الرحلة إلى مصر والسودان والحبشه - ج ٢

أوليا چلبي

الرحلة إلى مصر والسودان والحبشه - ج ٢

المؤلف:

أوليا چلبي


المحقق: الدكتور محمّد حرب
المترجم: الدكتور حسين مجيب المصري وآخرون
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٤
الجزء ١ الجزء ٢

وبناء على أمر أصدره السلطان محمود ركبت من دمر قبو فى سفينة فارسية ، ومضيت إلى قلعة ترك فى ولاية موسكو وشاهدت فى ولاية موسكو ستّا وسبعين قلعة ، وصل محمد باشا إلى قلعة أزاق فى اليوم الأربعين من شدة زمهرير الشتاء ، وقد عزل كذلك عن قلعة أزاق فى هذا الأسبوع فدخل القرم ، ومع آق محمد باشا فتح أدرنة ، ومعى دخل مورية ، ومع قبلان باشا دخلنا قلعة نبولى ، ومضينا فى جزيرة كريت إلى قلعة خانيه ومع الوزير فاضل أحمد باشا فتحنا قلعة قنديه فى ثلاث سنوات ، وتيسر لى فتح أزاق ثم فتحت ولاية ممانيه على يد قبودان كوسه على باشا ، ثم مضينا إلى سبوط ثم استانبول ومنها إلى مكة المكرمة ثم مصر وبرسالة وزير مصر إلى فونجستان ثم إلى الحبشة ثم دخلت البريمه ، وو الله أنى طوفت فى ممالك تسع ملوك فى أحد عشر عاما ، وهذا من فضل ربى رب العزة أنى وصلت إلى فونجستان وبربرستان وما ضقت ذرعا لحظة بهذه الرحلة ، وكنت فى صحة وعافية ، ومن مدينة إبريم ثم ودعت خلانى وأحبابى وركبت السفينة فى النيل إلى الجانب المواجه لأن فى ذهابى إلى فونجستان شاهدت الضفة الشرقية للنيل ولذلك شئت أن أشاهد الضفة الغربية.

بيان بالقرى والقصبات والمدن التى شاهدتها

فى رحلتى من إبريم إلى مصر

وبينما سرنا على ضفة النيل الغربية فشاهدنا سبع قلاع خربة فتجاوزناها فرأينا على شاطئ النيل بلدة سبوع وقد بناها كهنة فرعون بالسحر وفيها تماثيل من حجر أسود ، وهى تحت حكم إبريم وفيها مائتا بيت من قصب وجامع ، وعلى ضفة النيل طوينا ست مراحل وفى قبائل كنوز العربية كنا نشرب ماء النيل ونأكل لحم الجمل ونشرب لبن النوق ونطعم خبز الذرة ، فطوينا المراحل وإن قبيلة كنوز تتألف من عشرة آلاف مسلم عربى أبيض البشرة ، وهم يتحدثون بالعربية وهؤلاء القوم على علم بالحشر والنشر وعلوم الشرع والحديث الشريف ، ومنهم قبيلة أخرى تسكن الضفة الشرقية للنيل وعددهم قليل ومرعاهم ضيق ولكن من يسكنون الضفة الغربية منهم بلادهم نهايتها المغرب وهم كثير

٤٦١

ولهذه القبيلة على ضفة النيل على ستة مراحل خمس وعشرون قلعة خربة ولكنها لو رممت لكانت قلاعا عظيمة ، وهذه القلاع لكهنة فرعون ولهم أيضا قلاع ولاية الى ، وبينما كان هارون أخو موسى ـ عليه‌السلام ـ وزيرا له قدم إليها مع جند الإسلام (١) وفتح كل تلك القلاع وهزم الفراعين وسوى قلاعهم بالأرض هدما ، وفى هذه الأرض عجائب وغرائب الآثار ، ولو كتبنا عنها لاقتضى ذلك منا طومارا كبيرا ، وفى اليوم السابع شاهدنا قلعة طومانس.

قلعة طومانس

ليس لها رئيس ولا أتباع وقد أقامها عرب كنوز وبما أنهم لا يستطيعون الهجرة فإنهم يسكنونها ، وهذه البقعة هى حد لكاشفية إبريم وهى قضاء إسنا وبعد تسع ساعات بلغنا بلدة رقبة.

بلدة رقبة

تقع على الضفة الغربية للنيل ، وبها ستمائة بيت من حصير وجامع قديم بلا منارة ، وغادرناها شمالا على ضفة النيل ، وبلغنا قبيلة عربية هى قبيلة قارح وهم ستة آلاف من العرب بيض البشرة ، إنهم رحّل يقيمون الخيام ، وكلهم مسلمون موحدون ، ومضينا عنهم وبعد ست ساعات بلغنا بلدة حمام فرعون على ضفة النيل ، وهى فى حكم إسنا وبها ستمائة بيت من الحصير وجامع ، ولها حمام كان فرعون بداخله على الدوام ثم ابتلى من بعد ملك القبط بمرض الجذام ، ولما كان يداوم على دخول هذا الحمام شفى من مرضه ، إن هذا الحمام يشبه طاق كسرى ، وهو حمام مشهور فى جميع الآفاق ومن جدرانه تفوح رائحة المسك والعنبر ، ومضينا عنها وبعد ست ساعات بلغنا جزيرة باجه.

جزيرة باجه

إنها جزيرة عظيمة فى النيل وهى كثيرة الأشجار ، وفيها جماعة من العرب هم بنو حمام كما أن فى الجزيرة معادن مختلفة ، ولكن لا يعرفون كيف يستخرجونها ، وهذه

٤٦٢

الجزيرة تسمى جزيرة الشلالات ، وقد سبق التعريف بها ، وسرنا أربع ساعات من بعد على ضفة النيل.

بيان قلعة أتفو

إنها فى حكم إسنا وهى بناء قديم على ضفة النيل وليس لها رئيس ولا أتباع له وهى بناء محكم ركين ، ولها باب ، وهى مربعة الشكل ومحيطها ألفى خطوة فيها مائتا جندى وثلاثمائة بيت من قصب وجامعان وثلاثة مساجد إنها تقع فى التزام إسنا وليس بها سوق ولا حمام ولا خان ، ولكن حدائقها كثيرة ، وغادرناها وبلغنا قبائل هجيزة العربية.

قبائل هجيزة العربية

إنها ثلاثمائة من العرب على المذهب الشافعى وهم يقيمون خيامهم فى هذه البقعة ويرتحلون ، وهم قبائل مشهورة وقدم لنا شيخها ناصر على طعاما ومضينا عنها وفى وقت العصر بلغنا قبيلة العرب الجعفرية.

إن عدد أفرادها تسعة آلاف وهم يقيمون فى تلك البقعة وشيخهم يسمى شمير الدين وفى عينه فتيل وعند ما يخرجونه يضعون فتيلا آخر فى موضعه ويقولون إن عينه أخرجت من قفاه فهى مثقوبة إنها جرح من رمح ، يا له من شيخ عظيم بعيد الصيت باسل ، لقد نزلنا عليه ضيوفا ذات ليلة ، ثم انطلقنا ست ساعات على ضفة النيل وبلغنا بلدة كلح.

بلدة كلح

بها مائة وخمسون بيتا وجامع ، ومضينا تسع مراحل شمالا على ضفة النيل فبلغنا قبيلة بصلى العربية ، عدد أفرادها ثلاثة آلاف وكل عملهم أن يزرعوا البصل ، لذلك أطلق عليهم هذا الاسم ، إنهم مسلمون عيونهم تدمع على الدوام لأنهم يكثرون من أكل البصل ويضعونه فى غابات النخيل ويرحلون ، وقبيلة هوارة على عداء معهم ، ولهؤلاء القوم طائفة فى جزيرة الشلالات ، والشيخ صيّاح يسكن عندهم ، وهو قطب عظيم ، وغادرناها وسرنا ست ساعات فبلغنا أسنا.

٤٦٣

أوصاف قلعة أسنا

إنها كاشفية أخرى لجرجا وتقدم إليها فى كل عام أكياس المال والغلال ومحاسبتها فى ديوان جرجا ولكاشفها مائة تابع ، وله سبع فرق ولهم غلال من الباشا فى كل عام ، وقضاؤها مائة وخمسون أقجه وتتبعها ست وسبعون قرية يتحصل منها كل عام ألف قرش ولها قلعة مربعة عظيمة على شاطئ النيل ، كما أن بها خمسمائة بيت وأحد عشر مسجدا ، وقد أقام هذه القلعة عمرو بن العاص عند ما فتح مصر ، ثم أقام جامع عمر ، وهى على غرار جامع عمر فى قنا ، وليس بها خان ولا مدرسة ولكن بها بضعة دكاكين وحانة للبوزه ، ومقهى ، ويقع فى غرب أسنا أرض خصبة وهناك يسكن قبائل الهجيزة ، وقبائل الجعفرية وقبائل مطحنة ، وإذا ما اشتد زمهرير الشتاء رحلوا إلى جبل الزمرد ، وأهلها يتميزون بالجمال لاعتدال جوها ، وفيها ضريح يزار منذ قديم الزمان ، وقد ضرب الحصار عليها عمرو بن العاص بخمسين ألف جندى حين فتحه مصر ودام هذا الحصار سبعة شهور وقد تم فتحها بعد حرب ضروس ، والخطيب فى جامعها يعتلى درجات المنبر ومعه سيف ، وقد استشهد فى تلك الحرب ستمائة من الصحابة الكرام وقبورهم معروفة وعليها أسماؤهم ، ولكن ليس فى الإمكان أن نذكرها لأن ذلك شرحه يطول ، ومضينا على ضفة النيل وبلغنا ضريح الشيخ صنيع.

هذا الضريح يتردد الناس عليه لزيارته ، وفى غرب مدينة أسنا على مسيرة نصف ساعة ضريح حمزة وفيه ثلاثة قبور ، ومن فى هذه القبور من أبناء حمزة ، ولا نعرف أسماءهم ، وعلى مسيرة ثلاث ساعات شمالا بلغنا بلدة أسفون.

بلدة أسفون

إنها بلدة فى أرض أسنا وفيها مائتا بيت وحدائق ونخيل وجامع ، وعليها أوقاف للسادات فى مصر ، ومضينا شمالا ومررنا بقبيلة مطعه ، بعد أربع ساعات بلغنا :

بلدة زيقت

وبها مائة وخمسون بيتا وفيها حدائق ونخيل ، وبها ركن من وقف الإسكندرية وبها جامع معمور ، ومضينا خمس ساعات شمالا وبلغنا بلدة أرمن.

٤٦٤

بلدة أرمن

إنها قريبة من النيل بها مائة بيت وجامع ، وأهالى هذه البلدة مواظبون على الصلاة وهم على المذهب الشافعى ، وكانت مدينة غاية فى العظمة وقد كتب عنها كثير من المؤرخين ، وفيها ولد موسى ـ عليه‌السلام ـ ، وخوفا من بطش فرعون ثبت موسى فى لوح وألقى فى اليم ، وكان من حكمة الله عند ما مرّ موسى أمام قصر فرعون أن اتخذت آسيا زوجة فرعون موسى ولدا ، وربته ، ورأى فرعون موسى وأعجبه من موسى حركته ؛ فصمت. ولذلك تواريخ وقصص كثيرة ، فى تفاسير الطبرى وغيره فلا حاجة بنا هنا إلى ذكر ذلك ، وسبب تسمية هذه المدينة أرمن أن جد موسى لأبيه اسمه أرمن ويسكن هذه المنطقة الآن اليهود والقبط ، ويزورون ضريحه فى الكهف وبذلك سميت المدينة بأرمن ، وكان لأرمن ابن يسمى هرم ولابنه ولد يسمى حنام فمضى حنام هذا إلى ديار ماهان ، وهناك أصبح له الملك فيها وولد له ابن فسمى ولده أرمن على اسم جده ، وأصبح أرمن هذا ملكا مستقلا للأرمن ولذلك نسب الأرمن إلى موسى وأرمن ، ثم جاوزناها ومضينا على ضفة النيل نطوى المراحل بين القرى المعمورة على جانبى النيل لمسيرة ثمانى ساعات ، وبلغنا بلدة قورنا.

بلدة قورنا

هذه البلدة هى حدود أسنا كما أنها حد جرجا ، وأهلها جميعا يسكنون الكهوف إنهم قوم بيض الوجوه ، وهؤلاء القوم استشهدوا على يدى هولاكو فى زمن المستنصر ، وبعد أن خرب هولاكو مدينة بغداد ، ولما استولى هولاكو على المدينة فر المستكفى بالله منها إلى مصر ، فجعل له الظاهر بيبرس بالقرب من أسنا موطنا له ؛ ولذلك تسمى البلدة قورنا ، وقد قدم أهل قورنا إلى المدينة الجديدة وسكنوها وقد قدموا بأموالهم وأرزاقهم ، وزرعوا الأرض وعمروا البلدة ، وكل مغاراتها من بناء سيف بن ذى اليزن ، ومن دخل هذه الكهوف أخذه كل العجب ، إنها من حجر ، وفيها مقرنصات بديعة ، إنها من عجائب الدهر ، وفيها قصور وقاعات ومطابخ واسطبلات من شاهدها أخذه كل

٤٦٥

العجب ، لقد كانت جميع الأحجار طوع هؤلاء القوم منذ الزمان الخالى ، وبعض هذه الكهوف يسكنها العرب كما أن أغنامهم وعجولهم تأوى إلى هذه الكهوف ، ثم مضينا على ساحل النيل خمس مراحل ، وبعد ست ساعات بلغنا بلدة نقاده.

بلدة نقاده

بناها مصرايم ، من فراعنة مصر ويسمونه أبا القبط وهو حفيد نوح ، وهو الذى بناها بعد الطوفان ، وأصبحت مدينة متراحبة الأرجاء ، وآثار أبنيتها للآن ، بها من الخراب ما يتجاوز ثلاثة أمثال ما فى مصر ، وبهذه الأرض خمسمائة بيت هى وقف وجامع وزاويتان وهذه المدينة نصف مسلمون والنصف الآخر قبط ، وشددنا رحالنا على شاطئ النيل لنجتاز فى صحراء متراحبة الأرجاء ، وبعد ثمانى ساعات بلغنا بلدة دندره.

بلدة دندره

إنها فى حكم جرجا وفى ناحية فرشوط ، وهى بلدة معمورة كأنها إرم ذات العماد ، بها ألف بيت وجامع وتجاوزناها فى أرض رملية حجرية وبعد سبع ساعات بلغنا قصبة به هو.

أوصاف قصبة به هو

إنها كاشفية أخرى لجرجا وليس فيها جند ولا قائد ولكن كاشفها يحصل فى كل عام للسلطان عشرين كيسا من المال و ( ) (١) أردب من الغلال ، وبها باشا لاستعجال الغلال ، إنها قضاء فرشوط ، ولها حدائق جميلة تشبه حديقة إرم ، كما أن بها ألف بيت وسبعة مساجد وجامع ذو منارة وسوق ومقهى وحانة للبوزة وداران للضيافة ، وليس فيها حمّام ولا سوق للبز ، والتمر فيها وفير من عجائب هذه المدينة أن فيها شجرة فى غرب المدينة هى شجرة سنط وقد تحطم جذع هذه الشجرة ، وسقطت بعض أغصانها على الأرض ، ولكن بنيت من جديد هذه الأغصان ، فأورقت هذه الأغصان وأثمرت ما ليس له مثيل ، وإذا جاء الخريف وهطل المطر سقطت هذه الأغصان على الأرض وإذا جاء الربيع تبدأ تورق غصونها ثانية وما وجد على ظهر الأرض شجرة لها مثل صفاتها

__________________

(١) بياض فى الأصل.

٤٦٦

ويقول الشيوخ من أهل تلك المدينة إن هذه الشجرة وجدت منذ ألف عام إن رجلا جنبا حمل فأسا وأراد أن يقطع هذه الشجرة ، وأصبحت أوراقها مثل أوراق الخريف وتسقط بعض أوراقها من الخوف ، وفى التو تبقى أغصانها على حالها ، وأهل الصعيد لا خبر لهم عن هذه الشجرة ، بيد أن الأقباط يعرفون هذا من أخبارها ، بل إن بعضهم هم الذين مضوا معى كى أشاهدها ، إنها دليل على بديع وغريب صنعه عزوجل ، ولقد شاهدتها فإنها تستحق المشاهدة ، وغادرنا هذا الموضع وسرنا خمس ساعات على شاطئ النيل وبلغنا قصبة فرشوط.

أوصاف قصبة فرشوط

إنها فى حكم جرجا إنها كاشفية أخرى تؤدى مالا وأكياسا أخرى ويحصل مائتان من سكانها الأموال ، ولهذا جند من الطوائف السبع وقضاؤها مائة وخمسون أقجه وتؤدى فى العام خمسمائة قرش ، لأن أهلها من عرب الهوارة المطيعين ، ولشيخهم ولد واحد اسمه على ، وله ثلاثة آلاف من الفرسان من الهوارة ، وعلى شاطئ النيل ثمانمائة بيت بين الحدائق والنخيل ، ولها أحد عشر مسجدا ، وجامع كما أن فيها بضع أسواق صغيرة ومقاه ، وحانات للبوزه ، ولكن ليس فيها مدارس ولا حمّام ، أما علماء فرشوط فهم كثرة ، ومنهم المفسرون والمحدثون وأكثر من ألف مصنف كما أن منهم مؤلفون من صالحى الأمة ، وفى مصر شهرة واسعة للعلماء الغمراويين والفرشوطيين والأسيوطيين ، ولاعتدال الجو فإن الشيوخ والشبان راجحة عقولهم كما أن الصبيان الذين يتعلمون فى المكاتب أذكياء مجتهدون ، وأصل تسمية فرشوط أن نوحا ـ عليه‌السلام ـ قدمها بعد الطوفان ، وقد وهب هذه الأرض إلى فرشوط بن مصرايم بن بيطار بن حام بن نوح ، وقد عمّر فرشوط هذا ألفا ومائة سنة وعند ما مضى إلى بلاد فونجستان ، بنى مائة وأربعين مدينة ومن هذه المدن مدينة فرشوط وكانت قديما مدينة جميلة ، وما زالت آثار أبنيتها ماثلة للعيان ، وغادرنا هذه المدينة ومضينا على ساحل النيل خمس ساعات وبلغنا قصبة سمنهوط.

٤٦٧

أوصاف قصبة سمنهوط

إنها مدينة عظيمة بناها سمنهوط وهو حفيد نوح لابنه بيطر ، إلا أن هذه المدينة على مر الأيام تلاعب بالاستيلاء عليها أبناءه فأصبحت مقرّا لأعشاش البوم ، والحمام ، إنها كاشفية تابعة لالتزام جرجا وتقدم عشرة أكياس من المال وستمائة أردب من الغلال ولها أغا لاستعجال الغلال ، ولكن ليس لها جند من سبع طوائف إلا أن كاشفا يحكمها مع مائة من رجاله ، ويحصل المال ، ولها قضاء فى ناحيتها ، والمدينة على ضفة النيل إن فيها حدائق ونخيلا وكأنها جنة عدن ، وفيها ألفا بيت وسبع محلات وعشرون مسجدا وثلاث جوامع كما أن فيها كثيرا من الأسواق الصغيرة ومقهى وحانة للبوزه ، وليس فيها مدرسة ولا حمام ، وكلهم من الهواره ، ونواحى هذه المدينة الثلاث أرض كثيرة الزرع ففيها القمح والفول والشعير لأن جوها لطيف ، وبها خيول فارّة والمغارات التى فى جانبها الشرقى بينها مغارة عظيمة.

اوصاف هذه المغارة

ومن عجب أن فى تلك المغارة بذر كتان تكوم من ألف عام وحجم هذه البذور كحجم حبة الفول فى يومنا هذا ، إنها بذور كبيرة للكتان ، ولم يوجد من مضى على هذه المغارة من أجل بذور الكتان ، وإذا ما رآها خرج سالما ، أما إذا قصد أن يأخذ بذرة من هذه البذور جاءته حشرات فأكلت جسده ، ولم يبق منه إلا العظام ، ولما كنا فى هذه المغارة أتت جاموسة إلى الغار فلما بدأت تأكل بذور الكتان قدم صاحب هذه الجاموسة ، فرأى أجناسا من المخلوقات قد دنت عليها والتهمتها بتمامها ، فخرج من الجاموسة إنسان وسد باب المغارة عدة مرات ثم بنى جدارا كأنه ترس ، يا له من منظر عجب وما أكثر العجائب والغرائب فى هذه المدينة لقد شاهدت هذا فمضيت أربع ساعات فى أرض مستوية على ضفة النيل مع نائب الكتخدا محمد أغا ، وبلغنا قصبة برديس.

أوصاف قصبة برديس

إنها نيابة جرجا يحصل غلالها أغا جرجا ، وهى كاشفية يحكمها كاشف مع خمسين من رجاله ، ويجمعون الغلال من أربعين قرية ويبقى منها عشرة أكياس ، وليس فيها

٤٦٨

جنود مستحفظون ، إنها قصبة على شاطئ النيل كثيرة الحدائق والبساتين وبها جوامع ومساجد وأسواق صغيرة ، ولكن ليس فيها خان ولا حمّام ، وجميع أهلها من قبيلة الهوارة وشيخها ابن أبى مؤذن بينما كنا عنده تحارب ابن الشيخ على ابن المؤذن مع أخيه حربا ضروسا أمام أعيننا ، فقتل سبعمائة رجل وفى التو واللحظة تعانق أهل القبيلتين ، وتصالحوا وانصرف عن القبيلة الفزع والجزع فحملوا القتلى على الخيل والإبل ، يا له من منظر عجيب ، ولا سئل عن هذا الحاكم ، وكأنما هذه الحرب كانت قانونا قديما ، ولم يتشاوروا فيه وغادرنا قصبة برديس وعبرنا حوالى مائة بلد من قبيلة الهوارة ، وفى الساعة الخامسة بلغنا مدينة جرجا.

أوصاف جرجا المدينة العظيمة

نزلنا فى قصر البك ، والتقينا بأصدقائنا وأحبابنا ، وأحضرنا الهدايا على الجمال والخيول ، وقدمناها إلى العرب لتربيتها وبسطنا إلى بك جرجا رجاءنا بالسماح لنا بالمضى إلى ولاية الواحة ، فقال على الرأس والعين وكان معنا خمسون جملا تحمل المؤن.

طوينا المنازل من جرجا إلى ولاية الواحات ، فغادرنا جرجا واخترقنا الصحراء غربا وسرنا فى أرض غير ذات زرع ، ولا ماء فيها ، وطوينا منازل وسرنا فى خمسة أيام بلياليها وبلغنا ألواح.

أوصاف (ألواح) تلك المدينة القديمة

يقال إن أول من بنى هذه المدينة قبل طوفان نوح حاكم مصر نقراوش ، وأنه كاهن عظيم بنى سبع مدن تسمى أمسوس ، وقد عمر مائة وثمانين عاما ، وبعد وفاته خلفه ولده انتراش وكان كأبيه ساحرا ماهرا ، وعمر ثلاثمائة عام ، إنه أول من بنى مدينة ألواح وتولى الملك من بعده أخوه مصرايم ، وكان كاهنا عظيما حكيما وقد عمر مدينة ألواح حتى أصبحت أعظم من مدينة أمسوس ، وبعد الطوفان أصبحت خرابا يبابا ، وبعد الطوفان وجد ابن كنعان بن نوح جثة أبيه كنعان فى مدينة ألواح فدفنه فى أرضها ، وقد

٤٦٩

عمرها بولجان بن كنعان بن نوح ، وفى غرب مدينة ألواح جبال حمر ، ويسمونها جبل كنعان ، وكنعان مدفون فى صخرة بها ، ويتردد كثير من القبط على قبره لزيارته ، أما المسلمون فيمتنعون من زيارة قبره لأن كنعان الابن الرابع لنوح إلا أنه لم يركب السفينة مع أبيه نوح النجى وارتد ، وغرق فى الطوفان ومات كافرا ، إنه مدفون فى مدينة ألواح ولذلك منعت زيارة قبره ، إن مدينة ألواح تقع فى صحراء مترامية الأطراف إنها لطيفة الجو وفيها ماء وفير ونخيل وحدائق ، وفيها ألف بيت صغير كما أن فيها جامعين وستة مساجد ، ومقهى وحانات للبوزه ولكن ليس فيها خان ولا حمام وسوق كبيرة ، ولكن يجتمع خلق كثير فى ألواح كل أسبوع ويبيعون ويشترون بالعملة الذهبية والقروش ، إنهم يؤلفون جماعة عظيمة وحاكم ألواح هو الكاشف الكبير ، وله قائم مقام ، ولألواح قاض ونائبه يحكم ، وليس لهذه المدينة قلعة ولكن حولها خندق يحميها كما أن لها سورا فيه سبعة أبواب ، يوصد البوابون هذه الأبواب ليلا ، وأبوابها من خشب النخيل ، والبوابون والحراس يغلقون هذه الأبواب ، لأنهم يخشون عادية عرب الصحراء غير أن بوابى هذه الأبواب حراس مهرة ، وبلغ الأمر من شهرتهم وبراعتهم أنهم يختارون كذلك بوابين وحراسا فى مصر لقصور مصر وقصر الكتخدا والديوان والقلعة ، حتى أن عمرو بن العاص حين فتح مصر أحسن إلى هؤلاء البوابين بل إن السلطان سليم حين فتح مصر اختار بوابى ألواح حراسا لأبواب مطبخ القلعة وباب ساقية القصر ، وقد تولوا حراسة القلعة ، ولما دخل العثمانيون مصر كان ذلك وقت المغرب رفع الأذان ورفعت الأعلام البيض على سبعة وسبعين برجا من أبراج القلعة وقرعت طبول آل عثمان هنا وهناك ، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها امتلأت القلعة ، لذلك تم فتح قلعة مصر وثمّة فرمانات لسليم خاصة بهؤلاء البوابين لأنهم منذ قديم كانوا بوابين وكانوا يتولون ذلك كابرا عن كابر ، وكان هؤلاء البوابون يتقاضون رواتب من الحكام والكاشفين ، وكان ذلك طبق قانون سليم ، وتقاريره تشهد بأن خمسين ألفا منهم كانوا يقومون بالخدمة وكان يأتى البوابون من ألواح مرة كل ستة أشهر ويمضى القدماء منهم ، وهم إلى يومنا

٤٧٠

هذا يؤدون خدمتهم ، إنهم معروفون باستقامتهم وتقواهم وحميد سجاياهم ، وسبعة من الواحات فى حكم جرجا إلا أنهم كانوا قبل ذلك فى حكم منفلوط وكانوا يلبسون الخلعه من قبله ومنهم من كان يصبح كاشفا لأنه كان فى منفلوط جمرك عظيم ، وفى كل عام كانت مئات الآلاف من الإبل والغنم والبقر تأتى من الواحات ويحملها العرب ويعلم بذلك كاشف الواحة ، فمع ألف من العرب وحاملى البنادق يقابلون القوافل القادمة من الولايات ، يقضون عليها ويأخذون كل شىء من أمتعتهم ويسجلونه فى دفتر ويقدمون هذا الدفتر إلى كاشف منفلوط ويعلنون ذلك فينال التجار بناء على ما جاء فى دفتر كاشف ألواح ينالون العشر ، فيجمع المال ولذلك كانوا تحت حكم كاشف منفلوط ، ولكن ذلك كان فى إيالة جرجا وكان لحاكم جرجا العشر من القوافل الآتية إلى جرجا وذلك طبق القانون القديم ، لقد شاهدت مدينة ألواح وتناولت الغداء مع قائم مقام الكاشف فأرسلت خمسمائة قربة ماء إلى الغرب من ألواح ، وفى اليوم الأول ونحن نعبر الصحراء عصفت ريح السموم فغطينا طعامنا بقرب الماء فحفظناها فرأينا بعد أن نمضى فنظرنا فلم نجد قطرة ماء فى قربنا ، وقال رفاقنا شكرا لله أن مدينة ألواح الكبرى قريبة ولو أن ريح السموم هبت علينا عند خروجنا من مدينة جرجا وقطعنا المراحل ستة أيام لما بقى شىء من الماء لدينا ووردنا موارد الهلاك جميعا ، فقالوا الحمد لله أن مدينة ألواح الكبرى قريبة وفى وقت العصر بلغنا مدينة قليمون.

أوصاف مدينة قليمون

بانيها هو كاهن من كهان قليمون ؛ ولذلك يسمون هذه المدينة باسم قليمون الحكيم ، هذا وبعد الطوفان كان لبيطر بن حام أبو القبابط ثلاثون ولدا كان أكبرهم مصر ، وأبو مصر وهو بيطر بن حام مات فى الطوفان فدفنوه فى جبل بجانب الهرم فاستقل ابنه مصر بمصر ملكا ، وكان له تسعة وعشرون من الأخوة فوزعهم على أقاليم مصر فعمروها ، وبعد الطوفان بألفين وستمائة سنة هلك ملكهم مصر وأدرك مصر الموت ، ودفن إلى جانب أبيه بيطر فى جبال الهرم ، وكانت جبال الأهرام هذه إلى عهد إبراهيم ـ

٤٧١

عليه‌السلام ـ مزارا للخاص والعام ، وبعده ملك مصر الملك قفط ولم يكن من ذريته ، فظهرت لغة القبط ، وقدم هود ـ عليه‌السلام ـ فى عهد قفط هذا وبناء على تعاليم هود ـ عليه‌السلام ـ بنى قفط مدينة ألواح وجعلها مدينة مثل إرم ذات العماد وقد حكم الملك قفط أربعمائة وثمانين عاما ثم مات فدفنه هود فى الهرم وبنى كذلك فى وادى القرى بالقرب من المدينة بالقرب من صخرة ناقة صالح مدينة سكنها ، ولذلك فإن حجاج الشام يسمون هذه المدينة مدينة هود ثم نقل الملك قفط ملكه إلى أشمون ، وقد بنى أخوه مدينتى ألواح الكبرى وأشمون وعمرها وما زالت فى خرائب ألواح الكبرى أبنية للملك قفط والملك أشمون وهناك تواريخ لها بالخط القبطى.

إن هذا الشيخ الفانى رأى عديدا من عرس الدنيا.

وبعد أن فتح مصر عمرو بن العاص واستولى العثمانيون على مصر من يد الشراكسة والآن يوجد من قبل خيره بك لمنفلوط كاشف آخر وهو يؤدى فى كل عام سبعين كيسا ، ولكن ليس ثمة أغا للغلال ولهذا الكاشف من مستحفظى الطوائف السبع مائة فارس وألف فارس من العرب وله سبع مدن فى الواحات ، وذكر هذا فى موضعه ، وغير هذه الواحات السبع لا وجود لقرى ولا قصبات وفيها أرض زراعية وحدائق كثيرة ويفيض للكاشف فى العام مائة كيس وإذا قدم التجار وكان الطالع طالع نحس ولم يأت الجلابه يتحصل من جميع الحدائق عشرة أكياس ، وهذه الواحات قضاءها مائة وخمسين أقجه ، ولها شيخ إسلام ونقيب أشراف وشيوخ على المذاهب الأربعة ، ولكن ليس فيها أعيان ولا أشراف والفقراء فيها كثير ، فى داخل هذه المدينة وخارجها فى الصحراء آثار كثيرة ، وبها آلاف الطلاسم كما دفنت فيها كنوز وكنوز ، وعلى الأحجار والصخور علامات متعددة وإلى يومنا هذا يستخرج المغاربة هذه الكنوز الدفينة وليس ثمة من يمنع ذلك وعلى كل كنز يهلك آلاف مؤلفة من أهل الهند والسند يهلكون وترقد جثثهم تحت الرمال ، إن المعادن فى تلك الأرض لا يعلم كثرتها إلا الله ـ سبحانه وتعالى ـ ومن هذه المعادن حجر الشب الأحمر والتراب الأحمر والزاج والزرنيخ وحجر الكلس وحجر

٤٧٢

الفرح وحجر اليرقان ، والحجر البلغمى وحجر البلاط وهو حجر لين ، وينشر بالمنشار قطعا قطعا وهم ينضدون به أرض البيوت والحمامات وبعد أن يمر عليه الهواء يصبح صلبا وكذلك معدن الرصاص والذهب والفضة والكبريت والنفط والقطران غير أن القوم لا يعرفون كيف يستخرجون المعادن ولكن لهم محاصيل أخرى كثيرة ، ولا وجود للحديد ولا النحاس فيها ولكن لديهم مياه كثيرة ، وإذا ما طلب أحد ماء حفر الأرض فيخرج منها ماء عذب ويسقط الماء من فم الغنم ، وإذا حفرت الأرض وظهر الماء حمل إلى الحدائق ليرويها ، إن الماء العذب غزير وفير ، وبعض هذه المياه مسهل وبعضها قابض وبعض هذه المياه مثل الخل يضعونه فى الحساء ، وهو حامض فى غاية الحموضة ، ومن المياه ما هو ماء ملح وهم يضيفونه إلى الطعام ، ومنها ماء أحمر اللون ومنه يخرج سمك النيل وإذا مسحت الجراح ببعض المياه اندملت وشفيت ، ومن حكمة الله أن هذه المياه متغايرة فلكل ماء طعم ولون وخاصية (يفعل الله ما يشاء بقدرته ويحكم ما يريد بعزته) ، وأهل الفرنج يصنعون من هذه المياه ، الزجاج والصفيح والنحاس الغليظ وهم يضعون كل ماء بما له من خاصية فى جرار يرسلونها إلى مختلف البلاد وهذه المياه لا تصيبها الكدرة ولا يلحق بها تغير فى يوم من الأيام ، وكان معنا رفيق يركب وحيد القرن وهو درويش ولما مسح وجهه بالماء ابيض وجهه ولحيته ولما سألته عن سبب بياض لحيته ، وكنت أنظر إلى اللحى لأرى ، وقد توضأت ، وتسائلت عن أثر الوضوء فقال إن مسح لحيتك بهذا الماء منظر عجب فإذا سرق اللصوص خيولا أو أنعاما وكان لونها أسود أو أحمر غسلوها بهذا الماء فأصبح لونها أبيض ، وبذلك تمكنوا من بيعها دون ما خشية أن يفتضح أمر سرقتهم ، وتلك خاصية لهذا الماء وكان عندى فلو غيرت لونه إلى الأبيض بهذا الماء فغسلته به فصار لونه كلون اللبن ، وفى ولاية الواحات سبع مدن بين كل مدينة وأخرى مسيرة يوم واحد وفيها حدائق وبساتين ومزارع ، ولكن ولاية ألواح الكبرى معمورة لأنها عاصمة الحاكم ، وفيها قاض وأعيان ، وسبب تسمية هذه الديار بالواحات أنه قد بناها كنعان بن نوح وله بنتان إحداهما تسمى كنسه والأخرى تسمى

٤٧٣

حديه وقد وجدتا مع نوح فى السفينة عند الطوفان ، وكانت لهما النجاة إلا أن أباهما هلك فانطلقتا إلى الجبال فنقلتا جثة أبيهما على ألواح ودفنتا جثته فى غار فشعب السّلوان قلبهما ولكن داما على حزنهما عليه ليل نهار وذهب بصرهما وتمثل لهما إبليس فى هيئة شاب وسألهما قائلا أنتما من بعد فراق أبيكما فى بكاء ونحيب أتريدان أن تشاهدا أباكما فى التو؟ وأخذ إبليس لوحا من ألواح أبيهما وصور على تلك اللوح صورة لكنعان أبيهما ، وكأن كنعان حى وحملت البنتان هذه الصورة إلى دارهما وكانتا إذا نظرتا إليه وجدتا الصبر والسلوان ، ودامت حالهما على ذلك مدة مديدة حتى أدركهما الموت ، أما أولادهما فقد عبدوا هذه الصورة التى على اللوح فأصبحوا من عبدة الصنم ، ولذلك سميت عبدة الأصنام ، باللوحية نسبة إلى عبادتهم هذا اللوح ، ولذلك سميت هذه المدينة بألواح ، وهذه اللوحة فى كنيسة على شاطئ النيل فى الضفّة المقابلة فى كنيسة لرهبان من القبط ، وتسمى الكنيسة دير أم على وهم يعبدون هذه الصورة وأقاموا أصناما مثل ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر وعبدوها فعبد الكفرة هذا اللوح إلى الآن ، وقد رأينا إبان سياحتنا أن الكفار يعبدون الصورة وإذا ما سب الكفار سب بأنه يؤمن باللوح ، ولقد كانت عبادة الألواح هذه بإغواء من إبليس ، وفى جوانب مدينة ألواح الكبرى الأربعة قلاع ، ولهم رؤساء وجنود ومدافع ، إنها مدينة تقع فى صحراء مستوية وبيوتها جميعا مكسوة سطوحها بالتراب والكلس وبها مساجد وجامعان لهما مئذنة ، وليس فيها حمّام ولا مدرسة ولا تكية ولا خان ولا مبرة ، ولكن فيها أسواق صغيرة ومقهى وحانة للبوزه ، وليس فيها سوق للبزّ ولقلاعها أبواب متينة وليس فيها أبنية مكسوة بالرصاص ولكن بها آثار لعمران قديم لا يعلم حصرها إلا الله ؛ ولطيب جوها كان جمال أهلها ، وأهلها يكرمون ويحبون الغرباء ، وفى حدائقها طيور ذات تغريد يثير الطرب فى النفوس ، وفى بساتينها بطيخ أصفر وأخضر لذة للآكلين ، إنها كثيرة الخيرات ومتكاثرة الكائنات ، وأنهارها جارية ، أما التمر فيها فمن مائة نوع وعشرة وإذا ما نضج التمر الأحمر كان فى حلاوة التين وإذا ما اصفرت التمرة بلغت

٤٧٤

التمرة طول الساعد وطولها طول التمر المعروف بالخصطاوى فى بغداد وهو لذيذ الطعم ، وما فى هذه الديار من رطب لا وجود لمثله فى البصرة ولا بغداد ولا الطائف ولا الحجاز ولا الإحساء ولكن فى المدينة المنورة التمر المعروف بجلبى فهو تمر لذيذ المذاق إلا أنه قليل وفى كل عام يحمل التمر من ألواح إلى الأقاليم السبعة حمل خمسمائة ألف بعير من التمر كما أن بها الخوخ والمشمش والكمثرى والعنب والتفاح والرمان والتين والتوت كثير طيب ، كما أن الجميلات فيها كثير ولكن الفقراء فيها أكثر ولذلك لا عدالة فى هذه الديار كما أنه يكثر فيها ذوى البشرة السمراء ، وأهلها يتجرون فى الغنم والمعز والعجول والبساتين والتمر وهم بذلك يعيشون فى كفاف.

* * *

٤٧٥
٤٧٦

الخاتمة

ولله نحمد أن كتابنا هذا بلغ نهايته هنا ، كما نحمد الله ونثنى عليه الثناء كله على أننا أقمنا فى ديار مصر القاهرة نادرة العصر وجعلنا أوراق كتاب رحلتنا هذه المتفرقة مثل خرقة الدرويش ذات ألوان.

وكانت ألفاظها من بدايتها إلى نهايتها فى عصر والى مصر الباشا وأتممنا كتابنا فى ظل خيره ورعايته وإن كان هذا الكتاب فى رأى العقلاء والحكماء لا يخلو من نقص وعيب وذلك لكثرة تنقلنا بين البلاد ولم يهتم بكتابته بألفاظ جذلة والمرجو منهم أن يغضوا النظر عن السهو والغلط ، ولعلهم يسترون عيبه وأن يمحوا مواضع هذا الخطأ وأن يصلحوا ما فيه الحاجة إلى إصلاحه فى عبارته ، فلقد حملت مسودات هذا الكتاب وأنا أسيح فى البلاد خمسين عاما ولكثرة سياحتى انزويت فى ركن العزلة ولم يتيسر لى أن أتتبع كل ما جاء فى التواريخ ، ورأيت نهاية حادث من الأحداث ، ولم أقيد فى كتابى نهاية حدث بالذات ، ولكن أستاذنا فى ديار مصر الشيخ على شمرلى ألقيت إليه السمع وأخذت عنه التفاسير الشريفة والأحاديث النبوية والآيات الكريمة فأثبتها فى مواضعها ، وبذلك تجرأت على كتابة هذه الأوراق (والعذر عند كرام الناس مقبول) ، وأنا أدعو الله له بالخير ولم أورد المثنويات فى خاتمة الكتاب وذكرت.

هذا التاريخ كتبه أضعف الكتّاب الحاج محمد المعروف بحافظ القرآن المجيد من تلاميذ محمد راسم كاتب السراير العامرة لسنة خمس وستين ومائة وألف من هجرة من له السعادة والمجد والشرف.

وإذا سأل من ينظر فى هذا الكتاب حين يفتح صفحات هذا الكتاب وجد وصفا لما يريد من القرى والقصبات والمدن ، ففى الصفحة الأولى من هذا الكتاب ديباجة خطبة باللغة العبرية بوزن مفتعلين مفتعلين ، وذكر أوصاف البلاد القديمة والعظيمة التى فى مصر المحروسة نادرة العصر أى أم الدنيا وأسماء كتب التاريخ وعرفت بالملوك الذين قدموا وحكموا مصر قبل وبعد الطوفان ومن بنوا مدن مصر بعد الطوفان ، وعرفت بمائة

٤٧٧

وخمسين خليفة ، وعرفت بالعمالقة والملك طوطيس وإبراهيم ـ عليه‌السلام ـ وزوجته ساره ، كما ذكرت حكاية اعتناق سارة للإسلام وبينت أن بوست الصديق نبى مدينة الفيوم كما عينت تاريخ وفاته وذكرت آل ريان والأنبياء الذين قدموا مصر وذكرت كذلك حكاية الإسكندر ذو القرنين ، وعرفت بشط العرب وعرفت بموسى عليه‌السلام ورفيقه الخضر ، أما الذين قدموا مصر من آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والذين دخلوها من الحكماء آل الأشكانيين وآل الكيانيين وآل الساسانيين وعمرو بن العاص الذى فتح مصر فى عهد عمر بن الخطاب هؤلاء ذكرتهم الآيات الشريفة صريحة وكناية ، وكذلك الآيات الكريمة والأحاديث كما ورد ذكر عن الحرب التى نشبت بين عمرو بن العاص وكفار الروم ، وكذلك ما وقع بين المقوقس وجميع الملوك الذين ملكوا مصر من عهد عمرو بن العاص إلى عهد السلطان العثمانى محمد الرابع أولئك عرف بهم هذا الكتاب ، كما تضمن الكتاب تاريخا للعباسيين والفاطميين والطاهريين والصفاريين والسامانيين والزياريين والبويهيين وآل سبكتكين ، وكذلك الغوريين والخوارزميين والسلاجقة والقرامانيين ، ودولة تاج الدولة والأتابكة ، وآل العمرية وآل البكيان كبير وآل الصالحيين والأيوبيين وشاد الكردى وآل البحرية ، ودولة الشراكسة ومماليك البحرية ، والتركمان والأكراد والقراخطائيين وآل الأيوبيين اليمنيين ، وآل الملاح وآل بنى أرتق ودولة آل مروان وآل مرداس الكلابى وآل بنى أسد وآل بنى همذان وآل بنى عقيل بن أبى طالب وأمراء آل التركمانيين وآل ماهان الدانشمنديه وآل قره يوسف وآل أق قيونليين وآل دانشمند سيواس وآل ملوك أصفهان وآل دربنديان وآل شامخاليان وآل الأوزبك وآل جنكيز وكلهم اثنتا عشرة فرقة وكذلك آل جنكيز القرم وآل جنكيز ما وراء النهر وآل جنكيز إيران وتوران والتيموريين من آل جنكيز صاحب خروج وأولاد تيمور خان توركان ، وممالك ايران وتوران وهمدان وآل تيمور خاقان الهند ودولة ملوك السند ودولة ملوك مولتان وذكر أحوال خاقان الصين وأحوال ملك الصين الفغفور وأحوال ملك الديلم وأحوال ملك بلخ وبخارى ودولة الأنجوليين ودولة المظفريين ودولة آل جوبانيين وآل الإيلخانيين ودولة

٤٧٨

آل كرتباى ودولة السربداريين وآل العباسيين الأكراد وحاكم الجزيرة وسيد خان وصوران وأردلان والجزيرة وبنبانش وحاكم محمودى وحاكم حكارى وحاكم هيزان وحاكم بتليس وحاكم خرو وحاكم بالو وآل الكيانيين والعجم وآل الإشكانيين وآل القروانيين وآل المامانيين وآل الماهاتيان الذين هم أسلاف آل عثمان وآل بنى رسول الله وآل الهاشميين فى مكة وآل بنى قتادة.

ذكر سلاطين مصر القاهرة

وبعد أمير المؤمنين جاء الأمويون والعباسيون والإخشيديون والفاطميون وبينهما آل البحرية وبعدهم دولة نور الدين الشهيد فى الشام ، ودولة الشراكسة ودولة آل عثمان الذين فتحوا مصر القاهرة ، وأبو الفتح السلطان محمد خان والسلطان بايزيد خان وسليم خان الأول وأبو الفتح ومحاصر استانبول ، وفاتح قليون فى فرنسا وما أحدث الإمام الشافعى فى مصر من الصوباشية وأسماء ثمانية وأربعين سلطانا فى جزيرة مصر وكذلك ذكر أعيان مصر ووجهائها من سلاطين مصر الأوائل آل الأدارسة وآل حمودة وسلاطين الموحدين وآل بنى طاس والملثمين وآل بنى حرين والشرفاء وآل الكماليين وآل بنى الأغلب وآل بنى كلب ، وآل بادنيش وآل بنى حفص وسلاطين قاش ودولة مراكش وسلاطين السودان وسلاطين فونجستان والملك ققان وملك بربرستان وملك قرمانقه وملك بغه نسكى وملك حردقان وهم من عبدة النار وملوك ذى اليزن وآل بنى هلال وآل الأفاريقه وملك ماوى بورنوا وملك أفنو ودولة ديار الجزائر ودولة طونسى ودولة طرابلس والمغرب.

ملوك الجانب الشرقى فى جزيرة مصر

أولا ملك دومبيه وآل حابيه وسلاطين الحبش فى إقليم الحبشة وفيها ثلاثمائة ملك وفى الفصل الثانى عشر بيان عدد ما على الأرض من قرى المشركين ، أولاد كيومرث وذريته من آل دادانيان أربع طبقات ، ودولة كسرى وآل الدادانيين فى جورجيا ، والجورجيين ، وآل آجق باش وآل كوربل وآل شوشواد وآل مكرل وآل تاجدار وملك دار

٤٧٩

موسكو وملك له وملك جه وملك أردك المجرى وأورته المجر والملك أسفاج وملك هولندا ودولة الدانمارك ودولة دوتقارقيزه وملك جاسار انيره طورنمسه ودولة ملك انجلترا ودولة المجر الصغيرة والهرسك ومنها زرين أوغلو وبكان أوغلو ونداز أوغلو وكبان أوغلو وشوار أغلو ودودوشقه أوغلو ودولة بلاى البندقية ودولة دوبره البندقية وولاية قزل الما ودولة اريم بابا وهى رأس الدولة المسيحية هذا كله ما ذكر بيانه ، وملك فرنسا ودولة جنوه العتيقة ودولة العزاندوق ودولة البرتغال الضالة ودولة الأفلاق ودولة بوغدان والدولة الأوربية التى دانت لآل عثمان وهى اسلون وقورول وطوت وكروات والصرب والبلغار واللاتين والهرسك ونيبق ولاز وحيلاز والقزاق العاق والروس المنحوسين وألبانيا والموره وجقونه الموره ومانيه أورومى واللاز الأوروميه وفى جزيرة كريد الأصفاقيه الرومية ، وفى جزيرة القرم طاط إلى الرومية ، هذه الدول كلها تدين بالطاعة لآل عثمان. أما فى الأناضول ولاية جركستان وفيها :

أولا جزيرة طمان الشركسية وشغاكه الشركسية ، وزانا الشركسية ، وزانا الكبرى الشركسية ، وحاتوتاى الشركسية ، والأدمى الشركسية وبولتقاى الشركسية وبوزدوق الشركسية ومامشوخ الشركسية وولاية بسنى الشركسية وتققو الشركسية وولاية قبارتى الشركسية وولاية طاوسطان الشركسية لقد كتب عن كل هذه الدول على وجه التفصيل.

بيان من سكن القبيجاق والقلمان

الذين سكنوا فى بقاع أخرى من الكفار

أولا دولة طايسى شاه وموينجاق شاه وقوبه قلماخ شاه وجاقان قلماخ وكوك دان قلماح وأورميت قالمق والقرى التابعة لها كما فيه ذكر قوم أبازه الساكنين على ساحل البحر الأسود وفى الجبال والحدائق منهم أبازه جاجلر ، وأبازه وارلان وأبازه جاندالر وأبازه جاندالر الكبرى وأبازه كجلر وأبازه أرتلر وقوم صدشه الذين ليسوا من الأبازه والشراكسه ، وأبازه قامش ، وأبازه سوجه لرو من يشبهون الشراكسة وهم أبازه بوزودق وعشيرة فوتا الأبازيه ، وعشيرة بوسوخو وعشيرة أج جى وعشيرة بسلب وعشيرة ملكية

٤٨٠