كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٤

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٤

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦١

وثلاثمائة ، ففي يوم عاشوراء كانت منازعة بين الجند وبين جماعة من الرعية عند قبر كلثوم العلوية بسبب ذكر السلف والنوح ، قتل فيها جماعة من الفريقين ، وتعصب السودان على الرعية ، فكانوا إذا لقوا أحدا قالوا له : من خالك؟ فإن لم يقل معاوية وإلّا بطشوا به وشلحوه ، ثم كثر القول معاوية خال عليّ ، وكان على باب الجامع العتيق شيخان من العامّة يناديان في كل يوم جمعة في وجوه الناس من الخاص والعام ، معاوية خالي وخال المؤمنين ، وكاتب الوحي ، ورديف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان هذا أحسن ما يقولونه ، وإلّا فقد كانوا يقولون معاوية خال عليّ من هاهنا ، ويشيرون إلى أن أصل الإذن ، ويلقون أبا جعفر مسلما الحسينيّ فيقولون له ذلك في وجهه ، وكان بمصر أسود يصيح دائما معاوية خال عليّ ، فقتل بتنيس أيام القائد جوهر.

ولما ورد الخبر بقيام بني حسن بمكة ومحاربتهم الحاج ونهبهم ، خرج خلق من المصريين في شوّال فلقوا كافور الإخشيديّ بالميدان ظاهر مدينة مصر وضجوا وصاحوا معاوية خال عليّ ، وسألوه أن يبعث لنصرة الحاج على الطالبيين. وفي شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة أخذ رجل يعرف بابن أبي الليث الملطيّ ينسب إلى التشيع فضرب مائتي سوط ودرة ، ثم ضرب في شوّال خمسمائة سوط ودرة ، وجعل في عنقه غل وحبس وكان يتفقد في كلّ يوم لئلا يخفف عنه ويبصق في وجهه ، فمات في محبسه فحمل ليلا ودفن ، فمضت جماعة إلى قبره لينبشوه وبلغوا إلى القبر فمنعهم جماعة من الإخشيدية والكافورية ، فأبوا وقالوا هذا قبر رافضيّ ، فثارت فتنة وضرب جماعة ونهبوا كثيرا حتى تفرّق الناس.

وفي سنة ست وخمسين كتب في صفر على المساجد ذكر الصحابة والتفضيل ، فأمر الأستاذ كافور الإخشيديّ بإزالته ، فحدّثه جماعة في إعادة ذكر الصحابة على المساجد فقال : ما أحدث في أيامي ما لم يكن وما كان في أيام غيري فلا أزيله ، وما كتب في أيامي أزيله ، ثم أمر من طاف وأزاله من المساجد كلها. ولما دخل جوهر القائد بعساكر المعز لدين الله إلى مصر وبنى القاهرة أظهر مذهب الشيعة وأذن في جميع المساجد الجامعة وغيرها حيّ على خير العمل ، وأعلن بتفضيل عليّ بن أبي طالب على غيره ، وجهر بالصلاة عليه وعلى الحسن والحسين وفاطمة الزهراء رضوان الله عليهم ، فشكا إليه جماعة من أهل المسجد الجامع أمر عجوز عمياء تنشد في الطريق ، فأمر بها فحبست فسرّ الرعية بذلك ونادوا بذكر الصحابة ونادوا معاوية خال عليّ وخال المؤمنين ، فأرسل جوهر حين بلغه ذلك رجلا إلى الجامع فنادى : أيها الناس أقلوا القول ودعوا الفضول ، فإنما حبسنا العجوز صيانة لها ، فلا ينطقن أحد إلّا حلّت به العقوبة الموجعة ، ثم أطلق العجوز.

وفي ربيع الأوّل سنة اثنتين وستين عزر سليمان بن عروة المحتسب جماعة من

١٦١

الصيارفة فشغبوا وصاحوا معاوية خال عليّ بن أبي طالب ، فهمّ جوهر أن يحرق رحبة الصيارفة ، لكن خشي على الجامع ، وأمر الإمام بجامع مصر أن يجهر بالبسملة في الصلاة وكانوا لا يفعلون ذلك ، وزيد في صلاة الجمعة القنوت في الركعة الثانية ، وأمر في المواريث بالردّ على ذوي الأرحام ، وأن لا يرث مع البنت أخ ولا أخت ولا عم ولا جدّ ولا ابن أخ ولا ابن عم ، ولا يرث مع الولد الذكر أو الأنثى إلّا الزوج أو الزوجة والأبوان والجدّة ، ولا يرث مع الأمّ إلّا من يرث مع الولد ، وخاطب أبو الطاهر محمد بن أحمد قاضي مصر القائد جوهرا في بنت وأخ ، وأنه كان حكم قديما للبنت بالنصف وللأخ بالباقي ، فقال لا أفعل فلما ألح عليه قال : يا قاضي هذا عداوة لفاطمة عليها‌السلام ، فأمسك أبو الطاهر ولم يراجعه بعد في ذلك ، وصار صوم شهر رمضان والفطر على حساب لهم ، فأشار الشهود على القاضي أبي الطاهر أن لا يطلب الهلال ، لأنّ الصوم والفطر على الرؤية قد زال ، فانقطع طلب الهلال من مصر وصام القاضي وغيره مع القائد جوهر كما يصوم ، وأفطروا كما يفطر. ولما دخل المعز لدين الله إلى مصر ونزل بقصره من القاهرة المعزية ، أمر في رمضان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة فكتب على سائر الأماكن بمدينة مصر خير الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام. وفي صفر سنة خمس وستين وثلاثمائة جلس عليّ بن النعمان القاضي بجامع القاهرة المعروف بالجامع الأزهر وأملى مختصر أبيه في الفقه عن أهل البيت ، ويعرف هذا المختصر بالاقتصار ، وكان جمعا عظيما وأثبت أسماء الحاضرين.

ولما تولى يعقوب بن كلس الوزارة للعزيز بالله نزار بن المعز رتب في داره العلماء من الأدباء والشعراء والفقهاء والمتكلمين ، وأجرى لجميعهم الأرزاق ، وألف كتابا في الفقه ونصب له مجلسا وهو يوم الثلاثاء يجتمع فيه الفقهاء وجماعة من المتكلمين وأهل الجدل ، وتجري بينهم المناظرات ، وكان يجلس أيضا في يوم الجمعة فيقرأ مصنفاته على الناس بنفسه ، ويحضر عنده القضاة والفقهاء والقرّاء والنحاة وأصحاب الحديث ووجوه أهل العلم والشهود ، فإذا انقضى المجلس من القراءة قام الشعراء لإنشاد مدائحهم فيه ، وجعل للفقهاء في شهر رمضان الأطعمة ، وألف كتابا في الفقه يتضمن ما سمعه من المعز لدين الله ومن ابنه العزيز بالله ، وهو مبوّب على أبواب الفقه يكون قدره مثل نصف صحيح البخاريّ ، ملكته ووقفت عليه ، وهو يشتمل على فقه الطائفة الإسماعيلية ، وكان يجلس لقراءة هذا الكتاب على الناس بنفسه وبين يديه خواص الناس وعوامّهم وسائر الفقهاء والقضاة والأدباء ، وأفتى الناس به ودرّسوا فيه بالجامع العتيق ، وأجرى العزيز بالله لجماعة من الفقهاء يحضرون مجلس الوزير ويلازمونه أرزاقا تكفيهم في كلّ شهر ، وأمر لهم ببناء دار إلى جانب الجامع الأزهر ، فإذا كان يوم الجمعة تحلقوا فيه بعد الصلاة إلى أن تصلّى صلاة العصر ، وكان لهم من مال الوزير أيضا صلة في كلّ سنة ، وعدّتهم خمسة وثلاثون رجلا ، وخلع عليهم العزيز

١٦٢

بالله في يوم عيد الفطر وحملهم على بغال.

وفي سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة أمر العزيز بن المعز بقطع صلاة التروايح من جميع البلاد المصرية. وفي سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة ضرب رجل بمصر وطيف به المدينة من أجل أنه وجد عنده كتاب الموطأ لمالك بن أنس رحمه‌الله. وفي شهر ربيع الأوّل سنة خمس وثمانين وثلاثمائة جلس القاضي محمد بن النعمان على كرسيّ بالقصر في القاهرة لقراءة علوم أهل البيت على الرسم المتقدّم له ولأخيه بمصر ، ولأبيه بالمغرب ، فمات في الزحمة أحد عشر رجلا. وفي جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة قبض على رجل من أهل الشام سئل عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، فقال لا أعرفه ، فاعتقله قاضي القضاة الحسن بن النعمان قاضي أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله على القاهرة المعزية ومصر والشامات والحرمين والمغرب ، وبعث إليه وهو في السجن أربعة من الشهود وسألوه ، فأقرّ بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنه نبيّ مرسل ، وسئل عن عليّ بن أبي طالب فقال لا أعرفه ، فأمر قائد القوّاد الحسين بن جوهر بإحضاره ، فخلا به ورفق في القول له فلم يرجع عن إنكاره معرفة عليّ بن أبي طالب ، فطولع الحاكم بأمره فأمر بضرب عنقه فضرب عنقه وصلب. وفي سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة قبض على ثلاثة عشر رجلا وضربوا وشهروا على الجمال وحبسوا ثلاثة أيام من أجل أنهم صلوا صلاة الضحى.

وفي سنة خمس وتسعين وثلاثمائة قريء سجل في الجوامع بمصر والقاهرة والجزيرة بأن تلبس النصارى واليهود الغيار والزنار ، وغيارهم السواد غيار العاصين العباسيين ، وأن يشدّوا الزنار وفيه وقوع وفحش في حق أبي بكر وعمر رضي‌الله‌عنهما ، وقرىء سجل آخر فيه منع الناس من أكل الملوخيا المحببة كانت لمعاوية بن أبي سفيان ، ومنعهم من أكل البقلة المسماة بالجرجير المنسوبة لعائشة رضي‌الله‌عنها ، ومن المتوكلية المنسوبة إلى المتوكل ، والمنع من عجين الخبز بالرجل ، والمنع من أكل الدلينس ومن ذبح البقر إلّا ذا عاهة ما ، عدا أيام النحر ، فإنه يذبح فيها البقر فقط ، والوعيد للنخاسين متى باعوا عبدا أو أمة لذميّ ، وقريء سجل آخر بأن يؤذن لصلاة الظهر في أوّل الساعة السابعة ، ويؤذن لصلاة العصر في أوّل الساعة التاسعة ، وقريء أيضا سجل بالمنع من عمل الفقاع وبيعه في الأسواق لما يؤثر عن عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه من كراهية شرب الفقاع ، وضرب في الطرقات والأسواق بالحرس ، ونودي أن لا يدخل أحد الحمام إلّا بمئزر ، ولا تكشف امرأة وجهها في طريق ، ولا خلف جنازة ، ولا تتبرّج ، ولا يباع شيء من السمك بغير قشر ، ولا يصطاده أحد من الصيادين ، وقبض على جماعة وجدوا في الحمام بغير مئزر فضربوا وشهروا. وكتب في صفر من هذه السنة على سائر المساجد وعلى الجامع العتيق بمصر من ظاهره وباطنه من جميع جوانبه ، وعلى أبواب الحوانيت والحجر وعلى المقابر والصحراء سبّ السلف ولعنهم ، ونقش ذلك ولوّن بالأصباغ والذهب ، وعمل ذلك على أبواب الدور

١٦٣

والقياسر ، وأكره الناس على ذلك ، وتسارع الناس إلى الدخول في الدعوة ، فجلس لهم قاضي القضاة عبد العزيز بن محمد بن النعمان ، فقدموا من سائر النواحي والضياع ، فكان للرجال يوم الأحد ، وللنساء يوم الأربعاء ، وللأشراف وذوي الأقدار يوم الثلاثاء ، وازدحم الناس على الدخول في الدعوة ، فمات عدّة من الرجال والنساء. ولما وصلت قافلة الحاج مرّ بهم من سبّ العامّة وبطشهم ما لا يوصف ، فإنهم أرادوا حمل الحاج على سبّ السلف فأبوا ، فحلّ بهم مكروه شديد. وفي جمادى الآخرة من هذه السنة فتحت دار الحكمة بالقاهرة وجلس فيها القرّاء ، وحملت الكتب إليها من خزائن القصور ، ودخل الناس إليها وجلس فيها القرّاء والفقهاء والمنجمون والنحاة وأصحاب اللغة والأطباء ، وحصل فيها من الكتب في سائر العلوم ما لم ير مثله مجتمعا ، وأجرى على من فيها من الخدّام والفقهاء الأرزاق السنية ، وجعل فيها ما يحتاج إليه من الحبر والأقلام والمحابر والورق. وفي يوم عاشوراء من سنة ست وتسعين وثلاثمائة كان من اجتماع الناس ما جرت به العادة ، وأعلن بسبّ السلف فيه ، فقبض على رجل نودي عليه هذا جزاء من سبّ عائشة وزوجها صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومعه من الرعاع ما لا يقع عليه حصروهم يسبون السلف ، فلما تمّ النداء عليه ضرب عنقه ، واستهل شهر رجب من هذه السنة بيوم الأربعاء ، فخرج أمر الحاكم بأمر الله أن يؤرّخ بيوم الثلاثاء ، وفي سنة سبع وتسعين وثلاثمائة قبض على جماعة ممن يعمل الفقاع ومن السماكين ومن الطباخين وكبست الحمامات فأخذ عدّة ممن وجد بغير مئزر ، فضرب الجميع لمخالفتهم الأمر وشهروا. وفي تاسع ربيع الآخر أمر الحاكم بأمر الله بمحو ما كتب على المساجد وغيرها من سبّ السلف ، وطاف متولي الشرطة وألزم كل أحد بمحو ما كتب على المساجد من ذلك ، ثم قريء سجل في ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وثلاثمائة بأن لا يحمل شيء من النبيذ والمزر ، ولا يتظاهر به ولا بشيء من الفقاع والدلينس والسمك الذي لا قشر له والترمس العفن ، وقريء سجل في رمضان على سائر المنابر بأنه يصوم الصائمون على حسابهم ويفطرون ، ولا يعارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون ، صلاة الخمس الدين ، فبما جاءهم فيها يصلون ، وصلاة الضحى وصلاة التراويح لا مانع لهم منها. ولا هم عنها يدفعون ، يخمّس في التكبير على الجنائز المخمسون ، ولا يمنع من التربيع عليها المربّعون ، يؤذن بحيّ على خير العمل المؤذنون ، ولا يؤذى من بها لا يؤذنون ، ولا يسب أحد من السلف ، ولا يحتسب على الواصف فيهم بما وصف ، والحالف منهم بما حلف ، لكلّ مسلم مجتهد في دينه اجتهاده ، وإلى الله ربه معاده عنده كتابه وعليه حسابه. وفي صفر سنة أربعمائة شهر جماعة بعد ما ضربوا بسبب بيع الفقاع والملوخيا والدلينس والترمس.

وفي تاسع عشر شهر شوّال أمر الحاكم بأمر الله برفع ما كان يؤخذ من الخمس والزكاة والفطرة والنجوى ، وأبطل قراءة مجالس الحكمة في القصر ، وأمر بردّ التثويب في الأذان ،

١٦٤

وأذّن للناس في صلاة الضحى وصلاة التراويح ، وأمر المؤذنين بأسرهم في الأذان بأن لا يقولوا حيّ على خير العمل ، وأن يقولوا في الأذان للفجر الصلاة خير من النوم ، ثم أمر في ثاني عشري ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعمائة بإعادة قول حيّ على خير العمل في الأذان ، وقطع التثويب وترك قولهم الصلاة خير من النوم ، ثم أمر في ثاني عشري ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعمائة بإعادة قول حيّ على خير العمل في الأذان ، وقطع التثويب وترك قولهم الصلاة خير من النوم ، ومنع من صلاة الضحى ، وصلاة التراويح ، وفتح باب الدعوة ، وأعيدت قراءة المجالس بالقصر على ما كانت ، وكان بين المنع من ذلك والأذن فيه خمسة أشهر ، وضرب في جمادى من هذه السنة جماعة وشهروا بسبب بيع الملوخيا والسمك الذي لا قشر له وشرب المسكرات ، وتتبع السكارى فضيق عليهم.

وفي يوم الثلاثاء سابع عشري شعبان سنة إحدى وأربعمائة وقع قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقيّ إلى سائر الشهود والأمناء بخروج الأمر المعظم ، بأن يكون الصوم يوم الجمعة والعيد يوم الأحد. وفي شعبان سنة اثنتين وأربعمائة قريء سجل يشدّد فيه النكير على بيع الملوخيا والفقاع والسمك الذي لا قشر له ، ومنع النساء من الاجتماع في المآتم ومن اتباع الجنائز ، وأحرق الحاكم بأمر الله في هذا الشهر الزبيب الذي وجد في مخازن التجار ، وأحرق ما وجد من الشطرنج ، وجمع صيادي السمك وحلّفهم بالأيمان المؤكدة أن لا يصطادوا سمكا بغير قشر ، ومن فعل ذلك ضربت عنقه ، وأحرق في خمسة عشر يوما ألفين وثمانمائة وأربعين قطعة زبيب بلغ ثمن النفقة عليها خمسمائة دينار ، ومنع من بيع العنب إلّا أربعة أرطال فما دونها ، ومنع من اعتصاره ، وطرح عنبا كثيرا في الطرقات وأمر بدوسه ، فامتنع الناس من التظاهر بشيء من العنب في الأسواق ، واشتدّ الأمر فيه ، وغرق منه ما حمل في النيل ، وأحصي ما بالجيزة من الكروم ، فقطف ما عليها من العنب وطرح ما جمعه من ذلك تحت أرجل البقر لتدوسه ، وفعل مثل ذلك في جهات كثيرة ، وختم على مخازن العسل ، وغرّق منه في أربعة أيام خمسة آلاف جرّة وإحدى وخمسين جرّة فيها العسل ، وغرق من عسل النحل قدر إحدى وخمسين زيرا. وفي جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعمائة ، اشتدّ الإنكار على الناس بسبب بيع الفقاع والزبيب والسمك الذي لا قشر له ، وقبض على جماعة وجد عندهم زبيب فضربت أعناقهم وسجنت عدّة منهم وأطلقوا. وفي شوّال اعتقل رجل ثم شهر ونودي عليه هذا جزاء من سبّ أبا بكر وعمر ويثير الفتن ، فاجتمع خلق كثير بباب القصر فاستغاثوا ، لا طاقة لنا بمخالفة المصريين ولا بمخالفة الحشوية من العوام ، ولا صبر لنا على ما جرى ، وكتبوا قصصا فصرفوا ووعدوا بالمجيء في غد ، فبات كثير منهم بباب القصر ، واجتمعوا من الغد فصاحوا وضجوا فخرج إليهم قائد القوّاد غين ، فنهاهم وأمرهم عن أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أن يمضوا إلى معايشهم ، فانصرفوا إلى قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقيّ وشكوا إليه ، فتبرّم من ذلك فمضوا وفيهم من يسب

١٦٥

السلف ويعرّض بالناس ، فقريء سجل في القصر بالترحم على السلف من الصحابة ، والنهي عن الخوض في ذلك ، وركب مرّة فرأى لوحا على قيسارية فيه سب السلف فأنكره ، وما زال واقفا حتى قلع وضرب بالحرس في سائر طرقات مصر والقاهرة ، وقريء سجل بتتبع الألواح المنصوبة على سائر أبواب القياسر والحوانيت والدور والخانات والأرباع المشتملة على ذكر الصحابة والسلف الصالح ، رحمهم‌الله ، بالسب واللعن ، وقلع ذلك وكسره وتعفية أثره ، ومحو ما على الحيطان من هذه الكتابة ، وإزالة جميعها من سائر الجهات حتى لا يرى لها أثر في جدار ولا نقش في لوح ، وحذّر فيه من المخالفة ، وهدّد بالعقوبة ، ثم انتقض ذلك كله وعاد الأمر إلى ما كان عليه إلى أن قتل الخليفة الآمر بأحكام الله أبو عليّ منصور بن المستعلي بالله أبي القاسم أحمد بن المستنصر بالله أبي تميم معدّ.

وثار أبو عليّ أحمد الملقب كتيفات ابن الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش ، واستولى على الوزارة في شنة أربع وعشرين وخمسمائة ، وسجن الحافظ لدين الله أبا الميمون عبد المجيد بن الأمير أبي القاسم محمد بن الخليفة المستنصر بالله ، وأعلن بمذهب الإمامية والدعوة للإمام المنتظر ، وضرب دراهم نقشها : الله الصمد الإمام محمد. ورتب في سنة خمس وعشرين أربعة قضاة ، اثنان أحدهما إماميّ والآخر إسماعيليّ ، واثنان أحدهما مالكيّ والآخر شافعيّ ، فحكم كل منهما بمذهبه وورّث على مقتضاه ، وأسقط ذكر إسماعيل بن جعفر الصادق وأبطل من الأذان حيّ على خير العمل ، وقولهم محمد وعليّ خير البشر ، فلما قتل في المحرّم سنة ست وعشرين عاد الأمر إلى ما كان عليه من مذهب الإسماعيلية.

وما برح حتى قدمت عساكر الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي من دمشق ، عليها أسد الدين شيركوه ، وولى وزارة مصر للخليفة العاضد لدين الله أبي محمد عبد الله بن الأمير يوسف بن الحافظ لدين الله ، ومات ، فقام في الوزارة بعده ابن أخيه السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب في جمادى الآخرة سنة أربع وستين وخمسمائة ، وشرع في تغيير الدولة وإزالتها ، وحجر على العاضد وأوقع بأمراء الدولة وعساكرها ، وأنشأ بمدينة مصر مدرسة للفقهاء الشافعية ، ومدرسة للفقهاء المالكية ، وصرف قضاة مصر الشيعة كلهم ، وفوّض القضاء لصدر الدين عبد الملك بن درباس المارانيّ الشافعيّ ، فلم يستنب عنه في إقليم مصر إلّا من كان شافعيّ المذهب ، فتظاهر الناس من حينئذ بمذهب مالك والشافعيّ ، واختفى مذهب الشيعة والإسماعيلية والإمامية حتى فقد من أرض مصر كلها ، وكذلك كان السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي بن آق سنقر حنيفا فيه تعصب ، فنشر مذهب أبي حنيفة رحمه‌الله ببلاد الشام ، ومنه كثرت الحنفية بمصر ، وقدم إليها أيضا عدّة من بلاد الشرق ، وبنى لهم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب المدرسة السيوفية بالقاهرة ، وما زال مذهبهم ينتشر ويقوى وفقهاؤهم تكثر بمصر والشام من حينئذ. وأما العقائد فإن السلطان صلاح الدين حمل الكافة على عقيدة الشيخ أبي الحسن عليّ بن

١٦٦

إسماعيل الأشعريّ ، تلميذ أبي علي الجبائيّ ، وشرط ذلك في أوقافه التي بديار مصر ، كالمدرسة الناصرية بجوار قبر الإمام الشافعيّ من القرافة ، والمدرسة الناصرية التي عرفت بالشريفية بجوار جامع عمرو بن العاص بمصر ، والمدرسة المعروفة بالقمحية بمصر ، وخانكاه سعيد السعداء بالقاهرة. فاستمرّ الحال على عقيدة الأشعريّ بديار مصر وبلاد الشام وأرض الحجاز واليمن وبلاد المغرب أيضا ، لإدخال محمد بن تومرت رأي الأشعريّ إليها ، حتى أنه صار هذا الاعتقاد بسائر هذه البلاد ، بحيث أن من خالفه ضرب عنقه ، والأمر على ذلك إلى اليوم ، ولم يكن في الدولة الأيوبية بمصر كثير ذكر لمذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل ، ثم اشتهر مذهب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل في آخرها.

فلما كانت سلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقداريّ ، ولي بمصر والقاهرة أربعة قضاة ، وهم شافعيّ ومالكيّ وحنفيّ وحنبليّ. فاستمرّ ذلك من سنة خمس وستين وستمائة ، حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب أهل الإسلام سوى هذه المذاهب الأربعة ، وعقيدة الأشعريّ ، وعملت لأهلها المدارس والخوانك والزوايا والربط في سائر ممالك الإسلام ، وعودي من تمذهب بغيرها ، وأنكر عليه ، ولم يولّ قاض ولا قبلت شهادة أحد ولا قدّم للخطابة والإمامة والتدريس أحد ما لم يكن مقلدا لأحد هذه المذاهب ، وأفتى فقهاء هذه الأمصار في طول هذه المدّة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها ، والعمل على هذا إلى اليوم ، وإذ قد بينا الحال في سبب اختلاف الأمّة منذ توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أن استقرّ العمل على مذهب مالك والشافعيّ وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل ، رحمة الله عليهم ، فلنذكر اختلاف عقائد أهل الإسلام منذ كان إلى أن التزم الناس عقيدة الشيخ أبي الحسن الأشعريّ رحمه‌الله ورضي عنه.

ذكر فرق الخليقة واختلاف عقائدها وتباينها

اعلم أن الذين تكلموا في أصول الديانات قسمان ، هما من خالف ملة الإسلام ، ومن أقرّ بها. فأما المخالفون لملة الإسلام فهم عشر طوائف : الأولى الدهرية ، والثانية أصحاب العناصر. والثالثة الثنوية : وهم المجوس ، ويقولون بأصلين هما النور والظلمة ، ويزعمون أن النور هو يزدان ، والظلمة هو أهرمن ، ويقرّون بنبوّة إبراهيم عليه‌السلام ، وهم ثمان فرق : الكيومرتية أصحاب كيومرت الذي يقال أنه آدم. والزروانية أصحاب زروان الكبير ، والزرادشتية أصحاب زراداشت بن بيورشت الحكيم ، والثنوية أصحاب الاثنين الأزليين. والمانوية أصحاب ماني الحكيم. والمزركية أصحاب مزرك الخارجي. والبيصانية أصحاب بيصان القائل بالأصلين القديمين. والفرقونية القائلون بالأصلين. وأنّ الشرّ خرج على أبيه وأنه تولد من فكرة فكرها في نفسه ، فلما خرج على أبيه الذي هو الإله بزعمهم عجز عنه ،

١٦٧

ثم وقع الصلح بينهما على يد الندمات وهم الملائكة ، ومنهم من يقول بالتناسخ ، ومنهم من ينكر الشرائع والأنباء ، ويحكمون العقول ، ويزعمون أن النفوس العلوية تفيض عليهم الفضائل.

والطائفة الرابعة الطبائعيون.

والطائفة الخامسة الصابئة القائلون بالهياكل والأرباب السماوية والأصنام الأرضية ، وإنكار النبوّات ، وهم أصناف وبينهم وبين الحنفاء مناظرات وحروب مهلكة ، وتولدت من مذاهبهم الحكمة الملطية ، ومنهم أصحاب الروحانيات ، وهم عباد الكواكب وأصنامها التي عملت على تمثالها ، والحنفاء هم القائلون بأن الروحانيات منها ما وجودها بالقوّة ، ومنها ما وجودها بالفعل ، فما هو بالقوّة يحتاج إلى من يوجده بالفعل. ويقرّون بنبوّة إبراهيم ، وأنه منهم. وهم طوائف : الكاظمة أصحاب كاظم بن تارح ، ومن قوله أنّ الحق في الجمع بين شريعة إدريس وشريعة نوح وشريعة إبراهيم عليهم‌السلام ، ومنهم البيدانية : أصحاب بيدان الأصغر ، ومن قوله اعتقاد نبوّة من يفهم عالم الروح ، وأن النبوّة من أسرار الإلهية. ومنهم القنطارية : أصحاب قنطار بن أرفخشد ، ويقرّ بنبوّة نوح. ومن فرق الصابئة أصحاب الهياكل : ويرون أن الشمس إله كلّ إله. والحرّانية : ومن قولهم المعبود واحد بالذات وكثير بالأشخاص في رأي العين ، وهي المدبرات السبع من الكواكب والأرضية الجزئية والعالمة الفاضلة.

والطائفة السادسة اليهود. والسابعة النصارى.

والثامنة أهل الهند القائلون بعبادة الأصنام ، ويزعمون أنها موضوعة قبل آدم ، ولهم حكم عقلية وأحكام وضعها الشلم ، أعظم حكامهم ، والمهندم قبله ، والبراهمة قبل ذلك. فالبراهمة أصحاب برهام أوّل من أنكر نبوّة البشر ، ومنهم البردة زهاد عباد رجال الرماد الذي يهجرون اللذات الطبيعية ، وأصحاب الرياضة التامّة ، وأصحاب التناسخ ، وهم أقسام أصحاب الروحانية والبهادرية والناسوتية والباهرية والكابلية ، أهل الجبل. ومنهم الطبسيون أصحاب الرياضة الفاعلة ، حتّى أن منهم من يجاهد نفسه حتى يسلطها على جسده ، فيصعد في الهواء على قدر قوّته ، وفي اليهود عباد النار وعباد الشمس والقمر والنجوم وعباد الأوثان.

والطائفة التاسعة الزنادقة وهم طوائف منهم القرامطة.

والعاشرة الفلاسفة أصحاب الفلسفة ، وكلمة فيلسوف معناها محب الحكمة ، فإن فيلو محب ، وسوفا حكمة ، والحكمة قولية وفعلية ، وعلم الحكماء انحصر في أربعة أنواع : الطبيعيّ والمدنيّ والرياضيّ والإلهيّ. والمجموع ينصرف إلى علم ما ، وعلم كيف ، وعلم

١٦٨

كم ، فالعلم الذي يطلب فيه ماهيات الأشياء هو الإلهيّ ، والذي يطلب فيه كيفيات الأشياء هو الطبيعيّ ، والذي يطلب فيه كميات الأشياء هو الرياضيّ. ووضع بعد ذلك أرسطو صنعة المنطق ، وكانت بالقوّة في كلام القدماء ، فأظهرها ورتبها. واسم الفلاسفة يطلق على جماعة من الهند ، وهم الطبسيون والبراهمة ، ولهم رياضة شديدة ، وينكرون النبوّة أصلا ، ويطلق أيضا على العرب بوجه أنقص ، وحكمتهم ترجع إلى أفكارهم وإلى ملاحظة طبيعية ، ويقرّون بالنبوّات ، وهم أضعف الناس في العلوم ، ومن الفلاسفة حكماء الروم ، وهم طبقات ، فمنهم أساطين الحكمة ، وهم أقدمهم ، ومنهم المشاؤون وأصحاب الرواق ، وأصحاب أرسطو ، وفلاسفة الإسلام. فمن فلاسفة الروم الحكماء السبعة ، أساطين الحكمة ، أهل ملطية وقونية وهم : تاليس الملطيّ ، وانكساغورس ، وانكسمالس ، وابنادفيس ، وفيثاغورس ، وسقراط ، وأفلاطون. ودون هؤلاء فلوطس ، وبقراط ، وديمقراطيس ، وأسعر والنساس. ومنهم حكماء الأصول من القدماء ، ولهم القول بالسيمياء ، ولهم أسرار الخواص والحيل والكيمياء والأسماء الفعالة والحروف ، ولهم علوم توافق علوم الهند ، وعلوم اليونانيين ، وليس من موضوع كتابنا هذا ذكر تراجمهم ، فلذلك تركناها.

القسم الثاني فرق أهل الإسلام. الذي عناهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله : «ستفترق أمّتي ثلاثا وسبعين فرقة ، اثنتان وسبعون هالكة ، وواحدة ناجية» وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذيّ وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «افترقت اليهود على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة ، وتفرّقت النصارى على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة ، وتفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة» قال البيهقيّ حسن صحيح ، وأخرجه الحاكم وابن حبان في صحيحه بنحوه ، فأخرجه في المستدرك من طريق الفضل بن موسى ، عن محمد بن عمر ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة به ، وقال هذا حديث كثير في الأصول ، وقد روي عن سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر ، وعوف بن مالك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمثله ، وقد احتج مسلم بمحمد بن عمر ، وعن أبي سلمة عن أبي هريرة ، واتفقا جميعا على الاحتجاج بالفضل بن موسى وهو ثقة.

واعلم أن فرق المسلمين خمسة : أهل السنة ، والمرجئة ، والمعتزلة ، والشيعة ، والخوارج. وقد افترقت كلّ فرقة منها على فرق ، فأكثر افتراق أهل السنة في الفتيا ونبذ يسير من الاعتقادات ، وبقية الفرق الأربع منها من يخالف أهل السنة الخلاف البعيد ، ومنهم من يخالفهم الخلاف القريب ، فأقرب فرق المرجئة من قال : الإيمان إنما هو التصديق بالقلب واللسان معا فقط ، وأن الأعمال إنما هي فرائض الإيمان وشرائعه فقط ، وأبعدهم أصحاب جهم بن صفوان ومحمد بن كرام. وأقرب فرق المعتزلة أصحاب الحسين النجار وبشر بن غياث المريسيّ ، وأبعدهم أصحاب أبي الهذيل العلاف. وأقرب مذاهب الشيعة أصحاب الحسن بن صالح بن حيّ ، وأبعدهم الإمامية. وأما الغالية فليسوا بمسلمين ولكنهم أهل ردّة

١٦٩

وشرك. وأقرب فرق الخوارج أصحاب عبد الله بن يزيد الإباضيّ ، وأبعدهم الأزارقة. وأما البطيخية ومن جحد شيئا من القرآن أو فارق الإجماع من العجاردة وغيرهم فكفار بإجماع الأمّة ، وقد انحصرت الفرق الهالكة في عشر طوائف :

الفرقة الأولى المعتزلة : الغلاة في نفي الصفات الإلهية ، القائلون بالعدل والتوحيد ، وأن المعارف كلها عقلية ، حصولا ووجوبا ، قبل الشرع وبعده ، وأكثرهم على أن الإمامة بالاختيار ، وهم عشرون فرقة : إحداها الواصلية : أصحاب واصل بن عطاء أبي حذيفة الغزال ، مولى بني ضبة ، وقيل مولى بني مخزوم. ولد بالمدينة سنة ثمانين ، ونشأ بالبصرة ، ولقي أبا هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية ، ولازم مجلس الحسن بن الحسين البصريّ ، وأكثر من الجلوس بسوق الغزل ليعرف النساء المتعففات فيصرف إليهنّ صدقته ، فقيل له الغزال من أجل ذلك ، وكان طويل العنق جدّا ، حتى عابه عمرو بن عبيد بذلك فقال : من هذه عنقه لا خير عنده. فلما برع واصل ، قال عمر : وربما أخطأت الفراسة. وكان يلثغ بالراء ، ومع ذلك كان فصيحا لسنا مقتدرا على الكلام ، قد أخذ بجوامعه ، فلذلك أمكنه أن أسقط حرف الراء من كلامه ، واجتناب الحروف صعب جدّا ، لا سيما مثل الراء لكثرة استعمالها ، وله رسالة طويلة لم يذكر فيها حرف الراء ، أحد بدائع الكلام ، وكان لكثرة صمته يظنّ به الخرس ، توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة ، وله كتاب المنزلة بين المنزلتين ، وكتاب الفتيا ، وكتاب التوحيد. وعنه أخذ جماعة ، وأخباره كثيرة ، ويقال لهم أيضا الحسنية ، نسبة إلى الحسن البصريّ. وأخذ واصل العلم عن أبي هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية ، وخالفه في الإمامة ، واعتزاله يدور على أربع قواعد هي : نفي الصفات ، والقول بالقدر ، والقول بمنزلة بين المنزلتين ، وأوجب الخلود في النار على من ارتكب كبيرة. فلما بلغ الحسن البصريّ عنه هذا قال : هؤلاء اعتزلوا ، فسموا من حينئذ المعتزلة. وقيل أن تسميتهم بذلك حدثت بعد الحسن ، وذلك أن عمرو بن عبيد لما مات الحسن وجلس قتادة مجلسه اعتزله في نفر معه ، فسماهم قتادة المعتزلة. القاعدة الرابعة القول بأن إحدى الطائفتين من أصحاب الجمل وصفين مخطئة لا بعينها ، وكان في خلافة هشام بن عبد الملك.

والثانية العمروية : أصحاب عمرو ، ومن قوله ترك قول عليّ بن أبي طالب وطلحة والزبير رضي‌الله‌عنهم. وقال ابن منبه : اعتزل عمرو بن عبيد وأصحاب له الحسن ، فسموا المعتزلة.

والثالثة الهذلية : اتباع أبي الهذيل محمد بن الهذيل العلاف شيخ المعتزلة ، أخذ عن عثمان بن خالد الطويل ، عن واصل بن عطاء ، ونظر في الفلسفة ووافقهم في كثير وقال : جميع الطاعات من الفرائض والنوافل إيمان ، وانفرد بعشر مسائل وهي : أن علم الله وقدرته وحياته هي ذاته ، وأثبت إرادات لا محل لها يكون الباري مريدا لها. وقال : بعض كلام الله

١٧٠

لا في محل ، وهو قوله كن. وبعضه في محل ، كالأمر والنهي. وقال في أمور الآخرة. كمذهب الجبرية. وقال تنتهي مقدورات الله حتى لا يقدر على إحداث شيء ولا على إفناء شيء ولا إحياء شيء ولا إماتة شيء ، وتنقطع حركات أهل الجنة والنار ويصيرون إلى سكون دائم. وقال : الاستطاعة عرض من الأعراض نحو السلامة ، والصحة. وفرّق بين أعمال القلوب وأعمال الجوارح وقال : تجب معرفة الله قبل ورود السمع. وأن المرء المقتول إن لم يقتل مات في ذلك الوقت ، ولا يزاد العلم ولا ينقص بخلاف الرزق. وقال : إرادة الله عين المراد ، والحجة لا تقوم فيما غاب إلّا بخبر عشرين.

والرابعة النظامية : اتباع إبراهيم بن سيار النظّام ، بتشديد الظاء المعجمة ، زعيم المعتزلة وأحد السفهاء ، انفرد بعدّة مسائل وهي : قوله أنّ الله تعالى لا يوصف بالقدرة على الشرور والمعاصي ، وأنها غير مقدورة لله. وقال : ليس لله إرادة ، وأفعال العباد كلها حركات ، والنفس والروح هو الإنسان ، والبدن إنما هو آلة فقط ، وأن كل ما جاوز القدرة من الفعل فهو من الله ، وهو فعله ، وأنكر الجوهر الفرد ، وأحدث القول بالطفرة ، وقال : الجوهر مؤلف من أعراض اجتمعت ، وزعم أنّ الله خلق الموجودات دفعة على ما هي عليه ، وأن الإعجاز في القرآن من حيث الإخبار عن الغيب فقط ، وأنكر أن يكون الإجماع حجة ، وطعن في الصحابة رضي الله تعالى عنهم. وقال قبحه الله : أبو هريرة أكذب الناس ، وزعم أنه ضرب فاطمة ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومنع ميراث العترة ، وأوجب معرفة الله بالفكر قبل ورود الشرع ، وحرّم نكاح الموالي العربيات. وقال : لا تجوز صلاة التراويح ، ونهى عن ميقات الحج ، وكذب بانشقاق القمر ، وأحال رؤية الجنّ ، وزعم أن من سرق مائتي دينار فما دونها لم يفسق ، وأن الطلاق بالكتابة لا يقع وإن كان بنيّة ، وأنّ من نام مضطجعا لا ينتقض وضوءه ما لم يخرج منه الحدث. وقال : لا يلزم قضاء الصلوات إذا فاتت.

والخامسة الإسوارية : اتباع أبي عليّ عمرو بن قائد الإسواريّ ، القائل أن الله تعالى لا يقدر أن يفعل ما علم أنه لا يفعله. والسادسة الإسكافية : اتباع أبي جعفر محمد بن عبد الله الإسكافيّ ، ومن قوله أنّ الله تعالى لا يقدر على ظلم العقلاء ، ويقدر على ظلم الأطفال والمجانبين ، وأنه لا يقال أنّ الله خالق المعازف والطنابير وإن كان هو الذي خلق أجسامها. والسابعة الجعفرية : اتباع جعفر بن حرب بن ميسرة ، ومن قوله أنّ في فسّاق هذه الأمّة من هو شرّ من اليهود والنصارى والمجوس ، وأسقط الحدّ عن شارب الخمر ، وزعم أن الصغائر من الذنوب توجب تخليد فاعلها في النار ، وأنّ رجلا لو بعث رسولا إلى امرأة ليخطبها فجاءته فوطئها من غير عقد لم يكن عليه حدّ ، ويكون وطؤه إياها طلاقا لها.

والثامنة البشرية : اتباع بشر بن المعتمر ، ومن قوله الطعم واللون والرائحة والإدراكات كلها من السمع ، يجوز أن تحصل متولدة ، وصرف الاستطاعة إلى سلامة البنية والجوارح.

١٧١

وقال : لو عذب الله الطفل الصغير لكان ظالما ، وهو يقدر على ذلك. وقال : إرادة الله من جملة أفعال ، ثم هي تنقسم إلى صفة فعل وصفة ذات. وقال : باللطف المخزون ، وأن الله لم يخلقه لأنّ ذلك يوجب عليه الثواب ، وأن التوبة الأولى متوقفة على الثانية ، وأنها لا تنفع إلّا بعدم الوقوع في الذي وقع فيه ، فإن وقع لم تنفعه التوبة الأولى.

والتاسعة المزدارية : أتباع أبي موسى عيسى بن صبيح المعروف بالمزدار ، تلميذ بشر بن المعتمر ، وكان زاهدا ، وقيل له راهب المعتزلة ، وانفرد بمسائل منها. قوله أنّ الله قادر على أن يظلم ويكذب ، ولا يطعن ذلك في الربوبية ، وجوّز وقوع الفعل الواحد من فاعلين على سبيل التولد ، وزعم أن القرآن مما يقدر عليه ، وأن بلاغته وفصاحته لا تعجز الناس بل يقدرون على الإتيان بمثلها وأحسن منها ، وهو أصل المعتزلة في القول بخلق القرآن. وقال : من أجاز رؤية الله بالإبصار بلا كيف فهو كافر ، والشاكّ في كفره كافر أيضا.

والعاشرة الهشامية : أتباع هشام بن عمرو الفوطيّ ، الذي يبالغ في القدر ولا ينسب إلى الله فعلا من الأفعال ، حتى أنه أنكر أن يكون الله هو الذي ألف بين قلوب المؤمنين ، وأنه يحب الإيمان للمؤمنين ، وأنه أضل الكافرين. وعاند ما في القرآن من ذلك وقال : لا تنعقد الإمامية في زمن الفتنة واختلاف الناس ، وأن الجنة والنار غير مخلوقتين. ومنع أن يقال حسبنا الله ونعم الوكيل ، وقال لأن الوكيل دون الموكل ، وقال : لو أسبغ أحد الوضوء ، ودخل فيه الصلاة بنيّة القربة لله تعالى ، والعزم على إتمامها ، وركع وسجد مخلصا في ذلك كله ، إلّا أنّ الله علم أنه يقطعها في آخرها ، فإن أوّل صلاته معصية. ومنع أن يكون البحر انفلق لموسى ، وأن عصاه انقلبت حية ، وأن عيسى أحيى الموتى ، بإذن الله ، وأن القمر انشق للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنكر كثيرا من الأمور التي تواترت ، كحصر عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه ، وقتله بالغلبة. وقال : إنما جاءته شرذمة قليلة تشكو عمّاله ودخلوا عليه وقتلوه ، فلا يدري قاتله. وقال : إنّ طلحة والزبير وعليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهم ، ما جاؤوا للقتال في حرب الجمل ، وإنما برزوا للمشاورة ، وتقاتل أتباع الفريقين في ناحية أخرى ، وأن الأمّة إذا اجتمعت كلها وتركت الظلم والفساد احتاجت إلى إمام يسوسها ، فأما إذا عصت وفجرت وقتلت واليها فلا تنعقد الإمامة لأحد ، وبنى على ذلك أنّ إمامة عليّ رضي‌الله‌عنه لم تنعقد ، لأنها كانت في حال الفتنة بعد قتل عثمان ، وهو أيضا مذهب الأصم وواصل بن عطاء وعمرو بن عبيد ، وأنكر افتضاض الأبكار في الجنة ، وأنكر أن الشيطان يدخل في الإنسان وإنما يوسوس له من خارج ، والله يوصل وسوسته إلى قلب ابن آدم. وقال : لا يقال خلق الله الكافر ، لأنه اسم العبد والكفر جميعا ، وأنكر أن يكون في أسماء الله الضارّ النافع.

والحادية عشر الحائطية : اتباع أحمد بن حائط أحد أصحاب إبراهيم بن سيار النظّام وله بدع شنيعة منها : أنّ للخلق إلهين ، أحدهما خالق وهو الإله القديم ، والآخر مخلوق

١٧٢

وهو عيسى ابن مريم ، وزعم أن المسيح ابن الله ، وأنه هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة ، وأنه هو المعنيّ بقول الله تعالى في القرآن : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) [البقرة / ٢١٠] وزعم في قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله خلق آدم على صورته» أن معناه خلقه إياه على صورة نفسه. وأن معنى قوله عليه‌السلام : «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر» إنما أراد به عيسى ، وزعم أن في الدواب والطيور والحشرات حتى البق والبعوض والذباب أنبياء لقول الله سبحانه : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [فاطر / ٢٤] وقوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) [الانعام / ٣٨] ولقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو لا أن الكلاب أمّة من الأمم لأمرت بقتلها» وذهب مع ذلك إلى القول بالتناسخ ، وزعم أن الله ابتدأ الخلق في الجنة ، وإنما خرج من خرج منها بالمعصية ، وطعن في النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أجل تعدّد نكاحه وقال : إنّ أبا ذر الغفاريّ أنسك وأزهد منه قبحه الله ، وزعم أنّ كل من نال خيرا في الدنيا إنما هو بعمل كان منه ، ومن ناله مرض أو آفة فبذنب كان منه ، وزعم أن روح الله تناسخت في الأئمة.

والثانية عشر الحمارية : أتباع قوم من معتزلة عسكر مكرم ، ومن مذهبهم أن الممسوخ إنسان كافر معتقد الكفر ، وأن النظر أوجب المعرفة ، وهو لا فاعل له ، وكذلك الجماع أوجب الولد ، فشكّ في خالق الولد ، وأنّ الإنسان يخلق أنواعا من الحيوانات بطريق التعفين ، وزعموا أنه يجوز أن يقدر الله العبد على خلق الحياة والقدرة.

والثالثة عشر المعمرية : أتباع معمر بن عباد السلميّ ، وهو أعظم القدرية غلوّا ، وبالغ في رفع الصفات والقدرة بالجملة ، وانفرد بمسائل منها : أنّ الإنسان يدبر الجسد وليس بحال فيه ، والإنسان عنده ليس بطويل ولا عريض ، ولا ذي لون وتأليف وحركة ، ولا حال ولا متمكن ، وأنّ الإنسان شيء غير هذا الجسد ، وهو حيّ عالم قادر مختار ، وليس هو بمتحرّك ولا ساكن. ولا متلوّن ولا يرى ولا يلمس ولا يحلّ موضعا ولا يحويه مكان ، فوصف الإنسان بوصف الإلهية عنده ، فإن مدبر العالم موصوف عنده كذلك ، وزعم أن الإنسان منعم في الحياة وموزر في النار ، وليس هو في الجنة ولا في النار حالا ولا متمكنا. وقال : أنّ الله لم يخلق غير الأجسام ، والأعراض تابعة لها متولدة منها ، وأنّ الأعراض لا تتناهى في كل نوع ، وأنّ الإرادة من الله للشيء غير الله وغير خلقه ، وأنّ الله ليس بقديم ، لأنّ ذلك أخذ من قدم يقدم فهو قديم.

والرابعة عشر الثمانية : أتباع ثمامة بن أشرس النميريّ ، وجمع بين النقائض وقال :

١٧٣

العلوم كلها ضرورية ، فكلّ من لم يضطرّ إلى معرفة الله فليس بمأمور بها ، وهو كالبهائم ونحوها ، وزعم أن اليهود والنصارى والزنادقة يصيرون يوم القيامة ترابا كالبهائم لا نواب لهم ولا عقاب عليهم البتة ، لأنهم غير مأمورين ، إذ هم غير مضطرّين إلى معرفة الله تعالى ، وزعم أنّ الأفعال كلها متولدة لا فاعل لها ، وأنّ الاستطاعة هي السلامة وصحة الجوارح ، وأن العقل هو الذي يحسن ويقبح ، تجب معرفة الله قبل ورود الشرع وأن لا فعل للإنسان إلّا الإرادة ، وما عداها فهو حدث.

والخامسة عشر الجاحظية : أتباع أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، وله مسائل تميز بها عن أصحابه منها : أن المعارف كلها ضرورية ، وليس شيء من ذلك من أفعال العباد ، وإنما هي طبيعية ، وليس للعباد كسب سوى الإرادة ، وأنّ العباد لا يخلدون في النار بل يصيرون من طبيعتها ، وأنّ الله لا يدخل أحدا النار ، وإنما النار تجذب أهلها بنفسها وطبيعتها ، وأن القرآن المنزل من قبيل الأجساد ، ويمكن أن يصير مرّة رجلا ومرّة حيوانا ، وأن الله لا يريد المعاصي ، وأنه لا يرى ، وأن الله يريد بمعنى أنه لا يغلط ، ولا يصح في حقه السهو فقط ، وأنه يستحيل العدم على الجواهر من الأجسام.

والسادسة عشر الخياطية : أصحاب أبي الحسين بن أبي عمرو الخياط شيخ أبي القاسم الكعبيّ من معتزلة بغداد ، زعم أن المعدوم شيء ، وأنه في العدم جسم إن كان في حدوثه جسما ، وعرض إن كان في حدوثه عرضا.

والسابعة عشر الكعبية : أتباع أبي القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخيّ المعروف بالكعبيّ من معتزلة بغداد ، انفرد بأشياء منها : أن إرادة الله ليست صفة قائمة بذاته ، ولا هو مدبر لذاته ، ولا إرادته حادثة في محل ، وإنما يرجع ذلك إلى العلم فقط ، والسمع والبصر يرجع إلى ذلك أيضا ، وأنكر الرؤية وقال : إذا قلنا أنه يرى المرئيات فإنما ذلك يرجع إلى علمه بها وتمييزها قبل أن يوجد.

والثامنة عشر الجبائية : أتباع أبي عليّ محمد بن عبد الوهاب الجبائيّ ، من معتزلة البصرة ، تفرّد بمقالات منها. أنّ الله تعالى يسمى مطيعا للعبد إذا فعل ما أراد العبد منه ، وأن الله محبل للنساء بخلق الولد فيهنّ ، وأن كلام الله عرض يوجد في أمكنة كثيرة ، وفي مكان بعد مكان من غير أن يعدم من مكانه الأوّل ، ثم يحدث في الثاني وكان يقف في فضل عليّ على أبي بكر ، وفضل أبي بكر على عليّ ، ومع ذلك يقول إنّ أبا بكر خير من عمر وعثمان ، ولا يقول أن عليا خير من عمر وعثمان.

والتاسعة عشرة البهشمية : أتباع أبي هاشم عبد السلام بن أبي عليّ الجبائي ، انفرد ببدع في مقالاته ، منها القول باستحقاق الذم من غير ذنب ، وزعم أن القادر منا يجوز أن يخلو عن الفعل والترك ، وأن القادر المأمور المنهيّ إذا لم يفعل فعلا ولا ترك يكون عاصيا

١٧٤

مستحق العقاب والذم ، لا على الفعل لأنه لم يفعل ما أمر به ، وأن الله يعذب الكافرين والعصاة لا على فعل مكتسب ، ولا على محدث منه. وقال : التوبة لا تصح من قبيح مع الإصرار على قبيح آخر يعلمه أو يعتقده قبيحا ، وإن كان حسنا ، وأنّ التوبة لا تصح مع الإصرار على منع حسنة واجبة عليه ، وأن توبة الزاني بعد ضعفه عن الجماع لا تصح ، وزعم أن الطهارة غير واجبة ، وإنما أمر العبد بالصلاة في حال كونه متطهرا وأن الطهارة تجزيء بالماء المغصوب ، ولا تجزيء الصلاة في الأرض المغصوبة ، وزعم أن الزنج والترك والهنود قادرون على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، وقال أبو عليّ وابنه أبو هاشم : الإيمان هو الطاعات المفروضة.

والفرقة العشرون من المعتزلة الشيطانية : أتباع محمد بن نعمان المعروف بشيطان الطاق ، وهو من الروافض ، شارك كلّا من المعتزلة والروافض في بدعهم ، وقلما يوجد معتزليّ إلّا وهو رافضيّ ، إلّا قليلا منهم ، انفرد بطامّة ، وهي أنّ الله لا يعلم الشيء إلّا قدّره وأراده ، وأما قبل تقديره فيستحيل أن يعلّمه ، ولو كان عالما بأفعال عباده لاستحال أن يمتحنهم ويختبرهم ، وللمعتزلة إسام منها الثنوية ، سموا بذلك لقولهم الخير من الله والشرّ من العبد ، ومنهم الكيسانية ، والناكتية ، والأحمدية ، والوهمية ، والبترية والواسطية ، والواردية. سموا بذلك لقولهم لا يدخل المؤمنون النار ، وإنما يردون عليها. ومن أدخل النار لا يخرج منها قط ، ومنهم الحرقية. لقولهم الكفار لا تحرق إلّا مرّة ، والمفنية القائلون بفناء الجنة والنار. والواقفية القائلون بالوقف في خلق القرآن. ومنهم اللفظية القائلون ألفاظ القرآن غير مخلوقة. والملتزقة القائلون الله بكل مكان. والقبرية القائلون بإنكار عذاب القبر.

الفرقة الثانية المشبهة : وهم يغلون في إثبات صفات الله تعالى ضدّ المعتزلة ، وهم سبع فرق: الهاشمية : أتباع هشام بن الحكم ، ويقال لهم أيضا الحكمية ، ومن قولهم الإله تعالى كنور السبكية الصافية يتلألأ من جوانبه ، ويرمون مقاتل بن سليمان بأنه قال : هو لحم ودم على صورة الإنسان ، وهو طويل عريض عميق ، وأن طوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه ، وهو ذو لون وطعم ورائحة ، وهو سبعة أشبار يشبر نفسه ، ولم يصح هذا القول عن مقاتل.

والجولقية : أتباع هشام بن سالم الجوالقيّ ، وهو من الرافضة أيضا ، ومن شنيع قوله أن الله تعالى على صورة الإنسان ، نصفه الأعلى موف ونصفه الأسفل مصمت ، وله شعر أسود ، وليس بلحم ودم ، بل هو نور ساطع ، وله خمس حواس كحواس الإنسان ، ويد ورجل وفم وعيون وأذن وشعر أسود لا الفرج واللحية.

والبيانية : أتباع بيان بن سمعان القائل هو على صورة الإنسان ، ويهلك كله إلّا وجهه ، لظاهر الآية كلّ شيء هالك إلّا وجهه.

١٧٥

والمغيرية أتباع مغيرة بن سعيد العجليّ ، وهو أيضا من الروافض ، ومن شنائعه قوله أن أعضاء معبودهم على صورة حروف الهجاء ، فالألف على صورة قدميه ، وزعم أنه رجل من نور على رأسه تاج من نور ، وزعم أن الله كتب بإصبعه أعمال العباد من طاعة ومعصية ، ونظر فيهما وغضب من معاصيهم فعرق ، فاجتمع من عرقه بحران عذب ومالح ، وزعم أنه بكلّ مكان ، لا يخلو عنه مكان. والمنهالية أصحاب منهال بن ميمون. والزرارية أتباع زرارة بن أعين.

واليونسية أتباع يونس بن عبد الرحمن القميّ ، وكلهم من الروافض ، وسيأتي ذكرهم إن شاء الله تعالى ، ومنهم أيضا السابية والشاكية والعملية والمستثنية والبدعية والعشرية والأتربة ، ومنهم الكرّامية أتباع محمد بن كرّام السجستانيّ وهم طوائف الهيضمية والإسحاقية والجندية وغير ذلك ، إلا أنهم يعدّون فرقة واحدة ، لأنّ بعضهم لا يكفر بعضا وكلهم مجسمة ، إلّا أن فيهم من قال : هو قائم بنفسه ، ومنهم من قال هو أجزاء مؤتلفة ، وله جهات ونهايات ، ومن قول الكرّامية أن الإيمان هو قول مفرد ، وهو قول لا إله إلّا الله ، وسواء اعتقد أو لا ، وزعموا أن الله جسم وله حدّ ونهاية من جهة السفل ، وتجوز عليه ملاقاة الأجسام التي تحته ، وإنه على العرش والعرش مماس له ، وأنه محل الحوادث من القول والإرادة والإدراكات والمرئيات والمسموعات ، وأن الله لو علم أحدا من عباده لا يؤمن به ، لكان خلقه إياهم عبثا ، وأنه يجوز أن يعزل نبيا من الأنبياء والرسل ، ويجوز عندهم على الأنبياء كل ذنب لا يوجب حدّا ولا يسقط عدالة ، وأنه يجب على الله تعالى تواتر الرسل ، وأنه يجوز أن يكون إمامان في وقت واحد ، وأن عليا ومعاوية كانا إمامين في وقت واحد ، إلّا أن عليا كان على السنة ومعاوية على خلافها ، وانفرد ابن كرّام في الفقه بأشياء منها أنّ المسافر يكفيه من صلاة الخوف تكبيرتان ، وأجاز الصلاة في ثوب مستغرق في النجاسة ، وزعم أن الصلاة والصوم والزكاة والحج وسائر العبادات تصح بغير نية ، وتكفي نية الإسلام ، وأن النية تجب في النوافل ، وأنه يجوز الخروج من الصلاة بالأكل والشرب والجماع عمدا ، ثم البناء عليها ، وزعم بعض الكرّامية أن لله علمين أحدهما يعلم به جميع المعلومات والآخر يعلم به العلم الأوّل.

الفرقة الثالثة القدرية : الغلاة في إثبات القدرة للعبد في إثبات الخلق والإيجاد ، وأنه لا يحتاج في ذلك إلى معاونة من جهة الله تعالى.

الفرقة الرابعة المجبرة : الغلاة في نفي استطاعة العبد قبل الفعل وبعده ومعه ، ونفي الاختيار له ، ونفي الكسب ، وهاتان الفرقتان متضادّتان ، ثم افترقت المجبرة على ثلاث فرق.

الجهمية أتباع جهم بن صفوان الترمذيّ مولى راسب ، وقتل في آخر دولة بني أميّة ،

١٧٦

وهو ينفي الصفات الإلهية كلها ويقول لا يجوز أن يوصف الباري تعالى بصفة يوصف بها خلقه ، وأن الإنسان لا يقدر على شيء ، ولا يوصف بالقدرة ولا الاستطاعة ، وأن الجنة والنار يفنيان وتنقطع حركات أهلهما ، وأن من عرف الله ولم ينطق بالإيمان لم يكفر ، لأن العلم لا يزول بالصمت ، وهو مؤمن مع ذلك. وقد كفّره المعتزلة في نفي الاستطاعة ، وكفّره أهل السنة بنفي الصفات وخلق القرآن ، ونفي الرؤية ، وانفرد بجواز الخروج على السلطان الجائر ، وزعم أن علم الله حادث لا بصفة يوصف بها غيره. والبكرية : أتباع بكر ابن أخت عبد الواحد ، وهو يوافق النظّام في أن الإنسان هو الروح ، ويزعم أن الباري تعالى يرى في القيامة في صورة يخلقها ويكلم الناس منها ، وأن صاحب الكبيرة منافق في الدرك الأسفل من النار ، وحاله أسوأ من حال الكافر ، وحرّم أكل الثوم والبصل ، وأوجب الوضوء من قرقرة البطن.

والضرارية : أتباع ضرار بن عمر ، وانفرد بأشياء منها أن الله تعالى يرى في القيامة بحاسة زائدة سادسة ، وأنكر قراءة ابن مسعود ، وشك في دين عامّة المسلمين ، وقال لعلهم كفار ، وزعم أن الجسم أعراض مجتمعة ، كما قالت النجارية ، ومن جملة المجبرة. البطيخية : أتباع إسماعيل البطيخيّ. والصباحية : أتباع أبي صباح بن معمر. والفكرية ، والخوفية.

الفرقة الخامسة المرجئة : الإرجاء ، إمّا مشتق من الرجاء لأنّ المرجئة يرجون لأصحاب المعاصي الثواب من الله تعالى ، فيقولون لا يضرّ مع الإيمان معصية ، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة ، أو يكون مشتقا من الإرجاء وهو التأخير ، لأنهم أخروا حكم أصحاب الكبائر إلى الآخرة ، وحقيقة المرجئة أنهم الغلاة في إثبات الوعد والرجاء ، ونفي الوعيد والخوف عن المؤمنين ، وهم ثلاثة أصناف : صنف جمعوا بين الرجاء والقدر ، وهم غيلان وأبو شمر من بني حنيفة. وصنف جمعوا بين الإرجاء والجبر ، مثل جهم بن صفوان. وصنف قال بالأرجاء المحض ، وهم أربع فرق.

اليونسية أتباع يونس بن عمرو ، وهو غير يونس بن عبد الرحمن القميّ الرافضيّ ، زعم أن الإيمان معرفة الله والخضوع له والمحبة والإقرار بأنه واحد ليس كمثله شيء.

والغسانية : أتباع غسان بن أبان الكوفيّ المنكر نبوّة عيسى عليه‌السلام ، وتلمذ لمحمد بن الحسن الشيبانيّ ، ومذهبه في الإيمان كمذهب يونس إلّا أنه يقول كل خصلة من خصال الإيمان تسمى بعض الإيمان ، ويونس يقول كل خصلة ليست بإيمان ولا بعض إيمان ، وزعم غسان أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ، وعند أبي حنيفة رحمه‌الله الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان ، فلا يزيد ولا ينقص كقرص الشمس.

والثوبانية أتباع ثوبان المرجي. ثم الخارجيّ المعتزليّ ، وكان يقال له جامع النقائص ،

١٧٧

هاجر الخصائص ، ومن قوله الإيمان هو المعرفة والإقرار ، والإيمان فعل ما يجب في العقل فعله ، فأوجب الإيمان بالعقل قبل ورود الشرع ، وفارق الغسانية واليونسية في ذلك.

والتؤمنية : أتباع أبي معاذ التؤمنيّ الفيلسوف ، زعم أن من ترك فريضة لا يقال له فاسق على الإطلاق ، ولكن ترك الفريضة فسق ، وزعم أن هذه الخصال التي تكون جملتها إيمانا ، فواحدة ليست بإيمان ، ولا بعض إيمان ، وأن من قتل نبيا كفر لا لأجل القتل بل لاستخفافه به وبغضه له.

ومن فرق المرجئة ، المريسية : أتباع بشر بن غياث المريسيّ ، كان عراقيّ المذهب في الفقه ، تلميذ للقاضي أبي يوسف يعقوب الحضرميّ ، وقال بنفي الصفات وخلق القرآن ، فأكفرته الصفاتية بذلك ، وزعم أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ، ولا استطاعة مع الفعل ، فأكفرته المعتزلة بذلك. وزعم أن الإيمان هو التصديق بالقلب ، وهو مذهب ابن الربوبدي ، ولما ناظره الشافعيّ في مسألة خلق القرآن ونفي الصفات قال له : نصفك كافر لقولك بخلق القرآن. ونفي الصفات ، ونصفك مؤمن لقولك بالقضاء والقدر وخلق اكتساب العباد. وبشر معدود من المعتزلة لنفيه الصفات وقوله بخلق القرآن.

ومن فرق المرجئة الصالحية ، أتباع صالح بن عمرو بن صالح والجحدرية أتباع جحدر بن محمد التميميّ والزيادية أتباع محمد بن زياد الكوفيّ والشبيبية أتباع محمد بن شبيب والنقاضية والبهشمية. ومن المرجئة جماعة من الأئمة ، كسعيد بن جبير ، وطلق بن حبيب ، وعمرو بن مرّة ، ومحارب بن دثار ، وعمرو بن ذر ، وحماد بن سليمان ، وأبي مقاتل. وخالفوا القدرية والخوارج والمرجئة في أنهم لم يكفروا بالكبائر ، ولا حكموا بتخليد مرتكبها في النار ، ولا سبوا أحدا من الصحابة ، ولا وقعوا فيهم.

وأوّل من وضع الإرجاء أبو محمد الحسن بن محمد المعروف بابن الحنفية بن عليّ بن أبي طالب ، وتكلم فيه وصارت المرجئة بعده أربعة أنواع : الأوّل مرجئة الخوارج ، الثاني مرجئة القدرية ، الثالث مرجئة الجبرية ، الرابع مرجئة الصالحية. وكان الحسن بن محمد ابن الحنفية يكتب كتبه إلى الأمصار يدعو إلى الإرجاء ، إلّا أنه لم يؤخر العمل عن الإيمان كما قال بعضهم ، بل قال أداء الطاعات وترك المعاصي ليس من الإيمان ، لا يزول بزوالها. وقال ابن قتيبة أوّل من وضع الإرجاء بالبصرة حسان بن بلال بن الحارث المزنيّ ، وذكر بعضهم أن أوّل من وضع الإرجاء أبا سلت السمان ، ومات سنة اثنتين وخمسين ومائة.

الفرقة السادسة الحرورية : الغلاة في إثبات الوعيد والخوف على المؤمنين ، والتخليد في النار مع وجود الإيمان ، وهم قوم من النواصب الخوارج ، وهم مضادّون المرجئة في النفي والإثبات والوعد والوعيد ، ومن مفرداتهم أن من ارتكب كبيرة فهو مشرك ، ومذهب عامّة الخوارج أنه كافر وليس بمشرك. وقال بعضهم هو منافق في الدرك الأسفل من النار ،

١٧٨

فعند الحرورية أن الاسم يتغير بارتكاب الكبيرة الواحدة فلا يسمى مؤمنا بل كافرا مشركا ، والحكم فيه أنه يخلد في النار ، واتفقوا على أن الإيمان هو اجتناب كل معصية ، وقيل لهم الحرورية لأنهم خرجوا إلى حروراء لقتال عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، وعدّتهم اثنا عشر ألفا ، ثم سار عليّ رضي‌الله‌عنه إليهم وناظرهم ، ثم قاتلهم وهم أربعة آلاف ، فانضم إليهم جماعة حتى بلغوا اثني عشر ألفا.

الفرقة السابعة النجارية : أتباع الحسن بن محمد بن عبد الله النجار أبي عبد الله ، كان حائكا ، وقيل أنه كان يعمل الموازين ، وأنه كان من أهل قمّ ، كان من جملة المجبرة ومتكلميهم ، وله مع النظّام عدّة مناظرات منها أنه ناظرة مرّة فلما لم يلحن بحجته رفسه النظّام وقال له : قم أخزي الله من ينسبك إلى شيء من العلم والفهم ، فانصرف محموما واعتلّ حتى مات ، وهم أكثر معتزلة الريّ وجهاتها ، وهم يوافقون أهل السنة في مسألة القضاء والقدر ، واكتساب العباد ، وفي الوعد والوعيد ، وإمامة أبي بكر رضي‌الله‌عنه ، ويوافقون المعتزلة في نفي الصفات وخلق القرآن ، وفي الرؤية ، وهم ثلاث فرق البرغوثية والزعفرانية والمستدركة.

الفرقة الثامنة الجهمية : أتباع جهم بن صفوان ، وهم يوافقون أهل السنة في مسألة القضاء والقدر مع ميل إلى الجبر ، وينفون الصفات والرؤية ، ويقولون بخلق القرآن ، وهم فرقة عظيمة وعدادهم في المعطلة المجبرة.

الفرقة التاسعة الروافض : الغلاة في حب عليّ بن أبي طالب ، وبغض أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة ومعاوية في آخرين من الصحابة رضي‌الله‌عنهم أجمعين ، وسموا رافضة لأنّ زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهم ، امتنع من لعن أبي بكر وعمر رضي‌الله‌عنهما ، وقال : هما وزيرا جدّي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فرفضوا رأيه ، ومنهم من قال لأنهم رفضوا رأي الصحابة رضي‌الله‌عنهم ، حيث بايعوا أبا بكر وعمر رضي‌الله‌عنهما. وقد اختلف الناس في الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فذهب الجمهور إلى أنه أبو بكر الصدّيق رضي‌الله‌عنه ، وقال العباسية والربوبدية أتباع أبي هريرة الربوبديّ ، وقيل أتباع أبي العباس الربوبديّ ، هو العباس بن عبد المطلب رضي‌الله‌عنه ، لأنه العمّ والوارث ، فهو أحق من ابن العمّ. وقال العثمانية وبنو أمية هو عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ، وذهب آخرون إلى غير ذلك. وقال الرافضة هو عليّ بن أبي طالب ، ثم اختلفوا في الإمامة اختلافا كثيرا ، حتى بلغت فرقهم ثلاثمائة فرقة ، والمشهور منها عشرون فرقة.

الزيدية والصباحية أقرّوا إمامة أبي بكر رضي‌الله‌عنه ، ورأوا أنه لا نص في إمامة عليّ رضي‌الله‌عنه ، واختلفوا في إمامة عثمان رضي‌الله‌عنه ، فأنكرها بعضهم وأقرّ بعضهم أنه الإمام بعد عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، لكن قالوا عليّ أفضل من أبي بكر ، وإمامة

١٧٩

المفضول جائزة ، وقال الغلاة هو عليّ بالنص ، ثم الحسن وبعده الحسين ، وصار بعد الحسين الأمر شورى. وقال بعضهم لم يرد النص إلّا بإمامة عليّ فقط ، وقال آخرون نص على عليّ بالوصف لا بالعين والاسم. وقال بعضهم قد جاء النص على إمامة اثني عشر آخرهم المهديّ المنتظر.

وفرقهم العشرون هي : الإمامية : وهم مختلفون في الإمامة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فزعم أكثرهم أن الإمامة في عليّ بن أبي طالب وأولاده بنص النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأن الصحابة كلهم قد ارتدّوا إلّا عليا وابنيه الحسن والحسين وأبا ذر الغفاريّ وسلمان الفارسيّ وطائفة يسيرة. وأوّل من تكلم في مذهب الإمامية عليّ بن إسماعيل بن هيثم التمار ، وكان من أصحاب عليّ بن أبي طالب ، وذهبت القطعية منهم إلى أن الإمامة في عليّ ، ثم في الحسن ، ثم في الحسين ، ثم في عليّ بن الحسين ، ثم في محمد بن عليّ ، ثم في جعفر بن محمد ، ثم في موسى بن جعفر ، ثم في عليّ بن موسى. وقطعوا الإمامة عليه فسموا القطعية لذلك ، ولم يكتبوا إمامة محمد بن موسى ، ولا إمامة الحسن بن محمد بن عليّ بن موسى ، وقالت الناووسية جعفر بن محمد لم يمت وهو حيّ ينتظر ، وقالت المباركية أتباع مبارك الإمام بعد جعفر بن محمد ابنه إسماعيل بن جعفر ، ثم محمد بن إسماعيل. وقالت الشميطية أتباع يحيى بن شميط الأحمسيّ ، كان مع المختار قائدا من قوّاده ، فأنفذه أميرا على جيش البصرة يقاتل مصعب بن الزبير ، فقتل بالمدار : الإمامة بعد جعفر في ابنه محمد وأولاده ، وقالت المعمرية أتباع معمر : الإمامة بعد جعفر في ابنه عبد الله بن جعفر وأولاده. ويقال لهم الفطحية ، لأنّ عبد الله بن جعفر كان أفطح الرجلين. وقالت الواقفية : الإمام بعد جعفر ابنه موسى بن جعفر وهو حيّ لم يمت ، وهو الإمام المنتظر ، وسموا الواقفية لوقوفهم على إمامة موسى. وقالت الزرارية أتباع زرارة بن أعين الإمام : بعد جعفر ابنه عبد الله ، إلّا أنّه سأله عن مسائل فلم يمكنه الجواب عنها فادّعى إمامة موسى بن جعفر من بعد أبيه. وقالت المفضلية أتباع المفضل بن عمرو : الإمام بعد جعفر ابنه موسى ، وأنه مات فانتقلت الإمامة إلى ابنه محمد بن موسى. وقالت المفوّضة من الإمامية : إن الله تعالى خلق محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفوّض إليه خلق العالم وتدبيره. وقال بعضهم بل فوّض ذلك إلى عليّ بن أبي طالب.

والفرقة الثانية من فرق الروافض : الكيسانية ، أتباع كيسان مولى عليّ بن أبي طالب ، وأخذ عن محمد ابن الحنفية ، وقيل بل كيسان اسم المختار بن عبيد الثقفيّ الذي قام لأخذ ثأر الحسين رضي‌الله‌عنه. زعموا أن الإمام بعد عليّ ابنه محمد ابن الحنفية ، لأنه أعطاه الراية يوم الجمل ، ولأنّ الحسين أوصى إليه عند خروجه إلى الكوفة ، ثم اختلفوا في الإمام بعد ابن الحنفية ، فقال بعضهم رجع الأمر بعده إلى أولاد الحسن والحسين ، وقيل بل انتقل إلى أبي هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية ، وقالت الكربية أتباع أبي كرب بأن ابن الحنفية حيّ لم يمت ، وهو الإمام المنتظر. ومن قول الكيسانية أن البدا جائز على الله ، وهو كفر صريح.

١٨٠