حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

احمد حسين يعقوب

حقيقة الاعتقاد بالامام المهدي المنتظر

المؤلف:

احمد حسين يعقوب


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٩

و جاء علماء الحديث فنقلوا مرويات معاوية وطاقمه ، كما هي ودوّنوها في صحاحهم ومسانيدهم ومؤلفاتهم باعتبارها جزءاً من وثائق الدولة الإسلامية ، ولأن رعايا الدولة كلها قد أطلعوا عليها ، وتعلموها. هذه هي الجذور التاريخية لأحاديث « لا مهدي إلا عيسى ، والمهدي رجل من الأمة ، والمهدي رجل من ولد العباس » ، وهي محض اختلاق ، وأثر من اثار حملة الرواية التي قادتها دولة معاوية وطواقمها.

وهذه الأحاديث « لا مهدي إلا عيسى والمهدي مجرد رجل من الأمة ، والمهدي من ولد العباس » تتعارض مع الأحاديث الصحيحة والمتواترة ومع إجماع الأمة ومع إجماع أهل بيت النبوة وأوليائهم وهي ساقطة بكل موازين علم الحديث. والأهم أن وقائع التاريخ تناقضها وتكذبها تماماً ».

١٦١

الفصل الخامس :

المهدي المنتظر يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما

ملئت جوراً وظلماً

من السمات البارزة ، والبنى الأساسية التي تستند عليها نظرية المهدي المنتظر في الإسلام هي التأكيدات النبوية القاطعة ، بأن المهدي الذي بشر النبي بظهوره ذات يوم سوف يملأ الأرض بالقسط والعدل تماماً ، كما ملئت قبل ظهوره بالجور والظلم.

فأهل بيت النبوة مجمعون على أنهم قد سمعوا تلك التأكيدات القاطعة من رسول الله ، وأنهم قد تناقلوها جيلاً بعد جيل ، وورثوها من النبي مع نفائس علمي النبوة والكتاب ، وسماعهم لهذه التأكيدات واستيعابهم لها من الأمور اليقينية التي لا يشكون إطلاقاً بصحتها ، وهي متواترة عندهم ويرسلها الكبير والصغير منهم إرسال المسلمات ، وتبعاً لإجماع أهل بيت النبوة المشهود لهم إليهاً ، بالطهر والتميز والملازمة الدائمة لرسول الله أثناء حياته ، وبوراثتهم لعلمي النبوة والكتاب أجمعت شيعتهم على أن هذه التأكيدات قد صدرت من الرسول بالفعل ، فهي مع بقية البنى الأساسية من نظرية المهدي المنتظر تشكل جزءاً أساسياً من معتقدهم الإسلامي ، وسمة مميزة من مذهبهم الديني.

أما الخلفاء التاريخيون وشيعتهم « أهل السنة » فقد توصلوا إلى ذات النتائج المتعلقة بهذه التأكيدات ، فصحت عندهم كافة الأحاديث النبوية التي تؤكد بأن

١٦٢

المهدي المنتظر سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت جوراً وظلماً ، تواترت هذه التأكيدات ، وأرسلها علماء أهل السنة الأعلام إرسال المسلمات أيضاً ، وجزموا بأن التأكيدات قد صدرت عن رسول الله بالفعل.

مما يعني أن الأمة بشقّيها : « أهل بيت النبوة ومن والاهم والخلفاء التاريخيون ومن والاهم » ، مجمعون على أن رسول الله قد بيّن للمسلمين وأكد لهم بأن المهدي المنتظر سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما مُلئت جوراً وظلماً ، وهم جيمعاً قد جزموا بان هذه الأحاديث قد صدرت من رسول الله بالفعل ، وهم على يقين بأن هذه المهمة : « ملء الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً » من المبررات والأسباب الأساسية ، لظهور المهدي المنتظر ، ويعتقد الجميع بذلك ، ويؤمنون به ، وقد شكل هذا الاعتقاد جزءاً من عقيدة المسلمين الدينية.

فبعد موت النبي بقليل حُلت عرى الإسلام كلها ، عروة بعد عروة ، ورفع الحكم الإلهي من الأرض ، وصار الملك الذي تمخضت عنه النبوة. بحوزة من غلب ، وحيل بين المرجع الديني المعتمد من الله ورسوله ، وبين ممارسة مهام مرجعيته ، وبموت النبي وانتهاء عهده العظيم ، وبتحييد المرجع الديني ، فَقَد العالم النموذج الأمثل ، وحلّ الرأي محل النص ، وشاع الاجتهاد مع وجود النص ، وإن جرت محاولات لتطبيق النصوص الشرعية ، فإنها قد فشلت ، لأن تطبيق النصوص الشرعية يحتاج إلى أهلية وإعداد خاص لا يتوفر إلا بالنبي ، أو الإمام المؤهل إلهياً من بعده ، وهذا مبدأ مسلّم به حتى في القوانين الوضعية ، فالجهة المؤهلة لإصدار حكم قطعي مبرم حائز على الحقيقة القانونية هي محكمة التمييز ، أو محكمة النقض ، وأعضاؤها يشكلون أو من المفترض أن يشكلوا ويكونوا قمة الفهم والوعي القانوني ، بحيث لا يعلوا فهمهم فهم ، ولا وعيهم وعي ، فإذا كانت القوانين التي يضعها البشر قد وصلت إلى هذا المستوى من التقنية القانونية ، فلا تتعجب من قولنا بأن النص الشرعي يحتاج تطبيقه إلى نبي ، أو إمام مؤهل ومُعد إلهياً فضلاً عن ذلك فإن الإسلام كشريعة لا يؤتي أكله كاملاً إلا إذا طبق كاملاً ، وبقيت عراه ـ خاصة نظام الحكم ـ كلها متماسكة ، ولم تُحل.

١٦٣

والخلاصة أنه وبعد موت النبي ، وحل عُرى الإسلام ، والاستيلاء على منصب الخلافة بالقوة والتغلب ، وحلول الآراء محل النصوص والعمل بالأجتهادات ، مع وجود النصوص الشرعية ، رُفع الحكم الإسلامي عملياً من واقع الحياة ، ولم يبق من الإسلام إلا الهيكل أو الشكل الخارجي اللازم للمحافظة على المُلك وتوسيعه باسم الإسلام.

بمعني أن حكماً وضعياً له طبيعة دينية قد دخل الساحة الدولية المكتظة بالأحاكم والمنظومات الوضعية ، والمستندة إلى الآراء الشخصية القابلة للصواب والخطأ ، وأن الساحة الدولية قد خلت تماماً من أي منظومة حقوقية إلهية ، ومن أي ترشيد إلهي عملي لحركة العالم السياسية ، مما يعني أن المُناخ الملائم لنشوء الظلم ونموه وترعرعه قد نشأ ، وأخذ ساعد الظلم يشتد بهذا المُناخ يوماً بعد يوم ، حتى ألقي الظلم أجرانه على الأرض فعلاً ، فالناس يقدسون اليوم عقيدة وضعية ، وتتبناها دوله ، وتقدمها على أساس أنها أكسير الحياة ، وبعد تطبيقها وبوقت يطول أو يقصر يكتشف الناس فساد هذه العقيدة ، وتعترف الدولة بهذا الفساد وتأتي عقائد أخرى ، ثم تموت ، ولا تثمر إلا الظلم والمعاناة ، حتى صار الظلم من أبرز الموجودات على وجه الأرض.

بعد أن يجرب العالم كل شيء ، ويلجأ لكل رأي ، ويختبر كل عقيدة وضعية ، ثم يكتشف أن ما جرب وما لجأ إليه ، وما اختبر ، لم يثمر إلا الظلم وعندما يحسّ كل واحد من أفراد الجنس البشري بوطأة الظلم وهوله ، وعندما تمتلىء الكرة الأرضية ، ويكتوي الجميع بنار الظلم ، هنالك فقط يعرفون قيمة القسط والعدل ، عندئذٍ يظهر الإمام المهدي المنتظر ومعه عقيدة الإسلام من أنقى المصادر ، فيقوم بتطبيقها ، فتثمر الحكم الإلهي ويثمر الحكم الإلهي العدل والقسط ، وعندما يذوق أبناء الجنس البشري طعم العدل الحقيقي يعشقونه ، ويعشقون الذي جاء به ويكرهون الظلم الذي كوى قلوبهم ، وبفترة وجيزة ، تُقتلع جذور الظلم من الكرة الأرضية ، ويحل محلها العدل المطلق ، والقسط المطلق الذي يتولى المهدي المنتظر وبالإشراف الإلهي نشرهما ، حتى يلقيا أجرانهما في الأرض. وهذا هو الجانب الحقوقي من عصر المهدي المنتظر الذهبي.

١٦٤

نماذج من الأحاديث النبوية التي تؤكد بـأن المهدي

سيملأ الأرض عدلاً وقسطاً

١ ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تقوم الساعة حتى تمتلىء الأرض ظلماً وعدواناً ، ثم يخرج رجل من عترتي أو أهل بيتي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً ». [ راجع معجم أحاديث المهدي ج‍ ١ ص ١٠٤ ، ومسند أحمد ج‍ ٣ ص ٣٦ ، وابن حبان ج‍ ٨ ص ٢٩٠ ـ ٢٩١ ، والحاكم ج‍ ٤ ص ٥٥٧ ] ...

٢ ـ « لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي ... يملاء الأرض عدلاً كما ملئت قبله ظلماً ... ». [ راجع مسند أحمد بن حنبل ج‍ ٣ ص ١٧ ، وأبو يعلى ج‍ ١ ص ٣٦٧ ح ١١٢٨ ، وابن حبان ج‍ ٨ ص ٢٩١ ، ومجمع الزوائد ج‍ ٧ ص ٣١٤ ، والحاوي للسيوطي ج‍ ٢ ص ٦٣ ، ومعجم أحاديث الإمام المهدي ج‍ ١ ص ١٠٨ ـ ١١٠ ].

٣ ـ « تملأ الأرض ظلماً وجوراً ، ثم يخرج رجل من عترتي ... فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ». [ الحاكم ج‍ ٤ ص ٥٥٨ ، وعقد الدرر ص ١٦ ، نقلاً عن البيهقي ، ومسند أحمد ج‍ ٣ ص ٢٨ ... ومعجم أحاديث المهدي » ج‍ ١ ص ١١٠ ـ ١١١ ].

٤ ـ « يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي ... يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ». [ تذكرة الخوص ص ٣٦٣ ، منهاج السنة لابن تيمية ج‍ ٤ ص ٢٦١ ].

٥ ـ « لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً ». [ ابن أبي شيبة ج‍ ١٥ ص ١٩٨ ، وأبو داود ج‍ ٤ ص ١٠٧ ، والبزار ج‍ ١ ص ١٠٤ ... ومعجم أحاديث الأمام المهدي ج‍ ١ ص ١١٩ ـ ١٢٢ ].

٦ ـ ومثله قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المهدي مني .. يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ». [ ابن حماد ص ١٠٠ ، عبد الرزاق ج‍ ١١ ص ٣٧٢ ، والترمذي على ما في مطالب السؤول ، والمنار المنيف ، والنسائي على ما في عقد الدرر ، والطبراني على ما في بيان الشافعي ، والحاكم ج‍ ١ ص ٥٧ ... وراجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج‍ ١ ص ١٢٦ ١٢٨ ].

١٦٥

الفصل السادس :

المهدي المنتظر سيملك العالم كله

ويكوّن دولة عالمية

أهل بيت النبوة مجمعون على أن الإمام المهدي المنتظر سيملك العالم بعد وقت قصير من ظهوره ، وستكون له دولة عالمية ، تصبح كل أقاليم الكرة الأرضية ولايات لها ، ويتحول كل سكان العالم آنذاك إلى رعايا ومواطنين في تلك الدولة ، أما عمالها وأمراؤها وقادتها فهم أهل القوة والأمانة من رجال العالم ونسائه. وستكون المنظومة الحقوقية الإلهية هي القانون النافذ في كل أرجاء العالم ، ونقصد بالمنظومة الحقوقية الإلهية : « كتاب الله كما أنزل وبيان النبي لهذا الكتاب تماماً كما وعاه أهل بيت النبوة ، وتتكون موارد هذه الدولة المالية من إنتاج العالم كله ، وموارده وإمكاناته الاقتصادية ، ومن خلال إمامته وقيادته الراشدة ، ومن خلال تطبيقه للمنظومة الحقوقية الإلهية ، ومن خلال توزيعه العادل للموارد العالمية ينشر العدل والرخاء في الكرة الأرضية ، ويبدو واضحاً من تتبع روايات أهل بيت النبوة وأخبارهم حول هذا الموضوع ، بأن المهدي المنتظر سيملك أولاً بلاد العرب وبلاد فارس ، ومن هذه البلاد سينطلق إلى كافة أرجاء المعمورة ، حيث ستدخل في طاعته حرباً أو سلماً. ويرسل موالي أهل بيت النبوة كافة هذه المعلومات إرسال المسلمات. ويعتبرونها جزءاً من قناعاتهم الدينية وسماتهم المذهبية.

١٦٦

ومن المؤكد أن أولياء الخلفاء التاريخيين « أهل السنة » قد توصلوا بوسائلهم الخاصة بهم إلى ذات المعلومات ، ونفس النتائج ، وتكونت عندهم نفس القناعات المتعلقة بعالمية دولة المهدي ، فقد صحت عندهم وتواترت الأحاديث النبوية التي بينت بأن المهدي المنتظر « سيملك » على الاطلاق. [ راجع على سبيل المثال الأحاديث النبوية التي رواها أحمد بن حنبل في مسنده ج‍ ٣ ص ١٧ ، وأبو يعلى ج‍ ٢ ص ٣٦٧ ، والسيوطي في الحاوي ج‍ ٢ ص ٦٣ ، ومثله قول النبي عن المهدي ، بأنه « سيملك العرب » خاصة راجع مسند أحمد ج‍ ١ ص ٣٨١ ، والترمذي ج‍ ٤ ص ٥٠٥ ، والطبراني في الكبير ص ٧٨ ومثله قول النبي : « لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة واحدة « لملك فيها » رجل من أهل بيتي ... راجع ابن حبان ج‍ ٧ ص ٥٧٦ ح ٥٩٢٢ ، والطبراني في الكبير ج‍ ١٠ ص ١٦١ والطبراني في الصغير ج‍ ٢ ص ١٥٨ ... راجع معجم أحاديث الإمام المهدي المنتظر الجزء الأول ] ...

وقد صحت وتواترت عندهم الأحاديث النبوية التي أكدت تأكيدات قاطعة بأن المهدي المنتظر « سيملأ الأرض عدلاً وقسطاً ، كما ملئت جوراً وظلماً » حتى أنهم قد اتفقوا على اللفظ الحرفي للحديث « سيملأ الأرض » و « قسطاً وعدلاً » ، و « ظلماً وجوراً » ، وتلك من الحالات النادرة في علم الحديث ، وقد وثقنا ذلك في البحوث السابقة ، ومقتضى الحال ، يعني أن أهل السنة على يقين من المهدي المنتظر سيملك الأرض كلها ، وإلا فكيف ينشر ويملأ بالعدل والقسط أرضاً لا يملكها!!!

وصحت وتواترت عندهم الأحاديث النبوية التي ذكرت بأن السماء ستعطي كل خيراتها ، قطرها وبركاتها ، وأن الأرض كل الأرض ستخرج كل نباتها وكنوزها ونفائسها في زمن المهدي ، لقد جاءت هذه الأحاديث وأمثالها بصيغة العموم ، ولم يرد ما يخصصها ، وكل هذا يعني بأن مُلك المهدي المنتظر سيشمل الكرة الأرضية كلها ، وموالي الخلفاء ، يتفقون مع أهل بيت النبوة ومواليهم بأن المهدي المنتظر سيملك بلاد العرب وبلاد فارس أولاً ، ويشكل منها قاعدة قوية ثم ينطلق منها إلى كافة البلاد المعمورة التي ستخضع له في النهاية طوعاً أو كرهاً. ويصبح المهدي

١٦٧

المنتظر أول إمام شرعي يمارس السيادة ومهام الحكم على العالم كله. ويطبق الشرع الإلهي على كافة سكانه.

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه لما عرج به إلى السماء السابعة ومنها إلى سدرة المنتهى ، ومن السدرة إلى حجب النور ناداه جل جلاله ... وبك ، وبه ، وبالأئمة من ولده أرحم عبادي وإمائي ، وبالقائم منكم « المهدي المنتظر » أعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي ، وبه أطهّر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائى ، وبه أجعل كلمة الذين كفروا هي السفلى ، وكلمتي العليا وبه أحيي عبادي وبلادي بعلمي ، وبه أظهر الكنوز والذخائر بمشيئتي ، وإياه أظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي ، وأمده بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري ، وإعلان ديني ، ذلك وليي حقاً ، ومهدي عبادي صدقاً ». [ راجع منتخب الأثر للرازي ص ١٦٧ ف ٢ ب ١ ح ٧٧ ، وأمالي الصدوق ص ٥٠٤ مجلس ٩٢ ح ٤ ، والبحار ج‍ ١٨ ص ٣٤١ ب ٢ ح ٤٩ وج‍ ٢٣ ص ١٢٨ وج‍ ٥١ ص ٦٥ ـ ٦٦ ومعجم أحاديث الإمام المهدي ج‍ ١ ص ٢١٤ ـ ٢١٥ ].

١٦٨

الفصل السابع :

عهد الإمام المهدي المنتظر

عهد الكفاية والرخاء المطلق

أهل بيت النبوة مجمعون على أنهم قد سمعوا ووعوا تأكيدات الرسول المتكررة ، بـأن عهد الإمام المهدي سيكون من الناحية الاقتصادية ، عهد الكفاية والرخاء المطلق لكافة سكان الكرة الأرضية في عهده ، وأن عهده من هذه الناحية سيكون أزهى عهد عاشته البشرية إطلاقاً ، حيث ستتحقق الكفاية والوفرة للجميع وينعم جميع أبناء الجنس البشري بالرخاء التام في عهده. ولا يختلف في ذلك اثنان من شيعة أهل بيت النبوة.

ويبدو أن شيعة الخلفاء ، « أهل السنة » قد توصلوا إلى ذات النتائج ، واستقرت في قلوبهم نهائياً ذات القناعات ، بعد أن وقفوا على الأحاديث النبوية التي تواترت عندهم ، والتي عالجت هذه الناحية معالجات مقنعة.

ويمكنك القول بأن خاصة المسلمين وعامتهم يرسلون هذه المعلومات إرسال المسلمات ، لأنه قد تحقق لهم اليقين بصحتها ، ومن المستحيل عقلاً أن ينطلق ويتكون هذا اليقين العام من فراغ ، إنما كان ثمرة طبيعية للتأكيدات النبوية المتلاحقة والتي شقت طريقها بيسر إلى أسماع المسلمين وقلوبهم بعد أن تخطت كل العوائق التي وضعت سابقاً للحيلولة دون رواية الحديث النبوي وكتابته.

فالنبي يؤكد بأن السماء في عهد المهدي ستنزل قطرها ، وأن الأرض ستخرج له بذرها. [ راجع الحديث رقم ٦٦ ج‍ ١ من معجم أحاديث الإمام المهدي ].

١٦٩

وفي تأكيد آخر يبين الرسول بأن الله سينزل البركة للمهدي من السماء ، ويخرج له من الأرض بركتها. [ راجع الحديث رقم ٧٣ وفي الحديث ١٢٣ ]. وأكد الرسول بأنه لما عرج به إلى السماء السابعة ، ثم إلى سدرة المنتهى وإلى حجب النور كلمه الله تعالى عن أمور كثيرة من جملتها المهدي المنتظر ، وأن الله تعالى قد وعده وأكد له بأنه سيحيي بالمهدي العباد والبلاد ، وأنه سيظهر في عهده الكنوز والذخائر ، ويمده بالملائكة لتساعده على تنفيذ الأوامر الإلهية وإعلان الدين. ويؤكد الرسول في حديث رابع أن السماء لن تدع من قطرها شيئا إلا صبّته ، وأن الأرض لن تدع من نباتها شيئاً إلا أخرجته بإذن الله. [ راجع الحديث رقم ١٤١ ج‍ ١ من معجم أحاديث الإمام المهدي ]. وفي حديث خامس يؤكد الرسول حجم العطاء الإلهي في عهد المهدي قائلاً « تقيء الأرض أفلاذ كبدها » أمثال الأسطوان من الذهب والفضة ، ويتابع الرسول تأكيداته موضحاً الصورة فيقول : « فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت ، ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي ، ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا ». [ راجع الحديث رقم ١٤٢ ج‍ ١ ]. وفي حديث سادس يجزم الرسول قائلاً : « تنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم ينعموا مثلها قط ترسل السماء عليهم مدراراًً ، ولا تدع الأرض شيئاً من النبات إلا أخرجته ، والمال كدوس ، يقوم الرجل فيقول : « يا مهدي أعطني فيقول خذ » الحديث ١٣٩ ، ويؤكد الرسول بأن المهدي سيعطي المال بغير عد » الحديث ١٤٣ ، وفي الحديث ١٤٤ يوضح الرسول الصورة فيقول : « ويكون المال كدوساً ، يجيء الرجل إليه فيقول يا مهدي أعطني ، فيحثي له المهدي في ثوبه ما استطاع أن يحمل » ، وفي الحديث ١٤٦ يؤكد الرسول بأن المهدي : « يحثي المال حثياً ولا يعده عداً » ، وفي الحديث ١٤٩ يؤكد الرسول أنه في عهد الإمام المهدي « فيفيض المال فيضاً » ، وفي الحديث رقم ١٥١ يقول الرسول : « أن المال سيكثر يفيض حتى يهم رب المال من يقبل الصدقة ومتى يعرضه ، فيقول الذي يعرضه عليه « لا إرب لي » وتتكرر الأحاديث النبوية بهذه المضامين ، وتتعدد الصيغ ، ويبدو أن الرسول الأعظم قياماً بواجب البيان ، وتأكيداً لما أراد تأكيده ، وحرصاً منه على غرس ما يريد في قلوب السامعين ، وتوصيل ما

١٧٠

أراد لمن بلغ ، قد حدث بهذه الأحاديث في أكثر من مكان وفي أوقات متعددة.

وتحدّث الإمام زين العابدين عن الكفاية والرخاء في عهد الإمام المهدي فقال إن القائم : « يُعطي الناس عطايا مرتين في السنة ، ويرزقهم في الشهر رزقتين ويسوي بين الناس ، حتى لا ترى محتاجاً إلى الزكاة ، ويجيء أصحاب الزكاة بزكاتهم إلى المحتاجين من شيعته فلا يقبلونها ، فيصرونها ويدورون في دورهم ، فيخرجون إليهم فيقولون لا حاجة لنا في دراهمكم » ... ثم قال : ويجتمع إليه أموال أهل الدنيا كلها من بطن الأرض وظهرها فيقال للناس : « تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام ، وسفكتم فيه الدم الحرام ، وركبتم فيه المحارم ، فيعطي عطاء لم يعطه أحد من قبله. [ راجع الحديث رقم ٨٦٧ مجلد ٣ من معجم أحاديث الإمام المهدي ].

وهذه الصور حقيقية حتى بموازين البحث الاقتصادي ، فأقاليم العالم كله خاضعة لدولة واحدة ، وهذه الأقاليم متكاملة بالضرورة ، وكافة مواردها مستثمرة استثماراً سليماً ، وهذه الموارد جميعاً تجبى إلى بيت المال للامام المهدي ، حيث يتولى توزيعها بعدالة بين الناس ، وفقاً للتسديد والتأييد الإلهي المطلق ، فموارد العالم مجتمعة إذا وزعت بعدالة ستتحقق الكفاية والوفرة والرخاء لكل سكان العالم ، ولن يبقى في الأرض محتاج واحد ، هذا حسب الموازين الاقتصادية ، فكيف يكون حجم الكفاية والرخاء عندما تقذف الأرض بكل نفائسها وكنوزها ، وتخرج كل نباتها ، وعندما ينزل الله من السماء كل قطرها؟ عند ذلك سيفوق حجم الكفاية والرخاء حدي التصور والتصديق.

١٧١

الفصل الثامن :

سكان الأرض والسماء

يحبون المهدي ويرضون منه

عمي القلوب والخلل المزمن

بالذوق البشري العام

طوال تاريخ البشرية وهي مصابة بعمي القلوب ، وبخلل مذهل بالذوق العام. فقد صفَّقت البشرية دائماً للجبارة والطغاة والأغبياء ، وأعجب بهم ، والتفت حولهم ، ووضعت نفسها تحت تصرفهم ، وبذلت لهم الغالي والرخيص ، وأعطتهم كل ما طلبوه منها ، لقد سعت البشرية بكل طاقاتها لترضي الطغاة والجبابرة طوال تاريخها رغبة أو رهبة!!

أما الأنبياء ، والرسل ، والمصلحون ، فقد تجاهلتهم البشرية تماماً ، وعاملتهم باحتقار ، وسعت في مقاومتهم ، وتعاونت للصد عما يدعون إليه ، واتهمتهم ظلماً بأشنع التهم ، وأقذعها ، فنسبتهم إلى الجنون ، والسحر والكهانة ، والشيطنة والسفاهة ، وصورتهم بصور بشعة ، وتمادت بعض المجتمعات البشرية ، وفاستعدى بعضها بعضاً ، وكونت الأحلاف وجيشت الجيوش ، وشَنّت على الأنبياء والرسل حروباً عدوانية لا مبرر لها ، فقتلتهم ومن والاهم ، أو أذاقتهم من أمرهم عسراً!!

كانت المجتمعات البشرية تعتقد أن الأنبياء والرسل والمصلحين يمثلون

١٧٢

الشر كله ، وأن الجبابرة والطغاة يمثلون الخير كلهم ، لأن بأيديهم مفاتيح الأموال والجاه والسلطة ، وكانوا يعتقدون أن دعوات الأنبياء تمثّل خطراً على مجتمعاتهم ونظمهم وأنماط حياتهم ، لذلك اعتقدوا بأنهم ملزمون للتصدي للأنبياء والرسل ولكل ما جاءوا به ، وأنهم ملزمون بموالاة الطغاة والجبابرة والوقوف معهم صفاً واحداً لمواجهة خطر النبوة والرسالة والإصلاح!! إنها ثقافة الطغيان ، إنها النتائج اللاشعورية للرعب والخوف وتقديس الغالب وتكريس ثقافته ومناهجه التربوية.

أحدث الأمثلة والبراهين على ذلك

وأحدث الأمثلة والبراهين على صحة ما ذكرناه موقف بطون قريش والعرب عامة من نبوة ورسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد وقفت بطون قريش وقفة رحل واحد ضد النبي ، وقاومته ودعوته طوال مدة ال‍ ١٥ سنة التي قضاها في مكة قبل الهجرة ، وحاصرته وبني هاشم ودعوته وقاطعتهم ، وعذبت المستضعفين من أتباعه ، وتآمرت على قتله ، ولما نجح النبي بهجرته استعْدَت عليه العرب ، وجيّشت الجيوش ، وشنت عليه حروبها العدوانية ، وحاربته حرباً لا هوادة فيها ، ومكرت به مكراً يزيل الجبال!! كانت بطون قريش ومن والاها من العرب يعتقدون أن رسول الله هو الشر بعينه ، وكانوا يكرهونه إلى درجة العُقد ويكرهون من والاه حقاً بنفس الدرجة. وكانوا يعتقدون أن أبا سفيان ، ومعاوية ، ويزيد ، وأبا جهل ، وعتبة وغيرهم من أئمة الكفر هم رموز الخير ، وقادة الفلاح ، ورموز الإصلاح ، وأن الحياة لا تستقيم بغير قيادتهم الملهمة ، لذلك والوهم وأطاعوهم ووضعوا تحت تصرفهم الغالي والرخيص ليحاربوا عدوهم محمداً حتى آخر سهم!!! ومضوا بعدواتهم المجنونة للنبي ، وبحقدهم عليه ، وعلي من والاه ، وبعد ٢٣ سنة من المقاومة والعداء والحرب لمحمد كانوا يعتقدون أن الحرب ما زالت في أولها ، وأنه لا ينبغي لهم أن يضعوا السلاح حتى يموت محمد ومن والاه أو يموتون ، بهذا المناخ دخلت جيوش محمد عاصمتهم ، عاصمة الشرك ، وأحيط بالمجرمين وبقادة جبهة الشرك فاستسلموا عسكرياً ، واضطروا مكرهين أن يعلنوا إسلامهم بقيا منهم على الحياة!! وتبعاً لاستسلام قادة الشرك وإعلان إسلامهم ، استسلمت جموع المجتمع ، وأعلنت إسلامها وادعى قادة الشرك بأن قلوبهم كانت عمياء ، وأن في

١٧٣

ذوقهم العام خلل رهيب ، واعدي أتباعهم مثل ادعائهم ، وصرحوا علناً بأن محمداً رسول الله هو الجدير بالمحبة ، وأنهم كانوا خاطئين بعدائهم له ، وهم راضون من قيادته كل الرضا ، ومن المؤكد أن رسول الله كان يعرف حقيقة ادعاءاتهم ولكن الرسول عفا عنهم ، وأعطاهم فرصة جديدة ، وقبل منهم الظاهر ، ولكنه وعلى سبيل الاحتياط والتحذير لأوليائه من كيدهم سمّاهم بالطلقاء وسمّاهم بالمؤلفة قلوبهم ، وخصص الله تعالى لهم جزءاً من الصدقات حتى يعرفهم المؤمنون بهذه الصفة أبداً فيحذرونهم ويتّقون شرور مكائدهم ، وبنفس الوقت فرصة أمامهم ليصلحوا أنفسهم ويرجعوا عن غيهم ، ولكن المؤمنين تناسوا ، فبعد وفاة النبي مباشرة صار الطلقاء والمؤلفة قلوبهم هم أركان الدولة الفعليين!! فجنوا ثمرة حربهم للنبي وعدائهم له ، وحققوا بالدهاء ما عجزوا عن تحقيقه بالحرب.

وما يعنينا أنه بعد هزيمة جبهة الشرك صار محمد حبيب الجميع وادعى الجميع بأنهم راضون منه ، وقابلون بحكمه ، وسعداء بقيادته!! لست أدري هل فاضت مشاعرهم بالمحبة للنبي لأنه نبي وحامل دعوة الإصلاح الحقيقية ، أم لأنه غلبهم ، وقهرهم ، وكانوا من قبل تعودوا على موالاة من يغلب ويقهر!!؟ يقيناً أن المؤمنين الصادقين والعقلاء قد أفاضوا تلك المشاعر بحق وصدق ، لكن أنى للظالمين ، وأنى للغوغاء أن يقولوا فيصدقوا ، أو يوالوا فيخلصوا وهم الذين صنعوا ثقافة الذل وورثوها جيلاً بعد جيل!!

محبة الإمام المهدي موالاته

هذه المعلومة يقينية عند أهل بيت النبوة ، وهم يرسولونها إرسال المسلمات ، لأنهم سمعوا ووعوا رسول الله وهو يؤكد ذلك مراراً وتكراراً ، في أوقات متعددة وأمكنة مختلفة ، وتبعاً ليقين أهل بيت النبوة وإجماعهم ، تيقن أولياؤهم وأجمعوا على أن الرسول الله قد أخبر المسلمين بأن سكان الأرض والسماء سيحبون المهدي ويرضون عنه.

وقد توصلت شيعة الخلفاء التاريخيين « أهل السنة » بوسائلها الخاصة إلى أن رسول الله بالفعل قد أخبر المسلمين بأن أهل الأرض وأهل السماء سيحبون

١٧٤

المهدي المنتظر ويرضون عنه تماماً ، وأن هذه المعلومة من علم الغيب لا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى ، مما يعني بأن الله قد أوحى لرسوله بأن يبين ذلك للمؤمنين ويبشرهم بهذه الحقيقة وبقية الحقائق المتعلقة بالمهدي المنتظر. وقد صحت هذه الأحاديث عندهم ، وتواترت بينهم حتى صارت من المسلمات واعتقد بها العامة والخاصة منهم.

فيض من تأكيدات الرسول

قال رسول الله : « المهدي رجل من ولدي ، وجهه كالقمر الدري ... يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً يرضى بخلافته أهل الأرض والطير في الهواء ... ». [ راجع الحديث ٧٢ ج‍ ١ ص ١٣٠ من معجم أحاديث الإمام المهدي ، تجد أربعين مرجعاً لهذا الحديث منهم ابن ماجة ، والطبراني ، والسيوطي ، والشافعي ، والذهبي والطبراي ]. وفي حديث آخر يوضح النبي الصورة بقوله عن المهدي : « تأوي إليه أمته كما تأوي النحلة إلى يعسوبها ». [ ابن حماد ص ٩٩ ، تو الحاوي للسيوطي ج‍ ٢ ص ٧٧ ، وملاحم بن طاووس ص ٧٠ ، ومنتخب الأرص ٧٨ ، الحديث ١٣٠ ج‍ ١ ص ٢٢٠ ].

ويؤكد النبي هذا الخبر بصيغة أخرى فيقول عن المهدي المنتظر : « يرضى عنه ساكن الأرض وساكن الأرض وساكن السماء ». [ راجع الحديث رقم ١٤١ من المعجم ].

حتمية حب العالم للمهدي وقبولها بخلافته

ورضوانه عنها

كان المهدي في البداية طريداً شريداً يظهر فجأة وحده ، وتبدأ الآيات بالظهور تباعاً ويلتف حوله حفنة من المؤمنين ، ويتصدى المهدي لطغاة العالم وجبابرته وظالميه وبمدة لا تتجاوز الثمانية أشهر يحسم المواجهة لصالحه ، وينقاد له العالم طوعاً أو كرهاً ويصبح المهدي هو الزعيم أو الإمام أو الخليفة العالمي الأوحد ، ومن بيده مفاتيح أموال العالم وخزائنه ونفوذه وجاهه وسلطانه ، وفوق هذا وذاك فهو مزود بقدرات إلهية خارقة ، حيث تسير الملائكة بين يديه ، وتتجلى كراماته التي أعطاها الله تعالى له كرامة بعد كرامة ، علناً وعلى رؤوس الأشهاد ،

١٧٥

وتخرج له الأرض كنوزها ونفائسها ونباتاتها بإذن الله ، وتجبي إليه موارد العالم كله ، ثم يتصرف بهذه الأكداس المكدسة من الأموال على الوجه الشرعي ، ويقسم بين الناس بالسوية ، كما كان يفعل النبي وعلى ، فيغمر سكان الأرض بعطاياه ، ولا يبقى في الأرض كلها محتاج واحد ، وينشر القسط ، وينشر العدل ، ويعمم المعارف الحقيقية ، ويسع عدله البر والفاجر ، ويعمر الأرض ، ويدخل البشرية عصرها الذهبي ، ويحقق المعجزات خلال فترة حكمه ، فما الذي يمنع العالم من أن ينبهر بهذا الإمام وأن يعجب به ، وأن يحبه حباً صادقاً وأن يرضى عنه ، وعن خلافته!! إن هذه المشاعر نتائج حتمية وثمرات طبيعية لإنجازات وأفعال المهدي الماجدة خاصة وأن البشرية قد جربت كل أنماط الحكم ، واكتوت بنيران الظلم عبر تاريخها الطويل ، فيكون المهدي البلسم الشافي فمن لا يحبه ومن لا يرضى به في هذه الحالة!!

١٧٦

الفصل التاسع :

الله تعالى يظهر بالإمام المهدي

دين الإسلام على جميع الأديان

الثابت والمجمع عليه عند أهل بيت النبوة وشيعتهم ، بأن رسول الله قد أكد وبكل وسائل التأكيد ، بأن الله سبحانه وتعالى سيظهر الإسلام بالمهدي المنتظر على الدين كله ، بحيث تختفى كل الأديان وتتلاشى ولا يبقى منها إلا دين الإسلام. [ راجع ينابيع المودة ص ٤٢٣ ، ومنتخب الأثر للرازي ص ٢٩٤ ، والحديث ٧١٢ من أحاديث المعجم ج‍ ٣ ]. وهذه المعلومة عند أهل بيت النبوة وأوليائهم من المسلمات التي لا يختلف فيها اثنان ، لأن المهدي ستكون له دولة عالمية يشمل حكمها وسلطانها ونظامها كل أقاليم الكرة الأرضية ، وستكون المنظومة الحقوقية الإلهية المتكونة من القرآن الكريم والسنة النبوية هي القانون الأوحد والنافذ في هذه الدولة ، وسيكون الدين الإسلامي هو الدين الرسمي والفعلي لكافة رعايا ومواطني تلك الدولة. حيث ستتزامن عملية بناء الدولة العالمية مع عملية نشر الإسلام ، فتسير العمليتان معاً ، حيث سيدعو المهدي الناس جميعاً إلى الإسلام ، ويهديهم إلى أمر قد دثر فضلّ عنه الجمهور. [ راجع الإرشاد ص ٣٦٤ ، وروضة الواعظين ج‍ ٢ ص ٢٦٤ ، وإعلام الورى ص ٤٣١ ، وكشف الغمة ج‍ ٣ ص ٢٥٤ ، وإثبات الهداة ص ٥٣٧ ج‍ ٣ ، والبحار ج‍ ٥١ ص ٣٠ ، والحديث ١١٢٢ من المعجم ]. وإن المهدي سيصنع كما صنع رسول الله ، حيث سيهدم أمر الجاهلية كله ، ويستأنف الإسلام جديداً. [ راجع الحديث ١١٢٣ من

١٧٧

احاديث المعجم وراجع المصادر المذكورة فيه والحديث ١١٢٤ ].

وأكد الرسول هذا المحتوم بقوله : « ... أما والله لا تذهب الأيام والليالي حتى يحيي الله الموتى ويميت الأحياء ويرد الله الحق إلى أهله ، ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه ونبيه فابشروا ثم ابشروا ... [ راجع البحار ج‍ ٤١ ص ١٢٧ ، والتهذيب ج‍ ٤ ص ٩٧ ، والكافي ج‍ ٣ ص ٥٣٦ ، والحديث رقم ١١٢٦ من احاديث المعجم ]. وحيثما حل المهدي وحيثما ارتحل يفتح المدارس والمعاهد لتعليم الناس القرآن على ما أنزل الله ، فمع المهدي القرآن المكتوب بخط على ، وبإملاء رسول الله ، ومع هذا القرآن حاشية بخط على ، وإملاء الرسول تتضمن القول الفصل بكل مسألة وردت فيه ، فضلاً عن ذلك فإن المهدي بوصفه الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة الذين أختارهم الله لقيادة العالم قد ورث علمي النبوة والكتاب ، ولا يخفى عليه من أمرهما شيء فيوجه الحركة العلمية ، بحيث تأتي منسجمة مع علمي النبوة والكتاب ، ومتفقة معهما ، ويعدل الوقائع السابقة لعهده لتكون متفقة مع المفهوم الشرعي ، فقد يهدم منابر ويدخل التعديلات الجذرية ، حتى على المساجد لتكون كما أرادها الله ورسوله بلا زيادة ولا نقصان.

ويبدو واضحاً أن شيعة الخلفاء « أهل السنة » على شُحّ مواردهم اليقينية من الحديث قد توصلوا إلى ذات النتيجة ، فكيف يمكن أن يملا المهدي الأرض عدلاً وقسطاً ، ويرضى عنه ساكن الأرض وساكن السماء إن لم يحكم بما أنزل الله!! وما أنزل الله وحكم الله مختصر بكلمة الإسلام ، فعند ما يكون الإسلام هو القانون النافذ في الدولة وهو دينها الرسمي ، ويتزامن نشره في العالم مع بسط المهدي لسلطانه في الأرض ، فيعني ذلك ضمناً أن المهدي سيظهر الإسلام على الدين كله ، وقد صرح بذلك أعلام المفسرين من أهل السنة كنا أسلفنا تحت عنوان : « المهدي في القرآن والسنة ».

حتمية هذه المعلومة ومنطقيتها معاً

الثابت بأن عيسى ابن مريم سينزل ويظهر في زمن المهدي ، وأن المهدي

١٧٨

المنتظر سوف يؤم المسيح ابن مريم في الصلاة ، وعندما ينزل المسيح ابن مريم تكون للمهدي دولته المستقرة ، وحكومته المشكلة ، وجيشه القائم ونفوذه وصيته الواسع ، مما يعني أن المهدي هو الإمام الشرعي والرئيس الفعلي لأمته ورعاياه ، ويفهم بوضوح من الأحاديث والأخبار التي عالجت هذه الناحية ، بأن السيد المسيح مكلف بمهام معينة تساعد على تمكين أمر المهدي ، وهزيمة أعدائه ، وأن الاثنين سيشكلان فريقاً واحداً برئاسة المهدي ينصب هدفه بالدرجة الأولى والأخيرة على إنقاذ الجنس البشري وهدايته إلى الصراط المستقيم ، والعمل معاً لتكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة أعداء الله هي السفلى ، وتوحيد العالم كله لتكون له دولة واحدة ، ودين واحد هو دين الله ، ولتقسيم موارد العالم على سكانه بالسوية ، ليتحقق الوفر والكفاية للجميع ، ولتعيش البشرية أزهي عصورها في ظلال الحكم الإلهي ، فيحق الله الحق ويبطل دعاوي المبطلين.

فعندما يرى أتباع الديانة المسيحية المسيح ابن مريم نفسه منقاداً للمهدي ومتبعاً لدينه ، فما هي حججهم ، وما هي مبرراتهم لمخالفة المسيح وعدم اعتناقهم للدين الذي اعتنقه!! ثم ماذا يبقى لهم إن كان المسيح نفسه على غير دينهم ، وهذا يدعوهم وبالضرورة لاعتناق الإسلام دين الله ودين المهدي والمسيح ، وعندما تدخل هذه الكثرة من أتباع المسيح في الإسلام على يد المسيح وبمساعدته ، فإن دخولها سيخلق حالة من الانبهار العالمي ، والوعي العالمي ، والمناخ الملائم لاعتناق العالم لدين الإسلام فتقبل الأكثرية الساحقة على دين الله لتدخلة أفواجاً أفواجاً ، ويبدو أن اليهود سيقاومون بكل قواهم ، وسيقتل خلق كثير منهم ، ولكن من يبقى منهم سيستسلم في النهاية ويعتنق الأسلام. ثم إن الله سبحانه وتعالى سيسلح المهدي والمسيح بفيض وافر ودائم من الآيات الربانية والمعجزات المتتابعة التي تخضع لها الأعناق ، بحيث يضطر أكثر الخلق عتواً إلى التصديق والتسليم.

وعندما ينجح المهدي بتوحيد العالم ، وتكوين دولته العالمية ، ونشر القسط والعدل وتحقيق الكفاية والرخاء المطلق لكل سكان الأرض ، فلا يبقي فيها محتاج واحد عندئذ يبهر العالم بالفعل ، ويحب هذا الرجل المعجزة حباً عظيماً.

١٧٩

فيتعلق بالمهدي وبدينه تعلقاً شديداً ، فيكتشف العالم بأنه قد وجد ضالته المنشودة بالاسلام الذي حقق به المهدي عصر البشرية العظيم.

ألم تر كيف دخلت الملايين في الشيوعية ووالتها بسبب وعود الكفاية والرخاء ، وكيف أن هذه الماليين قد أعطت كل مالديها وصبرت صبر أيوب ، ولما اكتشفت المايين أن الشيوعية لا تملك ذلك أنفضت من حولها!! وأكثر العقائد البشرية استقطبت أتباعها بشعارات تهواها النفوس ، ثم اكتشفت أنها وعود لا يمكن تحقيقها!! ويمكنك أن تتصور حجم الإقبال على دين المهدي وشخصه عندما يحوّل الأحلام إلى حقائق ، والمنى إلى وقائع ملموسة بأيام أو شهور!! يقينا ان العالم الذي عضّه الظلم وأذلته الحاجة ، وكفر بالوعود الكاذبة سيحب المهدي ودينه إلى درجة العشق والدنف ، والهيام.

المهدي المنتظر يظهر

في آخر الزمان

كما صحّت وتواترت عند أهل بيت النبوة وشيعتهم وعند الخلفاء والتاريخيين وشيعتهم « أهل السنة » الأحاديث التي تحدثت عن حتمية ظهور الإمام المهدي المنتظر ، صحت وتواترت عندهم الأحاديث النبوية التي تحدثت من أن المهدي المنتظر سيظهر في آخر الزمان أي في المرحلة الأخيرة من الحياة الدنيا ، وقبيل قيام الساعة وانتهاء دورة الحياة الدنيا وعلى هذا أجمعت الأمة ، وأرسلت هذه المعلومة الدينية إرسال المسلمات.

نماذج من هذه الأحاديث

١ ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي » ... [ راجع تذكرة الخواص ص ٣٦٣ ، وعقد الدرر ص ٣٢ ب ٣ ، ومنهاج السنة لابن تيمية ج‍ ٤ ص ٢١١ ، وقال ان الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم ، منهاج الكرامة ص ٢٨ عن ابن الجوزي ص ١١٥ ، وإثبات الهداة ج‍ ٣ ص ٦٠٦ ، ومنتخب الأثر ص ١٨٢ ف ٢ ب ١ ج‍ ١ عن تذكرة الخواص لابن الجوزي الحنبلي ،

١٨٠