الرحلة إلى مصر والسودان والحبشه - ج ٢

أوليا چلبي

الرحلة إلى مصر والسودان والحبشه - ج ٢

المؤلف:

أوليا چلبي


المحقق: الدكتور محمّد حرب
المترجم: الدكتور حسين مجيب المصري وآخرون
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٤
الجزء ١ الجزء ٢

فضيلة أخرى لأهل القاهرة

ولأهل القاهرة عادة أخرى مستطرفة ففى ليلة جمعة يمضى مئات الآلاف من النساء والرجال إلى الاثنتى عشرة قرافة فتصبح وكأنها بحر من الناس وهناك من يختمون القرآن الكريم ويتلون سورة «يس» ، ويوزعون الصدقات على الفقراء.

وجميع الأضرحة مبنية بالحجر وتحتها مخازن يسمى الواحد منها «فسقية» ويسمى الواحد من هذه الأضرحة «بيت الحزن» ولها نوع خاص من الأبواب وهى موصدة بالتراب ، تفتح عند الدفن. وتتسع الفسقية الواحدة لدفن مائة أو مائتين إلا أن الجثث لا تغطى بالتراب وإنما توضع فى أكفانها بعضها يتعفن وبعضها يتيبس ثم يسدون الباب بالجصّ الخرسانى. ففى مصر كثير من لصوص المقابر الذين يسرقون الأكفان. حتى إنه فى عهد جان بولاد زاده حسين باشا وضع بعض لصوص المقابر على الخاذوق فى ميدان الروملى وخنقوا بالأكفان التى سرقوها وذلك لتطهير الدنيا من شرورهم.

وعلى كل قبر يحفرون تاريخا بماء الذهب يصففون قبابا مكشوفة وينثرون فوقها الحب ويضعون الماء للطيور. ويضعون كذلك على قمة كل قبر الآس والريحان وفى تلك الأيام تمضى النساء إلى القرافات دون إذن من أزواجهن ، كما أنه لا يحق لزوج أن يسأل زوجته إلى أين أنت ذاهبة ، إذ إن زواجهما انعقد شريطة ذلك.

وفى غير ذلك لا يستطيع زوج فى القاهرة أن يسأل امرأته أين كنت ، إذ إن عزيز مصر وقع تحت سطوة «زليخا» ومنذ ذلك الحين والرجال فى مصر مغلوبون على أمرهم تحت تسلط زوجاتهم. وهذا هو عرف مصر وما جرى فيها مجرى العادة.

وما من قوم يحبون موتاهم ويخلصون لهم إلى هذا الحد إلا فى مصر.

مصدر رزق فقراء القاهرة

يستطيع المصريون أن يفيدو من كل ما فى الوجود ويصنعونه للكسب منه.

ـ حرفة مستطرفة ـ

وفى ليلة مولد الإمام الحسين فى شهر المحرم بمدينة القاهرة يجتمع آلاف من يهود القاهرة كل ثلاثة منهم فى موضع وفى أيديهم زنابيل كبيرة يحرقون أنواعا من البخور ويبيعونها وأثناء ذلك يرفعون أصواتهم الرخيمة بالغناء ، وثمة نوع من البخور يبيعونه لا مثيل له. ويقال إن هذه العادة بقيت فى القاهرة منذ نقل رأس الحسين إلى مصر وعهد السيدة نفيسة.

٨١

 ـ متسولو القاهرة :

ولكن المتسولين الذين لا عمل لهم فكثير فى القاهرة ، ففى القرافات المذكورة ليلة الجمعة وليلة الإثنين لا يسلم أحد من هؤلاء المتسولين الجبابرة. وبعضهم يقترب من أحد الأعيان وبعد أن يلقى السلام عليه يتملقه بمعسول الكلام إلى أن يصل معه إلى بابه.

وهنا وبأسلوب لا يخلو من القحة والوقاحة يقول له المتسول : «أعطنى يا سيدى نفقة أهل بيتى» ، أما إذا كان المار فقيرا فلا يسمح له الشحاذون بالسير فى السوق.

حادثة

اتفق لى ذات يوم أن أردت قضاء حاجتى فدخلت مرحاض جامع السلطان حسن وأغلقت على بابى ولا شعور لى بأحد وبينما كنت أقضى حاجتى فتح على الباب متسول ومد إلى يده قائلا : «أعطنى صدقتى يا سيدى» وعلى الرغم من أننى لم أكن قد تطهرت بعد سارعت إلى إعطائه فقال لى المتسول : «زادك الله نجاسة» وانصرف ؛ بعد ذلك تطهرت وخرجت وتوضأت وصليت فى جامع السلطان حسن ثم التقيت بصديق حميم وقصصت عليه ما وقع لى. فقال لى ذلك الصديق : بالله أمجنون أنت؟ أصلحك الله ، أيلطخ أحد يده بالنجاسة هكذا فقلت له : إذا ما فتح أحد باب المرحاض هكذا وعورتك مكشوفة فذلك أمر الله ، أكان يطلب نقودا؟ فقال هذا الصديق : أكان هذا الرجل أصفر اللحية ، متوسط القامة ، مسطح الجبهة ، مستدير الوجه ، تترى السحنة يشع من وجهه النور؟. قلت : نعم ، إنه تترى السحنة أصفر اللحية. فقال لى أيها الظالم إنه قطب من أقطاب صوفية القاهرة وقد ظهر لك فى بيت الخلاء ليختبرك فلما نظرت إليه نظرة ازدراء واحتقار ومسحت يدك بالنجاسة ، ولذلك دعا الله عليك بأن يزيدك نجاسة. ولما قال لى هذا شرد عقلى وطاش صوابى وبعد مرور شهرين على تلك الواقعة أصبت بمرض «الزحار» وتحققت دعوته على بقوله : «زادك الله نجاسة». ولكنى ولله الحمد تصدقت فشفانى الله من هذا المرض.

فكم من فقراء مصر من المغمورين من لهم عظيم المنزلة عند الله.

٨٢

لا تحسبن أن كل غابة خالية

فربما استتر نمر فيها

وصف الملاميين

فى القاهرة آلاف من حاسرى الرءوس من المجاذيب ، منهم من يأخذ النقود ومنهم من لا يأخذ ، ومنهم من يأخذ الخبز ومن لا يأخذ ، ومنهم من لا يتكلم البتة ويمضى صامتا ولكن إذا تلا القرآن الكريم أذاب أكباد من سمعه ، وبعضهم يأخذ الكسوة وكل منهم له أطوار وحركات خاصة ، وبعضهم يعتم بعمامة من الصوف وكأنها وعاء الماء المغربى التى لا يستطيع شاب أن يحملها فهى عمائم تزن الواحدة منها ثمانين أو تسعين أو مائة أوقية. ومنهم من يتخذ عمامة من ليف النخيل وهى كذلك فى حجم قبة الحمام إلا أنها خفيفة الوزن ويسمون من يلبسها «أبا الليف» ، ومنهم من يتجول عاريا تماما كمن ولدته أمه.

وهؤلاء الدراويش لا يحصون كثرة كما أن الفقراء والمجاذيب والملاميون كثير لا يقعون تحت حصر ، وهم إذا ما دخلوا الحمام تستروا بالمناشف وإذا ما خرجوا مشوا عراة بين الناس. وثمة حديث قدسى ورد فى شأن هؤلاء يقول عز من قائل : «أوليائى تحت قبابى لا يعرفهم غيرى». أى إنه لا يجوز التعرض لهم ، لأنهم اختاروا الفقر والفاقة ولا علم لأحد بحالهم إلا الله ، ويقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الفقر فخرى». لذا فهم يرددون قولهم :

تالله إننا لنفخر بالفقر

لذلك نمضى فى هيئة الفقراء

إلا أن معدميهم كثير لا حبّة لهم ولا جبّة.

المجاذيب الإلهيون

ومن أعظم هؤلاء الشيخ «إسماعيل الصنافيرى» فى حى ( ) (١) على طريق بولاق ، وكم من كرامات له أظهرها. اتفق ذات مرة أن ذهبنا أنا وصهر أحمد باشا

__________________

(١) بياض فى الأصل.

٨٣

الدفتردار وأحمد أغا المهردار والجاشنكير الرئيس وبعض الإخوان والأصدقاء واشترينا عدة أوقيات من الرمان لتقديمها هدية له وكان يسكن فى إحدى وكالات الحمر ، ولما قدمناه عليه وجدناه يفترش التراب وعلى ظهره خرقة بيضاء تغطى أكمامه أما ما تحت عورته فكان عاريا. ومن بجانبه من الدراويش دعونا لنجلس بجانب الشيخ فجلسنا دون أن نقرأ عليه‌السلام وكل منا جذب انتباهه خاص الخاص من شأنه ووضعنا الرمان أمامه فتناول منها رمانة وهو راقد فى مكانه ، ثم قدم إلى كل منا رمانة كما قدم إلى دراويشه ، ولكن ما أتينا به كان تسع رمانات فى حين أنه وزع منها ثمانى عشرة رمانة. ثم أعطى كلا منا قطعة من حجر ، كما أعطانا حجرا كبيرا وقال لنا : «أعطوا هذا الحجر للباشا وليعطيه إلى جنده وليرحل من مصر إلى بلاد الترك ، وليأت من بغداد وليأت من بغداد» ولم يقل غير ذلك ولا دعا ولا أثنى ، فنهضنا ومضينا إلى قصر الباشا ، وقدمنا إليه الحجر المذكور وأخبرناه بما قاله الشيخ الصنافيرى. فقال الباشا : سبحان الله. وضع الحجر بجانب كتبه ، وفى اليوم التاسع عمّت الثورة والتمرد ، وأسقط الجند أحمد باشا وقدم عبد الرحمن باشا من بغداد ، وأصبح واليا على مصر. ولعل قول الشيخ «ليأت من بغداد ليأت من بغداد» إشارة إلى مجىء عبد الرحمن باشا من بغداد. والله سبحانه وتعالى أعلم. فهذا ما وقع.

* * *

٨٤

الفصل الستون

العلماء المستجابة دعوتهم فى مصر وشيوخها

وفضلاء الدهر فيها وأئمتها وخطباؤها

ـ الشيخ على الشمرلسى :

قطب علماء وصلحاء ومشايخ القاهرة وشيخ شيوخها وأعقلهم. إنه أهل ورع وأهل حال وهو من بليدة فى مصر تسمى «شمرلس». إلا أنه ولد أكمه (١) بأمر الله ، ولكنه كان يلقى دروسه فى الجامع الأزهر فى أربعة مواضع وكان له اثنا عشر ألفا من التلاميذ وكان فريد دهره فى علمه ، كما كان يدرس مرتين فى داره وهو من العلماء العظام المتبحرين الذين تحل على يديهم المعضلات. وهو ولى من أولياء الله ما فى ذلك شك ، وقد اطلع على مسائل الشرع فى الكتب الأمهات وكان يشير إلى المسألة من المسائل ويعين موضعها فى الصحيفة والسطر. وأحمد الله أنى شرفت بصحبته فهو فريد دهره فى فضائله وكراماته.

ومن كراماته أنه :

إذا سلم عليه أحد مرة واحدة فى عمره وأراد التعرف عليه كان يسأله عن اسمه وقريته واسم أبيه ، حتى إذا ما قدم هذا الرجل عليه بعد خمس أو عشر سنوات وسلم عليه رد عليه قائلا : وعليك السلام يا ابن فلان. ومن باب أولى إذا ما سلم عليه أحد من تلامذته رد عليه‌السلام قائلا : وعليك السلام يا ابن فلان. فهو يعرف أسماء تلامذته أجمعين.

ـ الشيخ أحمد العجمى :

كان فريد دهره فى علم الحديث ، إلا أنه ليس ضريرا ، وجاء على لسانه أنه كان يحفظ سبعين ألف حديث مما فى الكتب الأمهات القيمة مثل البخارى ومسلم ، فقد كان أعجوبة دهره فى قوة حافظته.

__________________

(١) الأكمه : الأعمى. كمه من باب تعب كمها : عمى.

٨٥

 ـ شيخ الإسلام بولوى مصطفى افندى :

كان شيخ الإسلام فى الدولة العثمانية ، وطلب الصدر الأعظم كوپرلى منه استصدار فتوى بقتل دلى حسين باشا لفشله فى فتح قلعة «قندة» فى جزيرة كريت فقال بولوى افندى : أأفتى يا سيدى الوزير بقتل دلى حسين باشا؟ ولو كنت أنت قائدا ضعيف الشأن مثله ومضيت إلى جزيرة كريت ووفقت إلى فتحها وثبت تقصير حسين باشا حينئذ لا أستطيع كذلك أن أفتى بقتله ، لأن الفتح والنصر من عند الله.

فقال الوزير كوپرلى : أنت لم تقطع برأى وقلت الله أعلم ، إنك صاحب سجادة الآن.

فقال بولوى أفندى : حبذا أن أعزل نفسى من التصدر للفتوى وخرج من مجلس كوپرلى فأرسل بعض الأشخاص فى أثره إلا أنه لم يعد ، ولم يصدّق بعدها على فتوى قط. وعند ما أسندت الفتيا إلى «أسيرى محمد أفندى» أصدر فى التو فتوى بقتل دلى حسين باشا فسجنوه فى قلعة «يدى قلة» وقتلوه فيها. ونفى بولوى أفندى إلى مصر وأسند إليه قضاء الجيزة ليعيش منه ، وقد أذاع علم الفقه فى القاهرة وأصبح جميع علماء القاهرة من زمرة الفقهاء. وكأنما كانت داره مدرسة وكان حاتمى الكرم يقدم الطعام مرتين لجميع تلامذته ، كما كان صالحا صاحب وقار.

ـ الشيخ عبد القادر افندى :

من بغداد وهو تقى ورع متضلع من شتى العلوم والفنون ، بينما كان كتخدا إبراهيم باشا واليا على مصر قرأ عليه بين شواغله الكثيرة صحيح مسلم والبخارى وتفسير ابن جرير الطبرى. وكان فى زمانه بحر المعارف بل النعمان الثانى ، وله أشعار بالفارسية والتركية تخلص فيها ب «قادرى».

ـ الشيخ عبد القادر المغربى :

وإن لم يكن واعظ منبر إلا أنه حينما كان يعظ تلاميذه فى الأزهر كان جميع تلامذته يفيدون كثيرا مما يقول ، إذ كان لكلامه عميق أثر فى النفوس.

٨٦

 ـ الشيخ أحمد المرحومى :

وهو من محلة المرحوم فى المنوفية ، وهو من تلاميذ أستاذنا الشيخ «على الشمرلسى»، بيد أنه سلك طريق التصوف وكان له العلم اللدنى ، أطال الله فى عمره.

ـ الشيخ يحيى المغربى :

كان يناظر «وانى (١) افندى» فى مجلس السلطان محمد الرابع (٢) وأفحمه فى علم الحديث وعلم التفسير ، وكان يتقاضى من خزانة مصر مائة أقچة يوميا منحة من السلطان وكان يلقى دروسا عامة فى الأزهر ، وكان صاحب دعابة.

ـ الشيخ السادات أبو التخصيص :

سبق ذكره عند الكلام على مولده الشريف. لم يكن عالما ولا فاضلا ، إلا أنه كان عاملا وثريا ، عرف بصلاحه وتقواه واشتهر بكرمه.

ـ الشيخ السادات على أفندى :

هو الأخر الأكبر للشيخ أبى التخصيص.

ـ الشيخ محمد البكرى :

من النسل الطاهر لأبى بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ ، إنه مرشد كامل ، عامل فاضل للسجادة البكرية. وكان صاحب حال فى علم الأسماء ، وكان كريما زاده الله كرما.

ـ ابن الشيخ چلبى أبى المواهب :

كان زاهدا عابدا وهو الابن الأكبر للشيخ العزيز.

ـ الشيخ جلبى زين العابدين :

أصغر أبناء الشيخ العزيز إلا أنه كان ألمعىّ الذهن معروفا بالدعابة والظرف ، وأهل القاهرة جميعا يحبونه.

__________________

(١) عالم عرف عنه تصلبه فى التعصب على أهل الأديان الأخرى وعلى المتصوفة. وهو غير وانى المعروف المولوى الفقيه الذى نقل صحاح الجوهرى إلى التركية. معجم الدولة العثمانية ص ١٥٤.

(٢) السلطان العثمانى ، حكم أربعين عاما ، وكانت وفاته سنة ١٦٩٢.

٨٧

 ـ الشيخ سيد برهان الدين :

وهو من قصبة فى لواء حميد ببلاد الترك ، يسكن القاهرة منذ ثمانين عاما ، وهو نقيب الأشراف ، وعلاوة على أنه يوزع الصدقات والأطعمة على الغادى والرائح كان يوزع على الدوام خرقة على كل ضيف وكل فقير. إنه شيخ عظيم حاتمى الكرم.

ـ الشيخ سيد إبراهيم چلبى أفندى :

وهو ابن سيد على ابن الشيخ على الصفوتى بن سيد حسن ابن سيدى الشيخ إبراهيم الكلشنى. وحسبه هذا شرفا فى نسبه وحسبه ، ومن رأى وجهه الشريف مرة أحبه وتعلق به تعلقا شديدا وتلقى عنه تعاليم التصوف وأصبح من دراويش الكلشنية ، لأن وجهه الشريف منور كمذهبه. إلا أنه كان على الدوام معتزلا ، وهو صالح كالصالحين من السلف. وكان على الدوام قابعا فى ركن العزلة ، يخرج مرة فى العام ويمضى إلى تكيته ويخرج إلى المولد ، وهو لا يغادر داره قط ولا يختلط بأحد من الناس والنفوس تنجذب إليه.

ـ الشيخ محمد كيسودار :

كان من قبل على الطريقة القادرية وكان يعرف بصاچلى محمد افندى (أى محمد افندى ذو الغدائر) ، وفى ليلة مولد الكلشنى عندما نظر إليه لم يتحمل جاذبيته فتطايرت غدائرة وخرج عن الطريقة القادرية ودخل الطريقة الكلشنية وزوّجه الكلشنى من كريمته فأصبح صهرا له.

إنه درويش (إباحى المشرب) له التبحر فى شتى العلوم ، له أشعار كثيرة بالعربية والتركية ، كما كان وفير المؤلفات ومليح الخط ، حسن العشرة لين الجانب ، لبقا فى الحوار ، كما كان أهل كرم وسخاء ، يحج بيت الله الحرام مرة كل ثلاثة أعوام ، وغالبا ما كان يمضى إلى مكة سيرا على قدمه.

ـ الشيخ على الخراشى :

من بلدة تسمى «خراش» نسب إليها ، أما اسمه الحقيقى فهو ( ) (١) ، وهو محدث ومفسر مرموق المنزلة بين المحدثين والمفسرين ، وهو يحفظ عن ظهر قلب صحيح

__________________

(١) بياض فى الأصل.

٨٨

مسلم وصحيح البخارى والقاموس للأخترى والصحاح للجوهرى ، وفصوص الحكم لمحيى الدين بن عربى ، وعلاوة على ذلك كان يدرس شتى العلوم فى الأزهر وله تلاميذ يربون على الألف. وكان واسع المحفوظ ، وهو شيخ القراء فى الجامع الأزهر.

وتلاميذه الذين يربون على الألف يقرأون القرآن الكريم بالقراءات المختلفة. إلا أنه حينما كان يلقى دروسه يكون منفعلا كالشرارة فياضا ، وكل من يلقى السمع إلى دروسه تنقش فى ذهنه ، كما ينقش فى الحجر ، ولا تمس حاجته إلى أن يسمع الدرس ثانية.

ـ الشيخ العياشى :

تتلمذ للشيخ على الشمرلسى ، وكان يلقى الدرس العام فى جامع السلطان المؤيد ، وكان صاحب فصاحة وإبانة ، كما كان كريما بكلامه ، تقيا ورعا. ولأنه كان يتكلم اللغة التركية انعقدت أواصر الصلة بينه وبين العلماء العثمانيين مما أثار عليه حسد الحاسدين ، إلا أنه كان حليما صبورا هادئ الطبع.

ـ الشيخ ( ) (١) العبارى :

أهل تقوى وورع ، عالم عامل فاضل ، اعتكف فى عقر داره بزاوية ( ) (٢) بالقرب من سوق الصليبة (٣) ، وقد تنبأ بإسقاط أحمد باشا. وهو لا نظير له فى مصر.

ـ الشيخ أحمد الأسكندرانى :

وهو من أكمل الكمل فى مصر ، رخيم الصوت وليس بد من وجوده عند إقامة مولد النبى فى شهر صفر ، فهو عندما ينشد الآلاف من القصائد فى مدح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتائية عمر بن الفارض بصوت مرتفع جهورى يدخل الصوفية فى نشوة الوجد كأنما أصابهم الصرع. إن فى أنفاسه شيئا عجيبا يوقع من يلقى السمع إليه فى الوله والحيرة. لقد نال الفيض من الشيخ «على العريانى» وهو صالح من صلحاء الأمة ويزور بيت الله الحرام مرة كل عامين أو ثلاثة ، وقد ذهب ذات مرة فى قافلة من عشرة أو خمسة عشر جملا ، وبعد الطواف مضى إلى قبر المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المدينة المنورة ، وبينما كان يقف قبالة المقصورة الشريفة صاح بأعلى صوته قائلا : الغوث يا ملاذ العاجزين ، وكنت حاضرا

__________________

(١ ، ٢) بياض فى الأصل.

(٣) أحد أحياء القاهرة ولا يزال قائما إلى الآن بقسم الخليفة.

٨٩

آنذاك فدخلتنى الدهشة والوله والحيرة. وفى طريق عودتنا إلى مصر كنت معه رفيق الطريق وكان معنا أمير الحج أوزبك بك فكنا نطيب نفسا بالاستماع إليه وهو ينشد القصائد فى مدح النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان إذا ما تسلل السأم إلى نفوس الناس من مشقة الطريق كان سرعان ما يزول حينما يستمعون إلى قصائد الشيخ الأسكندرانى فى مدح خير الأنام صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكان كل منهم يدعو له بالخير ويقبل يده. إنه عالم نحرير.

ـ الشيخ بكرى زاده أفندى :

إنه سليل أسرة عريقة ، فهو من نسل أبى بكر الصديق رضى الله عنه. كان راسخ القدم فى علم القصائد والمدائح النبوية ، حتى إنه نظم قصيدة فى مدح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانت تتلى فى ليالى رمضان بين صلاة التراويح بدلا من التسبيح. وكان من أعاظم العلماء والفضلاء ذوى الاحترام.

ـ نقيب الأشراف السيد محمد أفندى ابن السيد برهان الدين افندى :

وهو ابن المرحوم برهان الدين افندى نقيب الأشراف ، إنه عالم فاضل من تلاميذ المدرسة السليمانية (١) ، وكان مليح الخط ، انتقل والده برهان الدين من دار الفناء إلى دار البقاء وهو فى المائة وأربعين من سنيه. وعندما آلت إليه أملاك أبيه على ضفاف بركة الفيل وجدت الحجج والوصايا لدى الشيخ ، وفى ذلك الوقت كان جان بولاد زاده واليا على مصر ، وطعن فى صحة هذه الوثائق وأسند مدارسهم وقضاء تكيتهم إلى شخص آخر ، واضطر الشيخ إلى التنازل عن ملكيته لبلدتى البساتين والفرزدق ؛ لأن الاحتفاظ بهما يكلفه ضرائب باهظة لا قبل له بسدادها ، ونزلت به كثير من الشدائد وفى النهاية عندما عزل جان بولاد زاده حسين باشا طالب الشيخ باسترداد حقه ؛ فاسترد منه الكثير ، وتم الصلح بينه وبين جان بولاد زاده ومضى الشيخ إلى قلعة الإسكندرية ليتوجه منها إلى الأستانة فوصل إليها وفى معيته الجند المصريين الذين كلفوا بفتح «قمانچه» بعد أن عادوا سالمين مظفرين فأصيب بالحمى المحرقة التى أحرقت جسده الرقيق ولم يطفئ نار حرقة هذه الحمى ماء أربعين نبعا فانطوى دفتر عمره واحترق. وانحنت ظهور مريديه حزنا عليه ، ودفن فى ضريح الأمير البخارى خارج باب أدرنه (٢).

__________________

(١) المدرسة السليمانية : نسبة إلى السلطان سليمان القانونى ، ومقرها إستانبول.

(٢) باب أدرنه : أحد أبواب مدينة إستانبول القديمة.

٩٠

 ـ الطبيب بيلونى زاده :

كان يدرس لطلبة مستشفى قلاوون كتاب «قانون الشفاء» و «تذكرة داود» يومين فى الأسبوع ، وكأنه فيثاغورث علم الطب ، وكان من أهل التقوى والكرم ، من مضى إلى داره وشرف بلقائه جسّ نبضه وأعطاه الأدوية والمعاجين من الأطعمة والأشربة كان طبيبا له البراعة فى الطب ، ندر نظيره فى مصر.

ـ الشيخ ( ) (٢) خطيب الجامع الأزهر :

إنه رجل أهل تقوى وعبادة.

ـ الشيخ شاهين خطيب جامع الدهيشة :

شيخ من أهل التقوى والورع ، ولوعظه عميق الأثر فى النفوس.

وهناك الشيخ «سيد أحمد جزى» : خادم المحكمة.

و «سيد تاج الدين» : خادم المحكمة كذلك.

و «إسحق زاده» قاضى العسكر وهو من علماء الترك الذين تضلعوا من شتى العلوم.

و «خصم عبد الباقى أفندى» : قاضى العسكر وهو كاتب وصاحب سلوك من فضلاء الدهر بلغ من تقواه أنه لم يصل صلاة فى غير وقتها قط طوال حياته.

وقاضى العسكر «كبيرى زاده» : وهو رجل ديّن واسع العلم بأحكام الشرع الشريف.

و «تذكرجى أفندى» قاضى العسكر : وهو واسع المعرفة بالتواريخ وهو نحوىّ إمام ، وعلى علم بتحصيل المال.

«عشاقى زاده» قاضى العسكر : وهو من السادات الكرام ، نزيه ، لا يخشى فى الحق لومة لائم ولا يحيد قيد أنملة عن جادة الشرع الحنيف ، كان قاضيا رابط الجأش ثابت القدم.

«حفظى أفندى» ، قاضى العسكر وكان حافظا لكلام الله وشاعرا واسع العلم بشتى العلوم الدينية.

__________________

(١) باب أدرنه : أحد أبواب مدينة إستانبول القديمة.

(٢) بياض فى الأصل.

٩١

وبين هؤلاء الذين أسلفنا ذكرهم آلاف ممن كانت لهم قدم راسخة فى شتى العلوم والفنون.

وإذا ما حاولنا أن نعرف بشىء من كرامات وفضائل هؤلاء العلماء لاقتضى ذلك منا تأليف مجلد قائم بذاته ، لذا عرضنا لذلك على وجه الإجمال وبقدر ما أتيح لنا من سياحاتنا فى تلك البلاد فالمعذرة متسعة لنا فى هذا الخصوص. ولكن لا شك فى أن لكبار المشايخ كرامات وقدرة على مكاشفة الغيبيات.

ـ كرامات صبيان الغربية ـ

حينما كان كتخدا إبراهيم باشا واليا على مصر نبّه على جميع معلمى الكتاتيب بالدعاء من أجل حملة «قمانچة» وكانوا يجتمعون مرتين فى الأسبوع فى الجامع الأزهر للدعاء ، وبعد ذلك ـ بناء على أمر الوزير ـ بدأوا يدعون الله فى جوامع السلاطين ولما طالت مدة فتح «قمانجسه» وتأخرت وصول بشائر الفتح دب دبيب اليأس فى نفوس الناس فتقاعسوا عن الذهاب إلى المساجد للدعاء.

واتفق ذات يوم أن كان إبراهيم باشا يتجاذب أطراف الحديث مع إسحاق زاده قاضى العسكر فى مصر فقال له الباشا : إن معلمى المدارس الابتدائية طوع أمرك فنبه عليهم بأن يداوموا على الدعاء للفتح. فقال قاضى العسكر : لا بأس فلنذهب إلى المحكمة ولنستدع جميع معلمى المدارس ولنضرب كلا منهم أربعين أو خمسين عصا على ركبتهم ، إذ إنه لا وجود للفلكة فى البلاد العربية ، ولأن جميع الفلاحين لا يلبسون سراويل فإنهم إذا ما ضربوا على أرجلهم انكشفت عورتهم ، لذلك يضرب الفلاحون على ركبهم وإليتهم بعصا من شجر الشوحط (١). فضرب المعلمون الفقراء ضربا مبرحا على إليتهم وركبهم وعادوا إلى مدارسهم وهم يئنون من شدة الألم فجعل هؤلاء يضربون الصبيان بعصا الشوحط على نفس الموضع الحساس من أجسامهم فجزع الصبيان من الألم وبعد العصر خلدوا إلى الراحة فتملأ بعض الصبيان فى موضع وأثناء لعبهم تنامى إلى علمهم أن ضربهم إنما كان بإيعاز من الباشا وقاضى العسكر فجعلوا يدعون الله عليهما ، فقال بعض المنصفين منهم : إن الباشا يتصدق علينا فلا ينبغى أن ندعو الله

__________________

(١) الشوحط والنّبع والشّريان شجرة واحدة ، ومنه تصنع القسىّ والسهام. لسان العرب (شحط).

٩٢

عليه ، أما القاضى فهو رجل خسيس لئيم ، كما أنه ضرب معلمينا ضربا مبرحا ولذلك ضربونا ، فتعالوا نصلى صلاة الجنازة على قاضى العسكر. وجاءوا بخرق جعلوها على هيئة الجثة ووضعوها على محفة من الخشب ولما رأى مئات الآباء ذلك من أبنائهم منهم من ابتسم ومنهم من ضحك حتى استغرب ومنهم من قال لا إله إلا الله ، وبينما كانوا يمرون بالأسواق السلطانية سألهم أهل السوق قائلين :

«اش هذا يا صبيان» فقالوا : إنها جثة قاضى العسكر. فأغلظ لهم القول بعض الأهالى ، والبعض الآخر لم يكترث. وعلى هذا النحو اجتمع جميع الصبيان خارج المدينة فى موضع فوق الرمال وصلوا صلاة الجنازة على تلك الخرقة ودفنوها إلى جانب الإمام الشافعى.

ومن ناحية أخرى اشتكى قاضى العسكر ألما فى قلبه وأسلم الروح فى صبيحة اليوم التالى ، وبينما كانوا يدفنونه إلى جانب الإمام الشافعى فى نفس الموضع الذى دفن فيه الصبيان خرقتهم ظهرت قطع منها من الأرض فدفنوها ثانية والقاضى عسكر فى ذات الموضع.

سر آخر عجيب

والصبيان الاثنى عشر الذين جعلوا تلك الخرقة على هيئة قاضى العسكر وصلوا عليها صلاة الجنازة وحملوها كانوا نجباء وهم الآن ومنذ ذلك اليوم بكم ، كما أصبحوا عراة مجاذيب يهيمون على وجوههم فى صحارى مصر وأراضيها الخربة. إنه لسر إلهى عجيب.

وقد أخذ إبراهيم باشا الخوف مما وقع وأدرك أنه هو السبب فى ضرب هؤلاء الصبيان فتصدق على جميع معلمى وصبيان المدارس حتى أصبح شحاذهم غنيا يعيش فى سعة ورغد.

الفصل الحادى والستون

ذكر أولياء نعمتى من البكوات والأعيان سليلى الأسر العريقة

منهم أمير الحج (اوزبك بك أبو الشوارب) وهو رب أسرة عظيمة وله من الجند خمسمائة. إنه بك.

٩٣

و (نووه لى بك) وهو رجل شجاع ثرى.

و (قنصوه بك) وهو ابن أحد جند مصر ، وهو من أهل التقوى والعلم.

و (على بك الملقب) إنه رجل محبوب ، طيب المعشر.

و (رمضان بك) الذى تولى قيادة الجند فى حملة «قندة» وحارب النصارى حربا شعواء بالقرب من «خانيه» ووقع فى الأسر.

(قاسم بك) أى قاسم باشا زاده بشيكطاشلى ، وهو واسع الشهرة فى البطولة والشجاعة ، وله خمسمائة من الجند الشجعان المدججين بالسلاح.

و (عبد الله بك) تولى منصب الدفتردار مرتين ، وهو ذو علم ، وهو بوسنوى الأصل. (ذو الفقار بك) كان من الأبخاز ، تولى حكم جرجا فأعاد الأمن والأمان إلى الصعيد.

و (دولاور بك) كان كذلك من الأبخاز ، تولى حكم جرجا فى عهد إبراهيم باشا ، وكان رجلا معروفا بكرمه وسخائه وتقواه.

و (عوض بك) بما أنه تولى رئاسة خزانة «خاصكى محمد باشا» أصبح بك وهو جورجى الأصل.

(جان بولاد زاده) الذى كانت له قيادة الجيش فى «قمانجسه».

و (سليمان بك البوسنوى) تولى هو الآخر قيادة الجند فى قمانجسه.

و (حسين بك الدفتردار) وهو من الأناضول ، إنه رجل طيب المعشر.

و (قيطاس بك) إنه رجل سديد الراى حسن التدبير ، شركسى الأصل.

و (يوسف بك) أمير الحج ، وهو شركسى الأصل كذلك.

و (بقلاجى محمد بك) إنه رجل بصير بالأمور وهو بوسنوى الأصل ، شجاع بطل.

و (بيقلى محمد بك) بوسنوى الأصل ولكنه ليس كثير الأتباع.

و (جندى محمد بك) تربى فى قصر السلطان ، وسجن فى جزيرة «الم» لدخوله فى زمرة المتمردين.

و (كور عمر بك) أى عمر بك الأعمى وهو جورجى الأصل تربى فى قصر السلطان ، وفقئت عينه وهو يلعب الجريد ، أسندت إليه بكوية القاهرة فى عهد محمد الرابع.

٩٤

ومن البكوات الجدد (إبراهيم بك) وهو كردى الأصل ، بينما كان يشغل منصب كتخدا فرقة العزب أسند إليه جان بولاد زاده حسين باشا جدّة فعمرها.

(موسى بك) وهو من أبناء جند مصر ، عندما كان يشغل منصب كتخدا لقاسم بك منحه عبد الرحمن باشا إيالة جرجا بتوصية من أحمد باشا الدفتردار فعمرها.

و (محمد بك الحبشى) وهو جورجى الأصل ، بينما كان يشغل منصب كتخدا فرقة الإنكشارية ، لم يقبله الجند فمنحه عبد الرحمن باشا حكم أحد الألوية ، وظل فى منصبه طويلا ولم تكن له الحنكة فى الحرب ، وتقاعد فى المدينة المنورة ، وعاد إلى بلاده.

و (چنار مصطفى بك) حينما كان كتخدا الجند الإنكشارية تحالف مع المتمردين لإسقاط أحمد باشا. وفى عهد عبد الرحمن باشا ثار جميع مسنّى الإنكشارية ، وقالوا : إننا لا نريد فى طائفتنا رجلا يمالئ المتمردين ويعينهم ؛ فتجاوز عبد الرحمن باشا عن أخطائه وما بدر منه وأسند إليه بكوبة اللواء وأصبح أميرا على جدة ، وكان أرمنىّ الأصل يبيع الخفاف فى مدينة «إزمير» (١) إلا أنه شرف باعتناق الإسلام وأصبح من ثراة القوم.

و (حسين بك) لأنه تولى منصب كتخدا جاويشية عبد الرحمن باشا أسندت إليه بكوبة المنصورة ، إنه من الأناضول وهو صاحب فصاحة وإبانة وكرم حاتمى.

وولى نعمتى (قوجه مصطفى أغا رئيس الإنكشارية) وهو من قسطمونى (٢) ، إنه تقى صالح.

(مظلوم على أغا) قدم من الأستانة بفرمان السلطان وتولى رياسة الإنكشارية مدى حياته ، (قونداقجى مصطفى كتخدا وذو الفقار كتخدا وحسن كتخدا وحبشلى كتخدا ومحرم كتخدا وكنعان كتخدا وقاريغدى على جاووش وسليم جاووش وكمجى جاووش وجلبى جاووش وبكر جاووش وحسين جاووش وشريف جاووش الذى شنقه عبد الرحمن باشا ، وسليم أفندى وبكر أفندى ودلى حسين أفندى ورجب افندى وقره

__________________

(١ ، ٢) موضع بالأناضول.

٩٥

قبوجى زاده عبد الله افندى وأبوه قره قبوجى أغا و (عبد الرحمن أفندى الروزنامجى ، وإبراهيم أفندى كاتب الأيتام ، عمر أفندى كاتب الأرزاق ، وحسين جاووش زاده جلبى أفندى كاتب الجاويشية ، وأحمد چلبى افندى دلال القرية ، حسن أغا رئيس فرقة العزب ، وشعبان أغا رئيس فرقة المتفرقة ويوسف أغا الترجمان الرئيس ، وأحمد أغا كتخدا العزب وسيد حنفى الجاويش النقيب ، وقوجه حسين جاووش ومرزا كاشف ، ومسعود أغا وعبد الرحمن أغا وقوجه خليل نديم السلطان مراد وداود أغا شيخ الحرم ومحمد أغا ترجمان العجم ولا لا ياقوت) هؤلاء الأغوات سالفو الذكر كانوا من رجال وزراء سلاطين آل عثمان وكم من آلاف سواهم ، إلا أنهم أولياء نعمنا.

وبك الشراكسة سليمان بك وعبد الرحمن باشا ، وسليمان بك ابن الخزينةدار على أغا وأخوه كوجوك شاهين أغا وبيوك مصطفى افندى كاتب الإنكشارية ، وسليمان الجورجى كاتب الإنكشارية كذلك وسليم كتخدا وإسماعيل الكاشف وحموه قوجه حسن أغا ومحمد الكاشف كاشف البحيرة وقره على الكاشف وأحمد أغا كاشف الشرقية وجالق مصطفى أغا .. إلى آخره).

* * *

٩٦

الفصل الثانى والستون

ذكر أقاليم مصر فى ضوء علم النجوم والهيئة

والاسطرلاب ومساحة البلاد وطول نهارها وطالعها

والمسافة بالميل بين السماء والأرض ومساحة العالم بالميل

تفكّر الحكماء القدامى فى آلاء الله وكتبوا عن أحوال العالم ، فقد قيل «تفكروا فى ألاء الله ولا تفكروا فى ذات الله» لذا تفكروا فى آلائه ـ سبحانه وتعالى ـ ووقفوا على جميع أسرار الكون بقوة العلم وطول العمر ؛ فقالوا : إن المسافة بين الأرض والسماء ٣٥٦ ميلا وبناء على هذا الحساب فإن محيط الدنيا ٢٠١٦٠ ميلا تقع فى البحر المحيط ، وتقع جزيرة مصر داخل هذه الدنيا. وطول قطر هذه الدنيا من الشمال إلى الجنوب ٦٤٠٠ ميل.

يقول ابن الوردى فى صحفه : إن بطليموس الحكيم قدّر محيط الأرض ب ٢٠١٦٠ ميلا (أى ٨٠٠٠ فرسخ) ، والميل يساوى ٣٠٠٠ ذراع مكى والذراع المكى ٣ أشبار ، وكل شبر ١٢ إصبعا وطول إصبع يساوى ٥ حبات شعير ونحن نقدرها ب ٧٦٣٦ ميلا (أى ٢٥٤٥ فرسخا) وثلث ، والمساحة الكلية لسطح الأرض ١٣٢ ألف ألف ميل و ٦٠٠ ألف و ٢٨٨ فرسخا.

وهذه الأقوال المذكورة هى أقوال صحيحة لبقراط وسقراط وفليقوس وبطلميوس وهم الذين أحاطوا بعجائب العلوم وغرائبها ، وملكوا ناصية شتى العلوم والفنون وكتبوا ما كتبوا بقوة العلم دون أن يتجولوا فى الأرض من أقصاها إلى أقصاها ، ودون أن يكون علمهم عنها علم اليقين ، وقالوا : إن محيط العالم ٢٠١٦٠ وكان ذلك بناء على أعمال عبقريتهم.

ولفظ «فتحتا» فتاريخ سنة ٨٨٩ حينما ضرب السلطان بايزيد ولى (١) الحصار على قلعة «كرمان» قدم عليه راهبان التقيا به وب «قره شمس الدين السيواسى» وزفا إليه البشرى بأنها ستفتح فى يوم كذا وساعة كذا ودقيقة كذا. وهذان الراهبان أحدهما كان

__________________

(١) هو السلطان بايزيد الثانى العثمانى ، اشتهر بلقب ولى بسبب تصوفه.

٩٧

يسمى «بادره» والآخر «بطريق قولون» ، وقولون هذا من أهل البرتغال أما بادره فمن أهل أسبانيا وقد عين لهما السلطان با يزيد خدما وشاء الله أن تفتح قلعة «كرمان» فى نفس اللحظة التى عينها هذان الراهبان وجاءت البشرى بتسلم مفاتيحها. هذا ما وقع فعلا. وتاريخ فتح هذه القلعة كان لفظ «فتحتا» ومن بعد كرم هذان الراهبان بما لا مزيد عليه من تكريم. ثم سئل هذان الراهبان كيف عرفا من سيفتح هذه القلعة فأجابا :

أنهما عرفا ذلك بفضل من علم الرهبان والعلماء النصارى ، وقالا : لنا أكثر من بشارة نزفها إلى مولانا السلطان. إن ابنك سليم والى طرابزون سوف يكون له ملك مصر ، كما سيكون له ملك مكة والمدينة ، وسيملك ابنه سليمان «التفاحة الحمراء» (١). وإن طالع الدولة العثمانية لطالع سعيد وستكون الدنيا بأسرها فى حوزتكم ، ولكن لنا بشارة أخرى عظيمة لسلطاننا كذلك وقال «قولون» أنت يا مولاى أعظم السلاطين كافة ، يسر الله لك الملك ، بينما كنت أطوف فى الآفاق منذ مائة وأربعين عاما وبادره هذا يطوف منذ مائة وخمسة عشر عاما وطيلة هذا العمر المديد طوفنا فى العالم سبع مرات. وعبرنا من خارج مضيق «سبتة» غربا سبعة آلاف ميل بفضل قوة العلم فاكتشفنا ما يسمى «العالم الجديد» : وفيه ما لا وجود له فى عالمنا هذا ، ففيه أنواع من الحيوانات والجبال والحدائق وأناس لا يعرفون الحشر ولا النشر ، والذهب فى كل أنهارهم والمعادن فى كل جبالهم وسهولهم مروج وجو بلادهم لطيف ، إنها أرض بكر لم تطأها قدم يسر الله فتحها لسلطاننا. تلك هى البشرى التى أزفها إليك يا مولاى السلطان.

فقال السلطان بايزيد : لا بد لنا من فتح مكة والمدينة وإحكام سيطرتنا على هذا العالم وليس من اللازم أن نتجاوز البحر إلى تلك البلاد البعيدة.

وعند ما قال السلطان هذا من كلامه ودعه الراهبان بتقبيل يده ثم انطلقا إلى البابا وأطلعاه على أوصاف الدنيا الجديدة فقدمت لهما أسبانيا اثنتى عشرة سفينة وبسطت سيطرتها على هذه الدنيا الجديدة ، ثم ملكتها انجلترا بعدها ، ثم آل ملكها إلى ملك هولندا وللدنيا الجديدة الآن اثنى عشر ملكا ومنذ تاريخ «فتحتا» (أى عام ٨٨٩) إلى

__________________

(١) اسم كان يطلق على روما قديما.

٩٨

يومنا هذا أقيمت ففيها ٣٠٦٠ قلعة ويتناحر الملوك فيها من أجل الاستيلاء على معادنها حتى إننى بعد أن فتحنا «أويوار» وصلت بلاد الألمان برفقة السفير «محمد قره باشا» فى طريقنا إلى إمبراطور النمسا وصلنا مدينة تسمى «لونجاط» على شاطئ البحر المحيط ، وكانت سفن الدنيا الجديدة ترسو على ذلك الشاطئ وفى كل منها ثلاثة آلاف رجل وكان بين من على ظهر هذه السفن أناس من الدنيا الجديدة قصار القامة يلبسون الريش فكلفت تراجمة النمسا بسؤالهم عن الدنيا الجديدة فما كان منهم إلا أنهم سبوا الراهبين «بادره» و «قولون» اللذين أفعما دنياهم الهادئة الآمنة بالطامعين فيها والذين يحاربونهم على الدوام لإبادتهم وقصف أعمارهم.

ومحصلة القول أن الراهبين بادره وقولون ، بفضل العلم وتطوافهما فى الدنيا ، بذلا الوسع فى الاطلاع على آلاف من كتب التاريخ وراجعا كتب الأطالس والهيئة وقضيا عمرهما فى السياحة والتطواف وكتبوا عما وقفا عليه من حقائق هيئة العالم.

ووصل هذان الراهبان إلى تلك البلاد التى لم يصل إليها كل من فليقوس وبطليموس فى الزمان القديم على شدة الحر والبرد وما يكتنفها من مهالك ومعاطب بعد أن ساحا فى الأرض مرات ومرات شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ، وذكرا أن مساحة العالم ٨٧٠٠٠ ميل كما ذكرا أنهما لم يبحرا فى شواطئ البحر الأبيض ولا البحر الأسود بل أبحرا حول هذا العالم الجديد عبر المحيط.

وقد رسم ملاحو العالم كافة خرائطهم فى ضوء ما كتبه الراهبان بادره وقولون ويبحرون فى البحار معتمدين كل الاعتماد على هذه الخرائط ، فقد اكتملت لهذين الراهبين آلاف التجارب ونجت السفن فى البحر المحيط بفضل ما كتباه ووصلا إلى جميع موانى الدنيا وحملا من أحجارها ومعادنها وكتبا عن اعتدال جو تلك الموانى كما كتبا عن جبالها وأحجارها وأجوائها ومنبع كل نهر فيها. اتفق جميع علماء الهيئة رأيا على أن مساحة الدنيا القديمة ٨٧٠٠٠ ميل على نحو ما قال بادره وقولون ، وكل ميل يساوى ٤٠٠٠ ذراع أسود ، والذراع يساوى ٢٤ اصبعا ، وكل ميل يساوى ٤٠٠ قدم ، والفرسخ يساوى ١٢ قدما (أى مسيرة ( ) (١) ساعة).

__________________

(١) بياض بالأصل.

٩٩

وقد قسم حكماء السلف وجه الأرض إلى سبعة أقاليم بعلم الاسطرلاب :

ـ الإقليم الأول :

يقع كذلك فى جزيرة مصر ويمتد إلى منبع النيل عند جبل القمر.

والإقليم ـ بعلم الاسطرلاب ـ عبارة عن خط يمتد من الشرق إلى الغرب فتكون جميع المدن الواقعة على هذا الخط لها نفس الأرض ونفس طول النهار.

وثمة إقليم آخر يقع على حدود بلاد الحبشة جنوب جزيرة مصر وهذا الإقليم الآن فى حوزة البرتغاليين ويسمى فى علم الهيئة «مدار الجدى» ويطلقون على نهاية الإقليم الثانى اسم «خط الاستواء». هذا ما اصطلح عليه العلماء.

أما عرض الإقليم الأول ف ١٢ درجة و ٤٠ دقيقة. ومن خط الاستواء جنوبا يتبقى جزء من العالم وهذا الإقليم بما أنه غير معمور لشدة الحر فيه لم يعده العلماء إقليما. لأن هذه الجهات هى البحر المحيط وبه بعض الجزر. وعند بطليموس أنه وراء خط الاستواء ب ١٦ درجة و ٢٥ دقيقة بعض البلدان المعمورة بالقرب من ولاية الزنوج وأقاليم الحبشة ولكن فى الوقت الذى لا يطيق فيه الإنسان شدة حرها تكثر فيها الفيلة والقردة.

حتى إنه فى شهر يوليو من عام ٨٣ عندما كنت فى سياحتى بفونجستان وحرها جد شديد تجاوزت خط الاستواء جنوبا قاطعا المنازل طاويا المراحل طيلة سبعة وعشرين يوما فارتفعت ربع دائرة فوجدت بالحساب أن طول النهار ( ) (١) ساعة و ١٦ درجة و ٢١ دقيقة.

أما وسط الإقليم الأول فمن المتفق عليه أن عرضه ١٦ درجة و ٣٧ دقيقة ، وطول نهاره ١٣ ساعة.

ـ الإقليم الثانى :

يبدأ من خط عرض ٢٠ درجة و ٢٧ دقيقة وطول نهاره ١٣ ساعة و ١٥ دقيقة ، ووسط هذا الإقليم خط عرض ٢٤ درجة و ٤٠ دقيقة وطول نهاره ١٣ ساعة.

__________________

(١) بياض بالأصل.

١٠٠