إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ١

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ١

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٠

وذكرها المتنبىء فقال :

أحبّ حمصا إلى خناصرة

و كلّ نفس تحب محياها

اه. قال الطرشوشي في كتابه سراج الملوك في باب سيرة السلطان : قال رجاء ابن حيوه : بينا نحن بخناصرة إذا بامرأة تسأل عن دار عمر بن عبد العزيز رضي‌الله‌عنه فأرشدناها إلى الدار فرأت دارا مهشمة فقالت لخياط هناك : استأذن لي على فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز ، قال : فادخلي وصوّتي بها فإنها تأذن لك ، فدخلت فلما أبصرت ما هناك قالت : جئت أرمّ فقري من بيت الفقراء ، وإذا رجل يعمل في الطين فسألتها عن أمير المؤمنين فقالت : هو ذلك يعمل في الطين ، فقالت له : يا أمير المؤمنين مات زوجي وترك ثمان بنات ، فبكى عمر بكاء شديدا ثم قال لها : ما تريدين ؟ قالت : تفرض لهن ، قال : نفرض للكبرى ما اسمها قالت : فلانة ، فكتبها فقالت : الحمد لله : قال : ما اسم الثانية ؟ قالت : فلانة فكتبها فقالت : الحمد لله حتى كتب السابعة فقالت : جزاك الله خيرا يا أمير المؤمنين. فطرح القلم من يده وقال لها : أما إنك لو وليت الحمد أهله لأتممناهن لك ، مري السبع يواسين هذه الثامنة. اه.

وقال في الجزء الثامن من الأغاني : حدثنا شعيب قال : أخبرني ابن عمار بسنده أن عمر بن عبد العزيز خطب بخناصرة خطبة لم يخطب بعدها ، حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه ثم قال : أيها الناس إنكم لم تخلقوا عبثا ولم تتركوا سدى ، وإن لكم معادا يتولى الله فيه الحكم فيكم والفصل بينكم فخاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء ، وحرم الجنة التي عرضها السموات والأرض ، واعلموا أن الأمان غدا لمن حذر الله وخافه وباع قليلا بكثير ونافدا بباق وخوفا بأمان ، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيخلفها من بعدكم الباقون ، وكذلك حتى تردوا إلى خير الوارثين ، ثم إنكم في كل يوم وليلة تشيعون غاديا إلى الله ورائحا قد قضى نحبه وانقضى أجله ، ثم تضعونه في صدع من الأرض في بطن لحد ثم تدعونه غير موسد ولا ممهد ، قد خلع الأسلاب وفارق الأحباب ووجه للحساب ، غنيا عما ترك ، فقيرا إلى ما قدم ، وأيم الله إني لأقول لكم هذه المقالة ولا أعلم عند أحد منكم أكثر مما عندي ، وأستغفر الله لي ولكم ، وما يبلغنا أحد منكم حاجة يسعها ما عندنا إلا سددنا من حاجته ما قدرنا عليه ولا أحد يتسع له ما عندنا إلا وددت أنه بدىء به

١٢١

وبلحمتي الذين يلونني حتى يستوي عيشنا وعيشكم ، وأيم الله لو أردت غير هذا من عيش أو غضارة لكان اللسان به مني ناطقا ذلولا عالما بأسبابه ، ولكنه من الله عزوجل كتاب ناطق وسنة عادلة ، دل فيهما على طاعته ونهى فيهما عن معصيته ، ثم بكى فتلقى دموعه بأطراف ردائه ، ثم نزل فلم ير على تلك الأعواد بعد حتى قبضه الله إليه رحمة الله عليه. اه.

وقال في المعجم : [ دير سمعان ] يقال بكسر السين وفتحها وهو دير بنواحي دمشق في موضع وبساتين محدقة به وعنده قصور ودور ، وعنده قبر عمر بن عبد العزيز رضي‌الله‌عنه. ثم قال : ودير سمعان أيضا بنواحي حلب بين جبل بني عليم والجبل الأعلى. أقول : إن عمر بن عبد العزيز مدفون بدير سمعان الذي بنواحي حلب كما نقلناه عن زبدة الحلب.

وقال الذهبي في العبر في حوادث سنة إحدى ومائة : فيها في رجب توفي الإمام العادل أمير المؤمنين وخامس الخلفاء الراشدين أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي بدير سمعان من أرض المعرة وله أربعون سنة. اه.

قال في المعجم : قال فيه بعض الشعراء يرثيه

قد قلت إذ ودعوك الترب وانصرفوا

لا يبعدن قوام العدل والدين

قد غيبوا في ضريح الترب منفردا

بدير سمعان قسطاس الموازين

من لم يكن همه عينا يفجرها

و لا النخيل ولا ركض البراذين

وقال كثيّر :

سقى ربنا من دير سمعان حفرة

بها عمر الخيرات رهنا دفينها

صوابح من مزن ثقال غواديا

دوالح دهما ماخضات دجونها

وقال الشريف الرضي الموسوي :

يا ابن عبد العزيز لو بكت العي

ن فتى من أمية لبكيتك

أنت أنقذتنا من السب والشت

م فلو أمكن الجزا لجزيتك

١٢٢

اقتصر في المعجم على هذه الأبيات الثلاثة ، وأورد في عيون التواريخ ما قاله الشريف الرضي بأكثر من ذلك فقال بعد البيت الأول :

غير أني أقول قد طبت والل

ه وإن لم يطب ولم يزك بيتك

أنت نزهتنا عن السب والقذ

ف فلو أمكن الجزاء جزيتك

و لو اني رأيت قبرك لاستحي

يت من أن أرى وما حييتك

و قليل أن لو بذلت دما

ء البدن صرفا على الذرى وسقيتك

دير سمعان فيك مأوى أبي

حفص فودّي لو أنني أوتيتك

و عجيب أني قليت بني مروا

ن طرا وأنني ما قليتك

قرب العدل منك لما نأى الجو

ر بهم فاجتويتهم واجتبيتك

فلو اني ملكت دفعا لما نا

بك من طارق الردى لفديتك *

وأما هلال بن عبد الأعلى فإني لم أقف له على ترجمة.

ترجمة الوليد بن هشام المعيطي :

قال في مختصر الذهبي : الوليد بن هشام بن معاوية الأموي المعيطي أبو يعيش متولي قنسرين لعمر بن عبد العزيز عن معدان بن أبي طلحة اليعمري وأم الدرداء وعبد الله بن محيريز وعنه ابنه يعيش والأوزاعي وصالح بن أبي الأخضر وسفيان بن عيينة. وصفه الواقدي بالنسك والدين ولو لا ذا ما أمّره عمر ووثقه ابن معين ، وقد ولي غزو الصائفة. اه. ( من وفيات ما بين ١٢٠ و١٣٠ ).

قال في زبدة الحلب : توفي عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه وولي بعده الخلافة يزيد بن عبد الملك والوليد بن هشام على قنسرين وكان مرائيا ، سأل عمر أن ينقص رزقه ، وكتب إلى يزيد وهو ولي عهده أن الوليد بن هشام كتب إلي كتابا أكثر ظني أنه تزين بما ليس هو عليه ، فأنا أقسم عليك إن حدث بي حدث وأفضى هذا الأمر إليك فسألك أن ترد رزقه وذكر أني نقصته فلا يظفر منك بهذا ، فلما استخلف يزيد كتب

__________________

( * ) أصاب الأبيات في الطبعة الأولى تصحيف واختلال واختلاف في الرواية فأثبتها نقلا عن ديوان الشريف الرضي.

١٢٣

الوليد إليه أن عمر نقص رزقي وظلمني ، فغضب يزيد وعزله وأغرمه كل رزق جرى عليه في ولاية عمر ويزيد كلها فلم يل له عملا حتى مات ، ومات يزيد بن عبد الملك بالبلقاء في شعبان سنة خمس وماية ، والبلقاء كورة كبيرة بين منبج وحلب وهي من أعمال منبج قبليها قرب وادي بطنان.

خلافة هشام بن عبد الملك

وولي الخلافة بعده أخوه هشام بن عبد الملك وتوفي سنة خمس وعشرين وماية. وقال أبو الفرج الأصبهاني في الجزء الرابع من الأغاني :

أخبرني عمي قال : حدثنا أحمد بن أبي حيثمة قال : ذكر ابن أبي النطاح عن أبي اليقظان أن إسماعيل بن يسار دخل على هشام بن عبد الملك في خلافته وهو بالرصافة جالس على بركة له في قصره فاستنشده وهو يرى أنه يمدحه فأنشده قصيدته التي يفتخر فيها بالعجم :

يا ربع رامة بالعلياء من ريم

هل ترجعنّ إذا حييت تسليمي

ما بال حي غدت بزل المطي بهم

تحذى لغربتهم سيرا بتقحيم

كأنني يوم ساروا شارب سلبت

فؤاده قهوة من خمر داروم

حتى انتهى إلى قوله :

إني وجدك ما عودي بذي خور

عند الحفاظ ولا حوضي بمهدوم

أصلي كريم ومجدي لا يقاس به

ولي لسان كحد السيف مسموم

أحمي به مجد أقوام ذوي حسب

من كل قرم بتاج الملك معموم

جحاجح سادة بلج مرازبة

جرد عتاق مساميح مطاعيم

من مثل كسرى وسابور الجنود معا

و الهرمزان لفخر أو لتعظيم

أسد الكتائب يوم الروع إن زحفوا

و هم أذلوا ملوك الترك والروم

يمشون في حلق الماذيّ سابغة

مشي الضراغمة الأسد اللهاميم

هناك إن تسألي تنبي بأن لنا

جرثومة قهرت عز الجراثيم

١٢٤

قال فغضب هشام وقال له : يا عاض بظر أمه أعلي تفخر وإياي تنشد قصيدة تمدح بها نفسك وأعلاج قومك ، غطوه في الماء ، فغطوه في البركة حتى كادت نفسه تخرج ، ثم أمر بإخراجه وهو بشر ونفاه من وقته ، فأخرج عن الرصافة منفيا ، قال وكان مبتلى بالعصبية للعجم والفخر بهم فكان لا يزال مضروبا محروما مطرودا. اه. قال في معجم البلدان في الكلام على الرصافة :

الرصافة في مواضع كثيرة ، منها رصافة هشام بن عبد الملك في غربي الرقة بينهما أربعة فراسخ على طرف البرية ، بناها هشام لما وقع الطاعون بالشام وكان يسكنها في الصيف كذا ذكره بعضهم. ووجدت في أخبار ملوك غسان ثم ملك النعمان الحارث بن الأيهم وهو الذي أصلح صهاريج الرصافة وصنع صهريجها الأعظم ، وهذا يؤذن بأنها كانت قبل الإسلام بدهر ليس بالقصير. ولعل هشاما عمر سورها أو بنى بها أبنية يسكنها.

وقال أحمد بن يحيى : وأما رصافة الشام فإن هشام بن عبد الملك أحدثها وكان ينزل فيها الزيتونة. قال الأصمعي : الزوراء رصافة هشام وفيها دير عجيب وعليها سور وليس عندها نهر ولا عين جارية إنما شربهم من صهاريج عندهم داخل السور ، وربما فرغت في أثناء الصيف فلأهل الثروة منهم عبيد وحمير يمضي أحدهم إلى الفرات العصر فيجيء بالماء في غداة غد لأنه يمضي أربعة فراسخ أو ثلاثة ويرجع مثلها ، وعندهم آبار طول رشاء كل بئر مائة وعشرون ذراعا وأكثر وهو مع ذلك ملح رديء ، وهي في وسط البرية ، ولبني خفاجة عليهم خفارة يؤدونها إليهم صاغرين. وبالجملة لو لا حب الوطن لخربت. وفيها جماعة من أهل الثروة لأنهم بين تاجر يسافر إلى أقطار البلاد ومنهم مقيم فيها يعامل العرب ، وفيها سويق عدة عشرة دكاكين ، ولهم حذق في عمل الأكسية ، وكل رجل فيها غنيهم وفقيرهم يغزل الصوف ونساؤهم ينسجن.

وذكرها ابن بطلان الطبيب في رسالته إلى هلال بن المحسن فقال : وبين الرصافة والرحبة مسيرة أربعة أيام ، قال : وهذا القصر يعني قصر الرصافة حصن دون دار الخلافة ببغداد مبني بالحجارة ، وفيه بيعة عظيمة ظاهرها بالفص المذهب ، أنشأه قسطنطين بن هيلانة ، وجدد الرصافة وسكنها هشام بن عبد الملك وكان يفزع إليها من البق في شاطىء الفرات ، وتحت البيعة صهريج في الأرض على مثل بناء الكنيسة معقود على أساطين الرخام

١٢٥

مبلط بالمرمر مملوء من ماء المطر ، وسكان هذا الحصن بادية أكثرهم نصارى ، معاشهم تخفير القوافل وجلب المتاع والصعاليك مع اللصوص ، وهذا القصر في وسط برية مستوية السطح لا يرد البصر من جوانبها إلا الأفق ، ورحلنا منها إلى حلب في أربع رحلات. وكان ابن بطلان كتب هذه الرسالة في سنة (٤٤٠).

وحدث برصافة الشام أبو سليمان محمد بن مسلم بن شهاب الزهري فروى عنه من أهلها أبو منيع عبيد الله بن أبي زياد الرصافي ، وكان (١) الحجاج من العلماء ، كان أعلم الناس بخلق الفرس من رأسه إلى رجله وبالنبات ، روى عنه هلال بن أبي العلاء الرقي وغيره ، وكان ثقة ثبتا حديثه في الصحيح ، ومات في سنة ٢٢١ ، قاله ابن حبان. وقال محمد بن الوليد : أقمت مع الزهري بالرصافة عشر سنين. وقال مدرك بن حصين الأسدي وكان قدم الشام هو ورجل من بني عمه يقال له ابن ماهي وطعن ابن ماهي فكبر جرحه فقال :

عليك ابن ماهي ليت عينك لم ترم

بلادي وإن لم يرع إلا درينها

و يا ذكرة والنفس خائفة الردى

مخاطرة والعين يهمي معينها

ذكرت وأبواب الرصافة بينها

و بيني وجعدياتها وقرينها

و صفين والنهي الهنيء ولجة

من البحر موقوف عليها سفينها

بدائبة للحفر فيها عجاجة

و للموت أخرى لا يبلّ طعينها

وقال جرير :

طرقت جعادة بالرصافة أرحلا

من رامتين لشط ذاك مزارا

و إذا نزلت من البلاد بمنزل

وقي النحوس وأسقي الأمطارا

ولاية الوليد بن القعقاع

قال في السالنامة : ثم ولي سليمان بن الوليد القعقاع العبسي من سنة ١٠١ إلى سنة ١٢٥.

هذا سهو والصواب أن الذي تولى هو الوليد بن القعقاع بن خليد العبسي ، وأما سليمان فهو سليمان بن عبد الملك وهو ابن أخت الوليد بن القعقاع.

__________________

(١) قال مصحح المعجم هكذا في الأصل وليحرر.

١٢٦

قال في زبدة الحلب : ثم عزل الوليد بن هشام المعيطي وولي على قنسرين وعملها خال أبيه سليمان وهو الوليد بن القعقاع بن خليد العبسي ، وقيل إنه ولي عبد الملك بن القعقاع على قنسرين ، وإليهم ينسب خيار بني عبس وإليهم تنسب القعقاعية قرية من بلد الغايا ، ولما توفي هشام بن عبد الملك سنة خمس وعشرين كما تقدم وولي الخلافة بعده الوليد ابن يزيد بن عبد الملك وكان بينه وبين الوليد بن القعقاع وحشة هرب الوليد بن القعقاع وغيره من بني أبيه فعاذوا بقبر يزيد بن عبد الملك ، فولى الوليد على قنسرين يزيد بن عمر بن هبيرة وهو على قنسرين فعذبه وأهله فمات الوليد بن القعقاع في العذاب.

قال ابن جرير في حوادث سنة ١٢٦ : وكان هشام ( رواية زبدة الحلب يزيد أخوه ) استعمل الوليد بن القعقاع على قنسرين وعبد الملك بن القعقاع على حمص ، فضرب الوليد ابن القعقاع مائة سوط ، فلما قام الوليد [ أي تولى الخلافة ] هرب بنو القعقاع وعبد الملك ابن القعقاع ورجلان معهما من آل القعقاع. اه.

قال ابن الأثير في حوادث سنة ١٠٢ : كان ابن هبيرة بينه وبين القعقاع بن خليد العبسي تحاسد وكان بينهما يوما كلام ، فقال له القعقاع : يا ابن اللخناء من قدّمك ؟ فقال : قدّمك أنت وأهلك أعجاز الغواني وقدمني صدور العوالي ، فسكت القعقاع ، يعني أن عبد الملك قدمهم لما تزّوج إليهم فإن أم الوليد وسليمان ابني عبد الملك بن مروان عبسية. اه.

قال في السالنامة : ثم ولي يزيد بن عمر بن هبيرة سنة ١٢٥ ، ثم ولي مسرور بن الوليد سنة ١٢٦ ، ثم ولي عبد الملك بن كوثر الغنوي سنة ١٢٧.

قدمنا أن الوليد بن يزيد ولى على قنسرين يزيد بن هبيرة ، وكانت وفاة الوليد سنة ١٢٦ وولي الخلافة بعده يزيد الملقب بالناقص ، ولم يمتع بالخلافة بل مات من عامه في سابع ذي الحجة ، وولى يزيد على قنسرين أخاه مسرورا وأخاه بشرا.

ولما مات يزيد قام بالأمر بعده إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك ، فلم يتم له الأمر فكان يسلم عليه تارة بالخلافة وتارة بالإمارة وتارة لا يسلم عليه بواحدة منهما ، فمكث أربعة أشهر وقيل سبعين يوما ، ثم سار إليه مروان بن محمد فخلعه ، وكان مروان بن محمد أميرا على الجزيرة من طرف الوليد بن عبد الملك.

١٢٧

قال ابن الأثير في حوادث سنة ١٢٧ : في هذه السنة سار مروان بن محمد إلى الشام لمحاربة إبراهيم بن الوليد ، وكان السبب في ذلك ما قد ذكرنا بعضه من مسير مروان بعد مقتل الوليد وإنكاره قتله وغلبته على الجزيرة ثم مبايعته ليزيد بن الوليد وما ولاه يزيد من عمل أبيه ، فلما مات يزيد بن الوليد سار مروان في جنود الجزيرة وخلف ابنه عبد الملك في جمع عظيم بالرقة ، فلما انتهى مروان إلى قنسرين لقي بها بشر بن الوليد وكان ولاه أخوه يزيد قنسرين ومعه أخوه مسرور بن الوليد ، فتصافحوا ودعاهم مروان إلى بيعته فمال إليه يزيد بن عمر بن هبيرة في القيسية وأسلموا بشرا وأخاه مسرورا ، فأخذهما مروان فحبسهما وسار معه أهل قنسرين متوجها إلى حمص ، ثم ساق ابن الأثير بقية ما كان من أمر مروان إلى أن استتب له الأمر وبويع بالخلافة في دمشق.

قال في زبدة الحلب : لما قبض مروان بن محمد على مسرور وبشر ابني الوليد قتلهما وولى على قنسرين وحلب عبد الملك بن كوثر الغنوي.

وقال ابن الأثير في حوادث السنة المذكورة : وفي هذه السنة خلع سليمان بن هشام مروان بن محمد وحاربه ، وكان السبب في ذلك ما ذكرناه من قدوم الجنود عليه وتحسينهم له خلع مروان وقالوا له : أنت أوضأ عند الناس من مروان وأولى بالخلافة ، فأجابهم إلى ذلك ، وسار بأخوته ومواليه معهم فعسكر بقنسرين وكاتب أهل الشام فأتوه من كل وجه ، وبلغ الخبر مروان فرجع إليه من قرقيسيا [ بلد بالجزيرة ] وكتب إلى ابن هبيرة يأمره بالمقام ، واجتاز مروان في رجوعه بحصن الكامل وفيه جماعة من موالي سليمان وأولاد هشام فتحصنوا منه فأرسل إليهم إني أحذركم أن تتعرضوا لأحد يتبعني من جندي بأذى فإن فعلتم فلا أمان لكم عندي ، فأرسلوا إليه إنا نستكف ، ومضى مروان فجعلوا يغيرون على من يتبعه من أخريات الناس ، وبلغه ذلك فتغيظ عليهم ، واجتمع إلى سليمان نحو من سبعين ألفا من أهل الشام والذكوانية وغيرهم وعسكر بقرية خساف من أرض قنسرين وأتاه مروان فواقعه عند وصوله ، فاشتد بينهم القتال وانهزم سليمان ومن معه واتبعتهم خيل مروان تقتل وتأسر واستباحوا عسكرهم ، ووقف مروان موقفا ووقف ابناه موقفين ووقف ابناه موقفين ووقف كوثر صاحب شرطته ( والد عبد الملك بن كوثر ) موقفا وأمرهم أن لا يأتوه بأسير إلا قتلوه إلا عبدا مملوكا ، فأحصي من قتلاهم يومئذ ما ينوف على ثلاثين ألفا ، وقتل إبراهيم بن سليمان وأكثر ولده

١٢٨

وخالد بن هشام المخزومي خال هشام بن عبد الملك ، وادعى كثير من الأسراء للجند أنهم عبيد فكف عن قتلهم وأمر ببيعهم فيمن يزيد مع من أصيب من عسكرهم ، وسار مروان إلى حصن الكامل حنقا على من فيه فحصرهم وأنزلهم على حكمه فمثل بهم ، وأخذهم أهل الرقة فداووا جراحاتهم فهلك بعضهم وبقي أكثرهم وكانت عدتهم نحوا من ثلثمائة.

قال في زبدة الحلب : وكان الحكم وعثمان ابنا الوليد بن يزيد حبسا بقلعة قنسرين ، وكان ابن الوليد حبسهما فنهض عبد العزيز بن الحجاج ويزيد بن خالد القسري فقتلاهما وقتلا معهما يوسف بن عمر الثقفي بقنسرين وأخذا بعد ذلك فقتلهما مروان وصلبهما.

قال ابن الأثير وابن جرير في حوادث سنة ١٣٠ : فيها غزا الصائفة الوليد بن هشام منزل العمق وبنى حصن مرعش. اه.

تراجم من تولى من سنة ١٠١ إلى سنة ١٣٢

الوليد بن القعقاع العبسي :

لم أقف له على ترجمة مخصوصة ، غير أن ما ذكرته في الكلام على ولايته بمثابة ترجمته ، وتقدم أن قتله كان سنة ١٢٥.

يزيد بن عمر بن هبيرة :

ترجمه ابن خلكان ترجمة واسعة حافلة نقتطف منها ماله تعلق بهذه البلاد وبحالته الشخصية وعاداته ، قال : هو يزيد بن عمر بن هبيرة بن معية بن سكين بن خديج بن بغيض بن مالك بن سعد بن عدي بن فزارة ، أصله من الشام ، ولى قنسرين للوليد بن يزيد بن عبد الملك ، وكان مع مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية يوم غلب على دمشق وجمع له ولاية العراق ، ومولده سنة سبع وثمانين ، وذكره ابن عياش في تسميته من ولي العراق وجمع له المصران وهما البصرة والكوفة ، وكذلك ذكره ابن قتيبة في كتاب المعارف في تسمية من ولي العراقين وكان أبو جعفر المنصور حصر يزيد بواسط شهورا ثم أمنه وافتتح البلد صلحا ، وركب إليه يزيد في أهل بيته ، وكان أبو جعفر يقول : لا يعز ملك هذا فيه ثم

١٢٩

قتله ، وقال خليفة بن خياط : وفي سنة ثمان وعشرين ومائة وجه مروان بن محمد يزيد بن عمر ابن هبيرة واليا على العراق ، ثم ساق ما جرى له من الأمور مع أبي جعفر المنصور إلى أن قتله سنة اثنتين وثلاثين وماية ، ثم قال : وقال الحافظ ابن شاكر في تاريخه الكبير : كان هبيرة إذا أصبح أتى بعس ( العس بضم العين القدح الكبير ) وفيه لبن قد حلب على عسل وأحيانا على سكر فيشربه قبل صلاة الغداة فإذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تحل الصلاة فيصلي ثم يدخل فيحركه اللبن فيدعو بالغذاء فيأكل دجاجتين وناهضين ونصف جدي وألوانا من اللحم ( والناهض بالنون الفرخ من الحمام ) ثم يخرج فينظر في أمور الناس ويدعو بالغذاء فيتغذى ويضع منديلا على صدره ويعظم اللقم ويتابع ، فإذا فرغ من الغذاء تفرق من كان عنده ودخل إلى نسائه فلا يزال حتى يخرج إلى صلاة الظهر ، ثم ينظر بعد الظهر في أمور الناس فإذا صلى العصر وضع له سرير ووضعت الكراسي للناس ، فإذا أخذ الناس مجالسهم أتوهم بعساس اللبن والعسل وألوان الأشربة ، ثم توضع السفرة والطعام للعامة ويوضع له ولأصحابه خوان مرتفع فيأكل معه الوجوه إلى المغرب ، ثم يتفرقون للصلاة ثم تأتيه سماره فيحضرون مجلسا يجلسون فيه حتى يدعوهم فيسامروه حتى يذهب عامة الليل ، وكان يسأل في كل ليلة عشر حوائج ، فإذا أصبحوا قضيت ، وكان رزقه ستماية ألف درهم فكان يقسم في كل شهر في أصحابه من قومه ومن الفقهاء والوجوه وأهل البيوتات جملة مستكثرة. وقال شيخ من قريش : أذن يزيد بن عمر بن هبيرة في يوم صائف شديد الحر للناس فدخلوا عليه وعليه قميص خلق مرقوع الجيب فجعلوا ينظرون إليه ويتعجبون منه ففطن لهم فتمثل بقول إبراهيم بن هرمة :

قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه

خلق وجيب قميصه مرقوع

وأخباره ومحاسنه كثيرة مشهورة. اه.

مسرور بن الوليد وأخوه بشر :

لم أقف لهما على ترجمة ، وقد قدمت أنهما قتلا سنة ١٢٧ قتلهما مروان بن محمد.

عبد الملك بن كوثر الغنوي :

لم أقف له على ترجمة.

١٣٠

ابتداء الدولة العباسية سنة ١٣٢

فيها في ربيع الأنور بويع أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالكوفة على يد أبي مسلم الخراساني وانقرضت دولة بني أمية وكان آخر خلفائهم مروان بن محمد.

وكان الوالي في تلك السنة على قنسرين أبا الورد مجزأة بن زفر بن الحارث الكلابي وهو أخو عبد الملك بن الكوثر.

قال في زبدة حلب : بعد أن بويع أبو العباس السفاح سير عمه عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس في جمع عظيم للقاء مروان بن محمد ، وكان مروان في جيوش كثيفة فالتقيا بالزاب من أرض الموصل في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين ومائة فهزم مروان واستولى على عسكره ، وسار مروان منهزما حتى عبر الفرات من جسر منبج فأحرقه ، فلما مر على قنسرين وثبت عليه طي وتنوخ واقتطفوا مؤخر عسكره ونهبوه ، وقد كان تعصب عليهم وجفاهم أيام دولته وقتل منهم جماعة ، وتبعه عبد الله بن علي وسار خلفه حتى أتى منبج فنزلها وبعث إليه أهل حلب بالبيعة مع أبي أمية التغلبي ، وقدم عليه أخوه عبد الصمد ابن علي فقلده حلب وقنسرين ، وسار عبد الله وعبد الصمد أخوه معه إليها فبايعه أبو الورد مجزأة بن الكوثر بن زفر بن الحارث الكلابي وكان من أصحاب مروان ودخل فيما دخل فيه الناس من الطاعة ، وسار عبد الله إلى دمشق ثم إلى الديار المصرية وهناك ظفر بمروان بن محمد ببوصير فقتله ثم عاد إلى دمشق وعين واليا عليها.

انتقاض أبي الورد مجزأة بن الكوثر

قال ابن الأثير في حوادث هذه السنة : وفيها خلع أبو الورد مجزأة بن الكوثر وكان من أصحاب مروان وقواده ، وكان سبب ذلك أن مروان لما انهزم قام أبو الورد بقنسرين فقدمها عبد الله بن علي فبايعه أبو الورد ودخل فيما دخل فيه جنده ، وكان ولد مسلمة بن عبد الملك مجاورين له ببالس ( مسكنة ) والناعورة ، فقدم بالس قائد من قواد عبد الله بن علي فبعث بولد مسلمة ونسائهم فشكا بعضهم ذلك إلى أبي الود فخرج من مزرعة يقال لها

١٣١

خساف فقتل ذلك القائد ومن معه وأظهر التبييض والخلع ( معنى التبييض لبس البياض ونصب الرايات البيض مخالفة لشعار العباسية في ذلك قاله ابن خلدون ، وشعار بني العباس كان السواد ) لعبد الله ودعا أهل قنسرين إلى ذلك فبيضوا جميعهم والسفاح يومئذ بالحيرة وعبد الله بن علي مشتغل بحرب حبيب بن مرة المري بأرض البلقاء وحوران والبثينة على ما ذكرناه ، فلما بلغ عبد الله تبييض أهل قنسرين وخلعهم صالح حبيب بن مرة وسار نحو قنسرين للقاء أبي الورد فمر بدمشق فخلف بها أبا غانم عبد الحميد بن ربعي الطائي في أربعة آلاف ، وكان بدمشق أهل عبد الله وأمهات أولاده وثقله ، فلما قدم حمص انتقض له أهل دمشق وتبيضوا وقاموا مع عثمان بن عبد الأعلى بن سراقة الأزدي فلقوا أبا غانم ومن معه فهزموه وقتلوا من أصحابه مقتلة عظيمة وانتهبوا ما كان عبد الله خلف من ثقله ولم يعرضوا لأهله واجتمعوا على الخلاف ، وسار عبد الله وكان قد اجتمع مع أبي الورد جماعة من أهل قنسرين وكاتبوا من يليهم من أهل حمص وتدمر ، فقدم منهم ألوف عليهم أبو محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية ودعوا إليه وقالوا : هذا السفياني الذي كان يذكر ، وهم في نحو من أربعين ألفا فعسكروا بمرج الأحزم ، ودنا منهم عبد الله بن علي ووجه إليهم أخاه عبد الصمد بن علي في عشرة آلاف ، وكان أبو الورد هو المدبر لعسكر قنسرين وصاحب القتال فناهضهم القتال وكثر القتل في الفريقين وانكشف عبد الصمد ومن معه وقتل منهم ألوف ولحق بأخيه عبد الله ، فأقبل عبد الله معه وجماعة القواد فالتقوا ثانية بمرج الأخرم فاقتتلوا قتالا شديدا وثبت عبد الله فانهزم أصحاب أبي الورد وثبت هو في نحو من خمسماية من قومه وأصحابه فقتلوا جميعا ، وهرب أبو محمد ومن معه حتى لحقوا بتدمر وأمن عبد الله أهل دمشق لما كان من تبييضهم ، فلما دنا منهم هرب الناس ولم يكن منهم قتال وأمن عبد الله أهلها وبايعوه ولم يؤاخذهم بما كان منهم.

قال في زبدة الحلب : بعد أن انصرف عبد الله بن علي راجعا إلى دمشق أقام بها شهرا فبلغه أن العباس بن محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان السفياني قد لبس الحمرة وخالف وأظهر المعصية بحلب ، فارتحل نحوه حتى وصل إلى حمص فبلغه أن أبا جعفر المنصور وكان يلي الجزيرة وأرمينية وأذربيجان وجه مقاتل بن حكيم العكي من الرقة في خيل عظيمة لقتال السفياني وأن العكي قد نزل منبج ، فسار عبد الله مسرعا حتى نزل

١٣٢

مرج الأخرم فبلغه أن العكي واقع السفياني وهزمه واستباح عسكره وافتتح حلب عنوة وجمع الغنائم وسار بها إلى أبي جعفر المنصور وهو بحران ، فارتحل عبد الله إلى دابق وشتى بها ، ثم نزل سميساط وحصر فيها إسحق بن مسلم العقيلي حتى سلمها ودخل في الطاعة ، ثم قدم أبان بن معاوية بن هشام بن عبد الملك في أربعة آلاف من نخبة من كان مع إسحق بن مسلم فسير إليه حميد بن قحطبة فهزم أبانا ودخل سميساط فسار إليها عبد الله ونازلها حتى افتتحها عنوة.

وكتب إليه أبو العباس السفاح يأمره بالمسير إلى الناعورة وأن يترك القتال ويرفع السيف عن الناس ، وذلك في النصف من رمضان سنة ثلاث وثلاثين ومائة وهرب أبو محمد السفياني ومن معه من الكلبية إلى تدمر ثم خرج إلى الحجاز فظفر به وقتل. اه.

سنة ١٣٣ : قال ابن جرير : فيها كان الوالي على كور الشام عبد الله بن علي.

سنة ١٣٤ : قال ابن جرير : فيها كان الوالي على كور الشام عبد الله ابن علي.

سنة ١٣٥ : قال ابن جرير : فيها كان الوالي على كور الشام عبد الله بن علي.

سنة ١٣٦ : قال ابن جرير : وفي هذه السنة قدم عبد الله ابن علي على أبي العباس السفاح فعقد له أبو العباس على الصائفة في أهل خراسان وأهل الشام والجزيرة والموصل فسار فبلغ دلوك ولم يدرب حتى أتته وفاة أبي العباس. اه.

ولاية زفر بن عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي

وأبي مسلم الخراساني سنة ١٣٧

قال في زبدة الحلب : لما وصل عبد الله بن علي إلى دلوك يريد الإدراب كتب إليه عامله بحلب يخبره بوفاة السفاح وبيعة المنصور ، فرجع من دلوك وأتى حران ودعا إلى نفسه وزعم أن السفاح جعله ولي عهده ، وغلب على حلب وقنسرين وديار ربيعة ومضر وسائر الشام ولم يبايع المنصور ، وبايعه حميد بن قحطبة وقواده الذين كانوا معه وولى على حلب زفر ابن عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي أبا عبد الله سنة سبع وثلاثين ومائة.

١٣٣

قال ابن الأثير في حوادث سنة ١٣٧ : وفي هذه السنة عقد السفاح عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس لأخيه أبي جعفر عبد الله بن محمد بالخلافة من بعده وجعله ولي عهد المسلمين ، ومن بعد أبي جعفر ولد أخيه عيسى بن محمد بن علي ، وجعل العهد في ثوب وختمه بخاتمه وخواتيم أهل بيته ودفعه إلى عيسى بن موسى ، فلما توفي السفاح كان أبو جعفر بمكة فأخذ البيعة لأبي جعفر عيسى بن موسى وكتب إليه يعلمه بوفاة السفاح والبيعة له.

قال ابن جرير الطبري : وذكر علي بن محمد عن الوليد عن أبيه أن عيسى بن موسى كان قد أحرز بيوت الأموال والخزائن والدواوين حتى قدم عليه أبو جعفر الأنبار فبايع الناس له بالخلافة ثم لعيسى بن موسى من بعده ، فسلم عيسى بن موسى إلى أبي جعفر الأمر ، وقد كان عيسى بن موسى بعث أبا غسان واسمه يزيد بن زياد وهو صاحب أبي العباس إلى عبد الله بن علي ببيعة أبي جعفر وذلك بأمر أبي العباس قبل أن يموت حين أمر الناس بالبيعة لأبي جعفر من بعده ، فقدم أبو غسان على عبد الله بن علي بأفواه الدروب متوجها يريد الروم ، فلما قدم عليه أبو غسان بوفاة أبي العباس وهو نازل بموضع يقال له دلوك أمر مناديا فنادى الصلاة جامعة ، فاجتمع إليه القواد والجند فقرأ عليهم الكتاب بوفاة أبي العباس ودعا الناس إلى نفسه وأخبرهم أن أبا العباس حين أراد أن يوجه الجنود إلى أبي مروان بن محمد دعا بني أبيه فأرادهم على المسير إلى مروان بن محمد وقال : من انتدب منكم فسار إليه فهو ولي عهدي ، فلم ينتدب له غيري ، فعلى هذا خرجت من عنده وقتلت من قتلت ، فقام أبو غانم الطائي وخفاف المروروذي في عدة من قواد أهل خراسان فشهدوا له بذلك فبايعه أبو غانم وخفاف وأبو الأصبع وجميع من كان معه من أولئك القواد فيهم حميد بن قحطبة وخفاف الجرجاني وحياش بن حبيب ومخارق بن غفار وتزار خداو وغيرهم من أهل خراسان والشام والجزيرة وقد نزل تل محمد ، فلما فرغ من البيعة ارتحل فنزل حران وبها مقاتل العكي وكان أبو جعفر استخلفه لما قدم على أبي العباس فأراد مقاتلا على البيعة فلم يجبه وتحصن منه ، فأقام عليه وحصره حتى استنزله من حصنه فقتله وسرح أبو جعفر لقتال عبد الله بن علي أبا مسلم الخراساني ، فلما بلغ عبد الله إقبال أبي مسلم أقام بحران ، وقال أبو جعفر لأبي مسلم : إنما هو أنا وأنت فسار أبو مسلم نحو عبد الله وهو بحران وقد جمع إليه الجنود

١٣٤

والسلاح وخندق وجمع إليه الطعام والعلوفة وما يصلحه ، ومضى أبو مسلم سائرا من الأنبار ولم يتخلف عنه من القواد أحد ، وبعث على مقدمته مالك بن الهيثم الخزاعي وكان معه الحسن وحميد ابنا قحطبة ، وكان حميد قد فارق عبد الله بن علي وكان عبد الله أراد قتله ، وخرج معه أبو إسحاق أخوه وأبو حميد وأخوه وجماعة من أهل خراسان ، وكان أبو مسلم استخلف على خراسان حين شخص خالد بن إبراهيم أبا داود.

قال الهيثم : كان حصار عبد الله بن علي مقاتلا العكي أربعين ليلة ، فلما بلغه مسير أبي مسلم إليه وأنه لم يظفر بمقاتل وخشي أن يهجم عليه أبو مسلم أعطى العكي أمانا فخرج إليه فيمن كان معه وأقام معه أياما يسيرة ، ثم وجهه إلى عثمان بن عبد الأعلى بن سراقة الأزدي إلى الرقة ومعه ابناه وكتب إليه كتابا دفعه إلى العكي ، فلما قدموا على عثمان قتل العكي وحبس ابنيه ، فلما بلغته هزيمة عبد الله بن علي وأهل الشام بنصيبين أخرجهما فضرب أعناقهما ، وكان عبد الله بن علي خشي ألا يناصحه أهل خراسان فقتل منهم نحوا من سبعة عشر ألفا أمر صاحب شرطته فقتلهم. وكتب لحميد بن قحطبة كتابا ووجهه إلى حلب وعليها زفر بن عاصم ، وفي الكتاب : إذا قدم عليك حميد بن قحطبة فاضرب عنقه ، فسار حميد حتى إذا كان ببعض الطريق فكر في كتابه وقال : إن ذهابي بكتاب ولا أعلم ما فيه لغرر ، ففك الطومار فقرأ ، فلما رأى ما فيه دعا أناسا من خاصته فأخبرهم الخبر وأفشى إليهم أمره وشاورهم وقال : من أراد منكم أن ينجو ويهرب فليسر معي فإني أريد أن آخذ طريق العراق ، وأخبرهم ما كتب به عبد الله بن علي في أمره وقال لهم : من لم يرد منكم أن يحمل نفسه على السير فلا يفشين سري وليذهب حيث أحب ، قال : فاتبعه على ذلك ناس من أصحابه فأمر حميد بدوابه فأنعلت وأنعل أصحابه دوابهم وتأهبوا للسير معه ، تم فوز بهم وبهرج الطريق فأخذ على ناحية من الرصافة رصافة هشام بالشام وبالرصافة يومئذ مولى لعبد الله بن علي يقال له سعيد البربري ، فبلغه أن حميد بن قحطبة قد خالف عبد الله بن علي وأخذ في المفازة فسار في طلبه فيمن معه من فرسانه فلحقه ببعض الطريق ، فلما بصر به حميد ثنى عنان فرسه نحوه حتى لقيه فقال له : ويحك أما تعرفني والله مالك في قتالي من خير فارجع فلا تقتل أصحابي وأصحابك فهو خير لك ، فلما سمع كلامه عرف ما قال له فرجع إلى الرصافة ، ومضى حميد ومن كان معه فقال له صاحب حرسه موسى

١٣٥

ابن ميمون : إن لي بالرصافة جارية فإن رأيت أن تأذن لي فآتيها وأوصيها ببعض ما أريد ثم ألحقك ، فأذن له فأتاها فأقام عندها ، ثم خرج من الرصافة يريد حميدا فلقيه سعيد البربري مولى عبد الله بن علي فأخذه فقتله ، وأقبل عبد الله بن علي حتى نزل نصيبين وخندق عليه وأقبل أبو مسلم وكتب أبو جعفر إلى الحسن بن قحطبة وكان خليفته بأرمينيا أن يوافي أبا مسلم ، فقدم الحسن بن قحطبة على أبي مسلم وهو بالموصل وأقبل أبو مسلم فنزل ناحية لم يعرض له وأخذ طريق الشام ، وكتب إلى عبد الله إني لم أومر بقتالك ولم أوجه له ولكن أمير المؤمنين ولاني الشام وإنما أريدها ، فقال من كان مع عبد الله من أهل الشام لعبد الله : كيف نقيم معك وهذا يأتي بلادنا وفيها حرمنا فيقتل من قدر عليه من رجالنا ويسبي ذرارينا ، ولكنا نخرج إلى بلادنا فنمنعه حرمنا وذرارينا ونقاتله إن قاتلنا ، فقال لهم عبد الله بن علي : إنه والله ما يريد الشام وما وجه إلا لقتلكم ولئن أقمتم ليأتينكم ، قال : فلم تطب أنفسهم وأبوا إلا المسير إلى الشام. قال : وأقبل أبو مسلم فعسكر قريبا منهم وارتحل عبد الله بن علي من عسكره متوجها نحو الشام وتحول أبو مسلم حتى نزل في معسكر عبد الله بن علي في موضعه وغوّر ما كان حوله من المياه وألقى فيها الجيف ، وبلغ عبد الله بن علي نزول أبي مسلم في معسكره فقال لأصحابه من أهل الشام : ألم أقل لكم ، وأقبل فوجد أبا مسلم قد سبقه إلى معسكره فنزل في موضع عسكر أبي مسلم الذي كان فيه فاقتتلوا أشهرا خمسة أو ستة وأهل الشام أكثر فرسانا وأكمل عدة وعلى ميمنته عبد الله بكار بن مسلم العقيلي وعلى ميسرته حبيب بن سويد الأسدي وعلى الخيل عبد الصمد ابن علي وعلى ميمنة أبي مسلم الحسن بن قحطبة وعلى الميسرة أبو نصر حازم بن خزيمة فقاتلوا شهرا.

قال علي : قال هشام بن عمرو التغلبي : كنت في عسكر أبي مسلم فتحدث الناس يوما فقيل أي الناس أشد ؟ فقال : قولوا حتى أسمع ، فقال رجل : أهل خراسان وقال آخر : أهل الشام ، فقال أبو مسلم : كل قوم في دولتهم أشد الناس. قال : ثم التقينا فحمل علينا أصحاب عبد الله بن علي فصدمونا صدمة أزالونا بها عن مواضعنا ثم انصرفوا ، وشد علينا عبد الصمد في خيل مجردة فقتل منا ثمانية عشر رجلا ثم رجع في أصحابه ، ثم

١٣٦

تجمعوا فرموا بأنفسهم فأزالوا صفنا وجلنا جولة فقلت لأبي مسلم : لو حركت دابتي حتى أشرف هذا التل فأصيح بالناس فقد انهزموا ، فقال : افعل قال قلت : وأنت أيضا فتحرك دابتك فقال : إن أهل الحجى لا يعطفون دوابهم على هذه الحال ناد يا أهل خراسان ارجعوا فإن العاقبة لمن اتقى ، قال : ففعلت فتراجع الناس وارتجز أبو مسلم يومئذ فقال :

من كان ينوي أهله فلا رجع

فر من الموت وفي الموت وقع

قال : وكان قد عمل لأبي مسلم عريش فكان يجلس عليه إذا التقى الناس فينظر إلى القتال فإن رأى خللا في الميمنة أو في الميسرة أرسل إلى صاحبها إن في ناحيتك انتشارا فاتق ألا تؤتى من قبلك فافعل كذا قدم خيلك كذا أو تأخر كذا إلى موضع كذا فإنما رسله تختلف إليهم برأيه حتى ينصرف بعضهم عن بعض.

قال فلما كان يوم الثلاثاء أو الأربعاء لسبع خلون من جمادى الآخرة سنة ١٣٦ أو ١٣٧ التقوا فاقتتلوا قتالا شديدا ، فلما رأى ذلك أبو مسلم مكر بهم فأرسل الحسن بن قحطبة وكان على ميمنته أن أعز الميمنة وضم أكثرها إلى الميسرة وليكن في الميمنة حماة أصحابك وأشداؤهم ، فلما رأى ذلك أهل الشام أعزوا ميسرتهم وانضموا إلى ميمنتهم بإزاء ميسرة أبي مسلم ، ثم أرسل أبو مسلم إلى الحسن أن مر أهل القلب فليحملوا مع من بقي في الميمنة على ميسرة أهل الشام فحملوا فحطموهم وجال أهل القلب والميمنة ، قال : وركبهم أهل خراسان فكانت الهزيمة. فقال عبد الله بن علي لابن سراقة الأزدي : ما ترى قال : أرى والله أن تصبر وتقاتل حتى تموت فإن الفرار قبيح بمثلك ، وقيل عتبه على مروان فقلت : قبح الله مروان جزع من الموت ففر قال : إني آتي العراق ، قال : فأنا معك ، فانهزموا وتركوا عسكرهم فاحتواه أبو مسلم وكتب بذلك إلى أبي جعفر فأرسل أبو جعفر أبا الخصيب مولاه يحصي ما أصابوا في عسكر عبد الله بن علي فغضب من ذلك أبو مسلم.

قال ابن الأثير : لما انهزم عبد الله وجمع أبو مسلم ما غنم من عسكره بعث أبو جعفر أبا الخطيب إلى أبي مسلم ليكتب ما أصاب من الأموال فأراد أبو مسلم قتله فتكلم فيه فخلى سبيله وقال أنا أمين على الدماء خائن في الأموال وشتم المنصور ، فرجع أبو الخطيب إلى المنصور فأخبره فخاف أن يمضي أبو مسلم إلى خراسان فكتب إليه إني قد

١٣٧

وليتك مصر والشام فهي خير لك من خراسان فوجه إلى مصر من أحببت وأقم بالشام فتكون بقرب أمير المؤمنين فإن أحب لقاءك أتيته من قريب ، فلما أتاه الكتاب غضب وقال : يوليني الشام ومصر وخراسان لي ، فكتب الرسول إلى المنصور بذلك وأقبل أبو مسلم من الجزيرة مجمعا على الخلاف وخرج عن وجهه يريد خراسان. ثم ساق ابن الأثير بقية ما جرى بين أبي مسلم والمنصور إلى أن قتله المنصور في هذه السنة وهذا خارج عن موضوع كتابنا إذ لا علاقة له بهذه البلاد.

ترجمة عبد الله بن علي :

قال في عيون التواريخ لابن شاكر في حوادث سنة ١٤٧ : فيها توفي عبد الله بن علي ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب عم السفاح والمنصور ، ولاه السفاح حروب مروان ابن محمد وبني أمية وضمن له إن جرى قتل مروان على يده أن يجعله الخليفة من بعده ، فسار عبد الله إلى مروان حتى قتله واستولى على الشام ولم يزل أميرا عليها مدة خلافة السفاح ، ثم تغيرت نية السفاح له فعهد إلى المنصور ، فلما ولي المنصور خالف عليه عبد الله ودعا إلى نفسه محتجا بما كان السفاح وعده فوجه إليه المنصور أبا مسلم صاحب الدعوة فحاربه بنصيبين فانهزم عبد الله واختفى وسار إلى البصرة إلى أخيه سليمان بن علي فأقام عنده إلى أن أخذ له أمانا من المنصور ، ثم إن المنصور حبسه فلم يزل في الحبس حتى وقع عليه البيت ، وقيل إن المنصور قال يوما لجلسائه : أخبروني عن ملك جبار أول اسمه عين قتل ثلاثة أول أسمائهم عين فقال أحد من حضر : عبد الملك بن مروان قتل عمرو بن سعيد الأشدق وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن الأشعث ، قال فخليفة آخر أول اسمه عين ، فقال : أنت يا أمير المؤمنين قتلت أبا مسلم واسمه عبد الرحمن وقتلت عبد الجبار ، فقال المنصور : ويلك ومن هو الثالث ؟ قال : سقط البيت على عمك عبد الله بن علي ، فضحك وقال : ويلك إذا كان البيت سقط فما ذنبي أنا ، ثم قال : أتعرفون عين بن عين ابن عين قتل ميم بن ميم بن ميم ، قال له رجل : نعم عمك عبد الله بن علي بن عبد الله قتل مروان بن محمد بن مروان.

وزفر بن عاصم بن عبد الله : لم أقف له على ترجمة.

١٣٨

ترجمة أبي مسلم الخراساني :

قد ذكرنا في الحوادث خبر مجيئه إلى هذه البلاد بالجيوش لمقاتلة عبد الله بن علي عم السفاح وما حصل بينهما إلى أن انهزم عبد الله بن علي ، وأبو مسلم هذا هو القائم بالدعوة العباسية والمشيد لأركان خلافتهم والرافع لمنارها ، وأخبار قيامه ووقائعه كثيرة مبسوطة في ابن الأثير وغيره من مبسوطات التواريخ ، وبالجملة فهو من دهاة الرجال ونابغي ذلك العصر وله في ابن خلكان ترجمة حافلة نقتصر منها على ما يأتي : هو أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم وقيل عثمان الخراساني ، كان أبوه من رستاق فريدين من قرية تسمى سنجرد ، وقيل إنه من قرية يقال لها ما خوان على ثلاثة فراسخ من مرو ، وكانت هذه القرية له مع عدة قرى وكان بعض الأحيان يجلب إلى الكوفة المواشي ، ثم إنه قاطع على رستاق فريدين فلحقه فيه عجز وأنفذ عامل البلد إليه من يشخصه إلى الديوان ، وكان له عند أذين بنداد ابن وسيحان جارية اسمها وشيكة جلبها من الكوفة فأخذ الجارية معه وهي حامل وتنحى عن مودي خراجه آخذا إلى أذربيجان فاجتازوا على رستاق فايق بعيسى بن معقل بن عمير أخي إدريس بن معقل جد أبي دلف العجلي فأقام عنده أياما فرأى في منامه كأنه جلس للبول فخرج من إحليله نار فارتفعت في السماء وسدت الآفاق وأضاءت الأرض ووقعت بناحية المشرق ، فقص رؤياه على عيسى بن معقل فقال له : ما أشك أن في بطنها غلاما ، ثم فارقه ومضى إلى أذربيجان ومات بها ووضعت الجارية أبا مسلم ونشأ عند عيسى ، فلما ترعرع اختلف مع والده إلى المكتب فخرج أديبا لبيبا يشار إليه في صغره ، ثم ساق بقية ما كان من أمره إلى أن أهدي إلى الإمام إبراهيم بن محمد العباسي ، ثم ولاه الإمام خراسان وكان من أمره ما كان إلى أن قال : ووصف المدائني أبا مسلم فقال : كان قصيرا أسمر جميلا حلوا نقي البشرة أحور العين عريض الجبهة حسن اللحية وافرها طويل الشعر طويل الظهر قصير الساق والفخذ خافض الصوت فصيحا بالعربية والفارسية حلو المنطق راوية للشعر عالما بالأمور لم ير ضاحكا ولا مازحا إلا في وقته ولا يكاد يقطب في شيء من أحواله ، تأتيه الفتوحات العظام فلا يظهر عليه أثر السرور وتنزل به الحوادث الفادحة فلا يرى مكتئبا ، وإذا غضب لم يستفزه الغضب ، ولا يأتي النساء في السنة إلا مرة واحدة ويقول : الجماع جنون ويكفي

١٣٩

الإنسان أن يجن في السنة مرة ، وكان من أشد الناس غيرة لا يدخل قصره غيره ، وكان في القصر كوى يطرح لنسائه منها ما يحتجن إليه ، قالوا : وليلة زفت إليه امرأته أمر بالبرذون الذي ركبته فذبح وأحرق سرجه لئلا يركبه ذكر بعدها. وقال ابن شبرمة : أصلح الله الأمير من أشجع الناس ؟ قال : كل قوم في إقبال دولتهم ، وكان أقل الناس طمعا وأكثرهم طعاما ، ولما حج نادى في الناس : برئت الذمة ممن أوقد نارا ، فكفى العسكر ومن معه أمر طعامهم وشرابهم في ذهابهم وإيابهم ومنصرفهم ، وهربت الأعراب فلم يبق في المناهل منهم أحد لما كانوا يسمعونه من سفكه الدماء ، قتل في دولته ستماية ألف صبرا فقيل لعبد الله بن المبارك : أبو مسلم خير أم الحجاج ؟ قال : لا أقول إن أبا مسلم كان خيرا من أحد ولكن الحجاج كان شرا منه. وكانت ولادته في سنة مائة للهجرة ، وكان أول ظهوره بمرو سنة تسع وعشرين وماية ، وكان السفاح كثير التعظيم لأبي مسلم لما صنعه ودبره ، وكان أبو مسلم عند ذلك ينشد في كل وقت :

أدركت بالحزم والكتمان ما عجزت

عنه ملوك بني مروان إذ حشدوا

ما زلت أسعى بجهدي في دمارهم

و القوم في غفلة بالشام قد رقدوا

حتى طرقتهم بالسيف فانتبهوا

من نومة لم ينمها قبلهم أحد

و من رعى غنما في أرض مسبعة

و نام عنها تولّى رعيها الأسد

ولما مات السفاح في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة وتولى الخلافة أخوه أبو جعفر وهو بمكة صدرت من أبي مسلم أسباب وقضايا غيرت قلب المنصور عليه فعزم على قتله ، وبسط المؤرخون الأسباب التي اتخذها إلى أن ظفر به وقتله ، قال ابن خلكان : وكان قتله في شعبان سنة سبع وثلاثين ومائة برومية المدائن.

قال ابن الأثير : وكان أبو مسلم نازكا شجاعا ذا رأي وعقل وتدبير وحزم ومروءة ، وقيل له : بم نلت ما أنت فيه من القهر للأعداء ؟ فقال : ارتديت الصبر وآثرت الكتمان وحالفت الأحزان والأشجان وسامحت المقادير والأحكام حتى بلغت غاية همتي وأدركت نهاية بغيتي ، ثم أنشد الأبيات المتقدمة.

وقال أيضا : إن أبا مسلم ورد نيسابور على حمار بإكاف وليس معه آدمي فقصد في بعض الليالي دار الفاذوسيان فدق عليه الباب ففزع أصحابه وخرجوا إليه فقال لهم : قولوا

١٤٠