الأزهر في ألف عام - ج ١

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي

الأزهر في ألف عام - ج ١

المؤلف:

الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٦

هذا هو الأزهر الجديد

* الهيئات التي يتكون منها الأزهر هي :

١ ـ المجلس الأعلى للأزهر ويرأسه شيخ الأزهر ويشترك فيه كبار العلماء وخبراء في التعليم والإدارة.

٢ ـ مجمع البحوث الإسلامية ويعمل على تجديد الثقافة الإسلامية ورسم نظام البعوث الأزهرية إلى العالم الإسلامي ومنه.

٣ ـ ادارة الثقافة والبعوث الإسلامية وتجهز الدراسات والبحوث للمجمع وتتابع التنفيذ وتتحمل مسئولية البعوث الإسلامية.

٤ ـ جامعة الأزهر وتضم كليات للدراسات الإسلامية وكليات للدراسات العربية وكلية المعاملات والإدارة وكلية الهندسة والصناعات وكلية الطب وكلية الزراعة ولن تكون صورة مكررة للكليات القائمة الآن أو بالجامعات الأخرى ..

* المعاهد الأزهرية وتعد طلبة الجامعة الأزهرية وتزودهم بالمعرفة والخبرة إلى جانب الثقافة العربية والإسلامية ولكن لهم مطلق الاختيار لمتابعة الدراسة الجامعية بعد تخرجهم سواء في كليات الأزهر أو في غيرها من الكليات والمعاهد العالية.

* ميزانية الازهر تطورت على ثلاث مراحل :

١ ـ في سنة ١٩٤٠ كانت حوالي ٣٤٢ الف جنيه.

٢٢١

٢ ـ في سنة ١٩٥٣ وصلت إلى مليون و٥٣٧ ألف جنيه.

٣ ـ في سنة ١٩٥٨ قفزت إلى مليونين و١٢٥ ألف جنيه.

وهناك مبلغ ضخم من هذه الميزانية يصل إلى ٢٥٠ الف جنيه ينفق على المبعوثين في آسيا وإفريقيا إلى كليات الأزهر ومعاهدة في مدينة البعوث الإسلامية ورصد في الميزانية الأخيرة ٢١ ألف جنيه لإعادة ترميم الجامع الأزهر وتجديده.

٢٢٢

الباب الثالث

شيوخ الأزهر

٢٢٣
٢٢٤

الفصل الأول

مشيخة الأزهر وشيوخه

وظيفة خطيب الأزهر :

نقل المقريزي في مواضع مختلفة إشارات لبعض مؤرخي الدولة الفاطمية عن «خطيب الجامع الأزهر». من ذلك ما نقله عن ابن الطوير في تقديم خطيب الجامع الأزهر في إلقاء الخطبة بين يدي الخليفة في أيام الموالد الستة التي كانت تحتفل بها الخلافة الفاطمية ، وهي المولد النبوي ومولد أمير المؤمنين على بن أبي طالب ، ومولد ولديه الحسن والحسين ، ومولد زوجته السيدة فاطمة الزهراء ، ومولد الخليفة القائم (١).

وكذلك كان «خطيب الجامع الأزهر» يذكر في وصف الاحتفال بليالي الوقود ، حيث يخطب أيضا بين يدي الخليفة في هذه الليالي الأربع متقدما زملاءه من خطباء المساجد الأخرى (٢). فالإشراف على الجامع الأزهر ـ كما يقول عنان ـ كان يجري في ظل الدولة الفاطمية على هذا النحو :

ما تعلق بإصلاحه وعمارته والإنفاق عليه يرجع أمره إلى الخلفاء أو من يختارونه لذلك من الأمراء والوزراء.

وما يتعلق بشئون الصلاة يرجع إلى الخطيب وإلى عدد من الأئمة

__________________

(١) الخطط ج ٤ ص ٧٦

(٢) صبح الاعشى ج ٣ ص ٥٠٢

٢٢٥

والقومة والمؤذنين ، والخطيب في الواقع هو رئيس الجامع الديني وهو الذي يتولى الخطابة في الصلوات الجامعة ، والحفلات الدينية الرسمية بين يدي الخليفة أو نائبه ، ويدير شئون المسجد الدينية بوجه عام.

ويبدو أن وظيفة «خطيب» الجامع الأزهر لبثت تنمو في الأهمية على ممر الزمن تبعا لنمو أهمية الازهر نفسه ، فهي في أواخر الدولة الفاطمية تسند إلى رجال من أصحاب المناصب الدينية الرفيعة مثل داعي الدعاة ، فقد ذكر ابن ميسر في أخبار سنة ٥١٧ ه‍ أنه قد أسند إلى داعي الدعاة أبي الفخر صالح «منصب الخطابة بالجامع الأزهر» مع خزانة الكتب (١).

أما إدارة المسجد الداخلية من قرش وتنظيم وتجميل فترجع إلى المشرف ومعاونيه من العمال والخدم.

وأما ما يتعلق بشئون الدراسة والأساتذة والطلاب والنفقة عليهم ، فقد رأينا أنه يرجع إلى الخلفاء وإلى ذوي البر من أكابر رجال الدولة ، وقد كان العزيز بالله ووزيره ابن كلس أول من رتب النفقة الدائمة للقراء والأساتذة بالأزهر ، وحذا حذوهما في ذلك الخلفاء والأمراء والكبراء ؛ في مختلف الدول والعصور.

وهذا النظام في الإشراف على الجامع الأزهر ربما لبث متبعا في جوهره بعد الدولة الفاطمية ، فمثلا نرى في أواخر القرن الثامن ، في عهد الملك الظاهر برقوق ، ولاية النظر على الجامع الازهر ، تسند في سنة ٧٨٤ ه‍ إلى الطواشي بهادر مقدم المماليك السلطانية ، وفي أثناء ولايته صدر مرسوم ملكي يقضى بأن من توفي من مجاوري الجامع دون وارث شرعي ، وخلف تركة ، فإنها تؤول إلى زملائه المجاورين «وفي سنة ٨١٨ ه‍ في عهد السلطان المؤيد ولي نظر الجامع الأمير سودوب القاضي حاجب الحجاب. فكان مما قرره منع المبيت بالجامع الازهر ، وأخرج المجاورين الذين

__________________

(١) أخبار مصر لابن ميسر ٤٦

٢٢٦

اعتادوا السكني فيه (١). وبعد ذلك بقليل في زمن السلطان المؤيد أيضا ولي نظر الجامع شمس الدين محمد الماحوري ، أحد تجار الكارم والجوهر ، وكان من أصدقاء المؤيد. وذلك بطريق النيابة عمن له النظر على الجامع (ولعله الأمير سودوب أيضا) ، فاستعمل القسوة في تنظيم شئونه الداخلية ، وكان يطوف ومعه عصى لردع المخالفين ، وقاسى الطلاب منه شدة (٢) .. على أن ولاية هؤلاء الكبراء النظر على الجامع كانت تقتصر على الناحية الإدارية مما يتعلق بإصلاحه وتعميره والإنفاق عليه ، وتعيين الموظفين اللازمين لإدارته.

أما شئون العبادات فقد كانت دائما من اختصاص خطيب الجامع وإمامه. وقد كان يلي خطابة الجامع الأزهر في العصور المتأخرة والعصور المتقدمة أكابر القضاة والعلماء ، فنرى بين خطباء الجامع الأزهر في أواخر القرن السابع الهجري قاضي القضاة تقى الدين أبا القاسم ابن قاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز (٣) ، وفي أوائل القرن التاسع قاضي القضاة الحافظ ابن حجر العسقلاني (٤) .. وكان يوجد دائما إلى جانب منصب الخطيب منصب الإمام يشغله أيضا بعض العلماء الأعلام ، وصاحبه يلي الخطيب في الأهمية ، ويعاونه في القيام بشئون العبادات. وثمة منصب هام آخر هو منصب «الواعظ» يليه أيضا جماعة من أكابر العلماء ، وقد لبثت هذه المناصب الثلاثة قائمة خلال العصر التركي. وكان من مشاهير العلماء الذين تولوا إمامة الجامع الأزهر في العصور المتأخرة الفخر البلبيسي الضرير أستاذ القراءات ، تولاها في أواخر القرن التاسع الهجري (٥) ، والشيخ رضوان المتوفى سنة ١١١٥ (٦) .. ومن الذين تولوا

__________________

(١) المقريزي في الخطط ج ٤ ص ٥٤

(٢) التبر المسبوك ص ١٩٨

(٣) النجوم الزاهرة ج ٨ ص ٨٢

(٤) التبر المسبوك ص ٢٣١

(٥) التبر المسبوك ص ٣٢ ، ٧٧ ، ٢٣٩

(٦) الجبرتي ـ عجائب الآثار ج ١ ص ٧٢

٢٢٧

منصب الوعظ الشيخ شهاب الدين بن عبد الحق السنباطي المتوفى سنة ٩٥٠ ه‍ ، والشيخ شمس الدين الصفدي المقدسي المتوفى في حدود التسعين وتسعمائة (١).

وأما شئون الدراسة فكان المرجع فيها على الأغلب إلى السلطان ووزرائه. وقد كانت مناصب التدريس في الأزهر وما إليه من المدارس الكبيرة يومئذ من المناصب الدينية الهامة ، فلا يعين فيها سوى أكابر الأساتذة والعلماء ، بيد أنه كان للواقفين والواهبين بلا ريب رأى في تعيين أنواع العلوم التي يخصونها بهباتهم ، وفي اختيار الأساتذة الذين يتولون تدريسها.

منصب مشيخة الأزهر :

وإذا كان من المستطاع أن يتتبع الباحث بعض النصوص والإشارات التي تلقى ضوءا على نظم الإشراف على الجامع الأزهر في العصر الفاطمي وفي عصور السلاطين ، فإنا لا نظفر بعد ذلك برواية أو نصوص شافية توصح لنا كيف تطورت النظم إلى نظام المشيخة الحالي. ومن المعروف الذائع أن نظام المشيخة الحالي إنما هو نظام حديث يرجع على الأكثر إلى نحو قرنين ونصف وأنه طبق لأول مرة في أواخر القرن الحادي عشر الهجري ، حينما أسندت مشيخة الجامع الأزهر إلى الشيخ محمد عبد الخرشي المالكي المتوفى في شهر ذي الحجة سنة ١١٠١ ه‍ (١٦٩٠ م) ، وخلفه في المشيخة الشيخ محمد النشرتي المالكي. ولما توفي هذا الشيخ سنة ١١٢٠ ه‍ (١٧٠٨ م) ، وقعت بالأزهر بسبب المشيخة والتدريس فتنة شديدة ، وانقسم المجاورون ـ الطلاب ـ فرقتين : ترشح إحداهما الشيخ أحمد النفراوي وترشح الأخرى الشيخ عبد الباقي القليني وكلاهما من المالكية. ووقعت بين الفريقين معارك قتل وجرح فيها كثيرون. وانتهى الأمر باستقرار الشيخ القليني في المشيخة والتدريس.

__________________

(١) الكواكب السائرة في اعيان المائة العاشرة ـ مخطوط في دار الكتب.

٢٢٨

والظاهر أن نظام مشيخة الجامع الأزهر يمت بصلة إلى هذا المنهج في نظام الوظائف الدينية الرئيسية. وقد يرجع التفكير فيه وفي قيامة إلى منتصف القرن العاشر الهجري. ذلك أن ولاة الأمر العثمانيين كانوا يعلقون على الوظائف الدينية أهمية خاصة ، وكان الجامع الأزهر يحتل يومئذ بين المساجد والمعاهد الإسلامية مركز الصدارة ، ويزخر دائما بجمهرة كبيرة من العلماء المصريين وإخوانهم من سائر أنحاء العالم الإسلامي ، هم صفوة الأئمة والأساتذة في ذلك العصر ، ومن المعقول أن تكون رياسة الجامع الأزهر ذات أهمية خاصة في نظر ولاة الأمور. وإذا كان الجبرتي لم يذكر شيخا للأزهر قبل الشيخ الخرشي المتوفى سنة ١١٠١ ه‍ ، فإنه من جهة أخرى لم يقل بصفة قاطعة انه كان أول من ولي المشيخة. ومع أنه لم يعثر كذلك فيما أتيح من المراجع على نصوص قاطعة تلقى ضوءا واضحا على أصل مشيخة الأزهر والوقت الذي بدأ فيه تطبيق هذا النظام. فإنه توجد مع ذلك قرائن عديدة ، تدل على أنه يرجع إلى ما قبل أواخر القرن الحادي عشر بكثير.

من ذلك ما رواه صاحب كتاب «ذخيرة الأعلام» (١) في حديثه عن واقعة الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الحق السنباطي مع داود باشا الذي تولى ولاية مصر سنة ٩٤٥ ه‍ (١٥٣٨ م) ، فقد ذكر أنه حدث في شهر شعبان سنة ٩٥٠ ه‍ أن الشيخ ابن عبد الحق قال يوما لداود باشا وهو في موكبه : أنه رقيق لا يجوز له أن يتولى الأحكام ، وأن أحكامه باطلة ما لم يحصل على عتقه .. ثم يقول في قصيدته التي يروي فيها تفاصيل هذه الواقعة :

__________________

(١) هو كتاب «ذخيرة الأعلام. بتواريخ الخلفاء العلماء ، وأمراء مصر الحكام ، وقضاة قضائها في الأحكام» ـ لمؤلفه الشيخ أحمد بن سعد الدين العثماني العمري من علماء أوائل القرن الحادي عشر الهجري ، وهو مكتوب كله بالنظم (مخطوط بدار الكتب رقم ١٠٤ تاريخ).

٢٢٩

لما صغى الباشا للكلام هم بضرب الشيخ بالحسام قال له الجند فدع جذب الحسام فإن هذا شيخ الإسلام الإمام

وانحاز الجند للشيخ ، فأرسل الباشا نبأ هذه الواقعة إلى السلطان فأنعم عليه بعتقه مع تبليغ الشكر إلى الشيخ. وسعى الباشا بعد ذلك إلى الشيخ واسترضاه وقبل رجله ، ولم يقبل الشيخ منه مالا ولا هدية ، ولكنه أصبح من ذلك الحين لا يرد للشيخ رأيا ولا شفاعة (١).

والمهم في هذه الرواية هو نعت الشيخ ابن عبد الحق «بشيخ الإسلام الإمام» ، فإنا نعرف أن لقب شيخ الاسلام كان يطلق قبل الفتح العثماني على «قاضي القضاة» الشافعي ، وقد كان آخر من لقب بهذا اللقب من المصريين قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن عبد العزيز بن علي المتوفى سنة ٩٤٩ (٢) ، فلما ألغى الترك نظام القضاء المصري ، وأقاموا في رياسة القضاء قاضيا تركيا ، كان هذا اللقب يطلق فيما بعد على أكابر العلماء الذين يصلون إلى مرتبة الزعامة العلمية أو على شيوخ الجامع الأزهر والأغلب أن يطلق على هؤلاء الشيوخ.

فهل كان ابن عبد الحق شيخا للجامع الأزهر؟ لقد جاء في ترجمته أنه كان واعظا بالجامع الأزهر. وقال معاصره الإمام الشعراني عنه ما يأتي : «لم نر أحدا من الوعاظ أقبل عليه الخلائق مثله. كان إذا نزل من فوق الكرسي ، يقتتل الناس عليه ، وكان متفننا في العلوم الشرعية ، وله الباع الطويل في معرفة مذاهب المجتهدين. وكان من رؤوس أهل السنة والجماعة ، وكان قد اشتهر في أقطار الأرض كالشام والحجاز واليمن والروم ، وصاروا يضربون به المثل ، وأذعن له علماء مصر الخاص منهم والعام» ، ثم قال : «ولما مات أظلمت مصر لموته وانهدم ركن عظيم من

__________________

(١) هذه القصيدة بأكملها في المخطوط المشار إليه ورقة ١٥٠ و١٥١ عنوان (واقعة ابن عبد الحق مع داود باشا).

(٢) الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة (المخطوط) ج ٢. ص ١٨٢.

٢٣٠

الدين» ، وكانت وفاة ابن عبد الحق ، حسبما ذكر صاحب الكواكب السائرة في أواخر صفر سنة ٩٥٠ ه‍ (١).

لا يميل المؤرخون إلى القطع بأن ابن عبد الحق كان شيخا للجامع الأزهر. ونستطيع القول بإنه يوجد ثمة في ترجمته وفيما نعته به صاحب الذخيرة ما يحمل على الظن بأنه كانت له صفة الرياسة بالأزهر من مشيخة أو غيرها (٢).

ومن ذلك ما رواه فون همار مؤرخ الدولة العثمانية في تاريخه عما حدث بمصر من الاضطرابات في سنة ١٠٦٧ ه‍ (١٦٥٨ م) في عهد الوالي محمد باشا المعروف بشاه سور زاده (ونقله سامي باشا في كتابه) إذ يقول : «جرد هذا الوالي حملة ضد كاشف البهنسي محمد بك فقتل هذا الأمير وجيء برأسه إلى القاهرة. وقد قتل غيره من الأمراء ، وأدت زيادة الاضطرابات إلى أن عقد مجلس كان فيه القاضي وشيخ الجامع الأزهر وغيرهما ، فتقرر فيه الفتوى بضرورة محاربتهم لاستمرار مخالفتهم الأوامر السلطانية ، فجرد عليهم وحاربهم» (٣).

وهنا ـ نجد أنفسنا كما يقول عنان ـ أمام ذكر صريح «لشيخ الجامع الأزهر» وإن كنا لا نعرف من هو هذا الشيخ ، وذكره يجيء في مناسبة تتقدم التاريخ الذي اصطلح على رد المشيخة إليه بنحو أربعين عاما. ومن ذلك ما أورده الجبرتي في ترجمة العلامة إبراهيم بن محمد بن شهاب الدين بن

__________________

(١) راجع الكواكب السائرة (المخطوط المشار اليه) ج ٢ ص ١٧٩ ، ويلاحظ ـ كما قال عنان ـ انه توجد مفارقة بين تاريخ الوفاة في هذه الترجمة وبين واقعة ابن عبد الحق مع داود باشا اذا قال صاحب الذخيرة انها وقعت في شعبان سنة ٩٥٠ ه‍ اي بعد تاريخ الوفاة ، فلا بد انها وقعت قبل ذلك ، أو تكون الوفاة وقعت بعدها.

(٢) ذهب المغفور له امين سامي فيما أورده عن واقعة ابن عبد الحق وداود باشا نقلا عن صاحب الذخيرة إلى أبعد من ذلك ، حيث وصف ابن عبد الحق بأنه «شيخ الجامع» أي الجامع الأزهر (راجع كتاب تقويم النيل ج ٢ ص ١٩)

(٣) كتاب تقويم النيل ج ٢ ص ٥٩.

٢٣١

خالد البروماي المتوفى سنة ١١٠٦ ه‍ ، فقد ذكر صراحة انه كان شيخا للجامع الأزهر (١) ، فمتى كان ذلك ، لا ريب انه تولى المشيخة قبل أن يتولاها الشيخ الخرشي في أواخر القرن الحادي عشر ، وقد توفي الشيخ الخرشي كما تقدم في سنة ١١٠١ ه‍ وتولى المشيخة من بعده الشيخ النشرتي المتوفى سنة ١١٢٠ ه‍ فربما كان البرماوي المتوفى سنة ١١٠٦ قد تولى المشيخة قبلهما ، اي في أواخر القرن الحادي عشر حوالي سنة ١٠٨٠ الى سنة ١٠٩٠ ه‍.

فمشيخة الأزهر إذا ترجع إلى أواخر القرن الحادي عشر فقط ، والشيخ الخرشي كان أول من تولاها غالبا.

والمرجح أن هذا النظام يرجع إلى أواسط القرن العاشر ، وأنه يمت كما قدمنا بصلة إلى التغييرات التي أحدثها الترك العثمانيون في الوظائف الدينية الكبرى ، وقد كان لشيخ الجامع الأزهر وعلمائه نفوذ خاص يعتمد عليه ولاة الأمر كلما اقتضت الظروف والحوادث. وقد بلغ هذا النفوذ فيما بعد مبلغ الرياسة والزعامة في أواخر القرن الثالث عشر ، ولا سيما وقت مقدم الحملة الفرنسية ، حيث كان لأكابر الشيوخ رأي بارز في معظم الحوادث والشؤون الداخلية ، وكانوا يعتبرون دائما ممثلي الأمة ، وكان منهم أعضاء الديوان الذي ألفه الفرنسيون لحكم مدينة القاهرة. وكان لهم نفوذ يذكر في سير الحوادث في ذلك الحين.

ومن المعروف أن العصر التركي هو أكثر العصور في تاريخ مصر الإسلامية غموضا واضطرابا ، وأقلها وثائق ومراجع ، لما حدث فيه من اضمحلال الحركة الأدبية. وفتور الهمم عن التأليف ، وانصراف المؤرخين عن تناول الشؤون العامة والأمور النافعة ، إلى ملق الحكام وتدوين سيرهم الشخصية.

__________________

(١) عجائب الآثار ج ١ ص ٧٠

٢٣٢

فلم يكن للأزهر إذن شيخ من قبل عهدهم يتولى رياستة الدينية.

ويدير شؤونه الإدارية. بل كان يتولاه الولاية العامة سلاطين مصر وأمراؤها ، كباقي المساجد الجامعة بالديار المصرية. ويباشر شؤونه الداخلية مشايخ المذاهب الأربعة وشيوخ الأروقة يعاونهم خطيب المسجد. والمشرف ومعاونوه من العمال والخدم .. وبقي هذا النظام متبعا في الجامع الأزهر غالبا مدة حكم الفاطميين والأيوبيين والمماليك الأولى (البحرية) ، وفي عهد سلطنة الملك الظاهر برقوق ، أول سلاطين المماليك الثانية (البرجية) عين للأزهر : «ناظر» سنة ٧٨٤ ه‍ (١٣٨٢) ، وكان «ناظر الأزهر» يختار من بين كبار موظفي الدولة ، وكان هذا «الناظر» هو الأمير «بهادر» الطواشي كبير المماليك السلطانية ، وكان «ناظر الجامع الأزهر» ينوب عن سلطان مصر ، أو حاكمها ، في الإشراف على شؤون الأزهر ، والقيام على تنفيذ الأوامر والأحكام السلطانية ، والسهر على رعاية مصالح الجامع الأزهر ، ومصالح أهله من علماء وطلاب. وقد عرف من «نظار» هذا العهد المملوكي أيضا الأمير «سودوب» القاضي وحاجب الحجاب ، ولي «نظارة الجامع الأزهر» سنة ٨١٨ ه‍ (١٤١٥ م) .. ولما استولى الأتراك العثمانيون على مصر سنة ٩٢٣ ه‍ (١٥١٧ م) ساروا على نهج من سبقهم من سلاطين مصر وأمرائها ، فحافظوا على الأوضاع المرعية في الأزهر ، واهتموا برعاية شؤونه ، والسهر على مصالح أهله ، واقتدى الولاة العثمانيون بسلاطين آل عثمان فعرفوا لهذا المعهد العلمي الديني الإسلامي حقه من الرعاية والتقدير ، وجددوا به كل دارس ، وزادوا في عمارته ، ووسعوا من رقعته ، وأوقف الأمراء ، والولاة وكبار رجال الدولة والأعيان الكثير من الأموال والأملاك ، والعقارات على علمائه وطلبته ، فاتسعت إدارته ، وتشعبت مصالح أهله ، وأصبحت الحاجة ماسة إلى وجود شخص يتفرغ للإشراف على شؤون هذا المعهد الدينية والإدارية معا ، ويكون رئيسا لشيوخ المذاهب والأروقة ، وسائر علماء الأزهر وطلابه ، ومسؤولا مباشرة أمام الولاة والسلاطين ، وحلقة اتصال بين الحكومة وأقسام الأزهر

٢٣٣

المختلفة ، فاستحسنت «الدولة العلية» قبيل نهاية القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) أن يعين للأزهر : «شيخ عموم» يدير شؤونه ، ويراقب أموره من تعاليم وغيرها ، ويلقب : «بشيخ الجامع الأزهر».

ومنذ العهد التركي العثماني والجامع الأزهر يحتفظ بهذه الوظيفة ، التي تطورت مظاهرها ، واتسعت اختصاصاتها على حسب تطورات الزمن ، ومقتضيات الظروف والأحوال ، حتى آلت إلى ما هي عليه الآن.

واليوم يختار «شيخ الجامع الأزهر» من بين جماعة كبار العلماء ، ممن تتوافر فيهم الشروط الآتية : أن تكون سنة خمسا وأربعين سنة على الأقل ، وأن يكون معروفا بالورع والتقوى في ماضيه وحاضره ، وحائزا لشهادة العالمية منذ خمس عشرة سنة على الأقل ، وأن يكون قد اشتغل بالتدريس مدة خمس سنوات على الأقل في إحدى كليات الجامع الأزهر ، أو بالقسم العالي المقرر بالقانون رقم ١٠ لسنة ١٩١١ م ، أو يكون قد شغل منصب مفتي الديار المصرية ، أو كان عضوا بالمحكمة العليا الشرعية.

ويعين «شيخ الجامع الازهر» بأمر جمهوري ، ويصير من يعين شيخا للجامع الأزهر من غير جماعة كبار العلماء عضوا في هذه الجماعة بحكم القانون.

شيوخ الأزهر :

وقد تولى مشيخة الأزهر كثير من الأئمة الأعلام ، وهم :

١ ـ الشيخ الخرشي المالكي ـ وترجمة في تاريخ الجبرتي الجوء الأول ص ٦٥ ـ وقد توفي الخرشي ١١٠١ ه‍ (١).

ويعد أول من تولى مشيخة الأزهر ، وهو الشريف الإمام أبو عبد الله

__________________

(١) راجع ايضا ٢٠٨ / ١ الجبرتي.

٢٣٤

محمد بن عبد الله الخرشي المالكي ، والخرشي نسبة لبلدة يقال لها أبو خراش من البحيرة بالديار المصرية ، انتهت إليه الرياسة في مصر حتى لم يبق بها في آخر عمره إلا طلبته ، وكان متواضعا عفيفا واسع الخلق كثير الأدب والحياء كريم النفس حلو الكلام كثير الشفاعات عند الأمراء مهيب المنظر دائم الطهارة كثير الصمت كثير الصيام والقيام زاهدا ورعا متقشفا في مأكله وملبسه ومفرشه ، وكان لا يصلي الصبح صيفا وشتاء إلا بالجامع الأزهر ، وكان يقضي مصالحه من السوق بيده ومصالح بيته في منزله ، يتعمم بشملة صوف بيضاء ، وكانت ثيابه قصيرة على السنة المحمدية واشتهر في بلاد الأرض من بلاد الغرب والتكرور والشام والحجاز والروم واليمن ، وكان يعير من كتبه من خزانة الوقف بيده لكل طالب مع السهولة ايثارا لوجه الله تعالى ، ولا يمل في درسه من سؤال سائل ، وكان أكثر قراءته بالأقبغاوية ، وكان له في منزله خلوة للعبادة ، ومن مشايخه : على الاجهوري وإبراهيم اللقاني ، ووالده الشيخ عبد الله الخرشي ، ومات في ٢٧ ذي الحجة ١١٠١ ه‍ ودفن مع والده بقرب مدفن سيدى محمد البنوقري بواسطة قرافة المجاورين. وله شرحين على متن خليل ، وكتاب في الكلام وهو أول شيخ تولى مشيخة الأزهر الشريف ، وكان في العلم غاية لا تنال .. ويقول الشيخ منصور رجب من مقال نشره عنه في مجلة الأزهر :

أول شيخ تولى مشيخة الأزهر هو الشيخ محمد عبد الله علي الخرشي المالكي المتوفى سنة ١١٠١ ه‍ نسبة إلى قرية من قرى مديرية البحيرة اسمها «أبو خراش». وهذه القرية يقول عنها المرحوم علي مبارك باشا في خططه (١) : «إنها بقسم شبراخيت واقعة في بحرى الكوكبة بنحو ستمائة متر ، وفي قبلى «محلة نابت» بنحو ثمانمائة متر ، وابنيتها باللبن ، وبها جامع ضريح لولى عليه قبة ، وفي مشرقيها ضريح سيدى عطية ، وبها إبعادية لمنصور باشا يكن ، وفيها ـ لعمدتها محمد عمر ـ دوار ومضيفة

__________________

(١) ج ٩ ص ٢١

٢٣٥

وزراعة متسعة نحو ألف فدان ، وبها بستان نضر ، وأكثر أهلها مسلمون». والشيخ الخرشي هذا ترجمه الشيخ علي الصعيدي العدوي في حاشيته على شرحه الصغير لمتن خليل ، فقال : «هو العلامة الإمام ، والقدوة الهمام ، شيخ المالكية شرقا وغربا ، قدوة السالكين عجما وعربا ، مربي المريدين ، كهف السالكين ، سيدى أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن علي الخرشي ، ونسب عصبته بأولاد صباح الخير ، انتهت إليه الرياسة في مصر حتى لم يبق بها في آخر عمره إلا طلبته وطلبة طلبته ، وكان متواضعا عفيفا ، واسع الخلق ، كثير الأدب والحياء ، كريم النفس ، جميل المعاشرة حلو الكلام ، كثير الشفاعات عند الأمراء وغيرهم ، مهيب المنظر ، دائم الطهارة ، كثير الصمت ، كثير الصيام والقيام ، زاهدا ورعا ، متقشفا في مأكله وملبسه ومفرشه ولا يصلي الصبح صيفا ولا شتاء إلا بالجامع الأزهر ، ويقضى بعض مصالحه من السوق بيده ومصالح بيته في منزله. ويقول من عاشره : ما ضبطنا عليه ساعة هو فيها غافل عن مصالح دينه أو دنياه ، وكان إذا دخل منزله يتعمم بشملة صوف بيضاء ، وكانت ثيابه قصيرة على السنة المحمدية ، واشتهر في أقطار الأرض ، كبلاد الغرب والشام والحجاز والروم واليمن ، وكان يعير من كتبه من خزانة الوقف بيده لكل طالب ، مع السهولة إيثارا لوجه الله تعالى ، ولا يمل في درسه من سؤال سائل ، لازم القراءة سيما بعد شيخه البرهان اللقاني وأبى الضياء علي الأجهوري. وكان أكثر قراءته بمدرسة الأقبغاوية. وكان يقسم متن خليل نصفين : نصف يقرؤه بعد الظهر عند المنبر كتلاوة القرآن ، ويقرأ النصف الثاني في اليوم الثاني ، وكان له في منزله خلوة يتعبد فيها ، وكانت الهدايا والنذور تأتيه من أقصى بلاد الغرب وغيرها فلا يمسك منها شيئا ، بل أقاربه ومعارفه يتصرفون فيها.

أخذ العلوم عن عدة من العلماء الأعلام كالعلامة الشيخ علي الأجهوري ، وخاتمة المحدثين الشيخ إبراهيم اللقاني ، والشيخ يوسف القيشي والشيخ عبد المعطى البصير ، والشيخ يسن الشامي ، ووالده الشيخ عبد الله الخرشي ، وتخرج عليه جماعة حتى وصل ملازموه نحو مائة ، منهم

٢٣٦

العارف بالله الشيخ أحمد اللقاني ، والشيخ محمد الزرقاني ، والشيخ علي اللقاني ، والشيخ شمس الدين اللقاني ، والشيخ داود اللقاني ، والشيخ محمد النفراوي ، وأخوه الشيخ أحمد ، والشيخ الشبراخيتي ، والشيخ أحمد الفيومي ، والشيخ إبراهيم الفيومي ، والشيخ أحمد الشرفي ، والشيخ عبد الباقي القليني والشيخ علي المجدولي. ولما توفي في صبيحة يوم الأحد السابع والعشرين من شهر ذي الحجة سنة ١١٠١ دفن مع والده بقرب مدفن الشيخ العارف بالله سيد محمد البنوقري بوسط تربة المجاورين.

يقول : وقبره مشهور ، وما رأيت في عمري أكثر خلقا من جنازته إلا جنازة الشيخ سلطان المزاحي ، والشيخ محمد البابلي.

وله مؤلفات ، منها شرحه الكبير علي متن خليل ثمانية أجزاء ، وشرحه الصغير علي خليل أيضا أربعة أجزاء ، وله جزء في الكلام على البسملة نحو أربعين كراسة ، وغير ذلك.

هذا هو الشيخ محمد الخرشي أول شيخ من أبناء الأزهر تولى هذه الرياسة الدينية العامة. ولقد كانت مصر أول ما عرفت من مذاهب الفقهاء عرفت مذهب مالك ، فلقد دخلها به عبد الرحيم بن خالد بن يزيد بن يحيى مولى جمح وتوفي بالإسكندرية سنة ١٦٣ ه‍ ، في أيام الليث بن سعد ، واشتهر بمصر هذا المذهب ، ولم يزل مشتهرا حتى قدم محمد بن إدريس الشافعي في سنة ١٩٨. أما مذهب أبي حنيفة فلم يكن أهل مصر يعرفونه كما يعرفون مذهب مالك والشافعي. والحنابلة لم يسمع عنهم بمصر إلا في القرن السابع.

وكان التفاف الناس في ذلك العصر حول مذهب مالك والشافعي أكثر من التفافهم حول مذهب أبي حنيفة ، حتى أن مدرسة محمد بك أبي الذهب قبيل عصر الشيخ الخرشي بقليل لما وظف بها المدرسون وكانوا ستة عشر مدرسا ، كان منهم سبعة من شيوخ الشافعية وستة من شيوخ المالكية ، وثلاثة من شيوخ الحنفية. وكان الإفتاء في ذلك الوقت لا يقتصر

٢٣٧

على مذهب بعينه ، بل كان لكل مذهب مفت. وكان المفتون يجلسون بعد دروسهم لإفادة الناس ، فكان بجامع محمد بك ثلاثة أماكن برسم جلوس ثلاثة من المشايخ المفتين ، وكان منهم الشيخ أحمد الدردير مفتي المالكية ، والشيخ عبد الرحمن العريشي مفتي الحنفية ، والشيخ الكفراوي مفتي الشافعية. وكان الأزهر يتولى شئونه في أول عهده رجل يسمى مشرف. وفي عهد المماليك كان يتولى أمره رجل من كبار الموظفين يسمى ناظرا ، منهم الأمير الطواشي بهادر المقدم على المماليك السلطانية ، ولى نظره في سنة ٨٧٤ ه‍ وهو الذي أنجز مرسوم السلطان الملك الظاهر برقوق الخاص بجعل أبناء الأزهر أسرة واحدة يرث بعضهم بعضا إذا مات أحدهم ولم يكن له وارث شرعي. ومنهم الأمير سودوب القاضي حاجب الحجاب ، ولى نظره سنة ٨١٨ ه‍. أما تلك الرياسة الدينية العلمية فعرفها الأزهر في العهد التركي بلقب «شيخ الأزهر» .. ولقد توالى على هذه الرياسة منذ إنشائها حتى الآن أربعون شيخا ، وأولهم الشيخ الخرشي هذا.

٢ ـ وتقلدها على الأرجح بعده الشيخ إبراهيم بن محمد البرماوي الشافعي وبقي فيها إلى أن توفي سنة ١١٠٦ ه‍.

٣ ـ الشيخ محمد النشرتي المالكي وقد توفي عام ١١٢٠ ه‍ (١) وهو ثالث شيخ للأزهر.

٤ ـ وخلفه الشيخ عبد الباقي القليني المالكي في المشيخة والتدريس (٢) ، ولما مات تقلدها بعده الشيخ محمد شنن.

__________________

(١) ٢٠٨ ج ١ الجبرتي

(٢) نشأ الشيخ عبد الباقي القليني في بلدة قلين بمحافظة كفر الشيخ ، ثم وفد إلى القاهرة للدراسة بالأزهر ، وتلقى العلم على مجموعة من كبار علمائه منهم : الشيخان إبراهيم الرماوي ومحمد النشرتي ... وبعد أن أتم دراسته جلس للتدريس في الأزهر فانتظم في حلقته الكثيرون من مقدري علمه وعارفي فضله.

من أهم ما عني به الشيخ القليني .. توجيه تلاميذه إلى العناية بالكتب القديمة ، والغوص في أعماقها لاستخراج ما بها من كنور ومعارف ، وكايعينهم على فهم ما استغلق عليهم من

٢٣٨

٥ ـ الشيخ العلامة شيخ الجامع الأزهر الشيخ محمد شنن المالكي .. توفي سنة ١١٣٣ ه‍ عن سبع وسبعين سنة (١).

٦ ـ الشيخ ابراهيم بن موسى الفيومي المالكي شيخ الجامع الأزهر .. تفقه على الشيخ محمد بن عبد الله الخرشي ، قرأ عليه الرسالة وشرحها ، وكان معيدا له فيهما. وتلبس بالمشيخة بعد موت الشيخ محمد شنن ، ومولده سنة ١٠٦٢ .. وأخذ عن الشبراملسي والزرقاني والشهاب أحمد البشبيشي وغيرهم كالشيخ الغرقاوي وعلي الجزايرلي الحنفي. وأخذ الحديث عن يحيى الشاوي وعبد الرحمن الأجهوري والشيخ ابراهيم البرماوي ، وله شرح على العزية في مجلدين ...

توفى سنة سبع وثلاثين ومائة وألف عن خمس وسبعين سنة (٢).

٧ ـ ولما مات الشيخ الفيومي المالكي شيخ الجامع الأزهر عام ١١٣٧ ه‍ ، انتقلت المشيخة الى الشافعية ، فتولاها الشيخ عبد الله الشبراوي. ويتحدث الجبرتي عن جاهه ومكانته ويذكر أسماء بعض شيوخه ، ومنهم : الشيخ خليل اللقابي ، والشهاب الخلبقي ، ومحمد بن عبد الباقي الزرقاني ، وأحمد النفراوي ، والشيخ منصور المنوفي ، وصالح الحنبلي ، وسواهم (٣).

وكان طلبة العلم في أيام مشيخته في غاية الأدب والاحترام.

ومن آثاره : مفاتح الالطاف في مدائح الأشراف ، وشرح الصدر في

__________________

تلك الكتب ويملي الحواشي عليها جريا على سنة العلماء في تلك الفترة وما كان متبعا فيها ..

كان الشيخ عبد الباقي القليني من الأئمة فقهاء المالكية في زمانه ، ولهذا وقع عليه الاختيار عام ١١٢٠ ه‍ «١٧٠٨ م» ليتولى مشيخة الازهر .. (٢٠٩ ج ١ الجبرتي)

(١) ٧٣ ج ١ تاريخ الجبرتي طبعه ١٢٩٧ ه

(٢) ٨٧ ج ١ الجبرتي

(٣) ٢٠٩ ج ١ الجبرتي

٢٣٩

غزوة بدر وتوفي سنة ١١٧١ ه‍ ، عن ثمانين سنة ، وصلى عليه بالأزهر (١).

وصار لأهل العلم في مدته رفعة ومقام ومهابة عند الخاص والعام ، ولم يزل يملي ويدرس ويفيد ، وعد إماما عظيما. وكان مقبول الشفاعة ، وهاداه الأمراء ، وعمر دارا عظيمة على بركة الازبكية بالقرب من الرويعي. ومن آثاره «شرح الصدر في غزوة بدر» و «مفاتح الألطاف في مدائح الإشراف.

وهو ديوان يحتوي على غزليات وأشعار ومقاطيع ، وقد ذهب الجبرتي وغيره الى أن مفاتح الألطاف هذا كتاب غير الديوان ، وليس كذلك فإنه يقول نفسه في في مقدمة الديوان «وسميته مفاتح الألطاف ...» وهو القائل (٢) لهذه القصيدة العذبة التي تسيل عذوبة ورقة المشهورة على ألسنة بعض المغنين :

بحقك أنت المنى والطلب

وأنت المراد وأنت الأرب

ولي فيك يا هاجري صبوة

تحير في وصفها كل صب

أبيت أسامر نجم السما

إذا لاح لي في الدجى أو غرب

وأعرض عن عاذلي في هواك

إذا نم يا منيتى أو عتب

أمولاي بالله رفقا بمن

اليك بذل الغرام انتسب

فاني حسيبك من ذي الجفا

ويا سيدي انت أهل الحسب

ويا هاجري بعد ذاك الرضا

بحقك قل لي : لهذا سبب؟

فاني محب كما قد عهدت

ولكن حبك شيء عجب

متى يا جميل المحيا أرى

رضاك ويذهب هذا الغضب؟

أشاع العذول بأني سلوت

وحقك يا سيدي قد كذب

ومثلك ما ينبغي أن يصد

ويهجر صبا له قد أحب

__________________

(١) ٢٠٩ ج ١ الجبرتي.

(٢) «ديوان الشبراوي» ص ٨ ، ٩

٢٤٠