حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

احمد حسين يعقوب

حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

المؤلف:

احمد حسين يعقوب


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٩

وأن ينصف!!! بطون قريش فيعلن حقها بالملك من بعده ويعترف بهذا الحق ، كما اعترفت له بطون قريش بالنبوة!!! ولكن النبي لم يجر أية تعديلات على ترتيباته السابقة!! إذاً لم يبق أمام زعامة بطون قريش وحلفائها إلا أن تفرض رأي الاكثرية بالقوة وأن تحول بين دولة آل محمد وبين الظهور ، وتقيم بدلاً منها دولاً لبطون قريش متتابعة لأن أكثرية الناس بعد الإسلام يتبعون قريشاً تماماً كما اتبعوا أثناء مقاومتها للنبي وحربها له. والفرق أنهم الآن يتبعونها تحت خيمة الإسلام وكانوا سابقاً يتبعونها تحت خيمة الشرك!! ويكفي محمداً والهاشميين أن بطون قريش جميعاً ومواليها ومن تعاطف معها من العرب ، والمنافقين ، والمرتزقة من الأعراب يعترفون بنبوته ، ويتلقطون بالشهادتين وهم من حيث المبدأ على دينه ، فماذا يريد غير ذلك!!! اما أن يتأمر أحفاده على بطون قريش من والاها ، وأن يكونوا قادة لها إلى يوم الدين ، فالموت أهون على البطون منه وهي لن تقبله حتى ولو اضطرت إلى ترك الدين نفسه!!! وتحددت الخيارات بخيار واحد إما دولة آل محمد وردة البطون ومن والاها عن الإسلام ، وأما دولة البطون وبقاء البطون ومن والاها على دين الله بالقدر الذي تراه مناسباً!!! ولقد فهم الرسول في آخر أيامه هذه الحقيقة ، وفهمها الإمام علي وأعلنها بأكثر من مناسبة في ما بعد.

وصممت زعامة بطون قريش وقادة النفاق على ذلک وركبوا رؤوسهم ، وأخذوا يتربصون ، وينظرون بفارغ الصبر موت النبي ، ليستولوا بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع على الملك الذي تمخضت عنه النبوة!!! وليُلغوا نهائياً كافة الترتيبات الإلهية المتعلقة بقيادة الأمة طوال عصر ما بعد النبوة ، والتي أعلنها النبي ، لأن هذه الترتيبات مجحفة على حدّ تعبير زعامة البطون ، ومن المحال أن يأمر بها الله!! إنما هي صادرة عن محمد ومحمد بشر يتكلم في الغضب والرضى!! وبالتالي فإنها غير ملزمة!! لأن المسلمين أعرف بشؤون دنياهم!! وفضلاً عن ذلك فإن القرآن وحده يكفي والقرآن لم يعلن صراحة عما أعلنه النبي!!

كشف حقيقة ما يجري

الله جلت قدرته على علم تام بما تدبره زعامة البطون ، وحلفائها ، وعلى علم

٣٠١

بتحركاتها ، وبحجم التغير والضرر الذي ألحقته تلك الحركات. بحالة الانسجام العام الذي كان سائداً قبلها. كانت تحركات البطون علنية وغير خافية على أحد لأنها كانت مستندة إلى دعم الأكثرية التي حاربت رسول الله قبل الإسلام ثم أسلمت ، وكانت زعامة البطون تهدف إلى إلزام الرسل بإحداث تغييرات جذرية على الترتيبات التي أعلنها لقياد الأمة طوال عصر ما بعد النبوة!! ولكن هذا الوضوح والمعلومات التي عرفها الجميع عن تحركات زعامة البطون كانت تستند إلى الملاحظة والسمع والمشاهدة ، وتحركات الرسول وتوجهاته لا تستند إلى مثل هذه الأمور ، ولا تصدر بناء عليها وحدها ، لقد كان يعرف عن هذه التحرکات كما كان يعرف غيره وأكثر ، ولكنه كان ينتطر القول الفصل واليقيني من الوحي الإلهي ، وينظر التوجيهات الإلهية لمواجهة مكر البطون وما تدبره وترمى إليه!! ولم يطل انتظار النبي ، فقد جاءه الوحي ، واحاطة علماً بكليات وتفاصيل ما تدبره زعامة بطون قريش ، ثم أمر نبيه بأن يكشف للجميع ما يجري الإعداد له في الخفاء ، وان يبين للجميع بأن نتائجه ستكون مدمرة ، حيث سيدفع الجميع الثمن غالياً لهذا المكر ، لأنه الأسباب لفتنة إذا وقعت لن تنتهي ، بل ستتمادي كلما قيل أنها انتهت. وإن هذه المكر لن يلحق ضرراً بالله وبرسوله ، لأن الله غنى عن العالمين ، بل سيلحق أشد الأضرار بالماكرين أنفسهم وبذرياتهم وبالناس أجمعين ، لأن النتيجة المؤكدة لهذا المكر هي حل عرى الإسلام كلها ، لأن الإسلام يتوقف على عروة الحكم ، فإذا حُلت عروة الحكم يرفع الإسلام عملياً من الحياة ، وستحل بالضرورة كافة عرى الإسلام تبعاً لعروة الحكم ، وينحرف الجميع تماماً عن صراط الله المستقيم ويدخلون في ليل من التيه لا آخر له. وحذر رسول الله المسلمين عامة ، وبطون قريش ومن لف لفها ، وأقام الحجة على الجميع ليهلك من هلك عن بينة ، ولتتضاعف عقوية المجرمين إذا اقترفوا جرائمهم ، لأنهم يقترفونها بالرغم من التحذير ومع سبق الأصرار الترصد والأعظم من ذلك وكما بيّنا في الباب الأول أن الرسول قد سمى قادة الفتن بأسمائهم ، وحذر منهم ، وبين لأصحاب الخطر تفاصيل ما سيفعلونه مستقبلاً ، وحذرهم من فعله ، لقد استبق رسول الله الأحداث قبل وقوعها ، ووصف أفعال المسلمين قبل أن تقع تلك الأفعال ، لأن الله قد زوده

٣٠٢

بصورة دقيقة لوقائع المستقبل قبل أن تقع فكان الرسول يصف ويحذر بناء على مخطط وخارطة الهية موضوعة أمامه ، لقد حذر رسول الله المسلمين مجتمعين من أن يأتوا تلک الأفعال أو أن يسمحوا بحدوثها ، ثم حذر کل واحد منهم علي انفراد ، وکانت تحذيرات الرسول شاملة للجميع ، وخاصة بأصحاب الخطر.

أمثلة ونماذج من تحذيرات الرسول

١ ـ بيّن الرسول للمسلمين بأن أهل بيته سيلقون بعده القتل والتشريد والتطريد ، وطلب من المسلمين أن لا يفعلوا بأهل بيته ذلك ، واذا قتلهم أو شردهم أو طردهم أحد فعلى المسلمين أن يقفوا مع أهل بيته.

٢ ـ وبيّن النبي للمسلمين أن ابنه الحسين سيكون وحيداً ذات يوم وسيحيط به وبمن معه أعداء الله من كل جهة يريدون قتلهم ، فلا تتركوا ابني الحسين وحيداً ، بل اُنصروه واُحموه ، ولا تمكنوا أحداً من قتله.

٣ ـ أشار الرسول ذات يوم إلى بيت زوجته عائشة كما يروي البخاري وقال للمسلمين : « من ها هنا يطلع قرن الشيطان » ... وقال لزوجته عائشة ذات يوم أن كلاب الحوأب ستنبحها ، وحذرها من ان تفعل ذلك.

٤ ـ وسأل الرسول الزبير في جلسة ضمته وعلياً أتحب علياً فقال الزبير : نعم ، فقال الرسول : ستقاتله يوماً وانت ظالم له!!

والخلاصة أن الرسول لم يترك فعلاً ، ولا واقعة ستقع الا وحذر المسلمين منها ، وحثهم على أن لا يفعلوها!! ولم يترك أمراً فيه خير إلا وحثهم على فعله. القلة المؤمنة هي التي صدقته وحملت كل أقواله على محمل الجد ، أما الأكثرية الساحقة التي اتبعت بطون قريش فاستبعدت أن تكون كافة هذه المعلومات المشيرة من الله ، وقدرت أنها ربما كانت من التحليلات الشخصية لمحمد ، والتي لا ينبغي أن تحمل محمل الجد.

لقد اختصروا الدين والدنيا بكلمة واحدة وهي الخلافة ، فيجب أن لا يتولاها رجل من آل محمد ، ويجب أن تكون لهم وفي سبيل ذلك كانوا على استعداد للتضحية بالدين ، وبالنبي نفسه. بدليل أنهم قد أقدموا مع سبق الاصرار والترصد

٣٠٣

في ما بعد على حل عرى الإسلام كلها وعلى اقتراف كل ما حذرهم الرسول من اقترافه ، وعلى رفع الإسلام عملياً من واقع الحياة ، ولم يبقوا منه غير القشور والشكليات اللازمة لبقاء ، وتوسيع رقعة مملكة الخليفة!!

الجهد النبوي المكثف

باختصار شديد لقد اعلن الرسول ما أوحى اليه ، وبلغ كافة التحذيرات الإلهية بكل وسائل الإعلان وطرق التبليغ والبيان ، فرسم صورة كلية وتفصيلية لوقائع المستقبل ، وعلم الامة وقيادتها وأفرادها فيه وبين لكل واحد من أصحاب التأثير والخطر دوره وأفعاله وطلب منه أن يحذر وأن لا يفعل ما ينوي فعله ، ثم بين للجماعات ما تنوي فعله مستقبلاً حذرها من فعله ، ثم بين للمسلمين جيمعاً بأن هذه الأفعال ستقع ذات يوم ، ومن واجبهم أن يستعدوا له ، وان يحولوا بكل الوسائل دون وقوعها فلا ينبغي ان يخرج الحق من أهله ، ولا ينبغي ان يقتل اعداء الله أهل بيت النبوة ولا ينبغي أن يشردوا أو يطردوا ، وإنه من العار أن يقتل أعداء الله أهل بيت النبوة ، ولا ينبغي أن يشردوا أو يطردوا ، وإنه من العار أن يقتل ابن النبي بين المسلمين ولا ينصره أحد ، ويبکي النبي بکاء ترق له الحجارة الصلداء ويحاول وبکل الوسائل أن يضفي على تحذيراته طابع الجدية ، وأن يقنع الناس بأن ما أخبرهم به من أنباء الغيب قد أوحيت إليه من ربه لأنه لا يعلم الغيب ، وليس له ولغيره أن يتقول على الله ما لم يوحى به اليه ، وبين لهم الرسول بأنهم إن لم يسمعوا منه ، فإن عرى الإسلام ستحل كلها ، وستعود الجاهلية ، ولكن بثوب الإسلام ، ولن يبقى من الإسلام الا إسمه ورسمه والأنكى بأن مقاليد الأمور ستؤول إلى أعداء الله الذين حاربوا الله ورسوله بالأمس بكل وسائل الحرب ، وهم جبابرة ظلمة لا يرعون في مؤمن إلاّ ولا ذمة ، فاذا آلت مقاليد الأمور اليهم ، فانهم سيفعلون فعل فرعون ، فيقتلون أبناء الذين آمنوا ، ويستحيون نساءهم ، ويأخذون أموالهم ، ويسومونهم سوء العذاب ...

إن الجهد المكثف الذي بذله الرسول ليجنب الأمة مخاطر الوقوع بين مخالب أئمة الضلالة ، ومخاطر الخروج من دائرة الشرعية الإلهية لم يبذله نبي أو رسول قط. لقد خاض في هذه الناحية معركة حقيقية وبذل فيها من الجهد والعناء ، ما

٣٠٤

لم يبذله في أي معركة من المعارك الحربية التي خاض غمارها.

نتايج الجهد النبوي

١ ـ لقد أقيمت الحجة الكاملة على بطون قريش وزعامته ومن والاها ، وهذا يعني بأنهم إن اقترفوا ما حذر منه الرسول سيقترفونه مع العلم وسبق الاصرار ، وبدون شبهه وأن حجة الله عليه ستکون كاملة.

٢ ـ إن الحقائق ومقومات الحكم على تلك الفترة قد توفرت بالكامل فيمكن لمن يقف عليها كلها ان يعرف بوضوح وبقناعة تامة من هم الذين يتحملون مسؤولية حل عرى الإسلام كلها ، ومن هم الذين وطدوا لائمة الضلالة.

٣ ـ هذا الجهد العظيم المكثف الذي بذله النبي لم يؤثر اطلاقاً على زعامة بطون قريش ، الموتورة ، فلو جاءها الله والملائکة قبيلاً ما سمحت لأولي الأمر من أهل بيت النبوة ان يتولوا الخلافة من بعد النبي ، لأن هذا يعني تكوين دول لآل محمد ، ويعني ان يجم الهاشمينو ن النبوة والملک معاً ، والموت نفسه أخف على زعامة بطون قريش وأبنائها وعلى المنافقين من ذلك!! وبطون قريش لن تسمح على الإطلاق لأي رجل هاشمي أو من ذرية محمد خاصة بأن يتولى الخلافة من بعد النبي مهما كلف الأمر. ثم ان زعامة البطون لن تتراجع بأنها الأولى بالخلافة ، لأن الهاشميين أخذوا النبوة ولأن النبي من قريش.

وبهذه الحالة فإن الجهد المكثف الذي بذله الرسول لم يثمر بتغيير تفكير زعامة بطون قريش ، أو زحزحتها عن مواقفها ، وكانت الزعامة القرشية تتوقع من النبي أن يعدل الترتيبات التي أعلنها ، معتقدة أنها ترتيبات خاصة من الرسول كبشر ، وليست ترتيبات إلهية ، لأن الله اعظم وأعدل من أن يخص الهاشميين بالنبوة والخلافة معاً ويحرم بطون قريش من الشرفين معاً!!!

٤ ـ إن زعامة بطون قريش ومن لف لفها ماضون بتنفيذ نواياهم ومصرّون على اقتراف أفعالهم التي حذرهم الرسول منها لأنها ضرورية لتحقيق كامل أهدافهم ، « والمسلمون أعلم بشؤون دنياهم » من الرسول نفسه!!!

٥ ـ إن بطون قريش ستمد يدها لكل من يتبنى أهدافها ، ويرى حقها بالخلافة

٣٠٥

ويعارض حق آل محمد بقيادة الامة ، وقريش لا تسأل عن تاريخ حلفائها ، ولا عن ايمانهم ، ولا عن مؤهلاتهم ، وتكتفي ممن يحالفها بأن يتلفظ بالشهادتين فقط ، ولا عبرة لكونه منافقاً أو فاجراً فهي ستعين بقوة المنافق ، وبقوة الفاجر ، واثمهما على نفسيهما على حد تعبير عمر بن الخطاب كما وثقنا على الباب الأول ، والمهم في نظر زعامة البطون هو العدل ـ ولا غير العدل ـ ووفق قواعد هذا العدل فإن الخلافة لبطون قريش ، وليست لأئمة أهل بيت النبوة كما أعلن محمد بصفته الشخصية!!! وقد وثقنا كل ذلك في كتابنا : « المواجهة مع رسول الله وآله ».

الوعد الإلهي بدولة آل محمد

لما تبين للرسول الأعظم بأن القوم ماضون في برنامجهم ، وأنهم سيحولون بالفعل بين أئمة أهل بيت النبوة وبين الخلافة ، وفوق ذلك سيصبون نقمتهم على آل محمد ويشردونهم ، ويطردونهم ، ويقتلونهم تقتيلاً وأن أعداء الله الذين حاربوه بالأمس حتى أحيط بهم ، فاضطروا لإعلان إسلامهم هم الذين سيتولون خلافته ، وسيحكمون أمته!! وأن كافة عرى الإسلام ستحل ، وأنه لن يبقى من الإسلام إلا اسمه ورسمه ، ويذوب قلبه حزناً وأسفاً ولا يرى بعدها ضاحكاً أبداً ، وعلم الله بحجم الهم والحزن الذي أناخ بكلاله الثقال على قلب النبي الشريف ، فيعده بدولة آل محمد ، وأنها ستطون آخر الدول ، وهي دولة من نوع خاص ، حيث ستحكم العالم كله ، ويخضع لسلطانها كل سكان الكرة الأرضية ، وأن مؤسس تلك الدولة هو حفيد النبي ، محمد بن الحسن ، وهو المهدي المنتظر ، وأوحى الله إلى نبيه بكافة المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع ، فسر النبي سروراً بالغاً وبدأ جهداً مكثفاً جديداً لإطلاع المسلمين على ما أوحى إليه ، وأطلعهم بالفعل على كل ما أوحى اليه بهذا المجال من أنباء الغيب ، فدولة آل محمد ستملأ الأرض كلها عدلاً وقسطاً ، كما ملئت جوراً وظلماً ، ودولة آل محمد ستنتقم من الظالمين ، وتفتح كافة حصون الضلالة ، ودولة آل محمد ستحقق الكفاية والرخاء للجميع ، وسيرضى عنها الجميع ، إنها طراز خاص من الدول بعض وزرائها من الرسل والأنبياء وبعضهم من الصديقين والأولياء ، عدلها يتسع لِلبرِّ والفاجر ، إنها دولة كل الجنس البشري ، لقد فرح النبي وأهل بيته بهذا الوعد الإلهي ، وأيقنوا أنه

٣٠٦

واقع لا محالة لأن الله لا يخلف وعده. أما أعداء الله وبطون قريش فقد صدموا من حجم التعويض الإلهي لأهل بيت النبوة ، وحزنوا لأن الله خص أهل بيت النبوة بالمهدي ، وحرم بطون قريش من هذا الشرف ، فازدادوا حسداً فوق الحسد ، وحقداً مع أحقادهم ، فاخذوا يخفون هذه المعلومات ، ويشككون بما شاع منها وانتشر.

المعالم الأساسية لدولة آل محمد

١ ـ مقومات الدولة

الأقليم : من المؤکد استناداً للأحاديث النبوية ولأحاديث أئمة أهل بيت النبوة ولاحاديث أئمة أهل بيت النبوة الذين ورثوا علمي النبوة والكتاب بأن الإمام المهدي مؤسس دولة آل محمد سيفتح مشارق الأرض ومغاربها ويملك المشارق والمغارب ، وهذا يعني أن الكرة الأرضية كلها ستکون إقليماً لدولة آل محمد ويدل على هذا قول النبي : « لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي ... يملك الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً » [ الحديث رقم ٦١ من المعجم راجع المراجع المدونة تحته ] ، فكيف يملأ الإمام المهدي الأرض عدلاً ان لم يكن مالكها وصاحب السلطان عليها!! ويدل على ذلك قول النبي أيضاً : « ... ويفتح له ما بين المشرق والمغرب » ... [ راجع الحديث رقم ١٢٧ من معجم أحاديث الإمام المهدي ] ويوضح الرسول الصورة فيقول : « الأئمة بعدي اثنا عشر أولهم أنت يا علي ، وآخرهم القائم الذي يفتح الله عز وجل على يديه مشارق الأرض ومغاربها ». [ راجع الحديث رقم ١٥٥ من المعجم ] ، وليسوق الأرض مثلاً معروفاً للجميع وهو المعروف « بذي القرنين » فيقول الرسول عنه انه : « وبلغ المغرب والمشرق ، وأن الله تبارك وتعالى سيجري سنته في القائم من ولدي ، فيبلغه شرق الأرض وغربها حتى لا يبقى منهلاً ولا موضعاً من سهل ولا جبل وطئه ذو القرنين إلا وطئه ... [ الحديث رقم ١٥٨ من المعجم ]. وكم كرر الرسول وأكد بأن الإمام المهدي سيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، لقد استعمل الرسول مصطلح الأرض على الإطلاق ... وفي حديث آخر يقول النبي : « ... ويفتح له فتوح فلا يبقى على وجه الأرض

٣٠٧

الأرضية كلها من المشرق إلى المغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

٢ ـ شعب دولة آل محمد : إذا كانت الكرة الأرضية هي إقليم دولة آل محمد فإن كافة الأحياء من أبناء الجنس البشري في زمن الإمام المهدي يشكلون شعب دولة آل محمد ، ومواطني ورعايا تلك الدولة ، فكيف تملک الدولة الأرض كلها ، ولا سلطان لها على ساكنيها ، فالأرض کلها إقليم للدولة ومن على وجه الأرض من بني البشر هم شعبها ، فالأحاديث النبوية تؤكد بأن الإمام المهدي سيطهر الأرض من أعدائه ومن كل ظلم وجور [ الحديث ١٢٣ و ٤٧٩ ] ، وأنه سيفتح حصون الضلالة ، وقلوباً غلفاً [ الحديث رقم ٧٩ ] وأنه سيظهر على كل جبار [ الحديث رقم ٣٠ ] ، فكيف يعرف القلوب الغلف ويفتحها ، وكيف يعرف أعداء الله من أوليائه ، ويطهر الأرض من أعداء الله إن لم تكن له سلطة فعلية على كل مكان في الأرض ولهم به رابطة قانونية أو شرعية ، وهذه هي مقومات مصطلح الشعب بالفقه الدستوري.

٣ ـ السلطة : الإمام المهدي هو المؤسس والمعلن عن وجود دولة لآل محمد وهو امامها أو رئيسها ، أو أميرها أو الخليفة الشرعي الثاني عشر من خلفاء الرسول ، وهو صاحب الكلمة العليا والمقام الأول في دولة آل محمد ، وهو المرجع الشرعي أو القانوني لكافة سكان الكرة الأرضية لأنه إمام ووارث لعلمي النبوة والكتاب ، ولا يخفى عليه شيء من أمر الدنيا والآخرة ، لأن كل ما يحتاجه البشر يعرفه الأئمة الشرعيون ، والإمام الشرعي مؤهل الهياً ومعد لقيادة العالم كله. والإمام المهدي هو القائد العام الجيش الدولة ، وهو القاضي الأعلى ، وهو المسؤول عن وزرائها. ويساعد الإمام المهدي مجلس وزراء من نوعية خاصة ، ويكفيك أن تعرف بأن المسيح عليه‌السلام أحد وزرائه ، والخضر الشهير والياس من وزرائه أيضاً كما وثقنا وهم من صفوة أولياء الله. ويساعد المهدي أيضاً ولاة أقاليم الكرة الأرضية حيث سيولي الإمام المهدي على كل إقليم الكرة الأرضية أحد الموثقين من أصحابه ليدبر أمور الإقليم ويسوسه تحت إشراف الإمام المهدي. قال الإمام جعفر الصادق : ويكون من شيعتنا في دولة القائم سنام الأرض وحكامها ، يُعطى كل رجل منهم قوة أربعين رجلاً ». [ الحديث رقم ١٠٨١

٣٠٨

من المعجم ] وروى عن الإمام الباقر قوله : « إذا قام القائم بعث في كل إقليم من أقاليم الأرض رجلاً فيقول له عهدك في كفك ، فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ، ولا تعرف القضاء فيه ، فانظر في كفك واعمل بما فيها ... ». [ راجع الحديث رقم ٨٥٨ ] بمعنى أن ولاة الإمام المهدي وعماله على الأقاليم من أولياء الله الصادقين الذين وعوا تاريخ أئمة الضلالة ، وأشربوا كراهية الظلم أهله. والخلاصة أن حكومة الإمام المهدي وسلطته تقوم بكافة الوظائف التي تقوم بها الدول في عصرنا هذا وتزيد على ذلك بأنها ملتزمة بتحقيق الكفاية للجميع وفوراً ، والرخاء للجميع وفوراً أي بدون وعود ، وأنه لا ظلم فيها ولا عوز ، على الإطلاق ، وأن الجميع بما فيهم الإمام المهدي عبيد لله لا عبيد لدولة ويخضعون لشرع الله لا لشرعها. وأن الجميع منسجمون وسعداء ، تماماً.

القانون النافذ في دولة آل محمد : المنظومة الحقوقية الإلهية المكونة من كتاب الله بيان النبي لهذا الكتاب هي القانون النافذ في دولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد ، فالإمام المهدي إمام شرعي وهو خاتم الأئمة الشرعيين وهو الوارث لعلمي النبوة والكتاب ، وبالتالي فإنه يعرف الحكم الشرعي لكل قضية ، والتكييف الشرعي لكل واقعة ، وفوق هذا وذاك فإن معه المصحف الذي كتبه الإمام علي بخطه ، وأملى تفسيره رسول الله بنفسه وعنده أيضاً الجامعة التي تحوي حكم كل شيء بما فيه إرش الخدش. [ راجع الحديث رقم ١١١٥ ] ، وبالتالي فإن الإمام المهدي سيطبق القرآن [ الحديث رقم ٨٦٥ ] ويبين الحلال والحرام ويقيم الحدود. [ راجع الحديث رقم ١١٣٩ و ١١٤٠ من أحاديث المعجم ] ، وبالتالي فلا مجال للاجتهاد ، لأن الاجتهاد يحصل في حالة عدم وجود النص ، أو عدم الاهتداء اليه وهذه أمور لا يمكن أن تقع في عهد الإمام المهدي لانه إمام شرعي اختاره الله وليس خليفة قد فرض نفسه على الناس بالقوة والقهر ، والخلاصة أن الإمام المهدي سيحكم بكتاب الله الذي لم يعمل به قط بعد وفاة امير المؤمنين علي. [ راجع الحديث رقم ١١٢٦ ].

٤ ـ الدين الرسمي لدولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد : في دولة الإمام المهدي يصبح الإسلام هو الدين الرسمي والفعلي الوحيد في كافة أرجاء الكرة

٣٠٩

الأرضية التي ستخضع لسلطان دولة آل محمد ، لأن الإمام المهدي سيدعو إلى الإسلام جديداً ، ويهدي الناس إلى أمر قد دبر فضل عنه الجمهور كما حدث الإمام جعفر الصادق. [ راجع الحديث رقم ١١٢٢ ] وقال الصادق يوماً لجليسه : « يا أبا محمد إذا قام القائم استأنف دعاء جديداً كما دعا رسول الله » ... [ الحديث ٦١٢ ] ، وقال الإمام الصادق ايضاً ... أما والله لا تذهب الايام والليالي ... حتى ... ويرد الحق إلى أهله ويقيم الدين الذي ارتضاه لنفسه فأبشروا ثم أَبشروا ... [ الحديث ١١٢٦ ]. وقد أكد الرسول الكريم هذه الحقيقة بقوله : « ... يبايع له الناس بين الركن والمقام ، يرد به الدين ويفتح له فتوح ، فلا يبقى على وجه الأرض إلا من يقول : لا إله إلا الله [ الحديث رقم ٣٠٩ من أحاديث معجم الإمام المهدي ج‍ ١ ]. وقال الإمام الحسين : « ان الإسلام قد يظهره العالم على جميع الأديان عند قيام القائم عليه‌السلام » فليس عجيباً بعد هذا كله بأن يكون الإسلام هو الدين الرسمي والفعلي الوحيد لدولة آل محمد.

٥ ـ طبيعة دولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد

دولة دينية ولكن

طبيعة دولة المهدي أو دولة آل محمد مختلفة بالكامل عن طبيعة الدول التي عرفتها البشرية طوال تاريخها ، فلا نعرف دولة على الإطلاق قد حظيت بالدعم الإلهي الدائم والمطلق كما تحظى به دولة الإمام المهدي فالملائكة الكرام فرقة دائمة من فرق جيشها كما أسلفنا ، كافة الآيات والمعجزات التي خص الله بها أنبياءه ورسله تحت تصرف الإمام المهدي كما وثقنا ، ورسل وأنبياء وأولياء صالحون يعملون مع المهدي ويأتمرون بأمره كما أثبتنا ، ويفهم من حديث الباقر بأن القوى الطبيعية ستكون مسخرات للإمام المهدي الحديث رقم ٨٧٠ ج‍ ٣ ، ثم إن الإمام المهدي ليس نبياً وليس رسولاً انما هو إمام شرعي ، اختاره الله سبحانه تعالى وسبقه أحد عشر إماماً ، ومع هذا تكلف دولته بتحقيق غايات وإنجاز مهمات لم يكلف نبي ولا رسول ولا إمام من قبل بتحقيقها وانجازها!! انها دولة دينية لأن الدين محور اهتمامها ، مبرر وجودها ، وقانونها النافذ وإمكانيات الدولة مسخرة

٣١٠

لتحقيق الغايات والأهداف الدينية ، لكنها ليست على شاكلة الدول التاريخية التي ادعت بأنها دول دينية ، ولا على شاكلة دول الأنبياء والرسل التي عرفنا نماذجها انها دولة دينيه من نوع خاص!! وهي نسيج وحدها تماماً ، من حيث مداها وشمول ملکها ، فدولة الإمام المهدي کما أسلفنا تشمل العالم کله [ راجع الحديث رقم ٨٥٨ ] ، ويشمل ملك الإمام المهدي العالم أيضاً [ الحديث رقم ٩٥٩ ] ، وهذه حالة فريدة لم يتحقق مثلها في دول الملوك الذين ادعو بأن دولهم دينية ولا في الدول التي أسسها الأنبياء والرسل!! ثم إن هناك ظاهرة عديبة وفريدة من نوعها في دولة الإمام المهدي تتمثل بتسخير كامل لمخزونات الأرض والسماء لتحقيق الأهداف التي وعدت دولة الإمام المهدي بتحقيقها ، فكم أكد الرسول الأعظم وإلأئمة الکرام بأن الأرض في عهد الإمام المهدي ستخرج کل كنوزها ونفائسها ونباتها ، وأن السماء ستنزل كل قطرها ومائها وبركاتها وقد وثقنا ذلك وتلك حالة فريدة من نوعها ، انها عرض كامل لبركات الحكم الإلهي الأمثل!!! وتصحيح عملي لمفاهيم البشرية الخاطئة عن الحكم الديني الإلهي الحقيقي.

٦ ـ ألاصرار على تحقيق غاية

دولة آل محمد

وتتجلى طبيعة دولة آل محمد باصرارها العجيب على تحقيق غاياتها ومبررات وجود دولة الإمام المهدي ، وهو إصرار لا يعرف الحلول الوسط ، ولا يعرف المستحيل فلا بد من القضاء التام على كل الظالمين والجبابرة ، ولا بد من محاكمتهم والانتقام منهم وتطهير الأرض من وجودهم لأنه رجس وقذارة وقرف ، ولا بد من فتح كافة حصونهم ، حصون الضلالة ، وهذا امر لا يحتمل التأخير أو التأجيل ولا بد رفع ظلمهم من الأرض ، ولا بد من ملء الأرض بالعدل كما ملأها المجرمون بالظلم ولا بد من هدم ما خلفه المجرمون ، من مظاهر ظلمهم وانحرافهم [ الحديث رقم ٨٦١ و ١١٢٣ ] ، وهدم أمر الجاهلية كله وإبطاله [ الحديث رقم ٨٦٢ ] ليكون تطهير الأرض كاملاً من الظالمين وآثارهم ، وكل ما يدل عليهم ، ورفع فقههم الفاسد وإبطال كافة مفاعيله. وهذه في المهمة العاجلة ، والمبرر الأول لوجود دولة المهدي أو دولة آل محمد ، لأن ظلم الجبارة قد مس

٣١١

الأرض وما عليها مساً أليماً موجعاً ولم ينج من هذا الظلم أحد ، وخص هذا الظلم آل محمد وأولياءهم خاصة بألوان معينة من المعاناة والألم ، وطريقة تعامل دولة المهدي مع الظالمين ، لها طابع خاص مختمر من التجربة التاريخية على اعتبار ان الظالم لا دين له ولا أخلاق ، ولا يعرف الإحسان أو المعروف ، فقد قال النبي لاعدائه الذين ظهر عليهم يوم فتح مكة : « اذهبوا فأنتقم الطلقاء » وبدلاً من أن يذخروا إحسان النبي ومعروفه بالعفو الشامل عن جرائمهم تنكروا له وتآمروا عليه وبعد موته قتلوا أبناءه وذريته ، المهدي استفاد من عبرة التاريخ فعندما يخرج الإمام المهدي لن يخرج معه من العرب أحد [ الحديث ١١١٩ ] ، مع هذا فهو لايجبرهم على الخروج ، ولم يؤيده من قريش أحد ، ومع هذا هو لا يتعرض إليهم ولا يجبرهم على تأييده ، بل ولا يسألهم أن يخرجوا معه أو يؤيدوه ، ولكن عندما يعلم بأن قريش قتلت وإليه وعامله يقتل منهم ١٥٠٠ أو ثلاثة آلاف رجل صبراً دون ان يرمش له جفن ، ولا يترك من قريش إلا أكلة كبش!! قد يبدو أن هذه العقوبة قاسية لكنها عادلة إذا ما عرفت حجم جرائم بطون قريش ، فقد قاومت النبي وحاربته طوال مدة ٢١ عاماً ، ولما أًحيط بها اضطرت مكرهة لإعلان إسلامها ، فعفى الرسول عنها وقبل موت الرسول وبعد موته مباشرة استولت بالقوة على ملك الرسول وقادت المسلمين إلى النحراف ، وحلت عرى الإسلام ومهدت للظلمة والجبابرة وخرجتهم من مدرستها ، وجعلت من عباد الله عبيداً للظالمين بنفس الوقت الذي کانت تلبس فيه الجبة الإسلامية ، إنهم مجرموا حرب لم يعرف التاريخ البشري جرائماً بحجم وبشاعة جرائمهم فعقوبة الإمام المهدي مع قسوتها عادلة.

والخلاصة إن اصرار الإمام المهدي على التخلص من الظالم والجبابرة أعوانهم يعكس طبيعة دولة آل محمد الملتزمة التزاماً مطلقاً بتحقيق أهدافها وغاياتها والتي لا تحيد عن تحقيق هذه الأهداف ، لأنها دولة هدف وغاية ولا يكفي منها أن تبذل الجهد والعناية ، انما يتوجب عليها وجوباً لا عذر معه تحقيق هذه الغايات. لأن الله تعالى وعد الإمام المهدي بالدعم الكامل والمطلق لتحقيق الغايات إنجاز المهمات التي كلفه الله بتحقيقها وإنجازها وإذا أراد الله أمراً فلا

٣١٢

راد لإرادته ، وقد أراد الله تحقيق كافة الغايات التي كلف عبده الإمام المهدي بتحقيقها ، فدولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد مكلف باقتلاع جذور الظلم والظالمين وتطيهر الأرض من وجودهم ومن فقههم ، لذلک فإنها لن تقبل بأن يبقى على وجه الأرض خلال عهدها الراشد ظالم أو جبار واحد ، أو حصن واحد من حصون الضلالة فهي ملتزمة إمام الله تعالى بالقضاء التام والمبرم على الظلمة والظالمين وتطهير الأرض من ظلمهم ومن آثارهم.

وتجد هذا الإصرار العجيب عند كل غاية وهذف من الغايات والأهداف التى كلف الإمام بتحقيقها فعلى المستوى الاقتصادي فان الإمام المهدي ودولة آل محمد مكلفون بتحقيق الكفاية التامة والرخاء المطلق للجميع ، بحيث يكون كل واحد على وجه الأرض من أبناء الجنس البشري في حالة كفاية تامة ورخاء مطلق ، بحيث يتجول المكلفون بدفع الزكاة في الأرض شرقا وغرباً وشمالاً وجنوباً فلا يجدوا محتاجاً واحداً يقبل الزكاة لأن الجميع في حالة كفاية والجميع في حالة رخاء ، ولا يوجد في الأرض كلها محتاج واحد فالنقود والذهب والفضة لا تُعد عداً انما تهال هيلاً!! وقد تواترت الحاديث النبوية التي اكدت هذه الناحية ، وقد وثقناها في الفصول السابق ، حتى أن الدرهم والدينار يصبح من سقط التاريخ ولا قيمة له. [ راجع الحديث ١١٣٣ ].

وهذه طبيعة ما عرفتها ولا سمحت بها أية دولة من الدول التي ظهرت أو ستظهر على وجه الأرض قبل نشوء دولة آل محمد وظهور الإمام المهدي المنتظر ، فالدول عادة تغرق الشعوب بالوعود البراقة خاصة في العصر الحديث ، وتدغدغ مشاعر المستضعفين ، ثم تسقط الحكومات وتزول الدول نفسها دون تحقيق معشار معشار ما وعدت بتحقيقة ، حتى ان الناس قد ملت وعود الدول ، وصارت وعودها أحد الرموز والاصطلاحات الدالة على معنى الكذب!!

٧ ـ حالة الانسجام العام في دولة الإمام

المهدي أو دولة آل محمد

ومن أبرز طبيعة دولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد ومن مميزاتها

٣١٣

الخاصة وجود حالة الانسجام العام والمطلق ، واختفاء مظاهر الصراع بكل أشكاله وعلى الأخص الصراع الطبقي ، فالكرة الأرضية كلها إقليم لدولة آل محمد ، وأبناء الجنس البشري مواطنون في تلک الدولة ، يعتنقون ديناً واحداً وهو دين الإسلام فلا نجد على وجه الأرض إلا من يقول لا اله إلا الله. فأبناء الجنس البشري على مختلف منابتهم وأصولهم وأعراقهم وألوانهم يعتنقون نفس الدين ، ويخضعون لذات النظام ، ويشعرون بأنهم أخوة لا فرق بين لون ولون وعرق وعرق ، فهم أسرة کبيرة أبوهم آدم وأمهم حواء ، تکاثروا کما تتکاثر الأسرة الواحدة ، ثم نزغ الشيطان بين الأخواة فاختلفوا ، فأرسل الله الإمام المهدي وأقام دولة آل محمد لغايات إصلاح ذات البين ، وإعادة المياه لمجاريها ، وساعد الإمام المهدي على تحقيق هذا الإنجاز قضاؤه على أسباب الخلاف والاختلاف فالإمام المهدي إمام شرعي اختاره الله وأعدّه وأهّله للقيادة والمرجعية ، فليس في العالم كله من هو أعلم ولا أفضل ولا أتقى ، ولا أقرب لرسول الله من الإمام المهدي. هذا كله يخلق ويرسخ ثقة أبناء الجنس البشري في إمامهم وقائدهم الإمام المهدي ، ويقطع دابر التنافس على القيادة ويخلق حالة من الاستقرار ويؤدي للقضاء على مبررات النزاع السياسي ، خاصة وأن أعضاء حكومة الإمام المهدي فرادي ومجتمعين يجمعون مميزات خاصة بهم لا تتوفر لدى أي طامع بمنصب الوزارة أو الولاية.

كذلك فإن دولة آل محمد تقضي أيضاً على أسباب النزاع الاقتصادية وتغلق أبواب التنافس المرير على المال ، فعندما تحقق دولة آل محمد الكفاية المطلقة لكل واحد من أبناء الجنس البشري ، والرخاء المطلق للجميع فلا يبقى على وجه الأرض محتاج واحد ، أو معوز واحد ، ولا يجد أصحاب الأموال رجلاً واحداً يقبل زكاة أموالهم وعندما يجد الناس الذهب والفضة مكومة كالجبال ، وكرمال الصحاري ، فما هو الداعي لأسباب التنازع الاقتصادي!! وهكذا في كل الأمور حيث تتولى دولة آل محمد القضاء على أسباب الشر واجتثاثها من الأرض لتضمن حالة الانسجام المطلق بين أبناء الجنس البشري ، وعدم وجود ما يكدر صفوهم ، أو ينغص عيشهم ، ثم إن الإمام المهدي وطاقم حكومته ، لن يوقظوا نائماً ولن يهرقوا دماً [ الحديث رقم ١٣٠ ج‍ ١ ] وسيرحمون مساكين العالم فيشعرون كأن

٣١٤

الدولة تلعقهم الزبدة [ الحديث رقم ١٣١ ] وفي الحقيقة فان كافة سكان العالم مساكين ومستضعفين لأنهم خرجوا على الفور وتحرروا من ظلم الظالمين ، ومن محاكم تفتيشهم ومن معسكرات اعتقالهم فعهد دولة آل محمد هو فترة نقاهة لمستضعفي العالم ، وهو فترة أمن ورخاء في عالم قسى الظالمون على اهله وسلبوهم الأمن والرخاء.

وما يساعد على تحقيق الانسجام العام الجو النفسي الخاص الذي تخلقه الكفاية ، ويحققه الرخاء حيث تتفتح مدارك العقل البشري ومواهبه التي أغلقها الجبابرة والظالمون ، ويصل الإنسان إلى قمة الوعي البشرية ويكتمل ايمانهم. [ راجع الحديث رقم ١٠٩٣ ] ، وتطهر نواياها بعد القضاء التام على أسباب الخلاف والتنازع بين بني البشر وتطهير الأرض من الظلم والظالمين وانتشار المعرفة ، فتکتمل العقول والأحلام [ الحديث رقم ٨٦٦ ] وتؤكد أحاديث الأئمة الكرام بأن العالم قبل ظهور المهدي سيعرف ٢ / ٢٧ جزءاً من المعارف والعلوم فاذا ظهر الإمام المهدي وقامت دولة آل محمد ينشر الله العلم كله بين الناس. [ راجع الحديث رقم ١١٢٧ ] ، قال الإمام الصادق : « إذا قام قائمنا ، وضع الله يده على رؤوس العباد ، فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم ». [ الحديث رقم ٨٦٩ ] ، وقال الإمام الصادق ايضاً عن الإمام المهدي : » ... فيعطيكم في السنة عطاءين ، ويرزقكم في الشهر رزقين ، وتؤتون الحكمة في زمانه ، حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ». [ الحديث رقم ٨٦٨ ج‍ ٤ من معجم أحاديث الإمام المهدي ].

وستتأثر كافة المخلوقات بحالة الإنسجام التام السائد في بني البشر فالأحاديث النبوية تتحدت عن سماء تعطي كل قطرها ومائها ، وعن أرض تخرج كل كنوزها ونفائسها ونباتها ، وعن ملائكة تضع نفسها تحت تصرف دولة آل محمد كما وثقنا ذلك ، قال الإمام الرضا إذا قام قائمنا بامر الله الملائكة بالسلام على المؤمنين ، والجلوس معهم في مجالسهم ، فإذا أراد واحد حاجة أرسل القائم بعض الملائكة أن يحمله ، فيحمله الملك حتى يأتي القائم فيقضي حاجته ، ثم يرده ، ومن المؤمنين من يسير في السحاب ومنهم من يسير مع

٣١٥

الملائكة مشياً ومنهم من يسبق الملائكة ، من يتحاكم الملائكة اليه ، والمؤمن أكرم على الله من الملائكة ، ومنهم من يُصَيِّرَهُ القائم قاضياً بين مائة ألف من الملائكة. [ راجع الحديث رقم ١٢٣١ ] ، قال الإمام جعفر الصادق : « إن المؤمن في زمن الإمام المهدي وهو في المشرق ليرى أخاه الذي في المغرب ، وكذا في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق ». [ الحديث رقم ١١٣٠ ] ، وقال أيضاً « ان الله يمد بالأسماع والأبصار حتى لا يكون بين الإمام المهدي وبين شيعته بريد ». [ الحديث رقم ١١٣١ ] ، وروى ايضاً بانه إذا قام القائم استنزل المؤمن الطير من الهواء فيذبحه ويشويه ، ويأكل لحمه ، ولا يكسر عظمه ، ثم يقول له احي بإذن الله فيحيى ، ويطير ، وكذا الظباء من الصحاري ، ويكون ضوء البلاد ونورها ولا يحتاجون إلى شمس ولا قمر ، ولا يكون على وجه الأرض مؤذٍ ، ولا شر ولا سم ، ولا فساد لأن الدعوة سماويه ليست أرضية ، ولا يكون للشيطان فيها وسوسة ، ولا شيء من الفساد.

قال الإمام الحسن عن الإمام المهدي : ... يدين له عرض البلاد وطولها ، ولا يبقى كافر إلا آمن به ، ولا طالح إلا صَلُحَ ، وتصطلح في ملكه السباع ... [ الحديث رقم ٦٩٢ ] وروى ايضاً بأن الذئب سيرعى مع الغنم وكأنه كلبها ..إنها حالة من الانسجام المطلق بين بني البشر ، وبين الكائنات المسخرة لهم!!!

موت الإمام المهدي وغياب القمر المنير

بعد أن تحقيق دولة الإمام المهدي ـ دولة آل محمد ـ كافة الغايات والأهداف التي كلف الله عبده الإمام المهدي بتحقيقها وبعد ان ينجز كل المهام المأمور إلهياً بإنجازها وبالأجل المحدد يتوفى الله تعالى الإمام المهدي وينتقل إلى جوار ربه ، ويغيب القمر الثاني عشر الذي ملأ الأسماع والأبصار ، ورضي منه ساكن الأرض وساكن السماء وبوفاة الإمام المهدي ينتهي الحكم الإلهي تماماً ، وتغلق الدائرة ، لأن المهدي هو خاتم الأئمة الاثني عشر الذين أهلهم الله وأعدهم لقيادة الأمة الإسلامية من بعد وفاة النبي وحتى قيام الساعة ، فلا إمام بعدهم ولا إمام قبلهم ، ذلک تقدير العزيز العليم ، وبموت الإمام المهدي تنتهي عملياً دولة

٣١٦

آل محمد ، ولن يبقى بيننا وبين القيامة أو الساعة الا قاب قوسين أو أدنى. لأن دولة محمد هي آخر الدول [ الحديث رقم ٩٨٤ و ٩٨٣ ج‍ ٤ ] وبموت مؤسسها تنتهي وتزول عملياً ولا يبقى إلا آثارها وتاريخها.

من الذي يرث هذا الملك

العريض الذي بناه الإمام المهدي؟

بعد أن يغيب القمر الثاني عشر والأخير من أقمار أهل بيت النبوة غيبة لا رجعة بعدها إلى الدنيا تزول دولة آل محمد عملياً ، وينتهي دورهم لأن الحياة الدنيا ستنتهي دورتها ، وستبدأ دورة الحياة العليا ، ولأنه لا بد للناس من حاكم يدبر أمورهم خلال الفترة الواقعة بين موت الإمام المهدي وبين ساعة قيام القيامة فإن الملك العريض الذي يبنيه الإمام المهدي وكافة شؤؤن دولة آل محمد ستؤول لشيعة ـ آل محمد ، ويبدو أنه بالتسديد الإلهي وبترتيب خاص من الإمام المهدي لعصر مابعد المهدي سيتعاقب على حكم العالم من بعده أحد عشر مهدياً وليس إماماً لأنه لا إمام شرعي بعد المهدي وهؤلاء المهديون سيقتدون بالإمام المهدي ، ويسيرون على خطه ، ويدعون الناس إلى موالاة أهل بيت النبوة ومعرفة حقهم ». [ الحديث رقم ١١٤٩ ج‍ ٤ ] مستفيدين من العصر الذهبي الذي عاشته البشرية في زمن الإمام المهدي وفي أحياء وبركات دولة آل محمد ، ويبدو أنه وبعد موت الحادي عشر منهم ستفسد الحياة ، وتفلس ، وتنتهي دورتها لتبدأ دورة الحياة الأخرى الخالدة.

« وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين »

٣١٧

٣١٨

من مراجع الكتاب

١ ـ جامع البيان في تفسير القرآن ـ ابن جرير الطبري ـ دار الريان ١٩٨٧.

٢ ـ التفسير الكبير ـ فخر الدين الرازي ـ دار الكتب العلمية بيروت ١٩٩٠.

٣ ـ تفسير الكشاف ـ الزمخشري ـ بولاق ١٢٨١.

٤ ـ تفسير القرآن العظيم ـ ابن كثير ـ دار التراث بحلب ١٩٥٠ ، المنار القاهرة ١٩٤٧.

٥ ـ صحيح البخاري ـ محمد بن إسماعيل ـ الحلبي القاهرة بتفسير السندي.

٦ ـ صحيح مسلم ـ مسلم بن الحجاج ـ إحياء التراث بيروت ١٩٧٢.

٧ ـ الجامع الصحيح ـ أبو عيسى الترمذي ـ الحلبي ١٩٧٥ القاهرة.

٨ ـ سنن أبي داود ـ أبو داود السجستاني ـ دار الفكر بيروت.

٩ ـ الفتح الرباني ترتيب مسند الإمام أحمد ـ أحمد البنا ـ دار التراث العربي بيروت.

١٠ ـ المستدرك ـ أبو عبد الله الحاكم دار الفكر ١٩٧٨ بيروت.

١١ ـ كنز العمال ـ علاء الدين التقي ـ مؤسسة الرسالة بيروت ١٩٧٩.

١٢ ـ مجمع الزوائد ـ علي بن أبي بكر الهيثمي ـ مكتبة القدس القاهرة.

١٣ ـ الخصائص الكبرى ـ جلال الدين السيوطي ـ المكتبة السلفية بالمدينة ١٩٦٤.

١٤ ـ فتح الباري ـ ابن حجر ـ الحلبي ١٩٧٨ ، الريان القاهرة.

١٥ ـ الورع ـ أحمد بن حنبل ـ دار الكتب العلمية بيروت ١٩٨٣.

١٦ ـ المنار المنيف في الصحيح والضعيف ـ ابن القيم ـ دار المسلم مصر ١٩٨٣.

٣١٩

١٧ ـ ميزان الاعتدال ـ أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي ـ دار المعرفة بيروت.

١٨ ـ منهاج السنة ـ أحمد بن تيمية ـ دار الفكر بيروت ١٩٨٠.

١٩ ـ الفتاوى الحديثية ـ ابن حجر الهيثمي ـ الحلبي ١٩٧٠.

٢٠ ـ الإصابة في تمييز الصحابة ـ ابن حجر العسقلاني ـ دار العلوم الحديثة دار الكتب العلمية.

٢١ ـ الاستيعاب أبو عمر يوسف بن عبد البر ـ هامش الإصابة ، دار العلوم الحديثة.

٢٢ ـ تاريخ الأمم والملوك ـ ابن جرير الطبري ـ دار الفكر بيروت ١٩٧٩.

٢٣ ـ الطبقات الكبرى ـ محمد بن سعد ـ دار صادر بيروت.

٢٤ ـ مروج الذهب ـ علي بن الحسين بن علي المسعودي ـ دار اكتب العلمية بيروت ١٩٨٦ ، مكتبة الرياض ١٩٨١.

٢٥ ـ البداية والنهاية ـ الحافظ ابن كثير ـ دار المعارف ١٩٨١.

٢٦ ـ الموافقيات ـ الزبير بن بكار برواية ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ـ مكتبة الحياة ١٩٨٣.

٢٧ ـ شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ دار مكتبة الحياة ـ بيروت ١٩٨٣.

٢٨ ـ فتوح البلدان ـ أبو جعفر البلاذري ـ القاهرة ١٣١٩.

٢٩ ـ أنساب الأشراف ـ أبو جعفر البلاذري ـ القدس ١٩٣٦.

٣٠ ـ الأخبار الطوال ـ لأبي حنيفة أحمد بن الدنيوري ـ وزارة الثقافة مصر.

٣١ ـ الأغاني ـ أبي الفرج الأصفهاني ـ مصر ١٣٢٣ هـ.

٣٢ ـ مقاتل الطالبيين ـ أبي الفرج الأصفهان ـ مؤسسة الأعلمي ١٩٨٧.

٣٣ ـ العقد الفريد ـ أحمد بن محمد بن عبد ربه ـ لجنة التأليف والنشر مصر ١٩٥٠.

٣٤ ـ تاريخ دمشق ـ ابن عساكر أبي القاسم علي بن الحسن ـ المجمع العلمي العربي دمشق.

٣٢٠