الماء الذي عليه الطواحين فملكه فنسبت الوقعة إليه ، ووصل المعتضد وقد عبّى أصحابه وكذلك أيضا فعل خمارويه وجعل لهم كمينا عليهم سعيد الأيسر ، وحملت مسيرة المعتضد على ميمنة خمارويه فانهزمت ، فلما رأى ذلك خمارويه ولم يكن رأى مصافا قبله ولى منهزما في نفر من الأحداث الذي لا علم لهم بالحرب ولم يقف دون مصر ، ونزل المعتضد إلى خيام خمارويه وهو لا يشك في تمام النصر ، فخرج الذين عليهم سعيد الأيسر وانضاف إليه من بقي من جيش خمارويه ونادوا بشعارهم وحملوا على عسكر المعتضد وهم مشغولون بنهب السواد ووضع المصريون السيف فيهم ، وظن المعتضد أن خمارويه قد عاد فركب وانهزم ولم يلو على شيء ، فوصل إلى دمشق ولم يفتح له أهلها بابها ، فمضى منهزما حتى بلغ طرسوس ، وبقي العسكران يضطربان بالسيوف وليس لواحد منهما أمير ، وطلب سعيد الأيسر خمارويه فلم يجده فأقام أخاه أبا العشائر ، وتمت الهزيمة على العراقيين وقتل منهم خلق كثير وأسر كثير ، وقال سعيد للعساكر : إن هذا أخو صاحبكم وهذه الأموال تنفق فيكم ، ووضع العطاء فاشتغل الجند عن الشغب بالأموال وسيرت البشارة إلى مصر ففرح خمارويه بالظفر وخجل للهزيمة ، غير أنه أكثر الصدقة ، وفعل مع الأسرى فعلة لم يسبق إلى مثلها فقال لأصحابه : إن هؤلاء أضيافكم فأكرموهم ، ثم أحضرهم بعد ذلك وقال لهم : من اختار المقام عندنا فله الإكرام والمواساة ومن أراد الرجوع جهزناه وسيرناه ، فمنهم من أقام ومنهم من سار مكرما ، وعادت عساكر خمارويه إلى الشام ففتحه أجمع فاستقر ملك خمارويه له.

ولاية محمد بن ديوداد بن أبي الساج المعروف بالأفشين

سنة ٢٧٣ من طرف خمارويه صاحب مصر

قال في زبدة الحلب : لما انهزم أبو العباس المعتضد انتهى إلى أنطاكية ، وكان محمد ابن ديوداد المعروف بالأفشين بن أبي الساج قد فارق أبا العباس المعتضد لكلام أغلظ له

٢٠٣

فيه ، فجاء قبل وقعة الطواحين واستولى على حلب ومعه إسحق بن كنداج ، وسار أبو العباس من أنطاكية إلى طرسوس فأغلقها أهلها دونه ومنعوه من دخولها ، فسار إلى مرعش ثم إلى كيسوم ثم إلى سميساط وعبر الفرات ونكب عن حلب لاستيلاء الأفشين عليها وكان قد جرت بينهما وحشة ، ونزل خمارويه إلى حلب فصالحه الأفشين وصار في جملته ودعا له على منابر أعماله وحمل إليه خمارويه مائتي ألف دينار ونيفا وعشرين ألف دينار لوجوه أصحابه وعشرين ألف دينار لكاتبه ، وذلك في سنة ثلاث وسبعين ومائتين ، وأعطاه الأفشين ولده رهينة على الوفاء بعهده. اه.

وعبارة ابن الأثير تفيد أن خمارويه لم ينزل إلى حلب لمصالحته بل إن الأفشين راسله لمنافرة حصلت بينه وبين إسحق بن كنداج ونص عبارته في حوادث سنة ٢٧٣.

في هذه السنة فسد الحال بين محمد بن أبي الساج وإسحق بن كنداج وكانا متفقين في الجزيرة ، وسبب ذلك أن ابن أبي الساج نافر إسحق في الأعمال وأراد التقدم وامتنع عليه إسحق ، فأرسل ابن أبي الساج إلى خمارويه بن أحمد بن طولون صاحب مصر وأطاعه وصار معه وخطب له بأعماله وهي قنسرين وسير ولده ديوداد إلى خمارويه رهينة ، فأرسل إليه خمارويه مالا جزيلا له ولقواده ، وسار خمارويه إلى الشام فاجتمع هو وابن أبي الساج ببالس وعبر ابن أبي الساج الفرات إلى الرقة فلقيه ابن كنداج وجرى بينهما حرب انهزم فيها ابن كنداج واستولى ابن أبي الساج على ما كان لابن كنداج ، وعبر خمارويه الفرات ونزل الرافقة ومضى إسحق منهزما إلى قلعة ماردين فحصره ابن أبي الساج وسار عنها إلى سنجار فأوقع بها بقوم من الأعراب ، وسار ابن كنداج من ماردين نحو الموصل فلقيه ابن أبي الساج ببرقعيد فكمن كمينا فخرجوا على ابن كنداج وقت القتال فانهزم عنها وعاد إلى ماردين فكان فيها وقوي أمر ابن أبي الساج وظهر أمره واستولى على الجزيرة والموصل وخطب لخمارويه ثم لنفسه بعده. اه.

قال المقريزي في خطط مصر في الكلام على ولاية أبي الجيش خمارويه بعد أن ذكر بعضا من هذه الوقائع : وكاتب خمارويه أبا أحمد الموفق في الصلح فأجابه إلى ذلك وكتب له بذلك كتابا ، فورد عليه به فائق الخادم إلى مصر في رجب ذكر فيه أن المعتمد والموفق وابنه كتبوه بأيديهم وبولاية خمارويه وولده ثلاثين سنة على مصر والشامات ، ثم قدم خمارويه سلخ رجب فأمر بالدعاء لأبي أحمد الموفق وترك الدعاء عليه.

٢٠٤

سنة ٢٧٤

قال ابن الأثير : وفيها جمع إسحق بن كنداج جمعا كثيرا وسار نحو الشام فبلغ الخبر خمارويه فسار إليه وقد عبر الفرات ، فالتقيا وجرى بين الطائفتين قتال شديد انهزم فيه إسحق هزيمة عظيمة لم يرده شيء حتى عبر الفرات وتحصن بها ، وسار خمارويه إلى الفرات فعمل جسرا ، فلما علم إسحق بذلك سار من هناك إلى قلاع له قد أعدها وحصنها وأرسل إلى خمارويه يخضع له ويبذل له الطاعة في جميع ولايته وهي الجزيرة وما والاها فأجابه إلى ذلك وصالحه ابن أبي الساج أي صالح لابن كنداج.

قال في زبدة الحلب : لما أعطى ابن أبي الساج ولده رهينة لخمارويه دفع خمارويه له ثلاثين ألف دينار فقال ابن أبي الساج ( صوابه ابن كنداج ) : خدعكم إذ أعطاكم بولة يبول مثلها في كل ليلة مرات وأخذ منكم ثلاثين ألفا ، ثم إن ابن أبي الساج نكث عهده مع أبي الجيش خمارويه والتقيا بالثنية من أعمال دمشق فانهزم ابن أبي الساج فاستبيح عسكره أسرا وقتلا ، وفي ذلك يقول البحتري :

و قد تدلت جيوش النصر منزلة

على جيوش أبي الجيش بن طولونا

يوم الثنية إذ ثنى بكرته

خمسين ألفا رجالا أو يزيدونا

قال ابن الأثير : لما انهزم ابن أبي الساج أحضر خمارويه ولده وكان رهينة عنده فخلع عليه وأطلقه وسيره إلى أبيه وعاد إلى مصر.

قال في زبدة الحلب : وكتب إلى ابن أبي الساج يوبخه ويقول له : كان يجب يا قليل المروءة والأمانة أن نصنع برهنك ما أوجبه غدرك ، معاذ الله أن تزر وازرة وزر أخرى. ورجع أبو الجيش خمارويه إلى مصر في سنة خمس وسبعين ومائتين ، ولهذه الوقائع زيادة تفصيل في ابن الأثير في حوادث سنة ٢٧٥ قال : قد ذكرنا اتفاق ابن أبي الساج على خمارويه ، فسمع خمارويه الخبر فسار من مصر في عساكره نحو الشام فقدم إليه آخر سنة أربع وسبعين ، فسار ابن أبي الساج إليه فالتقوا عند ثنية العقاب بقرب دمشق واقتتلوا في المحرم من هذه السنة وكان القتال بينهما ، فانهزمت ميمنة خمارويه وأحاط باقي عسكره بابن أبي

٢٠٥

الساج ومن معه فمضى منهزما واستبيح معسكره وأخذت الأثقال والدواب وجميع ما فيه ، وكان قد خلف بحمص شيئا كثيرا ، فسير إليه خمارويه قائدا في طائفة من العسكر جريدة فسبقوا ابن أبي الساج إليها ومنعوه من ثم منها إلى الرقة فتبعه خمارويه ففارق الرقة فعبر خمارويه الفرات وسار في أثر ابن أبي الساج فوصل خمارويه إلى مدينة بلد ، وكان قد سبقه ابن أبي الساج إلى الموصل ، فلما سمع ابن أبي الساج بوصوله إلى بلد سار عن الموصل إلى الحديثة ، وأقام خمارويه ببلد وعمل له سريرا طويل الأرجل فكان يجلس عليه في دجلة.

ذكر الحرب بين ابن كنداج وبين ابن أبي الساج

قال ابن الأثير : لما انهزم ابن كنداج من ابن أبي الساج كما ذكرناه ( أي في أول سنة ٢٧٤ ) أقام إلى أن انهزم ابن أبي الساج من خمارويه ، فلما وافى خمارويه بلدا أقام بها مع إسحق بن كنداج جيشا كثيرا وجماعة من القواد ورحل يطلب ابن أبي الساج ، فمضى بين يديه وابن كنداج يتبعه إلى تكريت ، فعبر ابن أبي الساج دجلة وأقام ابن كنداج وجمع السفن ليعمل جسرا يعبر عليه ، وكان يجري بين الطائفتين مراماة ، وكان ابن أبي الساج في نحو ألفي فارس وابن كنداج في عشرين ألفا ، فلما رأى ابن أبي الساج اجتماع السفن سار عن تكريت إلى الموصل ليلا فوصل إليها في اليوم الرابع فنزل بظاهرها عند الدير الأعلى ، وسار ابن كنداج يتبعه فوصل إلى الفريق ، فلما سمع ابن أبي الساج خبره سار إليه فالتقوا واقتتلوا عند قصر حرب فاشتد القتال بينهم وصبر ابن أبي الساج صبرا عظيما لأنه كان في قلة فنصره الله وانهزم ابن كنداج وجميع عسكره ومضى منهزما ، وكان أعظم الأسباب في هزيمته بغيه ، فإنه لما قيل له إن ابن أبي الساج قد أقبل نحوك من الموصل ليقاتلك قال : أستقبل الكلب ، فعد الناس هذا بغيا وخافوا منه ، فلما انهزم وسار إلى الرقة وتبعه محمد إليها وكتب إلى أبي أحمد الموفق يعرفه ما كان منه ويستأذنه في عبور الفرات إلى الشام بلاد خمارويه فكتب إليه الموفق يشكره ويأمره بالتوقف إلى أن يصله الأمداد من عنده ، وأما ابن كنداج فإنه سار إلى خمارويه فسير معه جيشا فوصلوا إلى الفرات ، فكان إسحق ابن كنداج على الشام وابن أبي الساج بالرقة ، ووكل بالفرات من يمنع من عبورها فبقوا كذلك مدة ، ثم إن ابن كنداج سير طائفة من عسكره فعبروا الفرات في غير ذلك الموضع وساروا

٢٠٦

فلم تشعر طائفة من عسكر ابن أبي الساج كانوا طليعة إلا وقد أوقعوا بهم ، فانهزموا من عسكر إسحق إلى الرقة ، فلما رأى ابن أبي الساج ذلك سار عن الرقة إلى الموصل ، فلما وصل إليها طلب من أهلها المساعدة بالمال وقال لهم : ليس بالمضطر مروءة ، فأقام بها نحو شهر وانحدر إلى بغداد فاتصل بأبي أحمد الموفق في ربيع الأول ست وسبعين ومائتين فاستصحبه معه إلى الجبل وخلع عليه ووصله بمال ، وأقام ابن كنداج بديار ربيعة وديار مضر من أرض الجزيرة. اه.

ولاية طغج بن جف من طرف خمارويه سنة ٢٧٦

قال في زبدة الحلب : بعد أن انهزم ابن أبي الساج ولحق بأبي أحمد الموفق وذلك في سنة ست وسبعين ومائتين ولى خمارويه على حلب غلام أبيه طغج بن جف والد الأخشيد أبي بكر محمد بن طغج.

سنة ٢٧٨

في هذه السنة توفي أبو أحمد الموفق بالله بن المتوكل وبويع ابنه أبو العباس بولاية العهد بعد المفوض ابن المعتمد ولقب المعتضد بالله.

سنة ٢٧٩

فيها في المحرم خرج المعتمد على الله وجلس للقواد والقضاة ووجوه الناس وأعلمهم أنه خلع ابنه المفوض إلى الله جعفر من ولاية العهد ، وجعل ولاية العهد للمعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الموفق ، وتوفي المعتمد في رجب من هذه السنة وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة وستة أشهر ، وكان في خلافته محكوما عليه قد تحكم عليه أخوه أبو أحمد الموفق وضيق عليه حتى إنه احتاج في بعض الأوقات إلى ثلثمائة دينار فلم يجدها ذلك الوقت فقال :

أليس من العجايب أن مثلي

يرى ما قل ممتنعا عليه

و تؤخذ باسمه الدنيا جميعا

و ما من ذاك شيء في يديه

٢٠٧

إليه تحمل الأموال طرا

و يمنع بعض ما يجبى إليه

قال المقريزي في الخطط : لما بويع المعتضد بالله أبو العباس أحمد بن الموفق بعث إليه خمارويه بالهدايا وقدم من الشام لست خلون من ربيع الأول سنة ثمانين ، فورد كتاب المعتضد بولاية خمارويه على مصر هو وولده ثلاثين سنة من الفرات إلى برقة وجعل له الصلات والخراج والقضاء وجميع الأعمال على أن يحمل في كل عام مائتي ألف دينار عما مضى وثلثمائة ألف للمستقبل ، ثم قدم رسول المعتضد بالخلع وهي اثنتا عشرة خلعة وسيف وتاج ووشاح مع خادم في رمضان ، وعقد المعتضد نكاح قطر الندى بنت خمارويه في سنة إحدى وثمانين.

قال في زبدة الحلب : لما بويع بالخلافة أبو العباس أحمد بن طلحة المعتضد بالله بايعه أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون وخطب له في عمله وسير إليه هدية سنية مع الحسين بن عبد الله الجصاص وطلب منه أن يزوج ابنته من علي ابن المعتضد ، فقال المعتضد : بل أنا أتزوجها ، فتزوجها وهي قطر الندى ، وقيل إنه دخل معها مائة هاون ذهب في جهازها وإن المعتضد دخل خزانتها وفيها من المناير والأباريق والطاسات وغير ذلك من الآنية الذهبية فقال : يا أهل مصر ما أكثر صفركم ، فقال له بعض القوم : يا أمير المؤمنين إنما هو ذهب ، وزفت إلى المعتضد مع صاحب أبيها الحسين بن عبد الله بن الجصاص فقال المعتضد لأصحابه : أكرمها بشمع العنبر. فوجد في خزانة الخليفة أربع شمعات من عنبر في أربعة أنوار فضة ، فلما كان وقت العشاء جاءت إليه وقدامها أربعماية وصيفة في يد كل واحدة منهن نور ذهب وفضة وفيه شمعة عنبر ، فقال المعتضد لأصحابه : أطفئوا شمعنا واسترونا ، وكانت إذا جاءت إليه أكرمها بأن يطرح لها مخدة ، فجاءت إليه يوما فلم يفعل ما كان يفعله بها فقالت : أعظم الله أجر أمير المؤمنين ، قال : فيمن ؟ قالت : في عبده خمارويه تعني أباها ، فقال : أو قد سمعت بموته ؟ قالت : لا ولكني لما رأيتك قد تركت إكرامي علمت أن أبي قد مات ، وكان خبره قد وصل إلى المعتضد فكتمه عنها فعاد إلى إكرامه لها بطرحه لها المخدة في كل الأوقات.

قال المقريزي في الخطط : وكان قتل خمارويه بدمشق سنة اثنتين وثمانين ومايتين على فراشه ذبحه جواريه وخدمه وحمل في صندوق إلى مصر وكان لدخول تابوته يوم عظيم.

٢٠٨

سنة ٢٨١

قال ابن الأثير : فيها دخل طغج بن جف طرسوس لغزو الصائفة من قبل خمارويه فبلغ طرابزون وفتح بلودية في جمادى الآخرة.

سنة ٢٨٢

قال في زبدة الحلب : فيها قتل خمارويه بدمشق وحلب في ولاية طغج بن جف من قبله ، وأظن أن قاضي حلب بعد أيام ابن طولون حفص بن عمر قاضي حلب ، وولي مكان خمارويه جيش بن خمارويه وطغج في حلب على حاله وعزل القواد جيش ابن خمارويه وولوا أخاه هارون بن خمارويه ، وبقيت حلب في ولاية طغج بن جف ، وسير إلى المعتضد رسولا يطلب منه إجراءه على عادة أبيه في البلاد التي كانت في ولايته فلم يفعل ، وسير رسولا إلى هارون فاستنزله عن حلب وقنسرين والعواصم ، وتسلم هارون مصر وبقية الشام واتفق الصلح مع المعتضد وهارون على ذلك في جمادى الأولى في سنة ست وثمانين ، وكان هارون قد ولى قضاء حلب وقنسرين أبا زرعة محمد بن عثمان الدمشقي فعزله المعتضد.

ترجمة طغج بن جف الفرغاني الأصل :

قال ابن خلكان في ترجمة محمد بن طغج : كان المعتصم بالله بن هارون الرشيد قد جلبوا إليه من فرغانة جماعة كثيرة ، فوصفوا له جف وغيره بالشجاعة والتقدم في الحروب ، فوجه المعتصم من أحضرهم ، فلما وصلوا إليه بالغ في إكرامهم وأقطعهم قطائع بسر من رأى ، قطائع جف إلى الآن معروفة هناك ، ولم يزل مقيما بها وجاءته الأولاد ، وتوفي جف ببغداد سنة سبع وأربعين ، فخرج أولاده إلى البلاد يتصرفون ويطلبون لهم معايش ، فاتصل طغج بن جف بلؤلؤ غلام بن طولون وهو إذا ذاك مقيم بديار مصر فاستخدمه على ديار مصر ، ثم انحاز طغج إلى جملة أصحاب إسحق بن كنداج فلم يزل معه إلى أن مات أحمد ابن طولون وجرى الصلح بين ولده أبي الجيش خمارويه المقدم ذكره وبين إسحق بن كنداج ، ونظر أبو الجيش إلى طغج بن جف في جملة أصحاب إسحق فأعجب به وأخذه من إسحق وقدمه على جميع من معه وقلده دمشق وطبرية ، ولم يزل معه إلى أن قتل أبو الجيش في تاريخه

٢٠٩

المقدم ذكره فرجع طغج إلى الخليفة المكتفي بالله فخلع عليه وعرف له ذلك. وكان وزير الخليفة يومئذ العباس بن الحسن فسام طغج أن يجري في التذلل له مجرى غيره ، فكبرت نفس طغج عن ذلك فأغرى به الملك المكتفي فقبض عليه وحبسه وابنه أبا بكر محمد بن طغج ، فتوفي طغج في السجن وبقي ولده أبو بكر بعده محبوسا مدة ثم أطلق وخلع عليه. ثم ساق ابن خلكان بقية ترجمة أبي بكر محمد بن طغج الذي لقب بالأخشيد وتملك مصر.

ولاية المكتفي بالله أبي محمد علي بن أحمد سنة ٢٨٦

قال ابن الأثير في حوادث سنة ٢٨٥ : فيها وجه هارون بن خمارويه إلى المعتمد ليسأله أن يقاطعه على ما في يده ويدنو به من مصر والشام ويسلم أعمال قنسرين إلى المعتضد ويحمل كل سنة أربعماية ألف وخمسين ألف دينار ، فأجابه إلى ذلك وسار من آمد واستخلف فيها ابنه المكتفي ووصل إلى قنسرين والعواصم فتسلمها من أصحاب هارون ، وكان ذلك سنة ست وثمانين ومائتين.

وقال في حوادث سنة ٢٨٦ : فيها سار المعتضد من آمد بعد أن ملكها إلى الرقة فولى ابنه عليا المكتفي قنسرين والعواصم والجزيرة.

ولاية إسحق بن علي الخراساني سنة ٢٨٦

قال في زبدة الحلب : لما ولي المكتفي بالله حلب وقنسرين في هذه السنة من قبل أبيه المعتضد ولى بحلب الحسن بن علي المعروف بكورة الخراساني وإليه ينسب دار كورة التي داخل باب الجنان بحلب والحمام المجاورة لها وقد خربت الآن ولم يبق لها أثر ، وكان كاتب علي بن المعتضد يومئذ الحسين بن عمرو النصراني فقلده النظر في هذه النواحي.

قال ابن الأثير تقلد الحسين بن عمرو الكاتب النصراني النظر في الأموال فقال الخليع في ذلك :

حسين بن عمرو عدو القرا

ن يصنع في العرب ما يصنع

٢١٠

يقوم لهيبته المسلمون

صفوفا لفرد إذا يطلع

فإن قيل قد أقبل الجاثليق

تحفّى له ومشى يظلع

قال في زبدة الحلب : وسار المعتضد في سنة ٢٨٧ خلف وصيف خادم ابن أبي الساج إلى الثغور إلى أن لحقه فضم الثغور أيضا إلى كورة وعاد إلى أنطاكية ووصيف معه ، ثم رحل إلى حلب فأقام بها يومين ، ووجد لوصيف بعد أسره في بستان بحلب مال كان دفنه وهو بها مع مولاه مبلغه ستة وخمسون ألف دينار فحمل إلى المعتضد.

ولاية أحمد بن سهل التوشجاني سنة ٢٨٩

ثم رحل المعتضد إلى بغداد فمات في شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين وتولى الخلافة ولده أبو محمد ولقب بالمكتفي ، فصرف الحسن بن علي كورة عن ولايته وولى أحمد بن سهل التوشجاني في جمادى الآخرة سنة تسع وثمانين ومايتين ثم صرف عنها.

ولاية أبي الأغر خليفة بن المبارك السلمي سنة ٢٩٠ ومحاربته للقرامطة

وولى حلب في هذه السنة أبا الأغر خليفة بن المبارك السلمي ووجهه إليها لمحاربة القرمطي صاحب الخال لعنه الله ، فإنه كان قد عاث في البلاد وغلب على حمص وحماة ومعرة النعمان وسلمية وقتل أهلها وسبى النساء والأطفال ، وقدم أبو الأغر في عشرة آلاف فارس فأنفذ القرمطي سرية فخرج أبو الأغر إلى وادي بطنان ، فلما استقر وافاه جيش القرمطي يقدمه المطوق غلامه وكبسهم وقتل عامة أصحابه وخادما جليلا يقال له بدر القدامي وسلم أبو الأغر في ألف رجل ، فصار إلى قرية من قرى حلب وخرج إليه ابنه في جماعة من الرجال والأولياء فدخل إلى حلب وأقام القرامطة على مدينة حلب على سبيل المحاصرة ، فلما كان يوم الجمعة سلخ شهر رمضان من سنة تسعين ومائتين تسرع أهل مدينة حلب إلى الخروج للقاء القرامطة فوقعت الحرب بين الفئتين ورزق الله الحلبيين النصر عليهم ، وخرج أبو الأغر فأعانهم فقتل من القرامطة خلق كثير ، وخرج أبو الأغر يوم عيد

٢١١

الفطر إلى المصلى وعيد بأهل حلب وخطب الخطيب وعادت الرعية على حال سلامة ، وأشرف أبو الأغر على القرامطة فلم يخرج منهم أحد إليه ، ثم إنهم رحلوا إلى صاحبهم في سنة ثلاثمائة.

ولاية عيسى غلام النوشري سنة ٢٩٠

ثم إن المكتفي عزل من حلب أبا الأغر وولى عيسى غلام النوشري ، وكان المكتفي قد صار إلى الرقة في سنة إحدى وتسعين ومائتين ، وكان وجه بمحمد بن سليمان صاحب الجيش إلى حلب والشام في عشرين ألف فارس وراجل لمحاربة الطولونية والقرامطة واستنقاذ مصر من الطولونية ، فقدم محمد بن سليمان حلب في أواخر شوال سنة تسعين والوالي بها على الحرب عيسى غلام النوشري فدخلها محمد في أحسن تعبئة وزين وأقام بها أياما وطالب عمال الخراج بحمل المال ، فقصده رؤساء بني تميم وبني كلاب ، فأمر عيسى والي حلب أن يستخلف على عمله ويشخص معه إلى مصر ، فامتثل أمره واستخلف على حلب ولده وأنفق في جنده ورحل في آخر شوال معه ، فلما وافى معرة النعمان خلع عليه وحمله وولاه بلدة هي من مدن ساحل بحر الشام بالقرب من جبلة إلى حدود حماة ، ولقيهم القرامطة بين تل بنش وكفر طاب في عشرة آلاف فارس ، فنصره الله عليهم وانهزموا وقتل الرجالة وأسر أكثر الخيالة ، وصار محمد بن سليمان إلى مصر وافتتحها من يد الطولونية عند قتل هارون ابن خمارويه واستولى على أموالها ، ثم ضم إلى طغج بن جف الطولوني أربعة آلاف رجل وولاه حلب وأخرجه عن مصر ، فلما صار إلى حلب وجد بها ابن الواثقي وقد أنفذه السلطان إلى حلب لعرض جيوش الواردين من مصر وذلك في سنة اثنتين وتسعين ومائتين ، فعرض ابن الواثقي جيشه لما وصل إلى حلب وأمره بالنفوذ إلى بغداد ، فرحل حتى وافى مدينة السلام ، وكذلك ورد جماعة من القواد الطولونية فعرضهم وتوجهوا إلى بغداد ، ووافى وصيف البكتمري وابن عيسى النوشري صاحب حلب بغداد يوم الاثنين لثلاثة عشر بقيت من شعبان سنة اثنتين وتسعين ومائتين ومعهما طغج وأخوه وابن لطغج فخلع عليهم وطوق منهم البكتمري وابن عيسى النوشري ، ثم شخص عيسى النوشري عن مصر إلى حلب لأنه واليها ، فلما كان بعد شخوصه إليها بأيام ورد كتاب العباس بن الحسن الوزير بتولية عيسى

٢١٢

النوشري مدينة مصر ويؤمر محمد بن سليمان بالشخوص إلى طرسوس للغزو فوجه محمد بن سليمان من لحق بالرملة فرده وورد إلى عيسى كتاب من السلطان فعاد واليا على مصر. وكانت وفاة عيسى سنة ٢٩٧.

ولاية أبي الحسن ذكا بن عبد الله أعور من سنة ٢٩٢ إلى سنة ٣٠٢

قال في زبدة الحلب : وولى المكتفي في هذه السنة أبا الحسن ذكا بن عبد الله الأعور حلب ودام بها إلى سنة اثنتين وثلاثمائة ، وكان كريما يهب ويعطي ، وإليه تنسب دار ذكا التي هي الآن دار الزكاة وإلى جانبها دار حاجبه فيروز فانهدمت وصارت تلا يعرف بتل فيروز ، فنسفه السلطان الملك الظاهر رحمه‌الله في أيامه وظهر فيه بقايا من الذخائر مثل الزئبق وغيره وهو موضع سوق الصاغة الآن ، ولأبي بكر الصنوبري الشاعر فيه مدائح كثيرة ، وعاد محمد بن سليمان إلى حلب ووافاه مبارك القمي بكتاب يؤمر فيه بتسليم الأموال ، وركب إليه ذكا الأعور صاحب حلب وأبو الأغر خليفة بن مبارك وغيرهما فاختلط بهم وسار معهم إلى المدينة فأدخلوه إلى الدار المعروفة بكورة بباب الجنان ووكلوا به في الدار ، وشخص ذكا عن حلب لمحاربة ابن الخلنجي مع أبي الأغر إلى مصر ووجه بمحمد ابن سليمان مقبوضا إلى بغداد.

سنة ٢٩٣

قال ابن الأثير : فيها أغارت الروم على قورس من أعمال حلب فقاتلهم أهلها قتالا شديدا ، ثم انهزموا وقتلوا أكثرهم وقتلوا رؤساء بني تميم ودخل الروم قورس فأحرقوا جامعها وساقوا من بقي من أهلها.

٢١٣

سنة ٢٩٥

فيها توفى أمير المؤمنين المكتفي بالله أبو محمد علي بن المعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الموفق المتوكل ، وكانت خلافته ست سنين وستة أشهر وولي الخلافة المقتدر بالله جعفر ابن المعتضد بالله.

قال في زبدة الحلب : فيها عاثت بنو تميم في بلد حلب وأفسدت فسادا عظيما وحاصروا ذكا بحلب ، فكتب المقتدر إلى الحسين بن حمدان في إنجاد ذكا بحلب ، فأسرى من الرحبة حتى أناخ عليهم بخناصرة وأسر منهم جماعة وانصرف ولم يجتمع بذكا ، ففي ذلك يقول شاعر من أهل الشام :

أصلح ما بين تميم وذكا

أبلج يشكي بالرماح من شكا

يدك بالجيش إذا ما سلكا

كأنه سليكة ابن السلكا

وكان وزير ذكا وكاتبه أبا الحسن محمد بن عمر بن يحيى النفري وإليه ينسب حمام النفري وهي الآن داثرة ، وداره هي المدرسة النفرية ومدحه الصنوبري الشاعر.

قال ابن الأثير : في هذه السنة خلع على الأمير أبي العباس بن المقتدر بالله وقلد أعمال مصر والمغرب وعمره أربع سنين واستخلف له على مصر مؤنس الخادم.

قال عريب بن سعد القرطبي في صلة تاريخ الطبري وهو مطبوع معه في آخره : في هذه السنة قلد أبو بكر محمد بن علي الماذرائي أعمال مصر والإشراف على أعمال الشام وتدبير الجيوش وخلع عليه وذلك في النصف من شهر رمضان. أقول : يظهر أنه قام بأمور مصر نيابة عن مؤنس الخادم بدليل ما يأتيك قريبا.

قال القرطبي : وفيها مات الحسن بن الحسن بن رجاء وكان يتقلد أعمال الخراج والضياع بحلب ، مات فجأة وحمل تابوته إلى مدينة السلام.

٢١٤

سنة ٣٠٢

قال القرطبي : لما استعمل أمر عبيد الله الشيعي القائم بالمغرب وقدم ولد عبيد الله الإسكندرية أنهض المقتدر مؤنسا الخادم وندب معه العساكر وكتب إلى عمال أجناد الشام بالمصير إلى مصر وكتب إلى ابن كيغلغ وذكا الأعور وأبي قابوس الخراساني باللحاق بتكين لمحاربته وخلع على مؤنس في شهر ربيع الأول سنة ٣٠٢ وخرج متوجها إلى مصر.

ولاية أحمد بن كيغلغ سنة ٣٠٢

قال في زبدة الحلب : لما قدم مؤنس الخادم إلى حلب عزل ذكا الأعور عن حلب وولاه دمشق ومصر وولى حلب الأمير أبا العباس أحمد بن كيغلغ. وتوفي ذكا الأعور الرومي بمصر سنة ٣٠٧ وكان على قضاء حلب سنة تسعين محمد بن محمد الخدوعي ، ثم ولي القضاء بحلب وقنسرين محمد بن أبي موسى الضرير الفقيه في سنة سبع وتسعين ومائتين وشخص إلى عمله لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر ، ثم صرف محمد بن أبي موسى عن قضاء حلب وقنسرين في سنة ثلاثمائة بأبي حفيص عمر بن الحسن بن نصر الحلبي القاضي ، وكانت داره بسوق السراجين ، وعزل أبو حفيص عن القضاء في حلب سنة اثنتين وثلاثمائة ووليها أبو عبد الله محمد بن عبدة بن حرب ، وتوفي عمر بن الحسن القاضي سنة سبع وثلاثمائة ، وكان محمد بن عبدة بن حرب قاضيا بها سنة خمس وثلاثمائة ، ثم تولى قضاء حلب وحمص إبراهيم بن جعفر بن جابر أبو إسحق الفقيه في سنة ست وثلاثمائة وولي الخراج من قبل المكتفي بحلب الحسن بن الحسن بن رجاء بن أبي الضحاك وتوفي بحلب في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثمائة فجأة. وولي الخراج بعده علي بن أحمد ابن بسطام والأنقاق عبد الله بن محمد بن سهل ثم توفي سنة اثنتين وثلاثمائة وتولى مكانه محمد بن الحسن بن علي الناظري.

وكان أبو العباس بن كيغلغ أديبا شاعرا جوادا ، وهو الذي مدحه المتنبي بقوله : [ كم قتيل كما قتلت شهيد ] ومن شعر الأمير أحمد بن كيغلغ قوله :

قلت له والجفون قرحى

قد أقرح الدمع ما يليها

٢١٥

ما لي في لوعتي شبيه

قال وأبصرت لي شبيها

وأورد له ابن خلكان في ترجمة محمد بن طغج قوله :

لا يكن للكاس في كفك يوم الغيث لبث

أ وما تعلم أن الغيث ساق مستحث

وقوله :

و اعطشا إلى فم

يمج خمرا من برد

إن قسم الناس فحس

بي بك من كل أحد

وقال ثمة : قد ذكره الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة مستقلة.

ولاية أبي قابوس محمود بن جك الخراساني سنة ٣٠٢

قال في زبدة الحلب : ثم ولى مؤنس حلب أبا قابوس محمود بن جك الخراساني ، وكان جبارا قاسيا منحرفا عن أهل البيت ، وقيل هو محمود بن حمل فدام واليا بها إلى سنة اثنتي عشرة وثلاثماية.

سنة ٣٠٥

قال ابن جرير : فيها في ربيع الآخر ورد الخبر بموت العباس ابن عمر الغنوي وكان عامل ديار مضر ومقيما بالرقة ، فحمل ما تخلف من المال والأثاث والكراع إلى المقتدر واضطرب بعد موته أمر ديار مضر فقلدها وصيف البكتمري فلم يظهر منه أثر يرضي فعزل وقلدها جنى الصفواني فضبطها.

ولاية وصيف البكتمري الخادم سنة ٣١٢

قال في زبدة الحلب : وكان مؤنس المظفر بالشام فاستدعي إلى بغداد لقتال القرمطي ، فسار إليها وولي حلب وصيف البكتمري الخادم سنة اثنتي عشرة وثلاثماية ثم عزله عنها سنة ست عشرة وثلاثمائة.

ولاية هلال بن بدر أبي الفتح سنة ٣١٦

قال في زبدة الحلب : لما عزل وصيف البكتمري سنة ٣١٦ ولي حلب هذه السنة

٢١٦

هلال بن بدر أبو الفتح غلام المعتضد وكان أمير دمشق قبل ذلك ، ثم عزل عن حلب وولي قطربل وسامرا سنة سبع عشرة.

ولاية وصيف البكتمري الثانية سنة ٣١٧

قال في زبدة الحلب : ثم وليها في هذه السنة وصيف ثانية ومات بحلب على ولايته يوم الثلاثاء لثمان خلون من ذي الحجة سنة سبع عشرة ، وقيل إن وفاته سنة خمس عشرة وثلاثمائة ، وكان كاتبه عبد الله والد أبي العباس أحمد بن عبد الله الشاعر المعروف بابن كاتب البكتمري.

ولاية أحمد بن كيغلغ سنة ٣١٨

قال في زبدة الحلب : ثم وليها الأمير أحمد بن كيغلغ ثانية إلى سنة ثمان عشرة وثلاثمائة.

ولاية طريف بن عبد الله سنة ٣١٩

قال في زبدة الحلب : ثم ولى مؤنس المظفر غلامه طريف بن عبد الله السبكري الخادم في سنة تسع عشرة وثلاثمائة ، وكان ظريفا شجاعا شهما ، وحاصر بني الفصيص في حصونهم باللاذقية وغيرها فحاربوه حربا شديدا حتى نفد جميع ما كان عندهم من القوت والماء ، فنزلوا على الأمان فوفى لهم وأكرمهم ودخلوا معه حلب مكرمين معظمين فأضيفت إليه حمص مع حلب.

أقول : وقد كان طريف موجودا في بغداد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة وتولى للقاهر بالله قبض مؤنس الخادم الذي لقب بالمظفر ، وقد بسط ابن الأثير في حوادث هذه السنة أسباب ذلك وكيفيته ، ثم إن القاهر قبض على طريف وحبسه وبقي محبوسا إلى أن خلع القاهر بالله في جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وولي الخلافة الراضي بالله.

٢١٧

ولاية بشرى الخادم سنة ٣٢٠ أو سنة ٣٢١

قال في زبدة الحلب : ثم ولى القاهر بالله بشرى الخادم دمشق وحلب وسار إلى حلب ثم إلى حمص فكسره محمد بن طغج وأسره وخنقه. ولم أقف على تاريخ ولايته أكانت سنة ٣٢٠ أو سنة ٣٢١ إلى رمضان منها أي إلى حين مجيء محمد بن طغج إلى حلب متوجها إلى مصر معينا واليا عاما عليها وعلى البلاد الشامية.

ولاية محمد بن طغج للمرة الأولى سنة ٣٢١

قال المقريزي في الخطط : ولي محمد بن طغج الفرغاني أبو بكر مصر من قبل القاهر بالله على الصلاة فورد كتابه لسبع خلون من رمضان سنة إحدى وعشرين ودعا له وهو بدمشق مدة اثنين وثلاثين يوما إلى أن قدم رسول أحمد بن كيغلغ بولايته الثانية على مصر.

ولاية طريف بن عبد الله السبكري سنة ٣٢٢ للمرة الثانية

قال ابن الأثير : لما ولي الخلافة الراضي بالله سنة ٣٢٢ استعمل طريفا على الفرات والثغور الجزرية والشامية وأجناد الشام وديار مصر يصرف من يرى ويستعمل من يرى في الخراج والمعادن والنفقات والبريد وغير ذلك.

ولاية بدر الخرشني سنة ٣٢٤ وولاية طريف في هذه السنة للمرة الثالثة

قال في زبدة الحلب : كان الراضي قد خاف على بدر الخرشني من الحجرية أن يفتكوا به فقلده حلب وأعمالها وهي بيد طريف سنة أربع وعشرين وأمره بالمسير من يومه ، فسار وبلغ طريفا فأنفذ صاحبا له إلى ابن مقلة [ الوزير في بغداد ] وبذل له عشرين ألف دينار ليجدد له العهد وأن لا يصرف عن حلب ، ووصل الخرشني فدافعه طريف رجاء أن

٢١٨

يقضي ابن مقلة وطره فزحف بدر الخرشني والتقى طريف في أرض حلب فانهزم طريف من بين يديه وتسلم بدر حلب وأقام بها مدة يسيرة ، ثم كوتب من الحضرة بالانصراف فرجع إلى الحضرة وقلد طريف حلب مرة ثالثة فقلد طريف من جهة حلب والعواصم فأقام بها إلى سنة أربع وعشرين وثلاثماية ، وكان قاضي حلب عبد الله بن عبد الرحمن بن أخي الإمام.

ولاية محمد بن طغج بن جف الملقب بالأخشيد

سنة ٣٢٤ على مصر والشام

قال ابن الأثير في حوادث سنة ٣٢٤ : في هذه السنة قلد الراضي بالله محمد بن طغج أعمال مصر مضافا إلى ما بيده من الشام وعزل أحمد بن كيغلغ عن مصر. وهذه ولايته الثانية ، لكن سيأتي في ترجمته المنقولة عن ابن خلكان أن ولايته للمرة الثانية كانت سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة ، ودخل مصر لسبع بقين من شهر رمضان المعظم من هذه السنة ، ومثله في الخطط للمقريزي والله أعلم.

ولاية أحمد بن سعيد بن العباس الكلابي

قال في زبدة الحلب : ثم ولي حلب أبو العباس أحمد بن سعيد بن العباس الكلابي ومدحه أبو بكر الصنوبري وكان بها نائبا عن أبي بكر الأخشيد محمد بن طغج بن جف في غالب ظني ، فإن الأخشيد استولى على الشام إلى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ، وفي ولاية أبي العباس الكلابي وردت بنو كلاب إلى الشام من أرض نجد وأغارت على معرة النعمان فخرج إليهم والي المعرة معاذ بن سعيد بجنده وتبعهم إلى البراغيثي فعطفوا عليه وأسروه وأكثر جنده وأقام فيهم مدة يعذبونه ، فخرج إليهم أبو العباس أحمد بن سعيد الكلابي والي حلب فخلصه منهم ، وكان ورودهم في سنة خمس وعشرين وثلاثماية.

ولاية محمد بن رايق سنة ٣٢٧

قال ابن الأثير : فيها قلد الراضي بالله محمد بن رائق طريق الفرات وديار مضر حران والرها وما جاورها وجند قنسرين والعواصم ، فأجاب ابن رائق وسار عن بغداد إلى ولايته.

٢١٩

قال في زبدة الحلب : وكان مسيره من بغداد في شهر ربيع الآخر سنة سبع وعشرين وثلاثمائة.

ولاية محمد بن يزداذ سنة ٣٢٨ نيابة عن ابن رائق

قال في زبدة الحلب : دخل ابن رائق حلب في سنة ثمان وعشرين وسار عنها إلى قتال محمد بن طغج بن جف الفرغاني وولى حلب نيابة عنه خاصة محمد بن يزداذ.

قال ابن الأثير : لما دخل ابن رائق الشام قصد مدينة حمص فملكها ثم سار منها إلى دمشق وبها بدر بن عبد الله الأخشيدي المعروف ببدير واليا عليها للأخشيد ، فأخرجه ابن رائق منها وملكها وسار منها إلى الرملة فملكها وسار إلى عريش مصر يريد الديار المصرية ، فلقيه الأخشيد محمد بن طغج وحاربه فانهزم الأخشيد ، فاشتغل أصحاب بن رائق بالنهب ونزلوا في خيم أصحاب الأخشيد فخرج عليهم كمين للأخشيد فأوقع بهم وهزمهم وفرقهم ونجا ابن رائق في سبعين رجلا ووصل إلى دمشق على أقبح صورة ، فسير إليه الأخشيد أخاه أبا نصر بن طغج في جيش كثيف ، فلما سمع بهم ابن رائق سار إليهم من دمشق فالتقوا باللجون رابع ذي الحجة فانهزم عسكر أبي نصر وقتل هو ، فأخذه ابن رائق وكفنه وحمله لأخيه الأخشيد وهو بمصر وأنفذ معه ابنه مزاحم بن محمد بن رائق وكتب إلى الأخشيد كتابا يعزيه عن أخيه ويعتذر مما جرى ويحلف أنه ما أراد قتله وأنه قد أنفذ ابنه ليفديه به إن أحب ، فتلقى الأخشيد مزاحما بالجميل وخلع عليه ورده إلى أبيه واصطلحا على أن يكون الرملة وما وراءها إلى مصر للأخشيد وباقي الشام لمحمد بن رائق ويحمل إليه الأخشيد عن الرملة كل سنة مائة ألف وأربعين ألف دينار اه. وفي هذه السنة قتل طريف السبكري.

سنة ٣٢٩

فيها توفي الراضي بالله أبو العباس أحمد بن المقتدر منتصف ربيع الأول ، وكانت خلافته ست سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام ، وكان عمرة اثنتين وثلاثين سنة وشهورا. وولي الخلافة المتقي لله. وفيها عاد أبو بكر محمد بن رائق من الشام إلى بغداد وصار أمير الأمراء.

٢٢٠