كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٤

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٤

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦١

وهم الرهاويون الذين كانوا بنواحي حرّان وغير هؤلاء. فمنهم من مذهبه مذهب الحرّانية ، ومنهم من يقول بالنور والظلمة ، والثنوية كلهم يقرّون بنبوّة المسيح عليه‌السلام ومنهم من يعتقد مذهب أرسطاطاليس. والملكانية واليعقوبية والنسطورية متفقون على أن معبودهم ثلاثة أقانيم (١) ، وهذه الأقانيم الثلاثة شيء واحد ، وهو جوهر قديم ، ومعناه أب وابن وروح القدس إله واحد ، وأن الابن نزل من السماء فتدرّع جسدا من مريم ، وظهر للناس يحيي ويبروئ وينبي ، ثم قتّل وصلب وخرج من القبر لثلاث ، فظهر لقوم من أصحابه فعرفوه حق معرفته ، ثم صعد إلى السماء فجلس عن يمين أبيه هذا الذي يجمعهم اعتقاده ، ثم إنهم يختلفون في العبارة عنه.

فمنهم من يزعم أنّ القديم جوهر واحد يجمعه ثلاثة أقانيم ، كل أقنوم منها جوهر خاص ، فأحد هذه الأقانيم أب واحد غير مولود ، والثالث روح فائضة منبثقة بين الأب والابن ، وأن الابن لم يزل مولودا من الأب ، وأن الأب لم يزل والدا للابن ، لا على جهة النكاح والتناسل ، لكن على جهة تولد ضياء الشمس من ذات الشمس ، وتولد حرّ النار من ذات النار.

ومنهم من يزعم أن معنى قولهم إن الإله ثلاثة أقانيم ، أنها ذات لها حياة ونطق ، فالحياة هي روح القدس ، والنطق هو العلم والحكمة ، ... (٢) والنطق والعلم والحكمة والكلمة عبارة عن الابن ، كما يقال الشمس وضياؤها ، والنار وحرّها ، فهو عبارة عن ثلاثة أشياء ترجع إلى أصل واحد.

ومنهم من يزعم أنه لا يصحّ له أن يثبت الإله فاعلا حكيما ، إلّا أنه يثبته حيا ناطقا ، ومعنى الناطق عندهم العالم المميز ، لا الذي يخرج الصوت بالحروف المركبة ، ومعنى الحيّ عندهم من له حياة بها يكون حيا ، ومعنى العالم من له علم به يكون عالما. قالوا فذاته وعلمه وحياته ثلاثة أشياء والأصل واحد ، فالذات هي العلة للاثنين اللذين هما العلم والحياة ، والاثنان هما المعلولان للعلة ، ومنهم من يتنزه عن لفظ العلة والمعلول في صفة القديم ، ويقول أب وابن ووالدة وروح وحياة وعلم وحكمة ونطق. قالوا والابن اتحد بإنسان مخلوق ، فصار هو وما اتحد به مسيحا واحدا ، وأن المسيح هو إله العباد وربهم ، ثم اختلفوا في صفة الاتحاد ، فزعم بعضهم أنه وقع بين جوهر لاهوتيّ وجوهر ناسوتيّ اتحاد ، فصارا مسيحا واحدا ، ولم يخرج الاتحاد كلّ واحد منهما عن جوهريته وعنصره ، وأن المسيح إله معبود ، وأنه ابن مريم الذي حملته وولدته ، وأنه قتل وصلب ، وزعم قوم أن المسيح بعد الاتحاد جوهران ، أحدهما لاهوتيّ والآخر ناسوتيّ ، وأن القتل والصلب وقعا به من جهة

__________________

(١) الأقنوم : الأصل.

(٢) بياض في الأصل.

٤٢١

ناسوته لا من جهة لاهوته ، وأن مريم حملت بالمسيح وولدته من جهة ناسوته ، وهذا قول النسطورية ، ثم يقولون أن المسيح بكماله إله معبود ، وأنه ابن الله ، تعالى الله عن قولهم ، وزعم قوم أنّ الاتحاد وقع بين جوهرين لاهوتيّ وناسوتيّ ، فالجوهر اللاهوتيّ بسيط غير منقسم ولا متجزئ ، وزعم قوم أن الاتحاد على جهة حلول الابن في الجسد ومخالطته إياه ، ومنهم من زعم أن الاتحاد على جهة الظهور ، كظهور كتابة الخاتم والنقش إذا وقع على طين أو شمع ، وكظهور صورة الإنسان في المرآة ، إلى غير ذلك من الاختلاف الذي لا يوجد مثله في غيرهم ، حتى لا تكاد تجد اثنين منهم على قول واحد.

والملكانية تنسب إلى ملك الروم ، وهم يقولون أنّ الله اسم لثلاثة معان ، فهو واحد ثلاثة وثلاثة واحد. واليعقوبية تقول أنه واحد قديم ، وأنه كان لا جسم ولا إنسان ، ثم تجسم وتأنس. والمرقولية قالوا الله واحد وعلمه غيره قديم معه ، والمسيح ابنه على جهة الرحمة ، كما يقال إبراهيم خليل الله ، والمرقولية تزعم أن المسيح يطوف عليهم كل يوم وليلة ، والبوزغانية تزعم أن المسيح هو الذي يحشر الموتى من قبورهم ويحاسبهم.

وعندهم لا بدّ من تنصير أولادهم ، وذلك أنهم يغمسون المولود في ماء قد أغلي بالرياحين وألوان الطيب في إجانة جديدة ، ويقرءون عليه من كتابهم ، فيزعمون أنه حينئذ ينزل عليه روح القدس ، ويسمون هذا الفعل المعمودية ، وطهارتهم إنما هي غسل الوجه واليدين فقط ، ولا يختتن منهم إلّا اليعقوبية ، ولهم سبع صلوات يستقبلون فيها المشرق ، ويحجون إلى بيت المقدس ، وزكاتهم العشر من أموالهم ، وصيامهم خمسون يوما ، فالثاني والأربعون منه عيد الشعانين ، وهو اليوم الذي نزل فيه المسيح من الجبل ودخل بيت المقدس ، وبعده بأربعة أيام عيد الفصح ، وهو اليوم الذي خرج فيه موسى وقومه من مصر ، وبعده بثلاثة أيام عيد القيامة ، وهو اليوم الذي خرج فيه المسيح من القبر بزعمهم ، وبعده بثمانية أيام عيد الجديد ، وهو اليوم الذي ظهر فيه المسيح لتلامذته بعد خروجه من القبر ، وبعده بثمانية وثلاثين يوما عيد السلاق ، وهو اليوم الذي صعد فيه المسيح إلى السماء. ولهم عيد الصليب ، وهو اليوم الذي وجدوا فيه خشية الصليب ، وزعموا أنها وضعت على ميت فعاش ، ولهم أيضا عيد الميلاد وعيد الذبح ، ولهم قرابين وكهنة ، فالشماس فوقه القس ، وفوق القس الأسقف ، وفوق الأسقف المطران ، وفوق المطران البطريق ، والسكر عندهم حرام ، ولا يحلّ لهم أكل اللحم ولا الجماع في الصوم ، وكل ما يباع في السوق ولم تعفه أنفسهم يباح أكله ، ولا يصحّ النكاح إلّا بحضور شماس وقس وعدول ومهر ، ويحرّمون من النساء ما يحرّمه المسلمون ، ولا يحلّ الجمع بين امرأتين ، ولا التسرّي بالإماء إلّا أن يعتقن ويتزوّج بهنّ ، وإذا خدم العبد سبع سنين عتق ، ولا يحل طلاق المرأة إلّا أن تأتي بفاحشة مبينة فتطلق ، ولا تحل للزوج أبدا ، وحدّ المحصن إذا زنى الرجم ، فإن زنى غير محصن وحملت منه المرأة تزوّج بها ، ومن قتل عمدا قتل ، ومن قتل خطأ يهرّب ولا يحل طلبه ،

٤٢٢

وأكثر أحكامهم من التوراة ، وقد لعن منهم من لاط أو شهد بالزور أو قامر أو زنى أو سكر.

ذكر ديارات النصارى

قال ابن سيده : الدير خان النصارى ، والجمع أديار ، وصاحبه ديار وديرانيّ. قلت الدير عند النصارى يختص بالنساك المقيمين به ، والكنيسة مجتمع عامتهم للصلاة.

القلاية بمصر : هذه القلاية بجانب المعلقة التي تعرف بقصر الشمع في مدينة مصر ، وهي مجمع أكابر الرهبان وعلماء النصارى ، وحكمها عندهم حكم الأديرة.

دير طرا : ويعرف بدير أبي جرج ، وهو على شاطيء النيل. وأبو جرج هذا هو جرجس ، وكان ممن عذبه الملك دقلطيانوس ليرجع عن دين النصرانية ، ونوّع له العقوبات من الضرب والتحريق بالنار ، فلم يرجع ، فضرب عنقه بالسيف في ثالث تشرين وسابع بابه.

دير شعران : هذا الدير في حدود ناحية طرا ، وهو مبنيّ بالحجر واللبن ، وبه نخل وبه عدّة رهبان ، ويقال إنما هو دير شهران بالهاء ، وأنّ شهران كان من حكماء النصارى ، وقيل بل كان ملكا ، وكان هذا الدير يعرف قديما بمرقوريوس الذي يقال له مرقورة ، وأبو مرقورة ، ثم لما سكنه برصوما بن التبان عرف بدير برصوما ، وله عيد يعمل في الجمعة الخامسة من الصوم الكبير ، فيحضره البطرك وأكابر النصارى ، وينفقون فيه مالا كبيرا. ومرقوريوس هذا كان ممن قتله دقلطيانوس في تاسع عشر تموز ، وخامس عشري أبيب ، وكان جنديا.

دير الرسل : هذا الدير خارج ناحية الصف والودي ، وهو دير قديم لطيف.

دير بطرس وبولص : هذا الدير خارج اطفيح من قبليها ، وهو دير لطيف وله عيد في خامس أبيب يعرف بعيد القصرية. وبطرس هذا هو أكبر الرسل الحواريين ، وكان دباغا ، وقيل صيادا ، قتله الملك نبرون في تاسع عشري حزيران ، وخامس أبيب. وبولص هذا كان يهوديا فتنصر بعد رفع المسيح عليه‌السلام ، ودعا إلى دينه ، فقتله الملك نيرون بعد قتله بطرس بسنة.

دير الجميزة : ويعرف بدير الجود ، ويسمي موضعه البحارة جزائر الدير ، وهو قبالة الميمون ، وهو عزبة لدير العزبة ، بني على اسم انطونيوس ، ويقال انطونة ، وكان من أهل قمن ، فلما انقضت أيام الملك دقلطيانوس وفاتته الشهادة أحب أن يتعوّض عنها بعبادة توصل ثوابها أو قريبا من ذلك ، فترهب ، وكان أوّل من أحدث الرهبانية للنصارى عوضا عن الشهادة ، وواصل أربعين يوما ليلا ونهارا طاويا لا يتناول طعاما ولا شرابا مع قيام الليل ، وكان هكذا يفعل في الصيام الكبير كل سنة.

دير العزبة : هذا الدير يسار إليه في الجبل الشرقيّ ثلاثة أيام بسير الإبل ، وبينه وبين

٤٢٣

بحر القلزم مسافة يوم كامل ، وفيه غالب الفواكه مزدرعة ، وبه ثلاثة أعين تجري ، وبناه أنطونيوس المقدّم ذكره ، ورهبان هذا الدير لا يزالون دهرهم صائمين ، لكن صومهم إلى العصر فقط ثم يفطرون ، ما خلا الصوم الكبير والبرمولات ، فإن صومهم في ذلك إلى طلوع النجم ، والبرمولات هي الصوم كذلك بلغتهم.

دير أنبابولا : وكان يقال له أوّلا دير بولص ، ثم قيل له دير بولا ، ويعرف بدير النمورة أيضا ، وهذا الدير في البرّ الغربيّ من الطور على عين ماء يردها المسافرون ، وعندهم أن هذه العين تطهرت منها مريم أخت موسى عليهما‌السلام عند نزول موسى ببني إسرائيل في برّية القلزم. وانبابولا هذا كان من أهل الإسكندرية ، فلما مات أبوه ترك له ولأخيه مالا جما ، فخاصمه أخوه في ذلك وخرج مغاضبا له ، فرأى ميتا يقبر ، فاعتبر به ومرّ على وجهه سائحا حتى نزل على هذه العين ، فأقام هناك والله تعالى يرزقه ، فمرّ به انطونيوس وصحبه حتى مات ، فبني هذا الدير على قبره ، وبين هذا الدير والبحر ثلاث ساعات ، وفيه بستان فيه نخل وعنب وبه عين ماء تجري أيضا.

دير القصير : قال أبو الحسن عليّ بن محمد الشابشتي في كتاب الديارات : وهذا الدير في أعلى الجبل على سطح في قلته ، وهو دير حسن البناء محكم الصنعة نزه البقعة ، وفيه رهبان مقيمون به ، وله بئر منقورة في الحجر يستقى له منها الماء ، وفي هيكله صورة مريم عليها‌السلام في لوح ، والناس يقصدون الموضع للنظر إلى هذه الصورة ، وفي أعلاه غرفة بناها أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون ، لها أربع طاقات إلى أربع جهات ، وكان كثير الغشيان لهذا الدير معجبا بالصورة التي فيه ، يستحسنها ويشرب على النظر إليها ، وفي الطريق إلى هذا الدير من جهة مصر صعوبة ، وأما من قبليه فسهل الصعود والنزول ، وإلى جانبه صومعة لا تخلو من حبيس يكون فيها ، وهو مطلّ على القرية المعروفة بشهران ، وعلى الصحراء والبحر ، وهي قرية كبيرة عامرة على شاطىء البحر ، ويذكرون أن موسى صلوات الله عليه ولد فيها ، ومنها ألقته أمّه إلى البحر في التابوت ، وبه أيضا دير يعرف بدير شهران ، ودير القصير هذا أحد الديارات المقصودة ، والمنتزهات المطروقة لحسن موضعه وإشرافه على مصر وأعمالها ، وقد قال فيه شعراء مصر ووصفوه فذكروا طيبه ونزهته ، ولأبي هريرة بن أبي عاصم فيه من المنسرح :

كم لي بدير القصير من قصف

مع كل ذي صبوة وذي ظرف

لهوت فيه بشادن غنج

تقصر عنه بدائع الوصف

وقال ابن عبد الحكم في كتاب فتوح مصر : وقد اختلف في القصير فعن ابن لهيعة قال : ليس بقصير موسى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولكنه موسى الساحر ، وعن المفضل بن فضالة عن أبيه قال : دخلنا على كعب الأحبار فقال لنا : ممن أنتم؟ قلنا فتيان من أهل مصر. فقال : ما

٤٢٤

تقولون في القصير؟ قلنا قصير موسى. فقال : ليس بقصير موسى ، ولكنه قصير عزيز مصر ، كان إذا جرى النيل يترفع فيه. وعلى ذلك إنه لمقدّس من الجبل إلى البحر. قال : ويقال بل كان موقدا يوقد فيه لفرعون إذا هو ركب من منف إلى عين شمس ، وكان على المقطم موقد آخر ، فإذا رأوا النار علموا بركوبه فأعدّوا له ما يريد ، وكذلك إذا ركب منصرفا من عين شمس ، والله أعلم ، وما أحسن قول كشاجم :

سلام على دير القصير وسفحه

بجنات حلوان إلى النخلات

منازل كانت لي بهنّ مآرب

وكنّ مواخيري ومنتزهاتي

إذا جئتها كان الجياد مراكبي

ومنصرفي في السفن منحدرات

فأقبض بالأسحار وحشيّ عينها

وأقتنص الأنسيّ في الظلمات

معي كلّ بسام أغرّ مهذب

على كل ما يهوى النديم مواتي

ولحمان مما أمسكته كلابنا

علينا ومما صيد في الشبكات

وكأس وابريق وناي ومزهر

وساق غرير فاتر اللحظات

كأنّ قضيب البان عند اهتزازه

تعلم من أعطافه الحركات

هنالك تصفو لي مشارب لذتي

وتصحب أيام السرور حياتي

وقال علماء الأخبار من النصارى : إن أرقاديوس ملك الروم طلب أرسانيوس ليعلّم ولده ، فظنّ أنه يقتله ، ففرّ إلى مصر وترهب ، فبعث إليه أمانا وأعلمه أن الطلب من أجل تعليم ولده ، فاستعفى وتحوّل إلى الجبل المقطم شرقيّ طرا ، وأقام في مغارة ثلاث سنين ومات ، فبعث إليه أرقاديوس فإذا هو قد مات ، فأمر أن يبنى على قبره كنيسة ، وهو المكان المعروف بدير القصير ، ويعرف الآن بدير البغل ، من أجل أنه كان به بغل يستقي عليه الماء ، فإذا خرج من الدير أتى الموردة ، وهناك من يملأ عليه ، فإذا فرغ من الماء تركه فعاد إلى الدير. وفي رمضان سنة أربعمائة أمر الحاكم بأمر الله بهدم دير القصير ، فأقام الهدم والنهب فيه مدّة أيام.

دير مرحنا : قال الشابشتي : دير مرحنا على شاطىء بركة الحبش ، وهو قريب من النيل ، وإلى جانبه بساتين أنشأ بعضها الأمير تميم بن المعز ، ومجلس على عمد ، حسن البناء مليح الصنعة مسوّر ، أنشأه الأمير تميم أيضا ، وبقرب الدير بئر تعرف ببئر مماتي ، عليها جميزة كبيرة يجتمع الناس إليها ويشربون تحتها ، وهذا الموضع من مغاني اللعب ومواطن القصف والطرب ، وهو نزه في أيام النيل وزيادة البحر وامتلاء البركة ، حسن المنظر في أيام الزرع والنواوير ، لا يكاد حينئذ يخلو من المتنزهين والمتطربين ، وقد ذكرت الشعراء حسنه وطيبه ، وهذا الدير يعرف اليوم بدير الطين بالنون.

دير أبي النعناع : هذا الدير خارج انصنا ، وهو من جملة عماراتها القديمة ، وكنيسته

٤٢٥

في قصره لا في أرضه ، وهو على اسم أبي بخنس القصير ، وعيده في العشرين من بابه ، وسيأتي ذكر أبي بخنس هذا.

دير مغارة شقلقيل : هو دير لطيف معلق في الجبل ، وهو نقر في الحجر على صخرة تحتها عقبة لا يتوصل إليه من أعلاه ولا من أسفله ولا سلّم له ، وإنما جعلت له نقور في الجبل ، فإذا أراد أحد أن يصعد إليه أرخيت له سلبة فأمسكها بيده وجعل رجليه في تلك النقور وصعد ، وبه طاحونة يديرها حمار واحد ، ويطلّ هذا الدير على النيل تجاه منفلوط وتجاه أمّ القصور ، وتجاهه جزيرة يحيط بها الماء ، وهي التي يقال لها شقلقيل ، وبها قريتان إحداهما شقلقيل والأخرى بني شقير ، ولهذا الدير عيد يجتمع فيه النصارى ، وهو على اسم يومينا ، وهو من الأجناد الذين عاقبهم ديقلطيانوس ليرجع عن النصرانية ويسجد للأصنام ، فثبت على دينه ، فقتله في عاشر حزيران وسادس عشر بابه.

دير بقطر : بحاجر أبنوب من شرقيّ بني مرّ تحت الجبل ، على مائتي قصبة منه ، وهو دير كبير جدّا ، وله عيد يجتمع فيه نصارى البلاد شرقا وغربا ، ويحضره الأسقف. وبقطر هذا هو ابن رومانوس ، كان أبوه من وزراء ديقلطيانوس ، وكان هو جميلا شجاعا له منزلة من الملك ، فلما تنصر وعده الملك ومناه ليرجع إلى عبادة الأصنام فلم يفعل ، فقتله في ثاني عشري نيسان ، وسابع عشري برمودة.

دير بقطرشق : في بحريّ أبنوب ، وهو دير لطيف خال ، وإنما تأتيه النصارى مرّة في كل سنة. وبقطرشق ممن عذبه ديقلطيانوس ليرجع عن النصرانية فلم يرجع ، فقتله في العشرين من هتور ، وكان جنديا.

دير بوجرج : بني على اسم بوجرج ، وهو خارج المعيصرة بناحية شرق بني مرّو ، تارة يخلو من الرهبان وتارة يعمر بهم ، وله وقت يعمل العيد فيه.

دير حماس : وحماس اسم بلد هو بحربها ، وله عيدان في كل سنة وجموعات متعدّدة.

دير الطير : هذا الدير قديم ، وهو مطلّ على النيل ، وله سلالم منحوتة في الجبل ، وهو قبالة سملوط. وقال الشابشتي وبنواحي أخميم دير كبير عامر يقصد من كل موضع ، وهو بقرب الجبل المعروف بجبل الكهف ، وفي موضع من الجبل شق فإذا كان يوم عيد هذا الدير لم يبق في البلد بوقير حتى يجيء إلى هذا الموضع ، فيكون أمرا عظيما بكثرتها واجتماعها وصياحها عند الشق ، ولا يزال الواحد بعد الواحد يدخل رأسه في ذلك الشق ويصيح ويخرج ، ويجيء غيره إلى أن يعلق رأس أحدها وينشب في الموضع ، فيضطرب حتى يموت ، وتتفرّق حينئذ الباقية فلا يبقى منها طائر. وقال القاضي : أبو جعفر القضاعيّ : ومن عجائبها يعني مصر ، شعب البوقيرات بناحية أشموم من أرض الصعيد ، وهو شعب في جبل

٤٢٦

فيه صدع تأتيه البوقيرات في يوم من السنة كان معروفا ، فتعرض أنفسها على الصدع ، فكلما أدخل بوقير منها منقاره في الصدع مضى لطيته ، فلا تزال تفعل ذلك حتى يلقتي الصدع على بوقير منها فيحبسه ، وتمضي كلها ولا يزال ذلك الذي تحبسه معلقا حتى يتساقط. قال مؤلفه رحمه‌الله تعالى : وقد بطل هذا. في جملة ما بطل.

دير أبي هرمينة : بحريّ فاو الخراب ، وبحريه بربافاو ، وهي مملوءة كتبا وحكما ، وبين دير الطين وهذا الدير نحو يومين ونصف ، وأبو هرمينة هذا من قدماء الرهبان المشهورين عند النصارى.

دير السبعة جبال باخميم : هذا الدير داخل سبعة أودية ، وهو دير عال بين جبال شامخة ، ولا تشرق عليه الشمس إلّا بعد ساعتين من الشروق لعلوّ الجبل الذي هو في لحفه ، وإذا بقي للغروب نحو ساعتين خيل لمن فيه أن الشمس قد غابت وأقبل الليل ، فيشعلون حينئذ الضوء فيه ، وعلى هذا الدير من خارجه عين ماء تظلها صفصافة ، ويعرف هذا الموضع الذي فيه دير الصفصافة بوادي الملوك ، لأن فيه نباتا يقال له الملوكة ، وهو شبه الفجل ، وماؤه أحمر قان يدخل في صناعة علم أهل الكيمياء ، ومن داخل هذا الدير دير القرقس : وهو في أعلى جبل ، قد نقر فيه ، ولا يعلم له طريق ، بل يصعد إليه في نقور في الجبل ، ولا يتوصل إليه إلّا كذلك ، وبين دير الصفصافة ودير القرقس ثلاث ساعات ، وتحت دير القرقس عين ماء عذب وأشجار بان.

دير صبرة : في شرقيّ اخميم ، عرف بعرب يقال لهم بني صبرة ، وهو على اسم ميخائيل الملك ، وليس به غير راهب واحد.

دير أبي بشادة الأسقف : قريب من ناحية انقه ، وهو بالحاجر ، وتجاهه في الغرب منشأة اخميم ، وكان أبو بشادة هذا من علماء النصارى.

دير بوهر الراهب : ويعرف بدير سوادة ، وسوادة عرب تنزل هناك ، وهو قبالة منية بني خصيب ، خرّبته العرب ، وهذه الأديرة كلها في الشرق من النيل ، وجميعها لليعاقبة ، وليس في الجانب الشرقيّ الآن سواها ، وأما الجانب الغربيّ من النيل فإنه كثير الديارات لكثرة عمارته.

دير دموة بالجيزة : وتعرف بدموة السباع ، وهو على اسم قزمان ودميان ، وهو دير لطيف ، وتزعم النصارى أن بعض الحكماء كان يقال له سبع أقام بدموة ، وأن كنيسة دموة التي بأيدي اليهود الآن كانت ديرا من ديارات النصارى ، فابتاعته منهم اليهود في ضائقة نزلت بهم ، وقد تقدّم ذكر كنيسة دموة وقزمان ودميان من حكماء النصارى ورهبانهم العباد ، ولهما أخبار عندهم.

٤٢٧

دير نهيا : قال الشابشتي : ونهيا بالجيزة ، وديرها هذا من أحسن ديارات مصر ، وأنزهها وأطيبها موضعا ، وأجلها موقعا ، عامر برهبانه وسكانه ، وله في أيام النيل منظر عجيب ، لأن الماء يحيط به من جميع جهاته ، فإذا انصرف الماء وزرعت الأرض أظهرت أراضيه غرائب النواوير وأصناف الزهر ، وهو من المنتزهات الموصوفة والبقاع المستحسنة ، وله خليج يجتمع فيه سائر الطير ، فهو أيضا متصيد ممنع ، وقد وصفته الشعراء وذكرت حسنه وطيبه ، قلت وقد خرب هذا الدير.

دير طمويه : قال ياقوت : طمويه ـ بفتح الطاء وسكون الميم وفتح الواو ساكنة ـ قريتان بمصر ، إحداهما في كورة المرتاحية ، والأخرى بالجيزة ، قال الشابشتي : وطمويه في الغرب بإزاء حلوان ، والدير راكب البحر ، حوله الكروم والبساتين والنخل والشجر ، وهو نزه عامر آهل ، وله في النيل منظر حسن ، وحين تخضرّ الأرض يكون في بساطين من البحر والزرع ، وهو أحد منتزهات أهل مصر المذكورة ، ومواضع لهوها المشهورة. ولابن أبي عاصم المصريّ فيه من البسيط :

واشرب بطمويه من صهباء صافية

تزرى بخمر قرى هيت وعانات

على رياض من النوّار زاهرة

تجري الجداول فيها بين جنات

كأن نبت الشقيق العصفريّ بها

كاسات خمر بدت في إثر كاسات

كأنّ نرجسها من حسنه حدق

في خفية يتناجى بالإشارات

كأنما النيل في مرّ النسيم به

مستلئم في دروع سابريات

منازل كنت مفتونا بها شغفا

وكنّ قدما مواخيري وحاناتي

إذ لا أزال ملما بالصبوح على

ضرب النواقيس صبّا بالديارات

قلت هذا الدير عند النصارى على اسم بوجرج ويجتمع فيه النصارى من النواحي : دير أقفاص : وصوابها أقفهس وقد خرب.

دير خارج ناحية منهري : خامل الذكر لأنهم لا يطعمون فيه أحدا.

دير الخادم : على جانب المنهي بأعمال البهنسا ، على اسم غبريال الملك ، به بستان فيه نخل وزيتون.

دير أشنين : عرف بناحية أشنين ، فإنه في بحريها ، وهو لطيف على اسم السيدة مريم ، وليس به سوى راهب واحد.

دير ايسوس : ومعنى ايسوس يسوع ، ويقال له دير أرجنوس ، وله عيد في خامس عشري بشنس ، فإذا كان ليلة هذا اليوم سدّت بئر فيه تعرف ببئر ايسوس ، وقد اجتمع الناس

٤٢٨

إلى الساعة السادسة من النهار ، ثم كشفوا الطابق عن البئر فإذا بها قد فاض ماؤها ثم ينزل ، فحيث وصل الماء قاسوا منه إلى موضع استقرّ فيه الماء ، فما بلغ كانت زيادة النيل في تلك السنة من الأذرع.

دير سدمنت : على جانب المنهي بالحاجر بين الفيوم والريف على اسم بوجرج ، وقد ضعفت أحواله عما كان عليه وقل ساكنه.

دير النقلون : ويقال له دير الخشبة ، ودير غبريال الملك ، وهو تحت مغارة في الجبل الذي يقال له طارف الفيوم ، وهذه المغارة تعرف عندهم بمظلة يعقوب ، يزعمون أن يعقوب عليه‌السلام لما قدم مصر كان يستظل بها ، وهذا الجبل مطلّ على بلدين يقال لهما اطفيح شيلا ، وشلا. ويملأ الماء لهذا الدير من بحر المنهي ومن تحت دير سدمنت ، ولهذا الدير عيد يجتمع فيه نصارى الفيوم وغيرهم ، وهو على السكة التي تنزل إلى الفيوم ولا يسكلها إلّا القليل من المسافرين.

دير القلمون : هذا الدير في برّية تحت عقبة القلمون ، يتوصل المسافر منها إلى الفيوم ، يقال لها عقبة الغريق ، وبني هذا الدير على اسم صمويل الراهب ، وكان في زمن الفترة ما بين عيسى ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومات في ثامن كيهك ، وفي هذا الدير نخل كثير يعمل من تمره العجوة ، وفيه أيضا شجر البلخ ، ولا يوجد إلّا فيه ، وثمره بقدر الليمون ، طعمه حلو في مثل طعم الرامخ ، ولنواه عدّة منافع ، وقال أبو حنيفة في كتاب النبات : ولا ينبت اللبخ إلّا بأنصنا ، وهو عود تنشر منه ألواح السفن ، وربما أرعف ناشرها ، ويباع اللوح منها بخمسين دينارا ونحوها ، وإذا شدّ لوح منها بلوح وطرحا في الماء سنة التأما وصارا لوحا واحدا ، وفي هذا الدير قصران مبنيان بالحجارة ، وهما عاليان كبيران لبياضهما إشراق ، وفيه أيضا عين ماء تجري ، وفي خارجه عين أخرى ، وبهذا الوادي عدّة معابد قديمة ، وثمّ واد يقال له الأميلح فيه عين ماء تجري ونخيل مثمرة تأخذ العرب ثمرها ، وخارج هذا الدير ملّاحة يبيع رهبان الدير ملحها فيعم تلك الجهات.

دير السيدة مريم : خارج طنبدى ، ليس فيه سوى راهب واحد وهو على غير الطريق المسلوك ، وكان بأعمال البهنسا عدّة ديارات خربت.

دير برقانا : بحريّ بني خالد ، وهو مبنيّ بالحجر وعمارته حسنة ، وهو من أعمال المنية ، وكان به في القديم ألف راهب ، وليس به الآن سوى راهبين ، وهو في الحاجر تحت الجبل.

دير بالوجه : على جنب المنهي ، وهو لأهل دلجة ، وهو من الأديرة الكبار ، وقد خرب حتى لم يبق به سوى راهب أو راهبين ، وهو بإزاء دلجة بينه وبينها نحو ساعتين.

٤٢٩

دير مرقورة : ويقال أبو مرقورة ، هذا الدير تحت دلجة بخارجها من شرقيها وليس به أحد.

دير صنبو : في خارجها من بحريها على اسم السيدة مريم وليس به أحد.

دير تادرس : قبليّ صنبو وقد تلاشى أمره لاتضاع حال النصارى.

دير الريرمون : في شرقيّ ناحية الريرمون ، وهو شرقيّ ملوى وغربيّ أنصنا ، وهو على اسم الملك غبريال.

دير المحرق : تزعم النصارى أن المسيح عليه‌السلام أقام في موضعه ستة أشهر وأياما ، وله عيد عظيم يعرف بعيد الزيتونة وعيد العنصرة يجتمع فيه عالم كثير.

دير بني كلب : عرف بذلك لنزول بني كلب حوله ، وهو على اسم غبريال ، وليس فيه أحد من الرهبان وإنما هو كنيسة لنصارى منفلوط وهو غربيها.

دير الجاولية : هذا الدير ناحية الجاولية من قبليها ، وهو على اسم الشهيد مرقورس الذي يقال له مرقورة ، وعليه رزق محبسة ، وتأتيه النذورات والعوائد وله عيدان في كل سنة.

دير السبعة جبال : هذا الدير على رأس الجبل الذي غربيّ سيوط ، على شاطيء النيل ، ويعرف بدير بخنس القصير ، وله عدّة أعياد ، وخرب في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة من منسر طرقه ليلا. بخنس : ويقال أبو بخنس القصير ، كان راهبا قمصا ، له أخبار كثيرة منها : أنه غرس خشبة يابسة في الأرض بأمر شيخه له ، وسقاها الماء مدّة فصارت شجرة مثمرة تأكل منها الرهبان ، وسميت شجرة الطاعة ودفن في ديره.

دير المطل : هذا الدير على اسم السيدة مريم ، وهو على طرف الجبل تحت دير السبعة جبال قبالة سيوط ، وله عيد يحضره أهل النواحي وليس به أحد من الرهبان.

أديرة أدرنكة

اعلم أن ناحية أدرنكة هي من قرى النصارى الصعايدة ، ونصاراها أهل علم في دينهم ، وتفاسيرهم في اللسان القبطيّ ، ولهم أديرة كثيرة في خارج البلد من قبليها مع الجبل ، وقد خرب أكثرها وبقي منها :

دير بوجرج : وهو عامر البناء وليس به أحد من الرهبان ويعمل فيه عيد في أوانه.

دير أرض الحاجر ودير ميكائيل ودير كرفونه : على اسم السيدة مريم ، وكان يقال له ارافونه واغرافونا ومعناه النساخ ، فإن نساخ علوم النصارى كانت في القديم تقيم به وهو على

٤٣٠

طرف الجبل ، وفيه مغاير كثيرة منها ما يسير الماشي بجنبه نحو يومين.

دير أبي بغام : تحت دير كرفونة بالحاجر ، وقد كان أبو بغام جنديا في أيام ديقلطيانوس فتنصر وعذب ليرجع عن دينه ، ثم قتل في ثامن عشري كانون الأوّل ، وثاني كيهك.

ديربوساويرس : بحاجر أدرنكة ، كان على اسم السيدة مريم ، وكان ساويرس من عظماء الرهبان فعمل بطركا ، وظهرت آية عند موته ، وذلك أنه أنذرهم لما سار إلى الصعيد بأنه إذا مات ينشق الجبل وتقع منه قطعة عظيمة على الكنيسة فلا تضرّها ، فلما كان في بعض الأيام سقطت قطعة عظيمة من الجبل كما قال ، فعلم رهبان هذا الدير بأن ساويرس قد مات ، فأرخوا ذلك فوجدوه وقت موته فسموا الدير حينئذ باسمه.

دير تادرس : تحت دير بوساويرس ، وتادرس اثنان كانا من أجناد ديقلطيانوس ، أحدهما يقال له قاتل التنين والآخر الاسفهسلار ، وقتلا كما قتل غيرهما.

دير منسى آك : ويقال منساك ، وبني ساك وايساآك ، ومعنى ذلك إسحاق ، وكان على اسم السيدة ماريهام يعني مار مريم ، ثم عرف بمنساك ، وكان راهبا قديما له عندهم شهرة ، وبهذا الدير بئر تحته في الحاجر منها شرب الرهبان فإذا زاد النيل شربوا من مائه.

دير الرسل : تحت دير منساك ، ويعرف بدير الأثل ، وهو لأعمال بوتيج ، ودير منساك لأهل ربقة هو ودير ساويرس ، ودير كرفونة لأهل سيوط ، ودير بوجرج لأهل أدرنكة ، ودير الأئل كان في خراب فعمر بجانبه كفر لطيف عرف بمنشأة الشيخ ، لأن الشيخ أبا بكر الشاذليّ أنشأه وأنشأ بستانا كبيرا ، وقد وجد موضعه بئرا كبيرة وجد بها كنزا ، أخبرني من شاهد من ذهبه دنانير مربعة بأحد وجهيها صليب وزنة الدينار مثقال ونصف. وأديرة أدرنكة المذكورة قريب بعضها من بعض ، وبينها مغاير عديدة منقوش على ألواح فيها نقوشات من كتابة القدماء كما على البرابي ، وهي مزخرفة بعدّة أصباغ ، ملوّنة تشتمل على علوم شتى ، ودير السبعة جبال ودير المطل ودير النساخ خارج سيوط في المقابر ، ويقال أنه كان في الحاجرين ثلاثمائة وستون ديرا ، وأن المسافر كان لا يزال من البدرشين إلى أصفون في ظل البساتين ، وقد خرب ذلك وباد أهله.

دير موشه : وموشه خارج سيوط من قبليها بني على اسم توما الرسول الهندي ، وهو بين الغيطان قريب من ربقة ، وفي أيام النيل لا يوصل إليه إلّا في مركب ، وله أعياد والأغلب على نصارى هذه الأديرة معرفة القبطيّ الصعيديّ ، وهو أصل اللغة القبطية ، وبعدها اللغة القبطية البحرية ، ونساء نصارى الصعيد وأولادهم لا يكادون يتكلمون إلّا بالقبطية الصعيدية ، ولهم أيضا معرفة تامّة باللغة الرومية.

دير أبى مقروفة : وأبو مقروفة اسم للبلدة التي بها هذا الدير ، وهو منقور في لحف

٤٣١

الجبل وفيه عدّه مغاير وهو على اسم السيدة مريم ، وبمقروفة نصارى كثيرة غنامة ورعاة أكثرهم همج ، وفيهم قليل من يقرأ ويكتب ، وهو دير معطش.

دير بومغام : خارج طما وأهلها نصارى وكانوا قديما أهل علم.

دير بوشنوده : ويعرف بالدير الأبيض ، وهو غربيّ ناحية سوهاي وبناؤه بالحجر وقد خرب ولم يبق منه إلا كنيسته ، ويقال إن مساحته أربعة فدادين ونصف وربع ، والباقي منه نحو فدّان وهو دير قديم.

الدير الأحمر : ويعرف بدير أبي بشاي ، وهو بحريّ الدير الأبيض بينهما نحو ثلاث ساعات ، وهو دير لطيف مبنيّ بالطوب الأحمر ، وأبو بشاي هذا من الرهبان المعاصرين لشنوده ، وهو تلميذه ، وصار من تحت يده ثلاث آلاف راهب ، وله دير آخر في برّية شبهات.

دير أبي ميساس : ويقال أبو ميسيس ، واسمه موسى ، وهذا الدير تحت البلينا وهو دير كبير. وأبو ميسيس هذا كان راهبا من أهل البلينا وله عندهم شهرة ، وهم ينذرونه ويزعمون فيه مزاعم ، ولم يبق بعد هذا الدير إلا أديرة بحاجر اسنا ونقادة قليلة العمارة ، وكان بأصفون دير كبير وكانت أصفون من أحسن بلاد مصر وأكثر نواحي الصعيد فواكه ، وكان رهبان ديرها معروفين بالعلم والمهارة ، فخربت أصفون وخرب ديرها. وهذا آخر أديرة الصعيد وهي كلها يحمل متلاشية آئلة إلى الدثور بعد كثرة عمارتها ووفور أعداد رهبانها وسعة أرزاقهم ، وكثرة ما كان يحمل إليهم.

وأما الوجه البحري : فكان فيه أديرة كثيرة خربت وبقي منها بقية ، فكان بالمقس خارج القاهرة من بحريها عدّة كنائس هدمها الحاكم بأمر الله أبو عليّ منصور في تاسع عشر ذي الحجة سنة تسع وتسعين وثلاثمائة وأباح ما كان فيها ، فنهب منها شيء كثير جدّا بعد ما أمر في شهر ربيع الأوّل منها بهدم كنائس راشدة خارج مدينة مصر من شرقيها ، وجعل موضعها الجامع المعروف براشدة ، وهدم أيضا في سنة أربع وتسعين كنيستين هناك ، وألزم النصارى بلبس السواد وشدّ الزنار ، وقبض على الأملاك التي كانت محبسة على الكنائس والأديرة وجعلها في ديوان السلطان ، وأحرق عدّة كثيرة من الصلبان ، ومنع النصارى من إظهار زينة الكنائس في عيد الشعانين ، وتشدّد عليهم وضرب جماعة منهم ، وكانت بالروضة كنيسة بجوار المقياس فهدمها السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب في سنة ثمان وثلاثين وستمائة ، وكان في ناحية أبي النمرس من الجيزة كنيسة قام في هدمها رجل من الزيالعة ، لأنه سمع أصوات النواقيس يجهر بها في ليلة الجمعة بهذه الكنيسة ، فلم يتمكن من ذلك في أيام الأشرف شعبان بن حسين لتمكن الأقباط في الدولة ، فقام في ذلك مع الأمير الكبير برقوق ، وهو يومئذ القائم بتدبير الدولة ، حتى هدمها على يد القاضي جمال الدين محمود

٤٣٢

العجميّ محتسب القاهرة في ثامن عشر رمضان سنة ثمانين وسبعمائة ، وعملت مسجدا.

دير الخندق : ظاهر القاهرة من بحريها ، عمره القائد جوهر عوضا عن دير هدمه في القاهرة ، كان بالقرب من الجامع الأقمر حيث البئر التي تعرف الآن ببئر العظمة ، وكانت إذ ذاك تعرف ببئر العظام من أجل أنه نقل عظاما كانت بالدير وجعلها بدير الخندق ، ثم هدم دير الخندق في رابع عشري شوّال سنة ثمان وسبعين وستمائة ، في أيام المنصور قلاون ، ثم جدّد هذا الدير الذي هناك بعد ذلك ، وعمل كنيستين يأتي ذكرهما في الكنائس.

دير سرياقوس : كان يعرف بأبي هور ، وله عيد يجتمع فيه الناس ، وكان فيه أعجوبة ذكرها الشابشتي ، وهو أن من كان به خنازير أخذه رئيس هذا الدير وأضجعه وجاءه بخنزير فلحس موضع الوجع ، ثم أكل الخنازير التي فيه فلا يتعدّى ذلك إلى الموضع الصحيح ، فإذا نظف الموضع ذرّ عليه رئيس الدير من رماد خنزير فعل مثل هذا الفعل من قبل ودهنه بزيت قنديل البيعة ، فإنه يبرأ ثم يؤخذ ذلك الخنزير الذي أكل خنازير العليل فيذبح ويحرق ، ويعدّ رماده لمثل هذه الحالة ، فكان لهذا الدير دخل عظيم ممن يبرأ من هذه العلة ، وفيه خلق من النصارى.

دير اتريب : ويعرف بماري مريم ، وعيده في حادي عشري بؤنه ، وذكر الشابشتي أن حمامة بيضاء تأتي في ذلك العيد فتدخل المذبح ، لا يدرون من أين جاءت ولا يرونها إلى يوم مثله. وقد تلاشى أمر هذا الدير حتى لم يبق به إلّا ثلاثة من الرهبان ، لكنهم يجتمعون في عيده ، وهو على شاطيء النيل قريب من بنها العسل.

دير المغطس : عند الملاحات قريب من بحيرة البراس ، وتحج إليه النصارى من قبليّ أرض مصر ، ومن بحريها ، مثل حجهم إلى كنيسة القيامة ، وذلك يوم عيده ، وهو في بشنس ويسمونه عيد الظهور من أجل أنهم يزعمون أن السيدة مريم تظهر لهم فيه مزاعم كلها من أكاذيبهم المختلفة ، وليس بحذاء هذا الدير عمارة سوى منشأة صغيرة في قبليه بشرق ، وبقربه الملاحة التي يؤخذ منها الملح الرشيديّ ، وقد هدم هذا الدير في شهر رمضان سنة إحدى وأربعين وثمانمائة بقيام بعض الفقراء المعتقدين.

دير العسكر : في أرض السباخ على يوم من دير المغطس ، على اسم الرسل ، وبقربه ملاحة الملح الرشيديّ ولم يبق به سوى راهب واحد.

دير جميانة : على اسم بوجرج قريب من دير العسكر على ثلاث ساعات منه ، وعيده عقب عيد دير المغطس وليس به الآن أحد.

دير الميمنة : بالقرب من دير العسكر ، كانت له حالات جليلة ، ولم يكن في القديم دير بالوجه البحريّ أكثر رهبانا منه ، إلّا أنه تلاشى أمره وخرب ، فنزله الحبش وعمروه ،

٤٣٣

وليس في السباخ سوى هذه الأربعة الأديرة. وأما وادي هبيب وهو وادي النطرون ، ويعرف ببرّية شيهات وببرّية الأسقط وبميزان القلوب ، فإنه كان بها في القديم مائة دير ، ثم صارت سبعة ممتدّة غربا على جانب البرّية القاطعة بين بلاد البحيرة والفيوم ، وهي في رمال منقطعة وسباخ مالحة وبرار منقطعة معطشة وقفار مهلكة ، وشارب أهلها من حفائر ، وتحمل النصارى إليهم النذور والقرابين ، وقد تلاشت في هذا الوقت بعدما ذكر مؤرخو النصارى أنه خرج إلى عمرو بن العاص من هذه الأديرة سبعون ألف راهب بيد كل واحد عكاز ، فسلموا عليه وأنه كتب لهم كتابا هو عندهم.

فمنها دير أبي مقار الكبير : وهو دير جليل عندهم ، وبخارجه أديرة كثيرة خربت ، وكان دير النساك في القديم ، ولا يصح عندهم بطركية البطرك حتى يجلسوه في هذا الدير بعد جلوسه بكرسيّ اسكندرية ، ويذكر أنه كان فيه من الرهبان ألف وخمسمائة لا تزال مقيمة به ، وليس به الآن إلّا قليل منهم ، والمقارات ثلاثة : أكبرهم صاحب هذا الدير ، ثم أبو مقار الإسكندرانيّ ، ثم أبو مقار الأسقف. وهؤلاء الثلاثة قد وضعت رممهم في ثلاث أنابيب من خشب ، وتزورها النصارى بهذا الدير ، وبه أيضا الكتاب الذي كتبه عمرو بن العاص لرهبان وادي هبيب بجرانة نواحي الوجه البحري على ما أخبرني من أخبر برؤيته فيه.

أبو مقار الأكبر : هو مقاريوس ، أخذ الرهبانية عن أنطونيوس ، وهو أوّل من لبس عندهم القلنسوة والاشكيم ، وهو سير من جلد فيه صليب يتوشح به الرهبان فقط ، ولقي انطونيوس بالجبل الشرقيّ من حيث دير العزبة ، وأقام عنده مدّة ، ثم ألبسه لباس الرهبانية وأمره بالمسير إلى وادي النطرون ليقيم هناك ، ففعل ذلك واجتمع عنده الرهبان الكثيرة العدد ، وله عندهم فضائل عديدة منها : أنه كان لا يصوم الأربعين إلّا طاويا في جميعها لا يتناول غذاء ولا شرابا البتة ، مع قيام ليلها. وكان لا يعمل الخوص ويتقوّت منه ، وما أكل خبزا طريا قط ، بل يأخذ القراقيش فيبلها في نقاعة الخوص ويتناول منها هو ورهبان الدير ما يمسك الرمق من غير زيادة ، هذا قوتهم مدّة حياتهم حتى مضوا لسبيلهم ، وأما أبو مقار الإسكندرانيّ فإنه ساح من الإسكندرية إلى مقاريوس المذكور وترهب على يديه ، ثم كان أبو مقار الثالث وصار أسقفا.

دير أبي بخنس القصير : يقال أنه عمر في أيام قسطنطين بن هيلانة ، ولأبي بخنس هذا فضائل مذكورة ، وهو من أجل الرهبان ، وكان لهذا الدير حالات شهيرة وبه طوائف من الرهبان ، ولم يبق به الآن إلّا ثلاثة رهبان.

دير الياس : عليه‌السلام ، وهو دير للحبشة ، وقد خرب دير بخنس كما خرب دير الياس ، أكلت الأرضة أخشابهما فسقطا ، وصار الحبشة إلى دير سيدة بوبخنس القصير ، وهو دير لطيف بجوار دير بوبخنس القصير. وبالقرب من هذه الأديرة.

٤٣٤

دير انبانوب : وقد خرب هذا الدير أيضا انبانوب هذا من أهل سمنود قتل في الإسلام ووضع جسده في بيت بسمنود.

دير الأرمن : قريب من هذه الأديرة وقد خرب. وبجوارها أيضا :

دير بوبشاي : وهو دير عظيم عندهم ، من أجل أن بوبشاي هذا كان من الرهبان الذين في طبقة مقاريوس وبخنس القصير ، وهو دير كبير جدّا.

دير بإزاء دير بوبشاي : كان بيد اليعاقبة ، ثم ملكته رهبان السريان من نحو ثلاثمائة سنة ، وهو بيدهم الآن ، ومواضع هذه الأديرة يقال لها بركة الأديرة.

دير سيدة برموس : على اسم السيدة مريم فيه بعض رهبان. وبإزائه :

دير موسى : ويقال أبو موسى الأسود ، ويقال برمؤس ، وهذا الدير لسيدة برمؤس ، فبرموس اسم الدير وله قصة حاصلها أن مكسيموس ودوماديوس كانا ولدي ملك الروم ، وكان لهما معلم يقال له ارسانيوس ، فسار المعلم من بلاد الروم إلى أرض مصر ، وعبر برّية شيهات هذه ، وترهب وأقام بها حتى مات ، وكان فاضلا. وأتاه في حياته ابنا الملك المذكوران وترهبا على يديه ، فلما ماتا بعث أبوهما فبنى على اسمهما كنيسة برموس. وأبو موسى الأسود كان لصا فاتكا قتل مائة نفس ، ثم إنه تنصر وترهب وصنف عدّة كتب ، وكان ممن يطوي الأربعين في صومه وهو بربريّ.

دير الزجاج : هذا الدير خارج مدينة الإسكندرية ، ويقال له الهايطون ، وهو على اسم بوجرج الكبير ، ومن شرط البطرك أنه لا بدّ أن يتوجه من المعلقة بمصر إلى دير الزجاج هذا ، ثم إنهم في هذا الزمان تركوا ذلك ، فهذه أديرة اليعاقبة.

وللنساء ديارات تختص بهنّ : فمنها دير الراهبات بحارة زويلة من القاهرة ، وهو دير عامر بالإبكار المترهبات وغيرهنّ من نساء النصارى.

دير البنات : بحارة الروم بالقاهرة عامر بالنساء المترهبات.

دير المعلقة : بمدينة مصر ، وهو أشهر ديارات النساء عامر بهنّ.

دير بربارة : بمصر بجوار كنيسة بربارة عامر بالبنات المترهبات بربارة : كانت قدّيسة في زمان دقلطيانوس ، فعذبها لترجع عن ديانتها وتسجد للأصنام ، فثبتت على دينها وصبرت على عذاب شديد وهي بكر لم يمسها رجل ، فلما يئس منها ضرب عنقها وعنق عدّة من النساء معها وللنصارى الملكية قلاية بطركهم بجوار كنيسة ميكائيل بالقرب من جسر الأفرم خارج مصر ، وهي مجمع الرهبان الواردين من بلاد الروم.

٤٣٥

دير بخنس القصير : المعروف بالقصيّر ، وصوابه عندهم دير القصير على وزن شهيد ، وحرّف فقيل دير القصيّر ، بضم القاف وفتح الصاد وتشديد الياء ، فسماه المسلمون دير القصير بضم القاف وفتح الصاد وإسكان الياء آخر الحروف ، كأنه تصغير قصير ، وأصله كما عرّفتك دير القصير الذي هو ضدّ الطويل ، وسمي أيضا دير هر قل ، ودير البغل ، وقد تقدّم ذكره. وكان من أعظم ديارات النصارى وليس به الآن سوى واحد يحرسه ، وهو بيد الملكية.

دير الطور : قال ابن سيده : الطور الجبل ، وقد غلب على طور سيناء جبل بالشام ، وهو بالسريانية طوري والنسب إليه طوريّ وطواري. وقال ياقوت : طور سبعة مواضع : الأوّل طور زيتا بلفظ الزيت من الأدهان مقصور علم لجبل بقرب رأس عين. الثاني طور زيت أيضا جبل بالبيت المقدّس ، وهو شرقيّ سلوان. الثالث الطور علم لجبل بعينه مطلّ على مدينة طبرية بالأردن. الرابع الطور علم لجبل كورة تشتمل على عدّة قرى بأرض مصر من الجهة القبلية بين مصر وجبل فاران. الخامس طور سيناء اختلفوا فيه فقيل هو جبل بقرب إيلة ، وقيل جبل بالشام ، وقيل سيناء حجازية ، وقيل سحرتية. السادس طور عبدين بفتح العين وسكون الباء الموحدة وكسر الدال المهملة وياء آخر الحروف ونون ، اسم لبلدة من نواحي نصيبين في بطن الجبل المشرف عليها المتصل بجبل جوديّ. السابع طور هارون أخي موسى عليهما‌السلام. وقال الواحديّ : في تفسيره ، وقال الكلبيّ وغيره : والجبل في قوله تعالى ، ولكن انظر إلى الجبل أعظم جبل بمدين يقال له زبير ، وذكر الكلبيّ أن الطور سمي بيطور بن إسماعيل. قال السهيليّ : فلعله محذوف الياء إن كان صح ما قاله.

وقال عمر بن شيبة : أخبرني عبد العزيز عن أبي معشر عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أربعة أنهار في الجنة وأربعة أجبل وأربع ملاحم في الجنة ، فأما الأنهار فسيحان وجيحان والنيل والفرات ، وأما الأجبل فالطور ولبنان وأحد وورقان ، وسكت عن الملاحم». وعن كعب الأحبار معاقل المسلمين ثلاثة : فمعقلهم من الروم دمشق ، ومعقلهم من الدجال الأردن ، ومعقلهم من يأجوج ومأجوج الطور. وقال شعبة عن أرطاة بن المنذر : إذا خرج يأجوج ومأجوج أوحى الله تعالى إلى عيسى بن مريم عليه‌السلام أني قد أخرجت خلقا من خلقي لا يطيقهم أحد غيري. فمرّ بمن معك إلى جبل الطور ، فيمرّ ومعه من الذراري اثنا عشر ألفا. وقال طلق بن حبيب عن زرعة : أردت الخروج إلى الطور فأتيت عبد الله بن عمر رضي‌الله‌عنهما فقلت له : فقال إنما تشدّ الرحال إلى ثلاثة مساجد : إلى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمسجد الحرام ، والمسجد الأقصى. فدع عنك الطور فلا تأته. وقال القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعيّ ، وقد ذكر كور أرض مصر : ومن كور القبلة قرى الحجاز وهي : كورة الطور وفاران ، وكورة

٤٣٦

راية والقلزم ، وكورة إيلة وحيزها ، ومدين وحيزها ، والعويبد والحوراء وحيزهما ، ثم كورة بدا وشعيب. قلت لا خلاف بين علماء الأخبار من أهل الكتاب أن جبل الطور هذا هو الذي كلم الله تعالى نبيه موسى عليه‌السلام عليه ، أو عنده ، وبه إلى الآن دير بيد الملكية وهو عامر وفيه بستان كبير به نخل وعنب وغير ذلك من الفواكه. وقال الشابشتيّ : وطور سينا هو الجبل الذي تجلّى فيه النور لموسى بن عمران عليه‌السلام ، وفيه صعق ، والدير في أعلى الجبل مبنيّ بحجر أسود ، عرض حصنه سبع أذرع ، وله ثلاثة أبواب حديد ، وفي غربيه باب لطيف ، وقدّامه حجر أقيم إذا أرادوا رفعه رفعوه ، وإذا قصدهم أحد أرسلوه فانطبق على الموضع فلم يعرف مكان الباب ، وداخل الدير عين ماء ، وخارجه عين أخرى ، وزعم النصارى أن به نارا من أنواع النار التي كانت ببيت المقدس ، يقدمون منها في كلّ عشية ، وهي بيضاء لطيفة ضعيفة الحرّ لا تحرق ، ثم تقوى إذا أوقد منها السراج ، وهو عامر بالرهبان ، والناس يقصدونه ، وهو من الديارات الموصوفة. قال ابن عامر فيه :

يا راهب الدير ما ذا الضوء والنور

فقد أضاء بما في ديرك الطور

هل حلّت الشمس فيه دون أبرجها

أو غيّب البدر فيه وهو مستور

فقال ما حلّه شمس ولا قمر

لكن تقرّب فيه اليوم قورير

قلت ذكر مؤرخو النصارى أنّ هذا الدير أمر بعمارته يوسطيانوس ملك الروم بقسطنطينية ، فعمل عليه حصن فوقه عدّة قلالي ، وأقيم فيه الحرس لحفظ رهبانه من قوم يقال لهم بنو صالح من العرب ، وفي أيام هذا الملك كان المجمع الخامس من مجامع النصارى ، وبينه وبين القلزم ، وكانت مدينة ، طريقان إحداهما في البرّ والأخرى في البحر ، وهما جميعا يؤدّيان إلى مدينة فاران ، وهي من مدائن العمالقة ، ثم منها إلى الطور مسيرة يومين ، ومن مدينة مصر إلى القلزم ثلاثة أيام ، ويصعد إلى جبل الطور بستة آلاف وستمائة وست وستين مرقاة ، وفي نصف الجبل كنيسة لإيلياء النبيّ ، وفي قلته كنيسة على اسم موسى عليه‌السلام بأساطين من رخام ، وأبواب من صفر ، وهو الموضع الذي كلم الله تعالى فيه موسى ، وقطع منه الألواح ولا يكون فيها إلّا راهب واحد للخدمة ، ويزعمون أنه لا يقدر أحد أن يبيت فيها ، بل يهيأ له موضع من خارج يبيت فيه ، ولم يبق لهاتين الكنيستين وجود.

دير البنات بقصر الشمع بمصر : وهو على اسم بوجرج ، وكان مقياس النيل قبل الإسلام ، وبه آثار ذلك إلى اليوم ، فهذا ما للنصارى اليعاقبة ، والملكية رجالهم ونسائهم من الديارات بأرض مصر قبليها وبحريها ، وعدّتها ستة وثمانون ديرا منها لليعاقبة ... (١) ديرا وللملكية ... (٢).

__________________

(١) بياض في الأصل.

(٢) بياض في الأصل.

٤٣٧

ذكر كنائس النصارى

قال الأزهريّ : كنيسة اليهود جمعها كنائس ، وهي معرّبة أصلها كنشت. انتهى. وقد نطقت العرب بذكر الكنيسة. قال العباس بن مرداس السلميّ :

بدورون بي في ظل كلّ كنيسة

وما كان قومي يبنون الكنائسا

وقال ابن قيس الرقيات : كأنها دمية مصوّرة في بيعة من كنائس الروم.

كنيستا الخندق : ظاهر القاهرة ، إحداهما على اسم غبريال الملاك ، والأخرى على اسم مرقوريوس ، وعرفت برويس ، وكان راهبا مشهورا بعد سنة ثمانمائة ، وعند هاتين الكنيستين يقبر النصارى موتاهم ، وتعرف بمقبرة الخندق ، وعمرت هاتان الكنيستان عوضا عن كنائس المقس في الأيام الإسلامية.

كنيسة حارة زويلة بالقاهرة : كنيسة عظيمة عند النصارى اليعاقبة ، وهي على اسم السيدة ، وزعموا أنها قديمة تعرف بالحكيم زايلون ، وكان قبل الملة الإسلامية بنحو مائتين وسبعين سنة ، وأنه صاحب علوم شتى ، وأن له كنزا عظيما يتوصل إليه من بئر هناك.

كنيسة تعرف بالمغيئة : بحارة الروم من القاهرة على اسم السيدة مريم ، وليس لليعاقبة بالقاهرة سوى هاتين الكنيستين ، وكان بحارة الروم أيضا كنيسة أخرى يقال لها كنيسة بربارة هدمت في سنة ثمان عشرة وسبعمائة ، وسبب ذلك أن النصارى رفعوا قصة للسلطان الملك الناصر محمد بن قلاون يسألون الإذن في إعادة ما تهدّم منها ، فأذن لهم في ذلك فعمروها أحسن ما كانت ، فغضبت طائفة من المسلمين ورفعوا قصة للسلطان بأن النصارى أحدثوا بجانب هذه الكنيسة بناء لم يكن فيها ، فرسم للأمير علم الدين سنجر الخازن ، والي القاهرة بهدم ما جدّدوه ، فركب وقد اجتمع الخلائق ، فبادروا وهدموا الكنيسة كلها في أسرع وقت ، وأقاموا في موضعها محرابا وأذنوا وصلوا وقرؤا القرآن ، كل ذلك بأيديهم ، فلم تمكن معارضتهم خشية الفتنة ، فاشتدّ الأمر على النصارى وشكوا أمرهم للقاضي كريم الدين ناظر الخاص ، فقام وقعد غضبا لدين أسلافه ، وما زال بالسلطان حتى رسم بهدم المحراب فهدم ، وصار موضعه كوم تراب ومضى الحال على ذلك.

كنيسة بومنا : هذه الكنيسة قريبة من السدّ فيما بين الكيمان بطريق مصر ، وهي ثلاث كنائس متجاورة ، إحداها لليعاقبة ، والأخرى للسريان ، وأخرى للأرمن ، ولها عيد في كل سنة تجتمع إليه النصارى.

كنيسة المعلقة : بمدينة مصر في خط قصر الشمع ، على اسم السيدة ، وهي جليلة القدر عندهم ، وهي غير القلاية التي تقدّم ذكرها.

٤٣٨

كنيسة شنوده : بمصر ، نسبت لأبي شنودة الراهب القديم ، وله أخبار منها : أنه كان ممن يطوى في الأربعين إذا صام ، وكان تحت يده ستة آلاف راهب يتقوّت هو وإياهم من عمل الخوص ، وله عدّة مصنفات.

كنيسة مريم : بجوار كنيسة شنودة ، هدمها عليّ بن سليمان بن عليّ بن عبد الله بن عباس أمير مصر لما ولي من قبل أمير المؤمنين الهادي موسى ، في سنة تسع وستين ومائة ، وهدم كنائس محرس قسطنطين ، وبذل له النصارى في تركها خمسين ألف دينار فامتنع ، فلما عزل بموسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس في خلافة هارون الرشيد ، أذن موسى بن عيسى للنصارى في بنيان الكنائس التي هدمها عليّ بن سليمان ، فبنيت كلها بمشورة الليث بن سعد ، وعبد الله بن لهيعة. وقالا هو من عمارة البلاد ، واحتجا بأن الكنائس التي بمصر لم تبن إلّا في الإسلام في زمن الصحابة والتابعين.

كنيسة بوجرج الثقة : هذه الكنيسة في درب بخط قصر الشمع بمصر يقال له درب الثقة ، ويجاورها كنيسة سيدة بوجرج.

كنيسة بربارة : بمصر ، كبيرة جليلة عندهم ، وهي تنسب إلى القديسة بربارة الراهبة ، وكان في زمانها راهبتان بكران ، وهما ايسي وتكلة ، ويعمل لهنّ عيد عظيم بهذه الكنيسة يحضره البطريق.

كنيسة بوسرحه : بالقرب من بربارة بجوار زاوية ابن النعمان ، فيها مغارة يقال أن المسيح وأمّه مريم عليها‌السلام جلسا بها.

كنيسة بابليون : في قبليّ قصر الشمع بطريق جسر الأفرم ، وهذه الكنيسة قديمة جدّا ، وهي لطيفة ، ويذكر أن تحتها كنز بابليون وقد خرب ما حولها.

كنيسة تاودورس الشهيد : بجوار بابليون ، نسبت للشهيد تاودورس الإسفهسلار.

كنيسة بومنا بجوار بابليون أيضا : وهاتان الكنيستان مغلوقتان لخراب ما حولهما.

كنيسة بومنا : بالحمراء ، وتعرف الحمراء اليوم بخط قناطر السباع ، فيما بين القاهرة ومصر ، وأحدثت هذه الكنيسة في سنة سبع عشرة ومائة من سني الهجرة بإذن الوليد بن رفاعة أمير مصر ، فغضب وهيب اليحصبيّ وخرج على السلطان وجاء إلى ابن رفاعة ليفتك به ، فأخذ وقتل ، وكان وهيب مدريا من اليمن ، قدم إلى مصر فخرج القرّاء على الوليد بن رفاعة غضبا لوهيب وقاتلوه ، وصارت معونة امرأة وهيب تطوف ليلا على منازل القرّاء تحرّضهم على الطلب بدمه ، وقد حلقت رأسها ، وكانت امرأة جزلة ، فأخذ ابن رفاعة أبا عيسى مروان بن عبد الرحمن اليحصبيّ بالقرّاء ، فاعتذر وخلى ابن رفاعة عنهم ، فسكنت

٤٣٩

الفتنة بعد ما قتل جماعة ، ولم تزل هذه الكنيسة بالحمراء إلى أن كانت واقعة هدم الكنائس في أيام الناصر محمد بن قلاون على ما يأتي ذكر ذلك ، والخبر عن هدم جميع كنائس أرض مصر وديارات النصارى في وقت واحد.

كنيسة الزهري : كانت في الموضع الذي فيه اليوم البركة الناصرية بالقرب من قناطر السباع في برّ الخليج الغربيّ ، غربيّ اللوق ، واتفق في أمرها عدّة حوادث ، وذلك أن الملك الناصر محمد بن قلاون لما أنشأ ميدان المهاري المجاور لقناطر السباع ، في سنة عشرين وسبعمائة ، قصد بناء زريبة على النيل الأعظم بجوار الجامع الطيبرسيّ ، فأمر بنقل كوم تراب كان هناك ، وحفر ما تحته من الطين لأجل بناء الزريبة ، وأجرى الماء إلى مكان الحفر ، فصار يعرف إلى اليوم بالبركة الناصرية ، وكان الشروع في حفر هذه البركة من آخر شهر ربيع الأوّل سنة إحدى وعشرين وسبعمائة ، فلما انتهى الحفر إلى جانب كنيسة الزهريّ ، وكان بها كثير من النصارى لا يزالون فيها ، وبجانبها أيضا عدّة كنائس في الموضع الذي يعرف اليوم بحكر أقبغا ، ما بين السبع سقايات وبين قنطرة السدّ خارج مدينة مصر ، أخذ الفعلة في الحفر حول كنيسة الزهريّ حتى بقيت قائمة في وسط الموضع الذي عينه السلطان ليحفر ، وهو اليوم بركة الناصرية ، وزاد الحفر حتى تعلقت الكنيسة ، وكان القصد من ذلك أن تسقط من غير قصد لخرابها ، وصارت العامّة من غلمان الأمراء العمالين في الحفر وغيرهم في كل وقت يصرخون على الأمراء في طلب هدمها وهم يتغافلون عنهم إلى أن كان يوم الجمعة التاسع من شهر ربيع الآخر من هذه السنة ، وقت اشتغال الناس بصلاة الجمعة ، والعمل من الحفر بطال ، فتجمع عدّة من غوغاء العامّة بغير مرسوم السلطان وقالوا بصوت عال مرتفع الله أكبر ، ووضعوا أيديهم بالمساحي ونحوها في كنيسة الزهري وهدموها حتى بقيت كوما ، وقتلوا من كان فيها من النصارى ، وأخذوا جميع ما كان فيها ، وهدموا كنيسة بومنا التي كانت بالحمراء ، وكانت معظمة عند النصارى من قديم الزمان ، وبها عدّة من النصارى قد انقطعوا فيها ، ويحمل إليهم نصارى مصر سائر ما يحتاج إليه ، ويبعث إليها بالنذور الجليلة والصدقات الكثيرة ، فوجد فيها مال كثير ما بين نقد ومصاغ وغيره ، وتسلق العامّة إلى أعلاها وفتحوا أبوابها وأخذوا منها مالا وقماشا وجرار خمر ، فكان أمرا مهولا.

ثم مضوا من كنيسة الحمراء بعد ما هدموها إلى كنيستين بجوار السبع سقايات تعرف إحداهما بكنيسة البنات ، كان يسكنها بنات النصارى وعدّة من الرهبان ، فكسروا أبواب الكنيستين وسبوا البنات وكنّ زيادة على ستين بنتا ، وأخذوا ما عليهنّ من الثياب ونهبوا سائر ما ظفروا به ، وحرّقوا وهدموا تلك الكنائس كلها ، هذا والناس في صلاة الجمعة ، فعندما خرج الناس من الجوامع شاهدوا هولا كبيرا من كثرة الغبار ودخان الحريق ومرج الناس وشدّة حركاتهم ، ومعهم ما نهبوه ، فما شبه الناس الحال لهوله إلّا بيوم القيامة ، وانتشر الخبر وطار إلى الرميلة تحت قلعة الجبل ، فسمع السلطان ضجة عظيمة ورجة منكرة أفزعته ،

٤٤٠