إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ١

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ١

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٠

وحارب الخوارج وقدم نيسابور سنة خمس عشرة ومائتين وكان المطر قد انقطع عنها تلك السنة ، فلما دخلها مطرت مطرا كثيرا فقام إليه رجل بزاز من حانوته وأنشد :

قد قحط الناس في زمانهم

حتى إذا جئت جئت بالدرر

غيثان في ساعة لنا قدما

فمرحبا بالأمير والمطر

ونقل عن الطبري أن المأمون لما مات طاهر بن الحسين كان ولده عبد الله بالرقة على محاربة نصر بن شبث ولاه عمل أبيه كله وجمع له مع ذلك الشام ، فوجه عبد الله أخاه طلحة إلى خراسان ، ثم قال : وكان عبد الله المذكور أديبا ظريفا جيد الغناء نسب إليه صاحب الأغاني أصواتا كثيرة وأحسن فيها ونقلها أهل الصنعة منه ، وله شعر مليح ورسائل ظريفة ، فمن شعره قوله :

نحن قوم تليننا الحدق النج

ل على أننا نلين الحديدا

طوع أيدي الظباء تقتادنا ال

عين ونقتاد بالطعان الأسودا

نملك الصيد ثم تملكنا البي

ض المصونات أعينا وخدودا

تتقي سخطنا الأسود ونخشى

سخط الخشف حين يبدي الصدودا

فترانا يوم الكريهة أحرا

را وفي السلم للغواني عبيدا

ومن مشهور شعره قوله :

اغتفر زلتي لتحرز فضل الشك

ر مني ولا يفوتك أجري

لا تكلني إلى التوسل بالعذ

ر لعلي أن لا أقوم بعذري

ومن كلامه : سمن الكيس ونبل الذكر لا يجتمعان في موضع واحد ، ثم قال : وكان دخول عبد الله إلى مصر سنة إحدى عشرة ومايتين وخرج منها في أواخر هذه السنة فدخل بغداد في ذي القعدة منها ، واستمر نوابه بمصر وعزل عنها في سنة ثلاث عشرة ومايتين.

ولاية العباس بن المأمون سنة ٢١٣

قال ابن الأثير في حوادثها : فيها ولى المأمون ابنه العباس الجزيرة والثغور والعواصم وولى أخاه أبا إسحاق المعتصم الشام ومصر ، وأمر لكل واحد منهما ولعبد الله بن طاهر

١٨١

[ لأنه ولاه خراسان كما تقدم في ترجمته ] بخمسمائة ألف درهم ، قيل لم يفرق في يوم من المال مثل ذلك.

ولاية إسحاق بن إبراهيم زريق سنة ٢١٤

وولاية العباس بن المأمون في السنة المذكورة مرة ثانية

قال في زبدة الحلب : ثم ولى المأمون إسحق بن إبراهيم بن مصعب وعزل ابنه العباس في سنة أربع عشرة ومائتين ، ثم إن المأمون عزل إسحق بن إبراهيم في السنة وولاه مصر وأعاد ابنه العباس إليها ثانية ، ثم ولى المأمون حلب وقنسرين ورقة الطريفي وأظنه مع العباس.

ترجمة العباس بن المأمون :

قال في مختصر الذهبي : العباس بن المأمون عبد الله بن الرشيد الهاشمي الأمير أحد من ذكر للخلافة عند وفاة أبيه ، وقد تلكأ عند مبايعة المعتصم وهم بالخروج عليه في سنة ثلاث وعشرين ، فقبض عليه المعتصم ومات شابا في سنة أربع وعشرين ومايتين اه.

وقد بسط ابن الأثير في حوادث سنة ٢٢٣ الكلام على محاولة خروجه على المعتصم والقبض عليه وعلى من هم بالخروج معه فراجعه إن أحببت.

وقال ابن شاكر في عيون التواريخ في حوادث سنة ٢٢٣ : فيها توفي العباس بن المأمون بن هارون الرشيد ، توفي بمنبج ، وكان سبب موته أن عمه المعتصم كان قد غضب عليه كما ذكرنا واعتقله ، فلما بلغ إلى منبج نزل بها وكان العباس جائعا فسأل الطعام فقدم إليه طعاما كثيرا فأكل ، فلما طلب الماء منع منه وأدرج في مسح فمات بمنبج وصلى عليه بعض أخوته ومن كان معه ، والعباس هذا الذي رأى في يد إبراهيم بن المهدي بين يدي المعتصم خاتما استحسن فصه فقال : ما رأيت مثله ، فقال إبراهيم بن المهدي هذا الخاتم رهنته في أيام أبيك وافتككته في أيام أمير المؤمنين ، فقال : إن لم تشكر لأبي حقن دمك لم تشكر لأمير المؤمنين افتكاك خاتمك. وقيل إنه لما مات العباس جزع عليه المعتصم جزعا

١٨٢

شديدا وندم على ما كان منه وأمر أن لا يحجب عنه الناس لتعزية ، فدخل فيمن دخل أعرابي فقال :

اصبر نكن لك تابعين فإنما

صبر الجميع بحسن صبر الراس

خير من العباس أجرك بعده

و الله خير منك للعباس

ترجمة إسحاق بن إبراهيم بن مصعب :

قال في مختصر الذهبي : إسحق بن إبراهيم بن مصعب الخزاعي الأمير ابن عم طاهر ابن الحسين الأمير ، وكان يعرف بصاحب الجسر ، ولي إمرة بغداد مدة طويلة أكثر من ثلاثين سنة وعلى يده امتحن العلماء بأمر المأمون وأكرهوا على القول بخلق القرآن ، وكان خبيرا صارما سائسا حازما وافر العقل جوادا ممدحا له مشاركة في العلم ، حكى المسعودي قال : حدث عنه موسى بن صالح بن شيخ بن عميرة أنه رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول له في النوم : أطلق القاتل ، فارتاع وأمر بإحضار السندي وعباس ، فسألهما : هل عندكما من قتل ؟ فقال عباس : نعم ، وأحضر رجلا فقال : إن صدقتني أطلقتك ، فابتدأ يحدثه بخبره فذكر أنه هو وجماعة كانوا يفعلون فلما كان أمس جاءتهم عجوز تختلف إليهم للفساد فجاءتهم بصبية بارعة بالجمال ، فلما توسطت الدار صرخت صرخة وغشي عليها فبادرت إليها وأدخلتها بيتا وسكنت روعها فقالت : الله الله فيّ يا فتيان خدعتني هذه وأخذتني بزعمها إلى عرس وهجمت بي عليكم وجدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمي فاطمة فاحفظوهما فيّ ، فخرجت إلى أصحابي فعرفتهم فقالوا : بل قضيت أربك ، فبادروا إليها فحلت بينهم وبينها إلى أن تفاقم الأمر ونالتني جراح ، فعمدت إلى أشدهم في أمرها فقتلته وأخرجتها فقالت : سترك الله كما سترتني ، فدخل الجيران وأخذت فأطلقه إسحق ، توفي سنة خمس وثلاثين ومائتين. اه.

سنة ٢١٥

قال ابن الأثير : في هذه السنة سار المأمون إلى الروم في المحرم ، وكان سيره عن طريق الموصل حتى صار إلى منبج ثم إلى دابق ثم إلى أنطاكية ثم إلى المصيصة وطرسوس

١٨٣

ودخل منها إلى بلاد الروم في جمادى الأولى ، ودخل ابنه العباس من ملطية فأقام المأمون على حصن قرة افتتحه عنوة وهدمه وفتح قبله حصن ماجدة بالأمان ووجه أشناس إلى حصن سندس فأتاه برئيسه ، ووجه عجيفا وجعفر الخياط إلى صاحب حصن ستاذ فسمع وأطاع.

ولاية عيسى بن علي بن صالح الهاشمي سنة ٢١٥

قال في زبدة الحلب : لما قدم المأمون حلب للغزاة ونزل بدابق في سنة خمس عشرة ومايتين لقيه عيسى بن صالح الهاشمي فقال له : يا أمير المؤمنين أبلينا في أعدائنا في الفتنة وفي أيامك ، فقال : لا ولا كرامة ، فصرف ورقة وولى عيسى بن صالح نيابة عن ولده العباس فيما أرى فوجد عنده من الكفاية والضبط وحسن السيرة ما أراد فقدمه وكبر عنده وأحبه ، وكان المأمون كلما غزا الصائفة لقيه عيسى بن علي بالرقة ولا يزال معه حتى يدخل الثغور ، ثم يرد عيسى إلى عمله ، وولى المأمون في سنة خمس عشرة ومايتين قضاء حلب عبيد بن جناد بن أعين مولى بني كلاب فامتنع من ذلك فهددوه على الامتناع فأبى.

ولاية عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل بن صالح سنة ٢١٨

قال ابن جرير : في هذه السنة شخص المأمون من سلفوس إلى الرقة وقتل بها ابن أخت الداري وأمر بتفريغ الرافقة لينزلها حشمه ، فضج من ذلك أهلها فأعفاهم.

قال في زبدة الحلب : في هذه السنة ولى المأمون عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل ابن صالح لما غزا الصائفة.

وفي هذه السنة توفي المأمون وولي أبو إسحق المعتصم واسمه محمد سنة ٢٢٣.

قال في زبدة الحلب : في هذه السنة ولى المعتصم حلب وقنسرين حربها وخراجها وضياعها عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل بن علي الهاشمي.

ولاية أشناس التركي من سنة ٢٢٥ إلى سنة ٢٣٠

قال في زبدة الحلب : ثم إن المعتصم ولى أشناس التركي الشام جميعه والجزيرة ومصر.

١٨٤

سنة ٢٢٧

فيها توفي المعتصم وولي الخلافة هارون الواثق أبو جعفر.

قال ابن جرير : توج الواثق أشناس وألبسه وشاحين بالجوهر. قال في زبدة الحلب وأظن أن أشناس بقي في ولايته إلى أن مات سنة ثلاثين ومايتين في أيام الواثق.

ولاية عبيد الله بن عبد العزيز مرة ثانية سنة ٢٣٠

قال في زبدة الحلب : وولى الواثق بعد موت أشناس عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل بن صالح الهاشمي حلب وقنسرين حربها وخراجها وضياعها ، وأظنه كان متوليا في أيام المعتصم من جهة أشناس فأقره الواثق على ولايته.

ولاية محمد بن صالح بن عبد الله بن صالح سنة ٢٣٠

قال في زبدة الحلب : وولى الواثق قنسرين وحلب والعواصم بعد عبد الله محمد بن صالح بن عبد الله بن صالح ، فكانت سيرته غير محمودة ، وكان أحمر أشقر فلقب سماقة لشدة حمرته ، ويقال إنه أول من أظهر البرطيل بالشام وأوقع عليه هذا الاسم وكان لا يعرف قبل ذلك إلا الرشوة على غير إكراه ، وكان أكثر الناس سكوتا وأطولهم صمتا لا يكاد يسمع له كلام في أمر يأمر به أو قول يجيب عنه ، وكان قاضي حلب في أيامه أبا سعيد عبيد بن جناد الحلبي ، توفى سنة إحدى وثلاثين ومايتين ، وكان المأمون ولاه قضاء حلب وله يقول بن هوبر الكلبي من قصيدة يغض منه ، أولها :

لا درّ در زمانك المتنكس

الجاعل الأذناب فوق الأرؤس

ما أنت إلا نعمة في نقمة

أو أصل شوك في حديقة نرجس

يا قبلة ذهبت ضياعا في يد

ضرب الإله بنانها بالنقرس

من سر أبطح مكة آباؤه

و جدوده وكأنه من قبرس

وهذا عمر كان من معراتا البريدية من ضياع معرة النعمان وولي في أيام المتوكل معرة مصرين وقتل بها.

١٨٥

الزلازل بأنطاكية في هذه السنين

قال الجلال السيوطي في كتاب الصلصلة في الزلزلة : في سنة ٢٢٠ زلزلت الأرض ودامت أربعين يوما وتهدمت أنطاكية ، وفي سنة ٢٣٠ حصلت زلزلة بدمشق وامتدت إلى أنطاكية فهدمتها واتصلت بالجزيرة والموصل وكان أشدها بأنطاكية والعواصم.

ولاية أحمد بن سعد بن مسلم بن قتيبة

وولاية نصر بن حمزة الخزاعي سنة ٢٣١

قال ابن الأثير : فيها كان الفداء بين المسلمين والروم ، واجتمع المسلمون فيها على نهر اللامس على مسيرة يوم من طرسوس ، واشتى الواثق من بغداد وغيرها من الروم ، وعقد الواثق لأحمد بن سعيد بن مسلم بن قتيبة الباهلي على الثغور والعواصم وأمره بحضور الفداء هو وخاقان الخادم وأمرهما أن يمتحنا أسرى المسلمين ، فمن قال القرآن مخلوق وأن الله لا يرى في الآخرة نودي به وأعطي دينارا ، ومن لم يقل ذلك ترك في أيدي الروم ، فلما كان في عاشوراء سنة إحدى وثلاثين اجتمع المسلمون ومن معهم من الأسرى على النهر وأتت الروم ومن معهم من الأسرى ، وكان النهر بين الطائفتين فكان المسلمون يطلقون الأسير فيطلق الروم الأسير من المسلمين فيلتقيان في وسط النهر ويأتي كل أصحابه ، فإذا وصل الأسير إلى المسلمين كبروا وإذا وصل الأسير إلى الروم صاحوا حتى فرغوا ، وكان عدة أسرى المسلمين أربعة آلاف وأربعمائة وستين نفسا والنساء والصبيان ثمانمائة وأهل ذمة المسلمين مائة نفس ، وكان النهر مخاضة تعبره الأسرى ، وقيل بل كان عليه جسر ، ولما فرغوا من الفداء غزا أحمد بن سعيد بن مسلم الباهلي شاتيا فأصاب الناس ثلج ومطر فمات منهم مائتا نفس وأسر نحوهم وغرق بالبدندون خلق كثير ، فوجد الواثق على أحمد وكان قد جاء إلى أحمد بطريق من الروم ينذره فقال وجوه الناس لأحمد : إن عسكرا فيه سبعة آلاف لا تتخوف عليه فإن كنت كذلك فواجه القوم واطرق بلادهم ، ففعل وغنم نحوا من ألف بقرة وعشرة آلاف شاة وخرج فعزله الواثق واستعمل مكانه نصر بن حمزة الخزاعي في جمادى الأولى ، وفي سنة ٢٣٢ توفي الواثق وولي الخلافة المتوكل على الله جعفر بن المعتصم.

١٨٦

ولاية علي بن إسماعيل بن صالح بن علي سنة ٢٣٢

قال في زبدة الحلب : وولى الشارباميان في أول أيام المتوكل على حلب وقنسرين والعواصم واليين أنا ذاكرهما ، وكان الشارباميان أحد قواد المتوكل وكان خصيصا عنده ، فإما أن يكون المتوكل ولاه جند قنسرين والعواصم أو أنه كان السلطان في أيام المتوكل فكان أمر الولاية إليه ، فإنني قرأت في كتاب نسب بني صالح بن علي قال : وولى الشارباميان جند قنسرين والعواصم علي بن إسماعيل بن صالح بن علي أبا طالب ، وإنما أراد أن يتزين به عند المتوكل فامتنع من قبول ولايته فأعلمه إن لم يفعل كتب فيه إلى الخليفة ، فقبلها وأقام على ولاية جند قنسرين والعواصم حتى مات ، فكانت أيامه أحسن أيام وسيرته أجمل سيرة ، وكان علي بن إسماعيل إذا خرج إلى العواصم استخلف ابنه محمد بن علي على قنسرين وحلب فلا يفقد من أبيه شيئا. قال وولي الشارباميان إلخ ما يأتي.

ولاية عيسى بن عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل

ابن صالح بن علي الهاشمي سنة ٢٣٢

قال في زبدة الحلب : وولى الشارباميان جند قنسرين والعواصم عيسى بن عبيد الله ابن عبد العزيز بن الفضل بن صالح بن علي الهاشمي.

ولاية طاهر بن محمد بن إسماعيل

قال في زبدة الحلب ناقلا عن كتاب نسب بني صالح : وولى المتوكل طاهر بن محمد ابن إسماعيل بن صالح على المظالم بجند قنسرين والعواصم والنظر في أمور العمال ، وجاءته الولاية منه فألفاه الرسول في مرضه الذي مات فيه. ولم يظهر لي في أي سنة كانت ولايته.

ولاية المنتصر بن المتوكل سنة ٢٣٥

قال ابن الأثير : في هذه السنة عقد المتوكل البيعة لبنيه الثلاثة بولاية العهد وهم محمد

١٨٧

ولقبه المنتصر بالله وعبد الله ولقبه المعتز بالله وإبراهيم ولقبه المؤيد بالله ، ثم قال : فأما المنتصر فأقطعه إفريقية والمغرب كله والعواصم وقنسرين والثغور جميعها الشامية الجزرية وديار مضر وديار ربيعة والموصل وهيت وعانة والأنبار والخابور وكور باجرمي وكور دجلة وطساسيج السواد جميعها والحرمين واليمن وحضرموت واليمامة والبحرين والسند ومكران وقندابيل وفرج بيت الذهب وكور الأهواز والمستغلات بسامرا وماه الكوفة وماه البصرة وماه سبذان ومهر جانقذق وشهرزور والصامغان وإصبهان وقم وقاشان والجبل جميعه وصدقات العرب بالبصرة.

قال في زبدة الحلب : فاستمر في الولاية إلى أن قتل أباه وكانت الولاة من قبله.

اه.

ولاية بغا الكبير سنة ٢٣٥

قال في زبدة الحلب : وأظن أن نائب المنتصر في جند قنسرين في حياة المتوكل كان بغا الكبير ، فلما قتل المتوكل وفد بغا عليه. وكان قتل المتوكل سنة ٢٤٧.

سنة ٢٤٢

قال في زبدة الحلب : وفي أيام ولاية المنتصر حلب في سنة اثنتين وأربعين ومائتين وقع طائر دون الرخمة وفوق الغراب على دلبة بحلب لسبع مضين من رمضان فصاح : يا معشر الناس الله الله ، حتى صاح أربعين صوتا ، ثم طار وجاء من الغد فصاح أربعين صوتا ، وكتب صاحب البريد بذلك وأشهد خمسماية إنسان سمعوه ، ولا يبعد عندي أن تكون الدلبة التي ينسب إليها رأس الدلبة.

أقول : تقدم في الكلام على ولاية إسماعيل بن صالح سنة ١٨٢ أن الرشيد أقطعه ما كان له بحلب في سوقها وهي الحوانيت التي بين باب أنطاكية إلى رأس الدلبة.

سنة ٢٤٤

[ ذكر نقل مركز الخلافة من بغداد إلى الشام مدة شهرين ]

قال أبو الفدا في تاريخه : في هذه السنة وصل المتوكل إلى دمشق ودخلها في صفر وعزم على المقام بها ونقل دواوين الملك إليها ، فقال يزيد بن محمد المهلبي :

١٨٨

أظن الشام يشمت بالعراق

إذا عزم الإمام على انطلاق

فإن تدع العراق وساكنيه

فقد تبكي المليحة بالطلاق

ثم استوبأ المتوكل دمشق واستثقل ماءها فرجع سامرا ، وكان مقامه بدمشق شهرين وأياما. اه.

وقال الجاحظ في كتابه المحاسن والأضداد ( صحيفة ١٠٢ ) : حدثنا ثعلب عن الفتح بن خاقان قال : لما خرج المتوكل إلى دمشق كنت عديله ، فلما صرنا بقنسرين قطعت بنو سليم على التجار فأنهى ذلك إليه فوجه قائدا من وجوه قواده إليهم فحاصرهم ، فلما قربنا من القوم إذا نحن بجارية ذات جمال وهيئة وهي تقول :

أمير المؤمنين سما إلينا

سمو البدر مال به الغريف

فإن نسلم فعفو الله نرجو

و إن نقتل فقاتلنا شريف

فقال لها المتوكل : أحسنت ، ما جزاؤها يا فتح ، قلت : العفو والصلة ، فأمر لها بعشرة آلاف درهم وقال لها : مري إلى قومك وقولي لهم : لا تردوا المال على التجار فإني أعوضهم عنه. اه.

أقول : كان على المتوكل أن يجازي هؤلاء المسيئين على إساءتهم وتلك المحسنة على إحسانها ويرد على التجار عين أموالهم.

سنة ٢٤٥

قال ابن جرير : وفيها زلزلت بالس ( مسكنة ) والرقة وحران ورأس عين وحمص ودمشق والرها وطرسوس والمصيصة وأدنة وسواحل الشام ورجفت اللاذقية فما بقي منها منزل ولا أفلت من أهلها إلا اليسير ، وذهبت جبلة بأهلها.

قال الجلال السيوطي في كتاب الصلصلة في الزلزلة : وفي سنة ٢٤٥ عمت الزلازل الدنيا وسقط من أنطاكية جبل في البحر وسقط منها ١٥٠٠ دار ومن سورها نيف وسبعون برجا. اه.

سنة ٢٤٧

فيها قتل المتوكل وولي الخلافة المنتصر بالله واسمه محمد.

١٨٩

ولاية وصيف التركي سنة ٢٤٥

قال ابن الأثير : في هذه السنة أغزى المنتصر وصيفا التركي إلى بلاد الروم ، ثم ساق السبب في ذلك إلى أن قال : ولما سار وصيف كتب إليه المنتصر يأمره بالمقام بالثغر أربع سنين يغزو في أوقات ومنها إلى أن يأتيه أمره.

وفيها توفي المنتصر بالله وولي الخلافة المستعين بالله واسمه أحمد بن محمد بن المعتصم.

ترجمة وصيف التركي :

قال الذهبي : وصيف القائد من كبار الأمراء ، استولى على المعتز واحتجر عليه واصطفى لنفسه الأموال والذخائر ، فسعت الفراعنة والاسترو شنية وطالبوا بالأرزاق فخرج إليهم وصيف وبغا وسيما الشرابي وجماعة من الخواص فقال لهم وصيف : ما لكم عندنا إلا التراب وما عندنا مال ، وقال بغا : نسأل أمير المؤمنين لكم ، ثم خرج هو وسيما إلى سامرا يستأذن المعتز فبقي وصيف في طائفة يسيرة فوثبوا عليه فقتلوه بالدبابيس وقطعوا رأسه ونصبوا الرأس على رمح. ولوصيف حكاية معروفة ، فإنه لما دخل إلى قم سأل عن رجل خامل فلما أحضر ذكر أنه كان اشتراه ورباه وأحسن إليه فقال : ما أعرف الأمير أيده الله إلا أميرا ، فأعجبه ذلك وبالغ في صلته وصيره من رؤساء البلد.

قتل في سنة ثلاث وخمسين ومائتين قبل بغا بيسير وكان الفاتقة والراتقة زمن المتوكل والمستعين والمعتز. اه.

ولاية موسى بن بغا سنة ٢٥٠

قال في زبدة الحلب : وولى المستعين في سنة خمسين ومايتين قنسرين وحلب وحمص موسى بن بغا وتوجه إليها حين عاث أهل حمص على الفضل بن قارن.

قال ابن جرير : وفيها وثب أهل حمص وقوم من كلب رجل يقال عطيف بن نعمة الكلبي بالفضل بن قارن أخي مازيار بن قارن وهو يومئذ عامل السلطان على حمص فقتلوه

١٩٠

في رجب ، فوجه المستعين إليهم موسى بن بغا الكبير فشخص موسى من سامرا يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان ، فلما قرب موسى تلقاه أهلها فيما بينها وبين الرستن فحاربهم فهزمهم وافتتح حمص وقتل من أهلها مقتلة عظيمة وأحرقها وأسر جماعة من رؤساء أهلها وكان عطيف قد لحق بالبدو. اه.

ترجمته :

قال الذهبي : موسى بن بغا الكبير أحد قواد المتوكل ، ندب سنة خمسين ومائتين لحرب أهل حمص حين قاتلوا واليهم فأوقع بهم وقتل منهم خلقا وولي الثوار في حمص وبالغ في العسف ، ثم ولي حرب الزنج بالبصرة فنصر عليهم وولي حرب الحسن بن أحمد الكوكبي الحسني الذي استولى على قزوين وزنجان فهزمه موسى وقتل من عسكر الكوكبي نحو العشرة آلاف ، توفي سنة أربع وستين. اه.

ولاية أبي تمام ميمون بن سليمان بن عبد الملك

ابن صالح سنة ٢٥١

قال في زبدة الحلب : ثم ولي حلب والعواصم أبو تمام ميمون بن سليمان بن عبد الملك بن صالح في أيام المستعين ، وكانت له حركة وبأس في فتنة المستعين ، وعصى أهل حلب وأقاموا على الوفاء للمستعين ببيعتهم.

ولاية أحمد المولد ثم الحسين بن محمد بن صالح الهاشمي

سنة ٢٥٢

قال ابن جرير : في هذه السنة خلع المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم نفسه من الخلافة وبويع للمعتز محمد بن جعفر المتوكل بن محمد المعتصم.

قال في زبدة الحلب : لما عصى أهل حلب وأقاموا على الوفاء للمستعين ببيعتهم قدم عليهم أحمد المولد محاصرا لهم فلم يجيبوه إلى ما أراد من البيعة للمعتز ، وكان السفير بينه

١٩١

وبينهم الحسين بن محمد بن صالح بن عبد الله بن صالح بن أبي عبد الله الهاشمي ، فلما بايعوا بعد ذلك للمعتز وانقضى أمر المستعين ولاه أحمد المولد جند قنسرين وحلب في سنة اثنتين وخمسين ومائتين فأقام بها مدة يسيرة ثم انصرف إلى سلمية أعني الحسين بن محمد ، وقيل ولى حلب وقنسرين والعواصم صالح بن عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل بن صالح في فتنة المستعين وكان له سعي وتقدم ورياسة.

ولاية أبي تمام ميمون بن سليمان بن عبد الملك بن صالح سنة ٢٥٣

قال في زبدة الحلب : ثم ولي بعد أبي تمام صالح بن عبيد الله أبو تمام ميمون بن سليمان بن عبد الملك بن صالح ، وهذه ولاية ثانية له ، ومات بالرقة.

ولاية صالح بن عبد الله مرة ثانية سنة ٢٥٣

قال في زبدة الحلب : ثم ولي بعد أبي تمام صالح بن عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل بن صالح الهاشمي وانقضت ولاية بني صالح الهاشميين. اه.

ولاية ديوداد سنة ٢٥٤

قال ابن جرير : فيها عقد صالح بن وصيف ( من كبار قواد بغداد ) لديوداد على ديار مصر وقنسرين والعواصم في ربيع الأول منها. اه.

قال في زبدة الحلب : وبقي واليا إلى أن تغلب أحمد بن عيسى بن شيخ على الشام في أيام المهتدي.

ذكر مبدأ حال أحمد بن طولون

قال ابن الأثير : في حوادث هذه السنة ، كانت ديار مصر قد أقطعها بابكيال وهو من أكابر قواد الأتراك ، وكان مقيما بالحضرة واستخلف بها من ينوب عنه بها ، وكان طولون والد أحمد بن طولون أيضا من الأتراك ، وقد نشأ هو بعد والده على طريقة مستقيمة وسيرة

١٩٢

حسنة فالتمس بابكيال من يستخلفه بمصر فأشير عليه بأحمد بن طولون لما ظهر عنه من حسن السيرة ، فولاه وسيره إليها وكان بها ابن المدبر على الخراج ، وقد تحكم في البلد ، فلما قدمها أحمد كف يد ابن المدبر واستولى على البلد ، وكان بابكيال قد استعمل أحمد بن طولون على مصر لياركوج التركي كان بينه وبين أحمد بن طولون مودة متأكدة استعمله على ديار مصر جميعها فقوي أمره وعلا شأنه ودامت أيامه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. اه.

سنة ٢٥٥

فيها خلع المعتز بالله وبويع محمد بن الواثق ولقب المهتدي بالله.

ولاية أحمد بن موسى بن شيخ

قال في زبدة الحلب : بقي ديوداد واليا إلى أن تغلب أحمد بن عيسى بن شيخ على الشام في أيام المهتدي.

سنة ٢٥٦

قال ابن الأثير : فيها خلع المهتدي بالله ومات وولي الخلافة أحمد بن المتوكل ولقب المعتمد.

قال في زبدة الحلب : لما مات المهتدي وولي المعتمد سير إلى ابن شيخ بولاية أرمينية على أن ينصرف عن الشام آمنا ، فأجاب إلى ذلك ورحل عنها في سنة ست وخمسين ومائتين.

الدولة الطولونية

ولاية أحمد بن طولون سنة ٢٥٦

قال في زبدة الحلب : بعد أن رحل عن هذه البلاد أحمد بن عيسى بن شيخ وليها

١٩٣

أحمد بن طولون مع أنطاكية وطرسوس وغيرها من البلاد ، وكان أحمد بن طولون شجاعا عاقلا وعلى مربطه أربعة آلاف حصان ، وكانت نفقته في كل يوم ألف دينار.

ولاية أبي أحمد أخي المعتمد ٢٥٨ الملقب بالموفق

قال ابن الأثير : فيها في ربيع الأول عقد المعتمد لأخيه أبي أحمد على ديار مصر وقنسرين والعواصم وخلع عليه وعلى مفلح في ربيع الآخر وسيرهما إلى حرب الزنج بالبصرة.

ولاية سيما الطويل سنة ٢٥٨

قال في زبدة الحلب : ولي أبو أحمد الموفق سيما الطويل أحد قواد بني العباس ومواليهم حلب والعواصم ، فابتنى بظاهر مدينة حلب دارا حسنة وعمل لها بستانا وهو الذي يعرف الآن ببستان الدار ظاهر باب أنطاكية ، وبهذه الدار سميت المحلة التي بباب أنطاكية الدارين هذه ، والدار الأخرى بناها قبله محمد بن عبد الملك بن صالح فعرفت المحلة بالدارين لذلك واحد الدارين تعرف بالسليمانية على حافة نهر قويق وحاضر السليمانية بها يعرف وهو حاضر حلب.

قال : وجدد سيما الطويل الجسر الذي على نهر قويق قريبا من داره وركب عليه بابا أخذه من بعض قصور الهاشميين بحلب يقال له قصر البنات ، وأظن أن درب البنات بحلب يعرف به ، وأظن القصر يعرف بأم ولد كانت لعبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح اسمها بنات وهي أم ولده داود ، وسمى سيما الباب باب السلامة وهو الباب الذي ذكره الواساني في قصيدته الميمية التي أولها :

يا ساكني حلب العوا

صم جادها صوب الغمامه

وفي سيما يقول البحتري :

فردت إلى سيما الطويل أمورنا

و سيما الرضا في كل أمر نحاوله

قال الرضي الحنبلي في الزبد والضرب : قلت : والواساني المذكور هو الذي ينسب

١٩٤

إليه حمام الواساني بحلب واسمه الحسن ، وكان شاعرا هجاء على ما ذكره الصاحب كمال الدين في تاريخه الكبير وإن كان العوام يعتقدونه اليوم من الأولياء وأرباب المزارات والله سبحانه وتعالى أعلم. اه.

قال ابن الأثير : فيها مات ياركوج التركي في رمضان وكان صاحب مصر ومقطعها ، ويدعى له فيها قبل أحمد بن طولون ، فلما توفي استقل أحمد بمصر اه. أعني أنه صار أميرا عاما على جميع القطر المصري نيابة عن أبي أحمد الموفق المولى على ديار مصر وقنسرين والعواصم كما تقدم.

سنة ٢٦٢

قال ابن الأثير : فيها تنافر أبو أحمد الموفق وأحمد بن طولون أمير ديار مصر وصار بينهما وحشة مستحكمة ، وتطلب الموفق من يتولى الديار المصرية فلم يجد أحدا لأن ابن طولون كانت خدمه وهداياه متصلة إلى القواد بالعراق وأرباب المناصب ، فلهذا لم يجد من يتولاها فكتب إلى ابن طولون يهدده بالعزل فأجابه جوابا فيه بعض الغلظة ، فسير إليه الموفق موسى بن بغا في جيش كثيف فسار إلى الرقة وبلغ الخبر ابن طولون فحصن الديار المصرية وأقام ابن بغا عشرة أشهر بالرقة لم يمكنه المسير لقلة الأموال معه ، وطالبه الأجناد بالعطاء فلم يكن معه ما يعطيهم فاختلفوا عليه وثاروا بوزيره عبد الله بن سليمان فاستتروا واضطر ابن بغا إلى العود إلى العراق وكفى الله أحمد بن طولون شره فتصدق بأموال كثيرة.

سنة ٢٦٤

قال ابن الأثير : في هذه السنة توفي أماجور مقطع دمشق ( أي واليها ) وولي ابنه مكانه ، فتجهز ابن طولون ليسير إلى الشام فيملكه فكتب إلى ابن أماجور يذكر له أن الخليفة قد أقطعه الشام والثغور ، فأجابه بالسمع والطاعة ، وسار أحمد واستخلف بمصر ابنه العباس فلقيه ابن أماجور بالرملة فأقره عليها وسار إلى دمشق فملكها وأقر قواد أماجور على أقطاعهم ، وسار إلى حمص فملكها وكذلك حماة وحلب وراسل سيما الطويل بأنطاكية يدعوه إلى طاعته ليقره على ولايته فامتنع فعاوده فلم يطعه ، فسار إليه أحمد بن

١٩٥

طولون فحصره بأنطاكية وكان سيىء السيرة مع أهل البلد فكاتبوا أحمد بن طولون ودلوه على عورة البلد فنصب عليه المجانيق وقاتله فملك البلد عنوة والحصن الذي له وركب سيما وقاتل قتالا شديدا حتى قتل ولم يعلم به أحد ، فاجتاز به بعض قواده فرآه قتيلا فحمل رأسه إلى أحمد فساءه قتله. اه.

قال في المختار من الكواكب المضية : ومن أعجب ما نقلته من تاريخ الصاحب في ترجمة محمد بن عمار الإمام بمسجد أنطاكية في أيام سيما الطويل قال محمد المذكور : كنت إمام المسجد بأنطاكية أيام سيما الطويل وكان عليها واليا ، فلما جاء أحمد بن طولون وفتحها وقتل سيما تقدم إليّ أن أخطب لأحمد بن طولون يوم الجمعة فصعدت المنبر وخطبت لسيما الطويل على الرسم وأنسيت ما تقدم إليّ فلم أذكر إلا وأنا في الصلاة ، فلما قضيت الصلاة بادرت فصعدت المنبر وقلت : يا معاشر الناس قال الله تعالى : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما اللهم وأصلح الأمير أحمد بن طولون مولى أمير المؤمنين حتى أتيت على الدعاء له ، ثم نزلت عن المنبر فلحقني غلام بكيس فيه ألف دينار فدفعه إليّ. اه.

قال في المختار من الكواكب المضية : قال صاحب الأعلاق النفيسة : نزل الفضل ابن صالح أنطاكية ، وهو سهو لأن الفضل بن صالح توفي سنة ١٧٢ كما تقدم في الكلام على ولايته سنة ١٥٢ والنازل أحد بنيه ( بدلالة ما يأتي نقله عن زبدة الحلب ) فلما ولي سيما الطويل أنطاكية قبض عليه وعلى ولده ودفنهما حيين في صندوقين ، فبصر رجل بالصندوق الذي كان فيه الفضل فظنه مالا فحفر عليه واستخرجه وبه رمق وعاش بعد ذلك عشرين سنة ، ولم يزل ينتقل إلى أن صار إلى مصر فلقي أحمد بن طولون ، ثم خرج أحمد ابن طولون من مصر ومعه الفضل بن صالح حتى قتل سيما الطويل واستقامت أحوال الفضل المذكور. انتهى.

وقال في زبدة الحلب : لما استولى أحمد بن طولون على حلب كان قاضيها في أيامه عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الله أبا بكر القاضي العمري ودام على قضائها إلى أن مات أحمد ، وكان سيما حين صارت له حلب قد قصد جماعة من الأشراف من بني صالح بن علي بالأذى واستولى على أملاكهم واستودع بعضهم في السجن ، فلما ولي أحمد

١٩٦

ابن طولون قال صالح بن محمد بن إسماعيل بن صالح بن علي الهاشمي الحلبي يمدحه ويشكره ويذكره ظفره بسيما بقصيدة يقول فيها :

و قد لبستنا من قذا الجور ذلة

و دار بنا كيد الأعادي فأحدقا

و كم لاذ فينا عائذ فجرت له

أفاعيل عز تترك اللب أخلقا

إلى أن أتيحت بابن طولون رحمة

أشار إلى معصوصب فتفرقا

فدتك بنو العباس من ناصر لها

أنار به قصد السبيل فأشرقا

بنيت لهم مجدا تليدا بناؤه

فلم نر بنيانا أعز وأوثقا

منحتهم صفو الوداد ولم يكن

سواك ليعطي الود صفوا مروّقا

تحوز منك العبد لما قصدته

و اسكن أشراف الأقوام مطبقا (١)

للأثرة أسدوا إليه وإنما *

يجازي الفتى يوما على ما تحققا (١)

و هيهات ما ينجيه لو أن دونه

ثمانين سورا في ثمانين خندقا

ولاية لؤلؤ غلام أحمد بن طولون نيابة عنه سنة ٢٦٤

قال ابن الأثير في حوادث هذه السنة : ثم رحل أحمد بن طولون إلى طرسوس فدخلها وعزم على المقام بها وملازمة الغزاة ، فغلا السعر بها وضاقت عنه وعن عساكره ، فركب أهلها إليه بالمخيم وقالوا له : قد ضيقت بلدنا وأغليت أسعارنا فإما أقمت في عدد يسير وإما ارتحلت عنا ، واغلظوا في القول وشغبوا عليه ، فقال أحمد لأصحابه : لتنهزموا من الطرسوسيين وترحلوا عن البلد ليظهر للناس وخاصة العدو أن ابن طولون على بعد صيته وكثرة عساكره لم يقدر على أهل طرسوس وانهزم عنهم ليكون أهيب لهم في قلب العدو (٢).

__________________

(١) هكذا في الأصل.

(٢) يعني بذلك إعلان قوة أهل طرطوس وعدم قدرة ابن طولون عليهم لينكف عنهم ملوك الروم المجاورون لهم.

( * ) البيتان وردا في زبدة الحلب تحقيق الدكتور سامي الدهان كما يلي :

تجوّز منك العبد لما قصدته

و أسكن أشراف الأقاوم مطبقا

بلا ترة أسدوا إليه وإنما

يجازي الفتى يوما على ما تحققا

١٩٧

وعاد إلى الشام فأتاه خبر ولده العباس وهو الذي استخلفه بمصر أنه قد عصى عليه وأخذ الأموال وسار إلى برقة مشافقا لأبيه فلم يكترث بذلك ولم ينزعج له وثبت وقضى أشغاله وحفظ أطراف بلاده وترك بحران عسكرا وبالرقة عسكرا مع غلامه لؤلؤ ، وكانت حران لمحمد بن أتامش ، وكان شجاعا فأخرجه عنها وهزمه هزيمة قبيحة واتصل خبره بأخيه موسى بن أتامش وكان شجاعا بطلا فجمع عسكرا كثيرا وسار نحو حران وبها عسكر ابن طولون ومقدمهم أحمد بن جيعويه ، فلما اتصل به خبر مسير موسى أقلقه وأزعجه ، ففطن له رجل من الأعراب يقال له أبو الأغر فقال له : أيها الأمير أراك مفكرا منذ أتاك خبر ابن أتامش وما هذا محله ، فإنه طياش قلق ولو شاء الأمير أن آتيه به أسيرا لفعلت ، فغاظه قوله وقال : قد شئت أن تأتي به أسيرا ، قال : فاضمم إليّ عشرين رجلا أختارهم ، قال : افعل ، فاختار عشرين رجلا وسار بهم إلى عسكر موسى ، فلما قاربهم كمن بعضهم وجعل بينه وبينهم علامة إذا سمعوها ظهروا ثم دخل العسكر في الباقين في زي الأعراب وقارب مضارب موسى وقصد خيلا مربوطة فأطلقها وصاح هو وأصحابه فيها فنفرت ، وصاح هو ومن معه من الأعراب وأصحاب موسى غارون وقد تفرق بعضهم في حوائجهم ، وانزعج العسكر وركبوا وركب موسى فانهزم أبو الأغر من بين يديه فتبعه حتى أخرجه من العسكر وجاز به الكمين فنادى أبو الأغر بالعلامة التي بينهم فثاروا من النواحي وعطف أبو الأغر على موسى فأسروه فأخذوه وساروا حتى وصلوا إلى ابن جيعويه فعجب الناس من ذلك وحاروا ، فسيره ابن جيعويه إلى ابن طولون فاعتقله وعاد إلى مصر وكان ذلك في سنة خمس وستين ومائتين. اه.

سنة ٢٦٨

قال ابن الأثير : فيها في ذي القعدة خرج بالشام رجل من ولد عبد الملك بن صالح الهاشمي يقال له بكار بين سلمية وحلب وحمص فدعا لأبي أحمد الموفق ، فحاربه ابن عباس الكلابي فانهزم الكلابي ، فوجه إليه لؤلؤ صاحب ابن طولون قائدا يقال له يوذر في عسكر ، فرجع وليس معه كبير أمر. وفيها خالف لؤلؤ صاحب ابن طولون صاحب مصر على مولاه وفي يده حمص وقنسرين وحلب وديار مضر من الجزيرة وسار إلى بالس فنهبها ،

١٩٨

وكاتب الموفق في المسير إليه واشترط شروطا ، فأجابه أبو أحمد الموفق إليها وكان بالرقة فسار إلى الموفق فنزل قرقيسيا وبها ابن صفوان العقيلي فحاربه وأخذها منه وسلمها إلى أحمد بن مالك بن طوق ، وسار إلى الموفق فوصل إليه وهو يقاتل الخبيث العلوي [ عميد الزنج الخارج في بلاد العراق على الموفق ].

قال في زبدة الحلب : وقتل لؤلؤ العلوي بالبصرة في سنة تسع وستين ومائتين فوجد له أربعمائة ألف دينار ، فذكر لؤلؤ الطولوني أنه لا يعرف لنفسه ذنبا إلا كثرة ماله وأثاثه ، ولما انحدر لؤلؤ من الرقة كان معه من السفن والخزائن زهاء ثلاثماية خزانة.

قال ابن الأثير في حوادث سنة ٢٧٣ : ولم تزل أمور لؤلؤ في إدبار إلى أن افتقر ولم يبق له شيء ، ثم عاد إلى مصر في آخر أيام هارون بن خمارويه فريدا وحيدا بغلام واحد فكان هذا ثمرة العقل السخيف وكفر الإحسان اه. هذا ما كان من أمر لؤلؤ مع أبي الموفق.

وأما ما كان من أمر أحمد بن طولون مع المعتمد فإن المعتمد سار نحو مصر ، وكان سبب ذلك أنه لم يكن له من الخلافة غير اسمها ولا ينفذ له توقيع لا في قليل ولا كثير ، وكان الحكم كله للموفق والأموال تجبى إليه ، فضجر المعتمد من ذلك وأنف منه ، فكتب إلى أحمد بن طولون يشكو إليه حاله سرا من أخيه الموفق فأشار عليه أحمد باللحاق به بمصر ووعده النصرة وسير عسكرا إلى الرقة ينتظر وصول المعتمد إليه ، فاغتنم المعتمد غيبة الموفق عنه فسار في جمادى الأولى ومعه جماعة من القواد فأقام بالتكميل يتصيد ، فلما سار إلى عمل إسحاق بن كنداجيق وكان عامل الموصل وعامة الجزيرة وثب بن كنداجيق بمن مع المعتمد من القواد فقبضهم وهم ينزك وأحمد بن خاقان وخطارمش فقيدهم وأخذ أموالهم ودوابهم ، وكان قد كتب إليه صاعد بن مخلد وزير الموفق عن الموفق وكان سبب وصوله إلى قبضهم أنه أظهر أنه معهم في طاعة المعتمد إذ هو الخليفة ، ولقيهم لما صاروا إلى عمله وسار معهم عدة مراحل ، فلما قارب عمل ابن طولون ارتحل الأتباع والغلمان الذين مع المعتمد وقواده ولم يترك ابن كنداجيق أصحابه يرحلون ، ثم خلا بالقواد عند المعتمد وقال لهم : إنكم قاربتم عمل ابن طولون والأمر أمره وتصيرون من جنده وتحت يده ، أفترضون بذلك وقد علمتم أنه كواحد منكم ، وجرت بينهم في ذلك مناظرة حتى تعالى النهار ولم

١٩٩

يرحل المعتمد ومن معه فقال ابن كنداجيق : قوموا بنا نتناظر في غير حضرة أمير المؤمنين ، وأخذ بأيديهم إلى خيمته لأن مضاربهم كانت قد سارت ، فلما دخلوا خيمته قبض عليهم وقيدهم وأخذ سائر من مع المعتمد من القواد فقيدهم ، فلما فرغ من أمورهم مضى إلى المعتمد فعزله في مسيره من دار ملكه وملك آبائه وفراق أخيه الموفق على الحال التي هو بها من حرب من يريد قتله وقتل بيته وزوال ملكهم [ يعني به العلوي عميد الزنج الخارج على الموفق بأرض العراق كما قدمنا ] ثم حمله والذين كانوا معه حتى أدخلهم سامرا. وأما أحمد ابن طولون فإنه كما في زبدة الحلب خرج من مصر في مائة ألف فقبض على حرم لؤلؤ وباع ولده وأخذ ما قدر عليه مما كان له وهرب لؤلؤ منه ولحق بأبي أحمد طلحة بن المتوكل الملقب بالموفق كما تقدم.

ولاية عبد الله بن الفتح سنة ٢٦٩

قال في زبدة الحلب : ثم إن أحمد بن طولون وصل إلى الثغور فأغلقوها في وجهه فعاد إلى أنطاكية فمرض فولى على حلب عبد الله بن الفتح وصعد إلى مصر مريضا فمات سنة سبعين ومائتين.

ترجمة أحمد بن طولون :

قال ابن خلكان : هو الأمير أبو العباس أحمد بن طولون صاحب الديار المصرية والشامية والثغور ، كان المعتز بالله قد ولاه مصر ، ثم استولى على دمشق والشام أجمع وأنطاكية والثغور في مدة اشتغال الموفق أبي أحمد طلحة بن المتوكل وكان نائبا عن أخيه المعتمد على الله الخليفة ، وهو والد المعتضد بالله بحرب صاحب الزنج [ متعلق باشتغال ] وكان أحمد عادلا جوادا شجاعا متواضعا حسن السيرة صادق الفراسة يباشر الأمور بنفسه ويعمر البلاد ويتفقد أحوال رعاياه ويحب أهل العلم ، وكانت له مائدة يحضرها كل يوم الخاص والعام ، وكان له ألف دينار في كل شهر للصدقة فأتاه وكيله يوما فقال : إنني تأتيني المرأة وعليها الإزار وفي يدها خاتم الذهب فتطلب مني أفأعطيها ؟ فقال له : من مد

٢٠٠