كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٤

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٤

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦١

ودركوس وتلميش وكفر دين ورعبان ومرزبان وكينوك وأدنة والمصيصة.

وصار إليه من البلاد التي كانت مع المسلمين ، دمشق وبعلبك وعجلون وبصرى وصرخد والصلت وحمص وتدمر والرحبة وتل ناشر وصهيون وبلاطيس وقلعة الكهف والقدموس والعليقة والخوابى والرصافة ومصياف والقليعة والكرك والشوبك.

وفتح بلاد النوبة وبرقة وعمر الحرم النبويّ ، وقبة الصخرة ببيت المقدس ، وزاد في أوقاف الخليل عليه‌السلام ، وعمر قناطر شبرامنت بالجيزية ، وسور الإسكندرية ، ومنار رشيد ، وردم فم بحر دمياط ، ووعر طريقه ، وعمر الشواني وعمر قلعة دمشق وقلعة الصبيبة ، وقلعة بعلبك ، وقلعة الصلت ، وقلعة صرخد ، وقلعة عجلون ، وقلعة بصرى ، وقلعة شيزر وقلعة حمص ، وعمر المدرسة بين القصرين بالقاهرة ، والجامع الكبير بالحسينية خارج القاهرة ، وحفر خليج الإسكندرية القديم ، وباشره بنفسه ، وعمر هناك قرية سماها الظاهرية ، وحفر بحر أشموم طناح على يد الأمير بلبان الرشيديّ ، وجدّد الجامع الأزهر بالقاهرة ، وأعاد إليه الخطبة ، وعمر بلد السعيدية من الشرقية بديار مصر ، وعمر القصر الأبلق بدمشق وغير ذلك.

ولما مات كتم موته الأمير بدر الدين بيلبك الخازندار عن العسكر ، وجعله في تابوت وعلقه ببيت من قلعة دمشق ، وأظهر أنه مريض ، ورتب الأطباء يحضرون على العادة ، وأخذ العساكر والخزائن ومعه محفة محمولة في الموكب محترمة ، وأوهم الناس أن السلطان فيها وهو مريض ، فلم يجسر أحد أن يتفوّه بموت السلطان ، وسار إلى أن وصل إلى قلعة الجبل بمصر وأشيع موته رحمه‌الله تعالى.

جامع ابن اللبان

هذا الجامع بجسر الشعيبية المعروف بجسر الأفرم ، عمره الأمير عز الدين أيبك الأفرم في سنة ثلاث وتسعين وستمائة. قال ابن المتوّج : وكان سبب عمارته أنه لما كثرت الخلائق في خطة هذا الجامع ، قصد الأفرم أن يجعل خطبة في المسجد المعروف بمسجد الجلالة الذي ببركة الشقاف ظاهر سور الفسطاط المستجدّ ، وأن يزيد فيه ويعمره كما يختار ، فمنعه الفقيه مؤتمن الدين الحارث بن مسكين وردّه عن غرضه ، فحسن له الصاحب تاج الدين محمد بن الصاحب فخر الدين محمد بن الصاحب بهاء الدين عليّ بن حنا عمارة هذا الجامع في هذه البقعة ، لقربه منه فعمره في شعبان سنة ثلاث وتسعين وستمائة ، لكنه هدم بسببه عدّة مساجد ، وعرف هذا الجامع في زمننا هذا بالشيخ محمد بن اللبان الشافعيّ ، لإقامته فيه ، وأدركناه عامرا ، وقد انقطعت منه في هذه المحن إقامة الجمعة والجماعة لخراب ما حوله وبعد البحر عنه.

١٠١

الجامع الطيبرسيّ

هذا الجامع عمره الأمير علاء الدين طيبرس الخازندار نقيب الجيوش ، بشاطئ النيل في أرض بستان الخشاب ، وعمر بجواره خانقاه في جمادى الأولى سنة سبع وسبعمائة ، وكان من أحسن منتزهات مصر وأعمرها ، وقد خرب ما حوله من الحوادث والمحن التي بعد سنة ست وثمانمائة ، بعد ما كانت العمارة منه متصلة إلى الجامع الجديد بمصر ، ومنه إلى الجامع الخطيريّ ببولاق ، ويركب الناس المراكب للفرجة من هذا الجامع إلى الجامعين المذكورين ، مصعدين ومنحدرين في النيل ، ويجتمع بهذا الجامع الناس للنزهة ، فتمرّ به أوقات ومسرّات لا يمكن وصفها ، وقد خرب هذا الجامع وأقفر من المساكين ، وصار مخوفا بعد ما كان ملهى وملعبا ، سنة الله في الذين خلوا من قبل ، ولطيبرس هذا المدرسة الطيبرسية بجوار الجامع الأزهر من القاهرة.

الجامع الجديد الناصريّ

هذا الجامع بشاطئ النيل من ساحل مصر الجديد ، عمره القاضي فخر الدين محمد بن فضل الله ناظر الجيش باسم السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون ، وكان الشروع فيه يوم التاسع من المحرّم سنة إحدى عشرة وسبعمائة ، وانتهت عمارته في ثامن صفر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة ، وأقيم في خطابته قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الشافعيّ ، ورتب في إمامته الفقيه تاج الدين بن مرهف ، فأوّل ما صلّى فيه صلاة الظهر من يوم الخميس ثامن صفر المذكور ، وأقيمت فيه الجمعة يوم الجمعة تاسع صفر ، وخطب عن قاضي القضاة بدر الدين ابنه جمال الدين ، ولهذا الجامع أربعة أبواب ، وفيه مائة وسبعة وثلاثون عمودا ، منها عشرة من صوّان في غاية السمك والطول ، وجملة ذرعه أحد عشر ألف ذراع وخمسمائة ذراع بذراع العمل ، من ذلك طوله من قبليه إلى بحريه مائة وعشرون ذراعا ، وعرضه من شرقيه إلى غربيه مائة ذراع ، وفيه ستة عشر شباكا من حديد ، وهو يشرف من قبليه على بستان العالمة ، وينظر من بحريه بحر النيل ، وكان موضع هذا الجامع في القديم غامرا بماء النيل ، ثم انحسر عنه النيل وصار رملة في زمن الملك الصالح نجم الدين أيوب ، يمرّغ الناس فيها دوابهم أيام احتراق النيل ، فلما عمر الملك الصالح قلعة الروضة وحفر البحر ، طرح الرمل في هذا الموضع ، فشرع الناس في العمارة على الساحل ، وكان موضع هذا الجامع شونة ، وقد ذكر خبر ذلك عند ذكر الساحل الجديد بمصر فانظره ، وما برح هذا الجامع من أحسن منتزهات مصر إلى أن خرب ما حوله ، وفيه إلى الآن بقية وهو عامر.

محمد بن قلاون : السلطان الملك الناصر أبو الفتح ناصر الدين بن الملك المنصور ،

١٠٢

كان يلقب بحرفوش ، وأمّه أشلون ابنة شنكاي ، ولد يوم السبت النصف من المحرّم سنة أربع وثمانين وستمائة بقلعة الجبل من ديار مصر ، وولى الملك ثلاث مرّات ، الأولى بعد مقتل أخيه الملك الأشرف خليل بن قلاون في رابع عشر المحرّم سنة ثلاث وتسعين وستمائة ، وعمره تسع سنين ، تنقص يوما واحدا ، فأقام في الملك سنة إلّا ثلاثة أيام وخلع بمملوك أبيه كتبغا المنصوريّ ، يوم الأربعاء حادي عشر المحرّم سنة أربع وتسعين وستمائة ، وأعيد إلى المملكة ثانيا بعد قتل الملك المنصور لاجين يوم الاثنين سادس جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وستمائة ، فأقام عشر سنين وخمسة أشهر وستة عشر يوما ، وعزل نفسه وسار إلى الكرك ، فولي الملك من بعده الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير ، وتلقب بالملك المظفر في يوم السبت ثالث عشري شوّال سنة ثمان وسبعمائة ، ثم حضر من الكرك إلى الشام وجمع العساكر ، فخامر على بيبرس معظم جيش مصر ، وانحل أمره فترك الملك في يوم الثلاثاء سادس عشر شهر رمضان سنة تسع وسبعمائة ، وطلع الملك الناصر إلى قلعة الجبل يوم عيد الفطر من السنة المذكورة ، واستولى على ممالك مصر والشام والحجاز ، فأقام في الملك من غير منازع له فيه إلى أن مات بقلعة الجبل في ليلة الخميس الحادي والعشرين من ذي الحجة ، سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، وعمره سبع وخمسون سنة وأحد عشر شهرا وخمسة أيام ، وله في ولايته الثالثة مدّة اثنتين وثلاثين سنة وشهرين وعشرين يوما ، وجملة إقامته في الملك عن المدد الثلاث ثلاث وأربعون سنة وثمانية أشهر وتسعة أيام.

ولما مات ترك ليلته ومن الغد حتى تمّ الأمر لابنه أبي بكر المنصور في يوم الخميس المذكور ، ثم أخذ في جهازه فوضع في محفة بعد العشاء الآخرة بساعة وحمل على بغلين وأنزل من القلعة إلى الإصطبل السلطانيّ ، وسار به الأمير ركن الدين بيبرس الأحمديّ أمير جاندار ، والأمير نجم الدين أيوب والي القاهرة ، والأمير قطلوبغا الذهبيّ ، وعلم دار خوطا جار الدوادار وعبروا به إلى القاهرة من باب النصر ، وقد غلقت الحوانيت كلها ومنع الناس من الوقوف للنظر إليه ، وقدّام المحفة شمعة واحدة في يد علمدار ، فلما دخلوا به من باب النصر كان قدامه مسرجة في يد شاب وشمعة واحدة ، وعبروا به المدرسة المنصورية بين القصرين ليدفن عند أبيه الملك المنصور قلاون ، وكان الأمير علم الدين سنجر الجاوليّ ناظر المارستان قد جلس ومعه القضاة الأربعة وشيخ الشيوخ ركن الدين شيخ خانقاه سرياقوس ، والشيخ ركن الدين عمر ابن الشيخ إبراهيم الجعبريّ ، فحطت المحفة وأخرج منها فوضع بجانب الفسقية التي بالقبة ، وأمر ابن أبي الظاهر مغسّل الأموات بتغسيله ، فقال : هذا ملك ولا أنفرد بتغسيله إلّا أن يقوم أحد منكم ويجرّده على الدكه ، فإني أخشى أن يقال كان معه فص أو خاتم أو في عنقه خرزة ، فقام قطلوبغا الذهبيّ وعلمدار وجرّداه مع الغاسل من ثيابه ، فكان على رأسه قبع أبيض من قطن ثيابه ، وعلى بدنه بغلطاق صدر أبيض وسراويل ، فنزعا وترك القميص عليه ، وغسل به ، ووجد في رجله الموجوعة بخشان

١٠٣

مفتوحان ، فغسل من فوق القميص وكفن في نصفية ، وعملت له أخرى طرّاحة ومخدّة ، ووضع في تابوت من خشب ، وصلّى عليه قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن محمد بن جماعة الشافعيّ بمن حضر ، وأنزل إلى قبر أبيه في سحلية من خشب قد ربطت بحبل ، ونزل معه إلى القبر الغاسل والأمير سنجر الجاوليّ ، ودفع إلى الغاسل ثلاثمائة درهم ، فباع ما نابه من الثياب بثلاثة عشر درهما سوى القبع ، فإنه فقد ، وذكر الغاسل أنه كان محنكا بخرقة معقدة بثلاث عقد ، فسبحان من لا يحول ولا يزول ، هذا ملك أعظم المعمور من الأرض ، مات غريبا وغسل طريحا ودفن وحيدا ، إن في ذلك لعبرة لأولي الألباب.

وفي ليلة السبت : قرأ القرّاء عند القبر بالقبة القرآن ، وحضر بعض الأمراء ، وترك من الأولاد اثني عشر ولدا ذكرا ، وهم : أحمد ، وهو أسنهم وكان بالكرك ، وأبو بكر وتسلطن من بعده ، وشقيقه رمضان ، ويوسف ، وإسماعيل ، وتسلطن أيضا ، وشعبان وتسلطن ، وحسين ، وكجك وتسلطن ، وأمير حاج ، وحسن ويدعى قماري وتسلطن ، وصالح وتسلطن ، ومحمد. وترك من البنات ثمانيا متزوّجات سوى من خلف من الصغار ، وخلف من الزوجات جاريته طغاي ، وإمّة الأمير تنكز نائب الشام. ومات وليس له نائب بديار مصر ولا وزير ولا حاجب متصرّف ، سوى أن برسبغا الحاجب تحكم في متعلقات أمور الإقطاعات ، وليس معه عصا الحجوبية ، وبدر الدين بكتاش نقيب الجيوش ، وأقبغا عبد الواحد أستادار السلطان ومقدّم المماليك ، وبيبرس الأحمديّ أمير جاندار ، ونجم الدين أيوب والي القاهرة ، وجمال الدين حمال الكفاه ناظر الجيوش ، والموفق ناظر الدولة ، وصارم الدين أزبك شادّ الدواوين ، وعز الدين عبد العزيز بن جماعة قاضي القضاة بديار مصر ، ونائب دمشق الأمير ألطنبغا ، ونائب ... (١) الأمير طشتمر حمص أخضر ، ونائب طرابلس الحاج أرقطاي ، ونائب صفد الأمير أصلم ، ونائب غزة الأميراق سنقر السلاريّ ، وصاحب حماه الملك الأفضل ناصر الدين محمد بن المؤيد إسماعيل.

والأمراء مقدّموا الألوف بديار مصر يوم وفاته خمسة وعشرون أميرا. وهم : بدر الدين جنكلي بن البابا ، والحاج آل ملك ، وبيبرس الأحمديّ ، وعلم الدين سنجر الجاوليّ ، وسيف الدين كوكاي ، ونجم الدين محمود وزير بغداد ، هؤلاء برّانية كبار ، والباقي مماليكه وخواصه وهم : ولده الأمير أبو بكر ، والأمير قوصون ، والأمير بشتاك ، وطقزدمر ، وأقبغا عبد الواحد الأستادار ، وأيدغمش أميراخور ، وقطلوبغا الفخريّ ، ويلبغا اليحياويّ ، وملكتمر الحجازيّ ، وألطنبغا الماردانيّ ، وبهادر الناصريّ ، وآق سنقر الناصريّ ، وقماري الكبير ، وقماري أمير شكار ، وطرغاي ، وأرتبغا أمير جاندار ، وبرسيغا الحاجب ، وبلدغي ابن العجوز أمير سلاح ، وبيغرا.

__________________

(١) بياض في الأصل.

١٠٤

وكان السلطان أبيض اللون قد وخطه الشيب ، وفي عينيه حول ، وبرجله اليمنى ريح شوكة تنغص عليه أحيانا وتؤلمه ، وكان لا يكاد يمس بها الأرض ولا يمشي إلّا متكئا على أحدا ومتوكئا على شيء ، ولا يصل إلى الأرض إلّا أطراف أصابعه ، وكان شديد البأس جيد الرأي ، يتولى الأمور بنفسه ، ويجود لخواصه ، وكان مهابا عند أهل مملكته ، بحيث أنّ الأمراء إذا كانوا عنده بالخدمة لا يجسر أحد أن يكلم آخر كلمة واحدة ، ولا يلتفت بعضهم إلى بعض خوفا منه ، ولا يمكن واحدا منهم أن يذهب إلى بيت أحد البتة ، لا في وليمة ولا غيرها ، فإن فعل أحد منهم شيئا من ذلك قبض عليه وأخرجه من يومه منفيا ، وكان مسدّدا عارفا بأمور رعيته وأحوال مملكته ، وأبطل نيابة السلطنة من ديار مصر من سنة سبع وعشرين وسبعمائة ، وأبطل الوزارة وصار يتحدّث بنفسه في الجليل من الأمور والحقير ، ويستجلب خاطر كل أحد من صغير وكبير لا سيما حواشيه ، فلذلك عظمت حاشية المملكة وأتباع السلطنة وتخوّلوا في النعم الجزيلة ، حتى الخولة والكلابزية والأسرى من الأرمن والفرنج ، وأعطى البازدارية الأخباز في الحلقة ، فمنهم من كان إقطاعه الألف دينار في السنة ، وزوّج عدّة منهم بجواريه ، وأفنى خلقا كثيرا من الأمراء بلغ عددهم نحو المائتي أمير ، وكان إذا كبر أحد من أمرائه قبض عليه وسلبه نعمته ، وأقام بدله صغيرا من مماليكه إلى أن يكبر ، فيمسكه ويقيم غيره ، ليأمن بذلك شرّهم. وكان كثير التخيل حازما ، حتى أنه إذا تخيل من ابنه قتله ، وفي آخر أيامه شره في جمع المال ، فصادر كثيرا من الدواوين والولاة وغيرهم ، ورمى البضائع على التجار حتى خاف كل من له مال ، وكان مخادعا كثير الحيل ، لا يقف عند قول ولا يوف بعهد ولا يبرّ في يمين ، وكان محبا للعمارة ، وعمر عدّة أماكن منها : جامع قلعة الجبل ، وهدمه مرّتين ، وعمر القصر الأبلق بالقلعة ومعظم الأماكن التي بالقلعة ، وعمر المجرى الذي ينقل الماء عليه من بحر النيل إلى القلعة على السور ، وعمر الميدان تحت القلعة ومناظر الميدان على النيل ، وعمر قناطر السباع على الخليج ومناظر سرياقوس والخانقاه بسرياقوس ، وحفر الخليج الناصريّ بظاهر القاهرة ، وعمر الجامع الجديد على شاطيء النيل بظاهر مصر ، وجدّد جامع الفيلة الذي بالرصد ، والمدرسة الناصرية بين القصرين من القاهرة ، وغير ذلك مما يرد في موضعه من هذا الكتاب ، وما زال يعمر منذ عاد إلى ولاية الملك في المرّة الثالثة إلى أن مات ، وبلغ مصروف العمارة في كل يوم من أيامه سبعة آلاف درهم فضة ، عنها ثلاثمائة وخمسون دينارا ، سوى من يسخره من المقيدين وغيرهم في عمل ما يعمره ، وحفر عدّة من الخلجانات والترع ، وأقام الجسور بالبلاد حتى أنه كان ينصرف من الأخباز على ذلك ربع متحصل الإقطاعات ، وحفر خليج الإسكندرية وبحر المحلة مرّتين ، وبحر اللبينيّ بالجيزة ، وعمل جسر شيبين ، وعمل جسر أحباس بالشرقية والقليوبية مدّة ثلاث سنين متوالية ، فلم ينجع ، فأنشأه بنيانا ، بالطوب والجير ، وأنفق فيه أموالا عظيمة ، وراك ديار مصر وبلاد الشام ، وعرض الجيش بعد حضوره في سنة

١٠٥

اثنتي عشرة وسبعمائة ، وقطع ثمانمائة من الجند ، ثم قطع في مرّة أخرى ثلاثة وأربعين جنديا في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، وقطع ثمانمائة من الجند ، ثم قطع في مرّة أخرى ثلاثة وأربعين جنديا في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، ثم قطع خمسة وستين أيضا في رمضان سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، قبل وفاته بشهرين.

وفتح من البلاد جزيرة أرواد في سنة اثنتين وسبعمائة ، وفتح ملطية في سنة خمس عشرة وسبعمائة ، وفتح أناس في ربيع الأوّل سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة وخرّبها ، ثم عمرها الأرمن فأرسل إليها جيشا فأخذها ومعها عدّة بلاد من بلاد الأرم في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة ، وأقام بها نائبا من أمراء حلب ، وعمر قلعة جعبر بعد أن دثرت ، وضربت السكة باسمه في شوّال سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، قبل موته تولى ذلك الشيخ حسن بن حسين بحضور الأمير شهاب الدين أحمد قريب السلطان ، وقد توجه من مصر بهذا السبب ، وخطب له أيضا في أرتنا ببلاد الروم ، وضربت السكة باسمه ، وكذلك بلاد ابن قرمان وجبال الأكراد وكثير من بلاد الشرق ، وكان من الذكاء المفرط على جانب عظيم ، يعرف مماليك أبيه ومماليك الأمراء بأسمائهم ووقائعهم ، وله معرفة تامّة بالخيل وقيمها مع الحشمة والسيادة ، لم يعرف عنه قط أنه شتم أحدا من خلق الله ولا سفه عليه ولا كلمه بكلمة سيئة ، وكان يدعو الأمراء أرباب الأشغال بألقابهم ، وكانت همته علية وسياسته جيدة وحرمته عظيمة إلى الغاية ، ومعرفته بمهادنة الملوك لا مرمى وراءها ، يبذل في ذلك من الأموال ما لا يوصف كثرة ، فكان كتّابه ينفذ أمره في سائر أقطار الأرض كلها ، وهو مع ما ذكرنا مؤيد في كلّ أموره مظفر في جميع أحواله مسعود في سائر حركاته ، ما عانده أحد أو أضمر له سوأ إلّا وندم على ذلك أو هلك ، واشتهر في حياته بديار مصر أنه إن وقعت قطرة من دمه على الأرض لا يطلع نيل مصر مدّة سبع سنين ، فمتعه الله من الدنيا بالسعادة العظيمة في المدّة الطويلة مع كثرة الطمأنينة والأمن وسعة الأموال ، واقتنى كلّ حسن ومستحسن من الخيل والغلمان والجواري ، وساعده الوقت في كلّ ما يحب ويختار إلى أن أتاه الموت.

الجامع بالمشهد النفيسيّ

قال ابن المتوّج : هذا الجامع أمر بإنشائه الملك الناصر محمد بن قلاون ، فعمر في شهور سنة أربع عشرة وسبعمائة ، وولى خطابته علاء الدين محمد بن نصر الله بن الجوهريّ شاهد الخزانة السلطانية ، وأوّل خطبته فيه يوم الجمعة ثامن صفر من السنة المذكورة ، وحضر أمير المؤمنين المستكفي بالله أبو الربيع سليمان وولده وابن عمه والأمير كهرداش متولي شدّ العمائر السلطانية ، وعمارة هذا الجامع ورواقاته والفسقية المستجدّة ، وقيل أن جميع المصروف على هذا الجامع من حاصل المشهد النفيسيّ ، وما يدخل إليه من النذور ومن الفتوح.

١٠٦

جامع الأمير حسين

هذا الجامع كان موضعه بستانا بجوار غيظ العدّة ، أنشأه الأمير حسين بن أبي بكر بن إسماعيل بن حيدر بك مشرف الروميّ ، قدم مع أبيه من بلاد الروم إلى ديار مصر في سنة خمس وسبعين وستمائة ، وتخصص بالأمير حسام الدين لاجين المنصوريّ ، قبل سلطنته ، فكانت له منه مكانة مكينة ، وصار أمير شكار ، وكان فيه برّ وله صدقة وعنده تفقد لأصحابه ، وأنشأ أيضا القنطرة المعروفة بقنطرة الأمير حسين على خليج القاهرة ، وفتح الخوخة في سور القاهرة بجوار الوزيرية ، وجرى عليه من أجل فتحها ما قد ذكر عند ذكرها في الخوخ من هذا الكاتب ، وتوفي في سابع المحرّم سنة تسع وعشرين وسبعمائة ، ودفن بهذا الجامع.

جامع الماس

هذا الجامع بالشارع خارج باب زويلة ، بناه الأمير سيف الدين الماس الحاجب ، وكمل في سنة ثلاثين وسبعمائة ، وكان الماس هذا أحد مماليك السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون ، فرقاه إلى أن صار من أكبر الأمراء ، ولما أخرج الأمير أرغون إلى نيابة حلب وبقي منصب النيابة شاغرا عظمت منزلة الماس ، وصار في منزلة النيابة ، إلّا أنه لم يسمّ بالنائب ، ويركب الأمراء الأكابر والأصاغر في خدمته ، ويجلس في باب القلة من قلعة الجبل في منزلة النائب ، والحجاب وقوف بين يديه ، وما برح على ذلك حتى توجه السلطان إلى الحجاز في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة ، فتركه في القلعة هو والأمير جمال الدين أقوش نائب الكرك ، والأمير أقبغا عبد الواحد ، والأمير طشتمر حمص أخضر ، هؤلاء الأربعة لا غير ، وبقية الأمراء إما معله في الحجاز ، وإما في إقطاعاتهم ، وأمرهم أن لا يدخلوا القاهرة حتى يحضر من الحجاز ، فلما قدم من الحجاز نقم عليه وأمسكه في صفر سنة أربع وثلاثين وسبعمائة ، وكان لغضب السلطان عليه أسباب منها ، أنه لما أقام في غيبة السلطان بالقلعة كان يراسل الأمير جمال الدين أقوش نائب الكرك ويوادده ، وبدت منه في مدّة الغيبة أمور فاحشة من معاشرة الشباب ومن كلام في حق السلطان ، فوشى به أقبغا ، وكان مع ذلك قد كثر ماله وزادت سعادته ، فهوى شابا من أبناء الحسينية يعرف بعمير ، وكان ينزل إليه ويجمع الاويراتية ويحضر الشباب ويشرب ، فحرّك ذلك عليه ما كان ساكنا. ويقال أن السلطان لما مات الأمير بكتمر الساقي وجد في تركته جزدان فيه جواب الماس إلى بكتمر الساقي ، انني حافظ القلعة إلى أن يرد عليّ منك ما أعتمده. فلما وقف السلطان على ذلك أمر النشو بن هلال الدولة وشاهد الخزانة بإيقاع الحوطة على موجوده ، فوجدا له ستمائة ألف درهم فضة ، ومائة ألف درهم فلوسا ، وأربعة آلاف دينار ذهبا ، وثلاثين حياصة ذهبا كاملة بكفتياتها وخلعها ، وجواهر وتحفا ، وأقام الماس عند أقبغا عبد الوحد ثلاثة أيام ، وقتل خنقا

١٠٧

بمحبسه في الثاني عشر من صفر سنة أربعة وثلاثين وسبعمائة ، وحمل من القلعة إلى جامعه فدفن به ، وأخذ جميع ما كان في داره من الرخام فقلع منها وكان رخاما فاخرا إلى الغاية ، وكان أسمر طوالا غتميا لا يفهم شيئا بالعربيّ ، ساذجا يجلس في بيته فوق لباد على ما اعتماده ، وبهذا الجامع رخام كثير نقله من جزائر البحر وبلاد الشام والروم.

جامع قوصون

هذا الجامع بالشارع خارج باب زويلة ، ابتدأ عمارته الأمير قوصون في سنة ثلاثين وسبعمائة ، وكان موضعه دارا بجوار حارة المصامدة من جانبها الغربيّ ، تعرف بدار أقوش نميله ، ثم عرفت بدار الأمير جمال الدين قتال السبع الموصليّ ، فأخذها من ولده وهدمها وتولى بناءه شادّ العمائر ، واستعمل فيه الأسرى ، كان قد حضر من بلاد توريز بناء فبنى مئذنتي هذا الجامع على مثالث المئذنة التي عملها خواجا علي شاه ، وزير السلطان أبي سعيد في جامعه بمدينة توريز ، وأوّل خطبة أقيمت فيه يوم الجمعة من شهر رمضان سنة ثلاثين وسبعمائة ، وخطب يومئذ قاضي القضاة جلال الدين القزوينيّ بحضور السلطان ، ولما انقضت صلاة الجمعة أركبه الملك الناصر بغلة بخلعة سنية ، ثم منعه السلطان الملك الناصر أن يستقرّ في خطابته ، فولى فخر الدين شكر.

قوصون : الأمير الكبير سيف الدين ، حضر من بلاد بركة إلى مصر صحبة خوند ابنة أزبك امرأة الملك الناصر محمد بن قلاون في ثالث عشري ربيع الآخر سنة عشرين وسبعمائة ، ومعه قليل عصيّ وطسما ونحو ذلك مما قيمته خمسمائة درهم ليتجر فيه ، فطاف بذلك في أسواق القاهرة وتحت القلعة وفي داخل قلعة الجبل ، فاتفق. في بعض الأيام أنه دخل إلى الإصطبل السلطانيّ ليبيع ما معه ، فأحبه بعض الأوشاقية وكان صبيا جميلا طويلا له من العمر ما يقارب الثماني عشرة سنة ، فصار يتردّد إلى الأوشاقيّ إلى أن رآه السلطان ، فوقع منه بموقع ، فسأل عنه فعرّف بأنه يحضر ليبيع ما معه ، وأن بعض الأوشاقية تولع به ، فأمر بإحضاره إليه وابتاع منه نفسه ليصير من جملة المماليك السلطانية ، فنزله من جملة السقاة وشغف به وأحبه حبا كثيرا ، فأسلمه للأمير بكتمر الساقي وجعله أمير عشرة ، ثم أعطاه أمرة طبلخاناه ، ثم جعله أمير مائة مقدّم ألف ، ورقاه حتى بلغه أعلى المراتب ، فأرسل إلى البلاد وأحضر إخوته ، سوسون وغيره من أقاربه ، وأمر الجميع واختص به السلطان ، بحيث لم ينل أحد عنده ما ناله ، وزوّجه بابنته ، وتزوّج السلطان أخته ، فلما احتضر السلطان جعله وصيا على أولاده ، وعهد لابنه أبي بكر فأقيم في الملك من بعده ، وأخذ قوصون في أسباب السلطنة ، وخلع أبا بكر المنصور بعد شهرين وأخرج إلى مدينة قوص ببلاد الصعيد ، ثم قتله ، وأقام كجك ابن السلطان وله من العمر خمس سنين ، ولقبه بالملك الأشرف ، وتقلد نيابة السلطنة بديار مصر ، فأمّر من حاشيته وأقاربه ستين أميرا ، وأكثر من العطاء وبذل

١٠٨

الأموال والأنعام ، فصار أمر الدولة كله بيده ، هذا وأحمد بن السلطان الملك الناصر مقيم بمدينة الكرك ، فخافه قوصون وأخذ في التدبير عليه فلم يتم له ما أراد من ذلك ، وحرّك على نفسه ما كان ساكنا ، فطلب أحمد الملك لنفسه وكاتب الأمراء والنوّاب بالمملكة الشامية والمصرية فأذعنوا إليه ، وكان بمصر من الأمراء الأمير أيدغمش والأمير آل ملك وقماري والماردانيّ وغيرهم ، فتخيل قوصون منهم وأخذ في أسباب القبض عليهم ، فعلموا بذلك وخافوا الفوت فركبوا لحربه وحصروه بقلعة الجبل حتى قبضوا عليه في ليلة الأربعاء آخر شهر رجب سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة ، ونهبت داره وسائر دور حواشيه وأسبابه ، وحمل إلى الاسكندرية صحبة الأمير قبلاي فقتل بها ، وكان كريما يفرّق في كل سنة للأضحية ألف رأس غنما ، وثلاثمائة بقرة ، ويفرّق ثلاثين حياصة ذهبا ، ويفرّق كلّ سنة عدّة أملاك فيها ما يبلغ ثمنه ثلاثين ألف درهم ، وله من الآثار بديار مصر سوى هذا الجامع الخانقاه بباب القرافة ، والجامع تجاهها ، وداره التي بالرميلة تحت القلعة تجاه باب السلسلة وحكر قوصون.

جامع الماردانيّ

هذا الجامع بجوار خط التبانة خارج باب زويلة ، كان مكانه أوّلا مقابر أهل القاهرة ، ثم عمر أماكن. فلما كان في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة ، أخذت الأماكن من أربابها وتولى شراءها النشو. فلم ينصف في أثمانها ، وهدمت وبني مكانها هذا الجامع ، فبلغ مصروفه زيادة على ثلاثمائة ألف درهم ، عنها نحو خمسة عشر ألف دينار ، سوى ما حمل إليه من الأخشاب والرخام وغيره من جهة السلطنة ، وأخذ ما كان في جامع راشدة من العمد فعملت فيه ، وجاء من أحسن الجوامع ، وأوّل خطبة أقيمت فيه يوم الجمعة رابع عشري رمضان سنة أربعين وسبعمائة ، وخطب فيه الشيخ ركن الدين عمر بن إبراهيم الجعبريّ ، ولم يتناول معلوما.

ألطنبغا الماردانيّ الساقي : أمّره الملك الناصر محمد بن قلاون ، وقدّمه وزوّجه ابنته ، فلما مات السلطان وتلوى بعده ابنه الملك المنصور أبو بكر ، ذكر أنه وشى بأمره إلى الأمير قوصون وقال : قد عزم على إمساكك. فتحيل قوصون وخلع أبا بكر وقتله بقوص ، هذا مع أن الطنبغا كان قد عظم عند المنصور أكثر مما كان عند أبيه ، فلما أقيم الأشرف كجك وماج الناس وحضر الأمير قطلوبغا من الشام وشغب الأمراء على قوصون ، كان ألطبغا أصل ذلك كله ، ثم نزل إلى الأمير أيدغمش أمير أخور واتفق معه على أن يقبض على قوصون ، وطلع إلى قوصون وشاغله وخذله عن الحركة طول الليل والأمراء الكبار المشايخ عنده ، وما زال يساهره حتى نام ، وكان من قيالم الأمراء وركوبهم عليه ما كان ، إلى أن أمسك وأخرج إلى الاسكندرية ، ولما قدم ألطنبغا نائب الشام وأقام ، تقدّم الماردانيّ وقبض على سيفه ولم

١٠٩

يجسر غيره على ذلك ، فقويت بهذه الحركان نفسه وصار يقف فوق التمرتاشيّ وهو اغاته فشق ذلك عليه وكتم في نفسه إلى أن ملك الصالح إسماعيل ، فتمكن حينئذ التمرتاشيّ وصار الأمر له ، وعمل على الماردانيّ فلم يشعر بنفسه إلا وقد أخرج على خمسة أرؤس من خيل البريد إلى نيابة حماه في شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث وأربعين ، فسار إليها وبقي فيها نحو شهرين إلى أن مات ايدغمش نائب الشام ، ونقل طقزدمر من نيابة حلب إلى نيابة دمشق ، فنقل الماردانيّ من نيابة حماه إلى نيابة حلب ، وسار إليها في أوّل رجب من السنة المذكورة ، وجاء الأمير يلبغا اليحياويّ إلى نيابة حماه ، فأقام الماردانيّ يسيرا في حلب ومرض ومات مستهلّ صفر سنة أربع وأربعين وسبعمائة ، وكان شابا طويلا رقيقا حول الصورة ، لطيفا معشق الخطرة كريما صائب الحدس عاقلا.

جامع أصلم

هذا الجامع داخل الباب المحروق ، أنشأه الأمير بهاء الدين أصلم السلاحدار في سنة ست وأربعين وسبعمائة.

أصلم : أحد مماليك الملك المنصور قلاون الألفيّ ، فلما فرّقت المماليك السلطنية في نيابة كتبغا بعد قتل الملك الأشرف خليل بن قلاون ، وسلطنة الناصر محمد بن قلاون ، كان أصلم من نصيب الأمير سيف الدين أقوش المنصوريّ ، ثم انتقل إلى الأمير سلار ، فلما حضر الملك الناصر محمد من الكرك بعد سلطنة بيبرس الجاشنكير ، خرج إليه أصلم بمنجا الملك وبشره بهروب بيبرس ، فأنعم عليه بإمرة عشرة ، ثم تنقل إلى أن صار أمير مائة مقدّم ألف ، وخرج في التجريدة إلى اليمن ، فلما عاد اعتقله السلطان خمس سنين لكلام نقل عنه ، ثم أخرجه وأعاده إلى منزلته ، ثم جهزه لنيابة صفد ، ومات الناصر وأصلم بصفد ، فخرج الأمير قوصون مع الطنبغا نائب الشام إلى حلب لإمساك طشتمر ، فسار إلى قاري ثم رجع وانضمّ إلى الفخريّ وأقام عنده على خان لاجين ، وتوجه معه صحبة عساكر الشام إلى مصر ، فرسم له الملك الناصر أحمد بن محمد بن قلاون بامرة مائة في مصر على عادته ، وكان أحد المشايخ ، ويجلس رأس الحلقة ، ويجيد رمي النشاب مع سلامة صدر وخير إلى أن مات في يوم السبت عاشر شعبان سنة سبع وأربعين وسبعمائة ، ونشأ بجوار هذا الجامع دارا سنية ، وحوض ماء للسبيل ، وبهذا الجامع درس وله أوقاف ، وهو من أحسن الجوامع.

جامع بشتاك

هذا الجامع خارج القاهرة بخط قبو الكرمانيّ على بركة الفيل ، عمره الأمير بشتاك ، فكمل في شعبان سنة ست وثلاثين وسبعمائة ، وخطب فيه تاج الدين عبد الرحيم بن قاضي القضاة جلال الدين القزوينيّ ، في يوم الجمعة سابع عشرة ، وعمر تجاهه خانقاه على الخليج

١١٠

الكبير ، ونصب بينهما ساباطا يتوصل به من أحدهما إلى الآخر ، وكان هذا الخط يسكنه جماعة من الفرنج والأقباط ، ويرتكبون من القبائح ما يليق بهم ، فلما عمر هذا الجامع وأعلن فيه بالأذان وإقامة الصلوات ، اشمأزت قلوبهم لذلك وتحوّلوا من هذا الخط ، وهو من أبهج الجوامع وأحسنها رخاما ، وأنزهها. وادركناه إذا قويت زيادة ماء النيل فاضت بركة الفيل وغرّقته فيصير لجة ماء ، لكن منذ انحسر ماء النيل عن البلد إلى جهة الغرب بطل ذلك ، وله من الآثار سوى ذلك ، قصر بشتاك بين القصرين ، وقد تقدّم ذكره.

جامع آق سنقر

هذا الجامع بسويقة السباعين على البركة الناصرية ، عمره الأمير آق سنقر شادّ العمائر السلطانية ، وإليه تنسب قنطرة آق سنقر التي على الخليج الكبير بخط قبو الكرمانيّ ، قبالة الحبانية ، وأنشأ أيضا دارا جليلة وحمامين بخط البركة الناصرية ، وكان من جملة الأوشاقية في أوّل أيام الملك الناصر محمد بن قلاون ، ثم عمله أمير أخور ونقله منها فجعله شادّ العمائر السلطانية ، وأقام فيها مدّة فأثرى ثراء كبيرا ، وعمر ما ذكر ، وجعل على الجامع عدّة أوقاف ، فعزل وصودر والخرج من مصر إلى حلب ، ثم نقل منها إلى دمشق ، فمات بها في سنة أربعين وسبعمائة.

جامع آق سنقر

هذا الجامع قريب من قلعة الجبل فيما بين باب الوزير والتبانة ، كان موضعه في القديم مقابر أهل القاهرة ، وأنشأه الأمير آق سنقر الناصريّ ، وبناه بالحجر وجعل سقوفه عقودا من حجارة ، ورخمه واهتمّ في ثنائه اهتماما زائدا حتى كان يقعد على عمارته بنفسه ، ويشيل التراب مع الفعلة بيده ، ويتأخر عن غدائه اشتغالا بذلك ، وأنشأ بجانبه مكتبا لإقراء أيتام المسلمين القرآن ، وحانوتا لسقي الناس الماء العذب ، ووجد عند حفر أساس هذا الجامع كثيرا من الأموات ، وجعل عليه ضيعة من قرى حلب ، تغلّ في السنة مائة وخمسين ألف درهم فضة ، عنها نحو سبعة آلاف دينار ، وقرّر فيه درسا فيه عدّة من الفقهاء ، وولى الشيخ شمس الدين محمد بن اللبان الشافعيّ خطابته ، وأقام له سائر ما يحتاج إليه من أرباب الوظائف ، وبنى بجواره مكانا ليدفن فيه ، ونقل إليه ابنه فدفنه هناك ، وهذا الجامع من أجلّ جوامع مصر ، إلّا أنه لما حدثت الفتن ببلاد الشام وخرجت النوّاب عن طاعة سلطان مصر منذ مات الملك الظاهر برقوق ، امتنع حضور مغلّ وقف هذا الجامع لكونه في بلاد حلب ، فتعطل الجامع من أرباب وظائفه إلّا الاذان والصلاة. وإقامة الخطبة في الجمع والأعياد ، ولما كانت سنة خمس عشرة وثمانمائة أنشأ في وسطه الأمير طوغان الدوادار بكرة ماء ، وسقفها ونصب عليها عمدا من رخام لحمل السقف ، أخذها من جامع الخندق ، فهدم الجامع بالخندق من أجل ذلك ، وصار الماء ينقل إلى هذه البركة من ساقية الجامع التي

١١١

كانت للميضأة ، فلما قبض الملك المؤيد شيخ الظاهريّ على طوغان في يوم الخميس تاسع عشر جمادى الأولى ، سنة ست عشرة وثمانمائة ، وأخرجه إلى الاسكندرية واعتقله بها ، أخذ شخص الثور الذي كان يدير الساقية ، فإن طوغان كان أخذه منه بغير ثمن كما هي عادة أمرائنا ، فبطل الماء من البركة.

آق سنقر : السلاريّ ، الأمير شمس الدين أحد مماليك السلطان الملك المنصور قلاون ، ولما فرّقت المماليك ، في نيابة كتبغا على الأمراء ، صار الأمير آق سنقر إلى الأمير سلار ، فقيل له السلاريّ لذلك ، ولما عاد الملك الناصر محمد بن قلاون من الكرك اختص به ورقاه في الخدم حتى صار أحد الأمراء المقدّمين ، وزوّجه بابنته وأخرجه لنيابة صفد ، فباشرها بعفة إلى الغاية ، ثم نقله من نيابة صفد إلى نيابة غزة ، فلما مات الناصر وأقيم من بعده ابنه الملك المنصور أبو بكر ، وخلع بالأشرف كجك وجاء الفخريّ لحصار الكرك ، قام آق سنقر بنصرة أحمد ابن السلطان في الباطن ، وتوجه الفخريّ إلى دمشق لما توجه الطنبغا إلى حلب ليطرد طشتمر نائب حلب ، فاجتمع به وقوّي عزمه ، وقال له توجه أنت إلى دمشق واملكها وأنا أحفظ لك غزة ، وقام في هذه الواقعة قياما عظيما وأمسك الدروب ، فلم يحضر أحد من الشام أو مصر من البريد وغيره إلّا وقبض عليه وحمل إلى الكرك ، وحلف الناس للناصر أحمد ، وقام بأمره ظاهرا وباطنا ، ثم جاء إلى الفخريّ وهو على خان لاجين وقوّي عزمه وعضذه ، وما زال عنده بدمشق إلى أن جاء الطنبغا من حلب والتقوا ، وهرب الطنبغا فاتبعه اق سنقر إلى غزة وأقام بها ، ووصلت العساكر الشامية إلى مصر ، فلما أمسك الناصر أحمد طشتمر النائب وتوجه به إلى الكرك ، أعطى نيابة ديار مصر لآق سنقر ، فباشر النيابة وأحمد في الكرك إلى أن ملك الملك الصالح إسماعيل بن محمد ، فأقرّه على النيابة وسار فيها سيرة مشكورة ، فكان لا يمنع أحدا شيئا طلبه كائنا من كان ، ولا يردّ سائلا يسأل ولو كان ذلك غير ممكن ، فارتزق الناس في أيامه واتسعت أحوالهم ، وتقدّم من كان متأخرا حتى كان الناس يطلبون ما لا حاجة لهم به ، ثم إن الصالح أمسكه هو وبيغرا أمير جاندار ، وأولاجا الحاجب ، وقراجا الحاجب ، من أجل أنهم نسبوا إلى الممالاة والمداجاة مع الناصر أحمد ، وذلك يوم الخميس رابع المحرّم سنة أربع وأربعين وسبعمائة ، وكان ذلك آخر العهد به ، واستقرّ بعده في النيابة الحاج آل ملك ، ثم أفرج عن بيغرا ، وأولاجا ، وقراجا في شهر رمضان سنة خمس وأربعين وسبعمائة.

جامع آل ملك

هذا الجامع في الحسينية خارج باب النصر ، أنشأه الأمير سيف الدين الحاج آل ملك ، وكمل وأقيمت فيه الخطبة يوم الجمعة تاسع جمادى الأول سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة ، وهو من الجوامع المليحة ، وكانت خطته عامرة بالمساكن وقد خربت.

١١٢

آل ملك : الأمير سيف الدين أصله مما أخذ في أيام الملك الظاهر من كسب الأبلستين لما دخل إلى بلاد الروم في سنة ست وسبعين وستمائة ، وصار إلى الأمير سيف الدين قلاون وهو أمير قبل سلطنته ، فأعطاه لابنه الأمير عليّ ، وما زال يترقى في الخدم إلى أن صار من كبار الأمراء المشايخ رؤوس المشورة في أيام الملك الناصر محمد بن قلاون ، وكان لما خلع الناصر وتسلطن بيبرس يتردّد بينهما من مصر إلى الكرك ، فأعجب الناصر عقله وتأنيه ، وسير من الكرك يقول للمظفر لا يعود يجيء إليّ رسولا غير هذا فلما قدم الناصر إلى مصر عظمه ولم يزل كبيرا موقرا مبجلا ، فلما ولى الناصر أحمد السلطنة أخرجه إلى نيابة خماه ، فأقام بها إلى أن تولى الصالح اسماعيل ، فأقدمه إلى مصر وأقام بها على حاله إلى أن أمسك الأمير آق سنقر السلاريّ نائب السلطنة بديار مصر ، فولاه النيابة مكانه ، فشدّد في الخمر إلى الغاية ، وحدّ شاربها وهدم خزانة البنود وأراق خمورها ، وبنى بها مسجدا وسكرها للناس ، فسكنت إلى اليوم كما تقدّم ذكره ، وأمسك الزمام زمانا ، وكان يجلس للحكم في الشباك بدار النيابة من قلعة الجبل طول نهاره لا يملّ ذلك ولا يسأم ، وتروح أرباب الوظائف ولا يبقى عنده إلا النقباء البطالة ، وكان له في قلوب الناس مهابة وحرمة إلى أن تولى الكامل شعبان ، فأخرجه أوّل سلطنته إلى دمشق نائبا بها عوضا عن الأمير طقزدمر ، فلما كان في أوّل الطريق حضر إليه من أخذه وتوجه به إلى صفد نائبا بها ، فدخلها آخر ربيع الآخر سنة سبع وأربعين وسبعمائة ، ثم سأل الحضور إلى مصر فرسم له بذلك ، فلما توجه ووصل إلى غزة أمسكه نائبها ووجهه إلى الاسكندرية في سنة سبع وأربعين ، فخنق بها. وكان خيرا فيه دين وعبادة يميل إلى أهل الخير والصلاح ، وتعتقد بركته ، وخرّج له أحمد بن أيبك الدمياطيّ مشيخة ، وحدّث بها وقرئت عليه مرّات وهو جالس في شباك النيابة بقلعة الجبل ، وعمر هذا الجامع ودارا مليحة عند المشهد الحسينيّ من القاهرة ، ومدرسة بالقرب منها ، وكان بركة من أحسن ما يكون ، وخيله مشهورة موصوفة ، وكان يقول كل أمير لا يقوّم رمحه ويسكب الذهب إلى أن يساوي السنان ما هو أمير ، رحمة الله عليه.

جامع الفخر

في ثلاثة مواضع ، في بولاق خارج القاهرة ، وفي الروضة تجاه مدينة مصر ، وفي جزيرة الفيل على النيل ما بين بولاق ومنية السيرج. أمّا جامع الفخر بناحية بولاق فإنه موجود تقام فيه الجمعة إلى اليوم ، وكان أوّلا عند ابتداء بنائه يعرف موضعه بخط خص الكيالة ، وهو مكان كان يؤخذ فيه مكس الغلال المبتاعة ، وقد ذكر ذلك عند ذكر أقسام مال مصر من هذا الكاتب. وجامع الروضة باق تقام فيه الجمعة. وأما الجامع بجزيرة الفيل فإنه كان باقيا إلى نحو سنة تسعين وسبعمائة ، وصليت فيه الجمعة غير مرّة ، ثم خرب وموضعه باق بجوار دار تشرف على النيل تعرف بدار الأمير شهاب الدين أحمد بن عمر بن قطينة ،

١١٣

قريبا من الدار الحجازية.

والفخر : هذا هو محمد بن فضل الله القاضي فخر الدين ناظر الجيش ، المعروف بالفخر ، كان في نصرانيته متألها ، ثم أكره على الإسلام فامتنع وهمّ بقتل نفسه ، وتغيب أياما ثم أسلم وحسن إسلامه ، وأبعد النصارى ولم يقرّب أحدا منهم ، وحج غير مرّة ، وتصدّق في آخر عمره مدّة في كل شهر بثلاثة آلاف درهم نقرة ، وبنى عدّة مساجد بديار مصر ، وأنشأ عدّة أحواض ماء للسبيل في الطرقات ، وبنى مارستانا بمدينة الرملة ، ومارستانا بمدينة بلبيس ، وفعل أنواعا من الخير ، وكان حنفيّ المذهب ، وزار القدس عدّة مرار ، وأحرم مرّة من القدس بالحج ، وسار إلى مكة محرما ، وكان إذا خدمه أحد مرّة واحدة صار صاحبه طول عمره ، وكان كثير الإحسان ، لا يزال في قضاء حوائج الناس مع عصبية شديدة لأصحابه ، وانتفع به خلق كثير لوجاهته عند السلطان ، وإقدامه عليه ، بحيث لم يك لأحد من أمراء الدولة عند الملك الناصر محمد بن قلاون ماله من الإقدام ، ولقد قال السلطان مرّة لجندي طلب منه إقطاعا : لا تطوّل ، والله لو أنك ابن قلاون ما أعطاك القاضي فخر الدين حيزا يغلّ أكثر من ثلاثة آلاف درهم ، وقال له السلطان في يوم من الأيام وهو بدار العدل : يا فخر الدين تلك القضية طلعت فاشوش. فقال له : ما قلت لك أنها عجوز نحس. يريد بذلك بنت كوكاي امرأة السلطان عند ما ادّعت أنها حبلى ، وله من الأخبار كثير.

وكان أوّلا كاتب المماليك السلطانية ، ثم صار من كتابة المماليك إلى وظيفة نظر الجيش ، ونال من الوجاهة ما لم ينله غيره في زمانه ، وكان الأمير أرغون نائب السلطنة بديار مصر يكرهه ، وإذا جلس للحكم يعرض عنه ويدير كتفه إلى وجه الفخر ، فعمل عليه الفخر حتى سار للحج ، فقال للسلطان : يا خوند ما يقتل الملوك إلّا النوّاب ، بيدرا قتل أخاك الملك الأشرف ، ولاجين قتل بسبب نائبه منكوتمر ، وخيل للسلطان إلى أن أمر بمسير الأمير أرغون من طريق الحجاز إلى نيابة حلب ، وحسن للسلطان أن لا يستوزر أحدا بعد الأمير الجماليّ ، فلم يول أحدا بعده الوزارة ، وصارت المملكة كلها من أحوال الجيوش ، وأمور الأموال وغيرها متعلقة بالفخر ، إلى أن غضب عليه السلطان ونكبه وصادره على أربعمائة ألف درهم نقرة ، وولى وظيفة نظر الشيخ قطب الدين موسى بن شيخ السلامية ، ثم رضي عن الفخر وأمر بإعادة ما أخذ منه من المال إليه ، وهو أربعمائة ألف درهم نقرة ، فامتنع وقال : أنا خرجت عنها للسلطان فليبين بها جامعا ، وبنى بها الجامع الناصريّ المعروف الآن بالجامع الجديد خارج مدينة مصر بموردة الحلفاء ، وزار مرّة القدس وعبر كنيسة قمامة (١) فسمع وهو يقول عند ما رأى الضوء بها : ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا. وباشر آخر عمره بغير معلوم ، وكان لا يأخذ من ديوان السلطان معلوما سوى كماجة ، ويقول أتبرّك بها ،

__________________

(١) أظنها كنيسة القيامة. وليس قمامة.

١١٤

ولما مات في رابع عشر رجب سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وله من العمر ما ينيف على سبعين سنة ، وترك موجودا عظيما إلى الغاية. قال : السلطان ، لعنه الله ، خمس عشرة سنة ما يدعني أعمل ما أريد ، وأوصي للسلطان بمبلغ أربعمائة ألف درهم نقرة ، فأخذ من تركته أكثر من ألف ألف درهم نقرة ، ومن حين مات الفخر كثر تسلط السلطان الملك الناصر ، وأخذه أموال الناس ، وإلى الفخر تنسب قنطرة الفخر التي على فم الخليج الناصريّ المجاور لميدان السلطان بموردة الجبس ، وقنطرة الفخر التي على الخليج المجاور للخليج الناصريّ ، وأدركت ولده فقيرا يتكفف الناس بعد مال لا يحدّ كثرة.

جامع نائب الكرك

هذا الجامع بظاهر الحسينية مما يلي الخليج ، كان عامرا وعمر ما حوله عمارة كبيرة ، ثم خرب بخراب ما حوله من عهد الحوادث في سنة ست وثمانمائة ، عمره الأمير جمال الدين أقوش المعروف بنائب الكرك ، وقد تقدّم ذكره عند ذكر الدور من هذا الكتاب.

جامع الخطيريّ ببولاق

هذا الجامع موضعه الآن بناحية بولاق خارج القاهرة ، كان موضعه قديما مغمورا بماء النيل إلى نحو سنة سبعمائة ، فلما انحسر ماء النيل عن ساحل المقس صار ما قدّام المقس رمالا لا يعلوها ماء النيل إلّا أيام الزيادة ، ثم صارت بحيث لا يعلوها الماء البتة ، فزرع موضع هذا الجامع بعد سنة سبعمائة ، وصار منتزها يجتمع عنده الناس ، ثم بنى هناك شرف الدين بن زنبور ساقية وعمر بجوارها رجل يعرف بالحاج محمد بن عز الفرّاش دارا تشرف على النيل ، وتردّد إليها ، فلما مات أخذها شخص يقال له تاج الدين بن الأزرق ناظر الجهات وسكنها ، فعرفت بدار الفاسقين لكثرة ما يجري فيها من أنواع المحرّمات ، فاتفق أن النشو ناظر الخاص قبض على ابن الأزرق وصادره ، فباع هذه الدار في جملة ما باعه من موجوده ، فاشتراها منه الأمير عز الدين أيدمر الخطيريّ وهدمها وبنى مكانها هذا الجامع وسماه جامع التوبة ، وبالغ في عمارته وتأنق في رخامه ، فجاء من أجلّ جوامع مصر وأحسنها ، وعمل له منبرا من رخام في غاية الحسن ، وركب فيه عدّة شبابيك من حديد تشرف على النيل الأعظم ، وجعل فيه خزانة كتب جليلة نفيسة ، ورتب فيه درسا للفقهاء الشافعية ، ووقف عليه عدّة أوقاف منها : دار العظيمة التي هي في الدرب الأصفر تجاه خانقاه بيبرس ، وكان جملة ما أنفق في هذا الجامع أربعمائة ألف درهم نقرة ، وكملت عمارته في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة ، وأقيمت به الجمعة في يوم الجمعة عشري جمادى الآخر ، فلما خلص ابن الأزرق من المصادرة ، حضر إلى الأمير الخطيريّ وادّعى أنه باع داره وهو مكره ، فدفع إليه ثمنها مرّة ثانية ، ثم إن البحر قوي على هذا الجامع وهدمه ، فأعاد بناءه بجملة كثيرة من المال ، ورمى قدّام زريبته ألف مركب مملوءة بالحجارة ، ثم انهدم بعد موته وأعيدت زريبته.

١١٥

ايدمر الخطيريّ : الأمير عز الدين ، مملوك شرف الدين أوحد بن الخطيريّ ، الأمير مسعود بن خطير ، انتقل إلى الملك الناصر محمد بن قلاون فرقاه حتى صار أحد أمراء الألوف ، بعد ما حبسه بعد مجيئه من الكرك إلى مصر مدّة ، ثم أطلقه وعظم مقداره إلى أن بقي يجلس رأس الميسرة ومعه أمرة مائة وعشرين فارسا ، وكان لا يمكنه السلطان من المبيت في داره بالقاهرة ، فينزل إليها بكرة ويطلع إلى القلعة بعد العصر كذا أبدا ، فكانوا يرون ذلك تعظيما له ، وكان منوّر الشيبة كريما يحب التزوّج الكثير والفخر ، بحيث أنه لما زوّج السلطان ابنته بالأمير قوصون ضرب دينارين وزنهما أربعمائة مثقال ذهبا ، وعشرة آلاف درهم فضة برسم نقوط امرأته في العرس إذا طلعت إلى زفاف ابنة السلطان على قوصون ، وقيل له مرّة هذا السّكّر الذي يعمل في الطعام ما يضرّ أن يعمل غير مكرّر ، فقال لا يعمل إلّا مكرّرا ، فإنه يبقى في نفسي أنه غير مكرّر ، وكان لا يلبس قباء مطرّزا ولا مصقولا ، ولا يدع أحدا عنده يلبس ذلك ، وكان يخرج الزكاة ، وانشأ بجانب هذا الجامع ربعا كبيرا تنافس الناس في سكناه ، ولم يزل على حاله حتى مات يوم الثلاثاء مستهلّ شهر رجب سنة سبع وثلاثين وسبعمائة ، ودفن بتربته خارج باب النصر ، ولم يزل هذا الجامع مجمعا يقصده سائر الناس للتنزه فيه على النيل ، ويرغب كل أحد في السكنى بجواره ، وبلغت الأماكن التي بجواره من الأسواق والدور الغاية في العمارة ، حتى صار ذلك الخط أعمر أخطاط مصر وأحسنها ، فلما كانت سنة ست وثمانمائة انحسر ماء النيل عما تجاه جامع الخطيريّ ، وصار رملة لا يعلوها الماء إلّا في أيام الزيادة ، وتكاثر الرمل تحت شبابيك الجامع ، وقربت من الأرض بعد ما كان الماء تحته لا يكاد يدرك قراره ، وهو الآن عامر ، إلّا أن الاجتماعات التي كانت فيه قبل انحسار النيل عما قبالته قلت ، واتضع حال ما يجاوره من السوق والدور ، ولله عاقبة الأمور.

جامع قيدان

هذا الجامع خارج القاهرة على جانب الخليج الشرقيّ ظاهر باب الفتوح مما يلي قناطر الإوز تجاه أرض البعل ، كان مسجدا قديم البناء فجدّده الطواشي بهاء الدين قراقوش الأسدي في محرّم سنة سبع وتسعين وخمسمائة ، وجدّد حوض السبيل الذي فيه ، ثم إن الأمير مظفر الدين قيدان الروميّ عمل به منبرا لإقامة الخطبة يوم الجمعة ، وكان عامرا بعمارة ما حوله ، فلما حدث الغلاء في سنة ست وسبعين وسبعمائة ، أيام الملك الأشرف شعبان بن حسين خرب كثير من تلك النواحي ، وبيعت أنقاضها ، وكانت الغرقة أيضا ، فصار ما بين القنطرة الجديدة المجاورة لسوق جامع الظاهر ، وبين قناطر الأوز المقابلة لأرض البعل يبابا لا عامر له ولا ساكن فيه ، وخرب أيضا ما وراء ذلك من شرقيه إلى جامع نائب الكرك ، وتعطل هذا الجامع ولم يبق منه غير جدر آئلة إلى العدم ، ثم جدّده مقدّم بعض المماليك السلطانية في

١١٦

حدود الثلاثين والثمانمائة ، ثم وسع فيه الشيخ أحمد بن محمد الأنصاريّ العقاد الشهير بالأزراريّ ، ومات في ثاني عشر ربيع الأوّل سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة.

جامع الست حدق

هذا الجامع بخط المريس في جانب الخليج الكبير مما يلي الغرب ، بالقرب من قنطرة السدّ التي خارج مدينة مصر ، أنشأته الست حدق دادة الملك الناصر محمد بن قلاون ، وأقيمت فيه الخطبة يوم الجمعة لعشرين من جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة ، وإلى حدق هذه ينسب حكر الست حدق الذي ذكر عند ذكر الأحكار من هذا الكتاب.

جامع ابن غازي

هذا الجامع خارج باب البحر من القاهرة بطريق بولاق ، أنشأه نجم الدين بن غازي دلال المماليك ، وأقيمت فيه الخطبة في يوم الجمعة ثاني عشر جمادى الأولى ، سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، وإلى اليوم تقام فيه الجمعة ، وبقية الأيام لا يزال مغلق الأبواب لقلة السكان حوله.

جامع التركمانيّ

هذا الجامع في المقس ، وهو من الجوامع المليحة البناء ، أنشأه الأمير بدر الدين محمد التركمانيّ ، وكان ما حوله عامرا عمارة زائدة ، ثم تلاشى من الوقت الذي كان فيه الغلاء زمن الملك الأشرف شعبان بن حسين ، وما برح حاله يختل إلى أن كانت الحوادث والمحن من سنة ست وثمانمائة ، فخرب معظم ما هنالك ، وفيه إلى اليوم بقايا عامر لا سيما بجوار هذا الجامع.

التركمانيّ محمد ، وينعت بالأمير بدر الدين محمد بن الأمير فخر الدين عيسى التركمانيّ ، كان أوّلا شادّا ، ثم ترقى في الخدم حتى ولي الجيزة ، وتقدّم في الدولة الناصرية ، فولاه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون شادّ الدواوين ، والدولة حينئذ ليس فيها وزير ، فاستقلّ بتدبير الدولة مدّة أعوام ، وكان يلي نظر الدولة تلك الأيام كريم الدين الصغير ، فغص به وما زال يدبر عليه حتى أخرجه السلطان من ديار مصر ، وعمله شادّ الدواوين بطرابلس ، فأقام هناك مدّة سنتين ثم عاد إلى القاهرة بشفاعة الأمير تنكز نائب الشام ، وولي كشف الوجه البحريّ مدّة ، ثم أعطي أمرة طبلخاناه ، وأعطي أخوه عليّ أمرة عشرة ، وولده إبراهيم أيضا أمرة عشرة ، وكان مهابا صاحب حرمة باسطة وكلمة نافذة ، ومات عن سعادة طائلة بالمقس في ربيع الأوّل سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة وهو أمير.

١١٧

جامع شيخو

هذا الجامع بسويقة منعم ، فيما بين الصليبة والرميلة تحت قلعة الجبل ، أنشأه الأمير الكبير سيف الدين شيخو الناصريّ ، رأس نوبة الأمراء في سنة ست وخمسين وسبعمائة ، ورفق بالناس في العمل فيه وأعطاهم أجورهم ، وجعل فيه خطبة وعشرين صوفيا ، وأقام الشيخ أكمل الدين محمد بن محمود الروميّ الحنفيّ شيخهم ، ثم لما عمر الخانقاه تجاه الجامع نقل حضور الأكمل والصوفية إليها ، وزاد عدّتهم ، وهذا الجامع من أجلّ جوامع ديار مصر.

شيخو : الأمير الكبير سيف الدين ، أحد مماليك الناصر محمد بن قلاون ، حظي عند الملك المظفر حاجي بن محمد بن قلاون ، وزادت وجاهته حتى شفع في الأمراء وأخرجهم من سجن الإسكندرية ، ثم إنه استقرّ في أوّل دولة الملك الناصر حسن أحد أمراء المشورة ، وفي آخر الأمر كانت القصص تقرأ عليه بحضرة السلطان في أيام الخدمة ، وصار زمام الدولة بيده ، فساسها أحسن سياسة بسكون وعدم شرّ ، وكان يمنع كل حزب من الوثوب على الآخر ، فعظم شأنه إلى أن رسم السلطان بإمساك الأمير يلبغاروس نائب السلطنة بديار مصر وهو مسافر بالحجاز ، وكان شيخو قد خرج متصيدا إلى ناحية طنان بالغربية ، فلما كان يوم السبت رابع عشري شوّال سنة إحدى وخمسين وسبعمائة ، أمسك السلطان الأمير منجك الوزير ، وحلّف الأمراء لنفسه ، وكتب تقليد شيخو بنيابة طرابلس ، وجهزه إليه مع الأمير سيف الدين طينال الجاشنكير ، فسار إليه وسفره من برّا ، فوصل إلى دمشق ليلة الثلاثاء رابع ذي القعدة ، فظهر مرسوم السلطان بإقامة شيخو في دمشق على إقطاع الأمير بيلبك السالميّ ، وبتجهيز بيلبك إلى القاهرة ، فخرج بيلبك من دمشق وأقام شيخو على إقطاعه بها ، فما وصل بيلبك إلى القاهرة إلّا وقد وصل إلى دمشق وأقام شيخو على إقطاعه بها ، فما وصل وتقييد مماليكه واعتقالهم بقلعة دمشق ، فأمسك وجهّز مقيدا ، فلما وصل إلى قطيا توجهوا به إلى الإسكندرية ، فلم يزل معتقلا بها إلى أن خلع السلطان الملك الناصر حسن ، وتولى أخوه الملك الصالح صالح ، فأفرج عن شيخو ومنجك الوزير وعدّة من الأمراء ، فوصلوا إلى القاهرة في رابع شهر رجب سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة ، وأنزل في الأشرفية بقلعة الجبل ، واستمرّ على عادته ، وخرج مع الملك الصالح إلى الشام في واقعة يلبغاروس ، وتوجه إلى حلب هو والأمير طاز وأرغون الكامليّ خلف يبلغاروس ، وعاد مع السلطان إلى القاهرة وصمم حتى أمسك يلبغاروس ومن معه من الأمراء بعد ما وصلوا إلى بلاد الروم ، وحزت رؤسهم ، وأمسك أيضا ابن دلغار وأحضر إلى القاهرة ووسّط وعلّق على باب زويلة ، ثم خرج بنفسه في طلب الأحدب الذي خرج بالصعيد وتجاوز في سفره قوص ، وأمسك عدّة كثيرة ووسّطهم حتى سكنت الفتن بأرض مصر ، وذلك في آخر سنة أربع وخمسين وأوّل سنة خمس وخمسين.

١١٨

ثم خلع الملك الصالح وأقام بدله الملك الناصر حسنا في ثاني شوّال ، وأخرج الأمير طاز من مصر إلى حلب نائبا بها ومعه إخوته ، وصارت الأمور كلها راجعة إليه ، وزادت عظمته وكثرت أمواله وأملاكه ومستأجراته حتى كاد يكاثر أمواج البحر بما ملك ، وقيل له قارون عصره. وعزيز مصره ، وأنشأ خلقا كثيرا ، فقوى بذلك حزبه وجعل في كل مملكة من جهته عدّة أمراء ، وصارت نوّابه بالشام وفي كل مدينة أمراء كبار ، وخدموه حتى قيل كان يدخل كل يوم ديوانه من إقطاعه وأملاكه ومستأجراته بالشام وديار مصر مبلغ مائتي ألف درهم نقرة ، وأكثر ، وهذا شيء لم يسمع بمثله في الدولة التركية ، وذلك سوى الإنعامات السلطانية والتقادم التي ترد إليه من الشام ومصر ، وما كان يأخذ من البراطيل على ولاية الأعمال ، وجامعه هذا وخانقاهه التي بخط الصليبة لم يعمر مثلهما قبلهما ، ولا عمل في الدولة التركية مثل أوقافهما ، وحسن ترتيب المعاليم بهما ، ولم يزل على حاله إلى أن كان يوم الخميس ثامن شعبان سنة ثمان وخمسين وسبعمائة ، فخرج عليه شخص من المماليك السلطانية المرتجعة عن الأمير منجك الوزير يقال له باي ، فجاء وهو جالس بدار العدل وضربه بالسيف في وجهه وفي يده ، فارتجت القلعة كلها وكثر هرج الناس حتى مات من الناس جماعة من الزحمة وركب من الأمراء الكبار عشرة وهم بالسلاح عليهم إلى قبة النصر خارج القاهرة ، ثم أمسك باي فجاء وقرّر فلم يعترف بشيء على أحد وقال : أنا قدّمت إليه قصة لينقلني من الجامكية إلى الإقطاع فما قضى شغلي ، فأخذت في نفسي من ذلك ، فسجن مدّة ثم سمّر وطيف به الشوارع ، وبقي شيخو عليلا من تلك الجراحة لم يركب إلى أن مات ليلة الجمعة سادس عشري ذي القعدة ، سنة ثمان وخمسين وسبعمائة ، ودفن بالخانقاه الشيخونية وقبره بها يقرأ عنده القرآن دائما.

جامع الجاكيّ

هذا الجامع كان بدرب الجاكي عند سويقة الريش من الحكر في برّ الخليج الغربيّ ، أصله مسجد من مساجد الحكر ، ثم زاد فيه الأمير بدر الدين محمد بن إبراهيم المهمندار ، وجعله جامعا وأقام فيه منبرا في سنة ثلاث عشرة وسبعمائة ، فصار أهل الحكر يصلون فيه الجمعة إلى أن حدثت المحن من سنة ست وثمانمائة ، فخرب الحكر وبيعت أنقاض معظم الدور التي هناك ، وتعطل هذا الجامع من ذكر الله وإقامة الصلاة لخراب ما حوله ، فحكم بعض قضاة الحنفية ببيع هذا الجامع ، فاشتراه شخص من الوعاظ يعرف بالشيخ أحمد الواعظ الزاهد صاحب جامع الزاهد بخط المقس ، وهدمه وأخذ أنقاضه فعملها في جامعه الذي بالمقس في أوّل سنة سبع عشرة وثمانمائة.

جامع التوبة

هذا الجامع بجوار باب البرقية في خط بين السورين ، كان موضعه مساكن أهل الفساد

١١٩

وأصحاب الرأي ، فلما أنشأ الأمير الوزير علاء الدين مغلطاي الجماليّ خانقاهه المعروفة بالجمالية قريبا من خزانة البنود بالقاهرة ، كره مجاورة هذه الأماكن لداره وخانقاهه ، فأخذها وهدمها وبنى هذا الجامع في مكانها ، وسماه جامع التوبة ، فعرف بذلك إلى اليوم ، وهو الآن تقام فيه الجمعة ، غير أنه لا يزال طول الأيام مغلق الأبواب لخلوّه من ساكن ، وقد خرب كثير مما يجاوره ، وهناك بقايا من أماكن.

جامع صاروجا

هذا الجامع مطلّ على الخليج الناصريّ بالقرب من بركة الحاجب التي تعرف ببركة الرطلي ، كان خطة تعرف بجامع العرب ، فأنشأ بها هذا الجامع ناصر الدين محمد أخو الأمير صار وجانقيب الجيش ، بعد سنة ثلاثين وسبعمائة ، وكانت تلك الخطة قد عمرت عمارة زائدة ، وأدركت منها بقية جيدة إلى أن دثرت ، فصارت كيمانا ، وتقام الجمعة إلى اليوم في هذا الجامع أيام النيل.

جامع الطباخ

هذا الجامع خارج القاهرة بخط باب اللوق ، بجوار بركة الشقاف ، كان موضعه وموضع بركة الشقاف من جملة الزهريّ ، أنشأه الأمير جمال الدين أقوش ، وجدّده الحاج علي ، الطباخ في المطبخ السلطانيّ أيام الملك الناصر محمد بن قلاون ، ولم يكن له وقف ، فقام بمصالحه من ماله مدّة ، ثم إنه صودر في سنة ست وأربعين وسبعمائة ، فتعطل مدّة نزول الشدّة بالطباخ ، ولم تقم فيه تلك المدّة الصلاة.

عليّ بن الطباخ : نشأ بمصر وخدم الملك الناصر محمد بن قلاون. وهو بمدينة الكرك ، فلما قدم إلى مصر جعله خوان سلار ، وسلمه المطبخ السلطانيّ ، فكثر ماله لطول مدّته. وكثرة تمكنه ، ولم يتفق لأحد من نظرائه ما اتفق له من السعادة الطائلة ، وذلك أن الأفراح وما كان يصنع من المهمات والأعراس ونحوها مما كان يعمل في الدور السلطانية وعند الأمراء والمماليك والحواشي مع كثرة ذلك في طول تلك الأعوام ، كانت كلها إنما يتولى أمرها هو بمفرده ، فما اتفق له في عمل مهم ابن بكتمر الساقي على ابنة الأمير تنكز نائب الشام ، أن السلطان الملك الناصر استدعاه آخر النهار الذي عمل فيه المهم المذكور وقال له : يا حاج عليّ ، اعمل لي الساعة لونا من طعام الفلاحين ، وهو خروج رميس يكون ملهوج ، فولى ووجهه معبس ، فصاح به السلطان ويلك مالك معبس الوجه؟ فقال : كيف ما أعبس وقد حرمتني الساعة عشرين ألف درهم نقرة؟ فقال : كيف حرمتك؟ قال : قد تجمع عندي رؤس غنم وبقر وأكارع وكروش وأعضاد وسقط دجاج وأوز وغير ذلك مما سرقته من المهمّ ، وأريد أقعد وأبيعه ، وقد قلت لي أطبخ وبينما أفرغ من الطبيخ تلف الجميع ، فتبسم السلطان وقال له : رح أطبخ وضمان الذي ذكرت عليّ ، وأمر بإحضار والي القاهرة ومصر ،

١٢٠