إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ١

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي

إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء - ج ١

المؤلف:

محمد راغب بن محمود بن هاشم الطبّاخ الحلبي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: منشورات دار القلم العربي ـ حلب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٠

يعلمه أبو عبيدة بذلك تكرمة وتفخمة ، فلما تأخر قدومه على عمر ظن الذي كان فكتب إلى خالد بالإقبال إليه فرجع إلى قنسرين فخطب الناس وودعهم ورجع إلى حمص فخطبهم ثم سار إلى المدينة فلما قدم على عمر شكاه وقال : قد شكوتك إلى المسلمين فبالله إنك في أمري لغير مجمل ، فقال : من أين هذا الثراء ؟ قال : من الأنفال والسهمان ما زاد على ستين ألفا فلك ، فقوم عمر ماله فزاد عشرين ألفا فجعلها في بيت المال ، ثم قال : يا خالد والله إنك عليّ لكريم وإنك إليّ لحبيب ، وكتب إلى الأمصار إني لم أعزل خالدا عن سخطة ولا خيانة ولكن النسا فحموه وفتنوا به فخفت أن يوكلوا إليه فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع وأن لا يكونوا بعرض فتنة ، وعوضه عما أخذ منه. اه.

وفي زبدة الحلب : لما كتب عمر إلى خالد بالإقبال إليه أتى أبا عبيدة فقال : رحمك الله ما أردت إلى ما صنعت ؟ كتمتني أمرا كنت أحب أن أعلمه قبل اليوم ، فقال أبو عبيدة : إني والله ما كنت لأروعك ما وجدت من ذلك بدا ، وقد علمت أن ذلك يروعك ، قال : فرجع خالد إلى قنسرين فخطب عمله وودعهم. وقال خالد : إن عمر ولاني الشام حتى إذا ألقى بوانيه وصارت بثينة وعسلا عزلني واستعمل غيري ، وتحمل إلى حمص فخطبهم إلخ ما تقدم. قال : ثم إن أبا عبيدة استعمل على قنسرين حبيب بن مسلمة بن مالك.

١٠١

ترجمة فاتحي الشهباء وقنسرين

أبو عبيدة بن الجراح. خالد بن الوليد. عياض بن غنم. شرحبيل بن السمط الأسود الكندي رضي‌الله‌عنهم

أبو عبيدة

هو عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر القرشي الفهري أمين هذه الأمة وأحد العشرة وأحد الرجلين الذين عينهما أبو بكر للخلافة يوم السقيفة ، روى عنه جابر وأبو أمامة وأسلم مولى عمر وجماعة وولي إمرة أمراء الأجناد بالشام ، وكان من السابقين الأولين شهد بدرا ونزع الحلقتين اللتين دخلتا من المغفر في وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد بأسنانه رفقا بالنبي عليه الصلاة والسلام فانتزعت ثنيتاه فحسن بها فاه حتى قيل ما رؤي أحسن من فم أبي عبيدة ، وقد انقرض عقبه ، وكان نحيفا معروق الوجه خفيف اللحية طوالا أخنأ أثرم الثنيتين ، وقد أمد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل بجيش فيهم أبو بكر وعمر وأمّر عليهم أبا عبيدة. وعن عمر قال : إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته فإن سألني الله لم استخلفته قلت إني سمعت نبيك يقول : إن لكل أمة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح. وقال عبد الله بن شقيق : سألت عائشة : أي أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحب إليه قالت : أبو بكر ثم عمر ثم أبو عبيدة. وقال عروة بن الزبير : قدم عمر الشام فتلقوه فقال : أين أخي أبو عبيدة ؟ قالوا : يأتيك الآن ، فجاء على ناقة مخطومة فسلم عليه ثم قال للناس : انصرفوا عنا ، فسار معه حتى أتى منزله فنزل عليه فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله ، فقال له عمر : لو اتخذت متاعا أو قال شيئا ، قال : يا أمير المؤمنين إن هذا سيبلغنا المقيل. ومناقب أبي عبيدة كثيرة ذكرها الحافظ أبو القاسم بن عساكر في تاريخ دمشق. وقال أبو الموحد المروزي : زعموا أن أبا عبيدة كان في ستة وثلاثين ألفا من الجند فلم يبق يعني من الطاعون إلا ستة

١٠٢

آلاف. وقال عروة : إن وجع عمواس كان معافى منه أبو عبيدة وأهله فقال : اللهم نصيبك في آل عبيدة ، فخرجت بثرة فجعل ينظر إليها فقيل إنها ليست بشيء ، فقال : إني لأرجو أن يبارك الله فيها. وعن عروة بن رويم أن أبا عبيدة أدركه أجله بفحل فتوفي بها وهي بقرب بيسان يزار (١).

قال القلانسي : توفي وله ثمان وخمسون سنة. اه. ( مختصر الذهبي للشيخ أحمد ابن الملا بخطه ) وله في الرياض النضرة في مناقب. العشرة ترجمة واسعة فليرجع إليها من أحب.

خالد بن الوليد

ابن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي أبو سليمان المكي سيف الله ، كذا لقبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمه لبابة أخت ميمون بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين ، شهد غزوة مؤتة وما بعدها ، روى عنه ابن عباس وقيس بن أبي حازم وأبو وائل وجماعة ، وكان بطلا شجاعا ميمون النقيبة باشر حروبا كثيرة ومات على فراشه وهو ابن ستين سنة ولم يكن في جسده نحو شبر إلا وعليه طابع الشهداء ، وكان من أمد الناس بصرا. ولما استخلف عمر كتب إلى أبي عبيدة إني قد وليت وعزلت خالدا. توفي سنة إحدى وعشرين بحمص ، قاله أبو عبيدة وإبراهيم بن المنذر وجماعة ، وقال رحيم وحده : مات بالمدينة.

ومناقب خالد كثيرة ساقها ابن عساكر ، من أصحها ما روي عن قيس بن أبي حازم قال : رأيت خالد بن الوليد أتي بسم فقال ما هذا ؟ قالوا سم ، فقال : بسم الله وشربه. وروى الأعمش عن خيثمة أتي برجل معه زق خمر فقال : اللهم اجعله خلا فصار خلا. وعن ابن عباس قال : وقع بين خالد بن الوليد وعمار كلام فقال خالد : لقد

__________________

(١) رأيت في رحلتي إلى دمشق في صفر سنة ١٣٣٩ في المتحف الدمشقي في العادلية سيف أبي عبيدة رضي‌الله‌عنه واستشكلت في قبضته لأن هيئتها لا تدل على قدم كثير وصنعتها تدل على أنها من آثار العجم منذ ١٥٠ أو ٢٠٠ سنة فأخبرني قيّم المتحف أن نصال السيف استخرج من قبر أبي عبيدة حينما رمم وأما قبضته فهي حديثة يرجع عهدها إلى ما قلت.

١٠٣

هممت أن لا أكلمك أبدا ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا خالد مالك ولعمار رجل من أهل الجنة قد شهد بدرا ، وقال : يا عمار إن خالدا سيف من سيوف الله على الكفار ، قال خالد : فما زلت أحب عمارا من يومئذ. وروي أن أبا بكر عقد لخالد وقال : إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد سيف من سيوف الله على الكفار والمنافقين. رواه أحمد. اه. [ مختصر الذهبي من وفيات سنة إحدى وعشرين ] وقال الحافظ بن حجر في كتابة الإصابة في أسماء الصحابة : قال خالد عند موته : ما كان في الأرض من ليلة أحب إلي من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين أصبح بهم العدو فعليكم بالجهاد. وقال ابن المبارك في كتاب الجهاد بسنده إلى أبي وائل قال : لما حضرت خالدا الوفاة قال : لقد طلبت القتل مظانه فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي وما من عمل شيء أرجى عندي بعد أن لا إله إلا الله من ليلة بتها وأنا متترس والسماء تهلني تمطر إلى صبح حتى نغير على الكفار ، ثم قال : إذا أنا مت فانظروا في سلاحي وفرسي فاجعلوه عدة في سبيل الله. اه.

عياض بن غنم

الفهري أبو سعيد من المهاجرين الأولين ، شهد بدرا وغيرها واستخلفه أبو عبيدة عند وفاته على الشام ، وكان رجلا صالحا زاهدا سمحا جوادا فأقره عمر على الشام ، وهو الذي افتتح الجزيرة صلحا ، وعاش ستين سنة ، وهو عياض بن غنم بن زهير بن أبي شداد ابن ربيعة. اه. [ مختصر الذهبي من وفيات سنة عشرين ] وفي الإصابة في أسماء الصحابة للحافظ بن حجر : كان يقال لعياض زاد الراكب لأنه كان يطعم رفقته ما كان عنده وإذا كان مسافرا آثرهم بزاده فإن نفد نحر لهم جمله. اه.

شرحبيل بن السمط الأسود الكندي

أبو يزيد ، له صحبة ورواية ، وروى أيضا عن عمر وسلمان وعن جبير بن نغير وكثير بن مرة وجماعة ، قال البخاري : كان على حمص وهو الذي افتتحها وكان فارسا بطلا

١٠٤

شجاعا ، قيل إنه شهد القادسية ، وكان قد غلب الأشعث بن قيس على شرق كندة ، واستقدمه معاوية قبل صفين يستشيره ، وقد قال الشعبي إن عمرا استعمل شرحبيل بن السمط على المداين واستعمل أباه بالشام فكتب إلى عمر إنك تأمر أن لا يفرق بين السبايا وأولادهن وإنك قد فرقت بيني وبين ابني فألحقه بابنه. اه [ مختصر الذهبي من وفيات سنة أربعين ] وقال الحافظ بن حجر في الإصابة في ترجمته ، شهد القادسية ثم نزل حمص قسمها منازل ، وذكر خليفة أنه كان عاملا لمعاوية على حمص نحوا من عشرين سنة ، وقال أبو عمر : شهد صفين مع معاوية وله بها أثر عظيم ، وذكره ابن حبان في الصحابة وقال : كان عاملا على حمص ومات بها ، وقال يزيد بن عبد ربه : مات سنة أربعين وقال غيره سنة اثنتين وأربعين.

ولاة حلب وقنسرين من سنة ١٦ إلى ٢٠

في السنة التي فتحت فيها قنسرين وحلب تولى أمرهما كل من أبي عبيدة وخالد بن الوليد رضي‌الله‌عنهما ، قال في زبدة الحلب : ثم إن أبا عبيدة استعمل على قنسرين حبيب ابن مسلمة بن مالك وطعن أبو عبيدة سنة ثمان عشرة فاستخلف على عمله عياض بن غنم وهو ابن عمه وخاله وكان جوادا مشهورا بالجود فقال : إني لم أكن مغيرا أمرا قضاه أبو عبيدة ، ومات عياض سنة عشرين فأمّر عمر رضي‌الله‌عنه على حمص وقنسرين سعيد بن عامر بن خذيم الجمحي ومات سنة عشرين.

ترجمة حبيب بن مسلمة بن مالك :

قال في مختصر الذهبي : حبيب بن مسلمة القرشي له صحبة وهو الذي افتتح أرمينية زمن عثمان ثم كان من خواص معاوية وله معه آثار محمودة شكرها له معاوية ، يروى أن الحسن قال : يا حبيب رب مشير لك في غير طاعة الله ، قال : أما إلى أبيك فلا ، قال : بلى والله لقد طاوعت معاوية على دنياه وسارعت في هواه فلئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في دينك وليتك إذ أسأت الفعل أحسنت القول. قيل توفي سنة اثنتين وقيل سنة أربع وأربعين ، وكان شريفا مطاعا معظما. اه. وفي الإصابة : كان حبيب بن

١٠٥

مسلمة مجاب الدعوة ولم يزل مع معاوية في حروبه ووجهه إلى أرمينية واليا فمات بها سنة اثنتين وأربعين ولم يبلغ خمسين.

ترجمة سعيد بن عامر :

قال في مختصر الذهبي : سعيد بن عامر بن خذيم الجمحي من أشراف خذيم بني جمح ، له صحبة ورواية ، ذكر ابن سعيد أنه شهد خيبر ، قال حسان بن عطية : بلغ عمر أن سعيد بن عامر ، وكان قد استعمله على بعض الشام يعني حمص ، أصابته حاجة فأرسل إليه ألف دينار فقال لزوجته ألا نعطي هذا المال لمن يتاجر لنا فيه ، قالت : نعم ، فخرج وتصدق به ، وذكر الحديث. وروى يزيد بن أبي زياد أن عمر أرسل إلى سعيد بن عامر : إني مستعملك على هؤلاء تسير بهم إلى أرض العدو فتجاهد بهم ، فقال : يا عمر لا تفتني ، قال : والله لا أدعكم جعلتموها في عنقي ثم تخليتم عني إنما أبعثك على قوم لست بأفضلهم. اه من وفيات سنة عشرين. وذكر ابن الأثير وفاته في هذه السنة ، وقيل سنة تسع عشرة وقيل سنة إحدى وعشرين ، وقال : شهد فتح خيبر وكان فاضلا وكان على حمص حتى مات وعمره أربعون سنة اه.

ولاية عمير بن سعد من سنة ٢٠ إلى ٢٦

قال في زبدة الحلب : بعد أن مات سعيد بن عامر أمّر عمر مكانه عمير بن سعد ابن عبيد الأنصاري على حمص وقنسرين ، ومات عمر رضي‌الله‌عنه مقتولا في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وعمير بن سعد على حمص وقنسرين ومعاوية على دمشق والسواحل وأنطاكية ، فمرض عمير في إمارة عثمان مرضا طال به فاستعفى عثمان واستأذنه بالرجوع إلى أهله فأذن له وضم حمص وقنسرين إلى معاوية سنة ست وعشرين فاجتمعت ولاية الشام جميعها على معاوية لسنتين من خلافة عثمان.

ترجمة عمير بن سعد :

قال في مختصر الذهبي : عمير بن سعد بن شهيد بن قيس الأنصاري الأوسي كان من زهاد الصحابة وفضلائهم ، روى عنه ابنه محمود وأبو إدريس الخولاني وكثير بن مرة

١٠٦

وغيرهم ، وكان يسميه عمر نسيج وحده ، ولاه عمر حمص بعد سعيد بن عامر بن خذيم فبقي على إمرتها حتى قتل عمر ، ثم نزعه عثمان. قال الحسن بن أبي الحسن : كان عمر بعث عمير بن سعد أميرا على حمص فأقام بها حولا فأرسل إليه عمر وكتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم من عمر بن الخطاب إلى عمير بن سعد السلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وقد وليناك شيئا من أمر المسلمين فلا أدري ما صنعت أوفيت بعهدنا أم خنتنا ، فإذا أتاك كتابي هذا إن شاء الله فاحمل إلينا ما قبلك من فيء المسلمين ثم أقبل والسلام عليك ، قال : فأقبل عمير ماشيا من حمص بيده عكازة وإداوة وقصعة وجراب كثير الشعر ، فلما قدم على عمر قال له : يا عمير ما هذا الذي أرى من سوء حالك أكانت البلاد بلاد سوء أم هذه خديعة منك ، قال عمير : يا عمر بن الخطاب ألم ينهك الله عن التجسس وسوء الظن ، ألست تراني طاهر الدم صحيح البدن ومعي الدنيا بقرابها ، قال عمر : ما معك من الدنيا ؟ قال : مزودي أجعل فيه طعامي وقصعة آكل فيها ومعي عكازتي هذه أتوكأ عليها وأجاهد بها عدوا إن لقيته وأقتل بها حية إن لقيتها فما بقي من الدنيا ، قال : صدقت فأخبرني ما حال من خلفت من المسلمين ؟ قال : يصلون ويوحدون وقد نهى الله أن يسأل عما وراء ذلك ، قال : ما صنع أهل العهد ؟ قال عمير : أخذنا منهم الجزية عن يد وهم صاغرون ، قال : فما صنعت بما أخذت منهم ؟ قال : وما أنت وذاك يا عمر ، أرسلتني أمينا فنظرت لنفسي ، وأيم الله لو لا أني أكره أن أغمك لم أحدثك يا أمير المؤمنين ، قدمت بلاد الشام فدعوت المسلمين وأمرتهم بما حق لهم عليّ فيما افترض الله تعالى عليهم ، ودعوت أهل العهد فخلعت من عسهم (١) فأخذناه منهم ثم رددناه على فقرائهم ومجهوديهم لم ينلك من ذلك شيء فلو نالك بلغناك إياه وذكر حديثا طويلا منكرا (٢). قال المفضل العلائي : زهاد الأنصار ثلاثة أبو الدرداء وشداد بن أوس وعمير بن سعد اه. وذكره قبل ذلك في فصل من توفي في خلافة عثمان ، وقد كانت وفاة عثمان رضي‌الله‌عنه سنة خمس وثلاثين. وفي الإصابة قال الواقدي : كان عمر يقول : وددت أن لي رجالا مثل عمير بن سعد أستعين بهم على أعمال

__________________

(١) هكذا في الأصل

(٢) الحديث المنكر هو الذي انفرد به راو لم يبلغ رتبة من يحتمل تفرده.

١٠٧

المسلمين. وأخرج ابن منده بسند حسن عن عبد الرحمن بن عمير بن سعد قال : قال لي ابن عمر : ما كان بالشام أفضل من أبيك.

ولاية حبيب بن مسلمة بن مالك من سنة ٢٦ إلى ٤٢

قال في زبدة الحلب : بعد أن اجتمعت ولاية الشام جميعها على معاوية لسنتين من خلافة عثمان ولى معاوية حبيب بن مسلمة بن مالك الفهري على قنسرين ، وكان يسمى حبيب الروم لكثرة غزوه لهم ، ومات عثمان رضي‌الله‌عنه مقتولا في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين والشام على معاوية وحبيب على قنسرين من تحت يده ، ثم قال بعد ذكره لخلافة علي رضي‌الله‌عنه : وبويع معاوية بالخلافة سنة إحدى وأربعين فمصر معاوية قنسرين فأفردها عن حمص ، وقيل إنما فعل ذلك ابنه يزيد ، وصار الذكر في ولاية قنسرين ووظف معاوية الخراج على قنسرين أربعماية ألف وخمسين ألف دينار وحلب للخلفاء من بني أمية لمقامهم بالشام وكون الولاة في أيامهم بمنزلة الشرطة لا يستقلون بالأمور والحروب. اه.

قال البلاذري في فتوح البلدان : نقل معاوية بن أبي سفيان إلى أنطاكية في سنة ٤٢ جماعة من الفرس وأهل بعلبك وحمص ومن المصريين فكان منهم مسلم بن عبد الله جد عبد الله بن حبيب بن النعمان بن مسلم الأنطاكي ، وكان مسلم قتل على باب من أبواب أنطاكية يعرف اليوم بباب مسلم ، وذلك أن الروم خرجت من الساحل فأناخت على أنطاكية فكان مسلم على السور فرماه علج بحجر فقتله. وترجمة حبيب بن مسلمة تقدمت عند ذكر ولايته الأولى.

ولاية عبد الرحمن بن خالد بن الوليد من سنة ٤٣ إلى ٤٦

ذكر ذلك في سالنامة ولاية حلب.

ترجمته :

قال في مختصر الذهبي : عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي ، أدرك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورآه وشهد اليرموك مع أبيه. قال سعد : وكان عمره يومئذ ثمان عشر سنة ،

١٠٨

وسكن حمص ، وكان أحد الأبطال كأبيه ، وكان معه لواء معاوية يوم صفين وكان يستعمله معاوية على غزو الروم ، وكان شريفا شجاعا ممدحا. قال أبو عبيدة وغيره : توفي سنة ست وأربعين. اه.

قال ابن الأثير : وكان سبب موته أنه كان قد عظم شأنه عند أهل الشام ومالوا إليه لما عندهم من آثار أبيه ولغنائه في بلاد الروم ولشدة بأسه فخافه معاوية وخشي منه وأمر ابن أثال النصراني أن يحتال في قتله وضمن له أن يضع عنه خراجه ما عاش وأن يوليه خراج حمص ، فلما قدم عبد الرحمن من الروم دس إليه ابن أثال شربة مسمومة مع بعض مماليكه فشربها فمات بحمص فوفى له معاوية بما ضمن له ، وقدم خالد بن عبد الرحمن بن خالد المدينة فجلس يوما إلى عروة بن الزبير فقال له عروة : ما فعل ابن أثال ؟ فقام من عنده وسار إلى حمص فقتل ابن أثال فحمل إلى معاوية فحبسه أياما ثم غرمه ديته ورجع خالد إلى المدينة فأتى عروة فقال عروة : ما فعل ابن أثال ؟ فقال : قد كفيتك ابن أثال ولكن ما فعل ابن جرموز ؟ يعني قاتل الزبير فسكت عروة اه ، وفي الإصابة أن القاتل لابن أثال كان المهاجر بن خالد أخا عبد الرحمن بن خالد ، قال : كان المهاجر بن خالد بلغه أن ابن أثال الطبيب وكان نصرانيا دس على أخيه عبد الرحمن سما فدخل إلى الشام واعترض لابن أثال فقتله ، ثم لم يزل مخالفا لبني أمتة وشهد مع ابن الزبير القتال بمكة وكان قتل ابن أثال لعبد الرحمن بن خالد بالسم بحمص. اه.

ولاية مالك بن عبد الله الخثعمي من سنة ٤٧ إلى ٥٠

ذكر ذلك في سالنامة حلب.

ترجمته :

قال في مختصر الذهبي : مالك بن عبد الله الخثعمي أبو حكيم الفلسطيني المعروف بمالك السرايا ، قيل له صحبة ، قدم على معاوية برسالة عثمان وقاد الصوائف أربعين سنة وكسر فيما قيل على قبره أربعون لواء ، وكان صواما قواما شتى سنة ست وخمسين بأرض الروم وعاش بعد ذلك. اه.

١٠٩

وفي الإصابة في أسماء الصحابة عن علي بن أبي جميلة قال : ما ضرب ناقوس قط بليل إلا ومالك قد جمع عليه ثيابه يصلي في مسجد بيته وفضائله كثيرة. اه.

ولاية بسر بن أبي أرطاة من سنة ٥٠ إلى ٥١

( وفضالة بن عبيد من سنة ٥١ إلى سنة ٥١ وبسر بن أبي أرطاة مرة ثانية )

ذكر ذلك في السالنامة.

ترجمة بسر :

قال في مختصر الذهبي : بسر بن أبي أرطاة عمير بن عويمر بن عمران أبو عبد الرحمن العامري القرشي نزل دمشق ، قال الواقدي : ولد قبل موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسنتين ولم يسمع منه شيئا وعليه أحمد وابن معين ، وقال ابن يونس : كان صحابيا شهد فتح مصر وله بها دار وحمام ، وكان من شيعة معاوية وولي الحجاز واليمن له ففعل فعالا قبيحة ، وقال صاحب الأصل : كان أميرا سريا بطلا شجاعا فاتكا ساق ابن عساكر أخباره في تاريخه ، والصحيح أنه لا صحبة له ، روى ابن سعد عن عطاء بن أبي مروان قال : بعث معاوية بسر بن أبي أرطاة إلى الحجاز واليمن فقتل من كان في طاعة علي وأقام بالمدينة شهرا لا يقال له هذا ممن أعان على قتل عثمان إلا قتله. ويروى عن الشعبي أن بسرا هدم بالمدينة دورا كثيرة ، وصعد المنبر وصاح : يا دينار شيخ سمح عهد به ههنا بالأمس ما فعل يعني عثمان ، يا أهل المدينة لو لا عهد أمير المؤمنين ما تركت بها محتلما إلا قتلته ، ثم مضى إلى اليمن وقتل بها ولدين صبيين مليحين لعبد الله بن عباس وكان عبد الله واليا على اليمن من قبل علي ، وقتل من همدان أكثر من مائتين وقتل من الأبناء طائفة ، وبقي إلى خلافة عبد الملك. اه. وقال أبو الفداء في حوادث سنة أربعين : وفي هذه السنة سير معاوية بسر بن أرطاة في عسكر إلى الحجاز فأتى المدينة وبها أبو أيوب الأنصاري عاملا لعلي فهرب ولحق بعلي ودخل بسر المدينة وسفك فيها الدماء واستكره الناس على البيعة لمعاوية ثم سار إلى اليمن وقتل ألوفا

١١٠

من الناس فهرب منه عبيد الله بن عباس عامل علي باليمن فوجد لعبيد الله صبيين فذبحهما وأتى في ذلك بعظيمة ، فقالت أمهما وهي عائشة بنت عبد الله المدان تبكيهما :

يا من أحسّ بابنيّ اللذين هما

كالدرتين تشظّى عنهما الصدف

يا من أحسّ بابنيّ اللذين هما

مخ العظام فمخي اليوم مزدهف

يا من أحسّ بابنيّ اللذين هما

قلبي وسمعي فقلبي اليوم مختطف

من ذل والهة حيرى مدلهة

على صبيين ذلا إذ غدا السلف

نبئت بسرا وما صدقت ما زعموا

من إفكهم ومن القول الذي اقترفوا

أخنى علي ودجّى ابنيّ مرهفة

من الشفار كذاك الإثم يقترف

قال في الإصابة : مات أيام معاوية ، وقيل بقي إلى خلافة عبد الملك بن مروان ، وقيل مات في خلافة الوليد سنة ست وثمانين. اه.

ترجمة فضالة بن عبيد :

قال في مختصر الذهبي : فضالة بن عبيد أبو محمد الأنصاري قاضي دمشق ، كان أحد من شهد بيعة الرضوان وولي الغزو لمعاوية ثم ولي قضاء دمشق وناب عن معاوية بها ، روى عنه عبد الله بن محيريز وعبد الرحمن بن جبير بن نقير وجماعة ، توفي سنة ثلاث وخمسين قاله المدائني ، وقال خليفة سنة تسع وخمسين. اه.

ولاية سفيان بن عوف من سنة ٥٢ إلى سنة ٥٢

ذكر ذلك في السالنامة.

ترجمته :

قال في مختصر الذهبي : سفيان بن عوف الأزدي الغامدي الأمير ، شهد فتح دمشق وولي غزو الصائفة لمعاوية ، توفي مرابطا بأرض الروم سنة اثنتين وخمسين ولا صحبة

١١١

له. اه. هكذا ذكر هنا تاريخ وفاته ، وذكر في السالنامة أنه تولى إمرة حلب مرة ثانية من سنة ٥٥ إلى سنة ٥٦ وإذا تحققت أي القولين أصح ألحقته وإلا فليحرر.

أقول : ثم رأيت بعد ذلك في الإصابة في أسماء الصحابة في ترجمته ما نصه : ذكر خليفة أنه مات سنة ثلاث وخمسين وأبو عبيدة سنة اثنتين والواقدي سنة أربع فالله أعلم. اه. فعلى هذا يكون لا صحة لما ذكره في السالنامة أنه وليها من سنة ٥٥ إلى ٥٦. وفي الإصابة روى ابن عائد بسنده عن بعض أشياخه قال : كنا مع سفيان بن عوف سائرين بأرض الروم فأغار على باب الذهب حتى خرج أهل القسطنطينة فقالوا والله ماندري أخطأ تم الحساب أم كذب الكتاب أم استعجلتم المقدر فإنا وأنتم نعلم أنها ستفتح ولكن ليس هذا زمانه. اه.

وقال أبو الفدا في سنة ثمان وأربعين : سير معاوية جيشا كثيفا مع سفيان بن عوف إلى القسطنطينية فأوغلوا في بلاد الروم وكان في ذلك الجيش ابن عباس وعمرو بن الزبير وأبو أيوب الأنصاري وتوفي في مدة الحصار أبو أيوب الأنصاري ودفن بالقرب من سورها. اه.

ولاية محمد بن عبد الله الثقفي من سنة ٥٢ إلى سنة ٥٣

ذكر ذلك في السالنامة.

قال ابن الأثير في حوادث سنة ٥٢ : فيها كانت غزوة سفيان بن عوف الأسدي الروم وشتى بأرضهم وتوفي بها في قول فاستخلف عبد الله بن مسعدة الفزاري ، وقيل إن الذي شتى هذه السنة بأرض الروم بسر بن أبي أرطاة ومعه سفيان بن عوف ( الذي تقدم ) وغزا الصائفة هذه السنة محمد بن عبد الله الثقفي.

ولاية عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي من سنة ٥٣ إلى سنة ٥٤

ذكر ذلك في السالنامة.

وقال ابن الأثير في حوادث سنة ٥٣ : فيها كان مشتى عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي بأرض الروم. اه.

١١٢

ولاية محمد بن مالك ومعن بن يزيد السلمي

من سنة ٥٤ إلى سنة ٥٥

ذكر في السالنامة.

وقال ابن الأثير في حوادث سنة ٥٤ : فيها كان مشتى محمد بن مالك بأرض الروم وصائفة معن بن يزيد السلمي.

ترجمة معن بن يزيد السلمي :

أما محمد بن مالك فلم أقف له على ترجمة ، وأما معن بن يزيد فقد ترجمه الحافظ ابن حجر في كتابه الإصابة في أسماء الصحابة قال : معن بن يزيد بن الأخنس بن حبيب السلمي ثبت ذكره في صحيح البخاري من طريق أبي الجويرية الجرمي عن معن بن يزيد قال : بايعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنا وأبي وجدي وخاصمت إليه فأفلحني وخطب عليّ فأنكحني ، وكان ينزل الكوفة ودخل مصر ثم سكن دمشق وشهد وقعة مرج راهط مع الضحاك بن قيس في سنة أربع وخمسين ، ويقال إنه كان مع معاوية في حروبه. قال ابن عساكر : شهد فتح دمشق وكان له مكان عند عمر بن الخطاب. وذكره أبو زرعة الدمشقي فيمن سكن الشام وقتل بمرج راهط. وذكر محمد بن سلام الجمحي أن معن بن يزيد قال لمعاوية : ما ولدت قرشية من قرشي شرا منك ، قال : لم ؟ قال : لأنك عودت الناس عادة يعني في الحلم وكأني بهم قد طلبوها من غيرك فإذا هم صرعى ، فقال : ويحك لقد كنت إليها قتيلا. اه ببعض اختصار.

ولاية سفيان بن عوف مرة ثانية من سنة ٥٥ إلى سنة ٥٦

هكذا ذكر في السالنامة وانظر ترجمته التي قدمناها آنفا. وقال ابن الأثير في حوادث سنة ٥٥ : في هذه السنة كان مشتى سفيان بن عوف الأزدي في قول. وقيل إن

١١٣

الذي شتى في هذه السنة عمرو بن محرز ، وقيل ابن عبد الله بن قيس الفزاري ، وقيل بل مالك بن عبد الله. اه. وقدمنا ما فيه في الكلام على ولايته سنة ٥٢.

ولاية جنادة بن أبي أمية من سنة ٥٦ إلى سنة ٥٧

قال ابن الأثير في حوادث سنة ٥٦ : فيها كان مشتى جنادة بن أمية بأرض الروم. قال في مختصر الذهبي : جنادة بن أبي أمية الأزدي الدوسي له صحبة وروى عن معاذ وأبي الدرداء وعبادة بن الصامت وعمر بن الخطاب ، روى عنه ابنه سليمان وبشر بن سعيد ومجاهد ورجاء بن حيوه وآخرون. ولي البحرين لمعاوية وشهد فتح مصر وأدرك الجاهلية وعده ابن سعد وأحمد العجلي وطائفة في تابعي الشام ، قال بعضهم وهو الحق. قال ابن يونس : توفي سنة ثمانين ، وقال المدائني : سنة خمس وسبعين وتابعه يحيى بن معين وقال الهيثم بن عدي : سنة سبع وسبعين ، وقال علي بن عبد الله التميمي سنة ست وثمانين. اه.

قال ابن الأثير في حوادث سنة ٥٦ : فيها كان مشتى جنادة بن أمية بأرض الروم.

ولاية عبد الله بن قيس من سنة ٥٧ إلى سنة ٥٨

قال ابن الأثير في حوادث سنة ٥٧ : فيها كان مشتى عبد الله بن قيس بأرض الروم.

ترجمته :

قال في الإصابة : عبد الله بن قيس حليف بني فزارة الحارثي له إدراك ( أي صحبة ) وكان معاوية يرسله في غزو البحر فغزا خمسين غزوة ما بين صائفة وشاتية لم ينكب فيها ولم يغرق معه أحد إلى أن قتل سنة ثلاث أو أربع وخمسين ، ذكره الطبري في تاريخه وكان أول ما غزا سنة سبع وعشرين. اه.

أقول : لعل ولايته كانت قبل ذلك أو أن وفاته تأخرت عن سنة ثلاث أو أربع وخمسين.

١١٤

ولاية مالك بن عبد الله الخثعمي مرة ثانية

من سنة ٥٨ إلى سنة ٦٦

ذكر ذلك في السالنامة وقد تقدمت ترجمته ، إنما في السالنامة لم يقيده في ولايته الأولى بالخثعمي بل قيده في الثانية والظاهر أنه هو.

قال ابن الأثير في حوادث سنة ٥٨ : في هذه السنة غزا مالك بن عبد الله الخثعمي أرض الروم. اه. وقال في حوادث سنة ٥٩ : في هذه السنة كان مشتى عمرو بن مرة الجهني بأرض الروم. فعلى هذا يكون ما ذكره في السالنامة من أن ولاية مالك بن عبد الله من سنة ٥٨ إلى سنة ٦٦ فيه شك ، وابن الأثير لم يذكر من شتى أو من غزا الصائفة في هذه السنين.

ولاية عبد الملك بن مروان من سنة ٦٦ إلى سنة ٧٣

هكذا في السالنامة والصحيح أنه تولى هذه البلاد قبل ذلك مروان والد عبد الملك ، ففي تاريخ الخلفاء للجلال السيوطي في ترجمة عبد الله بن الزبير رضي‌الله‌عنه : لما مات يزيد بن معاوية في ربيع الأول سنة أربع وستين ٦٤ بويع لابن الزبير بالخلافة وأطاعه أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان ولم يبق خارجا عنه إلا الشام ومصر فإنه بويع بهما معاوية بن يزيد فلم تطل مدة خلافته ، قيل شهران وقيل ثلاثة وقيل أربعون يوما ، فلما مات أطاع أهلهما ابن الزبير وبايعوه ، ثم خرج مروان بن الحكم فغلب على الشام ثم مصر واستمر إلى أن مات سنة خمس وستين في رمضان فتكون مدة ولايته سنة ونحو ثلاثة أشهر ، وقد عهد إلى ابنه عبد الملك. قال الذهبي : الأصح أن مروان لا يعد في أمراء المؤمنين بل هو باغ خارج على ابن الزبير ولا عهده إلى ابنه بصحيح وإنما صحت خلافة عبد الملك من حين قتل ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين.

ترجمته :

قال الجلال السيوطي في تاريخ الخلفاء : عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي

١١٥

العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن الوليد ولد سنة ست وعشرين ، بويع بعهد من أبيه في خلافة ابن الزبير فلم تصح خلافته ، وبقي متغلبا على مصر والشام ثم غلب على العراق وما والاها إلى أن قتل ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين فصحت خلافته من يومئذ واستوثق له الأمر إلخ.

ولاية محمد بن مروان من سنة ٧٣ إلى سنة ٧٧

ثم الوليد بن عبد الملك من سنة ٧٧ إلى سنة ٨٥

ثم محمد بن مروان مرة ثانية من سنة ٨٥ إلى سنة ٨٦

هكذا ذكر في السالنامة ، ويستفاد من ابن الأثير من حوادث هذه السنين أن الوليد تولى إمرة هذه البلاد من سنة ٧٧ إلى ٨٢ ثم تولاها محمد بن مروان من سنة ٨٢ إلى سنة ٩٠. قال في زبدة الحلب : تولى الوليد بن عبد الملك الخلافة سنة ٨٦ ومحمد بن مروان على ولايته فما زال كذلك إلى أن عزله الوليد بن عبد الملك في سنة ٩٠ وولى مكانه أخاه مسلمة بن عبد الملك. اه. وقال ابن الأثير في حوادث سنة ٩١ : وفيها عزل الوليد عمه محمد بن مروان عن الجزيرة وأرمينية واستعمل عليها أخاه مسلمة بن عبد الملك.

ترجمته :

قال في مختصر الذهبي : محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي الأمير سمع أباه وعنه الزهري وغيره ، ولي الجزيرة لأخيه عبد الملك وأمه أم ولد. روى الأصمعي عن عيسى بن عمر قال : كان محمد بن مروان قويا في بدنه شديد البأس فكان عبد الملك يحسده على ذلك وكان يفعل أشياء لا يزال يراها منه ، فلما استوثق الأمر لعبد الملك جعل يبدي له الشيء مما في نفسه ويعامله بما يكره ، فلما رأى محمد ذلك تهيأ للرحيل إلى أرمينية وأصلح جهازه ورحل إبله ودخل يودع أخاه فقال له : ما بعثك على ذلك ؟ فأنشأ يقول :

و إنك لا ترى طرحا لحر

كإلصاق به بعض الهوان

فلو كنا بمنزلة جميعا

جريت وأنت مضطرب العنان

١١٦

فقال : أقسمت عليك إلا ما أقمت فو الله لا رأيت مكروها ، فأقام. ولمحمد عدة وقعات ومصافات مع الروم ذكرها ابن عائذ وغيره وهو والد مروان الخليفة. قال خليفة : توفي سنة إحدى ومائة. اه.

[ ذكر بناء حصن سلوقية ]

قال البلاذري في فتوح البلدان : حدثتني جماعة من مشايخ أهل أنطاكية منهم ابن برد الفقيه أن الوليد بن عبد الملك أقطع جندا بأنطاكية أرض سلوقية عند الساحل وصير الغاثر ( وهو الجريب ) بدينار ومدّي قمح فعمرها وجرى ذلك لهم وبنى حصن سلوقية.

ولاية مسلمة بن عبد الملك من سنة ٩٠ على ما حققنا إلى سنة ٩١

وولاية عبد العزيز بن الوليد من سنة ٩١ إلى سنة ٩٢

وولاية مسلمة بن عبد الملك منها إلى سنة ٩٣ مرة ثانية

وولاية عباس بن الوليد من سنة ٩٣ إلى سنة ٩٩

ترجمة مسلمة بن عبد الملك :

قال في مختصر الذهبي : مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأمير أبو سعيد وأبو الإصبع الأموي ويسمى الجرادة الصفراء ، سمع عمر بن عبد العزيز وروى عنه معاوية بن صالح ويحيى بن يحيى الغساني ، وله دار بدمشق ، ولي غزو القسطنطينية لأخيه سليمان وغزا الروم مرات وكان بطلا شجاعا مهيبا له آثار حميدة ، وقد ولي لأخيه يزيد إمرة العراقين ، ثم عزل وولي أرمينية حفظا لذلك الثغر وأول ما ولي غزو الروم في آخر دولة أبيه افتتح ثلاثة حصون ، وفي سنة تسع وثمانين غزا عمورية والتقى بالمشركين فهزمهم ، وفي سنة تسعين افتتح خمسة حصون ، وفي سنة إحدى عزل محمد بن مروان عن أرمينية وأذربيجان بمسلمة فغزا مسلمة الترك حتى بلغ الباب من ناحية أذربيجان فافتتح مدائن وحصونا ثم

١١٧

افتتح سندرة ثم حج بالناس ثم افتتح بعد ذلك فتحا كثيرا وشهد غير مصاف ، ولما بلغ مسلمة حديث لتفتحن القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها حدثه به بشر الغنوي وقيل الخثعمي غزاها.

ومن كلامه : إن أقل الناس هما في الدنيا أقلهم هما في الآخرة. وقال سعيد بن عبد العزيز : أوصى مسملة بثلث ماله لطلاب الأدب وقال : إنها صناعة مجفو أهلها.

وللوليد بن يزيد بن عبد الملك في رثائه :

أقول وما البعد إلا الردى

أمسلم لا تبعدن مسلمه

فقد كنت نورا لنا في البلاد

مضيئا وقد أصبحت مظلمه

و نكتم موتك نخشى اليقين

فأبدى اليقين عن الجمجمه

توفي سنة عشرين وماية وقيل سنة إحدى وعشرين.

وقال في زبدة الحلب : وكان أكثر مقام مسلمة بالناعورة وبنى فيها قصرا بالحجر الأسود الصلد وحصنا بقي منه برج إلى زماننا هذا. اه. وفي المعجم : الناعورة : موضع بين حلب وبالس [ مسكنة ] بينه وبين حلب ثمانية أميال.

وقال البلاذري : قالوا كانت أرض بغراس لمسلمة بن عبد الملك فوقفها في سبيل البر ، وكانت عين السلور وبحيرتها له أيضا. اه.

ترجمة عبد العزيز بن الوليد :

قال في مختصر الذهبي : عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك بن مروان الأمير أبو الأصبع الأموي وهو ابن أخت عمر بن عبد العزيز ، سعى أبوه الوليد في خلع سليمان من العده وتولية عبد العزيز هذا فلم يتم له ما رامه ، وقد ولي نيابة دمشق لأبيه وداره بناحية الكشكية قبلي دار بطيخ العتيقة ، وله ذرية بالمرج بقرب الجامع ، روى عن مالك بن أنس ، قال : أراد الوليد أن يبايع لابنه فأراد عمر بن عبد العزيز على ذلك قال : يا أمير المؤمنين بيعة في أعناقنا ، فأخذه الوليد وطين عليه ثم فتح عنه بعد ثلاث فأدركوه وقد مالت عنقه ، قال أبو زرعة : فكان ذلك الميل فيه إلى أن مات ، وحكى نحوه محمد بن سلام

١١٨

الجمحي إلا أنه قال : فخنق بمنديل حتى صاحت أخته أم البنين فشكر سليمان لعمر وعهد إليه بالخلافة ، وقد حج عبد العزيز بالناس سنة ثلاثة وتسعين وغزا الروم سنة أربع وتسعين وكان من ألباء بني أمية وعقلائهم. عن عامر بن شبل عن عبد العزيز بن الوليد أن عمر بن عبد العزيز قال له : يا ابن أختي بلغني أنك سيرت إلى دمشق تدعو إلى نفسك ولو فعلت ما نازعتك. قال عامر : أنا ممن سار مع عبد العزيز إلى دمشق فجاء الخبر بأن عمر بن عبد العزيز قد بويع ونحن بدير الجلجل فانصرفنا. اه.

ترجمة العباس بن الوليد :

قال في مختصر الذهبي : العباس بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم أبو الحارث الأموي كان من الأبطال المذكورين والأسخياء الموصوفين ، وكان يقال له فارس بني مروان ، استعمله أبوه على حمص وولي المغازي وافتتح عدة حصون ولكنه كان ينال من عمر ابن عبد العزيز لجهله ، وقد مات في سجن مروان بن محمد. اه.

ولاية هلال بن عبد الأعلى في سنة ٩٩

وولاية الوليد بن هشام المعيطي منها إلى سنة ١٠١ إحدى ومائة

قال في زبدة الحلب : رابط سليمان بن عبد الملك بمرج دابق إلى أن مات به سنة تسع وتسعين ، وولي عمر بن عبد العزيز فكان أكثر مقامه بخناصرة الأحص وولي من قبله على قنسرين هلال بن عبد الأعلى ثم ولي أيضا عليها الوليد بن هشام المعيطي على الجند ، وتوفي عمر بدير سمعان من أرض معرة النعمان يوم الجمعة لخمس بقين من رجب سنة إحدى ومائة. اه. قال في معجم البلدان : دابق بكسر الباء وقد روى بفتحها وآخره قاف : قرية قرب حلب من أعمال عزاز بينها وبين حلب أربعة فراسخ ، عندها مرج معشب نزه كان ينزله بنو مروان إذا غزوا الصائفة إلى ثغر مصيصة وبه قبر سليمان بن عبد الملك بن مروان ، وكان سليمان قد عسكر بدابق وعزم أن لا يرجع حتى تفتح القسطنطينية أو تؤدي الجزية فشتى بدابق شتاء بعد شتاء إذ ركب ذات عشية من يوم جمعة فمر بالتل

١١٩

الذي يقال له تل سليمان اليوم فرأى عليه قبرا فقال : من صاحب هذا القبر ؟ قالوا : هذا قبر عبد الله بن مسافع بن عبد الله الأكبر بن شيبة بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب القرشي الحجبي فمات هناك ، فقال سليمان : يا ويحه لقد أمسى قبره بدار غربة ، قال : ومرض سليمان في إثر ذلك ومات ودفن إلى جانب قبر عبد الله بن مسافع في الجمعة التي تليه أو الثانية ، وبقربها قرية أخرى يقال لها دويبق بالتصغير. وقال الجوهري : دابق : اسم بلد والأغلب عليه التذكير والصرف لأنه في الأصل اسم نهر وقد يؤنث ، وقد ذكره الشعراء فقال عيسى بن سعدان عصري حلبي :

ناجوك من أقصى الحجاز وليتهم

ناجوك ما بين الأحصّ ودابق

أمفارقي حلب وطيب نسيمها

يهنيكم أن الرقاد مفارقي

و الله ما خفق النسيم بأرضكم

إلا طربت من النسيم الخافق

و إذا الجنوب تخطرت أنفاسها

من سفح جوشن كنت أول ناشق

وأنشد ابن الأعرابي :

لقد خاب قوم قلدوك أمورهم

بدابق إذ قيل العدوّ قريب

رأوا رجلا ضخما فقالوا مقاتل

و لم يعلموا أن الفؤاد نخيب

وقال الحارث بن الدؤلي :

أقول وما شأني وسعد بن نوفل

و شأن بكائي نوفل بن مساحق

ألا إنما كانت سوابق عبرة

على نوفل من كاذب غير صادق

فهلا على قبر الوليد وبقعة

و قبر سليمان الذي عند دابق

وقال في المعجم أيضا : خناصرة بليدة من أعمال حلب تحاذي قنسرين نحو البادية ، وهي قصبة كورة الأحص التي ذكرها الجعدي فقال :

فقال تجاوزت الأحصّ وماءه

وقد ذكرها عدي بن الرقاع فقال :

و إذا الربيع تتابعت أنواؤه

فسقى خناصرة الأحصّ وزادها

١٢٠