الأزهر في ألف عام - ج ١

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي

الأزهر في ألف عام - ج ١

المؤلف:

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٦

المذاهب بمعاني القرآن الكريم ، وليس هو تفسير القرآن الكريم بمعاني المذاهب أو بنصوصها أو بأقوال الرواة فيها.

ولقد كان هذا هو إيمان الإمام الفقيد بالكتاب المبين ، وكان هذا هو منهجه في الاحتكام بالمذاهب إلى آياته وأحكامه ، مستقلة عما يضاف إليها من شروح المختلفين وتأويلات أصحاب الرأي أو أصحاب اللغة من المفسرين.

وقد لخص العالم الفاضل الدكتور محمد البهى هذا المنهج في تقديمه لتفسير الإمام الفقيد فقال : «التفسير الذي نقدمه اليوم للمسلمين هو تفسير للمسلمين أجمعين ، لا لمذهب معين من المذاهب الفقهية ، ولا للون من ألوان العقيدة الكلامية ولا لاتجاه خاص من اتجاهات أهل الظاهر أو أهل الباطن».

ثم قال عن المنهج الذي اختاره الأستاذ المفسر واقتدى فيه بالمعلم المصلح العظيم محمد عبده فقال : إنه منهج «جعل السورة وحدة واحدة ، يوضح مراميها وأهدافها وما فيها من عبر ومبادىء إنسانية عامة» ، وأنه لا يقحم في القرآن على القرآن من رأي خارج عنه ، أو مصطلح انتزع من مصدر آخر ، فجعل كلمات القرآن يفسر بعضها بعضا كما أطلق الحرية للقرآن في أن يدلى بما يريد دون أن يحمل على ما يراد.

وبهذه المثابة يصبح تفسير القرآن تفسيرا للمسلمين جميعا ، وعليه يقام أساس التوفيق بين المسلمين أجمعين ، وهي أمانة لا يضطلع بها غير أهلها من القادرين على الاستقلال بالفهم وعلى مواجهة الخلاف بما ينبغي للمجتهد من الشجاعة الصادقة ووسائل الإقناع بإحسان ، وما ينبغي للمجتهد المعلم خاصة من الصمود إلى غاية التعليم ، وغاية المعهد العلمي الذي يتولاه.

وصف الإمام الفقيد رسالة الجامع الأزهر معهد العلم الإسلامي

٣٤١

الأكبر. فقال في بضع كلمات : «إنه معهد الدين وحصن اللغة المكين».

ومن أراد هذه الرسالة للجامع الأزهر ، فقد عرف من قبل رسالة القرآن الكريم ، بل عرف المعجزة الكبرى لهذا الكتاب في ناحية إعجازه التي لا مراء فيها ، وهي معجزة الأثر الخالد التي نستطيع نحن ـ أبناء هذا العصر ـ أن ندركها وأن يكون إدراكنا لها أقوى وأوضح ممن سبقونا إلى العلم بمعجزة الكتاب المبين.

معجزة الأثر في ألف وأربعمائة سنة أقوى وأوضح من معجزته التي شهدها أبناء القرن الأول ثم شهدها أبناء القرون الأولى بعد عصر الدعوة ... فإننا اليوم نستطيع أن ندرك تلك المعجزة التي لا نظير لها والتي تقاصرت عنها الهمم ووقفت دونها دعوات الأفراد والأمم ، وتم بها ما يتم بعمل إله وقول إله ، وهيهات أن يتم بجهد الإنسان بغير معونة الله.

أربعمائة مليون من بني آدم فرقتهم الأجناس واللغات والبقاع والأزمان ، وجمعتهم كلمات القرآن.

وكلمات حفظت اللغة التي نزلت بها وليست هذه اللغة هي التي حفظتها ، ولم يتفق قط للغة من اللغات أن عاشت بكتاب واحد مدى هذه السنين ، فلم تعش لغة اليونان خمسمائة سنة بكتاب هوميروس ، ولم تعش لغة اللاتين بعض هذه السنين بلغة فرجيل وهوراس ، وذهبت لغة فارس ولغة الهند وفيها من الكتب ما لا يقرأه اليوم غير كهان المحاريب ، وماتت لغات أخرى كانت تعيش قبل الإسلام وبقيت لغة القرآن حية في عالم الديانة وفي عالم الكتابة وفي عالم الثقافة ، وستحيا غدا كما حييت بالأمس ، ماشاء الله ، وصح فيها قول الأستاذ الفقيه : «إنها ليست في هذا المقام عربية الإقليم والجو ولا عربية النسب إلى أصل ينتسب إليه الجنس ... وصارت عربية الشخصية المعنوية المكونة من عنصرى العروبة والإسلام ...».

ولما تكلم عن غايته من التعليم في المعهد الأكبر الذي تولاه قال :

٣٤٢

«نريد تخريج تبريز لأئمة في اللغة وفروعها وأئمة في الفقه وأصوله ، نريده تخريجا أساسه النطر العميق والاجتهاد العلمي الذي يكون الشخصية الفقهية والشخصية اللغوية العربية ، لا نريده تخريجا نلتزم فيه مخلفات الماضي من آراء ومذاهب بل يجب أن نجتهد وأن نؤمن بأن حاجة اليوم في الفقه واللغة وعقائد الدين غيرها بالأمس ، وأن نؤمن بأن فضل الله في كل ذلك لم يكن وقفا على الأولين».

ونستعير من أسلوب الفقيد فنقول إن الاجتهاد كما أراده هو الاجتهاد بعناصر «شخصيته» على تمامها كما ينبغي أن يضطلع به المجتهد في جميع العصور ، وهو أتم من ذلك بالنسبة إلى عصرنا هذا الذي نعيش فيه ، وبالنسبة إلى العصر المقبل الذي يواجهه المجتهدون عما قريب.

فما من عنصر من عناصر الاجتهاد إلا قد ظهر له في هذا العصر باعث يستدعيه لم يكن ظاهرا بهذا الجلاء وهذه الضرورة في عصر من عصوره الماضية.

فها هنا عنصر النظرة الموحدة إلى الكتاب المبين في العصر الذي ارتفعت فيه حواجز الاستعمار الأجنبي ووجب أن تحل في مكانها روابط القربى بين أمم الإسلام على تباعد الديار وتباعد الشيع والمذاهب التي لا بقاء لها مع توحيد النظرة إلى كتاب المسلمين أجمعين ..

وها هنا عنصر اللغة في عصر النهضة العربية وقوامها كله نهضة الثقافة العربية التي تتحد بها ثقافة الإسلام في جميع اللغات.

وها هنا عنصر «الاستقلال» في عصر الحرية الفكرية أو عصر «الإنسان» الحر في الجماعة الحرة ، وقد مضت الجماعات في طريقها إلى الخلاص من طغيان الاستبداد وطغيان الاستقلال.

وها هنا العصر الذي أصبح فيه معهد الإسلام الأكبر كما قال الشيخ رحمه الله : «يضم السوداني ، والمغربي ، والحبشي ، واليمني ، والشامي ،

٣٤٣

والفلسطيني ، والأندونيسي ، والتركستاني ، والسعودي ، والأفغاني ، والتركي ، والروسي ، واليوناني ، واليوغسلافي ، والكردي ، والعراقي ، والكويتي ، والإيراني ، والسيامي ، والباكستاني ، والفليبيني ، والملاوي ، والبرمي ، والأردني ، واللبناني ، والزنجباري ، والأوغندي ، والليبي ، والتونسي ، والجزائري ، والمراكشي ، والأرتيري ، والسنغالي ، والصومالي ، والنيجيري» ... إلى غير هؤلاء ممن وفدوا إليه أو يتوافدون مع الأيام بلا انقطاع لا جرم كان من بشائر الأمل ـ كما أسلفنا في غير هذا الموضع ـ أن ينهض الشيخ شلتوت بمشيخة الأزهر في الزمن الذي تفتحت فيه الطرق بين البلاد الإسلامية بعد أن تحررت من الطغيان الأجنبي عليها وبين هذا المعهد الذي لا معهد في العالم الإسلامي أولى منه بضم الشمل وتقريب مسافة الخلف بين المسلم والمسلم حينما كان في أقاصى البلدان.

«ومن عرف الإمام الفقيد عرف أنه قد تزود لهذه الرسالة بزاد غير علمه الغزير وشجاعته الصادقة ، وهو زاد القلب الطيب والسجية الكريمة ، تجمع الخصوم على الألفة والثقة كما تجمع الأصحاب والأنصار».

ولقد عرفنا الشيخ الأكبر سنوات في مجمع اللغة العربية فتعودنا أن نعرفه «قرآنيا» في دراسته لأسرار اللغة ، قبل أن نعرفه «لغويا» في دراسته لأسرار القرآن ، وكنا نسمعه يقول : إن القرآن معجز بما هو به قرآن ، ويعني بذلك نسقه الذي ينتظم ألفاظه ومعانيه ويوحي من معانيها بما ليس في مفردات الكلم ولا في أجزائه التي يقتضيها الإعراب في كل عبارة .. فليست الكلمة الواحدة هي محل إعجاز ، وليس محل الإعجاز هو الكلمتين أو الكلمات الثلاث التي تتم بها جملة الفعل والفاعل أو المبتدأ والخبر والجار والمجرور أو المضاف والمضاف إليه ، ولكنه نسق دقيق يتخطى لوازم العلاقة بين الألفاظ في النحو والصرف إلى لوازم العلاقة بين المعنى والوجدان ، وبين الوحي والبصيرة ، مما لا تدركه ولا تبلغ إليه بلاغة الإنسان. وبهذه البصيرة المتفتحة تسنى له أن يفهم القرآن كتابا للمسلمين جميعا يرجعون إليه فيرجعون إلى مصدر واحد يبطل فيه الخلاف ، أو

٣٤٤

يختلف فيه المختلفون ولكن كما يختلف العقل الواحد بينه وبين نفسه في وجهات نظره بين حين وحين ، وبين اعتبار واعتبار.

وبهذه النظرة «القرآنية» عمل الشيخ الأكبر في تنظيمه الدروس بمعاهد التعليم ، كما عمل على هذه الهداية في علاقته بالأمم الإسلامية وعلاقته ببلاد العرب أجمعين. والجديد في خطته على هذه الجادة القديمة أنه فهم أن اللغة العربية ، أو اللغة القرآنية ، شيء يتعلمه العربي المسلم كما يتعلمه المسلم غير العربي ، فلم يكن على المسلمين غضاضة في هذه المساواة الشاملة ، ولم يكن للعربي إيثار على غيره ؛ لأن عروبته في هذا المنهج هي عروبة القرآن الذي يتساوى فيه المسلم والمسلم من كل جنس ، وبكل لسان.

تولى مشيخة الأزهر بعد استقالة الشيخ عبد الرحمن تاج عام ١٩٥٨ ، وقد رحب بتوليه المشيخة العالم الإسلامي كافة ، وظل في المشيخة سنوات عديدة ، وفي عهده صدر قانون تطوير الأزهر الشريف

وقام برحلات كثيرة إلى بلاد العالم الإسلامي.

كان شيخ الأزهر محمود شلتوت على موعد لا يستطيع أن يتخلف عنه .. وتحدد هذا الموعد بالذات في (ليلة الإسراء) و (ليلة الجمعة) وفي مستشفى العجوزة .. وفي نهاية اللحظة الأخيرة لسبعين عاما ، وسبعة اشهر ، وعشرين يوما وخمس دقائق .. فقد صادف ميلاده الساعة التاسعة والدقيقة العشرين من مساء ٢٢ ابريل ١٨٩٣ في منية بني منصور بمحافظة البحيرة .. كانت الدقائق الخمس هي مدة النوبة القلبية المفاجئة التي أسلم في نهايتها روحه إلى بارئها في ١٣ / ١٢ / ١٩٦٣.

لم يكن الشيخ مرحا في يوم من الأيام أكثر منه في اليوم الأخير في حياته .. فقد أفاق من العملية التي أجريت له في الصباح بعد ٣ ساعات من إجرائها ودعا أسرته .. وظل ينادي كلا منهم باسمه ويداعبه .. كما استدعى أحفاده الصغار وظل يداعبهم ويبتسم لهم ابتسامة عريضة لم تفارق شفتيه طول اليوم حتى فاجأته النوبة.

٣٤٥

وكان آخرما عرضه عليه سكرتيره الخاص أحمد نصار ونجله المقدم الهادي شلتوت رسالة رقيقة من الخارج .. من الرئيس أحمد بن بيللا رئيس الجزائر ، وبرقية داخلية بعث بها من طهطا محمود عبد العزيز رفاعة يستفسر فيها عن صحة شيخ الإسلام.

كما كان آخر ما كتبه بخطه ترجمة كاملة لحياته طلبتها إحدى المجلات في الخارج وبحثا جديدا عن تنظيم النسل وحقوق المرأة في الإسلام وصلاحية المرأة المسلمة للمساهمة في بناء المجتمع.

وكانت آخر الدعوات التي تلقاها الشيخ شلتوت من الخارج ولن يتمكن من تلبيتها هي دعوات لزيارة الهند ويوجوسلافيا وجنوب أفريقيا والجزائر واليمن وإيطاليا وألمانياغ.

كان الشيخ شلتوت دائما محل تقدير العالمين الإسلامي والمسيحي. وقد تلقى أخيرا عرضا من إحدى دور النشر ب ٠٠٠ ، ١٥ جنيه لترجمة بعض كتبه إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية. كما ترجمت له عدة دول كتبه التي اصدرها وتعتبر مراجع هامة في الشريعة الإسلامية.

وخلال رحلته الأخيرة للشرق الأقصى عام ١٩٦١ وضع رئيس جمهورية الفليبين طائرته الخاصة وياوره الخاص تحت تصرفه طوال رحلته ..

وفي مؤتمر لاهاى عام ١٩٣٧ تمكن بأبحاثه التي قدمها للمؤتمر ان يحصل على قرار إجماعي بصلاحية الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع في العالم.

وقد منحته أربع دول الدكتوراه الفخرية كما منحته أكاديمية شيلي درجة الزمالة الفخرية وأهدى إليه رئيس الكاميرون قلادة تقديرا لأبحاثه العلمية. وكان الأجنبي الوحيد الذي رأس المجلس الأعلى لجمهورية أندونيسيا أثناء وجوده هناك. كما أصدر قرارا خاصا بتعيين قائد الجيش ووزير الدفاع إماما لمسجد سوكارنو بالقصر الجمهوري. وقد زاره في منزله

٣٤٦

بمصر الجديدة عدد كبير من زعماء العالم الإسلامي ورؤساء الدول ، منهم الرؤساء عبد السلام عارف والسلال وأحمد بن بيللا والإمبراطور هيلاسلاسي إمبراطور الحبشة.

إن نواب الرئيس وأعضاء مجلس الرياسة ورئيس المجلس التنفيذي والوزراء أبو إلا أن يشيعوا جنازته سيرا على أقدامهم من المسجد لازهر حتى الامام الشافعي تكريما لرحلته الأخيرة التي ترك وراءها أماكن خلت بفقده هي عضوية كبار العلماء التي شغلها عام ١٩٤١ وعضوية المجمع اللغوي التي شغلها عام ١٩٤٦ وعضوية المؤتمر الإسلامي التي شغلها عام ١٩٥٧ وعضوية مجلس الإذاعة الذي شغله عام ١٩٥٠ ومشيخة الأزهر التي شغلها عام ١٩٥٨.

٣٤٧

الشيخ حسن مأمون

الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر. صدر قرار جمهوري في شهر صفر ١٣٨٤ ه‍ يوليو ١٩٦٤ بتعيين فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ حسن مأمون شيخا للأزهر ، ويعتبر فضيلته الشيخ التاسع والثلاثين في تعداد شيوخ الأزهر ، ومن الجدير بالذكر أن منصب شيخ الأزهر شاغر منذ ١٣ ديسمبر الماضي إثر وفاة فضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت.

وفضيلة الإمام الأكبر الشيخ حسن مأمون من مواليد عام ١٨٩٤ بحي الخليفة بالقاهرة ، وظل يعمل في مناصب القضاء بمصر والسودان خمسة وأربعين عاما ، وفي عام ١٩٤١ عين قاضيا لقضاة السودان وظل في منصبه ست سنوات عاد بعدها إلى القاهرة ـ بعد موقفه الوطني المعروف ـ رئيسا لمحكمة مصر الابتدائية الشرعية ، ثم عضوا في المحكمة الشرعية العليا ثم نائبا لها ثم رئيسا ، وفي عام ١٩٥٥ عين مفتيا للديار المصرية خلفا لصاحب الفضيلة الشيخ حسنين مخلوف إلى أن أحيل إلى الاستيداع. وكان أن صدر القرار الجمهوري في أواخر شهر يوليو الماضي بتعيينه إماما أكبر وشيخا للجامع الأزهر.

وينص قانون تطوير الأزهر الذي صدر في يونيو ١٩٦١ على أن شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام ، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية ، ويرأس المجلس الأعلى للأزهر.

٣٤٨

وقد صدر مع القرار الجمهوري قرار آخر في ١٤ يوليو ١٩٦٤ كان لصدوره بتعيين العالم الأديب فضيلة الشيخ أحمد حسن الباقوري مديرا لجامعة الأزهر هزة سرور غمرت الأوساط الأزهرية وغير الأزهرية.

والذي لا شك فيه أن الجامعة الأزهرية في تطورها الجديد ـ حيث أريد لها أن تدخل معترك الحياة في شتى ميادين المعرفة ، كانت في حاجة إلى عالم أديب كالشيخ الباقوري ، عرف عنه بالإضافة إلى علمه ، سعة أفقه ، ومرونة تفكيره ، وتمتعه بطاقة كبرى من الحيوية والنشاط.

٣٤٩

الأستاذ الأكبر الشيخ محمّد الفحّام

تقدم الاستاذ الأكبر الشيخ حسن مأمون استقالته من المشيخة وعين الشيخ الدكتور محمد الفحام شيخا للأزهر وذلك يوم الثلاثاء ٤ رجب ١٣٨٩ ه‍ ـ ١٦ من سبتمبر ١٩٦٩.

لقد ولد الدكتور محمد الفحام بالإسكندرية في ١٨ من سبتمبر سنة ١٨٩٤ م وسلك في تعلمه المسلك الذائع في عصره ، فحفظ القرآن الكريم ، ثم لحق بمعهد الإسكندرية الديني ، وقضى به سنوات حصل فيها على شهادته الابتدائية والثانوية ، ثم درس بالجامع الأزهر ونال شهادته العالمية سنة ١٩٢٢ م.

فلما كانت سنة ١٩٣٦ م اختار الأزهر بعثة من خير المتخرجين فيه ليدرسوا في باريس دراسة تمكنهم من الحصول على الدكتوراه في الآداب ، فكان منهم الدكتور محمد الفحام.

قضى في باريس هو وأسرته عشر سنوات ، صبر فيها على ما لقى من شدائد في ظلمات الحرب العالمية الثانية ، حتى حصل على الليسانس من السوربون ، وعلى عدة دبلومات ثم حصل على الدكتوراه في الآداب بدرجة الشرف الممتازة من جامعة باريس سنة ١٩٤٦.

أما موضوع رسالته فكان (معجم عربي فرنسي لا صطلاحات النحويين والصرفيين العرب) وكان هذا المعجم مناط تقدير الأساتذة والمستشرقين (١)

__________________

(١) من كلمة المجمع اللغوي في تأبينه ـ والكلمة للدكتور أحمد الحوفي.

٣٥٠

وثنائهم ، حتى إن أحدهم قال له : لست أظن أن عالما زار فرنسا أكثر إلماما باللغة العربية منك.

وعاد الشيخ إلى مصر. فوجد شهرته العلمية قد سبقته ، فنهض بتدريس الأدب المقارن لطلبة كلية اللغة العربية بالأزهر ، وبتدريس النحو بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية. وما زال يتدرج في وظائف التدريس حتى صار عميدا لكلية اللغة العربية إلى أن أحيل إلى التقاعد.

وحينئذ لم يركن إلى ما يركن إليه بعض المتقاعدين ، بل انكب على البحث والدرس في مكتبته الخاصة ، نحو عشر سنوات ، إلى أن اختارته الدولة إماما أكبر للأزهر الشريف سنة ١٩٦٩ م ، ثم انتخبه مجمع اللغة العربية عضوا به واحتفل باستقباله في ١٢ من صفر سنة ١٣٩٢ ه‍ (٢٧ من مارس سنة ١٩٧٢ م).

وشاء الله سبحانه وتعالى أن يرتبط الفقيد بالعالم العربي والإسلامي ارتباطا فكريا وعمليا فقام برحلات متعددة إلى كثير من الأقطار.

زار لبنان ، ومثل الأزهر في مؤتمر ثقافي سنة ١٩٤٧ ، وسافر إلى نيجيريا موفدا من الأزهر لدراسة أحوال المسلمين بها ، واقتراح حلول لمشكلاتهم ، وقضى هنالك خمسة أشهر ، ولم يثنه عن السفر ما زعمه له بعض المبشرين المسيحيين الذين زاروا نيجيريا من قبل أنها مقبرة الرجل الأبيض ، بل خرج من داره يتلو قول الله تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)».

وكانت رحلته ذات آثار طيبة ، إذ اختار بعض أبناء نيجيريا ليتعلموا بالأزهر ، وتخير طائفة من علماء الأزهر ليدرسوا هنالك ، ولم تلبث نيجيريا أن حفلت بعدة مدارس وبكثير من المعلمين العرب والقضاة العرب.

وبعد ذلك سافر إلى باكستان ثلاث مرات اتصل فيها بكثير من علمائها ، وزار كثيرا من مدارسها ومعاهدها ومكتباتها.

ثم اتجه إلى موريتانيا ، وأسهم في إنشاء مكتبة إسلامية كبيرة بها وشارك في مناقشات إسلامية ، منحوه بعدها وثيقة مواطن موريتاني.

٣٥١

كذلك سافر إلى إندونيسيا ثلاث مرات ممثلا للأزهر ، وسافر إلى أسبانيا والسودان والجزائر وإيران وليبيا ، وزار السعودية خمس مرات ، مرتين للعمرة وثلاثا للحج.

وللدكتور الفحام مؤلفات قيمة.

أذكر منها مذكراته في الأدب المقارن لطلبة كلية اللغة العربية بالأزهر ، ومذكراته في النحو لطلبة كلية الآداب بجامعة الإسكندرية التي ذللت مسائله المعقدة ، وسهلت صعوباته.

وله كتاب عن سيبويه.

كذلك تفوق في دراسة علم المنطق ، فألف رسالة سماها (رسالة في الموجهات) وهو طالب بالسنة الثانية الثانوية ، جمع فيها بين العلم وسهولة عرضه ، فأعجب زملاؤه بما كتب ، حتى إن طلاب شهادة العالمية المؤقتة نهلوا من معين رسالته.

وكذلك تفوق في دراسة الجغرافية.

وله بحوث نشر بعضها في مجلة مجمع اللغة العربية مثل :

١ ـ الشيخ خالد الأزهري :

ذكر فيه المصادر الاثنى عشر التي تحدثت عنه ، وعرض أسماء أساتذته ، وأسماء مؤلفاته الستة عشر التي وصلت إلينا ، ومنها المقدمة الأزهرية ، وشرحها ، وإعراب الأجوبة وشرحها.

٢ ـ بحث آخر موضوعه سيبويه :

بدأه ببيان معنى كلمة سيبويه ، فنقل ما ذكره القدماء ، ثم نقل ما ذكره المستشرق كرنكو ، ولم يعتمد على ما ذكره المستشرق ، بل سأل علماء اللغة الفارسية ، وانتهى إلى ترجيح أن كلمة سيبويه معناها تفاحة صغيرة لا رائحة التفاح ، كما هو ذائع شائع.

وبعد هذا التمهيد الشائق ذكر عدة من العلماء اسم كل منهم سيبويه هم

٣٥٢

سيبويه الأصفهاني ، وسيبويه المغربي ، وسيبويه المصري.

ثم انتقل إلى شيخهم سيبويه البصري إمام علماء البصرة ، وشيخ النحاة ، وأول من لقب بهذا اللقب ، فتحدث عن مولده ومكانه وتلاميذه والمناظرة التي كانت بينه وبين الكسائي.

سافر رحمه الله إلى فرنسا ، ونال منها أرفع درجاتها العلمية ، وعاش فيها عشر سنوات ، كان من المظنون أن تغير من عاداته ومن صلاته ومن مظهره ، وزيه ، ولكنه عاد إلى مصر حريصا على أخلاقه الإسلامية الرفيعة ، وكلفا بعاداته الطيبة التي ورثها من مصر المسلمة العريقة ، ومشوقا إلى زيه العربي الذي يميز علماء الأزهر ، فلم نره إلا معمما وفي جبة وقفطان ، وقد يستعيض عن الجبة المعطف السابغ الذي يسمى كاكولة.

ولم يكن يتعالم بمعرفته الفرنسية وبإجادته لها ، فيتكلف الرطانة بها حيث لا مسوغ لرطانة ، ويتصيد المفردات منها ليحشرها في حديثه حشرا حيث تسعفه الألفاظ العربية. وليس من عيب على العالم باللغات أن يستشهد بها ، وأن يستعين إذا ما مست حاجته أو دعت مناسبة أو كانت ثمة مقارنة واستشهاد.

٣٥٣
٣٥٤

الفهرس

الموضوع

الصفحة

آراء المفكرين في الأزهر......................................................... ٥

تصدير....................................................................... ٧

المقدمة....................................................................... ٩

الباب الأول : الأزهر خلال التاريخ...................................... ١١ ـ ١٧٢

الفصل الأول : مصر قبل إنشاء الأزهر.................................... ١٣ ـ ١٨

الفصل الثاني : مصر في ظلال الدولة الفاطمية............................. ١٩ ـ ٢٦

الفصل الثالث : تأسيس الأزهر وبدء حياته الجامعية........................ ٢٧ ـ ٤٠

الفصل الرابع : الأزهر في ظلال الفاطميين................................ ٤١ ـ ٨٠

الفصل الخامس : الأزهر في عهد الدولة الأيوبية........................... ٨١ ـ ٩٠

الفصل السادس : الأزهر في ظلال دولتي المماليك...................... ٩١ ـ ١١٤

جلال الدين السيوطي...................................................... ١٠٩

الفصل السابع : الازهر في عهد الدولة العثمانية........................ ١١٥ ـ ١٥٠

الشهاب الخفاجي المصري................................................... ١٣٥

الفصل الثامن : الأزهر بعد الحكم العثماني.................................... ١٥١

فحول العلماء في قرنين...................................................... ١٦٦

الباب الثاني : تاريخ الأزهر الحديث................................... ١٧٣ ـ ٢٢٢

٣٥٥

الفصل الأول : القوة الشعبية ممثلة في الأزهر................................. ١٧٥

الفصل الثاني : بعد الثورة العرابية............................................. ١٩٥

الفصل الثالث : الأزهر والحركة الوطنية عام ١٩١٩........................... ١٩٩

الفصل الرابع : الثورة المصرية الثالثة والأزهر................................... ٢٠٧

ثورة في الأزهر.............................................................. ٢١٠

النوابغ الذي تخرجوا من الأزهر............................................... ٢١٢

اشهر رجال الأزهر في القرن الرابع عشر....................................... ٢١٤

نظرة إلى المستقبل........................................................... ٢١٦

ثورة التطوير في الأزهر....................................................... ٢١٩

الأزهر الجديد.............................................................. ٢٢١

الباب الثالث : شيوخ الأزهر.......................................... ٢٢٣ ـ ٣٥٣

الفصل الأول : مشيخة الأزهر وشيوخه................................ ٢٢٥ ـ ٢٥٨

الفصل الثاني : تراجم لبعض شيوخ الأزهر..................................... ٢٥٩

الشيخ الظواهري........................................................... ٢٥٩

الشيخ المراغي.............................................................. ٢٦٤

الشيخ مصطفى عبد الرازق.................................................. ٢٨٠

الشيخ الشناوي............................................................ ٢٩٦

الشيخ عبد المجيد سليم...................................................... ٣٠٦

الشيخ حمروش............................................................. ٣٠٨

الشيخ الخضر حسين....................................................... ٣٢٨

الشيخ عبد الرحمن تاج...................................................... ٣٣٧

الشيخ شلتوت............................................................. ٣٣٩

الشيخ حسن مأمون........................................................ ٣٤٨

الشيخ محمد الفحام........................................................ ٣٥٠

٣٥٦